رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الخامس والعشرون
أولين: ابني العزيز!
لا يعلم كم يعتصر قلبي ألماً لمجرد رؤيته بهذا المنظر. لا يدري كم أشعر بضيق في التنفس وأنا أحاول تجاوز الأمر بكل جهدي.
الحمد لله أن حالته مستقرة، ولكنني ومنذ ان جلست إلى جانبه وأنا أسمع تأوهاته بعد زوال أثر المخدر عن الجرح.
إنني أموت ببطء. لا أحد يملك فكرة عن رغبتي في البكاء ومعانقته بقوة لولا خوفي عليه من تأثر رضوضه او جرحه لو اقتربت منه.
كانت الغرفة إضاءتها خافتة نظرا لتأخر الوقت، إنها تشير إلى العاشرة مساءً. وكريس لم يستيقظ حتى الآن، كل ما يفعله هو هلوسته وخروج بضعة كلمات غير مفهومة تزيد من ألمي وأنا أود لو أفهم ما يحاول قوله.
كنت ممسكة بيده وأنا أشعر بحرارة في جسدي بسبب إنفعالاتي أو ربما جسده هو الذي كان بارداً!
لقد تم إحضار حقيبة تحوي بعض الملابس واللوازم لي، كما أنه جناح خاص و تم تجهيز أريكة مريحة لأستلقي عليها. ولكن. وكأنني سأقدر على الإسترخاء بينهما هو يعاني.
يمكنني إحتمال حدوث أي كارثة في هذا العالم و تقبلها. سوى ان أراه يُصاب بمكروه!
يكفي ما تعرض له هذا الشاب في صغره.
يكفي!
قربت الكرسي من سريره أكثر لأتنهد بعمق، ورفعت يدي أمرر أناملي المرتجفة على يده الباردة برفق شديد وكأنني أخشى إزعاجه أو حتى بث أدنى شعور قد يضايقه.
يا الهي. هل تؤلمك هذه الكدمات والرضوض يا بُني؟
دمعت عيناي مرة أخرى بعد ان توقفت عن البكاء قبل ساعة أو أكثر.
وحدقت إلى وجهه الشاحب الذي شوهته العلامات الزرقاء الداكنة وقد عقد حاجبيه ليأِن متألماً بصوت خافت مبحوح.
مظهره هذا. وكأنني عدت للوراء لسنوات عديدة! الزمن يعيد نفسه. الحياة ترفض منحه فرصة ليرتاح قليلاً.
يتكرر هذا المشهد مجددا، إذ كان ممددا هكذا عندما كان لم يتجاوز التاسعة بعد.
ضُرب ضربا مبرحا جدا لن يحتمله أي شخص في عمره آنذاك، عُذِبَ من قبل الرجل الذي اغتصب باتريشيا أمامه عندما حاول مساعدتها، باتريشيا ساءت حالتها كثيراً عن المعتاد بعد هذه الحادثة واستمر الأمر لأسبوعين تقريبا، بينما تعرض كريس لكسر في معصمه ولصدمة نفسية عانى منها شهور عديدة.
لقد كنت من أرافقه في المشفى يوميا حتى تعافى نهائيا.
واسترد عافيته!
بُنَي.
وكأن كل شيء في هذه الحياة ضدك تماما! هل كُتب عليكَ أن تعاني!؟
فاضت عيناي بالدموع أكثر وكأنها نهر متفجر واقتربت مداعبة شعره ذو اللون العسلي.
فهي العادة التي يحبها كثيرا منذ صغره.
أذكر أنه كان في ليال كثيرة ينزل إلى غرفتي لينام بجانبي، عندما كانت باتريشيا تصرخ ليلاً ويصل الصوت إلى غرفته ويعجز عن النوم، كنت أرى الخوف والضيق في عينيه دائماً ولكنه أمام باتريشيا يجيد التظاهر جيداً!
وآخر مرة نام بجانبي. لم يكن صغيراً!
((بعد عناء طويل والعمل طوال اليوم دخل كل منا الى غرفته، كان ماكس قد نام مسبقا فهو معتاد على النوم مبكرا ولا يمكنه السهر لبعد العاشرة، وبعد ان تأكدت من أن جيمي ذو العام ونصف نائم اتجهت إلى غرفتي أنا أيضاً في آخر الممر واسرعت بالإستحمام لأرخي جسدي المنهك. ثم استلقيت على السرير بنعاس وأغلقت الإضاءة لأندس تحت الفراش وأنام فوراً.
وعندما غطيت في النوم أخيرا شعرت بحركة في أرجاء الغرفة وصوت خافت لخطوات تقترب وتلاها ثقل على السرير فانتفضت بذعر واستيقضت مرتابة ولكن الضحكات الساخرة والمستمتعة سرعان ما ادخلت الطمأنينة لقلبي وفتحت الإضاءة الخافتة قائلة بغضب: كريس! هل جننت؟ تتسلل إلى غرفتي هكذا كالمجرم! كاد قلبي أن يتوقف عن النبض بسببك! ماذا عن طرق الباب؟
تمتم وهو يتثاءب يتظاهر بالنعاس: لما كل هذا الغضب؟!
كف عن حركاتك التافهة! بالمناسبة أنت لم تعد صغيرا لتدخل غرفتي هكذا لذا كفاك وقاحة!
ارتفع حاجبيه باستغراب فأكملت: إنها أسابيع قليلة وستبلغ الثالثة والعشرون! أنت عار على من هم في سنك.
ابتسم بفتور و ملل واستلقى على ظهره بجانبي متمتما: هذا يكفي يا عمتي، تعلمين بأنني اعتدت النوم بجانبك.
ثم أضاف متثاءباً بجدية هذه المرة وهو يمرر يده في شعره: ثم يكفي أنني في مزاج جيد.
قالها بشرود فاستلقيت بجانبه بحيرة: ما الأمر؟ هل حدث أمر ما!
رأيته يرفع أنامله نحو ثغره، ومررها على شفتيه مبتسماً بشرود ثم سرعان ما ابعد يده وقال: نعم، أمر جيد.
الن تخبرني.؟
لم يقل شيئا فعلمت بأنه لن يخبرني كالعادة.
ولكن. أمر جيد قد حدث.!
كل ما أعرفه أنه ذهب إلى إحدى الحفلات في المدينة المجاورة كما فهمت من تيا، هي لم تقل التفاصيل ولكنني استدرجتها.
هل حدث شيء في الحفل يا تُرى! ما الذي من الممكن أن يحدث!
حسنا أعلم بأنك لا تبوح لي أو لأحد بأي شيء. ولكن يسعدني ويسرني أن أراك سعيدا هكذا يا كريس.
مرت لحظات ثم همس: هل هي نائمة؟ لم أسمع صوتها منذ أن دخلتْ.
أ. ن. نعم!
قلتها بقليل من التوتر عندما تذكرت ما حدث اليوم.
إذ انهارت باتريشيا تماما، وصرخ جيمي بخوف مما جعل الخادمة تحضر مرضعة أخرى له، كما ظلت تردد كلمات غير مفهومة عندما عاد ماكس.
ولكن. كعادتها. تصرخ قائلة أمور لا معنى لها من الصحة أو وكأنها ترى أطيافا في المنزل لا يراها سواها.
تساءل بإمتعاض: هل حدث الأمر المعتاد!
أضاف بقليل من الإنزعاج: وهل اتى الطبيب لإعطائها إبر مهدئة؟
أملت برأسي بصمت فزفر وهو يعتدل جالسا: لماذا يصر على العيش معنا إن كان يعلم بأن أمي لا تحتمل رؤيته! إنه لا يسبب سوى التعاسة لها!
كريس توقف عن الحديث عنه بهذه الطريقة! إنه أباك. ولا ي.
تعلمين جيدا بأنه لا يعني لي أي شيء.
ثم ابتعد عن السرير ووقف في منتصف الغرفة بحزم: كانت قد امتنعت عن الإبر المهدئة منذ فترة طويلة فلماذا بحق الإله تأخذها اليوم.
نزع ربطة عنقه وهو يتحدث بإنزعاج وفتح الأزرار العلوية وهو يمرر يده على شعره بضيق.
همست بيأس: اسمعني يا بني.
أكملت بقنوط: جميعنا نعلم بأنها مريضة. وأنت تعلم ذلك جيداً! لا تنسى أنك نلت منها الكثير من الأمور السيئة منذ صغرك، لا أذكر يا كريس بأنك تلقيت شيئا سيئا من والدك فلماذا تصر على.
إنه السبب. قد تكون مريضة بالفعل ولكن. مرضها يجعلها تتحدث بعفوية وصدق على عكس الأكاذيب التي يحاول قولها بها دائماً لتعليل ما يحدث. لا سبب قد يدفعها للكذب!
اليس المرض سببا كافيا للكذب؟
أشاح بوجهه بعيداً وكأنه يريد إحكام إغلاق اذنيه عن حقيقة لا يريد سماعها، فأنا واثقة بأنه في قرارة نفسه لم يعد يحتمل باتريشيا.
تنهدت بلا حيلة.
فأفكار كريس عن والده من الصعب تماما أن تتغير. وكل هذا بسبب ما تقوله دائماً! كم هو متناقض مع نفسه!
غير الموضوع وتمتم: حسنا. سأذهب للنوم، لدي مقابلة في الشركة غداً، ذلك الأحمق المدعو إيثان يبدو واثقاً من نفسهِ جداً بل وأنه من طلب ان نعقد إجتماعاً. ربما على تذكيره بموقعه.
آه. هذا الشاب. لقد تحدث عنه ماكس كذلك! يبدو أنه حسن السمعة والسيرة!
ابتسم بهدوء للحظة ثم رفع كتفيه بإستسلام ورضوخ: إنه كذلك، لديه الموهبة التي نحتاجها. ))
عدت للواقع عندما أصدر صوت أنين وبدى متألما أكثر من قبل!
اقتربت انظر إليه بقلق هامسة: لابد وأنك تتألم، ألم الخياطة سيستمر معك حتى يزول تدريجيا.
ثم أخذت شهيقا متقطعاً واكملت مداعبة شعره بحزن.
ولكن سرعان ما اتسعت مقلتاي وانا اسمعه يهمس بصوت مبحوح: جيمي وحيد.
ارتفع حاجباي بإستغراب واكملت مداعبة شعره بحيرة حتى سمعته يأن مجددً فآلمني قلبي أكثر.
لازلت. لم أعوضه.
إنه يهذي بشأن جيمي!
زميت شفتاي بقوة والحزن قد فرش بساطه على ملامحي وأغمضت عيناي بضيق شديد.
لا يُمكن إنكار الأمر فجيمي يشعر بالوحدة بسبب الحاجز الكبير بينه وبين والده، لطالما حاولت إخبار كريس الطريقة الصحيحة لتربيته ولكن. كيف عساه يقوم بذلك وهو قد نشأ بتلك الطريقة وتعرض للمشاكل طوال حياته!
أحيانا يفرط في تدليل جيمي، وأحيانا يتصرف وكأنه لا وجود له في حياته. وغالباً يراودني شعور وكأنه محرج من الجلوس مع جيمي ليتحدثا بطريقة طبيعية أو يلاعبه كأي أب وابنه في هذا العالم.
نعم أنا لا أبالغ! كريس حقاً ينتابه بعض الإحراج من الجلوس مع جيمي عندما ينبغي عليه تأدية دور الأب المثالي! لاحظت هذا مرارا وتكراراً. ولكن. مع ذلك فهناك شعور آخر راوده تجاه جيمي وأنا واثقة مما أفكر به.
كنت أعلم أنه في إحدى الفترات شعر بحقد غريب تجاه ابنه، كان مجرد شاب جامعي وأصبح أباً بل واضطر ليعمل في الشركة أيضاً. الضغط الذي كان فيه جعله يدرك أن كونه أب ليس بالأمر سهل كما اعتقد في البداية.
ولكنني دائما اراه في وقت متأخر من الليل في غرفة جيمي يتأمله ويتأكد من كونه دافئا مسترخيا وأحيانا ينام بجانبه دون أن يدرك. امور كثيرة يجب أن تتغير ولكن من يعلم متى.
كريس يظل احمقا، متسرعا وأناني بدرجة لا تطاق.
حسنا انها طباع اتصف بها منذ صغره.
ولكن. هذا لا يمنعني من قول أنه يتصف بصفات أخرى جيدة.
ربما لن يصدق أحد هذا ولكن كريس ليس حاد الطباع بصدق، وإنما يشعر بالحرج من قول الكلمات اللطيفة وحسب وهذا ما يدفعه للتلفظ بطريقة وقحة أحيانا متحاشيا أن يبدو شخصا خجولاً، كما أنه يمرح ويضحك ما أن يجد الفرصة بل وأنني أدرك هذا جيداً منذ صغره، فعندما كان لا يزال صغيرا كان يحب ان يكون ذلك الفتى البشوش ولكن هذا هُدم ذلك نوعا ما وإن كان حتى الآن يبتسم ولو بسخرية، صحيح بأنه متسلط وعنيد ولكنه أكثر شخص قد يجده المرء بجانبه وحوله عندما يكون بحاجة إلى المساعدة. والمواقف دليل على ذلك، فعندما كان جوش يمر بمشاكل مع عائلته كان كريس أول من تدخل في الموضوع ووقف إلى جانبه، وعندما كان ستيف يوقع نفسه في المشاكل كان يلجأ لكريس ليتستر عليه عن والديه. ودائماً ما كان الشخص الذي يطلب مني إعطاء المزيد من الإجازات للخدم، وكم كنت أستنكر الأمر حينها!
هو لا يقول كلمات لطيفة حانية بطبعه. فلقد كان يلتوي بالكلمات قائلا أعتقد أن عمل تلك الخادمة لم يعد جيداً، دعيها تذهب إلى مدينتها وتأخذ إجازة مؤقتة بدلاً من اللعب بأعصابي في كل مرة أرى فيها ترتيب الملفات خاطئ .
هو لن يقول امنحيها إجازة لأنها تستحق ذلك. بل سيريد الظهور بمظهر ذلك الشاب الذي يهتم بنفسه وحسب.
كريس لديه عينان تتحدثان دائما عندما يعجز عن التعبير.!
وفي الغالب، انا الوحيدة التي تستطيع ترجمة ما تقوله عيناه.
هو باختصار لن يقول شيء. انه كتوم. كتوم لدرجة تحمل آلامه وحده.
((كنت قد انهيت الإشراف على الطباخ الجديد متذوقة طعامه وقلت بحزم: حسنا لا بأس. هذا الطبق أفضل بكثير مما سبقه.
ابتسم بسعادة: ح. حسنا، شكرا سيدة اولين!
أملت برأسي وأسرعت للأعلى لتفقد كريس الذي عاد من المدرسة قبل ساعات، ولم أحظى بفرصة للقائه.
وعند صعودي الدرج رأيت باتريشيا تقف في منتصفه مرتدية فستانها الأزرق الناعم الذي اضفى لبشرتها الناعمة البيضاء مظهرا لن ينكر أحد جاذبيته، وكذلك بوجهها المشرق وعينيها العسليتان الواسعتان الكحيلتان التي تلمعان ببريق ملفت وجميل، وعلى ثغرها ابتسامة لطيفة لطالما وقع ماكس في أسرها منذ زمن، بادلتها الإبتسامة بهدوء شديد.
فتساءلت هامسة: هل أنتِ ذاهبة إليه؟
أملت برأسي: نعم. لم أره منذ أن عاد!
لا داعي لذلك.
قالتها بنبرة غريبة وهي تنزل بخطوات واجمة مكملة بصوت خافت وشعرها يتطاير حولها بنعومة: لقد كنت معه قبل لحظات. أعتقد بأنه سيستحم الآن.
ثم نزلت وخرجت لحديقة المنزل مما جعلني اقف بحيرة من أمري!
ما خطبها؟ حسنا. قالت ذلك ام لا.
كريس. إبني. انا أمه وهو إبني أنا.
وعلي أن ألقي عليه نظرة لأرتاح!
اكملت صعودي وطرقت الباب على غرفته ولكنني لم أسمع صوته.
استغرق الأمر ثواني لأعاود الطرق مجددا.
ولكن. لا إجابة!
فتحت الباب بتوجس ودخلت لغرفته ولكنني لم أجده، فاتجهت نحو الحمام وهناك.
رأيته!
واقف والمنشفة الصغيرة على رأسه مرتديا بنطاله القطني فقط، كان يستحم إذاً.
ما أن رآني حتى اتسعت مقلتيه قليلا وبدى التوتر على وجهه وأسرع بالعودة للحمام بخطوات سريعة.
دخل الحمام واغلق الباب فارتفع حاجباي بعدم فهم!
ما الذي يجري معه؟!
اقتربت من الباب متمتمة: ما الأمر يا كريس؟ هل كل شيء على ما يرام!
لحظات وخرج مرتديا قميصه.
فابتسمت بسخرية: ماذا؟ هل أصبحت تخجل مني؟! مازلت صغيراً يا بني! لم تتجاوز الثالثة عشر بعد!
رمقني بشيء من الغيض: لستُ صغيراً. أنا لم أعد صغيرا بعد الآن. أرجوك توقفي عن قول هذا دائماً
قطبت جبيني ولكنني سرعان ما ابتسمت بلطف وضربت ذراعه بخفة ممازحة: لا تتحدث بهذه الطريقة السخيفة فأنت.
ولكنه اجفل وتأوه مبتعدا بملامح متألمة.
فانتفضت أنا أيضا بريبة: هل. هل هناك ما يؤلمك؟
لمعت عينيه ببريق متردد، بل وتربع اليأس على ملامحه وهو ينظر للفراغ بفم مطبق.
تنهدت بعمق شديد! تلك كانت تنهيدة خرجت من أعماقي لينتابني الإنزعاج الشديد.
فهمت تماما ما حدث! اقتربت منه بحزم فنظر إلى بترقب وحذر، لأرفع جزءا من قميصه جهة ذراعه لأشهق مرتابة.
اسرع يبعد يدي بإنزعاج وتحرك متجها إلى الأريكة ممسكا بكتابه المدرسي.
لأقول بحزم: ما هذه الكدمات!
لم يجب.
فعاودت سؤالي بحدة وقلق، ليجيب ببرود: تشاجرتُ مع أحد زملائي.
أنتَ تكذب!
أضفت بإستياء: كريس.! هل. قامت بضربك مجددا؟
رمقني بحدة. غريبة جدا!
فمن يرى عينيه تلك، لا يمكن أن يصدق انها لفتى في الثالثة عشر من عمره.
نظرة مليئة بالحنق، و بالهموم المشبعة في بريقها! يبدو شرساً جدا!
خرجت مني زفرة متكدرة واقتربت لأجلس على الأريكة بجانبه متسائلة: لماذا؟
عمتي. توقفي عن.
كريس. ما تفعله أنت خطأ! لا يجب ان تصمت وتكتم أمور كهذه عني! باتريشيا تتجاوز حدودها أحياناً! من يعلم ما قد يحدث لك لو لم يراك الخدم الأسبوع الماضي فاقدا لوعيك في أكواخ الحديقة! أخبرني يا كريس. هل يعقل أن تقوم أم بضرب ابنها حتى الإغماء! لماذا لا تهتم بما يحدث لك ولو قليلاً وتخبرني بما تتعرض له؟، في الشهر الماضي تركتكَ دون معطفك في الملحق ولو لم نجدك لقضت عليك الحساسية وتجمدت حتى الموت! لماذا تتجاوز كل هذا؟
هل تقولين لماذا؟
قالها بغضب وأردف: ليس وكأنني أريد الإستمرار على هذه الحال ولكن لم يعد في اليد حيلة، إنها أقرب إلى الجنون ومع ذلك هي أمي! بدلاً من سؤالي عن تجاوز أفعالها لماذا تتجاهلون ما يفعله ماكس بها كل ليلة! لقد أصبحتُ أكره ان يعم المساء لأن صراخها ينتظرني!
خفق قلبي بألم على كلماته.
وعلى نبرته التي تحمل كل أنواع اليأس والمطالبة بالخروج من هذا العذاب!
أضاف بإمتعاض وهو يخفي رغبته في البكاء: لماذا الجميع يدافع عن ماكس؟! أنا الوحيد الذي تفرغ غضبها فيه! ولكنني. مع ذلك. لا يمكنني أن أمنعها من ملجئها الوحيد! أخبرتني أنني الرابط الوحيد بينها وبين ماكس وهذا أمر لا مهرب منه وقد فات الأوان عليه! هل يحق لي الإعتراض على أفعالها في النهاية؟، لقد أجبرتها على البقاء معه. لو لم أكن هنا لكانت بخير، اليس كذلك؟!
ألا زلت تكذب على نفسك!
صمت وهو يحكم قبضته على الكتاب مطرقاً رأسه: لقد أتت للتو. قائلة بأنها تشعر بالملل بالجلوس وحدها. وتشعر بأنها في زنزانة راقية وواسعة! لا تختلف عن زنزانة السجن سوى في مساحتها!
كريس. أنت تسيء فهم كل شيء بسبب ما تحكيه لك والدتك! أنت لا تفهم سبب صراخها يا بني. ماكس ليس أباً سيئا أقسم لك بأنه لم يمسها بضر، إنه يحبك كثيرا ويتألم لطريقتك في معاملته، باتريشيا تحاول الم.
أحتاج للمذاكرة. لدي اختبار في الغد.
ك. كريس!
ولكنه لم يقل شيئا وإنما أشاح بوجهه، فتنهدت وجذبت رأسه لأقبل جبينه مبتسمة بلطف فارتخت ملامحه قليلاً.
وتفاجأت به يرفع يده ليعانقني ويدفن رأسه في صدري هامسا: عمتي أولين. ماذا لو انتحرتُ يوما ما؟
لن تفعل هذا. أنت لست الفتى الضعيف الذي سينهي حياته لأجل مشاكل ستنتهي يوماً، أنت أقوى مما تبدو عليه صدقني.
لماذا تبدين واثقة. هل تظنينني بهذه القوة حقاً!
أنا لا أظن. هذا واقع.
أنا أتألم.
قطبت حاجباي بحزن: لا بأس. سأذهب معك للمشفى ولا تقلق بشأني أي شيء فلن أخبرك أ.
لم يكن هذا ما أعنيه.
ثوان حتى أضاف بنبرة خافتة وبصوت أجش: أشعر بألم شديد في قلبي. لا يكف عن الخفق بقوة مسببا لي ألما في صدري. تراودني الكثير من الكوابيس ليلاً. متى سينتهي كل هذا؟
أغمضت عيناي بإستياء ومررت يدي في شعره هامسة: أنت صبور جداً. أنت تعلم هذا بلا شك. ولكن. توقف عن إخفاء أي شيء عني.
أعقبت بأسى: ألم أخبرك مسبقا بأنني دفتر يومياتك؟
نعم.
قل ما تريده إذا، وإياك أن تخفي على شيئا آخراً يا كريس، الكدمات قد تسبب لك ضررا في وقت لاحق كما تعلم.
وجود الكدمات مؤقت. ولكن التعاسة التي يسببها ماكس. ستبقى تلاحق أمي حتى أثناء خروجه من المنزل، وهي بدورها لن تكف عن تفريغ طاقتها بي.
زميت شفتاي بلا حيلة مستسلمة لأفكاره وعناده، ورفضه لتقبل الحقيقة.
كيف له أن يتقبل الحقيقة، فلقد أساء الفهم تماما.
عندما هجمت باتريشيا على ماكس وحاول ماكس الدفاع عن نفسه فوقعت هي بدورها على الأرض وصادف أن كريس شهد المقطع الأخير فقط فظن أنه يقوم بضربها! وهذا ما قامت باتريشيا باستغلاله لاحقاً، إنها تحاول الإنتقام من ماكس عن طريق كريس. ونجحت في هذا تماماً.
يا الهي يا ماكس، لن ننكر أن فعلتك في ليلة الزفاف كانت مفاجئة وغير متوقعة وسببت الألم لباتريشيا ولكن. لن ننكر أيضا أنه آخر شخص سيتخيل حياته دونها! أن تتزوج رجل غيره أمر لن يقبله أبداً.
إلى أي مدى أنت تحبها يا ماكس! ومتى ستتوقف عن حب إمرأة لا تكف عن إهانة ابنك وتعذيبه!
ولكن لا بأس، سيأتي اليوم الذي يفهم فيه كريس كل شيء. ))
امور كثيرة حدثت في حياته.
ولكنني أجزم بأن الكثير أيضا تغير تماما.
منذ أن دخلت شارلوت إلى منزلنا!
بدى كريس مختلفا اكثر. بطريقة ما بات عفويا، يتحدث الى الجميع اكثر، ويجلس في المنزل لوقت طويل على عكس السابق. الأيام القليلة التي امضاها معنا هي بالنسبة لنا معجزة، فلم نكن نراه إلا في نهاية الأسبوع تقريباً!
في تلك الليلة عندما غادرت شارلوت المنزل.
تحول إلى شخص آخر تماما!
فعندما عاد من مركز الشرطة برفقة جوش.
ذهب إلى غرفته وأغلق الباب طويلا، وكلما طرق أحدنا الباب صرخ بغضب!
حتى خرج واستوقفته في الحديقة ليقول بنبرة لم أسمعها منذ زمن: لقد رحلت وكأنها انتظرت فرصة الخروج من هنا، وقد لا تعود إلى مجدداً!
وهكذا علمت كم هو متعلق بشارلوت بطريقة أنانية مزعجة.
لقد كنت اراقب تصرفاته، كنت أراقب علاقته بشارلوت. وكنت احيانا كثيرة استرق السمع.
لأكتشف.
أن علاقة شارلوت بكريس سيئة جداً. سمعت جدالهما أكثر من مرة!
ولم يخفى عني التحركات الغريبة وتظاهر شارلوت بالمرح دائماً.
كان يضغط عليها و يجبرها!
وعندما رحلت.
كان غاضبا جدا! هو. يحبها بلا شك ولا تفسير أخر لدي!
لن أقول حبه بطريقة خاطئة.
ولكنني سأقول بأنه يسير على نهج سيء للتعبير عنه إلى درجة استمراره في الكذب على نفسه أكثر.
تنهدت بعمق شديد وابعدت يدي.
فأصدر أنينا مجددا.
نظرت إليه بأسى وتأكدت من أن الغطاء على جسده جيداً.
لم أكن أعلم. بأنه يمكن للمرء أن يكن مشاعر أمومة لشخص لا تربطه فيه علاقة دم!
ابتسمت بشرود أنظر إليه بهدوء، محدقة في ملامحه التي شوهتها الكدمات.
ومع ذلك فكدمات كهذه لا يمكن أن تخفي وسامته.
واستلقائه وغيابه عن الوعي.
لا يمكن أن يسمح له بإظهار تلك التعابير الجافة الساخرة المستفزة.
بل ها هو مستلق بوجه. هادئ، مسالم.
حينها فقط أجبرتني ذاكرتي على العودة إلى كريس الصغير الذي كان في عمر التاسعة.
وُضعت جميع الاطباق على طاولة الطعام. إنها السابعة، يجلس كريس وباتريشيا لتناول طعام الفطور، بينما خرج ماكس مبكراً، فهو بلا شك اعتاد على الخروج قبل استيقاظ باتريشيا حتى لا تغضب أو تبدأ في تصرفاتها المزعجة.!
خرجت الخادمة من غرفة الطعام بينما ادرت ظهري لهما لأتجه إلى العربة التي وُضع عليها ابريق الشاي الساخن والعصير الطازج.
سمعت باتريشيا تقول بلطف: لماذا لا تضع القليل من الليمون على الحساء يا كريس؟
أجابها كريس بإستغراب: أمي! تعلمين بأنني لا استطيع احتمال حموضة الليمون في الشراب أو الطعام!
من يهتم بأمر كهذا!
أضافت ببرود شديد: ضع القليل.
كنت مندمجة في سكب الشاي وظهر الإنزعاج على وجهي بشدة متمتمة: باتريشيا. لا يمكنه احتماله. معدته ستؤلمه! يفترض أنك تعلمين هذا.
ولكنني اجفلت عندما صدر صوتا عالي أجبرني على الإستدارة نحوهما!
اتسعت عيناي بدهشة وخوف وأنا أرى يد باتريشيا على رأس كريس المنغمس في طبق الحساء على الطاولة!
شهقت بريبة واسرعت نحوها وهي ترفع رأسه مجدداً بإمتعاض وتضرب رأسه مرة أخرى في طبق الحساء!
صرخت بحزم وارتياب: باتريشيا! هل جننت؟! توقفي عن هذا حالا!
أجابتني بجفاء: لا تتدخلي!
ثم عاودت تضرب رأسه بقوة حتى سمعت صوتاً صدر من الطبق فارتعبت وانا ارى الحساء ينسكبِ من خدش قد حدث جراء ذلك! اقتربت من كريس بذعر وخوف وانا ارفع رأسه بينما قالت هي بملل: عليه أن يكف عن معارضتي في أي شيء أقوله. كن ممتنناً لأنك مكثت في أحشائي تسعة أشهر، لو لم تكن موجوداً لما اضطررت للبقاء مع ذلك المخادع اللعين، والدك يعتقد بأنه بهذه الطريقة سيكسبني ولكنه مجنون ليفكر بهذه الطريقة.
لمعت عينا كريس بالدموع فمررت يدي على وجهه امسح الحساء الساخن بالمنديل وتساءلت بخوف: هل أنت بخير؟
قلتها متفقدة رأسه خشية من أن يكون قد تأذى.
اجبرته على الوقوف بجانبي: هيا أسرع عليك ان تستحم حالاً. أخبرني أولا هل تأثرت بشرتك وما شابه؟ الحساء كان ساخنا!
همس بتوتر وهو يقطب حاجبيه محاولا كبت رغبته في البكاء: أ. أنا بخير.
بالطبع سيقول هذا. إنه خائف منها!
امتعضت بشدة وانا ارمقها بغيض وامسكت بيده أجبره على اتباعي ولكنها رفعت يدها تضرب رأسه من الخلف بقوة مبتسمة بسخرية: أنظر إليك مثير للشفقة والسخرية! بالمناسبة أنا لم أعد أرغب في تناول طعام الفطور معك بعد اليوم. استيقظ في وقت لاحق او جد لك مكانا.
همس كريس بضيق: أمي! هل أنا حقا مجرد رابط بينكِ وبينه؟ هل هذا هو كل شيء؟ تعتقدين بأنني مجرد دخيل؟ وجودي ورطك للبقاء إلى جانبه!
ولكنها رمقته ببرود ومضغت الطعام بلا اكتراث.
همست له بإنزعاج: هيا يا كريس.
إلا أنه ظل واقفا وأخفض رأسه لثوان قبل ان يخفي دموعه ويقول بصوت مبحوح: سأساعدك لإبقاءه بعيداً عنكِ ولكن. أرجوكِ لا تنظري إلى وكأنني مجرد حبل يخنقك! أمي أنا ابنك! أنا حتى لا أشقاء لدي اليس من المفترض أن أكون شخصا مميزا بالنسبة لك على الأقل؟!
رمقته بطرف عينها ببرود وهي تمضغ الطعام ثم همست: اغرب عن وجهي.
هل ستعاملينني بطريقة أفضل لو أبعدته عنكِ؟
ألم أقل لك أن تغرب عن وجهي!
أعدكِ أنني سأبعده عنكِ قدر الإمكان.
ابتسمت ساخرة وهي ترمقه بنظرة إزدراء سريعة وهمست: وفر وعودك لنفسك.
تملكني الغيض والحنق فأمسكت بذراعه قائلة: لنخرج يا كريس.
وقف يحدق إليها بيأس ثم امال برأسه بصمت وذهبت معه إلى غرفته ليستحم.
كنت أجلس على الأريكة بانتظار خروجه.
لا يمكنني إحتمال تصرفاتها هذه! على أن أكون أكثر انتباها وحذرا!
ابعاد عيناي عن كريس لثوان فقط قد يتسبب بكارثة. بل وأنها تجرأت مع أنني معهما في الغرفة ذاتها! تصرفاتها أصبحتُ خطيرة ولا يمكن السكوت عنها.
باتريشيا بلا شك لم تعد في وعيها إطلاقا.
حالتها تزداد سوءاً! فُتح باب الحمام ليخرج مرتدياً ملابسه والمنشفة على كتفه.
كان شعره يقطر الماء الذي بلل صدره وظهره فأسرعت أقف نحوه وامسكت بالمنشفة لأجفف شعره.
بقي واقفا مطرقا برأسه يحدق إلى الأرض بصمت وشرود.
عمتي.
همس بصوت مرتجف وأضاف: كان على أن أنصت إلى ما تقوله. لم يكن ينبغي على مجادلتها!
هل تبرر فعلتها! لا يمكنك أن تكون جاداً!
اعتقد بأن الحساء دون نكهة الليمون لن يكون لذيذاً.
كريس! جميعنا نعلم انك لا تحتمل حموضة الليمون! هل تريد إيذاء نفسك؟ هذا غير معقول!
عمتي.
زميت شفتي بإستياء وترقبت ما يريد قوله حتى تمتم: عانقيني. أرجوك.
عانقته فوراً ومررت يدي بلطف على ظهره.
اعتاد على أن يطلب مني معانقته مؤخرا كلما مر في تجربة كهذه.
انا لا أتردد في معانقته والتخفيف عنه. ولكنني الاحظ في كل مرة أعانقه فيها بأنه يرتجف بشدة ويرفض أن ابتعد حتى يبتعد هو بنفسه!
اكتسب عادات أخرى أيضاً. إنه يطلب مني مداعبة شعره كذلك.
علي أي حال على أن أخبر ماكس.
ستتمادى بلا شك فهي لم تقم بأي أمر مريب طوال اليومان الفائتان. كان ذلك متوقعا.
ففي اليوم التالي. لن أنسى حين استيقظت باتريشيا صباحا وفعلت ذلك الشيء القاسي والمهين له.
لقد استيقظ كريس ليرى سريره ملطخا بالطعام والعصير بشكل فوضوي مثير للإشمئزاز! إنها تعلن الحرب ضد ماكس وحسب عن طريق ابنها، هذه المجنونة أشعر بأنني سأقتلها بكلتا يداي!
وفي اليوم الذي يليه كنت قد دخلت غرفته لأفاجئ بها تقوم بإجباره على تناول الطعام وهي تمسك بالشطائر وتحشرها في فمه بشكل سريع وقوي حتى ان شفتيه قد نزفتا ذلك اليوم وتمزقتا وهو يبكي بصمت!
ولاحقاً تمادت أكثر وكانت تحبسه في الغرفة تمنعه من الذهاب إلى المدرسة، أحيانا كانت تنتظر دخوله إلى الحمام لتغلق الباب وتطفئ الإنارة عليها ليظل يصرخ ويحاول الخروج ويعيش لحظات مرعبة وحده. تكرر هذا كثيرا وكانت تقوم به أسبوعياً. وهذا ما ترك أثرا لحالته النفسية وبات لا يتأثر بالمحيط من حوله.
وعلمنا انه يفرغ غضبه ويأسه في زملاء المدرسة ويخوض شجارات عنيفة.
عدت للواقع وانا أمسح دموعي وأغمض عيناي بقوة لثوان قبل أن أقف.
ثم اتجهت نحو الكرسي العريض الذي يشبه السرير واستلقيت عليه، في وضعية الجلوس.
محاولة ألا أغط في نوم عميق جدا حتى اكون عند كريس في أي وقت إن استيقظ.
تيا:
كنت مستلقية على السرير في الغرفة المجاورة لشارلوت وأتقلب على السرير محاولة ان انتزع جسدي من الغطاء ولكنني عجزت بسبب دفئه ورغبتي في النوم أكثر.
ولكنها السابعة وعلينا ان نتناول الإفطار بسرعة ونذهب إلى المشفى لنرى كريس فربما استيقظ بالفعل.
رفعت جسدي وابعدت شعري المتناثر القصير عن وجهي متثائبة، مازلت أشعر بالنعاس!
لقد نمت في وقت متأخر بالأمس وأنا أواصل التفكير بإيثان طوال الوقت، وأتذكر كم كنت مُحرجة وساذجة لمجرد ان تعلق أزرار معطفه بخيوط قميصي. بل أنني علقت القميص على الخزانة وواصلت تأمله طوال الوقت!
لا أستطيع التوقف عن حبه، الأمر خارج عن سيطرتي.
ولكنني. مازلت محرجة مما فعلته له!
مازلت لم أعتذر إليه حتى! ليس وكأن الإعتذار سيعيد المياه إلى مجاريها ولكن على الاقل. أن أُسمعه اعتذاري لهو أقل ما يمكنني فعله بعد جريمتي تلك.
ولكنني وبتفكير طويل بالأمس قررت أخيراً بأنني سأجرب ولو لمرة واحدة. أن أتمسك بشيء أريده!
سأصنع الفرصة بنفسي لأعتذر منه، وإن رفض اعتذاري.
فلا شيء في يدي لأقوم به!
تنهدت بعمق واتجهت نحو الغرفة المجاورة وطرقت الباب، ثم دخلت قائلة وأنا أفتح الستائر متظاهرة بالبرود: هذا يكفي، استيقظي، أستطيع سماع صوت شخيرك من غرفتي!
تمددت بنعاس وتجاهلتني وهي تضع الوسادة على رأسها فتذمرتُ منزعجة من تثاقلها: ماذا؟! حسنا إذا. سوف أذهب لزيارة كريس وحدي.
ما ان قلتها حتى ابعدت الغطاء الذي طار في الهواء وركضت نحو الحمام لتقول بصوت يملأه النعاس: سأستحم وأكون جاهزة خلال عشر دقائق.
تمتمت هامسة بسخرية بعد أن أغلقت الباب: حمقاء! مازال الوقتُ مبكراً.
علي كل حال سأعد الفطور الخفيف أولاً، اتجهت إلى المطبخ مفكرة بشارلوت وكلمتها بالأمس.
هاتف صديقتي
لا يمكنني تصديق ما تقوله فجأة! إ. إنها تعتقد أننا ولمجرد الحديث في أمور خاصة قد أصبحنا صديقتين! كريس يكفيني.
ولكن تلك الحمقاء النظر إليها حقاً مريح ويجلب الإسترخاء للمرء، إنها تبدو كالساحرة التي تلقي تعويذة لسحب الكلمات من فاهي.
وقفت في المطبخ أفكر بما على إعداده، حتى استوقفني طرق على باب الشقة!
ارتفع حاجباي بحيرة ونظرت للساعة مجدداً! إنها السابعة والربع من عساه يأتي الآن؟
حينها بدأت أهلوس وأفكر بشأن أمور كثيرة، وسيطر على التوجس متخيلة ان مكروه أصاب كريس وأرادوا إخباري بطريقة مباشرة!
أسرعت بخطى واسعة نحو الباب وفتحت الباب بقلب مقبوض، لدي شعور سيء بالفعل!
وجدت أمامي رجل يمسك بباقة أزهار تخفي وجهه وصندوق بين يديه، احترت وسألته بحاجب مرفوع: عفواً. من أنت؟
ولكن إجابته لم تكن حرفية وإنما بفعل لم أتوقعه!
دفعني بقوة وخشونة فارتد جسدي للوراء بكل سهولة، أغلق الباب خلفه فلم أجد سوى أن أفتح فمي لأصرخ بسرعة ولكنه وضع يده على فمي يمنعني من الصراخ!
حاولت التملص منه وضربه بمرفقي بقوة فضحك بسخرية: جميع النساء المحيطات بالسيد كريستوبال عنيفات جداً!
أضاف يهمس في اذني بخبث: لا تجبريني على أن أكون قاسيا معك آنسة تيا!
من يكون بحق الإله! وكيف يعرف إسمي؟! ل. لحظة! أنا لم أحظى بفرصة لرؤيته ولكن. هذا الصوت المألوف. لا تخبروني بأنه براد!
لمجرد القفز إلى هذا الإفتراض سرت قشعريرة في جسدي وقمت بمحاولة عض يده ولكنني لم أفلح إذ دفعني على الحائط يدفع كلتا كتفاي بقوة يمنعني من الحراك فتأوهت رغما عني بألم! رفعت رأسي أنظر إليه لأجده يرتدي قبعة تخفي ملامحه، انزلها ليرميها على الأرض فاتسعت عيناي لرؤية وجه مليء بالكدمات، شفته مجروحة والجرح لم يكن صغيراً أو قديماً، وكذلك جرح في أعلى جبينه!
لا شك. إنه هو! الحقير الذي طعن كريس.
انتفضت بريبة ولكنني مازلت أحاول الدفاع عن نفسي والإبتعاد عنه وكلما حاولت الصراخ أغلق فمي بيده، حدق إلى عن قرب بوجهه المشوه هذا ورائحته النتنة ليهمس بملل: أخبريني! هل نُقل للمشفى؟
اتسعت عيناي فأضاف بخبث: لماذا لم أرى الخبر في وسائل الإعلام؟ أيعقل بأنكم تسترتم على الأمر لسبب ما؟! أعلم أن والده يحبه كثيراً ولو حدث له مكروه فربما سيلقى حتفه. هل تخفون الأمر عنه؟
أكمل ثرثرته وهو يمنعني من الحديث أو الصراخ: أدرك جيداً بأنني مهدد في القبض على بأي لحظة، ولكنني لست مغفلا إلى هذه الدرجة! لقد توقعت حدوث أمر كهذا منذ البداية. حسنا يا عزيزتي، تواجدي في منزل صديقك الساذج بالأمس لم يخرجني بنتيجة مرضية وتلك القردة افسدت كل شيء ولكنني عازم على إيجادها ولوي ذراع شقيقها اللعين الذي لم يجلب لي سوى المشاكل!
حاولت إشاحة وجهي بغضب وأنا أفكر بقلق بكيف قد تكون ردة فعله لو رأى شارلوت هنا! لا يجب أن أسمح له! تملكني الخوف على نفسي وعليها وانا انظر بعيداً عنه محاولة السيطرة على نفسي ولكنه أمسك بي بقوة أكبر يجبرني على النظر إليه وتمتم بسخرية: لا تقلقي، لن الحق بك الضرر ان كنت مطيعة، ولكن. أنصحك بألا تستفزينني كما فعل الأحمق! من يتجرأ على فعل أمر كهذا فهو قادر على فعل الأسوأ، لقد ترقيت من منصب المحتال إلى المجرم الذي حاول قتل الوريث المغرور و.
ولكنه قطع حديثه عندما دوى صوت تكسر شيء بقوة.
تلاشت قوته وخفت قبضته من على كتفاي وفمي ووقع على الأرض فاقدا الوعي فجأة!
استسلمتا قدماي لأجثي على ركبتاي بخوف ورعب.
أنظر بدهشة إلى شارلوت.
ه. هي من ساعدتني!؟
لقد كسرت المزهرية على رأسه! بل هشمتها تماما.
كانت تنظر إليه بدورها بعين تلمعان بالإرتياب والخوف ويديها ترتجف ومع ذلك تمالكت نفسنا وقالت بحزم: أحضري لي حبلاً بسرعة.
رمقتها بعدم استيعاب و مازلت تحت تأثير الخوف فعاودت تقول: أسرعي قبل أن يفيق يا تيا!
أومأت برأسي ووقفت بصعوبة كالمخدرة وأحضرت لها حبلا لأفاجئ بها تقوم بربط يديه وقدميه بإحكام!
كانت الجدية والحنق تعتلي وجهها! وبالرغم من ذلك. يديها ترتجفان تماما!
نظرتْ إلى براد بحقد وكره وهي تهمس: اتصلي بالشرطة.
ح. حسناً!
أسرعت نحو الهاتف لأرفعه بتوتر، و قمت بإبلاغ الشرطة فوراً.
عدت إليها لأراها جالسة بصمت على الأريكة أمامه تحدق إليه وهو مستلق على الأرض فاقدا لوعيه والدماء تسيل من رأسه! وعندما رأتني قالت متنهدة: هل فعل لك أي شيء؟
ل. لا!
لا أصدق أنها قامت بإنقاذي!
مكانها. لما قدمت على خطوة خطيرة كهذه! كان ليلتفت في أي لحظة ويكشفني ولكنها. بادرت بمساعدتي دون اهتمام! لا أظنها فكرت في نفسها حتى!
شكرا!
قلتها وأنا أنظر نحو براد ثم رقمتها بنظرة سريعة فقالت بصوت ضعيف يملأه الحقد: هذا اللعين تجرأ على طعن كريس. لم أفكر في أي شيء سوى ضربه ليفقد الوعي!
عندما انهت جملتها بدأ براد باستعادة وعيه كما يبدو وهو يتأوه ويعقد حاجبيه.
وعندما فتح عينيه تفاجأنا به يضحك!
قلت بإنزعاج وغضب: ما المضحك بحق الإله؟
نظر إلى ثم نحو شارلوت وقال من بين ضحكاته: أيتها الحقيرة الصغيرة! لم أتوقع جرأة كهذه منك، يبدو أنني أينما أذهب ستكونين متواجدة، ماذا تكونين بحق الإله!
ولكنني اجفلت وأنا أرى شارلوت تتقدم نحوه وتجثي فوقه ممسكة بياقة قميصه قائلة بغضب: أيها السفاح عديم الإنسانية! كريس يعاني بسببك! إنه ملقى في المشفى بلا حول أو قوة. كيف تجرؤ على فعلة كهذه!
أضافت وهي تصرخ بانفعال: ألا يكفيك ما عانى به من غدر وخيانة منك انت وكلارا! بل أنك أتيت بكل بساطة إلى شقة تيا لتكمل ألاعيبك القذرة!
كانت عينا المدعو براد تلمع ببريق لا مبالي وساخر!
حدق بها بنظرات مريبة ولكنه سرعان ما ابتسم وأغمض عينيه فأكملت شارلوت بإستياء: لم يكن عليكما أن تزيدانه عذاباً! لم يكن الشخص الذي يستحق كل هذا! لماذا تماديتم معه إلى هذه الدرجة!
التعليقات