رواية الاربعيني الاعزب الفصل الثالث عشر والرابع عشر الأخير بقلم إية محمد رفعت جميع الفصول كامله
رواية الاربعيني الاعزب الفصل الثالث عشر والرابع عشر الأخير بقلم إية محمد رفعت جميع الفصول كامله
النهااايه1314
انشغل “عمر” و “غيث” بإقامة حفل استقبال مشترك للأطفال، فمر أسبوعاً كاملا ومازال يستعد كلاً منهم لذلك، بعدما اختاروا أن يقام الحفل في أحد الفنادق الراقية، وفي تلك الفترة لم تتركهم “لوجين” فكانت تقوم بمساعدة “إيمان” و “عائشة ” بالإشراف على الديكور وهدايا الأطفال، كانت البهجة تعم عليهما جميعاً وبالأخص “عائشة” التي تبدل كره حماتها إليها لحب غريب، وخاصة حينما أصرت على “غيث” أن يعود بها من المشفى إلى منزلها، لتتمكن من رعايتها وطوال هذا الأسبوع كانت قريبة منها ومن صغيرها، فنشأت علاقة ترابط بينهما، وبدت الحرب تتقهقهر حتى باتت لا وجود إليها، وهي الآن لجوارهم وتساعدهم بحب في وضع البلون الملون بأحد الأركان وما أن إنطفئ ضوء الشمس ليعم الليل بظلامه، حتى صعدت الفتيات للغرفة المخصصة إليهن، فبدأت كلاً منهن بالإستعداد للحفل. أما بالأسفل.
وقف “غيث ” ” وعمر” على باب القاعة الصغيرة، ليمنح كل طفل يحضر بصحبة أبيه قناع باللون الأزرق الساحر، والفتيات قناع باللون الوردي، وعصا سحرية تحمل نجمة بإسم المولود، التف “غيث” تجاه الدرج، فوجدها تقترب منه بفستانها السماوي تعلقت عینیه به لثوان وكأنه يحارب هواجسه بأنها المرة الأولى التي يراها بها، فترقبها حتى أصبحت قريبة منه، فأمسك يدها وهو يحرك إبهامه بحركات دائرية على جلدها الرقيق
أيه الجمال ده بس، أنا حاسس إن النهاردة فرحنا مش سبوع ابننا. منحته ابتسامة أشرقت حدقتيه التي تتأملها، وخاصة وعينيها تستكشف ما يرتدي، فقالت على استحياء
وأنت كمان النهاردة شكلك مختلف.
رفع حاجبيه وهو يسألها بمكر:
مفهمتش مختلف يعني حلو ولا لا ؟
أسرعت بالحديث لتخبره بمقصدها :
لا طبعاً أنت طول عمرك شكلك منظم وجميل.
منحها ابتسامة صغيرة، ليتبعها همسه الخبيث
أنا بقول نسيب الواد مع ماما ونخلع إحنا.
ابعدت رأسها عنه، ثم حملت طرف فستانها لتستكمل طريقها للأسفل
سريعاً:
دي حفلتي أنا وابني ومستحيل هسيبها.
راقبها وهي تركض للأسفل، ببسمة توهجها العشق على وجه ذاك الوسيم المتعصب، فعدل جرافاته ثم هبط ليستقبل ضيوفه، أما “عمر” فأسرع تجاه “إيمان” فحمل عنها الصغير الذي يعيق حركتها بالفستان الطويل، فتمكنت من حمل أطرافه بين يدها، ثم قالت
بامتنان
شكراً يا حبيبي.
ضيق عينيه وهو يردد بدهشة
حبيبك! إنتي كويسة؟
وضعت يدها على كتفيه تستند عليه وهي تحاول إغلاق رباط حذائها فكادت بالتعثر بطرفه فأسرع “عمر” باحتضانها ليمنعها من السقوط أعلى الدرج، كان تصرفه تلقائي لحمايتها، لفت “إيمان” يدها حوله فتعجب من تصرفها، فهي بطبعها خجولة للغاية، والدرج يقع بمنتصف القاعة على مرأى الجميع، وجدها تتشبث به واشر أبت بعنقها تجاهه فقالت بعشق أرادت أن يصل إليه في تلك اللحظة:
حبيبي وجوزي وكل حاجة في دنيتي الكتف اللي بتسند عليه دايما
واللي عمري في وجوده ما حسيت إني يتيمة الأم والأب، أنت أعظم اختياري يا “عمر”.
أغلق عينيه بقوة يحتمل ما يستمعه من كلمات خطيرة تستهدف جوارحه ورغباته تجاهها، فشدد من ضمها لصدره وهو يهمس لها بحب
بأحبك.
تلون وجهها بلون حبات الكرز، فابتعدت عنه ونظراتها تحاكيه تغريدات عشق مخصصة إليه هو ، فقدم لها يديه لتحتضن أصابعها أصابعه وكأنه يمنحها دعماً ومساندة حتى وصلت للطابق السفلي.
***
في قربك أناشد أحلامي ويطرب نبض وتيني، فمهما غبت عن عيني يأتي بطيفك وتزهر الروابي في مجرى شراييني، فرشت الشغاف لك مهداً وثيراً لتتكىء عليه طوال سنيني ، فليس غيرك يهدهد أناتي ويهبني ملاذاً من العالم يحميني، ليتك تعلم كيف اشتياق إليك كلما ضمتني تحتويني، فأبدو بقربك كالطفلة ألهو، وبين ذراعيك أعلم أن هداياك سوف تأتيني، فبحثت عنك بين الوجوه شوقاً لرؤياك، فعصف قلبي لغيابك الملحوظ لجوارحي.
اهتدت نظراتها الحائرة حينما تعلقت به يدخل من باب القاعة الخشبي المزخرف بالنقوش الأطفالية، هيبته تستحضر فور دخوله لأى مکان راقبته وهو يدنو من غيث ” ليضمه وهو يهنئه بسعادة، لا تعلم ما الذي أصابها فباتت تتخيله يحتضنها هي كان يرتدي بذلة من اللون الأسود، جعلته وسيمًا للغاية، شعره المصفف بعناية كما يجب أن
يكون، جبينه الذي تجعد مع انعقاد حاجبين ظللا لعينين صقريتين تتوهجان کشهابين من نار، فوجدت خطواتها تنجذب إليه كالمغيبة
حتى باتت تقف أمامه، انتقلت عينيه لفستانها الأسود المنقوش بورود من اللون الأبيض، شعرها الذي يتدلى على كتفيها جعله منزعج من أن يرأه أحداً غيره، يروق له لبسها المحتشم مع أنها لا ترتدي الحجاب ولكنه يود لو يغطيها من رأسها حتى أخمص القدم، تحرر لسانها المقيد
لتسأله باستياء:
جاي متأخر ليه ؟
حك طرف أنفه وهو يجيبها ببرود:
كان عندي شغل كتير ولسه مخلص من شوية.
رفعت حاجبها وهي تمتم بسخط
حججك دايما حاضرة.
همس بخشونة صوته التي تمزج سحر رجولته بدفء حنانه
مش محتاج أتحجج على فكرة، لو حابب أروح مكان مفيش حاجة بتمنعني.
وكأنها أمسكت به متلبساً
يعني أنت اللي قاصد تتأخر وتيجي زي الغريب.
ضم شفتيه معا بغيظ
هي ملهاش عندك غير المفهوم ده
دنت منه ثم اشرأبت بعنقها لتخبره بصوت يكاد يكون مسموع
متقلقش مش هقولهم حاجة احنا بقينا تيم واحد.
وغمزت له بمشاكسة قبل أن تغادر من أمام عينيه، فابتسم وهو يردد بسخرية
مجنونة..
واستكمل طريقه لينضم لغيث”، وبالرغم من انشغاله بمناقشة بعض الأمور المتعلقة بالعمل الا أن عينيه لم تتركها، كانت ملتصقة بها طوال الوقت، فصفن بابتسامتها البريئة وهي تقدم الهدايا للاطفال بروحمرحة وتلقائية، وجد الابتسامة تتسلق لتتمسك بشفتيه وكأنها مرتبطة
بتعويذة رؤياها، لاحظ “عمر” شروده فقال ممازحاً إياه
الفرح بعد اسبوعين يا غالي اتجد عن بقى وهاتلنا عروسة تخلق المشاكل بين الولدين.
حدجه بنظرة جافة، فشاركه “غيث” حديثه المشاكس حينما قال: وليه المشاكل بس يا زميلي الأفضل يجيب بنتين ونحل المشكلة قبل ما تبدأ.
وضع “عاصي” كأس العصير عن يديه، ليرد عليهم ساخراً:
ليه جاني على نفسي عشان أناسب المتهور والمجنون وتركهم وإتجه ليجلس جوار خالته حتى انتهى الحفل وعاد القصره بسلام يشعر به بعدما صممت “إيمان” على أن تقيم “لوجين” بصحبتها لحين موعد الزفاف، فبدل ملابسه ثم أسرع لفراشه هامساً بسرور
أخيراً هنام بهدوء بعد وقت طويل.
قطع نومه المريح صوت صفارة مزعجة تأتي من أسفل شرفته، فنهض لیرى من هناك؟ ، ليتفاجأ بعمر يشير له بأن يفتح الباب، وهبط للطابق السفلي مسرعاً، فما أن فتح الباب حتى تساءل بقلق:
خير يا عمر، إيمان والولد بخير؟
منحه نظرة نمت عن تعصبه الشديد، وخاصة حينما أغلق الباب ليصدر صوتاً مزعجاً، ثم رد عليه بتذمر :
أختك المحترمة طردت جوزها في نص الليل المرادي طرد وكل يوم تقفل الباب بالمفتاح من جوه وتسبني برة بالساعات لما الجيران بقت مشفقة عليا، أنت لازم تشوفلك حل معاها مهو أنا عندي طاقة صبر وبتنفذ زي أي بشر.
مرر “عاصي” يديه على وجهه بانفعال، ثم كورهما حتى ابيضت
أصابعه:
يعني أنت جايلي في نص الليل عشان تشتكيلي منها !
رفع كتفيه بقلة حيلة
لا بس ملقتش مكان تاني أروحله تاني، ولا عاجبك أنام في الشارع وأنت قاعد في قصر شرح وبرح زي ده!
كز على أسنانه بحدة:
لا طبعاً ميصحش.
ثم أشار بيديه على أحد الغرف بتأفف:
نام الوقتي وبكره هنشوف حل.
ضحك بصوت مستفز، ومن ثم أسرع بإبلاغه بما سيشغل جنونه
لا مش بكره، أنا مطرود طول المدة اللي عروستك هتقضيها هناك، يعني قعدتي هتطول هنا.
أغلق عينيه بقوة، وكأنه يستمع لشيئا صاحب، فتركه وصعد لغرفته ومن ثم ألقى بثقل جسده على الفراش وهو يدعو الله أن يمر
الأسبوعين بسرعة الصاروخ.
أشاح الليل بجلبابه المعتم، لتشرق شمس يوماً جديد، فانطلق الانذار من المنبه ليوقظ “غيث” في موعده المحدد كل ليلة، فمرر يديه على الطرف الأخر من الفراش، ففتح عينيه بانزعاج حينما لم يجدها، فرفع صوته وهو يناديها
عائشة!
تعجب حينما لم يأتيه ردها، فنهض ليبحث عنها بالشقة بأكملها، فلم يجدها هي وابنه، ارتدى “غيث” ملابسه على عجلة، ومن ثم هبط للطابق السفلي ثم أخرج من جيبه مفتاح شقة والدته، فولج للداخل يبحث عنها بلهفة، وقف على باب المطبخ يتأمل ما يحدث بفرحة أحاطته، وهو يرى زوجته تعاون والدته في تحضير طعام إفطار خصيصاً إليه، فجذبت منها “عائشة” الأطباق لتضعهما على الصينية وهي تخبرها بحب:
عنك يا ماما.
وقفت “سمية ” محلها تراقبها بنظرة سكنها الدمع والندم بآن واحد فربتت بيدها على ظهرها ثم قالت ببكاء:
حقك عليا يا بنتي، كان بأيدي اديكي ولو فرصة واحدة أعاشرك فيها وأشوف طباعك بس مكنتش شايفة غير الوحش اللي زرعته فيكي.
ثم رفعت أصابعها لتزيح دمعاتها، وجاهدت لرسم ابتسامة صغيرة عنده حق ابني يختارلك زوجة ليه.
ترقرق عين “عائشة” بالدموع، لا تعلم ماذا يغلبها سعادة أم حزن
فاحتضنتها وبنبرة حنونة قالت:
اللي فات كله نسيته والله يا ماما ، كفايا تعبك واهتمامك بيا طول الفترة اللي فاتت.
واستطردت بتردد مما ستقوله
أنا كان نفسي يكونلي أم واتحرمت من النعمة دي بس في الكام يوم دول حسيت إن حضرتك أمي.
ابتسمت من وسط سيل دموعها، وضمتها لصدرها وهي تخبرها يا حبيبتي يا بنتي ربنا يعلم اني بحاول وهحاول أكونلك أم. أدمعت عينيه وهو يراقبهما، فأزاح العالق بأهدابه قبل أن يمزق
صفحته المطولة بالصمت
أنا حاسس كده إني هغير من علاقتكم دي، بس جوايا جزء بيتمنى إن علاقتكم الجميلة دي تدوم ونعيش في حالة سلام.
تطلعت كلاً منهن للأخرى، فضمتها “سمية” لصدرها مجدداً ثم قالت: هتدوم بينا المحبة على طول بإذن الله، اطلع إنت بس منها.
جذب أحد مقاعد الطاولة المستديرة الموضوعة في أحد أركان
المطبخ، ثم جذب الطبق أمامه:
أنا بعيد أهو بس المهم هتفطروني ولا أنزل!
جذبت “عائشة” الأطباق، ثم وضعتها أمامه، فبدأ في تناوله طعامه بشهية مفتوحة، فما الذي يريده أكثر من طبق يجمع بين طعام صنع بيد والدته وزوجته، شعر أخيراً بأن أمنيتها تحققت حتى وإن كانت بعد عذاب، انتهى “غيث” من تناول طعامه، ثم كاد بالنهوض، فوجد والدته تقترب منه بكوب القهوة الذي يعشقه من يدها، حمله منها ثم انحنى ليطبع قبلة عميقة على كف يدها الحنون، فرفعت رأسه إليها ثم احتضنته بحب، فاستأذن بالإنصراف وغادر العمله وهو يشعر بطاقة غريبة تهيئه لعمل طويل شاق.
هبط “عاصي” في موعده المحدد لتناول طعام الافطار، فجلس على مقعد الطاولة الضخمة الرئيسي، ثم شرع بتناول الطعام، فما أن اقتربت الخادمة حتى تسكب له كوب العصير، سألها وهو يتفحص الردهة باستغراب:
عمر لسه نايم ولا أيه؟
أومأت برأسها وهي تجيبه باحترام
أستاذ عمر لسه في أوضته، تحب أبلغه بحاجة! هز رأسه نافياً، وهو يؤمرها لا، روحي انتي شوفي شغلك.
غادرت من أمامه، فبعد المقعد عنه ثم نهض ليتجه لغرفته، طرق على بابه عدة مرات وحينما لم يستمع لأذنه بالدخول، حرر مقبض الباب وولج للداخل، فوجده يسبح بنوم ثقيل، حك بيديه ذقنه النابتة وهو يحاول السيطرة على غضبه الذي سيبده لا محالة، فهز يديه وهو يصيح
عمر، أنت يا ابني!
تقلب بفراشه وصوته الناعس يردد بانزعاج
مش هقوم الوقتي.. اخرج وخد اختك معاك.
رفع حاجبيه باستنكار، وكاد بركله ولكن جذب انتباهه صوت قرع جرس الباب، ليتفاجأ بغيث يدنو منه، فوزع نظراته بينه وبين من
يحتضن الفراش، متسائلاً بدهشة:
بيعمل أيه هنا ده؟
بابتسامة شبه ساخرة أجابه:
زي ما أنت شايف، مطرود وبجح كمان.
تعالت ضحكاته، فاقترب منه ليلكزه بقوة وقوله المستهزأ يتبعه:
مش مكسوف من نفسك ولا أيه ونايم ولا همك الدنيا !
ألقى الغطاء عن جسده بعنف، ثم اعتدل بجلسته لمنحهما نظرة شرسة
قبل أن يقول:
واتكسف ليه شايفني قاعد على نصية الشارع بندب ولا بشكي
أحزاني على النت.
ورفع يديه ينصب لوحة وهمية وهو يقرأ ما فيها:
شاهد ما فعلته شقيقة الاربعيني الأعزب رجل الأعمال الشهير بزوجها المسكين !»ضحك “غيث” ثم قال بنفس نبرته
الاعزب أيه بقى ما خلاص هيدخل عش الزوجية وبرجله.
احتضن “عاصي” مقدمة أنفه بضيق، ثم ازاح يديه ليشير لهما بحدة:
أنا معنديش طاقة لحواراتكم دي وبالذات النهاردة.
ثم أشار على باب الغرفة وهو يسترسل:
انا رايح أكمل فطاري اللي حابب يفطر معايا يحصلني.
وتركهما وغادر للخارج، ليتبعه كلاً منهما، فجلس “عمر” جواره ثم
جذب أحد الأطباق ليضع بها القليل من الجبن والخضروات ثم شرع بتناولها، أما “غيث” فجذب كوب من العصير يرتشفه بتلذذ عن قصد ثم قال بعنجهية:
أنا فطرت من بدري ماما وعائشة بنفسهم محضرنلي أجمل فطار.
ابتسم “عمر” ثم غمز له بمشاكسة :
أيوه يا عم ولعة معاك، طب مش كنت ترنلي أجي أفطر معاك بدل جو
أكل العيانين الصحي ده!
منحه عاصي نظرة حملت الغضب بين طياتها، فشغل الاخير نفسه
بتناول الطعام حتى يتفادها، فانتقلت نظراته تجاه ابن خالته ثم قال
بصوته الرخيم
ربنا يهدي الأمور بينهم دايما.
بتمني ردد:
یا ررب
ثم نهض ليجذب أحد الملفات من حقيبته السوداء ليضعها أمامه، وهو
يشير اليه على مكان التوقيع، فرفع “عاصي” الشوكة تجاهه
أنا لسه بفطر على فكرة.
أجابه ببرود وابتسامة استفزته
مضطر لاني اتاخرت وحضرتك مش جاي النهاردة.
جذب المنديل ليجفف يديه، ثم انتشل القلم منه ليوقعه سريعاً، فحمل
“غيث” الملف، ثم قال بجدية
انت صحيح ناوي تعمل أيه مع قاسم؟
رد عليه ببسمة خبيثة
والله لو نفذ الشرط اللي قولتله عليه ساعتها أفكر في موضوع الصفقة
هز الاخير رأسه بعدم تصديق، ثم قال:
انت محدش يتوقعك.
تناول ما بيديه وهو يمنحه ابتسامة ماكرة، فحمل الاخير حقيبته ثم
غادر للشركة على الفور.
بشقة “إيمان”
كانت مهمة “لوجين” تتكفل على حمل الصغير لحين أن تنتهي الاخيرة من اعداد غداء مخصص لعاصي وعمر، فحملته أكثر من ثلاث ساعات ومع ذلك كان لا يهدأ أبداً، فما أن استنزف طاقتها، حتى اتجهت للمطبخ، فجذبت “إيمان” من أمام النيران لتضع ابنها بين يدها
لتمنحها ابتسامة واسعة مصطنعة
كده كفايا أوي انتي تاخدي ابنك العسل ده وتقعدي بيه بره وأنا
هكمل بقيت الغدا.
ضحكت بصوت مسموع ثم قالت:
شكله كده خرجك عن شعورك.
تمتمت بكلمات غير مسموعة
شعوري بس!
تعالت ضحكاتها، فجلست على المقعد الجانبي، ثم قالت بسخرية
لا اجمدي كده أمال بعد الجواز هتعملي أيه؟
أجابتها بهيام بما سيحدث فيما بعد:
لا ورايا حاجات كتيرة أوي، زي مثلا إني مش هسيب عاصي خالص وهروح معاه الشركة واجتماعاته كلها، يعني هكون ليه زوجة وسكرتيرة خاصة.
ضحكت إيمان مجدداً ثم قالت بصعوبة :
لا يبقى متعرفهوش كويس
توقفت عن تقليب شرائح البصل في الزيت الساخن، لتسألها بجدية:
ليه هند مكنتش بتروحله الشركة خالص ؟
خیمت عليه غيمة حزن فور ذكرها لزوجة أخيها، فاجابتها بنبرة لمست
الاخيرة بها حزنها :
هند مكنتش بتفارق أوضتها يا لوجين وده بسبب تعبها، عاصي اللي كان بيقضي معاها أغلب الوقت، كأنه يا قلبي كان حاسس إنه هيتحرم
منها قريب.
وأزاحت بطرف أصابعها دمعاتها، ثم قالت بعد صمت أطال بتفكيرها
حول ما ستخبرها به
أنا مش عارفة اذا كان عاصي هيقدر يتجاوز كل ده ولا لا، بس واثقة
إنك هتساعديه يا لوجين صح ؟
خبأت حزنها جيداً قبل أن تجيبها
أكيد هحاول.
ثم عادت لتستكمل ما تفعله قبل أن يصل أي منهما.
وبالفعل بعد مرور ساعة أخرى، فتح “عمر” باب شقته ثم التفت
W
للخلف ليخبره بفرحة حظك حلو يابو نسب أول مرة أختك متقفلش الباب.
دفعه للداخل وهو يخبره على مضض
انتوا عايزين واحد فاضي ليكم ولمشاكلكم اللي مبتنتهيش أتت “إيمان” مسرعة للترحاب بأخيها، ثم اصطحبته لغرفة السفرة
فجلس هو و “عمر” الذي قال بضيق:
وأنا ليه ماليش مقابلة خاصة زي دي!
حدجته بنظرة مشتعلة، ثم قالت:
لما تحترم قواعد البيت ده یا سید نبقى نرحب بجنابك.
كز على أسنانه بغيظ وخاصة حينما ضحك “عاصي” على حربهما الباردة، تجاهلته “إيمان” حينما رفعت صوتها قليلا:
هاتي الشوربة وتعالي يا لوجين.
استمعت إليها من تقف بالمطبخ ترتب باقي الطعام، فحملت الإناء ثم دنت للداخل، فتوقفت محلها وهي تراقبه ببسمة أشرقت شمسها المختبئة بأهدابها، شعر بنظراتها تجاهه، فرفع عينيه ليجدها صافنة به وابتسامة رقيقة مرسومة على شفتيها.
حطيها هنا يا لوجي.
صوتها جعلها تفيق من غفلتها، فاقتربت من الطاولة ثم وضعت ما تحمله، واتجهت لتجلس على المقعد المقابل له، كانت تتناول طعامها وعينيها تراقبه، فما أن يمسك بها تتطلع تجاهه كانت تخفض نظراتها عنه بخجل، وحينما انتهوا من تناول طعامهم، حتى خرج “عاصي” للشرفة المعتاد عليه الوقوف بها حينما يأتي لشقيقته، انشغلت “لوجين” بحمل الاطباق مع إيمان وعمر، فجذبت إيمان الطبق من يدها ثم وضعت كوب من العصير به، لتشير لها على الشرفة وهي تهمس لها بتتبعه، فانصاعت إليها واتجهت للخارج والأخرى تراقبها
تهمس لها بتتبعه، فانصاعت إليها واتجهت للخارج والأخرى تراقبها
بسعادة، فقال عمر بمزح
أيه جو أم العروسة ده!
ضحكت على كلمته ثم قالت:
أمال أيه عايزين الدنيا تحلو كده وعاصي يحب البت.
جذب تفاحة من طبق الفاكهة، ليلتهمها قبل أن يرد على ما قالته:
متقلقيش هيحبها بس هياخد وقت.
رفعت يدها للسماء متناسية الطبق الذي تحمله :
يارب.
فزع الاخير وهو يتأمل الطبق محطم أسفل قدميه، فوضع التفاحة بين يدها ثم قال بانزعاج
صديتي نفسي.. أنتي مش راجعة الا لما تقطعيلي خلفي.
وتركها وغادر وهي هائمة بمراقبة أخيها ، وكأن شيئا لم يحدث….
كان شارداً بما يتأمله، وجسده كان مستلقى على سور الشرفة، وقفت لوجين لجواره ثم مدت يدها إليه بما تحمله فتناوله منها وهو يرسم ابتسامة صغيرة
تسلم ايدك.
بادلته الابتسامة ثم وقفت جواره تتأمل ما يتطلع اليه، فعم خيوط الصمت عليهما، والارتباك يتراقص على كلا الأوتار، إلى أن قطعه
عاصي حينما قال بحيرة لما سيفتتح به حديثه:
عجبتك القعدة هنا ؟
سعدت بمجاهدته لفتح حديث يجمعهما، فأجابته ويدها تبعد خصلاتها المتمردة على عينيها جدا، إيمان تتحب بجد وقعدتها محدش يمل منها.
هز رأسه وهو يتمتم بجملته المعتادة:
عظيم.
عاد الصمت ليخيم عليهما مجدداً، فقالت لوجين تلك المرة بتوتر :
أنا كنت عايزة أقولك على حاجة.
استدار بجسده تجاهها، ليسألها باهتمام
حاجة أيه ؟
فركت أصابعها بارتباك، فسحبت نفساً عميق قبل أن تزفره على مهل:
أنا مقدرة علاقتك بهند كانت عاملة ازاي يا عاصي، عشان كده أنا مش متضايقة ولا هيضايق بوجودها في حياتنا…
وعادت لتعيد خصلاتها التي تبعثرت بفعل الهواء لخلف أذنيها وهي تستطرد بتوتر
يعني مقدرش أطالبك تنسي ذكرياتها اللي بتجمعك بيها، أنا متقبلة وجودها ومش هيزعجني بالعكس.
ود لو لمس شعرها بين يديه، لو أنه من أعاد شعرها لخلف أذنيها بنفسه، ومع ذلك أعجب بحديثها التي بدت أكثر ارتباكاً بقوله، فمنحها ابتسامة مهلكة لوسامته التي تطل حينما يبتسم، ثم قال بنبرته
الرجولية المميزة بالنسبة لها عن باقي الرجال
وأنا مش عايز حاجة تانية أكثر من كده بس خليكي واثقة إن في مكانة خاصة ليكي جوايا واحترام كبير.
ثم مرر يديه على خصلات شعره، وكأنه يمشطه ليتابع ما قال وهو يدنو ليصبح قريباً منها :
مش عارف إذا كنت هقدر أحبك بنفس الطريقة اللي بتحبيني بيها ولا لا، بس أوعدك إني هحاول.
لا، بس أوعدك إني هحاول.
رغم ألم قلبها النازف ولكنه على الأقل كان صريحاً معها، احترمته “لوجين” كثيراً، فتوتر لصمتها المطول ظناً بأن ما قاله أحزنها، ولكنه وجدها تمنحه ابتسامة أشرقت عتمته، ثم قالت:
كفايا انك هتكون جنبي يا عاصي.
نطقها لاسمه جعل قلبه يخفق بإنذار خطر يراسل مشاعره، فباتت هناك رغبة غريبة بالحصول عليها، شعر وكأنه على وشك السقوط للهاوية فباتت عدوة حبها تنتقل إليه رويدا رويدا، شعر وكأن تلك الفتاة ستفوز بقلبه وتبدد كل وجعاً اختبره يوماً!
………
الفصل الرابع عشر.
اليوم بالنسبة إليها ليس عادياً، فاليوم الذي كانت تخشى قدومه هي الآن تنتظره بفارغ الصبر، اليوم لن تجبر على الزواج من البغيض الذي لطالما كرهته بل ستتزوج من الرجل الذي حمل معظم موصفات فتى أحلامها، حتى وإن كان أربعيني العمر ولكنه مازال جذاباً بحفاظه على جسده وعنايته بذاته، وما يحليه صفاته ورجولته، شهامته التي أعجبت بها منذ اللحظة الأولى، تلك الفتاة المشاكسة التي وجدها تختبئ أسفل طاولته ستصبح الآن زوجة له، في حضور الجميع وعلى رأسهم “قاسم” الأرعن وعائلته، بل والمضحك في الأمر بأن “عاصي” اختاره ليشهد على عقد الزفاف بنفسه.
إنتهت “لوجين” من وضع لمساتها الاخيرة من المكيب، الذي صممت وضعه بنفسها ومن ثم وضعت التاج على رأسها ليمنحها مظهراً أنيقاً فاستدارت تجاه “عائشة” و”إيمان” التي تحمل الصغير، فما أن رأتها حتى رددت باعجاب شدید
ربنا يحفظك من العين يا روح قلبي.
واحتضنتها وهي تخبرها بلمعة من الحزن اصطحبت نبرتها :
انتي عوض ربنا لعاصي بعد صبر سنين يا لوجين، عايزاكي تمنحيه
السعادة اللي اتحرم منها.
ابتسمت وهي تمازحها حتى تفتت تلك الدموع البادية بعينيها:
أنا هديله حاجات كتيرة أوي أولهما الضغط والسكر وأخرهم “هند”…
تعجبت كلا منهن لما استمعت إليه، فقالت “عائشة ” باستغراب:
!” هند “
أومأت برأسها وهي توضح لهما :
أيوه، ما أنا هجبله بنت وهسميها هند عشان مينساش حبيبته ومراته الله يرحمها.
انكمشت تعابير “إيمان” في ذهول، فسألتها باهتمام:
وده مش هيضايقك…
واستطردت بتوضيح
يعني مجرد تفكيره بواحدة تانية ده شيء ميز علكيش.
ابتسمت وهي ترد عليها بحكمة:
وأيه اللي هيزعلني اللي فات من حياته ده مجرد ماضي أما أنا
فحاضره ومستقبله…
ضحكت إيمان حتى برزت أسنانها البيضاء، فشددت من ضمها اليها ثم
قالت:
عاصي عرف يختار لنفسه اللي تليق بيه.
ثم أشارت لها بغمزة من عينيها وهي تدفعها للخارج
يالا بقى نخطف قلبه بطلتك الساحرة دي.
راق لها تعبيرها فتمسكت بيدها وبيد “عائشة” وهي تشير لهما بمرح:
هيا.. لننطلق …
وبالفعل هبطت بصحبتهم للاسفل، ليمر اطراف الفستان الطويل على زهرات الياسمين الملقاة أرضًا، ومن حولها عدد من الاطفال يحمل كلاً منهما شموع مزينة بالدنتيل الابيض، لينتهي الدرج الخارجي للقصر بمنتصف حفل الزفاف، لتجده يقف بنهاية الخط المفروش بالورود ينتظرها بلهفة وشوق يسبقه برسائل من غرام، تاه بجمالها الهادئ وتاهت هي به، فكان يبدو وسيمًا ببذلته السوداء الانيقة، هيبته تلك تمنحه وقار يجبر الجميع على احترامها، انتهى طريقها المحفور بالورد حينما أصبحت تقف من أمامه، فسلمته يدها وكأنها تستئمنه
على روحها، لتستكمل معه طريقها حتى وصل للمأذون الذي عقد على روحها، لتستكمل معه طريقها حتى وصل للمأذون الذي عقد قرانهما في حضور أهم رجال الاعمال، وعدد مهول من الصحافة والتليفزيون، اتقبض قلب لوجين ” حينما رأت “قاسم” يقترب منهما ، فتلقائيا تشبثت بذراعيه، وتعلقت عينيه بها باهتمام، فوجدها تتطلع لمن يفف مقابلهما بخوف، فرفع كف يديه الأخر ليربت على كفها وكأنه يمنحها الأمان والسكينة، فاحتدت نظراته الصارمة تجاهه، رفع “قاسم” كفيه ليصافحه وهو يهنئه ببسمة رسمها بالكد:
الف مبروك يا باشا.
راق له انهزامه هكذا، فبالأخير لم يعد هناك مخرج له من مأزقه سواه لذا أجابه بكبرياء:
تسلم یا قاسم.
وسحب يديه وهو يشير إليه على احدى الطاولات
تقدر تتفضل لسه الحفلة مبتدتش.
كانت رسالة صريحة إليه بأن يظل حتى تنتهي الحفلة، والأخر يكبت خلف قناع برودته حقدًا وغضبًا عظيم، فانصاع لإشارته وهبط ليجلس على الطاولة المقابلة إليهما، تبدد هلعها رويدا رويدًا، فكيف لا يطمئن
قلبها في وجوده
***
اجتمع “غيث” و “عمر” على طاولة واحدة، فتأهب كلا منهم للانقضاض على “قاسم ” في أي وقت، فجلسوا يراقبنه جيداً، انتبه “عمر” لزوجته التي تزيح دمعاتها بين الوقت والأخر حتى لا يشعر بها أحدًا، فطوفها بذراعيه وهو يتساءل بلهفة :
في أيه يا حبيبتي مالك؟
رسمت ابتسامة شبه فاترة وهي ترد عليه :
مفيش يا عمر انا بس فرحانة ومش مصدقة إن عاصي اخيرا بيتجوز.
مازحها بمشاكسة :
وأهو اليوم ده جيه هنفرح بقى ولا هنقضيها كآبة ؟
أجابه “غيث” بالنيابة عنها :
هما الستات كلها كده يقلبوا الفرح ميتم
لكزته “عائشة” وهي تعاتبه بضجر
واحدة ومتأثرة عشان أخوها بتجمع ليه بقى، ثم إن الستات دول أغلب خلق الله، قلبهم أبيض كده وبيتضحك عليهم بأي كلمة، مش زي
الرجالة اللي دماغهم متركبة غلط.
رفعت إيمان كفها إليها وهي تثني عليها :
الله عليكي يام يزيد اديلهم.
لوى “عمر” شفتيه بسخط
اتلميتوا على بعض !
ثم أشار لغيث قائلا:
قوم يا عم نشوفلنا مكان تاني نقعد فيه.
نهضوا سويًا ليختاروا الجلوس على طاولة مجاورة لهن، وكأنهم فريقين مختلفين بفطرتهم، يناطحن بعضهم بالنظرات المحتفنة وكأن الحرب على وشك الإندلاع بينهما.
على الحفل الموسيقى الهادئة، فانضمت “لوجين” معه على المنصة قدم لها يديه، فخفق قلبها بربكة عشقه الخالد، وضعت أصابعها ببطء بين يديه الخشنة، ثم تمايلت معه على الإيقاع بتناغم والعينين تشعر قناديل العشق والغرام، فلطالما كان بعينيه قدرها، وبات درب هواه دريها المحتوم، تصمت وما عساها أن تختار الصمت ملحاً، فتأما دربها المحتوم، تصمت وما عساها أن تختار الصمت ملجأ، فتأمل عينيه وحركاته التي تجبرها على اتبعها تجعلها تشعر بسطوته وتحكمه بها، صمتاً ودت لو طال عهداً لتتمكن من فك لغز عينيه الغامضة، على نظراتها تنفذ لداخله، وكأنه خشى أن تستكشف مشاعره التي يخفيها
فقطع صمتهما الذي طال حينما قال:
بسأل نفسي فين البنت المشاكسة اللي ابتديت أتعود عليها، ودلوقتي شايفها بعيني مستخبية ورا بنت كاملة الانوثة.
استهدفت كلماته مشاعرها العذرية، فحاولت إخفاء خجلها الذي
سيفضحها لا محالة، فهمست بخبث
وأنا كمان بسأل نفسي فين الاربعيني الكئيب، شايفاه مستخبي ورا شاب في العشرين من عمره وخايف من عين الحسود وهي بتلاحقه…
تعالت ضحكاته الرجولية فزادت من وسامته، فكاد بأن يندمج معها بحوارها المشاكس، ولكنه انتبه لعمر الذي يشير إليه ويحثه على حملها والطواف بها ضيق عينيه بحدة، فعاد الأخير ليشير له بأن يفعلها، لذا حملها بين ذراعيه ثم طاف بها وسط صفقات من الجميع وتشجيع عمر له بمزح
هو ده الكلام.
ضحك “غيث” على صفير “عمر” المزعج، فجذبه للخلف وهو يحذره بلاش ترخم عليه عشان متزعلش بعد الفرح.
ردد بمكر
هو لسه شاف حاجة
وما أن انتهت رقصتهم التي جمعتهما سويًا، على الحفل إحدى النغمات الصاخبة، فجذب “عمر”، ” عاصي” بعيداً عن “لوجين”، ليشاكسه بالرقص فانضم له ” غيث” بفرحة، فلم يتردد “عاصي” مشاركتهم،ليستخدم كلا منهما ساقيه وبعض حركات يديه التي لم تنتقص من رجولتهم.
أما “لوجين” فأمسكت “عائشة” و”إيمان” “يدها، لتدور بها بحركات بسيطة، لم تصل لحد الرقص، فكانت كلاً منهن ترتدي نفس الفستان من اللون الذهبي ونفس لون الحجاب، شاركتهم لوجين بفرحة لم تتمنى أن يشاركها أحدًا بذلك اليوم المخصص لها، فغدت لحظات الفرح سريعة وتعد على اليد حينما انتهى حفل الزفاف، لتصعد معه للأعلى وبدها معلقة بيديه.
عاون “غيث ” “عائشة” على الهبوط من السيارة بفستانها الطويل فانحنى وهو يحيها بغمزة مشاكسة
برنسس.
تجاهلته عن عمد ثم فتحت الباب الخلفي لحماتها، فهبطت تحمل الصغير بين يدها، فحاول “غيث” حمله عنها، ولكنها رفضت ذلك وأشارت إليه بمكر:
يزيد هيفضل معايا النهاردة، أنا حافظة مواعيد أكله فمتقلقش عليه.
شعرت “عائشة” بالحرج لعلمها ماذا تحاول حماتها صنعه، فبعد ولادتها لم تحظى ببعض الوقت الخاص مع زوجها، فحاولت جذبه من يدها، قائلة بخجل:
مش هيخليكي تنامي خالص يا ماما وهيقلقك طول الليل.
ضمته لصدرها بحنان وهي تفرد الغطاء على جسده حتى تحفظه من الهواء:
هو أنا ورايا أيه يا بنتي سبيه واطلعي انتي مع جوزك ومتشليش همه .
انحنت “عائشة” لتقبل يدها بحركة غير متوقعة لزوجها ولسمية، قائلة بحب
ربنا ما يحرمنا منك يا رب.
أحاطهم “غيث” بذراعيه، ليدفعهما برفق تجاه مدخل العمارة
مينفعش نقف كده، نتكلم فوق
صعدوا سويًا للأعلى على أمل محاولة تغير قرارها، ولكنها توجهت
لشقتها وأغلقت الباب سريعًا، لتجبرهما على الصعود بمفردهما، التفتت “عائشة” تجاهه، فوجدته يتطلع لها بنظرة سيطرت عليها الرغبة
فأخرجت العاشق المدفون بداخله، حملت طرف فستانها ثم صعدت للأعلى، وما أن ولجت لشقتها حتى وجدته يجذبها إليه وهو يهمس لها
بأنفاس كادت بإحراق بشرتها الوردية
وأخيرًا هنبقى لوحدنا
حاوط خصرها بتملك، وكأنه يمنعها من الفرار، فقالت بتوتر وهي
تحاول إبعاده عنها :
أنت مصدقت الولد يبات بره ولا أيه، إبعد كده.
جحظت عينيه وهو يتساءل في صدمة:
هو كان بيسيبك لحظة
ابتسمت على تذمره من صغيرهما الذي لم يتعدى عمره الشهرين بعد
فقالت بمكر:
وأنت صراحة كنت بتتطوع تسهر بيه على طول .. والله ماما فيها الخير عنك.
قربها إليه بحركة سريعة جعلتها تبتر كلماتها لتواجه عاصفة ستوقعها باستسلام لا ريب شعر “غيث” برجفتها بين ذراعيه، وشوقها إليه
تخبره بها نظرات عينيها التي تتحاشى التطلع بها إليه، فانسابت قبلاته تخبره بها نظرات عينيها التي تتحاشى التطلع بها إليه، فانسابت قبلاته كنهر من عسل فوق وجنتها، لتجبرها على نسيان “يزيد” والعالم بأكمله، لتصبح ملكه في تلك اللحظة التي ارتوى كلاهما من عشقهما، فربما لقاء يحفه العشق يعوض قسوة الهجران
فتح “عمر” باب شقته، ثم دفعه على متسعه، فألقى ما بيديه من حقائب ممتلئة، ثم جلس على أقرب مقعد يلهث من فرط مجهوده المبذول لحمل الصغير ومتعلقاته ومتعلقات زوجته، فقربه إليه وهو يتمتم بغيظ:
أنت الوحيد اللي مينفعش أرميك في وسط الكركبة دي، بس قريب هعملها بس مش هتبقى لوحدك، هتبقى أنت وأمك وخالك في يوم واحد إن شاء الله.
بتقول أيه للولد يا مجنون
قالتها من تغلق الباب من خلفها، وتدنو منه حاملة طرف فستانها الطويل، فتحولت نظراته المحتقنة اليها، ومن ثم نهض عن مقعده ليلقي الصغير بوجهها، وكأنها بسؤالها هذا اشعلت فتيل قنبلتها
المتعصبة:
خدي بس ابنك الأول عشان أدى لنفسي مساحة فأعرف أخد وأدي في الكلام كده.
لفت يدها حول الصغير، ليتابع الاخير بقول ما كبته بداخله طوال الحفل:
أنا عايز أسالك سؤال بسيط بس هو أنا الشغال الجديد اللي جبهولك أخوكي المغرور ده؟
أطاحت بفتيل الحرب التي كانت تستعد لها حينما رأته في حالة لا
تسمح ذلك، فالنساء بارعات في تقييم حالة الزوج، فإن سمح لها
الدلال بوقت غضبه لن تتردد في ذلك، ولكن أحيانًا تصبح الأمور خارج السيطرة، فيصعب إستخدام أسلحتها في تلك اللحظة، لذا عليها سماعه ومحاولة اطفاء نيرانه قبل أن تشتعل أكثر من ذلك، لذا أجابته
بدهاء أنوثتها:
لا يا حبيبي، أنت جوزي حبيبي اللي مبيهنش عليه يشوف مراته محتاسة لوحدها.
رفع حاجبيه ساخراً:
ده في حالة إني مساعد مش هيترمى عليا الحمل كله وحضرتك طالعة على السلم زي الأميرة
وضعت الصغير على الأريكة، ثم لفت بفستانها عدة مرات انهتها حينما
غمزت له بخبث:
طب بذمتك مش شبه الأميرة؟
بلل شفتيه الجافة بلعابه وهو يجاهد مشاعره بإنهاء ذلك الخلاف ولكنه أنفض عن عقله ما يهاجمه قبل أن يعود لساحة المعركة مجدداً:
ده مش مبرر يخليني شايل الواد والشنط طول الفرح يا هانم
ثم استرسل بمثال حي علها تتراجع عن استغلاله
ما عندك “عائشة” أهي شوفتيها بتدي الواد “لغيث”، كان قاعد صايع طول الحفلة ومش لاقي حاجة يعملها وأنا البيه ابنك لزق ليا من أول
دقيقة لأخر دقيقة
أجابته بانفعال قد نجح بذرعه بها:
لان حماتها كانت جنبها طول الوقت وشايله عنها كل حاجة يا “عمر” ، لكن أنا ماليش حد غيرك.
وقطع عبارتها دامعة العينين وهي تحاول السيطرة على انفعالاتها،
ولكنه ما أن لمح هذة اللمعة الحقيقية حتى ضمها لصدره بقوة،
ليغمرها بين ذراعيه بهذا الفيض الذي يجعلها تصفح له عما دفعها إليه دون قصدًا منه، فكانت بحاجة إليه في تلك اللحظة القاسية التي تذكرها بوحدتها، فجرفتهما المشاعر في رحلة قصيرة سمح لهما العشق بخوضها، ولكنها ابتعدت عنه سريعًا فور سماعها بكاء الصغير، تأفف “عمر” وهو يتطلع إليه بضيق، ليصيح بضجر
الواد ده مستقصدني
تعالت ضحكاتها وهي تحمله وتتجه لغرفته، فجلست تحمله لأكثر من ساعتين حتى غفى وغفت وهي تحمله هي الأخرى، بينما ظل “عمر” ينتظرها بغرفتهما طوال تلك المدة وحينما تأخرت بقدومها، اتجه
الغرفة الصغير فارتسمت على شفتيه ابتسامة نبعت بالحنان حينما رآها تغفو هي الأخرى والصغير بين يدها، فتسلل على أطراف أصابعه ليحمل عنها الصغير، فوضعه بفراشه ثم دائره جيدًا، وعاد ليحملها بين
يديه واتجه بها لغرفتهما، فوضعها على الأريكة ثم وقف حائرًا، لا يود أن يفيقها وهي منهكة هكذا، لذا اتجه لخزانتها ثم جذب منامة قطنية ليبدل لها فستانها، وحملها للفراش فداثرها بأحضانه وهو يطبع قبلات متفرقة على أنحاء وجهها، هامسا بحزن:
كل ما بحاول أنسيكي موت والدتك برجع بغبائي أفكرك من غير ما أقصد، بس أوعدك إنها مش هتكرر تاني.
أطبقت أصابعها على التيشرت الخاص به، فأكدت له بأنها مستيقظة وخاصة حينما همست بخجل
بأحبك.
ضحك بمكر، فجذب الغطاء عليهما وهو يردد بخبث:
بما انك صاحية في كلام مكملنهوش بسبب المحروس ابنك وجيه
وقته.
تعالت ضحكاتها على وصفها لابنه، وتركته يبدد حزنها لسعادة وعشق لا يخص سواه هو !
***
ما أصعب أن يجابه إنسان ماضيه لأجل أن يعيش حاضره، فتلك الروح المرهقة رغم السهاد لم ينطفئ ضوؤها ولم يتزعزع في قلبها الإيمان ، وربما ما أخذه الله كان لحكمة فقد لا نملك في كثير من الأحيان حرية الإختيار ونحيا بالحلم الوسنان في تلك اللحظة شعر “عاصي” وكأن روحها تحوم به تجاهد في نقل غيرتها إليه في تلك اللحظة، فظل بمكتبه طوال تلك المدة التي فشل في تحديدها، وخلع جرفاته حينما شعر بأنها تعيق مجرى تنفسه، فمازال لا يتذكر وعده للوجين بأنه سيحاول منحها الحب والإحترام ووعود شعر بتلك اللحظة بأنها أكبر منه، ربما لإن الماضي مازال يفرض عليه حتى تلك اللحظة استكان بجسده على المقعد حتى سيطر عليه النوم، فاستسلم إليه، ولم يعد يشعر بشيئا، فما أن مضى الليل حتى شعر بوخزات مؤلمة تستهدف جنبه الأيسر، ففتح “عاصي” عينيه بانزعاج، ليتفاجاً بها تجلس على مقعد مقابل إليه، وتلكزه بعصا غليظة للغاية، استقام بجلسته وهو يتساءل بدهشة:
في أيه ؟
ألقت ما في فمها من بقايا التسالي، وهي تجيبه ساخرة: مفيش جيه في بالي شوية قرارات مهمة كده وقولت لازم أبلغك بيها، بس أنت اللي نومك تقيل ومش راضي تصحى أعملك أيه! عبس بعينيه وهو يحاول الاستيقاظ، فردد بنوم
قرارات أيه دي ؟
عند تلك اللحظة نهضت “لوجين” عن مقعدها، ثم طرقت بالعصا على
المكتب فأفزعته
أولا جو كل واحد ينام في أوضة لوحده لحد ما المشاعر تتحرك زي روايات المحن دي متلزمنيش، هي أوضة واحدة هنتشارك فيها واللي
عنده ضغينة من التاني يقولها.
ضيق عينيه بذهول، فاسترسلت بحدة
ثانيا بقى وده الأهم مفيش نزول الشركة من غيري وده طبعا لما
تقعدلك هنا أسبوعين تلاته عشان محدش يأكل وشي… ثالثا بقى …..
قاطعها حينما لوح بيديه بتعصب
حيلك حيلك أنتي داخلة تشتري أرض
والتقط نفسًا مطولا ثم زفره على مهل:
معنديش مشكلة نقعد مع بعض ، لكن شغل أيه اللي عايزة تنزليه معايا
ده؟
صعدت فوق سطح المكتب لتجيبه باندفاع والأخر يتابعها في صدمة:
أمال عايزني أسيبك تمشي على حل شعرك ودي تغمز لك ودي تكتبلك
رقمها لا مستحيل.
مرر يديه على وجهه بقسوة، ثم قال من بين اصطكاك أسنانه:
أيه جو الأفلام الهندي اللي أنتي عايشة جواه ده!
وتابع بقرار هام وهو يجذب منها العصا ليلوح بها أمام وجهها :
وبعدين انتي داخلة من تاني يوم تناقشيني بقرارتك ومعاكي دي
أمال بعد كده النقاش هيبقى ازاي، لا وعايزاني أقعد معاكي هنا
اسبوعين انتي بتحلمي
لوت شفتيها في سخط
يعني عايزني أصحيك ازاي وانت مقضي ليلتك هنا وكأن في غول مستنيك فوق !
عجز عن كتم ضحكاته وهو يراها بتلك الحالة الجنونية، فاستفزتها ضحكاته وهتفت بانفعال
بتضحك على أيه؟
استعاد اتزانه وهو يشير إليها بثبات مخادع
مبضحكش اتفضلي كملي كلامك.
كزت على أسنانها بغيظ من طريقته
كلامي خلص.
وتركته وغادرت من أمامه ويدها تقبض بقوة على أصابعها، فابتسم رغما عنه ليردد بصوت خافت
شكل اللي جاي شيء تاني خالص
تعمدت “لوجين” تجاهله، حتى حينما تتناول طعامها، كانت تتناوله بمفردها، وحملت هاتفها ثم خرجت للحديقة تتحدث مع “عائشة” و “إيمان”، على الفتور الذي يستحوذ عليها يتبدد بحديثها معهن، ولكن لم يزيدها الأمر الا إنها اكتسبت طاقة سلبية جعلتها تطوق لأمرا جنوني، لذا نهضت عن الأريكة وبحثت عنه والغضب يجعل عينيها خطيرة، وجدته بغرفته يتمدد على الفراش ويغفو بنوم مريح، فكزت على أسنانها بغل، ثم اقتربت منه لتصرخ بأعلى صوت تمتلكه : عاصي.
نهض من محله مفزوعًا، وهو يلتفت جواره، فاهتدت عينيه بها، فقال بضيق:
في أيه تاني على الصبح
جلست جواره على الفراش، لتستكمل صياحها المنفعل
انت طالع تكمل نوم وعلى بالك الست اللي انت اتجوزتها دي !
كبت ابتسامته للمرة التي تعدت حساباته، فقال بهدوء زائف
والمفروض أعمل أيه؟
هزت كتفيها بتشتت
معرفش بس أكيد هنلاقي حاجة نعملها، ممكن نخرج مثلا، نروحنسهر بأي مكان.
انتباه فکر مجنون فقال بحزن مصطنع
سهر أيه لا أنا ماليش في الجو ده أنا واحد أربعيني مكتئب أخري أقرأ كتاب أشوف فيلم حلو لكن سهر والكلام ده موعد كيش.
وجذب الغطاء على جسده مجددًا في محاولة لادعاء النوم، كزت على أسنانها بقوة تفوق تلك المرة، فجذبت الغطاء عنه ثم حركته بشراسة:
يعني أموت جنبك ولا أهبب أيه في السعادي.
قيد حركة يدها التي تكيل له الضربات، وحاصرها لتصبح مقيدة بين ذراعيه، فقرب وجهه منها وهو يهمس بصوت دق ناقوس الخطر وبعدين، هنبتديها عناد وحروب من أولها كده … ده لسه معداش على فرحنا غير كام ساعة
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تتطلع لعينيه عن قرب، فوجدت بهما هداها، ناده نبضها وعشقها وكل جوارحها بكرة وعشيا، وفي محرابه كانت تغزل قصائدها المخملية، وقلبها يشتعل شوقا وحنينا، مرت
نظراته ببطء على معالم وجهها حتى استقرت فوق شفتيها المرتجفة فلم يستطيع الصمود أمامها، أراد أن يتذوق معسول حاولت اخفائه عنه، ولكنه تمكن من ذلك، فابعدته “لوجين” عنها وهي تهمس على استحياء:
ابعد..
ونهضت وهي تعيد خصلات شعرها للخلف فقراً توترها، فشتت نظراته
عنها حينما قالت بتصميم
هتخرج معايا وهنسهر للصبح وده قرار نهائي، واتجهت لخزانته لتنقي له قميص من اللون الأبيض وبنطال رمادي اللون، ثم وضعتهما
على الفراش لتشير إليه بصرامة:
أنا نص ساعة وهكون جاهزة وتكون أنت كمان لبست.
عقد حاجبيه باستنكار
من أمته وانتي بتديني أوامر ؟
حملت فستانها واتجهت للحمام وهي تجيبه بغرور:
من اللحظة اللي بقيت فيها مراتك.
وأغلقت الباب بوجهه، فراق له كلماتها، ثم نهض ليرتدي ما وضعته له، ومازالت كلماتها تهیم به فانتهى من تصفيف شعره ثم استدار تجاهها
وهو يردد بانزعاج مصطنع :
كده تمام ولا لسه في حاجة تانية.
منحته نظرة شملته، ثم رفع أصابعها وهي تشير له باعجاب، ولكن لم يكن ينتبه لما تفعله، فكان صافن بجمالها الذي يطل من خلف فستانها الأبيض الرقيق، لاحظت نظراته تلك فراقبته خلسة وهي تصفف
شعرها، وفور أن انتهت اتجهت إليه لتسأله باهتمام:
أيه رأيك ؟
ابتسم وهو يخبرها
جميل.
لم يعجبها رأيه المختصر بها، كانت تود أن تستمع مدحه بما يرضي فضولها كأنثى، ولكنها لا تعلم سبب انزعاجه، دنا منها “عاصي” ثم بدا حديثه معها بمكر:
انتي كنتي عايزة تنزلي معايا الشركة ليه ؟
ردت باقتضاب
مش قولتلك الصبح
معلش مكنتش أخد بالي.
قولتلك مش هسمح لأي بنت كده ولا كده تبصبص ليك.
ابتسم بخبث وقد وصل لغايته، فقطع المسافة التي تفصلهما حتى بات قريبا للغاية، فمرر يديه على خصلات شعرها الأسود بلمسات يديه الرقيقة، أغلقت عينيها في محاربة لما يهاجمهما من مشاعر عذرية، ولكنها تفاجأت به يهمس جوار أذنيها
وأنا كمان محبش أشوف راجل غريب يبص لمراتي، عشان كده مش هستحمل انك تخرجي معايا كده.
وابتعد عنها ليتأملها بنظرة مهتمة لما سيحدث لها من تعابير معبرة عما يحدث معها، فأغلب النساء تعتقد غيرة الرجل شيئا رجعي يقيد
حريتها، فقد تظن بأنه حينما يفرض رأيه بارتداء الحجاب وملابس محتشمة بأنه يفعل ذلك تشددًا، ولكنه يصون غيرته التي قد تشتعل حينما يرى رجلا أخر يتطلع لمفاتنها، يريد أن يخصه جمالها ولا أحدًا سواه، لمعت عينيها بدمعة ترقرقت فرحًا لحبه وخوفه عليها، إذا باتت تعنيه الآن، نعم كانت قد اتخذت القرار مسبقًا بارتداء الحجاب بعد زواجها، ولكن ما أروع أن يختاره هو لها ويخبرها بذلك بطريقة راقية تحمل نبع حنانه وهدوئه، ابتعدت عنه “لوجين ” لتتجه لخزانتها ثم عادت إليه مجددًا لتسأله وهي تشير على حجابها الذي ترتديه: طب أيه رأيك كده؟
تبسم العشق بوجهه، فمنحها نظرة إعجاب ملأت نقصها تجاه رأيه المتنقص، فاقترب “عاصي” منها ثم طبع قبلة عميقة على جبينها :أجمل بكتير… خليكي عارفة ومتأكدة إني أحب أشوفك أجمل واحدة بالكون كله، بس في عيوني أنا مش في عيون حد.
تلون وجهها بلون حبات الفراولة الشهي، فابتعدت عنه ثم اشارت تجاه الباب
طب مش يالا بقى.
اتبعها للخارج وهو يرد عليها
يالا..
وتحرك بها للمكان الذي اختارته، فكان يطل على مياه النيل، قضى معاها ساعات كان يضحك بها من صمام قلبه، جعلته يخالف مواعيده المنضبطة، فلم يعد يعنيه الوقت كلما يكون معها، يشعر وكأنها تغلبه بعالمها المشاكس الوردي، فتجعله ينغمس معها دون رجعة منه، فكان شغوفًا لسماعها طوال الوقت حتى وإن كان الأمر تافه لا يزيد حافظته، يرغب فقط بسماعها ورؤيتها تبتسم، فقد أيقن الآن بأن ما كان بداخله منذ البداية هو حبا فشل بالاعتراف به
……..
(والأخير)…
٨:٥٢م
إعتاد قصر الأربعيني الأعزب على وجود تلك الفتاة الفوضوية، فكانت أغراضها تعبئ القصر بأكمله ومع ذلك لم يشعر “عاصي” بالضجر أبدا، فقد شعر أخيرًا بأن قصره عاد ليدب بالحياة في وجودها، بعدما كان كل شيئًا منظما، كسرت قواعد كثيرة أعظمها تشابه الأيام الروتنية بالنسبة إليه، فكل يوم كان مختلفًا بوجودها مرحها وبهجتها صنعت منه شخصًا أخر بات يكتشفه من جديد، فبات إنسانًا طبيعيا، يستيقظ مرة بموعده المحدد ومرة أخرى يغلبه النوم بعدما قضى مسائه بصحبتها، ربما ببدايته كان شخصًا منظم لأنه يمتلك المزيد من الوقت الذي يقضيه بمفرده، لكن الآن بات بصحبتها أحدًا يملي وقته اليوم يعد هاما بالنسبة إليه لأنه وأخيرًا سيقطع أجازته وسيعود للعمل، لذا
تألق ببذلته السوداء ثم رتب أوراقه الهامة بحقيبته، وأسرع للأسفل لتناول طعامه قبل الذهاب لعمله فوجدها تنتظره وهي ترتدي بذلة نسائية تشابه ما يرتديها، وتحمل نفس حقيبته، فردد في صدمة: على فين إن شاء الله ؟
أجابته بمنتهى الهدوء والإبتسامة ترتسم على وجهها :
على الشركة يا حبيبي.
برقت عينيه في دهشة من جرائتها بإتخاذ قرار هكذا، فقال بصوت
ضم السخرية بين أطيافه
وده بقرار مین؟
عدلت من ياقة بذلتها بغرور:
قراري أنا.
جذب مقعده ثم شرع بتناول طعامه وهو يشير لها باستهزاء:
روحي اقلعي مفيش حاجة من اللي في دماغك دي هتحصل
وخليكي هادية وراكزة كده بدل ما أقطع عليكي كل الخروجات.
احتدت نظراتها المشتعلة تجاه فرددت بوعيد
بقي كده ؟
أومأ برأسه ببسمة تعمد جعلها باردة لتستفزها، فغادرت من أمامه وهي
تتوعد إليه:
ماشي يا عاصي.
وادعت صعودها للأعلى ولكنها استغلت انشغاله بتناول الطعام وتركه للحقيبة على المقعد المجاور للدرج، فجذبتها بحرص وعينيها تراقبه
ثم اتجهت لغرفة مكتبه الجانبية، ففتحت الحقيبة لتتفحص محتوياتها، ثم شرعت بتنفيذ مخططها ، فحرصت على وضع ورقة من الأوراق التي صورتها على المكينة بكل ملف موجود بالحقيبة
وأسرعت بإعادتها لمحلها وهي تهمس بخبث شيطاني:
والله لأوريك يا عاصي.
طوال تلك الفترة الماضية كان عبء العمل يقع على كتفي “غيث”، فكان يعمل جاهدًا ليسد غياب “عاصي”، وبناء على طلبه نظم الإجتماع هام ليناقش كيف كانت الأمور تجرى بدونه، وبالفعل ما أن وصل لمقر العمل حتى اجتمعوا جميعًا بغرفة الاجتماعات التي ترأسها “عاصي”، فأوضح له “غيث” أخر التطورات، وبعدما انتهى بدأ “عاصي” بالحديث عن أحد أهم الصفقات التي ستجدد العمل بينهم وبين أسبانيا، ثم قدم بعض الملفات لأحد الموظفين وأمره بتوزيع النسخ على زملائه، بينما نهض هو ليقف أمام السبورة البيضاء، ثم جذب أحد الأقلام ليبدأ بشرح ما سيعم بالفائدة على الشركة من صفقات مثل تلك التي سيقدم على فعلها، مستعينا بالملفات الموضوعة أمامهما، ولكنه لاحظ تبدل ملامح الجميع، ليبدوا أغلبهم يقرأ بتمعن المكتوب أمامه والأخر يعكس إنطباعًا غاضب، والأخير يبتسم فلم يستطيع السيطرة على ضحكاته، أما “غيث” فقرأ المدون بصدمة
السادة أعضاء الشركة الموقرين، إن هذا الرجل المدعو بعاصي سويلم قد تجرد من رداء الإنسانية حينما حرم امرأة من أبسط حقوقها
بتحقيق طموحاتها بالعمل ، فقد يبدو للجميع رجلا مثقفًا يحترم حقوق المرأة ويرى أن حقوقها مناصفة بالمجتمع وها هو يحرم زوجته من العمل بكل ذرة كبرياء امتلكها هذا المتعجرف، ومن مكاني هذا أناشدكم بشن حرب الثورة على هذا المغرور، ومطالبته بالسماح لي بالعمل بالشركة، حتى لا يقضى على حق المرأة في المساهمة برقي المجتمع .. ولكم مني كل السلام.. لوجين سويلم
اتنقلت نظراته الحائرة تجاه “غيث” والذي بدوره نهض ليقدم له نسخة من الملف المطروح أمام موظفين شركته، فانکمشت تعابیره رويدا رويدا، لتحتد مع قراءة كل سطر يليه حتى وصل الذروة الغضب فكمش الورق بين يديه وهو يردد من بين اصطكاك أسنانه لوجين.
شعر “غيث” بأنه سيفقد التحكم بأعصابه أمام موظفيه، لذا كان سريع بردة فعله حينما قال:
مجرد سوء تفاهم، وهنأجل الاجتماع لبكره إن شاء الله.
غادر الجميع قاعة الاجتماعات، ليتبقى “غيث” بصحبته، فدنا منه بحذر انتقاء كلماته هحاول أن يقلب الأمر مزحة:
يعني أنت مشغل في الشركة عدد كبير من الستات وجيت على مراتك وتقولها لا؟
انتقلت نظراته الحادة تجاهه، فاستكمل بتحذير شمل أمر ونصيحة:أنا من رأيي تنزلها معاك الشغل بدل ما تفضحك على النت زي ما عملت دلوقتي متنساش انها عندها صفحة معدية ال 100 الف متابع ألقى بالملف الذي يحمله أرضًا ليجيبه بشراسة:
أنا مبتلويش دراعي يا غيث وأنت عارف.
كبت ضحكاته بصعوبة فما تفعله “لوجين” لا يحتمله العقل حتى يحتمله عاصي العاقل، فجاهد لجعل معالمه أكثر مرونة:
الوضع يفرق يا عم، لازم تسايس أمورك عشان المركب انت بس عشان لسه متجوز قريب بس لما تدخلك في سنة ولا اتنين هتبتدي تتأقلم.
منحه نظرة مستنكرة
مين ده اللي بيتكلم
تنحنح بحرج، ثم قال:
عارف إني متهور وعصبي وفيا العبر كلها بس بقدملك النصايح اللي
اتقالتلي.
وعملت بيها ؟
أبدا.. بس ده ميمنعش اني بحاول.
ربت بيديه على كتفه بقسوة
حاول مع نفسك بس أنا بقى مش هيمشي معايا الدور ده، عايزك في
مكتبي زي ما أنت، أنا ولا كأني جيت.
ولوح له وهو يحمل حقيبته ليتجه للخروج
سلام یا مان
اتبعه “غيث” وهو مشدوها من الصدمة، فرفع صوته ليصل لمسمعه لا كده مش هينفع، هنتأخر في حاجات كتير ارجع خلينا نشوف
شغلنا وبلاش لعب العيال اللي مش هيأكل عيش بحلاوة ده!
لم يعيره انتباها وصعد لسيارته ليعود بسرعة البرق للقصر، فوجد الخادمة تنظف الطابق السفلي، فما أن رأته حتى دنت منه تتساءل باستغراب
حضرتك نسيت حاجة يا باشا ؟
تجاهل سؤالها، وعينيه الصقرية تجوب المكان باحثًا عنها، وحينما لم
تهتدي سألها بانفعال:
هي فين؟
ردت عليه بحيرة وخوف من نبرته المتعصبة التي لا تنذر بالخير هي مين آه الهانم فوق في أوضتها بترتاح شوية.
تركها وانطلق للأعلى كالصاروخ المندفع، فقبض على مقبض الباب بقوة كادت بخلعه فوجدها تجلس على مقعد السراحة وتضع طلاء الأظافر على يدها، فمنحته نظرة ماكرة قبل أن تردد بصوت ناعم أنت جيت يا حبيبي، متأخرتش يعني !
أغلق الباب من خلفه بعنف، ثم اقترب منها وهو يطالعها بانذار خطر فانحنى ليقابل نظراتها العنجهية بنبرته الخشنة
في أقل من الدقيقة تشرحيلي أيه الجنان اللي هببتيه ده ؟
اكملت وضع الطلاء وهي تتساءل ببرود:
أيه اللي عملته ؟
ألقى بالزجاجة الصغيرة أرضًا، فتناثرت محتوياتها على السجاد
فاستقامت بوقفتها وهي تصيح به
أنت مجنون أيه اللي عملته ده!
راق له تعصبها، فقال بنفس نبرتها الباردة
عشات تتأكدي إنك مش مجنونة لوحدك، أنا كمان ممكن أبقى مختل وأعمل اللي أكثر من كده.
ضيقت عينيها باستياء، ثم دفعته بيدها وهي تخبره دوافعها تجاه ما فعلته
وأنت لسه شوفت حاجة، قابل مني اللي أكثر من كده طول ما أنت انسان حاقد وجاي على الغلبانة اللي اتجوزتها دي.
جحظت حدقتيه في صدمة:
مين دي اللي غلبانة ده الغلب جنبك ملاك بجناحين.
وضعت يدها بمنتصف خصرها بعدما تدلى جزء من مئزرها
وأنت بقى أيه؟
اتجهت عينيه لما ترتديه أسفل مئزرها، فكانت ترتدي قميص أسود
بحملات رفيعة، تتبعت عيناها ما ينظر إليه، فشهقت خجلا وهي تخفي
ما ترتديه، وأشارت له بأصابعها:
شوفتك على فكرة.
ابتسم بانتصار، ومن ثم سألها بخبث وهو يدنو منها :
شوفتي أيه بالظبط !
بللت شفتيها بارتباك وهي تراه يقترب منها، فاستدارت في نية لمغادرة الغرفة، والأخر يتبعها، فرغما عنه وضع قدميه على طرف مئزرها
لتتعر كل قدميها فكاد بأن يساندها ولكن إختل توازنهما ليسقطوا معا على الفراش، منحته نظرة متعصبة وهي تحاول دفعها بعيدا عنها، فكان من السهل شل حركاتها لفرق قوته الذكورية على جسدها
الضعيف، ثم تطلع لها وهو يحذرها بكلماته
دي أخر مرة هتحطيني في موقف محرج زي ده مع موظفيني يا
لوجين، سامعة ؟
أومأت برأسها عدة مرات، فارتسم على شفتيه ابتسامة رضا بما توصل إليه معها، فحرر أول يد لها فوضعتها على صدره لتدفعه مثلما اعتادت
ولكنها توقفت حينما شعرت لأول مرة بنبضات قلبه أسفل أصابعها فاتجهت نظراتها لتعانق عينيه التي تنظران إليها بمشاعر متخطبة فالدقائق سئمت من وقتهما الذي طال بينهما، انخفضت عينيها لشفتيه التي تجاهد لقول شيئًا لم تستطيع فهمه، فبدى إليها حائرًا فيما سيقول، للحظة انقبض قلبها لشعورها بأنه ربما سيطلقها لجنونها حتمًا، فملامحه المرتبكة كانت موضع قلقها، ولكنه أعاد الخفق لقلبها البائس حينما رددت شفتيه
بأحبك.
أغلقت عينيها بقوة وعدم تصديق لما استمعت إليه، وأخيرًا غسلت جوارحها بسماع تلك الكلمة، ففتحت عينيها على مهل وهي تطالعه بدموع فرحة ظهر بعينيها، قرب “عاصي” يديه من وجهها، فأزاح تلك الدمعات قبل أن تلوث وجهها الذي إعتاد رؤية البسمة به، ثم عاد ليهمس لها مجددًا، وكأن معسول كلماته ستشفي ما بداخلها:
من أول يوم شوفتك فيه وأنا كنت عارف إن اللحظة دي هتيجي إنتي عوضتيني عن الماضي اللي عشت مدفون جواه ومكنتش قادر أخرج منه، أنا أحيانًا بحس بالندم إني قابلتك بعد المدة الكبيرة دي كلها، بأحبك ومش هحب غيرك.
اندثت بأحضانه ويدها تتشبث به، وكأنها تخبره بأنها تكن له حبا يضاهي الذي يحمله لها، لذا سمح لرغباته المدفونة بداخله بأن تعبر لها ما تكنه من مشاعر صادقة لمعشوقة قلبه فارغمها على التعايش معه قلب وقالبا، فانسجمت الأرواح في لقاء عابر، كان بالبداية شبه مستحيل بين أربعينيا أعزبًا وفتاة ساقها القدر إليه.
وعلى الرغم من إزدهار برعم الحب بينهما الا أن “لوجين” لم تفقد روحها المرحة التي تسللت لأعماق “عاصي” بعد، بل ظلت هكذا، تلاحقه أينما ذهب وربحت حربها بموافقته على الذهاب معه للعمل فكانت تشغل وقته بالمنزل والشركة وكل مكان كان يوجد هو به وكأنها ظله الذي فقده لسنوات، وربما عوض لتحمله ألم الفقدان الأعوام لن يحتمل أي رجلا عاديًا خوض تلك التفاصيل القاسية، ومع ذلك أبت “لوجين” محو ذكرياته الخاصة، فتركت صور “هند” التي قد تشكل انذار خطر لأي امرأة أخرى، تركتها تملأ قصرها وبجوارها كانت تضع صورًا لها مع “عاصي” ، وكأنها تخبره بأن ماضيه ملكا له وحده… الأيام تمضي، والشهور تمر والحياة تزال مستمرة، وها قد أتى الشهر المترقب إليها، فاليوم سيتم “عاصي” الحادي والأربعون من عمره مازالت تذكر ما حدث في ذلك اليوم بالسنة الماضية، فكان ذكرى ميلاده الأربعون هو يوم التقى كلا منهما معًا، ربما كان وحيدًا في ذلك اليوم، ولكنها الآن معه ولجواره، أعدت كل شيء بمساعدة “إيمان” و”عائشة” و”غيث” و”عمر”، فكان القصر مزخرفًا بطريقة غير مبالغة بها، وإسمه دونته بالزينة وأسفله بلون أبيض على شكل حروف عمره وما أن أعلن بوق سيارته وصوله حتى إختبئ الجميع، فوقت دخوله لقاعة القصر كانت إشارة بالهجوم الجماعي، فانقضوا عليه جميعًا بالصواريخ والصابون والأشياء الطفولية التي حرصت “لوجين” على شرائها، حاول “عاصي” حماية وجهه وهو يصيح بهم بعصبية: أيه الجنان ده!
قال “عمر” بمزح :
عيد ميلاد سعيد يابو نسب قولنا نفرحك أياكش يطمر فيك. تعالت ضحكات “إيمان” ، فقالت هي الأخرى وهي ترشه بالصابون طبعًا يا عاصي انت مش هتزعل مني لإنك عارف أكيد مين صاحب
الفكرة دي!
انتقلت نظراته لها، فضخت عليه بسلاحها وهي تخبره بابتسامة
واسعة:
كل سنة وأنت طيب يا حبيبي.
كاد بأن يتخطاهم ليمسك بها، فأسرعت بخطاها لتقف خلف”
عائشة ” التي كان زوجها حماية لها، فوزع “عاصي” نظراته بينه وبين
ما يحمله بين يديه، ثم قال بدهشة:
حتى أنت يا غيث
ضخ عليه بما يحمله وهو يخبره بمرح
ده احتفال قيم ولازم نحتفل بيه صح ولا أيه؟
ضحكت “عائشة ” ثم قالت بحيادية:
كلهم رشوا عليك الا أنا يا عاصي عشان تعرف بس إني ماليش في الاذية.
منحها ابتسامة هادئة وهو يرد عليها :
طول عمرك طيبة مش زي جوزك.
عاد ليرشه بالصابون وهو يخبره باستمتاع
ماله جوزها يا عاصي بيه؟
كز على أسنانه بغضب كاد بتدميرهما، ولكنه إختار الجلوس على الطاولة هادئا لبعض الوقت، فوجدهم يجتمعون من حوله على المقاعد
ليبدأ كلا منهما بتقديم هداياه، وانتهت بلوجين التي وضعت من أمامه ثلاث علب مغلفة، فرفع حاجبيه وهو يتساءل باستغراب
أيه ده ؟
قالت بضحكة كانت مقلقة له :
فيها هديتك دور عليها انت بقى.
فتح العلبة الموضوعة على الجهة المجاورة له، فما أن فتحها حتى
تدفقت المياه بوجهه، فضحك الجميع على مظهره، بينما قدم له “عمر”
المناديل الورقية وهو يشير إليه بحماس :
اجمد يا وحش.
احتدت نظراته التي وزعت بينهما جميعًا، وخاصة حينما قالت
“لوجين” بغرور:
اضحك وإنت بتفتح هديتي أنا بالذات عشان ميحصلكش زي اللي حصل ده.
تحكم بغضبه الذي سيفسد يومه هذا، ففتح العلبة التي تليها، فتعجب حينما وجد بها ساعته القديمة التي اهدته إليه “هند” في أخر عيد ميلاد حضرته معه، وكأن لوجين تتعمد أن يتذكرها في كل أوقاته فيترحم عليها، وربما كانت اشارة للعلبة التي تليها، فما أن فض الشريط الموضوع عليها حتى تقوس جبينه بذهول، فكانت تحوي شريطا صغير ملفوف على شيئًا مبهما ، فتحه “عاصي” ليتفاجأ باختبار حمل يحمل مؤشر بروح أخرى قادمة لتنير حياته، رفع عينيه بصعوبة عنها ليتطلع لمن تراقبه بنظرات باكية، فنهض عن مقعده ثم أسرع تجاهها ليحملها بين ذراعيه هامسا وهو يطوف بها بجنون
بأحبك ..
ابتسمت “لوجين” وهمست له بعشق:
وأنا بموت فيك.
التف الجميع من حولهما ليبارك هذا الخبر السعيد، من كان يصدق بأنه سيكسر قاعدة عزوبيته تلك ليصبح له زوجة وابن، من كان يصدق أن قلب الأربعيني الأعزب سيتمرد ليخضع لاختيار شريكته، وكأنه يشعر بها حتى وإن لم يعترف بحبها الذي حاربه واستسلم له بالنهاية، فماذا قلب الأربعيني الأعزب سيتمرد ليخضع لاختيار شريكته، وكأنه يشعر بها حتى وإن لم يعترف بحبها الذي حاربه واستسلم له بالنهاية، فماذا بعد اللقاء وكانت هي له قدرًا، ناداها بنبضه والوريد، فمسحت على قلبه بتعويذة، وبين ذراعيه كانت من الآمنين
وعلى جدار العابرين صنعا معًا من العشق تاريخا…
دمتم ساالمين
التعليقات