رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل الخامس والعشرون
سليم.
صرخت عائشة وهي تركض ناحيته فابتسم بحب لها وأسرع يضمها لحضنه، بكت عائشة بضعف بين يديه وكذلك رهف التي أتت وراء أختها بصحبة روان التي تنظر أرضًا بخجل، لم تكن تملك الجرأة للنظر له وكان هو يعلم ما تشعر به، فبعدما فهمس لعائشة بشيء مما جعلها تقهقه بخفة قي أحضانه وقبل أن تستوعب شيء وجدت نفسها تسحب بقوة بواسطة سفيان فنظرت له بصدمة، وحاولت التحرر منه ولكن قبضته كانت قوية فلم تستطع، غمز سليم لرهف. فابتسمت وهي تحتضنه جاذبه شعره بقوة.
يا لومة كنت واحشني اوي، قالت رهف بمرح جعل من سليم يكرمش وجهه بقرف، أما روان فتجرأت أخيرًا لتقف أمامه وقبل أن تفتح فمها لتبرر له فعلتها، ضربها بقوة على ظهرها، وحشتيني يا بت يا روان، كنت بفكر في طريقة أخد حقي بيها بس بعد ما شوفت حالتك صعبتي عليا وشفقت عليكِ، قال سليم بمشاكسة فقهقت روان، اسمها شفقت يا جاهل.
قالت روان بسخرية فبادلها نفس النبرة قائلًا، محسوبك كان شايل لغة عربية، ابتسم الجميع على جملته ولكنه تنهد بشوق وظل يبحث عن ضالته حتى وجدها، كانت تقف بجوار أدهم وهي تنظر له بهدوء وحين تلاقت أعينهم انزلت انظارها للأسفل، فابتسم سليم بهدوء، بينما كانوا يقفون جميعًا في حديقة المنزل، مبتسمين في وجه بعضهم البعض بحب، يشعرون بالآمان النسبي وكأنهم تخلصوا من كل شيء، من كل هم وألم، كان للقدر تخطيطات أخرى لا نعلم إذا كانت تتفق ام تختلف معهم…
نفذ، جملة واحدة خرجت من فم رائف لرجاله على الطرف الآخر، فنفذوا جميعًا خطتهم الشيطانية وخلال عدّة دقائق اشتعلت النيران في عدّة أماكن متفرقة لمحلات تحمل نفس الاسم، محلات أمجد الدرملي للذهب.
استيقظت عائشة على اصوات ضجة عالية فهضت بفزع ترتدي ملابسها ولفت نظرها رهف ايضًا التي استيقظت تناظرها بقلق، خرجت عايشة مسرعة وتركت رهف وراءها وكذلك ماريا تساعدها في ارتداء ملابسها بسبب عضلات يدها التي كانت لا تستطيع التحكم بها للآن، في إيه…
قالت عائشة بتساؤل لنفسها وهي تنظر لهم فرأت سفيان يجلس ببرود وهيئته تدل على غضبه الشديد، وكذلك أدهم الذي يصرخ بغضب في الهاتف، كانت حالتهم ليست جيدة، العم أمجد يجلس بضعف على الأريكة ووجهه يقبع بين يديه بقلة حيلة، فدفعت باب المجلس بخفة لتدلف للداخل غير مهتمة بالعواقب، كان أخوها ليس موجودًا وكذلك سليم، ولكن زوجها موجود وهو يكفي، دخلت عائشة بخطوات واثقة للمجلس ولم تبالي بشهقات الرجال المصدومة ولا همساتهم التي تعالت، كيف لامرأة من عائلة الدرملي أن تكشف على الرجال؟
كانوا يتهامسون فيما بينهم، نظرت عائشة لسفيان الذي كان سارحًا في غضبه ولم يشعر بقدومها، حين أرادت الاقتراب أكثر نهض أحد الرجال من مجلسه والذي كان تقريبًا عم سفيان وتقدم نحوها ببطئ فوقفت في مكانها احترامًا له، رايحة فين يا بنيتي.
قال الرجل بصوت آجش وعينيه كانت أرضًا لم يرفعها نحوها أبدًا فاحترمته عائشة ثم قالت بقوة اكتسبتها من وجود سفيان في محيطها، رايحة لجوزي يا عمو، أنا سمعت دوشة عالية وقلقت ولما نزلت برضوا حالكوا ميطمنش، في حاجة حصلت؟
قالت عائشة بساؤل فطمئنها الرجل قائلًا، لا يا بنتي اطمني، في أخبار مش كويسة وصلت بس احنا لسه متأكدناش، روحي خدي جوزك برّة واطمني عليه، مينفعش نظرات الرجاله دي عليكي ولا إيه؟
قال الرجل بحنان فهزت عائشة رأسها بتفهم، الرجال هنا يغارون كثيرًا على فتياتهم وزوجاتهم، يحافظون عليها حتى من النظرة السيئة، قبل أن تخطو عائشة خطوة ناحية سفيان وجدته يرفع أنظاره لها وضعف شديد يرتسم بداخلهم، فارتجف قلبها ثم نهض سفيان ناحيتها بتثاقل ومن ثم سحبها للخارج، وقف سفيان مستندًا على الحائط بينما وقفت عائشة أمامه تاركه له الحرية فيما يريد فعله، سفيان، لو مش عايز تتكلم متتكلمش، بس أنا عايزة أقول حاجة واحدة، هل ربنا عمره خذلنا قبل كده، لأ، يبقا احنا بنقلق ليه واحنا عارفين إن ده اختبار من ربنا لينا، ربنا عمره ما بيجيب غير الخير، قالت عائشة بهدوء وهي تناظر عينيه الخضراء التي كانت تنظر لها بتيه شديد، تعبه كله راح هدر، بقاله أكتر من 20 سنه بيحاول يبنيهم وفجأة كدن راحوا، محلات بابا بقت رماد يا عائشة، قال سفيان بهمس ثقيل وقد خرج صوته متحشرجًا، لقد رأى نظرة الانكسار في عين والده ووقف عاجزًا لا يستطيع فعل شيء لمداواته، نظرت له عائشة بشفقة، لتربت على كتفه بمساندة، قائلة، قدر اللّه وما شاء فعل، الحمد لله يا سفيان، تمتم سفيان بالحمد ثم نظر لها قائلًا، أنا حاسس إني تايه، أدهم اتفصل من شغله، ومحلات بابا ولعت والعيادة بتاعتي اتقفلت، ومش عارف أعمل إيه؟ لأول مرّة أحس إن الحرب كده كده هخسرها، حين أنهى سفيان جملته جلس على الأرض بضعف وهو يناجي ربه بثقل شديد في قلبه، جلست عائشة أمامه ووضعت يدها على لحيته الكثيفة قائلة بهدوء، هو ده إللي هو عايزه، سفيان أنا مش بحاول انتقص من ألمك بس الحمد لله على كل حال، محلات باباك راحت بس هو معاكوا وده الأهم، عيادتك برضوا ربنا خلاك تبنيها مرّة أكيد هيخليك تبنيها ألف، لما مروان قتل بابا قدام عيني حسيت إن الدنيا اسودت قدامي، كنت فاكرة إني خسرت كل حاجة لحد ما عرفت إن مروان عايش، بعد سنة من وفاة بابا عرفت إنه عايش، بس تخيل حياتي طول السنة، كنت على تكة واحدة بس من إني أموت نفسي، كنت متخيلة إني لو عملت كده هرتاح، والشيطان شاطر أووي، أنا عشت أسوء سنين عمري في بيتنا مع رائف، وكل مرّة ربنا بيحميني منه، كان هيتجوزني، ست مرات طلب مني ورفضت، قتل الدادة بتاعتي، وقتل خالتو، وقتل جدي أبو ماما، وقتل الشخص إللي جه يتقدملي، كل مرة كنت بهرب كنت بقول خلاص أنا هربت منه، ألاقيه داخل بكل برود عليا وساعتها كان بيبقى اسوء يوم، هو عارف إن أكتر حاجة بتكسرني هي عيلتي، فيجيب رهف قدامي ويضرب فيها وهو مكتفني ولما أغمض عيني يقولي لو مفتحتيش هقتلها، أنا تعبت اووي منه لدرجة إني حاسة عمري ما هتخلص من بصمته على حياتي، هيجي يوم وأتخلص منه يا سفيان؟، ونعيش عادي من غير خوف؟، ولا أنا برسم الوهم في خيالي وإن الضوء إللي في آخر النفق كان هلوسة مني؟
أنهت عائشة كلامها ببكاء وشهقاتها تتعالى فتألم سفيان لها، ولأول مرّة لم يستطع مواستها، هو فقط ليس واثقًا بأنهم سيتخلصون منه، الخير قد لا ينتصر في الدنيا.
مر يومًا آخر عليهم في سكون شديد، ما عرفته عائشة بأن داوود مختفي ولا زال لم يعلم بما حدث معهم، كان مسافرًا في عمل تقريبًا، تلك الوردة لم تتركها وشأنها ابدًا سواء بنظراتها أو بكلامتها السامة، وبالطبع هايدي لم تتوانى عن الرد عليها، العم أمجد تفاقمت حالته الصحيّة وقال الطبيب بأنه يجب عليه الحصول على الراحة التامة، ولكن من أين تأتي الراحة ورائف واقفًا كالشوكة في حلقهم، عائش، نظرت عايشة حولها باستغراب، كانت جالسة مع الفتيات في غرفة يتجمعون بها عادًة لكي لا يحتكوا بأحد من الخارج، فنظرت لسعاد التي قرصتها باستغراب، لتشير لها الأخرى نحو الخارج، فحولت أنظارها لتجد مروان ينادي عليها والسعادة مرسومة على ملامحه، في إيه يا مروان،؟
قالت عائشة بتساؤل، فابتسم مروان أكثر قائلًا، داوود جه، قال مروان بفرحة فنظرت له الأخرى باستغراب، إنتَ كويس؟ إيه المفرح في إن داوود جه يعني، ضربها مروان بغيظ قائلًا، لو تسيبيني أكمل كلامي هتعرفي، محلات عم أمجد سليمة، أشرق وجهها فجأة وقالت بتساؤل وفرحة، بجد، الحمد لله، بس إزاي؟
ابتسم مروان هو الآخر قائلًا، اه واللّه، طلع داوود حمل البضاعة بتاعته وكل الحاجات المهمة في مكان تاني، المكان بس إللي ولع بس الحاجة سليمة، تنهدت عائشة بفرح، سفيان بالتأكيد سيكون سعيدًا الآن،.
وفي مكان الرجال تعالت الصرخات الغاضبة من سفيان الذي يكتفه أدهم وفرغلي، والذي يصرخ في داوود الجالس بكل برود على الأريكة، واللّه لوريك، سيبوني، صرخ سفيان بغضب فابتسم داوود، بينما صالح كان واقفًا بعيدًا عنهم ينظر لهم بابتسامة، شوف المستفز بيضحكله ازاي، عايز يشعلله أكتر، قال صالح بابتسامة فنظر له داوود ليرفع كتفه ببراءة، قوم يا بني من قدامه وبطل استفزاز، قال فرغلي بسخط لينفي داوود وهو يضع قدم فوق الأخرى، مقولتش ليه، رد عليا يلا، قال سفيان بشراسة لينهض داوود متقدمًا نحوه، ولا؟ احترم نفسك علشان أنا على آخري، أما بقى أنا مقولتش ليه، بصراحة يعني مفكرتش اقول، هيا الفكرة جت وأنا نفذت وبس خلصنا، سيبوني، واللّه ما هعمل حاجه، قال سفيان بغضب فتركه أدهم وفرغلي على مضض، نظر سفيان لداوود بتوعد وخرج صافقًا الباب بغضب، ليتجه أدهم ناحية داوود فنظر الآخر له بتساؤل ليرفع أدهم قبضته لاكمًا إياه بقوة، دي علشان حالة أبويا بس، وعلشان استفزيت أخويا، قال أدهم ببرود وهو يتبع أخيه، فقهقه صالح بتفاجؤ وفرلي ابتسم قبل أن يتحمحموا بسبب نظرات داوود الصارخة بالغضب ناحيتهم، سفيان بينادي صح؟
قال صالح بتساؤل مصطنع وهو يتحرك للخروج، ليتبعه فرغلي قائلًا، لا يا بني ده أدهم.
وحين خرجوا انفجروا بالضحك على ما حدث.
تحرك سفيان مسرعًا وأخرج هاتفه ليحادث هايدي ولكن هاتفها مغلق، فهاتف شيما لتفتح المكالمة بترقب، السلام عليكم، قال سفيان بهدوء
وعليكم السلام يا أبيه، قالت شيما باستفزاز فتنهد الآخر بغضب وهو يستغفر ربه، ثم سألها بهدوء مصطنع، مراتي جنبك؟
هزت شيما رأسها وكأنه سيراها ثم نظرت لعائشة قائلة، عيوش، في حد عايز يكلمك، استفاقت عائشة من سرحانها ثم نظرت لها باستغراب، فتحت شيما المكبر قائلة، أبيه سفيان عائشة معاك عالخط، بس خد بالك أنا فاتحة المكبر، يعني مفيش كلام خارج ماشي، زفر سفيان بغضب ثم قال، يا بنتي هاجي أخرجك إنتِ من الدنيا، متحلي عني بقا، قهقهت شيما باستفزاز وقبل أن يصرخ بها سفيان تحدثت عائشة بهدوء، سفيان، وكأن نبرتها الهادئة كانت كالبلسم على قلبه فسكن غضبه وأجابها بحب، روحه، ودنيته كلها أقسم باللّه، صرخت الشيماء بخجل وأطلقت هايدي صوت صفير عالي من فمها بينما قهقهت عائشة بخجل، سألتيني المرّة إللي فاتت إذا كنا هنتخلص منه، وأنا سكت، سكت علشان غبي وخوفي استحوذ عليا، أنا هخلصك من بصمته يا عائشة، هخلصك منه لدرجة إن لما تفتكري هتقولي يا ترى ده حصل بجد ولا لأ، وهنعيش بسعادة بإذن اللّه، خلي يقينك باللّه كبير واعرفي إن ربنا معانا، انهى سفيان كلامه ثم أغلق المكالمة فتنهدت عائشة ببكاء لتحتضنها شيما، بينما ابتسم هايدي بهدوء، وماريا التي لم تفهم حديثه لكنها استطاعت الشعور بتلك المشاعر الدافئة، تنهدت رهف بصوت عالي فنظروا إليها بتستغراب، أنا حاسة إني عايزة أتجوز، قالت رهف بتنهيدة حالمة فضحك الفتيات عليها وابتسمت عائشة بقلب متفائل للمستقبل،.
سفيان باشا، طلبك هيكون موجود بكرة الساعة 7
قال الرجل في رسالة جعلت من نظرات سفيان تشتعل بالشراسة، ثم تحرك للخارج وتبعه أصدقائه للاستعداد لاستقبال ضيفهم العزيز، ولأن إكرام الضيف واجب فقد استعدوا بكل شيء لاكرامه، سيكون كرمهم ناحيته كبير لدرجة أنه سيتمنى لو لم يُولد…
التعليقات