رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل الثالث والعشرون
كانت عائشة تجلس بجانب الشباك الخاص بغرفتها فبعد ما تم الانتهاء من كتب الكتاب أخبرهم سفيان بأنهم سيتحركون للصعيد بعد ساعتين، رفضت عائشة الذهاب معهم بشدة كانت تريد رؤية رد فعله، كانت تريد رؤية ألمه تريد موته هي كانت تريد رؤية دمار رائف، فتوجهت لغرفتها وحبست نفسها في الداخل، تعلم بأنهم خائفون عليها ولكنهم لا يعلمون كم انتظرت طوال حياتها هذه اللحظة، اللحظة التي ستسترد فيها جزءًا من حقها المسلوب، ستستطيع النوم دون كوابيس، ستأخذ حقها وحق أبيها، أختها، خالتها، مربيتها كل أحد كانت له علاقة بها كان يعاقبها بقتله وحرمانها منه، ووالدتها، التي لم يكتفي بجعلها مجنونة ولكنه قتلها بدم بارد بعدما استعادت جزءًا كبيرًا من عافيتها، كم تكرهه، كم تمقته، تدعو اللّه في كل لحظة بأن يجعل موتته أليمة للغاية، وكم ستفرح حينها، سيكون هذا أسعد يوم في حياتها.
نظرت للخارج فوجدت سفيان يراقبها بابتسامة طفيفة على شفتيه وهو يكتف يديه على صدره ويقف مستندًا على الحائط من خلفه توسعت أعينها بدهشة طفيفة وقد أحست باشتعال وجنتيها بخجل
فتوجهت مسرعة لغلق الشباك ولكنها صرخت بفزع حينما اقترب سفيان منها ممسكًا طرفي الشباك بين قبضتيه، ولأن المنزل في الدور الأرضي فقد كان يحصل على رؤية واضحة لها ولغرفتها، مش هتفتحي الباب برضوا؟
قال سفيان بمشاكسة فنظرت له شرزًا وقامت بجذب المقبض بقوة ولكنها حتى لم تحركه في يده هز سفيان رأسه بسعادة ولاعب حاجبيه قائلًا
مش هتعرفي تسحبيه مني فمش تتعبي نفسك يا عائش.
استغفرت عائشو وهي تتنهد بقوة فحك سفيان ذقنه بخبث قبل أن يفتح الشباك على آخره وتراجع للخلف ببطء.
علمت عائشة ما يريد فعله فتوجهت لإغلاقه بسرعه ولكن سفيان قهقه بتلاعب قبل أن يركض ناحية الشباك رافعًا ثقله كله وسرعان ما قفز لداخل الغرفة، ركضت عائشة في هلع حينما رأته يقف في غرفتها بكل شموخ يراقبها بتسلية واضحة على شفتيه، لو قربت مني صدقني هصوت وهلم عليك الناس كلها، قالت عائشة بخوف فابتسم سفيان عليها قائلًا.
عارفك هبله وتعمليها بس صدقيني أنا دلوقتي مش هعرف ألعب معاكِ، أخاف رائف يطب علينا فجأة، فنروح الصعيد دلوقتي ونبقا نلعب هناك، أنا وإنتِ ومروان ورهف وكلنا.
أنا مش همشي معاهم أصلًا.
قالت عائشة بقوة زائفة وهي تبتلع رمقها، أنا مش باخد رأيك أصلًا.
أجابها سفيان بمشاكسه قبل أن يضيف بهدوء يحاول اقناعها به.
كلنا هنمشي معاهم يا عائش مش هنعرف نلعب معاه براحتنا هنا، الصعيد منطقتي وهناك هو مش هيكون معاه حد من أعوانه هيبقى زي الكلب لوحده، قال سفيان بهدوء ولكن رفضت عائشة تصديق كلامه
وهو حينما لاحظ عدم التصديق على وجهها زفر بخفة، أنا استنيت كتير أووي علشان اللحظة دي فمش هسمحلكوا تبوظوا كل حاجه، مش هينفع، أنا لازم أرتاح بقا.
قالت عائشة بهمش ضعيف وقد اختنق حلقها، أحس سفيان بالضعف في تلك اللحظة ولكنها لا تريد تصديقه ولا يعلم ماذا يفعل معها، لازم نمشي يا عائش، صدقيني كلنا هنمشي، قال سفيان بتحايل عليها ولكنها هزت رأسها برفض فتنهد سفيان بقلة حيلة قبل أن يسحبها ناحيته، توسعت أعينها بدهشة طفيفة وقبل أن تفتح فمها للصراخ قمام بضرب رأسه برأسها ففقدت وعيها على الفور حملها سفيان ووضعها على السرير ببطء، ثم أمسك يدها بحنان وقبلها معتذرًا، آسف يا عائش، نهض بتثاقل من جانبها متوجهًا نحو الباب من ثم فتحه فجأة فسقطت هايدي التي كانت تقف مستندة بثقلها كله عليه، مش تحاسب يا أخي.
قالت هايدي بضيق فنظر لها سفيان بعدم تصديق، أنا إللي أحاسب، طب هو في حد عاقل بيسند على الباب كده
ابتسمت هايدي ابتسامه صفراء ثم نهضت من على الأرض وهي تتمتم بالاستغفار بضيق، إيه ده هيا عائشة نامت
قالت هايدي باستغراب فنظر لها سفيان بتعجب ثم سحب رأسها صارخًا في أذنها بقوة لتصرخ هي فيه بغضب وهي تضرب صدره، طب ما إنتِ بتسمعي أهوه أومال مش سمعتي عائشة وهي بتصوت ليه؟
قال سفيان بتعجب فنظرت له بسخط قائلة، مش يمكن عشان لابسة بندانة وبندانة تانية وخمار والباب مقفول هسمع إزاي يا مستفز.
نظر لها سفيان باستدراك ثم شاكسها وهو يضربها من مؤخرة رأسها بقوة، معلش يا أبلة مركزتش، قال سفيان فصرخت هايدي بسخط قائلة، إيه أبلة دي يا جاهل، أنا مُعلمة، قطعت شيما جدالهم وهي تدخل للغرفة بابتسامة استفزاز موجهة نحو سفيان، ألف ألف مبروك يا أبيه فرحتلك من قلبي والله، قالت شيما بتلاعب ولأنها الوحيدة التي تستطيع إخراج أسوء ما فيه فجذبها من حجابها بقوة هازًا إياها بسخط قائلًا.
يا رب جمل يبرك عليكِ يا شيخة
ضحكت الشيماء بخفة ثم احتضنته مهنئة إياه بسعادة، وقف سفيان معهم قليلًا يخبرهم بضرورة أخذ كل شيء يتعلق بزوجته، تحركت شيما لداخل الغرفة ناحية عائشة تحديدًا، وحين لاحظت حالة جبينها السيئة شهقت بعدم تصديق، إيه ده؟ عائشة رأسها وارمة خالص!
قالت الشيماء بخوف فنظرت هايدي بضيق ناحية أخيها ليحك مؤخرة رأسه بتوتر قائلًا، ممكت تكون اتخبطت في الدولاب، أو اتزحلقت على وشها، أنا إيه إللي هيعرفني.
أوم ممكن يكون كلب مسعور هجم عليها، مش هنستبعد حاجة، قالت هايدي بلؤم قبل أن تدفعه لخارج الغرفة، حين أغلقت الباب في وجهه بتلك القوة استفاق سفيان من غفلته هامسًا لنفسه، كلب مسعور، واللّه لوريك يا هايدي يا مهزقة، صرخ بها سفيان بتوعد وهو يضرب الباب بقدمه بغضب، ثم تركهم ليكملوا عملهم قبل استيقاظ شعلته المجنونة التي تعيث فسادًا في البيت وفي قلبه…
تحركت السيارات محملة بكل شخص له علاقة بهم ويستطيع رائف تهديدهم به.
تم الاتفاق بين سفيان وداود وجهزوا الأماكن التي سيعيشون فيها مؤقتًا حتى يتخلصون من رائف، تمركز مروان في كرسي السائق وتحرك بهدوء وراء السيارات الأخرى، رهف تجلس بجواره حتى تستطيع الجلوس براحة، بينما استقرت ماريا في الوراء بجوارها عائشة التي كانت لا تزال نائمة من وجهة نظرهم، وسيارة أخرى تحمل رائف وأسرته بجواره الشيماء التي تنظر له بتلاعب مهددة إياه بالنزول والركوب مع والدتها، وفرغلي وأسرته وكان من الواضح أنه يسيطر على السيارة بصعوبة بالغة بسبب أطفاله الصغار الذي يتشجارون سويًا كالمعتاد، والد سليم ووالدته وأخته في هدوء تام يشيطر عليهم بسبب تأثرهم بغياب سليم، وأيضًا أدهم كان يقود وبجانبه أبيه واستقرت والدته وجدته واخته في الوراء، وفي تلك السيارة الأخيرة كان يجلس سفيان ببرود بجواره داوود الذي كان ينظر للأمام وهو يدخن سيجارته بكل تعنت، تعرف رائف ليه كام مخزن في القاهرة؟
قال داوود متسائلًا فابتسم سفيان بنبرة باردة، عنده تلات مخازن هنا في القاهرة وأربعة في الاسكندرية، همهم داوود ببرود فابتسم سفيان بسخرية قائلًا، عمومًا أنا عملت اللازم خلاص، وإللي أنا متأكد منه إن سليم موجود في واحد منهم، فقلت للرجالة يفتشوا كويس قبل ما ينفذوا، نظر له داوود بتفاجؤ قبل أن يقهقه بعد تصديق، افتكرتك نسيت الطرق بعد ما توبت، استعاد سفيان نظراته الباردة، كنت عارف اني هحتاجهم في يوم، فسيبت أرقام الرجالة معايا، وهما مقصروش واللّه، قال سغيان ببرود فنظر له داوود بنفس النظرة الساخرة قائلًا، وزي ما إنتَ بتقول أنا مش بلطجي، بس الظروف أقوى مني.
ابتسم سفيان على جملته ثم أرجع رأسه للوراء مستدعيًا النوم فقد كان طريقهم طويل للغاية، كانوا يستطيعون السفر عن طريق الجو، لأنه أسهل وأسرع، ولكن رائف كان سيكتشف خطتهم قبل الوقت الذي يريدونه هم، فقرروا السفر برًا مستعينين برجال الحراسة الذين يحيطون بسياراتهم الآن،
جعدت عائشة حاجبيها بضيق وهي ترمش بعدم استيعاب، أين هي؟
وماذا يحدث؟
تنهدت بضيق قبل أن تستوعب بأنها في السيارة، ومن هيئة الرجال الذين يحيطون بسيارتهم علمت أنهم في الصعيد، لقد ضربها…
شهقت بألم متحسسة جبينها، الحقير!
لهذا تشعر وكأن رأسها سينفجر من الألم، ماريا كانت نائمة بجانبها ورهف كذالك نائمة في الأمام، تنهدت بخفة قبل أن تنظر بضيق خارج السيارة، فوجدت أخيها يقف بشموخ وسط الرجال، فابتسمت بحب، كم كان يشبه والدهم بشخصيته القيادية الحنونة، وجواره يقف زوجها!
شهقت بخفة وهي ترددها داخلها، لقد تزوجت من رجل أحلامها، لقد تحقق حلم من أحلامها أخيرًا
كان يقف مواجهًا لشخص كبير سنًا وله هيبة عالية، ينظر له بهدوء وفي أعينه لمحت ابتسامة خفيفة أسرتها، وكأنه أحس بها فأدار رأسه ناحية سيارتها وحين ألتقت أعينهم سويًا شهقت بخجل مرجعة نفسها للوراء، وكأنه لن يراها!
حين أرجعت عائشة رأسها للخلف للإختباء منه ابتسم سفيان عليها وهو يتنهد بقلة حيلة، بينما مروان كان ينظر لهم بغضب، وقد لاحظ ما حدث معهم، فأمسك برأس سفيان جاعلًا منه ينظر للأمام، عمك هنا يا حبيبي.
قال مروان بضيق فابتسم سفيان ببرود
مراتي هناك يا حبيبي
تنهد مروان بضيق شديد فصمت سفيان عن الحديث خوفًا من أن يأخذها منه، إذا سمح له أساسًا.
وهو يدرك بأن مروان سيكون عقبة كبيرة في علاقته معها، وهو جديًا سيفكر في قتله هذه المرّة.
بعد عدّة دقائق، استقر الرجال في مجلسهم يتحاورون سويًا ويتعرفون على الوجوه الجديدة، وفي مجلس النساء جلسن جلس الفتيات بتعب شديد وهم يتمطعون في جلستهم، ولم يغب عن عائشة أن هناك وجوه غير مرحبة بوجودهم، ليسوا كثيرين حقًا فالأغلبية مرحبين وودودين بطريقة حنونة، ولكن لم تترك عائشة نفسها لهذا التفكير السوداوي وهزّت رأسها مستغفرة ربها، بعد دقيقة فتح الباب بقوة جعلتهم ينتفضون في مكانهم قبل أن تتحرك عجوز كبيرة في السن نحوهم بطريقة مخيفة، وعكازها في يديها بينما يدق الأرض من أسفله بدقات عالية تشبه دقات قلب عائشة، تكلمت المرأة بصوت عالي وآجش أثار الخوف بداخلهم، مين فيكوا مرت سفيان؟
ابتبعت هايدي ريقها بخوف وهي تنكز عائشة بقوة قائلة، عملتِ إيه يا عائشة؟
نظرت لها الأخرى بهلع قائلة، وربي ما عملت حاجة، عايزة إيه من مرات حفيدي يا عنايات؟
قالت زينبو بقوة وشموخ وهي تدلف من نفس الباب، نظر لها الفتيات باستنجاد فابتسمت لهم بحب مطمئنة إياهم، عايزة أشوف مين إللي غرت الواد وخلته زي العيل مستنيها 10 سنين لأ وكمان يرفض بنت عمه عشانها.
قالت المدعوة عنايات بحقد أهوج فتوسعت أعين عائشة قبل أن تنهض من مكانها بهدوء
لما حضرتك تيجي تتكلمي عن جوزي الدكتور سفيان أمجد الدرملي فأتمنى تحتفظي بنبرة الإحترام ناحيته.
قالت عائشة بقوة شامخة كالغزال الذي قرر مواجهة الأسد بدل الهروب من أمامه، أعرفك يا حاجة، عائشة مختار الشافعي مرات ابني وحبيبي سفيان، قالت سعاد بحنان وهي تربت على ظهرها فنظرت لها عائشة بامتنان لتبتسم لها الأخرى بتفهم، مظنش يا حاجة إن ابني كان وعد بنتكم بحاجة وخلى بيها، هو ميعرفش أصلًا بالاتفاق اللي حصل هنا، أكملت سعاد جملتها بقوة فقهقهت عنايات باستهزاء، مين بيتحدث، الست إللي غوت واحد عشان يتجوزها وخلته كسر كلمة أبوه ويعارضه، توء توء، إللي قدامك يا حاجة كانت الست إللي راعت أبو جوزها وخلته يحبها وقلبه يرق عليها، وبدل ما كان معارض جوازتنا هو إللي كان عايزنا نتجوز بسرعة قبل ما حد يلف ويدور على ابنه، أصلك عارفة العقارب كانت كتير حوالين جوزي، أردفت سعاد جملتها ببرود وهي تكتف يديها أمام صدرها، تبادل الفتيات النظرات المستمتعة قبل أن تتحرك الحاجة عنايات نحو باب الخروج، تنفست عائشة الصعداء قبل أن تشعر بوقوف فتاة جميلة الملامح إلى حد ما بأعين يشع منها الخبث، محسوبتك وردة، ضرتك المستقبلية بإذن اللّه، قالت الفتاة بهمس في أذن عائشة التي توسعت عينيها في دهشة وقد تراخت ملامحها بصدمة، هي حقًا سقطت في وكر الأفاعي.
سفيان، إحنا لقينا سليم في مخزن في الأسكندرية، وبعتناه مع الرجالة عليكوا في الصعيد، قال المتحدث بصوت آجش ليشكره سفيان ناهضًا من مكانه بحماس، عملت إللي اتفقنا عليه؟
قهقه الرجل بخبث قائلّا، عيب عليك السؤال ده يا دكتور، أكيد ظبطت كل حاجة، كام واحد؟
قال سفيان بخبث، واللّه يا دكتور رمضان قرب، ولما كنت برمي صواريخ مكنتش بعد كام واحد، قال الرجل بمشاكسه فابتسم سفيان قائلًا، يا عم كل سنة وإنت طيب، أتمنى تكون أتوصيت، هيكونوا رماد بعد نص ساعة، حين قال الرجل جملته شكره سفيان بقوة فتنهد الرجل قائلًا، يا دكتور عيب عليك، أنا عمري ما همسى وقفتك مع أمي وأخواتي وأنا في السجن، قلتلك قبل كده رقبتي سدادة، بس أنا خايف عليك منه، إنتَ كده بتفتح عليك باب جهنم، ابتسم سفيان بسخرية على جملته ثم ركز أنظاره على نقطة معينة في الخارج، الباب ده مفتوح من عشر سنين، أنا بس بقفله دلوقتِ، أنهى سفيان المكالمة ثم نظر نحو مروان الذي كان يقف بجواره، إنتَ قلت إنك مسامح في المخازن، قال سفيان بهدوء فابتسم مروان قائلًا، فداك المخازن كلها، والشركة كمان، وفدا بس نظرة الوجع إللي هتترسم في عيون رائف، كله يهون عشانها، بادله سفيان الابتسام ثم ربت على كتفه متوجهًا نحو اصدقائه ليخططوا لخطوتهم القادمة في كتيب كيفية تدمير رائف…
التعليقات