الفصل الخامس
– بـ .. بتعمل إيه!!!
– هلبِسك يا نور .. متتكسفيش مني!!!
قال بلُطف، فـ نفت برأسها تقول بضيق:
– متشكرة، أنا مش عايزة حاجه منك!!! إنت فاكر إني ناسية كلامك إمبارح؟ و لا ناسية إيدي اللي طلّعت ضيقك كله فيها!!! لو سمحت يا فريد إطلع برا!!
– تنسي أو متنسيش دي مش مشكلتي،أنا هطلع و إنتِ إعملي اللي إنتِ عايزاه!!!
تركها تقف وحيدة ترتعد من البرودة، لتجلس على الأريكة تفكر في كلماته التي ألقاها بوجهها البارحة و التي لم و لن تقتنع بها، فإن كان زواجه منها ليس إلا رغبةً لكان أجبرها في أول يوم على إمتلاكها، وقفت عازمة على إثبات كذبه لنفسها، لتخرج من الغرفة تبحث عنه فوجدته جالس على الأريكة، ترددت لكن حسمت أمرها هامسة:
– فريد!!!
– يا نعم!!
هتف بضيق و هو ينظر لهاتفه، فـ قال مُصطنعة التعب:
– جسمي مش قادرة أحركُه .. ينفع .. يعني تيجي إنت تلبسني!!!
– قولنا كدا!!
قالها ساخرًا لينهض يسير خلفها، سارت هي أمامه تتمنى لو أن الأرض إنشقّت و إبتلعتها بجوفها، وقفت أمامه كالطفلة التي تنتظر عقاب والدها، و هو كان عقابًا لها بالفعل، بدأ في نزع ذلك القميص عن جسدها، أغمضت عيناها من شدة الخجل و هو لم يتوانى عن نز.ع حتى ملابسها الداخلية، فتحت عيناها لترى عيناه تُظلم برغبةٍ لكنه بهدوء ألبسها المنامية الثقيلة دون حتى أن يقترب منها، أغمضت عيناها و إقتربت منه ترفع ذراعيها له قائلة بتعب:
– وديني السرير!!
حملها بين ذراعيه فإلتصقت به مصدومة أنه لم يقترب منها و في نفس الوقت فرِحة للغاية، وضعها على الفراش ثم تركها و جلس على الأريكة فقالت بهدوء:
– مش هتنام؟
– هخلص حاجه و هنام!!
قالها متحاشيًا النظر لها، فهو يريدها و لكن لا يريد أن يكُن أنانيًا كعادته مع أي شخص سواها، لا يريد أن يرهقها فوق إرهاقها حتى لو كان سيـ.مُت إن لم تكُن بأحضانه، فيـ.ـمُت و لكن لا يُرهق روحها! سمعها تقول بوهن:
– طيب ممكن تيجي ثانية يا فريد!!
نهض و إتجه نحوها فـ حاوطت عنقه تجذبُه عليها قائلة بتعب:
– مش عارفة مالي .. حاسة وشي و جسمي سخنوا تاني!! إلمس وشي بـ خدك و شفايـ.ـفك كدا!!!
تنهد و فعل فـ إبتسمت بمكرٍ و هي تستشعر شفتيه فوق جبينها نزولًا لـ وجنتها، جلس جوارها و همس بهدوء أمام شفتيها:
– حرارتك نزلت عن الأول كتير!!
– أومال طيب!!
همست بحُزن زائف كل الزيف، و عيناها مثبتة على عيناه، تنهد و قال بهدوء:
– هطلبلك دكتورة تيجي تشوفك!
أسرعت تتمسك بعنقه قائلة بـ براءة:
– لاء متمشيش، خليك جنبي!!
نظر لها بإستغراب ثم قال ساخرًا:
– سبحان مغير الأحوال .. إنتِ كدا سخنة بجد!!
تنحنحت بحرجٍ و غمغمت:
– خلاص لو عايز تقوم قوم .. بس متطلبش دكاترة أنا هبقى كويسة!!!
– لاء مش هقوم!
قال و هو يمرر إبهامُه فوق وجنتها، شعرت بقلبها سيتوقف تتمنى ألا يفعل و يبدأ في القرب منها .. فـ هُنا ستتأكد من أنها بـ كينونتها لا تشكل فارقًا أمام رغباتُه، حاولت أن تدغدغ ضميرُه عندما همست بوهن:
– أنا تعبانة أوي يا فريد .. حاسَّة كإني بموت!!
إنقبض قلبه و نظر لعيناها موبخًا إياها:
– بعد الشر إيه الجنان ده!! شوية سخونية و هيروحوا على طول!!
ثم دفن أنفه في عنقها قائلًا بهدوء:
– و لولا إني عارف إنك تعبانة .. كان زماني عاقبتك بطريقتي على جملة زي دي!
رفع عيناه لعيناها التي برقت و قد تأكد حدسها:
– أنا رغم إني عايزك دلوقتي و مش عايز غيرك .. بس مقدرش أقربلك طول م إنتِ تعبانة!!
أسرعت تسألُه و الإبتسامة تزين ثغرها:
– ليه؟
قال و هو يلف خصلة من خصلاتها البنية حول سبابته:
– مش عارف .. يمكن مقدرش أبقى مبسوط و إنتِ تعبانة!
إبتسمت ملء فِيّها ولم تُعلق، فـ أراح جسده جوارها و أغلق الأنوام بذلك الجهاز المتحكم المتنقل، ثم جذبها من ذراعها لتقبع بأحضانه فـ فعلت، و لم تكُ تتوقع أنه لن يتقرب منها هكذا، ظنت أنه لربما سيحاول و يتراجع لكنه لم يفعل البتة، من فرحتها لم تنام، إنتظت نومه بلهفة و تأكد من سُباته ثم إنهالت على وجهه بقبلاتٍ بريئة فرحة تُمتم بسعادة:
– يا كداب مطلعتش متجوزني عشان الغرض الدنيء ده .. يا كـداب!!!
حاوطت عنقه تتنهد و لأول مرة تشعر بفراشاتٍ تحلق في معدتها و بقلبها ينبض بتلك القوة، أغمضت عيناها تدفن وجهها بعنقه قبل أن تنهض و تخرج من غرفتهما لكي ترتشف شربة ماء، ترجلت من الدرج فوجدت عمته جالسة تقرأ كتاب واضعة قدمٍ فوق أخرى بغطرسةٍ، فـ إتجهت لها نور تردف بهدوء:
– إزي حضرتك؟
نظرت لها عمته من فوق نظارتها الطبية و قالت بضيق:
– كنت كويسة .. بعد ما شوفتك إتغميت!
نظرت لها بدهشة، لكن تداركت الأمر فـ جلست أمامها على المقعد بظهرٍ مفرود لتقول ببرود:
– ليه بس كدا كفى الله الشر ربنا ما يجيب غم!!!
ألقت نرجس بالكتاب و هدرت بها:
– أنا مش فاهمة ابن أخويا راح جابك من أنهي داهية!! لا عيلة ولا مستوى ولا حتى تعليم!!! أكيد دبستيه و نم.تي معاه عشان تعرفي تتجوزيه .. م إنتِ تربية حواري!
طالعتها نور بغضب ناريّ لتنهض واقفة أمامها تشير بإصبعها في وجهها:
– إسمعي يا ست إنتِ .. متخلينيش أطلع وش تربية الحواري عليكِ و أخليكِ متنطقيش كلمة، أنا لحد دلوقتي عاملالك حساب إنك عمة جوزي اللي بحبُه و بموت فيه، و لـ أجل عيونه تكرم ألف عين، لكن قسمًا بربي لو فكرتي بس مجرد تفكير توجهي أي إهانة ليا أو لأهلي أنا مش هعمل حساب لحد أبدًا!!!
ثم تعالى صوتها تقول بعصبية شديدة:
– و البيت ده ميدخلهوش غير المحترمين، و مش مسموح لأي حد أيًا كان مين يتعامل فيه بعدم إحترام!!!
ثم تركتها و ذهبت دون أن تنتظر ردها، أخذ صدرها يعلو و يهبط من شدة الجهد الذي بذلتُه في حديثها معها، أغمضت عيناها و إستندت على رخامة المطبخ متناسية تمامًا لِما أتت بالأصل، جلست تحاول تهدئة قلبها الذي إنغصّ بتلك الإتهامات الباطلة التي أُلقيت عليها، سمعت خكوات تأتي من خلفها لتجدها هي، تقول بإبتسامة ساخرة و بكل برود:
– إنت مُغفلة!! فاكرة إنه بيحبك .. و هو لسه مطلع فيكِ بلاوي من كام ساعة بس!! تحبي تسمعي بودنك يا .. يا نور!!!
نظرت بها بعدم إستفهام، لتعشر بقلبها توقف عن النبض عندما سمعت ضوته من هاتفها يقول بضيق:
– أنا مش عايزها يا عمتي! أنا و إنتِ عارفين إني متجوزها مؤقتًا و هطلقها في أقرب وقت ..فـ ياريت منفتحش مع بعض السيرة دي تاني!!
طالعت الهاتف بـ نظرة خاوية شعرت بها أن قلبها قد أُميتَ، قد توقف تمامًا عن النبض! أغمضت عيناها و شعرت بدوار يفتك رأسها، لتسمعها تقول بـ شماتةٍ:
– لو لسه عندك ذرة كرامة إمشي من هنا! ملكيش مكان مع فريد الزيات .. و نصيحة مني بعد كدا بُصي على أدك عشان رقبتك .. متتكـ.ـسرش!!!
ثم تركتها ببساطة و ذهبت، حاولت هي السيطرة على دقات قلبها الجنونية و كإنها آخر دقات له، الدماء تنسحب تدريجيًا من جسدها حتى إنهارت فوق الكرسي واضعة كفها فوق رأسها، ظلت هكذا دقائق حاولت بهم لملمة شتاتها و جمع ما تبقَّى من كرامتها التي بعثر بها الأراضي، صعدت لـ غرفتهم و حمدت ربها أنها وجدته نائم نومًا عميقًا، أخذت هاتفها البسيط و إرتدت ثيابها التي أتت بها، و لأن الفجر كان يؤذن فإنتظرت قليلًا حتى أشرقت الشمس، ثم أسرعت تخرج من ذلك المكان الذي كانت تظن أنها ستقضي به أجمل أيام حياتها، أسرعت بخطواتها لتستقل سيارة أجرة حمدت ربها أنها وجدتها في هذا المكان النائي، جلست تفكر ماذا ستقول له و إلى أين من المفترض أن يقلها، حتى وجدت نفسها تصف لها ما يطلق عليه بالبانسيون الصغير الذي يكفي ليلتان بالمال الذي بحوزتها، عندما وصل ترجلت و هي تحاول إيقاف الدمعات التي ملأت عيناها تشعر بقلبها يحتـ.ـرق بنيرانٍ موقدة، دلفت لمن تستقبل الزائرين لذلك البانسيون و أخبرتها أنها ستقضي ليلتان و أعطتها بطاقتها، سلّمت المال لها فـ أعطتها الأخرى مفتاح غرفتها، ذهبت لها و عندما دلفت لتلك الغرفة البسيطة إرتمت على الأرض تبكي بحُرقة قلبٍ ملكوم، مرارة حلقها لا تنفك تُمرر حياتها، نامت مكانها من شظة تعبها و الدموع على مسامات بشرته رافضة أن تجف مربتة على وجنتيّ قد لُطخا بالألمِ
– نــــور!!!!
نادى عليها بصوتٍ عالٍ حتى شعر بأحباله الصوتية تتـ.ـقطّع، منذ إستفاقته و هو يدور عليها بالأرجاءِ عندما لم يجدها جواره، سأل عليها عمته التي نفت رؤيتها بالأصل، فـ لم يتوانى عن الذهاب لأمها علها قد ذهبت إلى هناك، لكن قول أمها الجاف إستوقفُه:
– مشوفتهاش .. روح دوّر عليها بعيد عننا!!!
ثم تابعت:
– و إتأكد إنها لو جات أنا اللي هتصل بيك تيجي تاخدها من هنا، كفاية اللي حصل لـ مُنذر من ورا راسكوا!!
ذهب بعد أن جاهد لكي يحافظ على ثباتُه الإنفعالي و ألا يُخرِج شحنات غضبه بأكملها على تلك التي نُزعَت الرحمة من فؤادها، هاتف رياض يصرخ به أن يجدها قبل أن تغرب الشمس، و هو الآخر بحث عن إسمها بجميع المستشفيات و بكن لم يجده مقيد بأي منهم، توقف للحظة يلعن غباءه الذي أنساه أن يهاتفها على هاتفها، و فعل و لكن وجده مُغلق فـ ألقى بهاتفه فوق تابلوه السياره و هو يشعر بقلبه سيتوقف من خوفه عليها، أعاد رأسه للخلف يطرق بحوافِ أناملُه فوق مقود السيارة و هو لا يستطيع وصف شعورُه كيف لها أن تتركُه بتلك البساطة و تذهب، ما الذي ضايقها؟ ما الذي دفع بـ عشقُه الأوحد أن تذهب و تتركه وحيدًا ملكومًا لا يعلم عنها شيء! كيف لها أن تركُل قلبُه و تندفع بعيدًا غير مُبالية بـ شيء ولا حتى .. به!
يومان عصيبان مرّا عليه كمرور شاحنة فوق قلبُه، يومان مرّا دون أن يرى مقلتيها الذابحتان، دون أن يشتمّ عبير رائحتها، دون أن تجلجل ضحكتها الجميلة في أذنيه فـ تنعش روحه، دون أن يسمع صوتها الأنثوي المُسكر، لا يعلم ماذا حدث لها و إن كانت بخير أم أصابها مكروهٍ!
خرجت هي بعد اليومان من الفندق عازمة على الذهاب لأمها، فهي لن تتركها تُبيت في الشوارع بالتأكيد، واقفة أمام باب ذلك المنزل الذي ذاقت فيه العذاب الوانٍ، ذلك المكان الذي لم تكُن تتخيل أنها ستعود له بقدميه و لكن تلك مرارة قدرها، وجهها شاحب بالكاد تتنفس، رفعت كفها و طرقت فوق الباب راجية أن تفتح لها أمها و تتلقاها بين ذراعيها، فُتح الباب بعد ثوانٍ، لتجد أمها تقف أمام بذات الملامح القاسية التي تتمنى لو تلين لثوانٍ فقط، نطقت نور بـ وهنٍ:
– ماما!!
– جاية بيتي ليه؟!
قالتها بحدةٍ جرحت قلبها و أنزفته، فـ قالت بألم:
– جاية هنا عشان مقعدش في الشارع
– لاء أقعدي في الشارع يا بنت بطني!!
هتفت بها بقسوةٍ تجرّعتها حتى فاضت منها، ثم صفعت الباب بوجهها، نظرت للفراغ الذي تركتُه و قد تجمع بقلبها خذلان لا حصر له، أُغلقت جميع الأبواب في وجهها، لم تدري ماذا تفعل فـ جلست على عتبة الباب تنظر لذلك الهاتف الذي أغلقته بمحض إرادته، فتحته لكي تبحث لها عن أيّ عمل يأويها، فـ مرت إحداهن من كبار السن تقول بعد إن شهقت بصدمة:
– نـور!! مالك يا بنتي قاعدة كدا ليه!!!
رفعت نور رأسها لها و قال بهدوء:
– مافيش حاجة يا خالة فتحية!!
أمسكت بذراعها تقول برفق:
– طب قومي يا ضنايا، قومي أقعدي معايا شوية و فطّميني على اللي حصل!
نهضت معها بالفعل لتذهب لبيتها، ربتت فتحية على ظهرها و هي تقول بحنان أموي:
– أقعدي يا حبيبتي و أنا هروح أعملك لقمتين تاكليهم!! أكيد مكلتيش حاجه من الصبح!!
إبتسمت بشخرية مريرة، لا ليس من هذا الصبح لم تأكل، بل من صباح اليوم الذي غادرت به، أخرجها من شرودها رنين هاتفها .. قطبت حاجبيه بإستغراب فـ من الذي سيهاتفها .. فتحت الخط و قالت بهدوء:
– ألو؟
أتاها صوت تعلمه عن ظهر قلب، صارخًا به صيحةً جعلتها تنتفض:
– إنـــتِ فــيـن!!!!
أغمضت عيناها و شعرت بقلبها يهتز، بينما هو كاد يجن و هو جالس في مقعد سيارته كم جلس فوق الجمر يهتز بعنف ضاربًا بقبضته المقود، بل خرج من سيارته بأكملها و قال بنبرةٍ لا تضاهيها عنفٌ:
– رُدي .. ردي عـــلــيــا!!!!
لم يستمع سوى لـ شهقة تنذر ببكائها فـ إنفجرت بالبكاء بالفعل، وقف للحظة و أسوأ السيناريوهات تدور بذهنه، فـ قال بـ توجسٍ:
– بتعيطي ليه؟ حد عملك حاجه؟!
لم تُجبيه و إستمرت في بكاءٍ خفيف، فـ قال و قد لان قلبُه:
– نور .. قوليلي إنتِ فين و نقعد نتكلم و بعدها هعملك اللي إنتِ عايزاه .. و لو عايزه تطلقي هطلقك بس قوليلي إنتِ فين الأول!
وجدها تنطق بصوتٍ مهزوز:
– أنا .. أنا هنا عند جيراني، أمي .. مرضيتش تدخلني!
إستقلّ السيارة و قد إسودت عيناه وليردف و هو يقود بسرعةٍ كبيرةٍ:
– خمس دقايق و هتلاقيني قُدامك!! متتحركيش من مكانك!
أغلق معها و بالفعل في دقائق معدودة كان يصف سيارته في شارعها، و ترجل منها يبحث عنها كالمجنون .. كـ من ضلّ سبيله، حتى وجدها تخرج من البيت المُطل على الشارع مباشرةً، تنظر له بعيناها التي إشتاق لها إلى حدٍ لا حد له، خطى بخطواتٍ عنيفة ناحيتها فـ تراجعت إلا أن كفيه الذان أحاط بهما كتفيها أوقفوها، يطالعها بغضبٍ و حنين إمتزجا معًا، يريد أن يصفعها و في نفس الوقت يعانقها حتى يمزق جسدها، و لم يتوانى عن فعل ذلك، بعنفٍ جذبها لصدره رافعًا ذراعيها لـ عنقه يميل قليلًا لكي يصل لمستواها ضاغطًا على ظهرها و خصرها ضد صدرُه مغمضًا عيناه و لأول مرة منذ اليومان يهدأ قلبُه، قبض على خصلاتها المنسابة محاوطًا خلف عنقها بكفُه و لا يقول غيرَ جملة واحدة:
– ليه عملتي فيا كدا .. ليه!!!
أغمضت عيناها و هي لا تنكر إشتياقها له، لا تنكر كم كانت بحاجة ذلك العناق، لن تناقشُه في أنها بالفعل أحبته لكن لم يفعل هو، لم تجد كلماتٍ على لسانها سوى:
– إحنا في الشارع .. لو سمحت إبعد عني!!!
و على عكس ما توقعت وجدته يحاوط خصرها بذراعه المفتول ليرفع جسدها به و بالآخر يضمها له، شهقت و حاولت دفع كتفه لكي يجعل قدميها تلمس الأرض إلا أنه لم يفعل سوى بعد دقائق، وقفت أمامه تنظر له و هو يحاوط عيناه بإبهامه و سبابته مستندًا بكفه الآخر على إطار الباب خلفها مُباشرةً، ثم مسح على خصلاته و قال و قد عادت عيناه الغاضبة:
– هندخل دلوقتي و تعرفيني ليه .. مشيتي، سـامـعـة!!!!
إنتفض جسدها من صراخُه العالٍ، ليدفعها للداخل فوجدت نور فتحيه تقول بـ خضة:
– مين ده يا بنتي!!!
– ده .. ده جوزي يا حجّة!
قال نور بضيقٍ، فأسرعت فتحية ترحب به بلُطف هاتفه بحُزنٍ:
– أهلًا و سهلًا يابني نورت، والله جيت في وقتك ده أنا يا حبة عيني جايباها من على الرصيق قدام بيت نادية ربنا ينتقم منها!!
نظر لتلك السيدة التي ظهرت الطيبة على ملامحها ثم حوّل أنظاره إلى نور التي كانت ضاردة في حديثها، كم ألّمه قلبه عليها، طالع تلك السيدة و هي تقول بـ هدوء:
– هسيبكوا مع بعض يابني تحلوا الخلاف اللي بينكوا!
ثم تركت طبق بها شُربة و صدر دجاج قائلة برجاء:
– بالله عليك يابني تأكلها، أكيد مكالتش حاجه من الصبح!!
أومأ لها بهدوء و قال:
– حاضر يا حجّة .. تسلم إيدك!
إبتسمت برفق و تركته و ذهبت، فـ جلست نور تحاوط كتفيها تنظر للخواء بشرود إنقطع عندما سألها بحدة:
– كُنتِ فين اليومين دول؟!!
– متزعقليش!
قالتها بحدةٍ و هي تنظر له، فـ صاح بها بقسوةٍ:
– إحمدي ربنا أوي إني بزعّق بس، أنا هاين عليا أطلّع روحك في إيدي دلوقتي!!
نهضت متخلية عن صمتها تقف في وجهه هادرة به:
– إنت!!! إنت اللي عايز تطلع روحي في إيدك!! أومال أنا أعمل فيك إيه بعد ماسمعتك بتقول بعضمة لسانك لعمتك إنك مش عايزني و إن جوازنا مؤقت!!!
طالعها مصدومًا و قال:
– إيه؟! أنا قولت كدا!!
إمتلئت عيناها بالدموع صارخة بوجهه:
– بطّل كدب!! أنا شبعت من كدبك كفاية!!!
طالعها بضياعٍ ليحاوط وجهها بكفيه يقول برفق:
– طب إهدي .. إهدي و فهميني لإني و رحمة أمي ما فاهم!!!
نظرت له قائلة بألمٍ:
– أفهمك إيه!! روح لعمتك و هي تفهمك!!
ثم تابعت بحُزن:
– كنت قول ليا أنا، ليه قولتلها كدا و فرّحتها فيا و إنت عارف إنها مش طايقاني!!
– نـور!! أنا عابزك تحكيلي بالحرف اللي حصل بعد ما سبتك و نمت!!!
قال و قد تملّك الغضب منه، لتقُص على مسامعه ما حدث بالتفاصيل، نظر لها مصدومًا مدركًا عما تتحدث، تركها و أدار ظهره لها يمسح فوق وجهه بعنف، ثم صمت و كانت هي تموت في لحظات صمته تلك و كأنه يؤكد لها صحة ما قال، وجدته يلتفت لها و يقول بثباتٍ ظاهريّ:
– الكلام ده مش عليكِ .. الكلام ده كان على بنتها .. مراتي!!!
السادس من هنا
التعليقات