التخطي إلى المحتوى

رواية تعافيت بك الجزء الثاني للكاتبة شمس محمد الفصل الخامس

تُهتُ بين دروب العالمين كأعمى عن الحب لا يملك يومًا قلب، هل كتب عليِّ السير بمفردي طوال الدرب؟
كلما سنحت الفرصة لك اغتنمها، فالأغبياء هم من يتركون الفرص تمر عليهم مرور الكرام، عِش حياتك كما تريد حتى و إن كنتُ تُمني نفسك بالهروب من الزحام، ولكن اعلم أن لذلك القلب مقام، ألا تود أخذ مقامٍ له عسى يأتي يومًا و المقام يليقُ بالمقام؟

اقترب منه ياسين وهو يبتسم بشرٍ ثم قال بهدوء مُخيف: و ماله نقول تاني، معاك ياسين رياض الشيخ جوز المدام خديجة، كدا عرفتك نظري، أعرفك عملي بقى.

قال جملته ثم حرك رأسه للأمام يُلكم بها ذلك الماثل أمامه بقوة جعلته يرتد للخلف و الدماء تسيل من أنفه على الفور، تزامنًا مع شهقة قوية خرجت من فم خديجة خوفًا مما هو آتٍ، و كأن صوتها هرب بعيدًا و سكنت حركتها فلم تستطع التحرك حتى توقفه، وفجأة وجدته يمسكه من تلابيبه وهو يترنح بين يده إثر ضربته، ثم لكمه مرةً أُخرى برأسه وهو يقول بصوتًا جهوريًا: أنا هقطع لسانك الحلو دا علشان قبل ما تفكر بس بعد كدا تنطق اسمها.

قال جملته ثم دفعه تجاه الحائط وهو يقترب منه، أما هي ركضت له بخوفٍ وقبل أن يرفع يده حتى يُلكم ذلك الذي يترنح أمامه وجدها تمسك ذراعه وهي تقول بصراخ ممتزج ببكاءها: علشان خاطري يا ياسين كفاية، متعملش حاجة تاني، علشان خاطري أنا، خايفة عليك.

نظرًا لارتفاع صوت القرآن لم يسمع اي فرد إلى أصوت تلك الجلبة ولا صرخاتها العالية، عدا حسن الذي كان واقفًا امام بوابة البيت يتحدث في الهاتف وحينما لاحظ حركة غريبة أشار ل وليد حتى يتبعه للداخل، أما ياسين فنظر لها و كأنه في عالم آخر و لازال ذراعه ممسكًا بذلك الراشد فوجدها تعيد حديثها من جديد ببكاء: كفاية بالله عليك، علشان خاطري أنا، والله بخاف و أنتَ عارف.

ما خلاص يا دكر قالتلك كفاية، هو أنتَ عاوز تثبت نفسك و خلاص.

خرجت تلك الجملة من راشد وهو يلهث بقوة حتى يثير حنقه، مما جعل ياسين يضغط على جفنيه بشدة ثم رفع كفه يلكمه في أنفه، مما جعلها تتمسك بذراعه من جديد وقبل أن تتحدث وجدت وليد و حسن يدلفان سويًا للبيت، وحينما وقع بصرهما على ذلك المشهد، اقترب كلاهما بسرعة منهما فأمسك حسن ب ياسين يبعده عن ذلك الوغد، بينما وليد نظر في وجهه يحاول استبيان ملامحه من بين الدماء التي سالت على وجهه، أما ياسين فقال بانفعال:.

سبني يا حسن، خليني اربي ابن دا، بقولك سبني بقى
أمسكه حسن بقوة أكثر وهو يقول بضيق و صدره يعلو و يهبط: ما خلاص بقى يا ياسين، مين دا أصلًا، و بعدين خلاص وشه باظ اساسًا، مين دا و عملك إيه
تدخل وليد يقول متهكمًا بسخرية: دا راشد ابراهيم راشد، يبقى للاسف ابن عمي، ازيك يا راشد؟
اعتدل راشد في وقفته وهو يحاول التحكم في انفاسه وهو يقول من بين تنفسه:
كويس، كويس أوي يا وليد، بس يمين بالله ما هسكت عن حقي.

حاول ياسين الافلات من بين ذراعي حسن وهو يقول بانفعال: حق مين يا بجح يا، أنتَ عاوز تغلط في مراتي و أسكتلك، دا أنا هدفن أهلك الليلة دي هنا
رد عليه وليد بهدوء: استنى أنتَ يا ياسين، خير يا راشد، مالك و مال جوز اختي
رد عليه راشد بضجرٍ حتى يحاول حل موقفه: أنا دخلت البيت و معرفش مين الاستاذ، لقيته ماسك راسها و هي بتشرب العصير من ايده، و أنتَ عارفني دمي حر.

نظرت هي له باشمئزاز واضح، بينما وليد قال بسخرية: صادق يا اخويا، بس السؤال المهم هنا، جالك دم منين يا راشد، اللي أعرفه إنك معدوم من ريحته حتى
نظروا جميعًا إلى وليد، الذي اقترب منه راشد أكثر وهو يقول بنفس السخرية المتهكمة: و بعدين أنتَ سايب بابا و داخل البيت تعمل إيه؟
رد عليه راشد بانفعال: مش المفروض اننا جايين نعزي يعني؟ أكيد كنت طالع أعمل الواجب.

ابتسم وليد بسخرية وهو يقول بنبرة متهكمة: شوف يا أخي و أنا اللي كنت ظالمك، سايب بابا يعزي عند الرجالة و طالع هو عند الحريم، مفيش فايدة برضه بيجري ورا اي تاء مربوطة
نظر له راشد باندهاش، بينما حسن مال على اذن ياسين يقول بهمس: بقولك إيه، أنا هسيبك، بس خلي بالك علشان مراتك شكلها خايفة، أمسك اعصابك كدا.

بينما تحدث راشد يوجه حديثه ل وليد بانفعال: أنتَ بتقول إيه يا وليد؟ بقى أنا طالع علشان أطمن على بنات عمامي و في الأخر أنتَ تقول كدا، أنا كدا بقى ليا حق عندكم
ابتسم وليد بشرٍ وهو يقول له: و ماله حقك، بس ياسين كان بياخد حق مراته و دا حقه، و أنا ليا حق عندك وهو حق أختي، جوزها ياخد حقها هو حر، لكن أختي أخد حقها أنا بقى
قطب راشد جبينه وهو يسأله بضيق منفعلًا: يعني إيه مش فاهمك؟
يعني نورت بيت الرشيد يا راشد.

قالها وليد وهو يلكم راشد في وجهه مما جعله يترنح للخلف، و قبل أن يعيدها وليد من جديد، اقترب منه كلاهما يوقفانه، بينما خديجة عند رؤيتها لتلك المشاجرات بكت بقوة وهي تتذكر طفولتها المدمرة التي ذهبت في العنف، فبكت بقوة و بصوتٍ عالٍ، مما جعل الجميع ينظرون لها باندهاش، و أول من تحرك لها كان ياسين وهو يسألها بقلق ممتزج باللهفة: مالك؟ فيكي إيه طيب طمنيني.

اقترب منه وليد يقول بهدوء: خديجة بتخاف من العنف و الضرب يا ياسين، خدها فوق لحد ما ألم الحاجة هنا و نطلع كلنا، خليك قريب علشان هحتاجك
أومأ له ياسين ثم أمسكها من ذراعها ومعها الحقائب ثم صعد بها حتى الطابق الأول، و الذي كان ممتلئًا فقط بنساء العائلة، أما هي كانت تسير معه و كأنها في عالم آخر، و حينما دلف بها الشقة، وقف الجميع بقلقٍ من مظهرها، فقال هو بهدوء:.

هي كويسة مفيهاش حاجة، هي بس شكل العزا خوفها، وخلاها تعيط
أومأ له الجميع، بينما زينب اقتربت منه تقول بهدوء: طب دخلها الأوضة اللي جوة يا حبيبي، هي هتلاقيها عاوزة ترتاح شوية
أومأ لها ثم أخذها إلى الغرفة الداخلية، أجلسها على الفراش بهدوء ثم جلس أمامها على ركبتيه وهو يقول بهدوء:
ممكن أعرف مالك؟ و بتعيطي جامد كدا ليه.

رفعت رأسها تنظر له ثم قالت بهدوء: علشان شكلكم كان يخوف، أنا بخاف من الخناقات، و بخاف من أي حد بيضرب، و أنتَ و وليد ضربتوه علشان كدا خوفت منكم
سألها هو بلهفة حزينة: خوفتي مني؟ أنا أخر واحد في الدنيا دي تخافي منه، مينفعش أصلًا
ردت عليه هي ببكاء: علشان شكلك كان يخوف و أنتَ بتضربه، عينك كانت بتبرق زيه زمان
فهم هو من حديثها أن الحديث يخص والدها، لذلك تنهد بعمقٍ ثم اقترب منها يجلس بجانبها وهو يقول بهدوء:.

عارف إن شكلي كان يخوف، بس والله غصب عني مقدرتش أمسك اعصابي لما لقيته بيبجح كدا، و بعدين أنا بصيتلك على أساس أني معرفش انه قريبكم، يعني وجوده بالنسبة ليا غريب، لكن لو أعرف اني هخوفك مني كدا، كنت طلعتلك و نزلت ضربت فيه براحتي، زي ما هعمل دلوقتي كدا
سألته هي بتلهفٍ و بنبرةٍ شبه باكية: علشان خاطري كفاية، متعملش حاجة تاني خلاص، هو خد جزاته، و وليد كمل عليه، علشان خاطري متعملش حاجة تاني، أنا خايفة عليك.

ابتسم هو لها بخبثٍ وهو يقول: حددي خايفة مني و لا خايفة عليا؟
عند نبرته تلك ابتسمت هي بيأسٍ ثم اجابته بهدوء: بخاف عليك يا ياسين، خوفي كله عليك أنتَ، و بعدين أنا ما صدقت أنسى و ابدأ معاك حياتي، لقيت الذكريات المهببة دي بتهجم عليا، اتوترت شوية
وضع ذراعه عليها ثم ضمها إليه وهو يقول بحنان: وعد مني إني مخليش حاجة تاني تخوفك ولا تزعلك.

سألته هي بتشككٍ ممتزج بالقلق: ياسين هو أنتَ ممكن، يعني يجي يوم و تضربني زيه كدا، يعني لو عصبتك ممكن تمد ايدك عليا؟
ربت هو على كتفها وهو يقول بهدوء: عمري يا خديجة ما أفكر أمد أيدي عليكِ، ولو دا حصل ساعتها أنا هاجيبك لأهلك لحد عندهم علشان بيساطة هبقى مش قد الأمانة، ولا قد الوصية اللي الرسول وصاني بيها، أوعي تخافي من واحد زيي كل خوفه من الدنيا عليكِ أنتِ.

ابتسمت هي باتساع بعد حديثه اللطيف الذي بثها الطمأنينة داخل قلبها، ثم تنهدت بأريحية، أما هو ابتسم بهدوء ثم قال: أنا هنزل تحت علشان الرجالة بتلم حاجة العزا، و أكيد محتاجني معاهم، و كمان وليد عاوزني معاه
ردت عليه هي بخوفٍ: علشان خاطري خليك و متنزلش، أنا مش واثقة لو نزلت ممكن يحصل إيه تحت، خليك هنا أحسن.

وقف هو ثم التفت يقف مقابلًا لها وهو يقول بهدوء: متخافيش والله، أنا هديت و مش هعمل حاجة، بس مش ضامن بصراحة لو شفت خلقته ممكن افضل هادي ولا لأ؟
نظرت له بخوفٍ أكثر، فوجدته يبتسم بهدوء ثم قال:
أنا نازل و متخافيش، حتى علشان العزا و الناس الغريبة الموجودة، و أنا عمري ما أقلل بيكم قصاد حد.

تبدلت ملامح وجهها من الخوف إلى الطمأنينة بعد حديثه، ثم أومأت له بهدوء، بينما هو مال على رأسها يطبع قبلة هادئة ثم قال بعدما نظر في عينيها:
خلي بالك من نفسك
ابتسمت له و هي تحرك رأسها موافقة فوجدته يتركها ثم خرج من الغرفة بعدما نظر لها باطمئنان حتى لا تقلق، نظرت هي في اثره بحب ثم ألقت بجسدها على الفراش وهي تفكر في الأحداث الآتية.

في الأسفل انتهى العزاء و اجتمع العمال يجمعون المقاعد الحديدة و الفِراشة، ثم بعدها صعدوا جميعًا إلى الجزء المخصص بالرجال، الذي قام وليد بالقاء راشد به بعيدًا عن الأنظار، دخلوا جميعًا و أخر من تتبعهم كان ياسين و حسن معًا، نظر ابراهيم في وجه ابنه وهو يقول بنبرة منفعلة إثر الكدمات الدامية في وجه ولده:
إيه اللي عمل فيك كدا يا راشد؟ أنتَ سايبني و داخل البيت كويس؟ حصل إمتى دا.

انتبه الرجال جميعهم إلى وجه راشد الذي كان ينظر تجاه ياسين بشررٍ يتطاير من عيناه ولم يجيب والده، فصرخ والده يتابع قوله:
انطق يا بني مين اللي عمل فيك كدا؟ و ليه أصلًا، جرى إيه يا ولاد فايز؟ هو دا الدم اللي بيننا؟ خلاص لغيتوا ولاد عمكم من حياتكم؟ مين اللي عمل كدا ف ابني
رد عليه مرتضى بضيق: اهدا يا ابراهيم، احنا كنا تحت كلنا، خلينا نفهم حصل إيه؟ مين عمل فيك كدا يا راشد؟ وليه؟

سار ياسين حتى وقف في المتتصف وهو يقول بثقة و ثبات: أنا اللي عملت كدا يا عم مرتضى، و لو زعلانين أنا ممكن أصالحه عادي جدًا
اندهش الموجودين بأكملهم عدا الحاضرين للموقف السابق، فسأله طه باندهاش: ليه كدا يا بني، حصل إيه بس؟ عمل ايه وصلك انك تتعصب للدرجة دي.

التفت ياسين ينظر له نظرة جامدة وهو يقول بنبرة قوية: غلط في بنتك يا عم طه، داخل يُعك بكلامه عنها، و أنا و رب الكعبة اللي يجيب سيرتها أفرمه تحت ايدي، و الحمد لله إنها جت على قد كدا
رد عليه راشد بحدةٍ: قولتلك مكنتش أعرف أنتَ مين؟ وبعدين مجاش في بالي إن خديجة ممكن تكون اتجوزت أصلًا.

زمجر ياسين ثم اقترب منه فجأة يمسك تلابيبه وهو يقول بهياج: يمين بالله العظيم لو حرف من اسمها خرج منك تاني لأندمك طول عمرك، مراتي خط أحمر، فاهم
اقترب الشباب في تلك اللحظة يفكون حصار راشد من بين ذارعي ياسين، فتحدث ابراهيم يقول بحنقٍ: هو دا الواجب يا ولاد عمي؟ هي دي الاصول اللي ابوكم مربيكم عليها؟ رد يا طه و شوف جوز بنتك عمل إيه ف ابني.

وقف طه مقابلًا ل ياسين يقول له بحدة: عملت كدا ليه يا ياسين؟ رد عليا؟ ضربته بالطريقة دي ليه؟
رد عليه ياسين بحدةٍ: علشان فكر بس يجيب سيرتها بحاجة وحشة، و دي أقل حاجة عملتها فيه
ربت طه على كتفه وهو يبتسم بفخرٍ أدهش الآخر مما جعله يطالعه بأعين متسعة، فوجد طه يلتفت وهو يقول بنبرة قوية ممتزجة بالفخر:.

احب أعرفك يا راشد، ياسين رياض الشيخ جوز بنتي، الراجل اللي ربنا عوضها بيه، بصراحة دلوقتي صدقت وليد لما قالي إنه هيجوزها سيد الرجالة، أصلها كانت مخطوبة لعيل صغير
اتسعت أعين الجميع، بينما ابراهيم قال بحدة: وهو دا يخلي المحروس يضرب ابني كدا؟ و أنتَ كنت فين يا أستاذ وليد؟ يا أخي دا المثل بيقولك أنا و ابن عمي على الغريب؟ أنتَ بقى عكست المثل؟

أومأ له وليد وهو يُجيبه بثقة: آه، و بعدين أنتَ ناسي حتة مهمة من المثل، وهي أنا و اخويا على ابن عمي و أنا و ابن عمي على الغريب، و ياسين بقى اخويا مش غريب، يعني من الأخر كدا أنا و هو على ابن عمي
تدخل مرتضى يقول بحكمة حتى يُهديء حدة الأجواء:
اقعدوا بس يا رجالة كدا مينفعش، الأمور متتاخدش كدا، اقعد يا ابراهيم أنتَ جاي من سفر، رامي ابنك فين هو كمان؟

استغفر ابراهيم ربه ثم قال بهدوء: أنا هقعد علشان خاطرك أنتَ يا مرتضى، لكن وليد ابنك مش عاوز يجيبها لبر، دا رامي جاي معايا علشانه مخصوص
رد عليه وليد ببرود وكأن شيئًا لم يصير: نورت مصر يا عم ابراهيم، خطوة عزيزة والله، و رامي أخباره إيه وحشني
نظر له الجميع باندهاش فوجدوه يقترب من عمه وهو يمد يده يبدأ السلام معه قائلًا: وحشتني يا عم ابراهيم، اخبارك ايه بس.

مد ابراهيم يده بالسلام هو الأخر فوجد الأخر يحتضنه بقوة، نظر كل الموجودين لبعضهم البعض، بينما وليد تابع يقول بحنكته المعهودة: كفاية إنك جاي تعمل الواجب عندنا، حقك على راسي، دا كان حق و بيتاخد، يعني خلاص الدنيا صفيت
أومأ له ابراهيم ثم قال بجمود: ماشي يا وليد، وأنا هعتبر إن مفيش حاجة حصلت و ياعم مصارين البطن بتتعارك.

تأكد وليد مما كان يفكر به، فابتعد عنه ثم وقف أمام راشد وهو يقول بهدوء: معلش بقى يا راشد جت فيك، حقك عليا أنا، كان نفسي أحضنك والله بس بصراحة مراتي بتغير عليا، دا غير أني متوضي
نظر له راشد بذهول فوجده يبتسم له باستفزاز أثار حنقه، لكن والده نظر له حتى يتمهل في خطاه ولا يفعل ما يثير ريبتهم، بعدها جلسوا جميعًا في هدوء، فقال محمود بانهاكٍ واضح: عن اذنكم يا جماعة، أنا هطلع أطمن على بناتي، البيت بيتكم.

أومأ له الجميع فسار هو أمام العيان منكسرًا مُطرقًا برأسه للأسفل مما يحتمل به كاهله عند فقدان أعز الأحباب على قلبه.
بعد اختفاء أثره تحدث محمد يقول بهدوء: أنتَ عرفت منين يا ابراهيم باللي حصل؟
أجابه ابراهيم بضيق ممتزج بالعتاب: عرفت من النت يا استاذ محمد، ماهو خلاص كل حاجة بينا انقطعت لدرجة الأخبار بقينا نعرفها من على النت، و ياريت من حد من العيلة، دا من صفحة شغل البهوات وهما منزلين نعي.

تدخل طه يقول بضيق: حصل خير يا ابراهيم، بس احنا مكانش فيه دماغ علشان نتصل بحد و نعرفه، مش هنسيب الميت و نقعد ندور من جه و مين لأ
رد عليه بانفعال: يعني خلاص الدم اللي بيننا هان كدا؟ مش عاوزينا في افراحكم وقولنا ماشي، لكن الحزن مينفعش، دا احنا ولاد عم حتى يا طه
تدخل ياسين يقول بضيق: خلاص يا حج ابراهيم، قولنا حصل خير و محدش كان فيه دماغ أصلًا، و بعدين انتو جيتوا عملتوا الواجب خلاص بقى.

نظر له ابراهيم بحنقٍ ولم يُعقب، بينما نظر أمامه من جديد وهو يقول بهدوء: هدى مراتك أخبارها إيه يا وئام؟ و هدير كمان ربنا يصبر قلوبهم
رد عليه وئام بحزن: كويسة يا عمي، على الأقل هي بتعيط و بتتكلم، لكن هدير منزلتش دمعة واحدة ولا حتى صرخت، ساكتة من ساعة اللي حصل
تنهد هو بأسى ثم قال بحزن: ربنا يربط على قلوبهم و يصبر محمود على الفراق دا، كان روحه فيها طول عمره، المهم انتو خليكم معاهم و خصوصًا هدير.

أومأ له الجميع في هدوء وفي تلك اللحظة دلف رامي ابنه الصغير والذي يناسب أحمد في العمر ولكنه دائمًا يرسب في سنواته الجامعية فمن المفترض أن يكون تخرج هذا العام، لكنه لازال في العام الثالث الجامعي، القى التحية على الرجال ثم جلس بجانب وليد و ياسين، فتحدث وليد يقول بهدوء: طبعًا أنتَ هتبات هنا يا عم ابراهيم، الدنيا ليل و مش هينفع تسافر في الوقت دا، دا غير انك صاحب واجب و أكيد مش هتسيب العزا و تمشي ولا إيه؟

ابتهج وجه ابراهيم و ابنائه فقال هو: والله يا وليد فيك الخير، احنا جايين و عاملين حسابنا اننا نقعد معاكم لحد ما العزا يخلص، بس كنا هننزل في فندق هنا
تدخل طارق يقول بضيق: مينفعش الكلام دا يا عم ابراهيم، بيت فايز الرشيد طول عمره مفتوح للكل، و الغريب قبل القريب ولا إيه يا عم مرتضى؟

رد عليه مرتضى بهدوء: عين العقل يا طارق، يلا احنا نسيبهم يرتاحوا من مشوار السفر، و نرتاح احنا كمان علشان الناس اللي لسه هتيجي بكرة
أومأ له الجميع ثم خرجوا من الشقة حتى يتركونها ل ابراهيم و أولاده.
في خارج الشقة قال ياسين بهدوء: عم طه لو ينفع تنزلي خديجة علشان نمشي و نرجع ليكم بكرة الصبح يبقى كتر خيرك.

رد عليه طه بضيق: تروح ازاي يا بني و أنتَ منمتش خالص طول الليل و مطبق معانا، و خديجة كمان تعبانة، خليكم معانا هنا بدل الشحططة، يلا معايا
أوشك ياسين على رفض طلبه فوجده يقول بنبرةٍ قوية: ها هترفض طلبي؟ يلا يا حبيبي علشان ترتاح، و أحمد راح يوصل ناس و زمانه راجع هو كمان
أومأ له ياسين بقلة حيلة ثم صعد معه إلى شقته، أما وليد فوقف ينظر للشقة بترقبٍ ثم حسم أمره و أخرج هاتفه المحمول يؤدي به مهمته.

دخل طه شقته و معه ياسين فوجد نساء أسرته بها يحضرون الطعام، فقال هو بهدوء: هما هدير و هدى لسه تعبانين برضه يا بنات؟ محدش فيهم هدي شوية؟
ردت عليه خلود بحزن: لسه يا بابا، هدى بتفصل تعيط و شوية تمسك صورتها تحضنها وتقول كلامك يقطع القلب، لكن هدير ساكته خالص مش بتتكلم نهائي، ولا حتى بتعيط، انا فتحت بقها شربتها العصير وهي محستش بيا.

تدخل ياسين يقول بهدوء: كدا مش هينفع، لازم تاكل و تشرب دي ممكن تروح فيها، أنا هقول ل ياسر صاحبي يجي ويشوف نعملها إيه هو دكتور
رد عليه طه بحب: ربنا يبارك فيكم يا حبيبي، تشكر على كل حاجة، أنتَ من الصبح و أنتَ معانا مقصرتش، زيك زي ولاد العيلة
رد عليه ياسين بهدوء: طب ما أنا من شباب العيلة برضه، ولا أنا غريب عنكم؟
تحدثت خلود تقول بمرحٍ: هو احنا نطول يا سيدي، ربنا يكتر من امثالك لحد ما الاقي مثال واحد بس.

ضحك كلاهما عليها، بينما والدتها خرجت من المطبخ تحمل الاطباق وهي تقول بضيق:
والله العظيم معندكيش دم، فاضية تهزر و تضحك و احنا ف إيه و هي ف إيه
ردت عليها خلود بتأفأفٍ: الله يرحمها يا ماما، و بعدين أنا بهزر، حرام أهزر كمان، كفاية طول اليوم قاعدة مكشرة و دي مش عادتي، دا أنا حتى معرفتش أنرفز مشيرة و قولتلها قدام الناس حاضر، تخيلي؟

خرجت خديجة من المطبخ تحمل الاطباق وهي تقول بهدوء: طب يلا ناكل علشان كلنا جعانين من امبارح، و بعدين نشوف أخرة خلود
أومأ لها الجميع، وقبل أن تجلس على المقعد وجدت الباب يُطرق، فذهبت حتى تفتحه فوجدت شقيقها امامها، سألته هي باهتمام: إيه يا أحمد كنت فين؟ دا كله بكلمك مش بترد عليا
رد عليها أحمد بانهاك: كنت بوصل الناس اللي في الشغل عند ابوكي و عمامك يا خديجة، عمك محمد دبسني الله يسامحه.

ردت هي عليه بهدوء: طب يلا علشان نتعشى
دخلا سويًا عند طاولة الطعام فجلس هو بجانب مقعد والدته مقابلًا ل ياسين، فقال طه بهدوء: يلا كلوا كلكم، و ياريت ياسين ياكل هو كمان و ميتكسفش مننا، علشان يعرف يضرب كويس
نظر له الجميع باندهاش، بينما ياسين ابتسم له فوجده يبادله نفس البسمة، فتحدثت خلود تقول بتعجبٍ: لأ جو النظرات دا مبحبوش، ضربت مين يا ياسين؟ اوعى يكون حد من ولاد عمي.

اخفضت خديجة رأسها للأسفل، بينما ياسين قص على الجميع ما حدث، تحت نظرات الدهشة من الجميع، انهى حديثه فوجد زينب تقول بحزن:
وهو إيه اللي جابه هنا بس؟ ما كنا خلصنا منهم و قاطعناهم علشان المشاكل، دلوقتي بقى صاحب واجب؟
رد عليها طه بهدوء: هو جاي علشان العزا، يبقى يعمل الواجب و يمشي، بس أنا مدي تصريح لياسين لو ضايقك بس اتعامل معاه و أنا موجود وراك.

تدخل أحمد يقول بضيق: وهو أنا مش ضاربه قبل كدا؟ هو معندوش كرامة خالص؟ مفيش احساس؟
ردت عليه خلود بخبثٍ: خليه، دا منور بيت الرشيد حتى، هو و أبوه و أخوه
نظر لها الجميع باندهاش فرفعت هي حاجبها بثقة لهم.

فوق سطح البيت جلس وليد على الأريكة ثم أخرج هاتفه يحاول الاتصال بذلك الرقم من جديد إلا أن أتاه الرد أخيرًا، فقال هو بتلهفٍ: إيه يا زيزو هفضل أحارب علشان ترد عليا، عاوزك ضروري
رد عليه الأخر بضيق زائف: لسه فاكر يا استاذ وليد تسأل على ابن خالك؟ هي دي عشرة العمر اللي بيننا؟

زفر وليد بقوة ثم قال بنبرة قوية: مش وقتك يا زيزو، المهم ركز معايا بس، عاوزك تقولي أخر اخبار ابراهيم الرشيد، عمي اللي عندكم في السويس
رد عليه الأخر بتعجبٍ: وماله، بس ليه هو فيه حاجة حصلت؟ اللي أعرفه إنكم مقاطعينه و مقاطعين أخوه
رد عليه الأخر بضجرٍ: جاوبني أنتَ بس، و أنا هفهمك كل حاجة، بس عاوز أخباره و أخبار عياله الاتنين راشد و رامي.

وافقه الأخر ثم شرع في سرد تفاصيل عائلة ابراهيم بأكملها حتى أدقها، أنهى سرده ثم تابع من جديد:
الحاجات البسيطة دي هي اللي اعرفها عنهم، هما صحيح ليهم حِس في السويس كلها، بس عياله فاضحينه فضيحة اللحمة في السوق
ابتسم وليد بسخرية وهو يقول: فعلًا يا أخي حاجات بسيطة خالص، يا أخي أنتَ كأنك عايش معاهم في نفس البيت، تشكر يا زيزو، أنا كنت عارف ان ابن خالي جامد برضه و هيسعادني.

رد عليه زيزو بهدوء: أنا تحت امرك يا ليدو، متغيبش عني أنتَ بس، و ابقى تعالى نرجع شقاوة السويس تاني
ضحك وليد ثم اغلق معه الهاتف بعدما وعده بزيارة قريبة له لكن بعد انتهاء أموره، بعدها تنهد بعمقٍ وهو يقول لنفسه:
و أدي اللي كنت عامل حسابه بيحصل، ابراهيم الرشيد من تاني.

اتخذ وضع النوم على الأريكة بعدما فرد جسده عليها ملتحفًا باللحاف الرقيق الذي أخذه من والدته، نظر للسماء يفكر في حاله و خاصةً حينما شعر بمعدته تتمرد عليه جوعًا، خصيصًا أنه لم يتناول الطعام طوال اليوم، زفر بقوة ثم ألقى هاتفه على الطاولة الموضوعة أمامه، فعقله لم يسعفه هي التوصل للطعام، و لكن يبدو أنها دائمًا تسبقه في التفكير، فوجدها تحمحم بهدوء وصينية الطعام في يدها، هَب جالسًا على الأريكة من هول المفاجأة وهو يقول بنبرة تائهة:.

أنتِ قصادي بجد ولا دا من جوعي بيتهيألي إنك قصادي؟
ابتسمت هي على ردة فعله ثم جلست بجانبه بهدوء وهي تقول: لأ قصادك يا ليدو، و دلوقتي قعدت جنبك كمان، ها أحلفلك؟
ابتسم هو لها بحبٍ ولم يعقب، بل عمق نظرته لها وهي تخرج الطعام في الأطباق، أما هي انتهت ثم وضعت الأطباق أمامه وهي تقول بنبرةٍ مرحة: اتفضل يا أستاذ وليد، عمالة أأكل في الكل من الصبح، مجاتش عليك بقى.

سألها هو بذهول: عبلة أنتِ عرفتي منين أني جعان، بجد والله مش مستوعب
ابتسمت وهي تجيبه بهدوء: علشان مامتك معملتش أكل النهاردة، طول اليوم كانت في العزا، و ماما خلتني عملت أكل لينا و ليكم علشان هدى و هدير، نزلت الأكل عندكم و عرفت انك مش بايت في الشقة علشان هدير بايتة في أوضتك، خمنت بقى انك هنا و جبت الأكل علشان متأكدة إنك ماكلتش حاجة من الصبح، ها أشرح تاني؟

حرك رأسه نفيًا ثم قال بهدوء: لأ متشرحيش حاجة، بصيلي بس خليني اشبع من ضي عيونك، قلبي فرحان باختياره ليكي أوي، أول مرة ألاقي حد بيفكر فيا من غير ما أطلب بعد خديجة
سألته هي بتأثرٍ: ليه طيب؟ هو أنتَ وحش؟
رد عليها هو بهدوء: اللي اتعود يدي و مياخدش صعب يطلب حاجة من حد، و رغم انه بيدي كل اللي حواليه بس لما بياخد بيستغرب، شكرًا علشان عرفتي تطمني قلبي.

تنفست الصعداء ثم ربتت على يده وهي تقول بهدوء: أنا وعدتك أني أكون قد الأمانة، و بعدين كل واحد هنا في دنيته هو، خليني بقى أنا أفكر فيك شوية، زي ما عيشت بتفكر فيهم
أومأ لها مبتسمًا فوجدها تقول بهدوء: سمي الله و كل يلا، و براحتك عمك محمد نايم من زمان، يعني متقلقش
ضحك هو بشدة ثم أضاف: خليه يطلع العب معاه قط و فار قبل ما أنام ولا بلاش، خليني مع راشد أحسن.

ضحكت هي بقوة ثم حركت رأسها بيأس منه، أما هو أخذ يتناول الطعام في هدوء بشهية مفتوحة، ثم مد يده بعد ذلك بالطعام لها، ابتسمت هي له ثم تناولت الطعام من يده بهدوء، فوجدته يقول بمرحٍ:
هم يبكي و هم يضحك بصحيح، تعرفي إنك شكلك حلو في الاسود؟ صحيح هو ملك الالوان، بس اللي بيلبسه يبقى مميز.

ردت عليه هي بسخرية: حرام عليك يا وليد، أسود إيه بس اللي شكلي حلو فيه، ربنا يقدرني الكام يوم دول و أقدر ألبسه، أنا بحب الألوان أوي
ضحك هو على رد فعلها ثم أضاف قائلًا بهدوء: طب لعلمك بقى الأسود دا لون عظيم، أي حاجة جنبه بتبان حقيقتها إنها خداعة، لكن هو علطول باين و معروف، و أجمل جمل الغزل اتقالت في اللون الأسود
سألته هي بعدما قطبت جبينها: هو حد اتغزل باللون الاسود؟ ازاي و قال إيه؟

نظر هو في عينيها بحبٍ ثم تتبع قسمات وجهها بحجابها الأسود الذي أرخته هي على رأسها فأصبحت تشبه الفتاة البدوية، ثم تنهد بعمقٍ تنهيدة عاشق تبعها بقوله:
‏‎قل للمليحةِ بالخمارِ الأسوَدِ
ذات الجمالِ النادرِ المُتفرِّدِ
ماذا فعلتِ بِناسكٍ مُتَعبدِ
أوصدتِ بابَكِ عن جميعِ عبادِهِ
لينالَ فَردٌ خيرَ بابٍ مُوصَدِ!
تاهَتْ دروبُ العالمينَ، لتهتدي!
وظفرتَ وحدَكَ بالجمالِ السّرمدي.

ما اخترتُ غيرَكَ يا فتى مِن بينِ مَن
كانوا على دينِ النبيِّ مُحمَّدِ!
قل للمليحةِ بالخمارِ الأسودِ
ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبد،
ما تقوليلي كدا يا ذات الجمال السرمدي عملتي إيه ف وليد خلتيه كدا
اقتربت منه تهمس هي بحبٍ: حبيته، كل اللي عملته أني حبيته بكل حاجة فيه، دماغه و حنيته و هدوئه و تركيزه، بس لحد دلوقتي مش عارفة ازاي يقدر يبقى كدا في كل وقت.

سألها وهو يبتسم لها: ازاي يعني؟ عملت إيه يخليكي تسألي كدا، دا أنا أوضح من وضوح الشمس حتى
حركت رأسها نفيًا وهي تتابع حديثها: لأ، أنتَ في عز ما كنت بتساعد هدير و شايلها قدرت مشاعري و فَهمتني موقفك، و دلوقتي أنتَ بتتغزل فيا رغم انك جواك مصارعة جامدة في التفكير من اللي جاي.

تنهد هو بعمقٍ ثم أجابها: علشان أي شخص طبيعي المفروض يقدر مشاعر اللي حواليه، أنا عارف إنك بتغيري عليا ودا حقك، علشان أنا لو شفت أحمد و لا وئام أخويا شايلك النار هتاكل فيا، فطبيعي أقدرك و أعرفك موقفك، و دلوقتي بتغزل فيكي علشان عيونك الحلوة بيخلوني افكر حلو زيهم.

ألقت هي برأسها على كتفه ثم قالت بهدوء: والله العظيم عاوزة أبخرك، حتى حبي عليك شوية، ربنا يرزقك بكل اللي نفسك فيه يا رب، علشان اللي زيك يستاهل إنه يفرح من قلبه
وضع ذراعه عليها وهو يقول بهدوء: ايوا ادعيلي بالله عليكي، علشان الدنيا دي مدرسة و جوزك كل حصصه فيها فيزيا
ضحكت هي ثم قالت بهدوء: من عيني هدعيلك بحصص ألعاب بعد كدا.

ضحك هو بخفة ثم أضاف ساخرًا: يا ستي ادعيلي بفسحة بس و ربك يفرجها بعد كدا بحصة احتياطي
ضحكت هي بقوة عليه فوجدته يشاركها الضحك هو الأخر.

في غرفة خديجة كان هو ممدًا على الفراش في غرفتها بمفرده، أما هي فصعدت حتى تطمئن على بنات عمها محمود، بعد مرور دقائق وجدها تدخل الغرفة بهدوء، فابتسمت هي له بتوتر ثم قالت:
معلش اتأخرت عليك، بس كنت بحاول مع هدير لكن مفيش فايدة برضه، مش عاوزة تاكل ولا عاوزة تتكلم ولا تدي أي رد فعل.

ابتسم لها هو الآخر ثم قال متفهمًا: أنا عارف ولا يهمك، المهم تعالي ارتاحي شوية، أنتِ من الصبح عمالة تلفي عليهم، و أنا مش عارف أنام من غيرك
ابتسمت هي له خلعت حجابها ثم جلست بجانبه على الفراش وهي تتنهد بعمقٍ، فوجدته يعتدل في نومته ثم أخذها بين ذراعيه، ابتسمت هي له ثم ألقت رأسها على كتفه، نظر هو لملامحها فوجد التردد باديًا عليها لذلك قال بهدوء بعدما ابتسم لها:.

اسألي عاوزة تقولي إيه؟ شكلك عامل زي العيل اللي عاوزة حاجة حلوة و خايف من أمه
رفعت رأسها تنظر له بتردد وهي تقول: بصراحة عاوزة اسألك هو زفت الطين دا هيفضل هنا؟ وجوده معصبني، مش هقولك مخوفني، بس بجد مش عاوزة أشوف وشه
نظر هو لها بقلة حيلة ثم أردف: المفروض انهم هنا لحد العزا ما يخلص خالص، بس خليه يفكر يبصلك كدا و أنا هخليه يحصل مرات عمك في تربتها.

ردت هي عليه بخوفٍ: بلاش يا ياسين، خليك أنتَ أهدا، متخلنيش خايفة عليك كل شوية
شدد عناقه لها ثم قال بهدوء: أنا وعدتك أني مخوفكيش، و أنا هحترم وجود الرجالة في عليتكم، بس أنتِ ياريت متظهريش قدامه تاني، ولا حتى يلمح طيفك، عيونه لو جت عليكي هخلعهاله
سألته هي ببرود بعدما ابتسمت له: دي غيرة بقى يا أستاذ ياسين؟ أنتَ غيران عليا و مش عاوز حد غيرك يشوفني.

رد عليها مُردفًا بتأكيد: أيوا يا ستي غيران عليكي، مش أنتِ حقي برضه ولا إيه؟ العيون دي حقها تبص ليا أنا، و أنا اللي يحق ليا وجودك، غير كدا اللي يفكر بس فيكي يبقى زي أستاذ راشد كدا
سألته هي بدلال فطري غير متعمدة ذلك: أنا قولت خلاص ياسين زهق مني، حتى عيوني بقت عادية
ابتسم هو لها ثم قال بهدوء: عمر عيونك ما تبقى عادية أبدًا ليا، و عمري ما أزهق من البص فيهم، لو لكل عاشق وطن. أنا وطني عيونك أنتِ.

اتسعت بسمتها تلقيائيًا فوجدته يغمز لها وهو يقول بمرحٍ: خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ
طبعت قبلة بسيطة على وجنته ثم قالت بهدوء بعدما أعادت رأسها على ذراعه: تصبح على خير يا ياسين
ابتسم هو الأخر ثم وضع ذراعه الأخر عليها حتى ينام أخيرًا، فوجدها تهمس له بهدوء:
على فكرة بقى أنا بحبك أوي، وجودك حلو و من غيره كل حاجة رخمة، شكرًا علشان أنتَ معايا علطول.

ابتسم هو لها ثم قال: من العفو يا ستي، احنا تحت امرك يا ست الكل، احنا عاوزين ننول الرضا.

ضحكت هي بخفة ثم أغلقت عينيها بهدوء وهو يتابع سكونها، ثم أخرج زفيرًا قويًا من تلك الفتاة التي تشبه عروس الكارتون من وجهة نظره، مجرد شخص عشوائي غير مرتب أصبح له الدنيا بما فيها، لم يتخيل طوال حياته أن يصل به الحب إلى تلك الدرجة، فحتى صوتها يبثه الطمأنينة، كيف ذلك وهو الرجل، كيف تلك الضعيفة تمده بالقوة، هكذا كان يحدث نفسه ساخرًا من ذاته ومن ما آلت إليه في حب خديجة بعدها نظر لها بتمعن أكثر فوجدها تتشبث به حينما حرك ذراعه، فتحدث يقول بسخرية: اشرب يا ابن زُهرة، أدي أخرة الحب، حتة كتكوتة زي دي مسهراك الليالي، بس برضه عسل.

في الطابق الثاني تحديدًا في شقة مشيرة كانت جالسة هي على المقعد خلف زوجها وهو يصلي بها، أنهى الصلاة ثم التفت ينظر لها فوجدها تتنهد بعمقٍ ثم قامت بالتسبيح على يدها كما علمها هو، بعدها أنهى هو أذكاره ثم سألها بهدوء: مالك يا مشيرة؟ شكلك تعبان أوي النهاردة، خدتي علاجك طيب؟

أومأت له في هدوء ثم قالت: خدته الحمد لله، بس اليوم كان صعب أوي يا حسان، هدير و هدى مقطعين قلبي، و جميلة حاولت اقف اساعدها رفضت، و خديجة لما شافتني خرجت تاني من المطبخ، أنا عارفة أني وحشة أوي، بس عاوزة فرصة والله.

رد عليها هو بهدوء: دا اختبار لتوبتك يا مشيرة، ياترى هتتحملي طريقتهم دي معاكي ولا هترجعي تاني زي الأول تأذي و خلاص، أنتِ عاهدتي نفسك و عاهدتي ربنا إنك متعمليش حاجة غلط تاني، و بدأتي تقربي منه، يبقى تستني و تشوفي بقى النتيجة، أهم حاجة الثبات يا مشيرة، متخليش الشيطان يركز مع افعالك القديمة و يفكرك بيها، هتلاقي نفسك بترجعي واحدة واحدة تاني، لكن لما تلاقيه بيفكرك استغفري و افتكري إنك بتصلحي من نفسك، و يا ستي معلش اعتبريهم بيدلعوا عليكي.

ردت عليه هي بسرعة: أنا مش زعلانة منهم، أنا عذراهم والله دا حقهم، أنا برضه مش ملاك، أنا، خلاص ربنا يسامحني بقى
ابتسم هو بهدوء ثم قال: ربنا يسامحنا كلنا و يخرجنا منها على خير، ربنا يرزقنا حسن الختام و نسيبها من غير أي ذنوب، أصلها متستاهلش بصراحة.

أومأت له مؤكدة ثم قالت بنبرةٍ شبه باكية: عرفت والله، عرفت انها متستاهلش إن الواحد يحارب علشانها، و إن الرضا بالنصيب و المكتوب يفرح القلب و يرزق الانسان بالعوض، بس للأسف كان متأخر أوي يا حسان
ربت على كفها وهو يقول بهدوء: متأخر أحسن من مفيش خالص يا مشيرة، الحمد لله اننا مروحناش منها و احنا وحشين، على الأقل معانا فرصة نعوض.

في داخل الشقة التي جلس بها ابراهيم و أولاده، جلس أمام ولده الكبير وهو يقول بضيق:
مفيش فايدة ف غبائك يا راشد، بتدخل ترمي كلام زي السم و خلاص، خليت حتة عيل زي دا يقف قدامي راس براس، كان لازمته إيه كلامك؟
رد عليه الأخر بنفس الحنق: أعمل إيه يعني؟ أنا معرفش انها اتجوزت و بعدين أنتَ قولتلي عاوزك تصلح موقفك معاها، أعرف منين بقى إن الواد دا جوزها.

ابتسم والده بسخرية وهو يقول بضيق: علشان حضرتك غبي، قولتلك لما نناسب عيال فايز الرشيد هنلاقي البضاعة اللي بتقف معانا كل موسم علشان شوية فلوس، لكن أنتَ شربت السيجارة و وقفت قدامهم كلهم ترمي كلام خايب، كويس إن وليد دا مكانش هنا ساعتها، مكنتش عرفت أخرج بيك من هنا، و اللي أحمد عمله ساعتها دا ميجيش شبر في عمايل وليد.

تدخل رامي يقول بانفعال: أنا مش عارف هو في إيه، جايبنا معاك ليه؟ لما احنا مش مرحب بينا كدا؟ جايين نهبب إيه؟
زفر ابراهيم بضيق ثم أردف موضحًا: جايين علشان نرجع العلاقات من تاني، أنتَ ركز مع البت بنت طه الصغيرة، و الأستاذ راشد بقى يشيل خديجة خالص من دماغه و يركز مع هدير.

ابتسم له كلاهما فتابع هو حديثه من جديد: خلود صغيرة و سهل تعلقها بيك يا رامي، يعني قبل ما نمشي من هنا تحاول تفتح معاها كلام، اعتبرها واحدة من اللي كل يوم ليك معاها مشكلة بس بالأدب، و أنتَ يا راشد، هدير فسخت الخطوبة خلاص، يعني بقت حرة نفسها، و أنتَ عينك كانت عليها
رد عليه راشد بهدوء خبيث: حلوة هدير برضه، و تستاهل بصراحة، يعني ممكن اعتبر العلقة الحلوة دي علشانها.

اضاف والده يقول بخبثٍ: طبعًا هي مكسورة بعد موت أمها و عاوزة اللي يساندها و هنا كل واحد معاه مراته، حتى محمود مكسور بعد موت مراته، يعني نربط معاهم كلام قبل ما نمشي و نبقى نرجع نكتب الكتاب بعد الأربعين
سأله رامي بقلق واضح: طب وهما هيوافقوا؟ يعني بعد موقف خديجة دا، أكيد هيرفضوا
ابتسم ابراهيم بثقة وهو يقول موضحًا حديثه: فيه واحد لو وافق كل السكك المقفولة هنا تتفتح، واحد لو قال آه، كلهم هيقولوا آه علطول.

قطب راشد جبينه وهو يسأله بنبرةٍ حائرة: و دا مين دا إن شاء الله؟ العفريت الأزرق؟
أجابه والده بثقة: لأ اصعب من العفريت الأزرق، اسمه وليد الرشيد، وليد دا لو وافق و أنتَ كلمته بالعقل و الحنية، كل حاجة هتبقى زي الفل، وهو بنفسه اللي هيجوزك هدير دي، و ساعتها أنا هعرف أشارك ولاد فايز براحتي، أو حتى آخد مخزن من بتوعهم بدل المخازن اللي قاطمة وسطي في الايجار دي، أقل ما فيها هيبقى بينا نسب ولا إيه.

سأله راشد باندهاش: وليد؟ اشمعنا وليد يعني؟ ليه مش طارق و ليه مش وئام؟ دول كبار العيلة هما الاتنين، وليد دا أصغرهم.

أجابه والده بعدما ابتسم بسخرية: طارق و وئام دول غلابة، عيال نضيفة من الأخر يعني، لكن وليد دا عقل فايز الرشيد التاني، الوحيد اللي واخد مكر جده فايز، واد ابن سوق و عارف كل كبيرة و صغيرة حواليه، لما ولاد فايز حصلهم مشكلة في الشغل و المخزن غرق و شركة التأمين رفضت تديهم المبلغ، ساعتها وليد دا خلع الماسورة نفسها و راح عمل بيها محضر في الشركة و ساعتها خد مبلغ التأمين و التعويض كمان، فايز الرشيد كان زيه في كل حاجة محدش يقدر يشتغله، لكن بالحنية كله بيجي معاه، و وليد زيه عاوز حبة حنيه.

وافقه الاثنين معًا وكلًا منهما عينيه تلمع بفخرٍ من تفكير والدهما الذي من الواضح أنه ينوي على التوغل في تلك العائلة التي تربطهم بها رابطة الدم و العصب ولكن هيهات، فأي أقرباء هم من يستغلون وضع الأخرين في الوصول إلى ما يودون، بالطبع لقد أصبح الدم يشبه الماء لديهم، حتى الظافر ترك لحمه و فرَ عنه بعيدًا.

في اليوم التالي الذي لم يختلف عن سابقة كثيرًا، حيث أن الناس لازالت تتوافد على البيت حتى تقدم واجب العزاء و كانت هدى أهدأ عن الأمس بكثير، أما هدير فهي كما هي عليه فقط الصمت و تلك الهالة السوداء التي أصبحت تحتل اسفل عينيها من الارهاق، في عصر نفس اليوم طلب راشد من وليد أن يقابلة فوق سطح البيت بعيدًا عن الأنظار، قام الأخر بتلبية مطلبه و صعد معه دون أن يظهر أي ردة فعل، أما راشد فتصنع الخجل والتوتر وهو يقول بنبرة مهتزة:.

أنا عارف إن كلامي ممكن يبان غريب شوية عليك، بس، بس أنا مش قدامي غيرك يساعدني يا وليد، أنتَ اللي هتحللي الموقف اللي أنا فيه دا
رد عليه وليد بثباتٍ: أخلص يا راشد، أنا مش فاضيلك و الناس قربت تيجي، عاوز إيه؟
أجابه وليد بتلعثمٍ مصطنع: أنا، أنا عاوز أخطب هدير بنت عمك محمود
لم تتغير ملامح وليد ولا حرك ساكنًا بل ظل جامدًا كما هو، فاسترسل الآخر حديثه قائلًا:.

قبل ما تفهمني غلط و تبصلي كدا، هدير هي البنت اللي كنت عاوزها من الأول، بس هي كانت مخطوبة ساعتها، والله كلامي اللي قولته ساعتها على خديجة كان علشان مش قابل غير وجود هدير في حياتي، والله من ساعتها محدش مالي عيني غيرها.

سأله وليد بنبرةٍ جامدة و بملامح وجه واجمة: كلامك دا يا راشد تقوله لما تكون واقف بتنقي مواشي في سوق البهايم، لكن أنتَ بتتكلم عن بنات ناس مع أخوهم، يعني لو أنا عملت الواجب معاك هنا، اعتبره كرم الضيافة، و هخلي ياسين يطلع يوجب هو كمان و يشربك الساقع بنفسه.

رد عليه راشد بتوسل و بنبرة شبه باكية: والله العظيم أنا صادق، و عاوز هدير معايا، هدير دلوقتي محتاجة وجودي معاها، هي مكسورة وعاوزة حد يداوي جرحها دا، متحرمنيش من فرصة رجوعها ليا، علشان خاطري و أنا معاك في أي حاجة تعوزها وأي ضمان
تنهد وليد بعمقٍ ثم قال: طب و خديجة، كدا هتعمل مشاكل بين بنات العم، يعني تكون متقدم لخديجة و بعدها تقول اصل كنت بحب هدير؟

أجابه الأخر بسرعة كبيرة: خديجة ربنا كرمها خلاص و بقت مع اللي يستاهلها، لكن هدير محتاجة راجل معاها، عم محمود تعبان و مش هيقدر يساند بنته، لكن أنا هديها وقتي و حياتي كلها، ولو مش مصدقني أنا ممكن أعمل اي حاجة تطلبها مني
رد عليه وليد بثباتٍ: لو كلامك صح يا راشد يبقى تعتذر لخديجة قدام العيلة كلها كبير و صغير، زي ما رميت كلام خايب ف حقها يبقى تعدله.

ابتهج وجه راشد ولكن بهجة زائفة فقال: أنا موافق، و دا حقها عليا و ممكن أبوس راسها كمان
رد عليه وليد بضيق من حديثه بعدما سمع جملته: لأ، مش عاوزك تيجي جنبها، و بعدين هو أنتَ مش عارف تلم نفسك لسه؟ عاوز تبوس راس واحدة مش من حقك؟ هو أنتَ مفيش عندك دم؟ مفيش نخوة خالص؟ إيه اتبرعت بيه كله للهلال الأحمر؟

اغلق راشد جفنيه ثم فتحهما بتروٍ، ثم رسم على وجهه ملامح هادئة وهو يقول: أنا كان قصدي كنايةً يعني عن الاعتذار، لكن مش قصدي بالمعني الحرفي دا
ابتسم له وليد بسخرية ثم قال متهكمًا: لأ و ماله يا حبيبي، خلاص بليل يا راشد نبقى نشوف موضوعك، أنتَ تقف تعتذر لخديجة قدام الكل، و أنا هفاتحهم في موضوعك مع هدير، أظن كدا عملت الواجب معاك و زيادة كمان.

ابتسم له راشد ثم قال بهدوء: تسلم يا وليد، أبويا كان معاه حق لما قالي إنك أكتر واحد هيعرف يساعدني، أنتَ أخويا خلاص
ابتسم له باصفرار ثم قال بخبثٍ: لأ و عمي ابراهيم طول عمره صاحب واجب و ابن اصول، ربنا يديله على قد نيته إن شاء الله، ها أدعي بيها ولا أغيرها، لحسن يجراله حاجة من الدعوة؟

نظر له راشد باندهاش، فابتسم له الآخر بودٍ مصطنع وهو يقول: يا عم متقفش كدا، أصل بيني و بينك دعيت بيها لواحد قبل كدا، تاني يوم اتفضح قدام اهله كلهم، ومن ساعتها بخاف ادعي لحد بيها
ابتسم له راشد بتوتر حاول إخفائه، فوجده ينظر له بثبات، فتحدث هو يقول بنبرةٍ مهتزة: طب هنزل أنا بقى علشان اشوف الناس اللي بتيجي، و على اتفاقنا بليل.

أومأ له وليد موافقًا، فانسحب هو من أمامه بهدوء، بينما الآخر حرك رأسه في الجهتين وهو يقول بتفكير: والله حلو، راشد و هدير مع بعض، تمشي
قال جملته ثم أخرج هاتفه وهو يفكر في الحديث الذي ألقاه ذلك المدعو راشد أمامه.

في منتصف اليوم اسفل شقة رياض اجتمع الشباب بنسائهم، حتى يذهبن لتأدية واجب العزاء مع أزواجهن، نزل رياض و زوجته، فقال عامر بسخرية منهما: عصافير الحب اللي كل يوم بطقم شكل، فاكرين نفسكم رايحين عزا اخت هاني البحيري؟
رد عليه رياض بضيق: أنا بقول اربيك أنا و أهو بالمرة فهمي يبقى حصله حاجة حلوة في حياته، بدل ما هو سايبك في حياتنا كدا.

ردت عليه سارة بمزاح: لو سمحتوا بقى محدش ليه دعوة بجوزي، هو كدا كدا مبيعملش حاجة وحشة أصلًا
رد عليها عامر بمشاكسة: والله كل الاختيارات وحشة قصاد اختياري الحلو ليكي، و كل الإنجازات عادية قصاد بصة من عينيكي
ضحكوا عليه جميعًا فقالت زُهرة بسخرية: مبيضعيش فرصة واحدة بس، في أي وقت و أي مكان عامر هو عامر
ابتسم هو بفخرٍ ثم قال: ادعولي يا جماعة ربنا يحميني من العين، علشان خايف اتحسد.

تحدث خالد بهدوء: طب نسيبنا من الهبل دا بقى، هنروح ازاي بقى كلنا يا استاذ عامر؟ أنتَ قولتلي سيبها عليا و أهو سبتها عليك، و شكلنا هنغرق
اشار له بالهدوء ثم قال: اصبر يا حبيبي على رزقك، أنا عامل حاجة هتخليكم تصقفولي
تحدث ياسر بخوفٍ: أنا خوفت أكتر، يخربيت الرعب، لما بتثق في نفسك كدا، أنا بخاف أكتر
لوح له بذراعه و لم يعقب و فجأة توقفت سيارة كبيرة امامهم، فقال عامر بفخرٍ: العروسة جت خلاص.

قطب رياض جبينه وهو يسأله بنبرةٍ حائرة غير مدركًا مقصده: عروسة إيه أنا مش فاهم حاجة، و فين العروسة دي يا عامر؟
أشار عامر على السيارة وهو يقول بمرحٍ: العروسة دي، ميكروباص توفيق، هو دا الحل الوحيد علشان نروح كلنا سوا
سألته ريهام باندهاش: ميكروباص؟ الناس كلها بتروح بعربيات نضيفة أو حتى أوبر، أنتَ جايبلنا ميكروباص؟ إيه الفضايح دي؟

رد عليها هو بسخرية: أوبر هياخد مننا كام؟ عم توفيق بالميكروباص رايح جاي هياخد 100 جنيه دا غير كوباية الشاي في العزا، و كدا أنا موجب معاه
ردت عليه إيمان بمرحٍ: والله العظيم أنتَ بتفهم، أوبر دا بيحسسني كأني عليا دين، لكن عم توفيق بيتنا التاني
رد عليها توفيق بعدما اشرأب برأسه من نافذة السيارة: الله يباركلك يا أستاذة، والله دا شرف ليا أني أحمل زباين نضيفة كدا.

ضحك عامر بقوة ثم قال: الله يكرمك يا عم توفيق، أنا فعلًا لسه جايب الطقم دا جديد
ضحك الجميع عليه بيأس ثم ركبوا السيارة الكبيرة التي قام عامر بتأجيرها، و أثناء الطريق، تحدث عامر يقول بهدوء: عم توفيق أنتَ هتسيب عربيتك أخر الشارع علشان الناس اللي رايحين عندهم دول بتوع مظاهر، مش عاوزين نبقى عرر قصادهم.

اضاف خالد بسخرية: هو احنا لسه هنبقى عرر؟ ما خلاص يا حبيبي بقينا زبالة بسببك امبارح، الراجل جايبلك قهوة سادة تقوله لأ عاوزها زيادة؟ فاكر نفسك على القهوة؟
ضحك الجميع عليه، بينما عامر قال بضيق: هو اللي صمم يشربني قهوة، يبقى على الأقل اشربها زي ما أنا عاوز، و لا هي المرحومة تموت وأنا اشرب المُر مكانها
حرك رياض رأسه بيأس وهو يقول: سعد زغلول قالها قبل كدا، مفيش فايدة.

سأله عامر بتلهفٍ غير مصدقًا: هو أنتَ كنت تعرفه؟ أوعى تقول كان دفعتك؟
نظر له الجميع بتعجب وما لبثوا ثوانٍ حتى انفجروا في الضحكات سويًا عليه فشاركهم هو الأخر الضحكات.

في بيت آل الرشيد استمرت الأقدام تباعًا على البيت، ومن ضمنهم أصدقاء ياسين و زوجاتهم الاتي صعدن لدى مجلس النساء حتى يقدمن واجب العزاء ل خديجة و أسرتها، كانت هدير كما هي رافضة لكل ما حولها حتى انها لم ترفرف باهدابها، فقط تنظر أمامها ولا يتغير بها شيئًا سوى تحريك رأسها للخلف ثم اعادتها مرةً أخرى كما كانت تنظر بأعين خاوية في وجه كل من يقترب منها، حتى زوجات الشباب لم تستطع هي الرد عليهن بل اكتفت بصمتها و سكونها المميت الذي مزق نياط قلوب الجميع، حتى خديجة التي جلست بجانبها رافضة تركها بمفردها،.

في شقة مرتضى خرج هو و وليد بعدما تحدثا سويًا، وقبل أن يغادر وليد إلى الأسفل نظر حوله فوجد رامي ابن ابراهيم يتابع خلود بعيناه وهي تتحرك داخل البيت تقدم الماء و المشروبات للنساء، فأشار لها حتى تأتي له داخل الشرفة، أومأت هي له ثم تبعته، فوجدته يبتسم بخبثٍ وهو يقول:
لو قولت لخوخة حبيبة ليدو إنها عندها امتحان عملي حالًا، هتعمل إيه؟
ردت عليه هي بمرحٍ: هحل و أقفل كمان، شاورلي على ورقة الامتحان بس.

أشار لها على رامي الذي تصنع الانشغال في هاتفه، فأومأت له ثم قالت: حضر المكافأة يا ليدو، خوخة هترفع راسك لفوق، بس احتياطي تعالى و اسمع بنفسك
أومأ لها ثم تبعها بعدما رحلت من أمامه هي بثقة ثم نزلت عدة درجات حتى أصبحت في مدخل البيت، فتبعها رامي للأسفل فوجدها تلتفت له فجاةً وهي تقول ببسمةٍ زائفة: ازيك يا رامي، أنا لقيتك عمال تبصلي و شكلك عاوز تقول حاجة مهمة، قولت أوفر عليك المجهود بقى و أسألك أنا.

بادلها هو البسمة بمثيلتها ثم قال: طب وفرتي عليا كتير والله، أنا فعلًا مش عارف انزل عيني من عليكي، شاغلاني من الصبح، و أنا كلها بكرة و ماشي، يعني لو تديني رقمك يونسني في الطريق يبقى كتر خيرك أوي كدا.

تبدلت ملامحها إلى أخرى واجمة وكأنها أصبحت شخصًا آخرًا وهي تقول بنبرةٍ حادة: يعني بتعترف إنك مش راجل، علشان الراجل بيراعي حُرمة البيت اللي هو فيه، لكن لو مش عارف تثبت عينك ف مكان محدد، الحُرمة دي ممكن تقفلهالك خالص و ساعتها تبقى اتثبتت خالص.

نظر هو لها باندهاش ممتزج بالتوتر، فوجدها تضيف من جديد بنفس النبرة الجادة: أنتَ شكلك فكرتني عيلة مراهقة بقى بيضحك عليها بكلمتين حلوين، ولا تسلي وقتك قبل ما تمشي، بس أنتَ غلطان أوي، علشان متربية على ايد رجالة، على ما أظن إنك متعرفش حاجة عنهم، علشان لو أنتَ عارف يعني إيه رجولة مش هتبص لبنات الناس اللي بايت في بيتهم، ها تحب أسمعك تاني؟ ولا أجيب حد من اخواتي يسمعك هو؟

اذدرد هو لعابه بخوف فوجدها تبتسم له وهي تقول بهدوء: بالشفا يا رامي، فرصة سعيدة و أتمنى إنها متتكررش تاني، علشان منزعلش كلنا
في تلك اللحظة اقترب منهما وليد يقول بخبثٍ: خير يا خلود فيه حاجة ولا حاجة؟
ابتسمت هي باتساع وهي تجيبه: لأ يا ليدو خلاص، دا واحد كان تايه في العنوان و خلاص وصلناه بيته، ربنا يبعته بالسلامة.

أومأ لها موافقًا بتأكيد ولا زالت بسمته تُزين وجهه المرح، بينما رامي انسحب من امامهما بهدوء، فاقترب منها وليد يقول بفخرٍ: بنتي بصحيح، ابقي فكريني نفتح مدرسة أنا و أنتِ للخبث و الخبائث، خسارة دماغنا دي تضيع كدا
ابتسمت هي له ثم ردت عليه: من عيني يا ليدو، بس إيه رأيك فيه وهو مش عارف ينطق، الاهبل فاكرني مراهقة، ميعرفش أني أكبر من مخ أبوه الأهطل.

أخذها وليد أسفل ذراعه وهو يقول بمرحٍ: أنا عاوز أشكر زينب علشان رضعتني والله، لولا الحركة دي كان زماني مش أخوكم و كان زماني مش لاقي ليا شبيه
ضحكت هي بقوة ثم قالت بعدما توقفت ضحكاتها: طب أنا هطلع اشوف الستات فوق و هبقى اتكلم معاك براحتي، علشان شاكة فيك بصراحة.

أومأ لها موافقًا ثم تابع انسحابها من أمامه، بعد ذلك ذهب لمجلس الرجال من جديد فوجد رجال العائلة فقط، اشار له راشد بتوسلٍ، فأومأ هو له ثم صعد ينفذ مطلبه.

بعد ما يقرب العشر دقائق و بعد اختفاء أثر الغرباء، قام وليد بجمع العائلة بأكملها داخل الطابق الأرضي الخاص بالمناسبات، كان الجميع في حالة من الدهشة حتى خديجة التي جلست بجانب ياسين بخوف فوجدته يربت على كفها بهدوء حتى يُطمئنها، نظر لهما وليد بفرحة كبيرة ثم وقف يقول بهدوء أمام الجميع:.

طبعًا كلكم عاوزين تعرفوا أنا جمعتكم هنا ليه دلوقتي، بس راشد عاوز يقول حاجة مهمة قصاد الكل، و أظن دي مش أول مرة يقول فيها حاجة قصاد العيلة، يلا يا راشد سمعنا
كان راشد جالسًا بجانب حسن فوقف بجانب وليد وهو يقول بهدوء مصطنع و كأنه يحمل الذنب: أنا عاوز أعتذر ليكم كلكم عن كلامي اللي حصل مني قبل كدا ف حق خديجة.

وقف ياسين منتفضًا يقول بنبرةٍ جامدة منفعلة: قولتلك اسمها ميجيش على لسانك، و أنا مراتي مش عاوزة اعتذار من حد زيك ناقص الرجولة، سيرتها متجيش على لسانك علشان مكملش على الدهان اللي في وشك
اقترب منه راشد يقول بهدوء و ببكاء زائف: حقك يا ياسين، بس والله أنا عاوز أريح نفسي من عذاب ضميري، و المدام ليها حق عندي، حق غلطي فيها، و أنا قدام الكل محقوق ليها، و ربنا عوضها خير عني براجل محترم زيك يا ياسين.

رد عليه ياسين بثقة: ربنا كرمها لما أنتَ خرجت من حياتها، و رزقني بيها علشان تبقى مع واحد يقدر قيمتها، و اللي زيك ميعرفش يقدر الغالي، للأسف واخد على الرخيص
رد عليه راشد بهدوء: معاك حق، بس اعتبرني أخ بيعتذر لأخته، و عاوز أسمع منها هي رأيها.

وقفت هي بجانب زوجها ثم تمسكت بذراعه تستمد منه العون، فوجدته ينظر لها مستفسرًا على ما تنتوي فعله، لذلك أومأت له بأهدابها، بينما راشد قال بهدوء: مسمحاني يا أختي؟ اعتبريني اخوكي و غلطت في حقك
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بنبرةٍ قوية: أنتَ أخر واحد ممكن ف يوم اشفعلك ولا حتى أسامحك، بصراحة ملكش قبول عندي علشان اسامحك، أصل المسامحة دي لناس مكملين في حياتنا و أنتَ ملكش لازمة عندي.

نظر لها الجميع باندهاش حتى والدها، بينما ياسين ابتسم بفخرٍ لها وهي تسترسل حديثها: و حوار إنك أخويا دي صعبة بصراحة، أصل أمي مجابتش رجالة غير أحمد و ربت وليد، و أنتَ مش دا و مش دا، يعني خارج المقارنة معاهم أساسًا
نظر لها هو بضيق، فوجد ياسين يقول بنبرةٍ متشفيةً به: أظن هي ردت عليك أهوه؟ تحب بقى أرد أنا كمان ولا تكتفي بذلك القدر؟
تدخل وليد يقول بهدوء حتى يُنهي ذلك الموقف:.

خلاص يا راشد هي مش مسامحة، و دا حقها و مقدرش أجبرها على كدا، كمل بقى طلبك التاني
سأل طه بانفعال: هو لسه عنده كلام تاني؟ خير يا أستاذ راشد، أؤمر
تنهد راشد بعمقٍ ثم قال بهدوء بعدما التفت ينظر في أوجه الجميع: أنا طالب إيد هدير بنت عمي محمود، و عاوز أتقدم ليها
شهق الجميع بقوة، بينما محمود قال بضيق منفعلًا: أنتَ اتجننت يا راشد؟ بتطلب ايد بنتي و أمها لسه مكملتش ساعات في قبرها، أنتَ مفيش عندك دم خالص؟

اقترب هو يجلس مقابلًا لعمه بعدما جلس على ركبتيه وهو يقول بتوسل: يا عمي والله عاوز اتقدم ليها علشان اساعدها تتخطى محنتها، أنا علشان راجل مش عاوز اسيب هدير كدا، عاوز اساعدها
لا مؤاخذة يا راشد، بس أنتَ لو راجل بجد مش هتطلب واحدة قدام خطيبها وهو قاعد، عدم المؤاخذة يعني حركة مفيهاش ريحة الرجولة.

خرجت تلك الجملة من حسن بقوة بعدما وقف خلف راشد الذي التفت ينظر له باستفسار غير مدركًا ما تفوه به الأخر، فأومأ له حسن بقوة وهو يقول بتشفٍ:
زي ما سمعت كدا يا أستاذ راشد، الآنسة هدير خطبتي، ولا إيه يا حج مرتضى؟ هي دي قراية الفاتحة اللي بيننا؟
رد عليه مرتضى بهدوء خبيث: والله يا بني هو فاجئني بطلبه دا، مش مديني فرصة حتى أقوله إنك قاري فاتحة هدير، حتى وليد ملحقش يقوله.

اقترب راشد من وليد يقول بانفعال: الكلام اللي الأخ دا بيقوله صح يا وليد؟ ولما أنتَ عارف إن هو خطيب هدير سبتني اتعشم ليه؟ محاولتش تراعي نفسيتي؟
ابتسم له وليد وهو يقول بنبرةٍ واثقة: بصراحة هي حركة زبالة معلش بقى جت فيك، و بعدين أنتَ عاوز تقهر أخواتي و تستغل الظروف و أراعي نفسيتك؟ ليه؟ هي نفسيتك فيها كتاب دين؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *