التخطي إلى المحتوى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل التاسع

من كتاب خُلق القلب عصيًا: -اكتب الليلة بأيدي مُرتجفة وقلب منهزم من معركة الواقع، جئت إلى هنا بعد ما أُغلقت أبواب الأمل بوجهي ولم يبقى لي ألا قلمي الضعيف الذي أواجه به الحياة وقلبي. الذي كتبت به عن الحب ورسمت بحبره خريطة مشاعري الحالمة بقصة أسطورية تشبه حكاية سندريلا والأمير.

الأمير الذي قَلّب المدينة رأسًا عن عقب لأجلها، تفقدت روحه الهائمة أقدام الفتيات ولكن الحقيقة أنه كان يبحث عمن تناسبت مع مقاس القلب لا الحذاء. ولم يسترح خاطره إلا عندما تعثر قلبه من جديد بعيناها اللامعة التي شقت الطريق الصعب إلى قلبه.
ولدت بجناحين صغيرين لا يحلما إلا بالحب حتى سن سكاكينه عليهما وبترهما للنهاية.
واليوم دُفن قلبي الحالم بين صفحات الدفاتر وذاب في صحن الواقع.

فهل سيُهدى إلىّ حُب الورق يومًا ما أم سأهدي الورق قلبي للأبد!
رسيل المصري.
#نهال مصطفى.

ارتعش الكتاب بيدها حتى سقط منها بجوف الحقيبة مرة آخرى من حدة كلماته التي رجت قلبها، مالت لتأخذه فوقعت عيناها على تلك اللؤلؤة النادرة التي أرسلها فريد مع عبلة لتُريها لعاصي، مسكت اللؤلؤة بذهول وقالت شاردة:
-أنا حاسة أني شوفتها قبل كده!
عقد حاجبيه باستغراب: -شكلك بتحبي النوع النادر ده من اللآلئ؟

لا زالت عينيها ثابتة تفحص اللؤلؤة بإضطراب محاولة منها أن تتذكر ما يربطها بها حتى يأست تمامًا وهزت رأسها بعد اقتناع: -جايز!
سحب منها اللؤلؤة ووضعها بمكانها وهو يقترب منها شيئا فشيئا ويقول: -تشبهك، أول مرة شفت فيها اللؤلؤة دي، حسيتها تشبه روحك وهتليق عليكِ.
ثم شرد بملامحها الفاتنة: -أزاي بتشبهي كل حاجة فريدة كده!

ثم بلل حلقه وأزاح خصلة شعرها القصيرة من فوق ملامحها لوراء أذنها وأكمل: -يعني هدوء البحر ودوشته في ملامحك.

روحك فيها سر عجيب، فيها طاقة تشبه طاقة الأحجار الكريمة. الياقوت الأزرق بعيونك، ضحكتك وراها صف مميز من اللازوردي رغم أني شوفتها مرة واحدة بس سحرتني، قُربك فيه فتنة المرجان بيمد الروح بطاقة غريبة، فيكِ سحر يخلي الإنسان يسيب الدنيا كلها ويقضي الباقي من عمره جمبك من غير أكل وشُرب، ساعات كتير بسأل نفسي أنتِ جنية ولا حورية؟

ثم دنى منها أخر خطوة سُلحفية تفصل بينهم واضعًا كفيه الاثنين على وجنتيها ويداعبهما بابهامه كأنه أراد أن يزيح أثر ملوحة الدموع من فوقهم اللاتي حولتهما لأرض بور كي يزرع بيهم وردًا يُنير وجهها الحزين: -عاملة زي الموجة القوية العنيدة وأنا بكامل إرادتي وافقت أكون الغريق!
أصابت قشعريرة نيرانه الحارقة جسدها حتى اهتزت ورجعت خطوة للخلف وهي تغلق جفونها كي يعجز عن قراءة ما بهما وقالت بترجى: -لو سمحت!

كان مظهرها طفوليًا ولطيفًا لا يوحي بأي عواصف تقام في داخلها، ولكن لغة روحها التي تلبست به تبسمت إثر نجاحه في وصول مشاعره النارية إليها، لأول مرة يتوقد لهبًا في شوقه ل إمرأة للحد الذي لا يخبوه ماء المحيط، كيف سيكبح عطشه الدائم لها؟ كيف سيقاوم اشتهائه لها بعد ما تذوق عذوبة قُربها؟ كيف سيكون الطبيب لجروحها وجرحه لا زال داميًا ينزف رفضها إليه؟

ابتلع مرارة تمردها على عواصفه برحب وبادلها بنظرة أمنة كي تهدأ: -اطمني. أنا هنا مش هزود في جروحك، بالعكس أنا عايزك ترجعي أحسن.
أغرورقت عيناها بدموع العجز وقالت محتجة لتهرب من لحن كلماته المتواصل بقلبها: -حاسة أني محتاجة أنام شوية.
هز رأسه متفهمًا: -نامي واستريحي وهدي أعصابك خالص، أنتِ هنا في مكان بعيد عن البشر.
ردت بخفوت: -تمام.

ثم فرت من أمامه وتكومت على طرف مخدعه بغرفته الخاصة بالياخت، فتح خرانته الخاصة وأخرج منها لحافًا وافترشه فوقها بحنانٍ ثم جاء ليغلق نور الأباجورة الصغيرة بجوارها وقال موصيًا: -اتغطي كويس عشان هوا البحر مايعرفش عزيز.

شعور أن لديك أجنحة ولكنك بقاع المحيط! هكذا كان شعورها في تلك اللحظة، فكيف تُحلق بجوف الكوارث المحيطة بخيالها! هربت من سطوته وهي تشد الغطاء على وجهها وتختفي تحته كي تتنفس براحة بعيدًا عن ثورتها العارمة التي اجتاحتها…

أغمضت جفونها فأخذها شريط الماضي معه وتذكرت الكثير من المواقف التي جمعتهما سويًا في فترة عقابها المكدسة باللحظات المسروقة من الزمن، تذكرت رائحته التي كانت تنام عليها لمدة عشرة أيام، مداعبته لشعرها عندما يتأكد من نومها، حنيته المفرطة التي يتخلص منها مع شروق الشمس!
تلك الليلة التي قاوم رغبته الجامحة في اختلاس قُبلة منها وهي في عالم الأحلام ولكنه تراجع بعناء كأنه يريد أن ينعم بها في واقعه قبل أحلامه!

لحظات حنانه عليها وهو ينهض من نومه كي يتأكد من وجود الغطاء الذي ترفسه كل ساعة من فوقها.
تلك المرة التي نام فيها مُتناسيا يديه متغلغلة بين خصلات شعرها!
وضعت كفها على قلبها متوسلة إليه أن يهدأ، أنها لم تحتمل جرحًا إضافيا. استعانت بلحظات قسوته وجبروته، والليالي التي قضاها بين ذراعي الأخريات حتى ختمت حيرتها بدموع الألم والعجز وغاصت في نومها.

أما عنه فخرج بهدوء من الغرفة بعد ما أخذ كتابها معه ليتونس به أثناء فترة غيابها وأجرى مكالمة هاتفيه: -وصلت لأيه يا يسري؟
-عاصي بيه، عرفت أنه مغير اسمه اللي نعرفه بيه، وله جواز سفر باسم باهر رافاييل ، حتى آندرو وبنته بيدوروا عليه لانه طلع سارق ملايين الدولارات منهم وهرب.
عاصي بضجر: -عايزه تحت رجليا حي يا يسري…
-بحاول يا باشا، المشكلة ملهوش مكان ثابت وبيتنقل كل شوية، كام يوم بس وهجيب لك خبره.

-في أسرع وقت.
ثم أنهى المكالمة ثم جلس على أريكة اليخت وغاص بسردها للقاء الحبيبان ببعضهما، توقف على أعتاب جملة البطل وهو يتضرع ل حبيبته.
عانقِني بشدة قبل أن يلتفت العالم لسعادتنا فيفسدها
ثورة حارقة أخرى اندلعت بصدره عندما وصفت شعوره بكلمات جعلته يتنهد بين الصُحف، ويعترف لنفسه
ربما بعناق منك سيُهدم السور الفارق بيننا!

هبطت شمس من السيارة الخاصة ب تميم المجهزة لاحتياجات ظروفه الخاصة في أحد المناطق بمدينة أكتوبر، وقفت تتفقد المكان الصحراوي حوليها حتى سألته بحيرة: -أحنا جينا هنا ليه؟
انتظر تميم عودة السائق سعيد إلى السيارة ثم سألها: -أيه رأيك؟
ردت بانبهار: -جميلة بجد وموقعها متميز. دي بتاعتك!
أومأ بالإيجاب ثم قال: -أيوة، اشتريتها من سنة، وكنت ناوي أعملها مزرعة خيول، بس لما عرفتك غيرت رأيي.

نظرت إليه: -ازاي! الفكرة حلوة أوي.
-بس مش أحلى من فكرة مستشفى بتعالج الناس بالمجان، وتوفر كراسي متحركة للأشخاص العاجزة. ولا أنتِ شايفة أيه!
انعقد حاجبيها بغرابه ودهشة: -تميم! مش معقولة ده حلمي من زمان أوي، بس عمري ما اتخيلت أنه هيتحقق بسرعة كده!
ثم جلست على رُكبتيها أمامه وعبرت عن عرفانها: -أنتَ ازاي كدة؟ أنا سمعت صح طيب!

تفقد لمعان ملامحها: -لو أعرف أن الموضوع ده هيخلي وشك ينور كده كنت قولت لك عليه من بدري!
أحست بالخجل وتمتمت بذهول: -لا أنت متعرفش الفكرة دي بتطاردني من وأنا طفلة متملكش غير السرير اللي بتنام عليه هي وجدتها.
ثم شردت للحظة وقالت بحزن: -مرة حكيت لفادية وقولت لها أنا نفسي أعمل مستشفى كبيرة وأبقى دكتورة مشهورة، تعرف قالت لي أيه؟
رفع حاجبه متسائلًا: -أيه.؟

أكملت بشغفٍ: -قالت لي اطلعي البلكونة وبصي للسما وحطي أيدك اليمين على قلبك، وأدعي ربنا يفتح لك أبواب أحلامك الموجودة جواه، وربنا مش هيردك غير مجبورة.
ثم لمعت عيونها ببريق من الفرحة: -أنا عملت كده، عملت زي ما قالت لي بالظبط. وقلت لربنا أنا واثقة أنك سامعني وعشان بتحبني هتساعدني أحقق حلمي.
فاندفعت بمرح طفولي وهي تعانقه بعدم تصديق: -أنت رجعتني عشر سنين لورا، أنا مش مصدقة.

كاد أن يلمس ذراعيها ليبادلها ذلك الحضن المُفاجئ، ولكنها تراجعت بسرعة معتذرة بحياء: -أنا اسفة بس انفعلت ومكنتش مصدقة. ده مش حلم صح وأنتي
ثم تمتمت بعرفان: -تميم شكرًا بجد، شكرًا لأنك فكرت بطريقة جميلة صادفت أجمل حلم ليا.
-مادام كده يبقى من بكرة نبدأ بإجراءات التراخيص والبناء، وأنتي عليكي الإدارة وأنا شريك برأس المال. بس بشرط؟
ردت بحماس: -موافقة قبل ما أعرفه.
باغتها بمكر: -حتى ولو كان حضن زي اللي فات؟

تراجعت بخجلٍ: -هااه، أيه!
ضحك بصوت مسموع وأكمل: -بهزر بهزر. متتخضيش أوي كده.
ثم مسك كفها وطلب منها: -خلي الموضوع يبقى سر ما بينا الفترة دي، لحد ما يتم، ممكن!
اتسعت ابتسامتها اللامعة وهزت رأسها بالإيجاب: -موافقة. متقلقش خالص مفيش مخلوق هيعرف.

-أنت هتفضل تنط لي كل شوية في الشركة!
أردف مراد جملته مجرد ما دخل كريم عليه المكتب بدون سابق إنذار، هتف كريم بمرح: -أعمل لك أيه أنتَ اللي مش عايز تشغلني عندك.
أجابه مراد بنبرة بها خليط من الحزن ولكنه لطف الأجواء معه: -امكانياتك محدودة ومتسمحش أني اشغلك في شركة مراد المحلاوي…
ثم فارق مكتبه قائلًا: -هو عاصي دويدار مش بيقبضك كويس ولا أيه؟

ضحك كريم وهو يجلس على أقرب أريكة: -أصلهم مدلعيني جامد فالشغل، عشان ليا ضهر، وبصراحة أنا عايز اتعلم مش ادلع!
جلس مراد بجوار متنهدًا ومحاولًا تناسي ما ينهش في خاطره: -يبقى تنزل مواقع وتشيل طوب ورمل مع العمال وبعدين نشوف حوار تعينك معانا!
انكمش وجه كريم معترضًا: -لا يفتح الله، أنا راضي بدلع عاصي دويدار. هو أنا اشتكيت لك!
-يبقى هتفضل طول عمرك في نفس السلمة مش هتتحرك.

غير كريم مجرى الحديث قائلًا: -سيبك مني وخلينا فيك، نويت على أيه؟
تنهد بمرارة: -كنت بحاول افض الشغل هنا بس ده مش هينفع غير بعد 6 شهور على الأقل، في عقود والتزامات لازم أخلصها الأول. وماتتصورش يا كريم الشغل والبلد كلها تقيلة على قلبي أزاي؟
حاول كريم أن ينبش داخله: -كل ده من أمتى؟ أقصد من زمان ولا من بعد اللي حصل بينك وبين عالية!

تبدلت ملامحه الثابتة لآخرى مضطربة: -عالية! لا ده كان موضوع وانتهى. مود الشخص بس بيتغير من كل فترة للتانية في حوار الشغل، المهم أنت كُنت عايز ايه؟

حدجه كريم بعدم تصديق والكثير من المكر وقال: -ندخل في المهم، الجامعة عندنا عاملة فكرة مشروع جديد، وهو تحديث دور الأيتام وترميمها. وكمان في مشاريع دور هتعيد بناءها وتكون تدريب للطلبة كمشروع تخرج، المهم منزلين اعلان في الجرايد والكلية باشتراك رجال أعمال كتير وممولين، قلت أشوفك لو حابب تساهم،!

يبدو أن الفكرة راقت إليه ثم هز رأسه مقتنعًا: -فكرة جميلة، خلاص معاك. أعرف التفاصيل واتواصل مع حمدي بره وهو هيظبط معاك كل حاجة.
ساد الصمت للحظة ثم غير مراد مجرى الحوار قائلًا: -عالية كويسة؟
تلون كريم بلون الشفقة والتخابث: -لا مش كويسة، البنت لا بتاكل ولا بتشرب ورافضة تنزل الجامعة ومش بتتكلم مع حد، أومال لو كانت مابينكم قصة حُب أسطوري كانت هتعمل أيه في نفسها!

فزع في مكانه بلهفة وحزن وسرعان ما طواهم وراء الستار وقال بتوسل: -كريم، عالية لوحدها وملهاش حد حتى اخواتها بعاد عنها. حاول خليك معاها الفترة دي وشجعها على المذاكرة والشغل عشان تهرب من اللي هي فيه!
أسبل كريم عينيه بمكرٍ: -عشان كده أنت بتشتغل ليل ونهار؟ يا ترى أنت كمان بتهرب من أيه!
ثم تحمحم بخبث: -طيب هسيبك أنا، بس أعمل حسابك هتلاقيني فوق دماغك كل شوية.

ما كاد أن يخطو خطوة ففُتح الباب ودخلت منه المهندسة بتول التي تفحصت كريم بنظرات غامضة وهي تعتذر بدلالٍ: -سوري، مكنتش أعرف أن معاك ضيوف يا بيشمهندس.
تدخل كريم بعد ما لاحظ تلونها كالحرباء وقال: -أنا كُنت ماشي أصلًا.
ثم غمر لأخيه: -الله يعينگ يا بيشمهندس!
تدخل مراد بحوارهم مقدمًا أخيه:
-ده كريم أخويا، دي المهندسة بتول شريكتي المسؤول التنفيذي بالشركة.

رمقها كريم بخبث مصدرًا إيماءة خافته وألقى عليها التحية ثم خرج من باب المكتب سريعًا وأجرى مكالمته مع نوران التي ردت عليه متأففة: -أنا كل ما ابتدي اذاكر واركز ألقاك طلعت لي كده من بين الصفحات! وبعدين يعني؟
-هو هيجرى حاجة لو رديتي وقولتي ألو زي البشر!
-اااه هيجرى. أفندم!

فتح كريم باب سيارته وهو يقول: -مراد وافق يكون من ضمن الممولين وكمان عالية اشتركت في المشروع، كده نبدأ خططتنا بنجاح، أنتِ تقولي لي تحركات عالية وشوية تأثير عليها، ومراد سيبيه عليا بس نستعجل عشان في نمس بتولي بيدعبس في الأمر!
سألته بعدم فهم: -مش فاهمة.؟
-نفذي اللي بقول لك عليه وخلاص ويلا ذاكري أحسن ما تفضحينا وتسقطي.
عضت على شفتها بغل ثم قالت: -خليك في حالك.

-طمني يا فريد، عملت أيه؟
أردفت عبلة جملتها بالهاتف وهي قلقة بغرفتها تتحدث لنفسها خشية أن ينكشف سرها، فأجابها فريد وهو يصب النبيذ بكأسه مع أحد الفتيات المجهولات: -كله تمام، رجالتي مراقبين البيت عنده وفي اللحظة المناسبة هخلصك من اللي اسمه حسين ده ومن غير نقطة دم واحدة.
تنهدت بارتياح: -الله يطمنك، أنت فين كده!

غمز بطرف عينه للفتاة المشبوهة التي تتوسط فراشه وقال بكلل مزيف: -الشعل ما بيرحمش يا عبلة هانم، هكون فين يعني!
تبسمت عبلة بخبث: -بجد مش عارفة أقولك أي وسط شغلك ده كله ومتأخرتش عليا، بجد مرسي ليك يا فريد.
-لا مرسي أيه! أنا لسه عرضي قائم وليكي عندي سفرية ما حصلتش في الغردقة، شوفي أنتِ بس وأنا جاهز.
انخفضت نبرتها بإعجاب وكأن الأمر راق لها: -هشوف…
بالأسفل.

وصلت هدير إلى القصر برفقة أمها وهي تستند على ساعدها وتتفحص المنزل بنظرات استياء، جهرت جيهان منادية على الخدم: -سيدة! يا سيدة.
جاءت تركض من الداخل وهي تطالعهم بنظرات ازدراء: -اتفضلي يا جيهان هانم.؟
-وصلي هدير لأوضتها، وقولي لعبلة أني هنا…
ثم جهرت بحدة: -انتِ لسه هتنحي؟ يلا اتحركي!
عاد تميم وشمس في تلك اللحظة فالتفت إليهما جيهان وهي تطالعهم بضجر: -وايه الضحك ده كله! خير فرحونا معاكم؟

حملق بها تميم بضيق وسألها: -ليه؟
فوضحت لها شمس قائلة: -تميم قصده يقول لك بصفتك مين بس خانه التعبير!
جحظت جيهان عيونها وقالت: -أنتِ هتنسي نفسك يا بت أنتِ؟
جاءت شمس لتجيبها ولكن سبقها رد تميم الحاد: -اسمها الدكتورة شمس، واللي يكلمها يوطي صوته عشان اللي يزعلها كأنه زعلني ووقتها هنسى هو مين حتى ولو كان ضيف ف بيتي؟
-أنت بتهددني ياابن مديحة؟

-ابن مديحة وشهاب دويدار، يعني بكلمة واحدة منى ممكن متعرفيش تدخلي البيت ده تاني!
ابتلعت جيهان ما تبقى في حلقها من كلمات كل لا تتفاقم المشكلة بينهما ورضخت مستسلمة: -طبعًا حقك، وسوري عشان غلطنا في صاحبة الصون والعفاف!

ف الغردقة
غُربت الشمس ولا زال عاصي منغمسًا في العيش بين صفحات كتابها والرومانسية الحالمة التي نقشتها على الورق، تمنى ولو يعيش معها تلك الفاصيل بحذافيرها، جاءه النادل متسائلًا: -عاصي بيه، اجهز العشا؟
قفل الكتاب الذي بيده و رد: -استنى الهانم تقوم.

ولى النادل وجهه فجاءت حياة في هذه اللحظة مُلتفة بالشال الصوف على كتفيها وشعرها يتطاير أمامها، وثب من مكانه ملهوفًا وأرسل لها ابتسامة ترحيب، استقبلتها بايماءة خافتة وجلست بجواره تتأمل البحر، قعد بجوارها وسألها:
-نمتي كويس!
أومأت بخفوت ثم عادت تشكو صبابتها للبحر، حتى أكمل: -سبتك تنامي على راحتك، عشان تصحي فايقة.
ردت بفتور: -مرسي.
ثم سألته: -أنت منمتش؟
-لا
-ليه؟

-خفت أجي أنام جمبك تقلقي فتصحي، فضلت قاعد هنا بقرأ في كتابك.
ألقت نظرة سريعة على الكتاب الذي خشيت أن تفتحه مرة أخرى وسألته: -عجبك،؟
تنهد بانتشاء ثم قال: -فيه مشاعر جبارة، مشاعر رجعتني ولد 17 سنة.
-ودي حاجة حلوة ولا وحشة؟
تبسم بهدوء ثم قال: -هتبقى أحلى لو لقيت الشخص اللي أعيش معاه التفاصيل النادرة دي، وهتبقى زي حباية المُسكن لما يروح مفعولها لما أفتح عيني وألقى نفسي لوحدي، كل ده مفيش، اتبخر.

نهضت من مكانها وتحركت إلى مقدمة اليخت شاردة ثم لحق بها وسألها:
-سرحتي في أيه؟
ضمت طرفي الشال إلى صدرها وقالت: -على. اليخت ده اتكتب لي عُمر جديد وقصة جديدة غير اللي هربت منها، كنت بتمنى الذاكرة ترجع لي في أسرع وقت عشان أعرف أنا مين…

أخذت نفسًا عميقًا ثم جلست على أرضية المركبة بهدوء ثم مددت ظهرها لتطالع السماء بحرية أكبر وهي تتنفس براحة شديدة، فعل مثلها بالتمام ومدد بجوارها حتى أكملت روايتها القاسية: -أول حاجة افتكرتها موقف بشع، مفيش بنت تتمنى أنها تعيشه، عرفت أني كنت عايشة من غير قلب لفترة طويلة، ودلوقتِ عرفت أني وحيدة، بابا توفى وأخواتي معرفش فين أراضيهم!

انخرطت دمعة حزينة من طرف عينيها وقالت: -يا ريت أبقى فاقدة الذاكرة لأخر يوم في عمري! أنا مش مستعدة ارجع لحياتي القديمة بكُل الكوارث دي! أنا حتى مش عارفة استرد شخصيتي ولا بقيت عايزة استردها، واضح أني كنت قوية أوي عشان اتحمل كل ده، ودلوقتِ أنا أضعف مما تتخيل…
صمتت للحظة ثم ولت رأسها إليه وسألته: -تفتكر أيه الذنب اللي عملته عشان اتعاقب عليه بالطريقة القاسية دي؟ أنا بقيت خايفة افتكر حاجة تاني.

-وأنتِ ليه مفكرة أنه ذنب؟ الحياة رحلة، وكل ما المشوار يصعب أعرفي أن النهاية تستاهل.
اعتدلت من نومتها وضمت ساقيها إلى صدرها وقالت بشك: -هي فين الحياة اللي خسرت فيها كل أهلي، و خسرت نفسي معاهم. أنا مابقتش عارفة المفروض أعمل أيه! أفضل أعيط وأندب حظي؟ ولا ابدأ من الصفر أمممم بس هبدأ في أيه وأجيب طاقة منين لكل ده؟
اعتدل ليجلس مقابلها وقال: -كل ده هيتحل لو وثقتي فيا.
تمتمت باعتراض: -فيك!

حاول تلطيف الأجواء المشحونة التي تملأها
-ااه أنا ملاحظ أنك شغاله تندبي على اللبن المسكوب وماجبتيش سيرتي خالص!
-مش كفاية أني معطلاك عن شغلك وبناتك وحياتك؟
رفع حاجبه متسائلًا: -حياتي؟
وضحت مغزى حديثها: -ااه حياتك، أول ما عرفتك كُنت شخص تاني، شخص بيشتغل دايمًا، بيسهر بيشرب بيحب يبسط نفسه طول الوقت. حتى لو كل ده مش صح بس فين كل ده فجأة كده!

هز رأسه متسائلًا: -يعني أنتِ عايزاني أرجع اسهر واشرب وستات كل ليلة والجو ده،!
غمغمت بشك: -هي دي مش كانت حياتك؟
-اااه كانت بس أنا حاليًا راجل متجوز ماينفعش أعمل كده.
أصدرت إيماءة خافتة وغمغمت بخبث: -ااه سوري نسيت، أكيد هدير مش هتسمح ب…
قطعها على الفور بنفور: -هدير مين بس! أيه جاب السيرة دي دلوقت؟
-ليه مش هي مراتك بردو وأنت رديتها!
-حصل بس شكلك نسيتي أنك أنتِ كمان المفروض مراتي.

هنا تدخل النادل قائلًا: -عاصي بيه، الأكل جاهز تحت ف الأوضة اتفضلوا.

-هبقى متطفلة لو سألتك عملتي أيه في الجامعة النهاردة؟
نزعت عالية – الهيد فون – من فوق آذانها وقالت برتابة:
-إطلاقًا، عادي جمعت إلى أقدر عليه من المحاضرات اللي فاتتني، وو اشتركت في مشروع تبع دور الأيتام وكدة والمفروض ابتدي ارسم اقتراحات، وبس.
ثم تنهدت بمرارة: -اليوم كان طويل وممل، بس كده أحسن من قعدة البيت…

شجعتها نوران قائلة: -براو عليكي. لازم تشغلي وقتك عشان تنسي، فادية الله يرحمها كانت تقولنا الفراغ مصيبة القلب، أنتِ بقا اشغلي نفسك على طول.
تبسمت عالية بفتور: -معاكِ حق، أنتِ بقا أخبار المذاكرة معاكي أيه؟
-أهي ماشية بحاول أخلص أول بأول، وافصل عن كل الدوشة دي.

ثم تركت الفراش وجاءت إلى مكتبها وأكملت: -شمس سالت عليكِ من شوية وكنتي نايمة، وقالتلي ان تميم من بكرة هيبدا يجهزلي أوضة جديدة. عشان تبقي على راحتك وكدة.
ابتسمت عالية بحب: -مفيش داعي، أصلًا وجودك مونسني.
ثم صمتت لبرهة وأكملت: -أو يمكن اتعودت على وجود مراد عشان كده حابة وجودك معايا في الأوضة بدل ما أفضل قاعدة لوحدي.
ركزت نوران في فطر الحزن الذي خيم على ملامحها وقالت: -محاولش يكلمك تاني؟

هزت رأسها يمينًا ويسارًا: -لا. ولا هيتكلم، مراد نفسه عزيزة عليه ومستحيل يقبلني بعد اللي حصل بينا، وعموما أنا قفلت الصفحة دي من دماغي خالص ومابقتش بفكر فيها.
تجولت عيني نوران بخبث: -سمعت كريم كان بيتكلم في التليفون وبيقول أن مراد هيصفي كل شغله ويسافر بره، تفتكري ليه!
رُج قلب عالية بحزن: -تفتكري عشان زعلان مني ومش حابب يقعد في البلد بعد اللي عملته، من لا.

ثم تمتمت بأسى: -أنا والله اتنازلت عن القضية واعتذرت له، المفروض أعمل أيه تاني،!
وضعت نوران سبابتها على شفتيها بتفكير ثم سألتها: -أنا طبعا ماليش حق إني اسالك سؤال زي ده، ولو مش حابة تجاوبي أنا مش هزعل خالص.
-سؤال أيه؟
-أنتِ ليه عملتي كدة؟
ثم زفرت بحيرة: -مادام هو كويس معاكي وشخص محترم زي ما بتقولي؟

خدرت نوران رأس عالية بمخدر السؤال الذي هربت منه عالية طويلًا في تلك اللحظة دخلت عبلة على فجأة وقالت برسمية: -عالية تعالي عايزاكي…

على اليخت
تابعت حياة خُطاه بنفس مستسلمة ونزلت معه إلى الغُرفة لتناول وجبة العشاء بعد ما قرص الجوع معدتها، فتح عاصي باب الغُرفة التي ينبعث منها أنوارًا خافتة وموسيقى هادئة وطاولة عشاء على ضوء الشموع، وبعض الورود الحمراء التي تُزين الفراش.

تأملت حياة المكان الساحر الذي لا يليق إلا بعروسين بذهول، شدت يدها من قبضة يده وولت ظهرها معلنة المُغادرة، مد ذراعه كحصن منيع أمامها كي يفسد مخططها قائلًا: -رايحة فين؟
بد الغضب يتراكض بصوتها: -أيه ده؟ مش شايف يعني؟
-طيب ادخلي نتكلم جوه!
ضربت ذراعه بقوة وعناد: -اللي في بالك ده عمره ما هيحصل، وأنا غلطانة من الأول إني وثقت فيك. وقلت هتتغير.

جاء النادل على صوتهم المُرتفع من أعلى يتساءل: -في أي مشكلة يا عاصي بيه؟
فجر غضبه بالرجل: -وأنت مالك ياحبيبي!
ثم حدجها بحدة: -ادخلي مش هنتكلم على الباب كده.
أخذت تفكر طويلًا حتى نفذ صبره فسحبها رغم عنها وقفل الباب خلفهم، كادت أن تنفجر بوجهه، فأنقذ نفسه من شرها: -أهدي. مفيش حاجة هتحصل من اللي في دماغك دي ولا غصب عنك، وأنا هنا عشان أداوي جروحك مش افتح جروح غيرها.

تأففت بضيق وهي تشاور على الشموع: -ده تفسيره أيه؟
رد بعفوية: -المفروض أني عريس جديد ومراته جايين يتبسطوا، فتصرف طبيعي من الاستف بتاع اليخت. لأن محدش يعرف اللي بيننا. فهمتي.؟
تراجعت بشك: -يعني مش أنت اللي قلت لهم يعملوا كده؟
-لا طبعًا، أنا متفاجئ زيك بالظبط، المهم أهدي كده وروقي واتعاملي عادي. ينفع؟
رمقته بحيرة قطعها بيقينه: -حياة أنا معنديش استعداد اعمل حاجة تانية تخليني أخسرك، اتفضلي بقا اتعشي.

أومأت بارتياب ثم توجهت نحو الطاولة، زفر عاصي بارتياح واتبع خُطاها ليجلس على المقعد المجاور لها، شرع الثنائي في تناول الطعام حتى سألته بريبة: -أحنا جينا هنا ليه؟
وضع عاصي اللقيمة بفمه ثم قال: -بناء على تعليمات الدكتورة، مكان هادي تريح فيه أعصابها ويساعدها تفتكر أسرع، وهو ده اللي بعمله.

تناولت بيدها المرتجفة كوب الماء فلاحظ تراقصه بين يديها وقال بهدوء: -ليه التوتر ده كله! بلاش شد الأعصاب ده كله أنا مش بخوف على فكرة.
ابتلعت الماء بصعوبة ثم قالت بعناد: -أنا تمام.
ابتسم بخبث: -مش باين بس هعديها.
ساد الصمت لدقيقتين ثم قال: -هخلص أكل واشتغل شوية على اللابتوب، وأنتِ حابة تعملي أيه؟
فكرة لبرهة ثم قالت بتوجس: -عادي، مش هتفرق. ممكن اطلع أقعد على البحر فوق.

حركت ملامحه باعتراض وقال بلطف: -مسموح لك بأي حاجة إلا أنك تخرجي من الأوضة.
ثم غمز بطرف عينه بمزاح: -متخليش شكلي وحش بقا قُدام العُمال.
فضلت الصمت على أنها تجادله في قرارات قد حسمها مُسبقًا، أحس باختناق روحها فقال مقترحًا:
-كنتِ كاتبة وبتقولي أن الكتابة هي ملجأك الوحيد في كل وقت، ممكن تقعدي جمب البحر وتكتبي، حاولي اتخلصي من كل الطاقة السلبية اللي جواكِ.
ردت بعدم اكتراث: -تمام…

مسح عاصي فمه معلنًا امتلاء معدته وقال: -خدي راحتك، أنا هروح أخلص شوية شغل، كلي كويس. هااه!

تركها ليجلس أمام الحاسوب بأحد أركان الغرفة أما عنها فضلت الوقوف أمام البحر من وراء الزجاج بدون فعل شيء، فقد اكتفت بسرد أحزانها تلك المرة للبحر بدلًا من الورق. مرت قُرابة الساعتين حتى أحست بالملل وهروب النوم من جفونها، لاحظ نفورها من الصمت فأنجز ما تبقى من عمله سريعًا وشغل أغنيتها المُفضلة التي اعترفت بحبها سرًا للورق…

مع شرودها ومملها تسرب صوت الموسيقى التي أحييت قلبها من جديد إلى أذنها بغناء كارم محمود وهو يتوسل الليل: – أمانة عليك يا ليل طول، وهات العمر من الأول
حانت منها التفاته فوجدته بظهرها واقفًا يطالع البحر بعيونها، أحست بتسارع ضربات قلبها وسألته:
-أنت شغلت الأغنية دي ليه؟
-عشان أنتِ بتحبيها.
حدجته بعدم تصديق فبرر لها: -كُنتِ قايلة أنك بتحبي تسمعيها كل ليلة قُدام البحر. قلت أما نسمعها سوا.

عقدت ساعديها ونظرت للبحر مرة أخرى، أما عنه وضع كفه بجيب بنطاله وقال: -طول عمري بسمع الأغنية دي، بس أول مرة أحسها، وأحس قلبي بيغني معاها وعايز الليل ما يخلصش. رغم إني راجل عملي وماليش في كلام الروايات والأوهام دي…
تنهدت بصوت هدر ثم قالت تحت سطوة شرودها: -وأيه دخل كونك راجل عملي في مشاعرك! المشاعر والحب دول عالم تاني مايعرفش الكلام ده…

ثم ألقت عليه نظرة سريعة وأكملت: -مفيش راجل عنده فيض في المشاعر وراجل جاف مايعرفش يعبر عن اللي حاسه.
-أزاي.؟
دارت إليه بجسدها وقالت: -المشكلة كلها بتكون في طريقة حبه للست اللي معاه! في ست قادرة تفجر مشاعر من الراجل اللي قدامها ميعرفش أنها موجوده جواه أصلًا. وفي ست مُملة بتهرب منها مشاعر الرجل أول ما يقف قُصادها…

ثم تنهدت وأكملت: -يعني نعتبر مشاعر الرجل والست زي العود، مش أي حد ينفع يعزف عليه غير صاحبه. هما الاتنين بتكون ما بينهم طاقة أحساس عالية محدش يفهمها ويحسها غيرهم.
تبسم بإعجاب وانبهار لطريقة سردها لما يتجول بخاطره ثم تنهد وقال باندفاع: -يعني لو حاسس إني عايز أرقص معاكِ دلوقتِ على الأغنية دي، هتوافقي؟

رمقته باستنكار ثم ولت وجهها للجهة الأخرى البعيدة عنه، أحس بتسرعه في طلبه السابق لأوانه، حك ذقنه وقال معتذرًا: -أسف مش قصدي حاجة، بس بحاول أخرجك من حالة الحزن اللي أنت فيها دي. عمومًا أنا هنام عشان تاخدي راحتك، لو احتجتي حاجة أبقي صحيني.
في نفس اللحظة التي دار فيها نصف دائرة اتجاه مخدعه دارت هي إليه وتمسكت برسغه وقالت: -استنى!

خشيت الوحدة مجددًا، خشيت أن ينام وتظل وحيدة طول الليل، رمقها بنظرات استفهامية حتى قالت بهدوء: -موافقة.
رفع حاجبه مستفهمًا ليتأكد مما قالته، فأكدت عليه بطريقة لطيفة: -الأغنية قربت تخلص على فكرة.

ابتسم برحب وجذبها برفق لمنتصف الغُرفة، لف يمينه فوق خصرها ف دبت بها قشعريرة لذيذة أخرت سدول همها، أطرقت جفونها بالأسفل كي لا تلتقي بعينيه الحادة، مسك بيساره يدها الأخرى ثم ضمها إليه برفق رفع جفون عينيها لتُصادف نظراته المفعمة بالشوق، أخذ يتمايل الثنائي على ألحان الغناء: – يا ليل طول على العشاق
وقول للشمس ما تبانشي
يهون العمر على المشتاق
وساعة القرب ما تهونشي.

‏مجرد الشعور بحرقة أنفاسه التي تداعب ملامحها جعل لقلبها أجنحة تتحرك لتتعلم التحليق من جديد، كان حريصًا بألا يتجاوز حدوده معها، أن يكون قُربه بالقدر المتاح الذي سمحت به كي لا يحرك نفورها منه مرة أخرى، همس لها بنبرة مبطنة بالحب الذي لم يعترف به لنفسه حتى تلك اللحظة وقال: – من لا يُغرم بجمالك يظل بقية عمره بالعتمة
كنتِ كاتباها في صفحة 60. سبحان الله متفصلة عليكِ! أنت لما بتكتبي بتكوني حاسة بأيه؟

تحمحمت بخفوت وقالت: -بنفس اللي بتكون حاسس بيه وأنت بتقرأه.
ابتسم لذكاء ردها الذي يفتح معها مجالًا للحوار لا ينتهي: -لسه خايفة مني!
-مش عارفة؟
-ده مش رد مقنع!
-أنا مش جوايا رد مقتنعة بيه عشان أقوله.
تركت يساره يدها وانتقلت إلى وجنتها وهو يدنو منها أكثر: -لازم تثقي فيا، أنا معاكِ مش ضدتك. هل قُدامك حلول أخرى؟
-بردو مش عارفة!
رسم بسمة خفيفة وسألها بخبث: -حتى وأنتِ واقفة بين أيديا!
-مش فاهمة؟ يعني أيه!

-الرقص بين اتنين يعتبر ميثاق سلام، جسدين بروح واحدة بتحركهم على مزاجها، بالظبط زينا.
ذابت من سحر لمسته وتصلبت ملامحها وهي تومئ بالإيجاب بدون إدراك عما توافق عليه، ابتسم بوميض من الأمل: -بكرة هنروح المحكمة.
فقدت نبرة صوتها فسألته تلك المرة بعيونها اللامعة: -ليه؟
انتقلت أنامله لخصلات شعرها الناعمة وقال بتردد: – موافقة تتجوزيني كرسيل مش حياة!
اندلعت منها صرخة قوية وهي تضع يدها فوق بطنه بأوهٍ: -آآه!

رد بلهفة: -مالك؟ أيه بيوجعك! نرجع نروح لدكتور؟
تشبثت بذراعه بضعفٍ وهي تتوجع: -معرفش ليا كام يوم في مغص شديد بيجي فجأة ويروح.
حملها بدون تردد ووضعها برفق على الفراش وسألها: -هكلمهم يعملولك حاجة سخنة تشربيها.
أخذت تتلوى من الألم لدقيقتين حتى هدأ الوجع تدريجيًا وقالت: -انا بقيت أحسن، متشغلش بالك.
-يعني أيه مشغلش بالي؟ أنتِ مش شايفة وشك اتغير أزاي؟ هننزل الغردقة تكشفي.

مسكت كفه وقالت بأنين: -عادي والله متكبرش الموضوع.
جلس على طرف السرير وقال: -عايزة تقنعيني أنه وجع من غير سبب! نطمن طيب؟
فكرت لبرهة حتى قالت بتلميح: -طبيعي والله، تعب عادي. هو شديد حبتين بس بيروح بسرعة.
-أنتِ متعودة يعني على التعب ده؟
أجابته بتوجس حيث بدأ المغص يشتد بها: -كل البنات في فترة معينة من الشهر بيتعبوا كده، متشغلش بالك ومتكبرش الموضوع بقا.

توقف عقل عاصي محاولًا ترجمة ما تعنيه، لامت نفسها عما صرحت به خصوصًا أن الأمر بات مُقلقًا، ألمًا غريبًا يجتاح رحمها من حين لآخر وتغير في هرموناتها المزاجية، وتأخر فترة عذرها الشهري عن ميعاده لمُدة أسبوعين ولكنها فسرت كل هذا تحت مظلة الضغوط النفسية التي تمر بها.
توصل عاصي لما تقصده سريعًا حتى قال: -مش المفروض في أدوية مسكنة للحاجات دي؟
جحظتها مُقلتيها بحياء: -تصبح على خير.

لُطخ وجهها بحُمرة الخجل واندست بسرعة تحت لحافها فلم يظهر منها شيئًا سوى كفها القابض على الغطاء، ضرب عاصي كف على الأخر ونهض ليُبدل ملابسه فالتفت إلى هاتفه برسالة نصية: -ألحقني يا عاصي…

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *