رواية عاصفة الهوي الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم الشيماء محمد
ملك حاسة إنها عايشة أيام مسروقة من الزمن، فرحانة، سعيدة، لأول مرة تدوق طعم الحب والسعادة. كانت واقفة على البحر والهوا بيلعب بشعرها، ابتسمت ورجعت لجوزها اللي نايم على الشيزلونج. قعدت جنبه بهدوء وفضلت تراقبه، حاولت تمنع نفسها إنها تصحيه بس في النهاية مقدرتش، فلمست وشه بإيدها بحب. مسك إيدها اللي على وشه وباسها: “نمت كتير؟”
نفت بابتسامة: “لا يا حبيبي، بس وحشتني الشوية اللي نمتهم دول.”
شدها لحضنه وهي همست: “هنفضل هنا لإمتى؟”
رد بتردد: “مش عايز أرجع أصلًا، ما اشتغلنا كتير خلينا نعيش بقى عمرنا اللي فاضل هنا، على البحر كده وبراحتنا، ولا حد يقولنا اشتغلوا ولا حد يكلمنا، عايز أفضل هنا.”
اتنهدت بحب: “ياريت يا نادر بجد، مش متخيلة إني ممكن أصحى ما لاقيكش جنبي ولا تبات في الشغل وتسيبني الليل كله لوحدي، ولا تكون الصبح في البيت وأنا أنزل الشركة. مش متخيلة شكل حياتنا ممكن يكون إزاي.”
كان بيلعب في شعرها وهي نايمة على كتفه: “هحاول أخلي شغلي في الوقت اللي إنتِ في شغلك فيه. مش متخيل أصلًا أنزل وأسيبك في البيت ولا تكوني راجعة وأنا نازل.”
غمضت عينيها باسترخاء: “خلينا هنا أطول فترة ممكنة.”
بعد شوية قاموا اتغدوا سوا. نادر نزل المية، أما ملك قعدت ومسكت موبايلها تشوف الدنيا فيها إيه. فتحت الموبايل وبدأت تقلب في السوشيال ميديا، لحد ما اتصدمت باللي منشور عن كريم. فضلت تقلب فيه وحست بصدمة كبيرة. اتصلت بأخوها علشان تعرف منه إيه اللي بيحصل. حاول يهون عليها، بس مع إصرارها قالها مختصر اللي بيحصل.
نادر في المية كان متابعها، ومتعود يشاور لها فترد عليه، لكن لاحظ إنها مهتمة بالموبايل والاتصالات. خرج من المية وراح لها، ناولته فوطة أخدها: “في حاجة؟”
بصتله: “حاجة إيه؟”
شاور على موبايلها: “حاسس إنك مهتمة أوي، في حاجة حصلت؟”
اترددت تتكلم علشان كريم، لكنه لاحظ ترددها، فقعد قصادها: “في إيه يا ملك حصل إيه ؟”
حاولت تتكلم بشكل طبيعي: “مشاكل في الشركة مش أكتر. كلمت نادر بس رفض يقولي تفاصيل.”
استغرب توترها ومسك إيدها بحب: “شفتي إيه ضايقك؟ في إيه حصل؟ وليه مش عايزة تتكلمي معايا؟”
أخدت نفس طويل وقررت تتكلم بصراحة: “إنت عارف الحرب اللي المجموعة وقعت فيها سواء المرشدي أو الصياد، صح؟”
وافق بحركة من راسه، فاستكملت: “النهاردة شوفت أخبار منشورة عن كريم مش ظريفة.”
غصب عنه دبت غيرة في قلبه، ليه مهتمة بأخباره؟ ليه اترددت تقوله؟ هل مراعاة لمشاعره ولا لأسباب تانية؟
سأل باهتمام: “أخبار إيه؟”
أخدت نفس طويل وبدأت تحكيله المكتوب، وهو اتصدم لأنه ما تخيلش إن الموضوع يوصل لكده: “وريني إيه المنشور عنه؟”
ناولته موبايلها، واتفاجأ إن الفيس والانستا كلهم مليانين أخبار عن كريم. حاول يهرب من أفكاره اللي بتأنبه: “طيب هل كريم يعملها؟”
ملك دافعت: “لا طبعًا ، كريم بيعشق مراته وبيته. غير إن ده مش طبعه ولا أخلاقه.”
نادر علق: “فعلًا حسيت إنه إنسان محترم.”
ملك بتفكير: “المشكلة إنها حاطة صورة لتحليل DNA، فده إزاي حصل؟هل غلط مثلًا؟ ولا مزور ؟”
نادر بعملية: “غلط لأ، بس بيتزور. ليه لأ؟ مش فاكرة لما همس كانت في المستشفى وعملولها تحليل حمل وطلع إيجابي؟”
ملك عنيها لمعت: “مش يمكن يكون ده اللي حصل؟ العينة اللي بتتزور مش التحليل.”
نادر بحيرة: “ممكن ليه لأ، في العالم بتاعكم ده كل حاجة ممكنة.”
ملك بحماس: “طيب ما تكلم كريم تقوله.”
نادر باستغراب: “أنا؟ أكلمه أقول له إيه؟ كلمي إنتِ أخوكِ وهو يتصرف.”
ابتسمت لاقتراحه واتصلت بأخوها، وأول ما رد قالها: “ما تخليكِ في شهر العسل.”
ابتسمت: “هخليني في شهر العسل، بس نادر بيقول ممكن التحليل مش مزور، ممكن العينة نفسها اللي اتبدلت.”
نادر أخوها علق: “بس التحليل بيتعمل في المستشفى اللي جوزك شغال فيها.”
ملك بتهكم: “اللي كان فيها شذى؟ نسيت إنهم بدلوا عينة همس؟”
أخوها وعدها إنه هيكلم كريم. بعد ما قفل، اتصل بكريم وبلغه باقتراح ملك، لكن كريم وضح له إن العينة اتاخدت قدام عينه واتأكد إنها راحت للمعمل بنفسه فالموضوع ده مستبعد.
سبيدو بعد ما قفل مع سيف، طلع مباشرة على مكتب آية. خبط على الباب وانتظر يسمع صوتها، وبعدها دخل: “إزيك يا قمر؟”
رفعت وشها بصدمة اتحولت لابتسامة وقامت من مكانها: “سبيدو! حمدالله على السلامة.”
سلمت عليه وأضافت: “سيف لسه مروح من شوية و…”
رد بسرعة: “عارف إنه روح، كلمته قبل ما أطلع أصلًا.”
آية بتوتر: “وقولتله إيه؟ ولا رد عليك بإيه؟ ولا…”
وقف سيل أسئلتها بابتسامة: “إيه، حيلك عليا شوية! كلمته وقلتله إني هنا وطالع أشوفك، هقوله إيه يعني؟”
عينيها وسعت من الذهول: “وهو وافق؟ ببساطة كده؟”
ضحك من منظرها: “يا بنتي مستغربة ليه؟ ما أنا قولتله عايز أكتب، وهو اللي ظروفه ملخبطة، مش أنا! بعدين، البارد أصلًا، قلتله نطلع نتغدى بره رفض، فقلت خلاص نتحمله شوية لحد ما أحط إيدي في إيد أبوكِ. المهم، هتفضلي تستجوبي فيا كتير ولا هتجيبلي قهوة؟”
فكرت لحظات قبل ما ترد: “بصراحة خايفة من رد فعل سيف ومش عارفة هو منتظر مني إيه؟ هل أتصل بيه أقوله إنك هنا؟ رأيك إيه؟ أعمل إيه معاه؟ سبيدو، أنا ما صدقت علاقتي بيه بدأت ترجع لطبيعتها.”
رد بتفهم: “بعد ما أمشي، كلميه وقوليله إني طبيت عليك زي القضا المستعجل و…”
قاطعت كلامه بسرعة: “قضا إيه؟ أنا فرحت بزيارتك دي فوق ما تتخيل، أصلًا إنت…”
قطعت جملتها فجأة، فاقترب خطوة منها: “أنا إيه؟ كملي.”
تراجعت بحرج: “ولا حاجة. المهم، عملتوا إيه في سفريتكم دي؟ استنى الأول، قولي قهوتك إيه؟ يعني أقل حاجة نشرب القهوة مع بعض.”
ضحك ورد: “قهوتي زيادة. بس لو حاسة إن سيف ممكن يضايق، أجلي القهوة لحد ما نخليها رسمي ومحدش ينطق حرف.”
ابتسمت بفرحة، وطلبت قهوة في التليفون: واحدة مظبوطة وواحدة زيادة. بعد ما قفلت، علقت: “المهم طمني، عملتوا إيه في سفريتكم ووصلتوا لإيه؟”
قعد على حرف مكتبها: “أخبار سفريتنا دي تعرفيها من أخوكِ. دلوقتي نتكلم في حاجات أهم: آجي إمتى لأبوكِ؟ ويناسبك إمتى نكتب الكتاب؟ والحجة سلوى هتفضل منشفة دماغها كتير، ولا الوضع تحت السيطرة وهتغنيلي مسيطرة؟”
ضحكت وسندت على مكتبها جنبه: “الحجة سلوى؟ عارف لو سمعتك بتقول عليها كده ممكن… ممكن… أنا مش عارفة مامي ممكن تعمل فيك إيه؟”
ضحك هو كمان: “هتعمل كل خير. أنا هعرف أظبط دماغها، سيبها عليا. المهم أبوكِ وأخوكِ، واعتقد الاتنين مش ممانعين. كمان جدتك السكرة دي حبيتها.”
آية علقت بابتسامة: “هوليا دي سكر، وتتحب فعلًا. ولعلمك، هي تغلب ماما.”
سبيدو بحماس: “قشطة أوي! كده يبقى هنسلطها على أمك تظبطهالنا. المهم برضه، يناسبك إمتى علشان أتكلم مع أبوكِ؟ يوم الاثنين مثلًا الجاي؟”
آية بدأت تعد على صوابعها قبل ما ترد: “لا طبعًا، أولًا مش هلحق أختار فستان و…”
رد بغيظ: “فستان إيه؟ بقولك إيه، أنا المظاهر دي ما تاكلش معايا أصلًا!”
علقت بحدة وهي واقفة قدامه: “لا، ده كله كوم وفستان الخطوبة كوم، وفستان كتب الكتاب كوم، وفساتين الفرح كوم تاني. فانتبه!”
الباب خبط، ودخل العامل بالقهوة. شكرته وكمان سبيدو شكره بعد ما حط القهوة انسحب على طول. سبيدو علق: “فساتين الفرح؟ مش كان فستان؟ بقوا فساتين؟”
أكدت بحماس: “طبعًا فساتين! وكلهم هبعت أجيبهم من باريس. ولو مفيش حاجة عجبتني، هفصل و…”
قاطعتها بغيظ: “إنتِ شكلك عايزة سنة تجهزي للفرح! بتهرجي؟”
ردت بإصرار: “في ثوابت ممنوع النقاش فيها أصلًا.”
تنهد بضيق: “طيب، ما نتكلم في كتب الكتاب. الاتنين، إيه رأيك؟”
آية فكرت لحظات قبل ما ترد: “مش هينفع علشان امتحانات همس. إنت عارف سيف مش هيوافق.”
كشر بتفكير، لكنه كان متفق معاها: “فعلًا سيف مش هيوافق، وأنا نفسي مش هرضاها. طيب اعرفي همس هتخلص إمتى وبلغيني. اتفقنا؟”
وافقت وهزت رأسها، وبعدها شرب باقي قهوته وقام: “يلا، هسيبك دلوقتي، وهكلمك بالليل. قوليلي همس هتخلص امتحاناتها إمتى. يلا باي، يا قمرايتي. أشوفك بعدين.”
سابها وخرج، وهي قعدت مكانها واتنهدت بشوق. عمرها ما تخيلت إنها ممكن تحبه هو بالذات.
سيف دخل أوضته واتفاجئ بهمس قاعدة على الأرض وحواليها ورق كتير جدًا وهي قاعدة في النص. وقف مذهول شوية من كمية الورق المبعثرة، وأول ما شافته رمت القلم من إيدها والورقة اللي كانت ماسكاها، وقامت جري عليه ورمت نفسها في حضنه: “وحشتني.”
ضمها، لكنه كان لسه مذهول من المنظر اللي وراها. لاحظت إنه ما نطقش، فبعدت عنه وبصتله: “سيف حبيبي، مالك؟”
بصلها وبعدين بص للأرض: “إيه ده؟”
بصت بحيرة للأرض: “إيه ده إيه؟ حدد تقصد إيه؟ دي إلكترونكس لو قصدك المادة، بكرهها موت ومش بفهمها، وسبحان مين بينجحني فيها.”
علق أخيرًا: “حبيبتي، مش قصدي مادة إيه. قصدي المنظر ده؟ لا يمكن تفهمي حاجة والدنيا شكلها كده حواليكِ. بعدين هو بفرش الورق حواليا يعني هفهم؟”
ردت بتأكيد: “أيوه، بحس إن المعلومات حواليا من كل جانب، وأي معلومة عايزاها بوصلها بسهولة. أنا فارشة حواليا كل القوانين اللي ممكن أحتاجها، فلما أقف عيني بتلمح القانون وهكذا، مش بفضل أدور كتير.”
هز راسه بذهول: “إنتِ بجد بتطلعي الأولى؟ أنا ليه بدأت أشك في الموضوع ده؟”
كشرت وبعدت عنه: “أما إنك فصيل بجد! شوف طيب إنت رايح فين وسيبني في حالي.”
اتحركت تبعد، بس مسك دراعها ومنعها: “روحي، استني. مش قصدي أضايقك بجد، بس المنظر صعب وصدمني. طالما بتعرفي تفهمي كده براحتك. أنا هدخل آخد شاور يمكن أفوق شوية وأعرف أقعد معاكِ.”
وقفته: “لو محتاج تنام ساعتين أو ترتاح براحتك، عادي. أنا هعرف أمشي أموري، حبيبي.”
نفخ بضيق لكنه ابتسم: “هآخد شاور وبعدها أحدد هقدر أعمل إيه.”
راقبته وهو بيختفي من قدامها، وحست إنه مهموم فوق العادي. من ساعة ما رجع وفي حاجة شغلاه، ومش قادرة تحط إيدها عليها. قعدت مكانها وفكرت تلم الورق علشانه، لكنها تراجعت. هي بتحب تذاكر بالطريقة دي، وهو أكيد مش هيعترض لو دي طريقتها.
سيف دخل تحت الشاور، وغصبًا عنه افتكر كل كلامه مع خليل. حس بنار بتتصاعد جواه وتزيد، فغمض عينيه يحاول يطرد أفكاره لكنه مش قادر. قفل المية وقرر يقعد مع همس يذاكر معاها. حس إن دي أفضل طريقة يستغل بيها وقته ويمنع نفسه من التفكير في كلام خليل.
خرج من الحمام وفتح الدريسنج يطلع هدومه. لسه هيلبس، لكن شيء لا إرادي خلاه يفتح درج التسريحة اللي ساب فيه الفلوس لهمس. زي ما توقع، الفلوس كلها زي ما هي. قفل الدرج وهو بيفكر يفتح الحوار ده دلوقتي ويتخانق معاها ولا يصبر لحد ما تخلص الامتحانات؟ كان متنرفز ومتعصب من كل حاجة حواليه، ولو اتكلم وهجومها جه زي طبيعتها، هينفجر فيها ويفضي كل اللي جواه. قرر يسكت دلوقتي.
اتحرك من مكانه وبدأ يلبس هدومه، ولاحظ إن همس عينها عليه، فابتسم ولمّا فضلت متبعاه علق: “افضلي بوصيلي كده، بعدها تصوتي وتقولي مش في دماغك غير الموضوع ده.”
ضحكت وردت: “أنا حاليًا مش في دماغي غيرك إنت.”
قامت من مكانها وراحت لعنده، وهو علق وهو بيلبس: “الباور إلكترونكس تناديكِ يا روحي.”
كشرت متغاظة: “ليه بتكسر فرحتي؟”
بصلها ببلاهة وردد: “أكسر فرحتك؟ فرحة إيه اللي كسرتها لا مؤاخذة؟”
ردت وهي بتبعد: “فرحانة بجوزي اللي لسه راجع من السفر وجاية لحضنه، تقوم تكسرني كده؟ أخص عليك.”
لوهلة مكنش عارف يضحك ولا يزعل ولا يهزر ولا يعمل فيها إيه. همس عندها مقدرة تخلي دماغه تعمل (error).
مسك دراعها ووقفها، وهو وراها ضمها وأخدها كلها في حضنه: “حبيبة قلبي، حضني مفتوح، بس إنتِ تركيزك حاليًا في المذاكرة، فكملي الأول مذاكرتك، وأنا معاكِ مش هطير يعني، أنا جنبك أهو.”
همست: “بس إنت بتطير فعلًا وتسيبني، وواحشني، أعمل إيه؟”
لفت وواجهته، وحطت إيديها حوالين رقبته: “من ساعة ما دخلت، وكل اللي بفكر فيه هو حضنك وبس.”
أخدها في حضنه وهمسلها: “وحشتيني انتِ كمان، وحشتني كل حاجة فيكِ وكل ما فيكِ، بس…”
حطت إيدها على شفايفه وهمست بصوت مبحوح: “خليني في حضنك شوية، بعدها هرجع لمذاكرتي. من ساعة ما خرجت ما أخدتش راحة علشان عارفة لما تيجي هتبقى واحشني، فقولت أستغل كل لحظة إنت فيها بره.”
حط إيده على خدها بحب وهو بيحركها على وشها: “لو كل ما هدخل تركيزك هيتشتت، فهبعد لحد ما تخلصي امتحانات. مش هينفع أكون مصدر تشتتك يا همس.”
شددت إيديها حواليه: “إنت لسه راجع من سفر، فواحشني، مش ده الطبيعي ولا إيه؟”
شالها بحب: “يبقى نبطل رغي وتضييع وقت.”
ابتسمت واتعلقت في رقبته، ونزلها على السرير، لكنها فضلت ماسكة في رقبته وشدته عليها.
أمل كانت باصة للصورة بتحاول تدرسها، دموعها نازلة ومشوشرة رؤيتها. موبيلها رن، المرة دي كان مؤمن، فمسحت دموعها وأخدت نفس طويل قبل ما ترد بصوت طبيعي. مؤمن لاحظ إن صوتها مهزوز شوية، سلم عليها وسأل عن العيال، بعدها استفسر: “كريم كلمك؟”
استغربت: “لا مكلمنيش بعد ما خرج، خير في حاجة؟”
مؤمن بتردد: “إنتِ شوفتي…”
معرفش يكمل، بس هي فهمته: “قصدك اللي ناريمان نشرته في السوشيال ميديا؟ آه شوفته، ليه؟”
مؤمن بتوتر: “عشان عمي حسن اتجنن أول ما شافه وطرد كريم من الشركة.”
أمل قامت من السرير بسرعة: “إيه؟ طرده؟”
مؤمن كمل: “ومش بس الشركة، قاله كمان ما يرجعش البيت. علشان كده سألتك لو كلمك أو حاجة.”
أمل صوتها مليان قلق: “طيب، إنت مكلمتوش وعرفت مكانه؟ ولا عرفت راح فين؟”
مؤمن وضح: “مردش عليا، بس كلمت سيف وطلبت منه يكلمه. مش عارف رد عليه ولا لأ.!؟
سيطر الصمت شوية، بعدها مؤمن علق: “أمل! كريم مستحيل يخون نفسه قبل ما يخونك، ما يعملهاش. لو ألف تحليل قالوا إبنه، برضه هفضل مصدق إنه ما يعملهاش.”
جزء منها كان مصدق كلام مؤمن، لكن جزء تاني كان مليان شك: “طيب، التحليل إزاي بيقول إبنه؟ إيه تحليلك يا مؤمن؟”
رد بحيرة: “معرفش، معنديش إجابة. بس هو قال معملهاش، وكلامه بالنسبالي مصدق، لا يحتمل حتى مجرد الشك. أمل، كريم ما يكدبش أبدًا، فما بالك بخيانة؟ إحنا بنتكلم في أكبر الكبائر، ده ما بيسلمش على واحدة مش من محارمه، هيرتكب معصية زي دي؟”
أمل تنهدت: “إنت بتقولي الكلام ده ليه يا مؤمن؟ متخيل إني مش عارفاه؟ مش عارفة كريم وأخلاقه؟”
مؤمن دافع بحماس: “عارف إنك عارفة، بس المصيبة اللي إنتو فيها كبيرة. يمكن تكوني محتاجة حد معاكِ بيحب كريم زيك وأكتر يقولك إنه ما يعملهاش. يقولك إنه بيحبك إنتِ وبس. لا، مش بس بيحبك، كريم بيعشقك. كريم قال لي، لو أنا مكانك وأمل مكان نور، هنفذ رغبتها وهديها فرصة، لأني مش متخيل أعيش حياة هي مش فيها. كريم بيحبك بشكل معرفتش أحبه لنور، ويمكن علشان كده إحنا الاتنين سيبنا مركبنا تغرق. لكن إنتو… إنتو أيقونة للعشق، أوعي تسمحي لحد يدمر أو يهز حبكم ده. كريم وقت العاصفة كان في غيبوبة، ويفتح عينه لحظة يقول إسمك إنتِ وبس. لما وقعتي قبل فرحكم وكنتِ منهارة، كان منهار أكتر منك. كان عايز أي طريقة يدخل جواكِ ويقولك إنه معاكِ وموجود. كانت أول مرة أشوف دموعه لما كنتِ بتفوقي وتصرخي. كان مستعد يهد الكون كله علشانك. عشق زي ده لا يمكن يخونه بشيء رخيص مع واحدة رخيصة زي ناريمان. لا يمكن تلفت حتى انتباهه. لكن عملتها إزاي؟ مسيرنا هنعرف.”
أمل غمضت عنيها، بتفكر في كلام مؤمن، وتفتكر كل لحظة حلوة عاشتها مع كريم. علقت بعد ما هو سكت: “متشكرة يا مؤمن على محاولتك. ويارب يزيح الغمة دي بسرعة. هكلم كريم أشوفه فين.”
قفلت معاه، وفضلت مكانها باصة لصورة كريم وهي في حضنه على الكومود جنبها. عنيه حست إنها بتقولها: “إنتِ وبس.” هي في حضنه بتضحك من قلبها، وإبنها بينهم. صورة كل ما فيها بينطق حب. نظراتهم بتحكي ألف حكاية.
مرة واحدة قامت، جابت اللاب، وفتحت صور ناريمان تاني. بدأت تقارن بين صورها هي وكريم وصور ناريمان، واكتشفت حاجة مهمة جدًا، مش عارفة إزاي كانت فايتها .
سيف كان واخد همس في حضنه وباصص للسقف، في حالة شرود تام. همس عدّلت جلستها ومسكت وشه علشان يبصلها، فابتسم: “إيه يا روحي، معاكِ؟ هتروحي تذاكري؟ يلا.”
حاول يقوم، لكنها ثبتته: “برضه مش هتقولي إيه اللي قالب حالك كده؟ وشاغل عقلك وتفكيرك وكيانك كله؟”
تنهد بوجع هي حسته: “عايزاني أقولك إيه يا همس؟”
قعد بتعب، وهي قعدت جنبه: “قولي فيك إيه يا سيف؟ ليه مهموم كده؟إنت معايا، بس عقلك وتفكيرك أبعد ما يكونوا عني، حبيبي.”
الاتنين فضلوا ساكتين، وهي حاطة إيديها حواليه بتحضنه، لحد ما هو قطع الصمت: “عايز أعرف سر عداء أمي وجدتي، إيه؟”
استغربت كلامه وقعدت قدامه: “ده اللي شاغلك؟”
رد بهدوء: “في حاجة كبيرة حصلت بينهم زمان، ولازم أعرفها.”
هزت رأسها بحيرة: “وليه شاغل نفسك بموضوع عدى من أكتر من عشرين سنة؟ ليه دلوقتي يا سيف؟”
اتجاهل سؤالها وسألها فجأة: “هتعملي إيه لو اكتشفتي مثلًا إني مش من عيلة الصياد؟”
بصتله بصدمة، فاستطرد: “لو ما طلعتش إبن عز الصياد، وقلتلك إني هسيب الشركة والفيلا وممكن نسيب مصر كلها، مستعدة تسيبي الكون كله وتهاجري معايا يا همس؟ ولا ساعتها هتقوليلي حياتي ومستقبلي هنا وذاكرت علشان أتعيّن معيدة هنا و…”
حطت إيديها على شفايفه تمنعه يكمل: “حياتي في المكان اللي إنت فيه. شاور على المكان اللي عايز تعيش فيه، وأنا معاك. اسم الصياد ما يفرقش معايا، أنا بحب سيف وبس. واتجوزت سيف، مش عيلته ولا اسمه. فإزاي بتسألني سؤال زي ده؟”
ابتسم بارتياح: “طيب بما إنك ريحتيني وطمنتيني، قومي بقى ذاكري شوية.”
استغربت: “إنت برضه مش هتقولي مالك؟”
ابتسم، ووقف شدها من إيدها: “قومي، هنذاكر الإلكترونكس، كفاية تضيع وقت. يلا نقعد وسط الورق ده، يمكن المعلومات اللي حوالينا تطير لجوه عقولنا.”
استجابت له، وحست إنه بيحاول ينسى أفكاره من خلال مساعدتها. قعد معاها يذاكر المادة اللي مضايقاها، وحست إنه أفضل من دكتور المادة نفسه. قعدوا يتناقشوا، تعارضه وترفض كلامه، لحد ما رمى القلم: “بت، إنتِ تعبتيني. هو لازم نشكك في كل كلمة والسلام ولا إيه؟ مش عاجبك، أسيبك وأقوم، بلاها صداع.”
ضحكت وفكرته: “مش سبق وقلتلك مادتك مش بنطق حرف فيها، لكن…”
قاطعها وكمل: “لكن مادة غيري تطلعي عين اللي جابوني؟ تعبتيني بجد. ماهو مش هتكلم في حاجة مش فاهمها، مش لازم أثبتلك كل حرف جه منين وإزاي. ارحميني شوية، ها؟ يلا، نكمل ولا تعبتي نوقف؟”
قبل ما تجاوبه، موبيله رن، فقام يشوف مين. كان مؤمن. كلمه، وبعد ما قفل، سألت: “في حاجة؟”
رد عليها: “إنتِ مفتحتيش فيس ولا انستا؟”
هزت رأسها نافية، فعلق: “تمام، يبقى ما تشغليش بالك وكملي مذاكرتك.”
قامت بفضول تجيب موبيلها، تشوف في إيه، لكن تذكرت فجأة: “صح، شوفت مروان؟ عرفت ليه فسخ خطوبته؟”
اتضايق لما افتكر الحوار مع مروان، وقعد على السرير بيفكر فيه. هي قربت، وقعدت على الأرض قدامه: “قالك إيه؟”
بصلها، حاول يبتسم بس معرفش: “مقالش، اتخانقنا، وشبه طردته من الشركة.”
فضلت تبصله شوية مش مصدقة، لحد ما علقت: “طردته؟ بتهزر، صح؟ يعني بدل ما تكحلها عميتها؟ إيه يا سيف ده؟ بعدين تطرده إزاي؟ ده مروان!”
هرب من نظراتها: “يعني إيه مروان يعني؟ ها؟”
واجهته بنظرات قوية: “يعني مروان، اللي كان مستعد يضحي بحياته في الشركة، واتضرب بالنار، اللي أكتر واحد واقف جنبك من يوم ما عرفتك لحد النهاردة. اللي عمره ما تخلى عنك ولا عن شركتك ولا عن عيلتك حتى وإنت مسافر. أعتقد يا سيف، إنت مش محتاج تسمع مني عن مروان، صح؟”
علق بتعب: “إنتِ عايزاني أعمل إيه؟ أقوله برافو عليك وأصفقله إنه فسخ خطوبته بدون سبب؟”
ردت بغيظ: “أكيد لا، طبعًا، بس برضه ما تتخلاش عنه. ماهو كان قادر لما يعرف إنك خاطب واحدة وبتحب واحدة إنه يحكم عليك ساعتها ويبعد عنك، ولا إيه رأيك؟ بطل تسرع وتهور، واسمع منه إيه اللي حصل. بطل رد فعلك السريع الغبي ده، لو سمحت.”
فهم تلميحها، ومعلقش. قام وسابها ودخل الحمام، وهي قررت تسيبه براحته.
مؤمن اتصل بأمل مرة تانية وبلغها إن كريم موجود في شقة سيف. طلبت منه يبعت لها اللوكيشن، فقالها إنه هيبعته واتساب. حاول يتصل بسيف مرة تانية لكنه مردش أول مرة، وفضل متردد يعمل إيه؟ هل يتصل بيه تاني؟ ولا يروح بنفسه الشقة ويبعت لأمل اللوكيشن من هناك؟ أو يعرض عليها إنه يوصلها بنفسه؟
همس كانت قاعدة بتلم الورق وترتبه لما شافت موبايل سيف بينور، قامت بصت عليه ولقته اسم مؤمن. راحت دخلت عليه وهي شايلة الموبايل، بس المكالمة فصلت قبل ما توصل. سألها: “عايزة حاجة؟” رفعت الموبايل وقالت: “مؤمن رن عليك.”
سيف لبس البرنس بتاعه وأخد الموبايل منها، كلم مؤمن اللي اعتذر في الأول، وبعدين طلب منه اللوكيشن. سيف بعتهوله على الواتساب، ومؤمن بدوره بعته لأمل.
سيف بدأ يلبس هدومه وهمس كانت متابعاه، فسألته: “رايح فين؟”
تنهد ورد: “هروح أشوف المتخلف ده، أشوف ليه أخد القرار ده وأحاول أفهم هو ماله وإيه مشكلته.”
ابتسمت وحضنته: “ربنا ما يحرمني منك، أيوة روحله، وبالله عليك ما تتعصب عليه، ده غلبان والبت هالة غلبانة.”
سابها وخرج، لكنه قابل عز عند الباب، اللي وقفه : “قولت ترتاح ونتكلم، تعال نتكلم.”
سيف كان مش مستعد لمواجهة والده دلوقتي، فاعتذر: “سوري يا بابا، بس ورايا مشوار مهم الأول، ولما أرجع لو صاحين نتكلم، بعد إذنك.”
عز سابه وخرج، وسيف راح على بيت مروان مباشرة.
لما وصل، استقبلته والدته وداد ورحبت بيه، فاستغرب من الترحيب وخمن إن مروان مقلهاش عن خلافهم، وده خلاه يحس إنه صغر في نظر نفسه أكتر. سألها: “هو فين؟”
ردت بحزن: “في أوضته من ساعة ما رجع من بره، مش راضي يتكلم ولا يقول إيه اللي حصل.”
يدوب هتتحرك تناديه، وقفها: “طيب، إنتِ تعرفي ليه ساب هالة؟ إيه اللي حصل بينهم؟”
ردت بحزن: “والله ما أعرف ياإبني، كل اللي قاله إنهم اختلفوا، ولا راضي يفهمني هو فيه إيه ولا ماله.”
ابتسم يطمنها: “ما تقلقيش، هتكلم معاه ونفهم دماغه فيها إيه. المهم إنتو أخباركم إيه؟ ومنار عاملة إيه؟”
وداد ردت بحزن: “هتعمل إيه؟ أهي عايشة، الحمد لله على كل حال. ربنا يخليلها لارا وكارما، واخدين كل وقتها، واخدين وقت كل البيت.”
ابتسم: “ربنا يحفظهم يارب.”
استأذنت منه تدخل تنادي مروان وتبلغه بوجوده.
كريم كان في شقة سيف لما جرس الباب ضرب، فكر يتجاهله لكن مع إصرار اللي على الباب قام يفتح. اتفاجأ أو بالأصح اتصدم لما شاف أمل قدامه. وقفوا قصاد بعض شوية وهي سألت: “هتخليني واقفة كده كتير؟”
فتح الباب أكتر بابتسامة: “اتفضلي طبعًا.”
دخلت، بصت حواليها على الشقة، وحست إنها فعلًا شقة عرسان لأن كل حاجة فيها باين إنها جديدة. ابتسمت بحزن، وبعدها بصت لكريم اللي شاورلها تقعد: “اتفضلي اقعدي.”
أمل قعدت، وكريم قعد قصادها. قبل ما يتكلم، هي سألته: “محتاجة أعرف حاجة وعايزاك تجاوبني من غير لف أو دوران.”
استغرب وعلق: “ومن إمتى بلف وأدور حواليكِ؟ اتفضلي اسألي.”
أخدت نفس طويل وسألته: “سفرية باريس، محتاجة أعرف كل حاجة عملتها من ساعة ما مشيت من جنبي لحد ما رجعتلي تاني.”
استغرب وسألها: “ليه سفرية باريس دي بالذات؟”
كشرت بضيق وردت: “ينفع تجاوبني لو سمحت؟ سافرتوا وطلعتوا على شركة مستر أندرسون الصبح، وخلصتوا الاجتماع، بعدها مشيتوا، صح؟”
وافق بحركة من دماغه، فكملت: “وبعدها اختفيت النهار كله وموبايلك كان مقفول، والليل كله مردتش. ينفع تقولي اختفيت ليه؟”
تنهد باستسلام: “النهار كنت بشتري الحاجات اللي رجعت بيها وقتها، الهدايا ليكِ ولإياد وإيان وكل اللي جبته وقتها.”
أمل بتذكر: “تمام، وبعد ما روحت الفندق ليه مكلمتنيش؟ أكيد شحنت موبايلك؟”
رد ببساطة: “تعبت بعدها.”
استغربت ورددت بذهول: “تعبت؟ يعني إيه تعبت؟ تعبت إزاي؟”
استغرب استنكارها: “تعبت يا أمل، جنبي وجعني وتعبت، ملهاش معاني تانية.”
حكالها كل تفاصيل الليلة في المستشفى مع سيف والصبح اللي بعدها، وعلشان كده مردش عليها.
سمعته بهدوء لحد ما خلص، وبعدها علقت بتردد: “يعني لو سألت سيف هيقولي إنكم قضيتوا الليلة دي في المستشفى؟”
بصلها بصدمة: “إنتِ مش مصدقاني؟ محتاجة تسألي أصحابي؟”
هربت من نظراته: “أنا مش فاهمة أي حاجة ولا عارفة أصدق إيه وأكدب إيه. عمري ما شكيت فيك، وعمري ما كذبتك، لكن اللي بيحصل أكبر مني، فاعذرني إني محتاجة أتأكد. سامحني بجد يا كريم، مش بشك فيك، بس يمكن يكون حصل حاجة وإنت في المستشفى مثلًا، مش ممكن؟”
كريم كان هيرد، لكنه تراجع. لسه من شوية بيقول لسيف إنه محتاجها تثور وتغضب بدل صمتها، ودلوقتي زعلان من استفساراتها اللي هي أبسط حقوقها
سألها بهدوء: “طيب ليه السفرية دي بالذات؟ أنا بسافر باستمرار، ودي مش أول سفرية. اشمعنى دي؟”
أمل بحماس: “لو حسبت شهور حمل ناريمان، هتعرف إن الحمل حصل تقريبًا في السفرية دي. غير إنها كلمتني وقالت…” قطعت كلامها بتهكم: “…قال إيه، عايزة تريح ضميرها إن علاقتكم انتهت من فترة، بس اتجدد حبكم في فرنسا.”
فكر شوية وحس إن كلامها منطقي. مسك موبايله، فسألته بترقب: “بتكلم مين؟”
رفع عينه ليها وقال: “هخليكِ تتأكدي لحظة.”
حاولت تمنعه، لكنه رد: “أيوه يا سيف، أخبارك إيه؟
سيف كان لسه داخل أوضة مروان، اللي هيبدأ يتكلم لكنه قاطعه بموبايله اللي رن. سيف رد على كريم وقال لمروان: “لحظة واحدة.”
مروان شاورله على البلكونة: “اتفضل، مش غريب عليك البيت ولا البلكونة.”
سيف طلع البلكونة يرد على مكالمة كريم وقال: “أيوه يا كريم، معاك، اتفضل. محتاج حاجة عندك؟”
كريم رد بسرعة: “لا لا، تسلم يا غالي. بس كام سؤال سريع. فاكر سفريتنا فرنسا ساعة التحدي مع إيليجا؟”
سيف استغرب: “طبعًا فاكرها. خير؟ مالها؟ ولا إيه اللي فكرك بيها؟”
كريم كان فاتح السبيكر عشان أمل تسمع، وسأله: “فاكر تعبي يومها؟”
سيف أجابه: “وهو ده يتنسي؟ إنت وقعت قلبي لما قلتلي إنك عايش بكلية واحدة وممكن تكون تعبت. بعدها طبيت مني وكنت هموت من القلق لحد ما الإسعاف وصلت. بس كل ده ليه؟ فهمني.”
كريم بترجي: “معلش يا سيف، استحملني. بس في المستشفى إيه اللي حصل بالظبط؟”
سيف بحيرة: “يعني إيه إيه حصل؟ فهمني بتتكلم في إيه علشان أعرف أجاوبك يا كريم.”
كريم باختصار: “ناريمان قالت لأمل إن فرنسا جددنا حبنا فيها، فقولت أسألك، في حاجة حصلت ساعتها وأنا مش واخد بالي؟ يعني افتكر معايا تفاصيل اليوم ده من بعد الاجتماع لحد ما رجعنا مصر.”
سيف فكر لحظات: “بعد الاجتماع كل واحد فينا راح اشترى هداياه لحبايبه واتقابلنا آخر النهار وقت تعبك. بعدها طلعنا على المستشفى وقضينا فيها الليلة كاملة، والصبح خرجنا وسافرنا. مفيش تفاصيل أصلًا يا كريم نفتكرها.
أمل شاورت لكريم اللي قفل الصوت وسألته: “عايزة تقولي إيه؟”
أمل سألته: “في المستشفى هو فضل معاك طول الوقت؟”
كريم بغيظ: “يعني إيه سؤالك؟ ولا…”
قاطعت كلامه: “اسأله، وإنت مش في وعيك، هو كان موجود؟ مش قلت أغمى عليك ونقلك المستشفى؟ هل طول الوقت كان معاك ولا سابك ليهم ولحقك على المستشفى؟
كريم حس إنه تسرع في رده بس لقى إن أسئلتها منطقية. فتح الصوت وسأل: “سوري يا سيف، لما طلبتلي الإسعاف، روحت معايا ولا لحقتني على المستشفى؟”
سيف: “روحت معاك طبعًا في الإسعاف.”
كريم بص لأمل، وهي همست: “وطول الليل؟”
كريم سأل سيف، فجاوب: “طول الليل كنت معاك في الأوضة. بس أخدوك تعمل تحاليل وأشعة ورجعوك. وفضلت معاك. يدوب طلعت برا الأوضة شوية كلمت همس وبعدها رجعت تاني ونمت جنبك.”
كريم بحرج: “بعد ما نمت، حد أخدني ولا نومك خفيف ولا إيه؟ سوري لو أسئلتي مستفزة يا سيف.”
سيف بسرعة: “لا أبدًا، ولا مستفزة ولا حاجة. أنا نومي خفيف جدًا، فلو ده حصل كنت هحس بيك. لما الممرضة كانت بتدخل كنت بحس بيها. فإنت تقريبًا كنت قدام عيني طول الوقت إلا لما أخدوك الأشعة. إنت بتفكر إنهم أخدوك وإنت متخدر؟ بس سوري يا كريم، حتى لو ده حصل، آه ممكن يصوروك، لكن هياخدوا عينة منك إزاي؟ أو تعمل علاقة مع واحدة إزاي وإنت نايم؟ لازم تكون واعي، وده مش هيحصل وإنت واعي. فاعتقد يا كريم أنا أرجح إنها لعبت في التحليل نفسه. ولا إيه؟ مش عارف صراحة.”
كريم أنهى المكالمة وبص لأمل: “سمعتيه بنفسك.”
أمل قعدت بإرهاق: “مش عارفة لو إنت منتظر مني أعمل أي حاجة، فأنا مش عارفة.”
كريم قعد جنبها: “كل اللي يهمني إنك تكوني مصدقة إني لا يمكن أخونك، ولا يمكن أكون مع واحدة تانية غيرك. غير كده ما يفرقش معايا. لا الشركة، ولا الشغل، ولا الدنيا كلها تفرق معايا. إنتِ وبس يا أمل اللي تفرقي.”
أمل لفت بصت لعينيه وشافت للمرة المليون صدق كلامه في عينيه. قامت من مكانها وقعدت تحت رجليه على الأرض: “إنت حبيبي وجوزي وسندي ودنيتي كلها. وكلمة واحدة منك كفاية. وزي ما إنت قولت، مفيش حاجة تفرق معايا غيرك إنت وبس يا كريم. ولا الشركة، ولا الشغل، ولا الدنيا كلها تفرق. انت وبس يا كريم اللي تفرق.”
شدها أخدها في حضنه، وهي ضمته أوي لحضنها.
همسلها: “بحبك. بحبك وهفضل لآخر يوم في عمري أقولك بحبك يا أمل.”
غمضت عنيها وهي في حضنه وابتسمت: “وأنا كمان بحبك يا كريم، بحبك يا روح قلب أمل.”
بعدت عنه لكنه شدها قعدها جنبه في حضنه: “هنعمل إيه؟”
أمل طلعت موبيلها وفتحت آخر رسالة، لكن كريم حط إيده على الموبيل: “بلاش نتكلم عنها.”
زقت إيده: “لا يا حبيبي، مش هندفن راسنا في الرمل. شوف الصورة دي.”
أول ما شافها، بصلها بوجع واتنهد: “عايزاني أقولك إيه؟ معرفش صورتها إزاي.”
أمل أخذت موبيله وفتحته وطلعت صورة لهم تشبه وضع صورة ناريمان وحطت الاتنين قدامه: “إيه الفرق بينهم يا كريم؟”
بصلهم الاتنين وبعدين بصلها: “مش فاهم سؤالك. إنتِ حبيبتي، هي عايز أولع فيها.”
ابتسمت لكنها علقت بجدية: “لا، برضه مش ده قصدي.”
فتحت كذا صورة لناريمان وفتحت صورها هي وكريم: “بص يا كريم لنظرتك ليا ونظرتي ليك. الصور دي فيها حب واضح للأعمى، نظراتك ليا، إيديك اللي حواليا، ابتسامتك… فيها حياة.”
فتحت صور ناريمان: “لكن دول… هي بتتحرك وإنت مالكش أي رد فعل. حتى الصورة اللي مفتح فيها وشك خالي من أي تعبيرات.”
سألها باهتمام: “قصدك إيه؟”
وضحت: “إنت فاهم قصدي كويس. الصور دي أو نظرة عينك دي معمولة بالـ AI ده ذكاء صناعي. الصور أه مش ملعوب فيها إلا الصورة دي، عينك فيها معمولة بالذكاء الصناعي. لكن باقي الصور؟ أه، أنت فيها وأه الصور طبيعية، لكن إنت كنت متخدر أو مغمى عليك أو مش في وعيك أساسًا.”
كريم فضل يقارن بين الصور وبعدها بص لها: “النقطة دي عندك حق فيها. صورنا فيها حياة وفيها حب، لكن صور ناريمان ميتة. بس لسه عند نفس السؤال: هنعمل إيه؟ خطوتنا الجاية إيه؟”
أمل بصت له وبدأت تشرح له كل اللي فكرت فيه، وحطوا مع بعض الخطوط العريضة لخطوتهم الجاية.
سيف خلص مكالمته وطلع لمروان اللي كان قاعد مستنيه، وبعد ما دخل وقف وسأله: “كل دي مكالمة؟”
سيف قعد قصاده ورد بمغزى: “بعيد عنك في ناس عندها مشاكل حقيقية، مش وهمية.”
مروان بغيظ: “وسيادتك بقى اللي حددت إن مشاكل غيرك وهمية؟”
سيف بغيظ مماثل: “إيه مشاكلك؟ ها؟ جوز أختك مات؟ الله يرحمه، بس فين مشكلتك؟ مش قادر أفهم إيه علاقة ظروف أختك بانفصالك عن هالة؟”
مروان بتهكم: “يعني إيه علاقتها؟ مش أختي؟ راجعة بعيالها؟ هتعيش معانا، والعيال دول أبوهم مات، تقدر تقولي مين مسؤول عنهم؟”
سيف رافض يفهم المعنى اللي وصله: “يعني إيه مين مسؤول عنهم؟ إنت ووالدتك هتساعدوا أختك على قد ما تقدروا، بس ده ما يمنعش يكون عندك حياة خاصة.”
مروان قام، بص من البلكونة وقال بزهق: “إنت مش هتفهم.”
سيف قام وقف جنبه بهدوء: “طيب فهمني، من إمتى كنت الغبي المقفل اللي ما بفهمش؟”
مروان برر بسرعة: “ما قلتش إنك غبي مقفل.”
سيف استنكر: “مش بتقول مش هفهم؟ ليه مش هفهم؟”
مروان جاوب بهدوء: “علشان إنت بتشوف الأمور من منظور تاني، وممكن ما تفهمش ظروفي علشان ظروفنا المادية مختلفة، فإنت مش هتفهم مشكلتي.”
سيف بصله لوهلة بذهول وبعدها رد باستنكار: “إنت عايز تفهمني إن مشكلتك مادية؟ ده بجد؟ مسؤوليتك عن ولاد أختك هتعملك مشكلة مادية، فروحت زي المتخلف بدل ما تشوف حل وتتكلم، تدمر حبيبتك وتدمر نفسك معاها؟ صح؟ ده الحل العبقري اللي وصلتله؟”
مروان اتنهد بقلة حيلة: “ما عنديش حلول، ومش حابب أظلم هالة معايا. إيه اللي يجبرها تعيش في بيت زي ده؟ ولا تتحمل أختي بعيالها؟”
سيف باستنكار: “إيه اللي يجبرها؟ يجبرها حبك، يجبرها رغبتها إنها تفضل مع حبيبها. وبعدين ليه إجبار؟ ليه ما تسميهوش بمسماه الأصلي؟ حب مش إجبار. اللي بيحب حد مستعد يعيش معاه على الأرض ويأكل لقمة عيش يحمد ربنا عليها. إنت من إمتى تفكيرك مادي؟”
مروان بضياع: “تفكيري مش مادي، بس زي ما قلت، طبقتك مختلفة، فمش هتفهم.”
سيف ضرب كف بكف بنزق: “شوف تاني هيقول طبقتي! مروان، أنا عشت خمس سنين برا مصر، ما أخدتش من أبويا وفلوسه مليم واحد، وحبيت أعتمد على نفسي، واشتغلت بجانب دراستي، وإنت عارف الكلام ده كويس.”
مروان بتوضيح: “اشتغلت تصرف على نفسك، مش على أسرة كاملة في رقبتك. غير كده كنت عارف إنك مسنود لو وقعت.”
سيف اتنهد بغيظ وردد: “عارف إني مسنود؟ وإنت؟ مش مسنود؟ مش شغال في شركة من أكبر شركات الشرق الأوسط؟ مرتبك فيها مش كفاية؟ لو طلبت…”
قاطعه مروان بحزم: “مش عايز أطلب مساعدة منك، وعلشان كده ما عرفتكش أي حاجة من زمان. بس نزول منار غير كل الخطط. أنا بقالي سنة كاملة ببعت فلوس لمنار علشان مرض جوزها، وتقريبًا صرفت معظم فلوسي.”
سيف ببديهية: “هي مش منار جوزها كان شغال؟ يعني أكيد نازلة بفلوس، ده غير إن ليها تعويض نهاية خدمة وتأمين وحاجات كتيرة لواحدة في ظروفها.”
وضح بحرج: “جوزها تعب بقاله أكتر من سنة وشبه صرف كل اللي وراه واللي قدامه في المستشفيات. ومنار راجعة يادوب معاها حاجات بسيطة. ده غير إني طول السنة اللي فاتت كنت على تواصل بيها وببعتلها كل شوية فلوس. لما خطبت هالة قلتلها مش هقدر أبعت أكتر من كده ومحتاج أفوق لنفسي ومستقبلي. ولا يمكن تتخيل أنا حاليًا كاره نفسي إزاي لأني قلتلها الكلام ده! يمكن لو ما كنتش اتخليت عنها وكنت أناني كان ممكن جوزها يفضل عايش. نصيبي كده أعيش لأهلي، هالة كانت حلم حلو وصحيت منه. بتمنى بس هي تقدر تسامحني وتكمل.”
سيف قاطعه باستنكار: “تكمل حياتها من غيرك؟ ده اللي إنت متخيله؟ دي حلولك لمشاكلك؟”
بصله بتأكيد: “أيوة، ده اللي في إيدي أعمله.”
سيف برفض قاطع: “لا طبعًا، دي مش حلول. دي تضحية فارغة مالهاش تلاتين لازمة، يا إما إحساس جواك إنك عايز تعيش دور الضحية، اللي هو شمعة تحترق من أجل إسعاد الآخرين.”
مروان بصله بغيظ: “دور الضحية؟ ده بجد؟ إنت رخم وبايخ وما بتحسش بغيرك. إنت جاي ليه يا سيف؟ ما تروح تشوف وراك إيه؟”
سيف بغيظ: “جاي لواحد عنده تخلف عقلي.”
قبل ما يرد الباب خبط ودخلت وداد شايلة صينية، حطتها قدامهم بابتسامة: “أنا قلت تتعشوا مع بعض، الواد حابس نفسه من الصبح في أوضته، يمكن إنت تخليه يتعشى. ده ما اتغداش حتى.”
سيف بص للصينية اللي عليها محشي بأنواعه، مد إيده وأخد صباع ورق عنب وهو بيقول بمرح: “حتى لو هو ما اتعشاش، أنا هتعشى. أيوة هتعلق لما أروح لما تعرف إني بعتها، بس المحشي ما يتقالهوش لا.”
وداد ربتت على كتفه بحنان: “بالهنا يا حبيبي، وهمس هبعتلها عشاها. المهم، يلا اتعشوا.”
سيف بص لمروان: “يلا يا بطل، اتعشى، ونكمل الغباء بتاعك بعد الأكل.”
مروان رد بغيظ: “اتعشى إنت وروح لمراتك.”
وداد بصت لإبنها بعتاب: “إنت بقيت قليل الذوق كده من إمتى؟ الراجل جاي يطمن عليك ويشوفك، وإنت تقوله كده؟ في إيه يا مروان؟”
سيف بصله يغيظه: “أيوة في إيه يا مروان؟”
مروان بصلهم بضيق: “هتتفقوا عليا؟ عايزين مني إيه دلوقتي؟ أتعشى؟ حاضر، هتعشى.”
قعد قصاد سيف وهو بيجز على أسنانه: “اتفضل يلا نتعشى.”
سيف أخد نفس طويل وقال بهدوء: “إيه وجهة نظرك إنك تسيب هالة؟ مش قادر أربط الأمور ببعض.”
مروان رد بنرفزة: “مش قادر تربطهم بعد كل اللي قلته؟”
سيف وضح بجديّة: “فهمت كل كلامك، بس ليه دلوقتي تفكيرك اتغير؟ شغلك زي ما هو، ظروفك زي ما هي، إيه اللي اتغير؟”
مروان وقف بغيظ وقال: “إزاي شايف إن أموري زي ما هي؟ والبنتين اللي برا دول؟ مين هيصرف عليهم؟ بلاش نتكلم عن منار ولا عيالها. تخيل دلوقتي أطلب من هالة تيجي تعيش معانا هنا؟ بقينا بيت عيلة، وأنا مش…”
سكت وما كملش، ووداد قعدت على السرير وغمضت عينيها بحزن، بينما سيف رد بتهكم: “مش إيه؟ متخلف ولا غبي؟ قول اللي عندك.”
مروان رد بسخرية: “طيب اتفضل، يا سيف بيه، حرك عصايتك السحرية وقولي هتعمل إيه؟ هتديني مرتب زيادة؟ ولا سلفة؟ ولا تعتبرني حالة خيرية زي الحالات اللي بتتكفل بيها؟”
سيف بصله بتركيز وقال بجدية: “لو شايف إني ممكن أبصلك كحالة خيرية، يبقى همشي من البيت ده وما هدخلهوش تاني.”
وداد وقفت بسرعة تهدي الموقف: “طول عمره بيعتبرك أخ!”
سيف رد بهدوء: “واضح فعلًا إنه بيعتبرني أخ، بدليل إنه ما فكرش مرة يقولي عن مشكلة جوز أخته، ولا إنه محتاج مساعدة، ولا حتى ينقلوا لمستشفى أحسن. ده أكيد تصرف واحد بيعتبرني أخوه.”
مروان بنفس التهكم: “هتساعد إزاي؟ أديك عرفت اللي فيها، قولي هتعمل إيه؟ لو مش هتعتبرني حالة خيرية، هتساعد إزاي؟”
سيف بلوم: “بغض النظر عن نبرة التهكم اللي بتتكلم بيها، أنا لسه مش عارف برضه إنت فسخت خطوبتك بناء على إيه؟”
مروان ضرب كف بكف وحوقل، بعدها قال: “إيه الحل؟ مش هتهكم، كلي آذان صاغية، نورني.”
سيف رد بهدوء: “بدر كنت عايزه يشتغل معايا. طيب إيه اللي عملته معاه؟ هل اللي عملته ده معناه إني اعتبرته حالة خيرية؟ ولا الشركة كانت محتاجاه فزي أي شركة تغري حد يشتغل فيها، قدمنا مميزات ما يقدرش يرفضها؟”
وداد انتبهت وهي بتدعي من قلبها إن إبنها يقبل إيد سيف الممدودة.
مروان رد بنبرة مغزى: “هنضحك على بعض يا سيف؟ على ٱساس إني مش عارف إنك قلت كده لبدر علشان يوافق؟ وإننا ما بنوفرش سكن إلا للناس اللي بيجوا من بره البلد وعايزين نستفيد من شغلهم، ودول قلة أصلًا؟”
رد سيف ببساطة: “وفيها إيه؟ وتفتكر دورك أقل من اللي بيجوا من بره دول؟ إنت أحسن منهم كمان. إنت فرد أساسي في الشركة دي يا مروان، وإن كنت عملت كده مع بدر علشان أقنعه، فإنت مش محتاج أتحايل عليك علشان دورك كبير فعلًا.”
مروان سكت، فواصل سيف بعتاب: “طيب حضرتك، يا اللي تعتبر دراعي اليمين، لا مش هقول دراعي اليمين، إنت في الشركة أنا، إنت مكاني. عمري ما وثقت في حد أسلمه مكاني غيرك. ما بثقش في أبويا ولا أختي، لكن بثق فيك إنت. فإزاي تخيلت إني لو قدمتلك مكان تقعد فيه أو عربية أو رفعت مرتبك، إنه هيبقى كأنك حالة خيرية؟ إزاي بتفكر؟ فهمني لأني مش فاهم. قبل ما تاخد قرار وتروح للبنت اللي بتحبها وتقولها ما تلزمنيش، فكرت في إيه؟ بلاش، إزاي ما اتكلمتش مع صاحبك؟ مش هقول أخوك، هعتبر نفسي مجرد صاحب. إزاي ما اتكلمتش معايا قبل ما تعمل كده؟”
مروان بص للأرض بإحراج: “إزاي عايزني أتكلم معاك في حاجات زي دي؟”
سيف رد بذهول: “يعني إيه إزاي؟ مروان، إنت بجد ما بتعتبرنيش أخوك؟”
بصله ووضح: “ولو إنت أخويا إبن أمي وأبويا، رد فعلي ما كانش هيتغير. إنت من ساعة ما رجعت في حرب، بتعافر. في رقبتك آلاف، وبدون مبالغة، إنت مسؤول عنهم. إنت نفسك ضحيت بحب عمرك علشان ديون الشركة ولسه بتسد الديون دي. إنت لسه بتحارب يا سيف، إزاي عايزني أكون أناني وأقولك إديني؟ إزاي بالله عليك؟”
سيف حرك راسه بذهول: “إنت بجد ده تفكيرك؟ يعني لو ما كنتش عارف البير وغطاه، وعارف إن الديون دي حجمها قد إيه، كنت قلت إيه؟”
مروان بعصبية: “ما هو علشان عارف الديون دي حجمها قد إيه، ما كانش ينفع أتكلم.”
سيف بعصبية مماثلة: “ده بالضبط اللي كان المفروض يخليك تتكلم. إنك عارف إن شقة أو فيلا الأمور دي كلام فاضي. لو إنت مش شايف نفسك مميز، فالصراحة مش عارف مين ممكن نعتبره مميز. إنت اللي مسؤول عن الأمور دي، إزاي ما فكرتش في حل من دول؟ لو موظف في الشركة وقع في ورطة أو أزمة، إنت اللي بتحلها مش أنا. إزاي وقعت إنت؟”
مروان لف وشه بعيد، متجنب مواجهته: “أنا برضه مش عارف إنت كنت متوقع مني أعمل إيه؟”
سيف رد بغيظ: “تاخد شقة تقعد فيها إنت ومراتك، وأعتقد بمرتبك تقدر تفتح بيتين وتطلب زيادة، الموضوع بسيط جدًا.”
مروان بتردد: “أصلًا مش هسيب أمي و…”
وداد قاطعته بغضب: “قسمًا بالله لو كملت الجملة دي يا مروان لأخرج من البيت ده وما أرجعلوش لحد ما أموت. هو أي سبب وخلاص! ولا على رأي الواد عايز أي حاجة تضحي فيها وخلاص؟ ماكنتش عايز تسيبني لوحدي؟ أختك رجعت هي وعيالها ماليين عليا البيت، امشي واتجوز وبطل حجج فارغة، ولو ينفع فعلًا تاخد شقة وافق.”
سيف أكد: “ينفع طبعًا.”
الباب خبط، والتلاتة بصوا ناحيته، فدخلت منار اللي سمعت كلامهم من صوتهم. استأذنت بحرج: “بعد إذنكم، باشمهندس سيف، لو حضرتك تقدر تساعدني أنا محتاجة أشتغل و…”
مروان قاطعها بغضب: “إنتِ مش هتنزلي تشتغلي، فاقفلي…”
وداد استنكرت: “تقفل ليه؟ خليها تنزل تشتغل! إنت عايزها تفضل قاعدة لابسالي أسود تعيط ليل نهار على جوزها الله يرحمه؟ إنت المفروض فكرت في الشغل ليها. أهي تحس إنها عايشة، تطلع وتخرج وتشوف ناس، وتربي بناتها بالشكل اللي هي عايزاه.”
مروان رد بغيظ: “يا أمي…”
وداد قاطعته: “بلا أمك بلا زفت!” (بصت لسيف) “لو قدرت تشوفلها شغل في أي مكان أو تتوسطلها يا ابني يبقى كتر خيرك ألف مرة.”
سيف بص لمروان بتهكم : “مش عايز أقولك إن الغبي ده هو المسؤول عن توظيف الناس عندي. يعني يقدر يشغلها ببساطة جدًا، ومش بس كده، يقدر يحطلها المرتب اللي يعجبه. الأمور دي تبعه.”
وداد بصت لمروان بعتاب: “يعني عاجبك حالها وهي قاعدة حزينة كده بدل ما تحاول تساعدها إنها تخرج من حزنها؟”
مروان رفع صوته: “يا أمي! جوزها لسه متوفي، يعني على الأقل تستنى شهور عدتها.”
سيف علق بهدوء: “بصي يا ست الكل، شغل منار محفوظ. وقت ما تيجي الشركة، هتشتغل. خليها تكمل شهور عدتها، لأن شغلها مش ضرورة حاليًا. لو عندها إخواتها الاتنين ومش هيسدوا معاها، فساعتها بس تخرج. أنا وافقت إنها تشتغل علشان الحياة تستمر.” (بص لمنار وكمل) “لكن دلوقتي ده وقت حداد على زوجك. فخدي وقتك، إنتِ مش محتاجة تشتغلي لا النهارده ولا بكرا. لكن أخوكِ يرجع للبنت اللي امتحانها بعد بكرا ويبوس إيديها ورجليها ويعتذرلها علشان ترجع لجامعتها.”
مروان تساءل باهتمام: “هي لسه ما رجعتش؟”
سيف رد بتهكم: “لا يا أخويا ما رجعتش. همس عملت زيها السنة اللي فاتت وماكانتش هتنجح في امتحان لولا ستر ربنا، فبلاش تكون إنت سبب في حاجة زي دي.”
وداد سألت بقلق: “طيب وهو هيصالحها إزاي يا سيف؟ هترضى تصالحه؟ طيب أبوها؟”
منار اقترحت: “أنا ممكن أروحلهم و…”
سيف قاطعها: “ماينفعش تخرجي إلا للضرورة. أخوكِ مش ضرورة، ده نتيجة غبائه. سيبولي أنا الموضوع ده. بكرا نروح لأبوها أنا وهو ونحاول نجيبها ونصلح الأمور.”
مروان بتردد: “طيب ولو ما وافقتش نتصالح؟”
سيف علق بتهكم: “برضه هترجع للامتحان، لأن ساعتها هتبقى عارفة إنك غبي بس بتحبها ولسه عايزها. فحتى لو ما رجعتش، يبقى بتتقل عليك شوية تأدبك، لكن هتركز في امتحاناتها.”
سكتوا كلهم، وسيف ختم: “طيب، أنا كده أقولكم تصبحوا على خير، ونكمل كلامنا بكرا في الشركة أنا والأخ ده.”
وداد شاورته على الأكل: “اقعد اتعشى الأول.”
ابتسم: “تسلميلي يا ست الكل، بس مش هقدر. بعدين همس زمانها مستنياني.”
وداد أصرت عليه، ولما فضل رافض، راحت بسرعة جهزت علبة وحطت فيها أكل ليهم هما الاتنين وصممت إنه ياخدها معاه.
سيف رجع البيت، وأول ما دخل لقى عز وسلوى مستنيينه، والمرادي مصرين يعرفوا إيه اللي حصل معاه وليه بيتجاهلهم بالطريقة دي.
سلم عليهم وطالع على أوضته، لكن أبوه وقفه، فقبل ما ينطق، هو بدأ الكلام: “مامت مروان باعته شوية محشي تتعشوا؟”
عز استغرب ورفض، وسلوى كمان رفضت، فابتسم: “يبقى تصبحوا على خير، هطلع أتعشى أنا وهمس.”
عز وقفه: “وبعدين يا سيف؟ لحد إمتى؟”
سيف وقف وبصلهم هما الاتنين: “ليه وافقت إن والدتك تسيب البيت؟ وإيه سر عداءها هي ومراتك؟”
عز ما ردش، فسيف ابتسم بتهكم: “من هنا لحد ما تكون مستعد تجاوب على السؤال ده، ما توقفنيش وتقولي لحد إمتى. سيبني براحتي أقرر إمتى أقدر أقف وأتكلم معاكم. تصبحوا على خير.”
التعليقات