رواية الاربعيني الاعزب الفصل الخامس والسادس والسابع والثامن بقلم إية محمد رفعت جميع الفصول كامله
رواية الاربعيني الاعزب الفصل الخامس والسادس والسابع والثامن بقلم إية محمد رفعت جميع الفصول كامله
56
حاولت “لوجين” النوم كثيراً، ولكنها لم تستطيع فهبطت للحديقة تتمشى جوار حمام السباحة، عل الهواء المنعش يساعدها على التفكيرٍ، فالمهلة أوشكت على الإنتهاء وعليها اللجوء لخطةٍ بديلة تحميها من “قاسم”، زفرت بضيقٍ فكلما شعرت بأنها وجدت الحل المناسب يسده عليها من جميع الإتجاهات، وكأن جميع العالم يصب لمصلحته، مرت أكثر من ساعتين ومازالت تجلس على الأريكةٍ المسطحة القريبة، حتى غفلها النوم فإستسلمت له وتمددت محلها، فإبتسم من يراقبها من الاعلى بسخريةٍ، ثم ولج لغرفته وجذب وسادة وغطاء، ليهبط إليها، فرفع”عاصي” رأسها ثم وضع الوسادة أسفلها، وداثرها بالغطاء جيداً، ثم جلس على الأريكة المجاورة لها يتأملها بشرودٍ قذفه لبقاعٍ الماضي المؤلم.
##
_”عاصي” أنا حاسة إن كده خلاص.
قالت كلماتها المتقطعة ببكاءٍ حاولت السيطرة عليه، ولكنها فشلت بذلك، فإحتضن يدها بين يديه وهو يعنفها:
_قولتلك ألف مرة متتكلميش كده تاني، إنتي هتقومي يا “هند”، هتخفي وهعملك فرح الدنيا كلها تحكي وتتحاكى عنه، فاهمة؟
أغلقت جفن عينيها بقوةٍ، وكأنها تحاول تحمل الآلآم التي تضرب جسدها الهزيل، فإرتعشت أصابعها المتعلقة به، فحاولت الحديث رغم إرهاقها:
_كان نفسي أحقق كل أحلامي وأنا جنبك يا”عاصي”، بس الموت سبقني وخطفني.
لمعت عينيه البنية بالدموعٍ، ومع ذلك يحاول السيطرة على نفسه، ليبدو صامداً أمامها:
_هترجعي تتكلمي في اللي ينرفزني تاني يا” هند”.
نهج صدرها بإندفاعٍ، وإحتدت حدقتيها التي باتت يكسوها حمرة مخيفة، فإلتقطت نفسها بصعوبةٍ وقد شحب وجهها للغاية، حتى جسدها هاجمته برودة غريبة، إتجهت نظراتها تجاهه وكأنها تودعه الوداع الأخير الذي شعر به “عاصي” فضمها لصدره وهو يبكي كالطفل الصغير، فمنح قدرة غريبة لحثها على نطق الشهادة، حينما هزها بين يديه وهو يردد بدموعٍ تسبقه:
_رددي الشهادة يا حبيبتي.
نطقتها بأحرافٍ متقطعة لحقها صمت جاف، وبعدها برودة قاسية إستهدفت جسدها وجسده، لتظل تلك الذكرى المؤلمة تلاحقه حتى تلك اللحظة.
إستند “عاصي” على جسد الأريكة وهو يزيح دمعات تذكرها، فكلما يتذكرها يدعو لها بالرحمة والمغفرة، ويتسابق لفعل المشاريع الخيرية لأجلها، فمن قال أن وصال الحب ينقطع بموت من أحببت، بل يظل حياً يرزق بداخلك، تستحضره أينما يريد فيتجسد أمامه كأنه روحاً من لحم ودم!
******
توسطت الشمس كبد السماء، فتسللت خيوطها الذهبية لتنسدل على سطح المياه فمنحته مظهر خلاب، فتعالى صوت زقزقة العصافير لتزعج تلك الناعسة، ففتحت جفن عينيها الثقيل بتكاسلٍ، رفعت “لوجين” يدها لتعصب عينيها من شدة الضوء التي تعرضت إليه، فبدءت تستوعب مكان نومها رويداً رويداً، فتذكرت جلوسها هنا بالأمس ولكن ما تعجبت لأمره ذاك الغطاء الموضوع من حولها، فاستدارت على يسارها فوجدته نائم على الأريكةٍ المقابلة لها، تأملته “لوجين” بإبتسامةٍ ساحرة، فاسندت وجهها على كفة يدها وهي تتأمل معالم وجهه الرجولي بوضوحٍ، ذلك الأربعيني الأعزب إكتسب إعجابها منذ موقفهما الأول، مجرد تخيلها لوجوده جوارها طوال الليل جعل وجهها يكسوه حمرة طفيفة، إختفت إبتسامتها الحالمة حينما وجدته يستيقظ من نومه، فأستدارت بوجهها بالإتجاه الأخر، نهض “عاصي” عن محله وهو يردد بصوتٍ ناعس:
_أنا نمت هنا إزاي؟
تطلعت إليه وهي تجيبه بسخريةٍ:
_وأنا هعرف منين وأنا سبقتك!
رمقها بنظرةٍ ساخطة، تتبعها قوله المستهزأ:
_ما أنتي السبب، ضاقت في وشك يعني وملقتيش غير المكان ده اللي تنامي فيه!
إقتربت منه لتشير له بغضبٍ:
_أنا حرة أنام في الحتة اللي تريحني أنت اللي جيت هنا ليه!
مشط شعره بتشتتٍ، فربما بحث عن إجابة يرد بها عليه، ولكنه لم يجد، فتهرب حينما تطلع لساعة يديه:
_أنا إتاخرت على الشركة ولأول مرة بسببك.
لحقت به وهي تردد بذهولٍ:
_ليه هو أنا اللي قولتلك نام جنبي هنا!
لم يجيبها “عاصي” وإستكمل طريقه حتى ولج لغرفته، فجذب بذلة رسمية، ثم إستدار ليتجه لحمامه الخاص، فوجدها خلفه، تساءل بدهشةٍ:
_إنتي بتعملي هنا أيه؟
تطلعت حولها بتفحصٍ، فتملكتها الحيرة التي لحقت بربكتها:
_معرفش أنا كنت ماشية وراك وفجأة لقيت نفسي هنا!
حك طرف أنفه وهو يجيبها بسخريةٍ:
_وماشية ورايا ليه عيلة صغيرة إنتي!
إدلت شفتيها السفلية بضيقٍ من لهجته، ثم قالت:
_كنت عايزة لاب أو موبيل، أي حاجة أسلي بيها وقتي.
جز على أسنانه بضيقٍ، ثم إتجه لخزانته الشخصية ليعود إليها بعد قليل بجهاز حاسوب وهاتف، حملتهم منه بإبتسامةٍ واسعة:
_متشكرة جداً ومتقلقش يا باشا هسلمهولك لما هجي أمشي زي مهما.. كن مطمئن.
ضحك رغماً عنه، ثم حاول رسم الجدية بأمره الصارم:
_طب ممكن بره بقى مش عايز أتأخر أكتر من كده.
إحتضنت ما تحمله بطفوليةٍ، ثم تخفت من أمام عينيه والبهجة والسرور تنير وجهها، تاركة بسمة هادئة دوماً ما تنجح برسمها على وجهه.
*******
بشقة “عمر”.
إنتهى أخيراً من جلي الأطباق، ثم خلع مريول المطبخ ليتفحص هاتفه الذي عاد ليدق للمرة الثالثة، ففتحه وهو يرد على مضضٍ:
_أيه يا”سالي” نازلة رن رن في أيه!
أتاه صوت الممرضة التي تستغيث:
_إنت فين يا دكتور “عمر”، في مرضى كتير هنا وأنا عمالة أقولهم على وصول لما قربوا يخنقوني.
زفر بضيقٍ شديد:
_هعمل أيه بس ورايا مسؤوليات بالنسبة للمدام أهم من تاريخي الطبي كله.
ثم استطرد بإنفعالٍ:
_إقفلي نصاية وجاي، ولو إتاخرت عن كده إتصلي بالبوليس.
وأغلق الهاتف ثم توجه لغرفته فأسرع بتبديل ملابسه، وجذب مفاتيح سيارته ليتجه للمغادرة، فلحقت به”إيمان” لتناديه بتعبٍ بدى عليها:
_”عمر” أنا هسبقك عند “عاصي” ، متنساش تيجي عشان نشوف موضوع “عائشة”.
أومأ برأسه بخفةٍ ثم غادر على الفور قبل أن توقفه مجدداً.
*******
بفيلا” قاسم خلدون”
فشل رجاله بالعثور عليها جعل غضبه ينفرد بنيرانه التي كادت بحرق كل من يقترب منه، فصرخ بعصبيةٍ مخيفة:
_بقالكم يومين بتحاولوا توصلوا ليها ومش عارفين، أنا لو مشغل معايا بهايم كانوا نفعوني أكتر منكم.
الصمت كان سجنهم ليحتموا من غضبه الشرس، فقطع أحد رجاله جلسته الخاصة، حينما هرع إليه ليضع من أمامه جهاز حاسوب صغير الحجم، ليعرض مقطع فيديو قصير، فتساءل “قاسم” بإهتمامٍ:
_ده أيه؟
أجابه الرجل سريعاً حتى يتلاشى غضبه:
_ده تسجيل للكاميرات الخاصة بالعمارة اللي قدام القاعة يا باشا.
ثم ضغط على زر التشغيل فوجد “عاصي” يصعد سيارته وبصحبته “لوجين”، سيطرت الصدمة عليه، بالدرجة التي جعلته لم يصدق ما تراه عينيه، فجذب شاشة الحاسوب تجاهه ليعيد عرض الفيديو مجدداً، فاشتعلت حدقتاه على الأخير ليصيح بإهتياجٍ أشد:
_إزاي يعمل كده!
قال أحد رجاله دون تفكير:
_” عاصي سويلم” مش من طباعه إنه يعمل كده.
زم “قاسم” شفتيه مؤكداً:
_فعلاً، الا لو هي أقنعته إني هتجوزها من غير رضاها..
وردد بنفس الصوت الهادئ:
_لازم أخد حذري في دخلتي ليه، ووقتها هفهم دماغه فيها أيه؟
*******
حل المساء سريعاً، وإجتمعوا سوياً أخيراً بالحديقة الخلفية لقصر “عاصي”، فقال “عمر” بحنينٍ للماضي:
_بقالنا كتير متجمعناش كده.
زوى “غيث” حاجبيه بضيقٍ مصطنع:
_على أساس إنك قاطع فينا أوي، إنت ليل نهار عندنا في الشركة يا ابني!
امتعض وجهه وهتف محتجاً:
_خلاص يا عم الاسطوانة اللي حمضت دي.
ازدرد “عاصي” ريقه متسائلاً في جدية، وقد ترك محله ليكون في مواجهة ابن خالته:
_سيبك منه وقولي عملت أيه إمبارح مع خالتي!
وكأنه نزع فتيل قنبلة ثورته، فانفجر هادراً بغضبٍ وقد انتفخت أوداجه:
_متفكرنيش باللي حصل يا “عاصي” ، أنا لسه لحد الآن مصدوم في اللي شوفته وسمعته!
تساء مستفهماً وهو لا يستطيع إخفاء دهشته:
_حصل أيه!
رد هامساً من بين شفتيه المضغوطتين:
_سمعتها وهي بتطلب من “عائشة” إختبار الDna.
برقت عينيه وهو يعاود التحديق نحوه بعدم تصديق، فكان يظن بأن المشاكل بينهما لن تصل لذاك الحد، صدمته في خالته وطلبها كان عظيماً، فشعر الآن بما يخوضه “غيث”، فسأله”عمر” بعينٍ تطالعه في قلقٍ:
_طب وناوي تعمل أيه؟
رد بعبوسٍ:
_والله ما أنا عارف يا”عمر”، الموضوع فعلاً صعب.
عاد السكون يغلف الأجواء للحظاتٍ، فمزقه “عاصي” حينما قال بشفقةٍ على حاله:
_فكر كويس قبل ما تأخد أي قرار تندم عليه بعدين يا “غيث”، متنساش إنها في النهاية والدتك.
ثم حثه على المشي لجواره وهو يشير إليه:
_يلا عشان الأكل هيبرد كده.
لحق بهما”عمر” للداخل، فوجد زوجته تجلس جوار “عائشة” بالصالون القريب من المائدة، تتهمسان كعادتهن كلما تجمعن بمكانٍ واحد، فإبتسم “غيث” وهو يردد ممازحاً:
_رجعيتوا إتلمتوا على بعض!
هز “عمر” رأسه في استنكارٍ، ليعلق على حديثه:
_ربنا يستر من اللي جاي، مش بتفائل بالحزب ده.
استفزتها كلماته، فدفعها لثورةٍ محتجة ولكن بصوتٍ خفيضٍ:
_ بقى كده يا “عمر”، ماشي..
تراجع على الفور مصححاً قبل أن يندلع غضبها:
_لا يا قلبي أنا أقدر، أنا أقصد إن التجمع ده بيبقى كله خير مش كده ولا أيه يا”غيث”.
كبت ضحكاته وهو يهز رأسه:
_بالظبط.
ثم تركه يواجه حربه بمفرده، وجلس جوار زوجته ثم قال وعينيه تفترسها:
_فين الأكل لحسن أنا واقع من الجوع.
أخفض”عاصي” سماعة أذنيه بعدما تأكد من إنتهاء ثورة المشاكسة بينهما:
_دقايق وهيكون على السفرة.
تفحصت “إيمان” الردهة من حولها، فقد أنستها رفقة صديقتها الوحيدة عدم وجود “لوجين” ، فسألت أخيها بذهولٍ:
_فين “لوجين” يا “عاصي”؟
طوف المكان بنظرةٍ متفحصة قبل أن يجيبها:
_معرفش جايز في أوضتها!
إتجهت لتصعد الدرج وهي تخبره:
_هطلع أشوفها.
وضعت”عائشة” كوب العصير عن يدها، لتسأله بدهشةٍ:
_مين “لوجين” دي، أنت إتجوزت ولا أيه يا “عاصي”؟
أومأ برأسه مؤكداً في لؤم خبيث:
_أيوه في السر ومعزمتش حد!
ضحك”غيث” على بلاهةٍ زوجته، فعلق عليها بتهكمٍ قاصداً التلميح بما يراود عقله:
_بندعي كلنا من قلبنا إننا نوصل حتى لمرحلة الإشاعات دي.
إستفرض “عمر” بالفرصةٍ حينما أضاف:
_والله تبقى مراتك جابت البشارة يا “غيث”.
نظر لهما “عاصي” شزراً، فقال “عمر” رافعاً كفه في لهواء موجداً لنفسه المبررات الواهية:
_ مش ده شرع ربنا يا ابني، هتحرمه كمان!
مال عليه “غيث” ناصحاً:
_كفايا زودت الدور ونهايتك هتبقى مخيفة.
تنحنح وهو يعتدل بجلسته، ليهمس إليه:
_كويس إنك نبهتني.
*******
بالأعلى.
طرقت عدة مرات على باب غرفتها، فولجت حينما استمعت لآذن الدخول، راسمة إبتسامة مشرقة على وجهها:
_الجميل صاحي ولا نايم؟
تركت “لوجين” الحاسوب من يدها، لتردد بفرحةٍ:
_”إيمان” أيه المفاجأة الجميلة دي.
وإحتضنتها بحبٍ، فربتت الأخيرة على ظهرها بحنانٍ، ثم عاتبتها قائلة:
_طب أما هي مفاجأة جميلة منزلتيش ليه تقعدي معانا تحت!
تجسد الخجل بوجهها، فجاهدت للحديث:
_كان نفسي والله بس أنا معيش هدوم كويسة..
وأكملت حديثها بمشاغبةٍ:
_أنا كل مرة بعمل حسابي وأنا هربانه من الملزق ده بس المرادي خدني على خوانة.
كركرت “إيمان” ضاحكاً، ثم قالت:
_ مش ممكن يا لوجي إنتي دمك شربات.
إكتفت برسم بسمة صغيرة، فغابت عنها ثم عادت بعد قليل حاملة فستان أسود ضيق من منطقة البطن ويتسع من الأسفل، فوضعته بيدها ونظراتها بدت مريحة نوعاً ما:
_لو كنتي قولتيلي كنت جبتلك حاجة من لبسي وأنا جاية، أو على الأقل كنا نزلنا عملنا شوبنج وجبنا الحاجات اللي على مزاجك، بس معلش تتعوض، حاولي تمشي نفسك بده.
جذبته منها ثم وقفت تقيسه على جسدها أمام المرآة، فسألتها بترددٍ:
_ده بتاع “هند” صح؟
زوت حاجبيها متسائلة بخوفٍ:
_هو مش عجبك!
ردت مؤكدت دون أن تهتز لها جفن:
_لا والله جميل، بس أنا خايفة “عاصي” ينزعج لما يشوفني لبساه.
عقبت على ما قالته:
_لا طبعاً أيه اللي هيضايقه، هدومها مركونة هنا وبعدين أكيد هيجي اليوم اللي هتسكن فيه القصر وقلبه واحدة غيرها.
حملقت فيها كالمبهوتة لثوانٍ، تستوعب ما قالته فشعرت بمسؤولية غريبة تجاهها وتجاه رغبتها الحالمة، تركتها “إيمان” لتبدل ثيابها ثم هبطت لتنتظرها بالأسفل.
*******
وضع الطعام الشهي على السفرة التي جمعتهم بعد وقتاً طويل، فوزعت “إيمان” الأطباق على الجميع، وشرعوا بتناوله في جو من الألفة والمحبة المتبادلة فيما بينهم، فإنتبهوا لمن تهبط الدرج محدثة بحذائها صوت لفت إنتباههم، إستدار “عاصي” تجاه الدرج، فتعلقت عينيه بما ترتديه، كان مألوفاً بالنسبة إليه، فتجسدت أمامه “هند”، وكأن هناك من استحضرها لتسكن هذا الجسد، هامت عينيه بها وهي تتبادل السلام مع”عائشة” وخاصة بعد أن عرفتها “إيمان” عليها، شعرت “لوجين” بالحرجٍ من نظراته حتى أن الجميع لاحظ ذلك، فتمنت لو إنتهت تلك الزياردة سريعاً حتى تبدل ثيابها، وبعد دقائق إنصرف كلاً منهما لمنزله بعد أن إتفقت “إيمان” مع “عائشة” للخروج بالغد للتنزه قليلاً وشراء بعد المستلزمات الخاصة بولادتهن.
وما أن تأكدت “لوجين” من مغادرة الجميع حتى إتجهت لمكتب “عاصي” بعدما فضل الجلوس به بمفرده، دقت على الباب قبل دلوفها رغم إنه كان مفتوح، فقال دون أن يرى من الطارق:
_تعالي يا “لوجين”.
خطت للداخل بإرتباكٍ، فكانت تقدم قدماً وتؤخر الأخرى، فجلست أمام مكتبه وبعد صمت طال بها أجلت حبالها التي علقت به الكلمات:
_أنا أسفة إني لبست من لبسها، بس”إيمان” والله اللي ادتهوني لإني مكنش عندي لبس أنزل بيه تحت.
توقعت أن تواجه غضب منه أو حتى عتاب، ولكنها وجدته يمنحها إبتسامة تذهب العقل، ليجيبها بصوته الرخيم:
_وأيه ممكن يزعلني في كده!
ثم نهض عن مقعده وإتجه ليجلس على المقعد الذي يقابل مقعدها:
_أنا فاتني الحتة دي بس إن شاء الله نجيبلك لبس يكون خاص بيكي أنتي.
أسرت بذوقه وإبتسامته الجذابة، فقالت بإرتباكٍ:
_مفيش داعي، أنا لسالي يوم واحد وهوفي بوعدي لاني مش عايزة أسببلك مشاكل مع “قاسم”.
بلل شفتيه السفلى بلعابه ثم قال:
_لا مش هتمشي من هنا.
تطلعت له بذهولٍ، فإستطرد بتوضيحٍ لها:
_لإنه عرف إنك عندي فعلاً.
اتسعت حدقتاها في عدم تصديق مرددة باستنكارٍ:
_إزاي!
رد مؤكداً:
_بعتلي رسالة بيطلب فيها يقابلني بكره، ومن طريقة كلامه فهمت إنه عرف.
هربت الدماء من وجهها ونظرت له بعينين متسعتين في توترٍ:
_طب هعمل أيه دلوقتي؟
علق مبتسماً قبل أن يترك مقعده ليتجه للأعلى:
_سيبي الملزق ده عليا.
وإستكمل طريقه وهو يشير إليها:
_روحي نامي يا”لوجين” ومتفكريش في حاجة تانية.
كلماته منحتها أمان لطالما إفتقدته بوجود عائلتها التي تهاب “قاسم” ورجاله، وبالرغم من خوفها الشديد الا أنها إبتسمت على وصفه بالكلمة التي تنسبها إليه كلما لعنته أو نال منها معزوفة من الردح الخاص به، فعبثت بخصلات شعرها بشرودٍ في ذلك الأربعيني الذي بدى خطراً على قلبها ومشاعرها التي باتت تنجرف تجاهه، فنهضت “لوجين” عن مقعدها ثم إتجهت لتجلس على مقعده الأساسي، فمددت جسدها عليه بأريحيةٍ والابتسامة تزين وجهها، فإحتضنت سطح مكتبه ومازالت كلماته تحاصرها فصنعت لها سحر إستحوذ عليها.
*******
أباد ضوء الشمس الساطع ظلمة الليل الكحيل، وحينما احتضنت عقارب الساعة السادسة صباحاً، حتى إستيقظ “عاصي” ليركض بحديقة القصر مثلما اعتاد وفور إنتهائه إتجه لغرفة مكتبه من الباب الزجاجي الخارجي فوجدها تستكين على مقعده كالملاك، اقترب منها “عاصي” وعقله
مشدوهاً بها، فزارت شفتيه إبتسامة شبه ساخرة، فمن يرى جمالها الهادئ لا يصدق بأنها تلك المشاغبة التي أضافت شيئاً لحياته، مسح وجهه بيديه ثم اقترب منها ليرفع صوته حتى يزعجها
“لوجين”.
فتحت نصف عين، وهي ترد بنوم ها.
سيطر على ضحكاته بصعوبة، ليشير إليها بحزم
ورايا شغل لازم أخلصه قبل ما أروح الشركة.
أتاه صوتها المنزعج
ما تخلصه أنا مسكتك يا عم!
إنتصب بوقفته ثم هز رأسه ساخراً
هخلصه إزاي وإنتي تقريباً نايمة على اللاب!
وجدت ما يقوله غريباً بعض الشيء، ففتحت عينيها لتتأمل المكان الذي غفلت به فنهضت عن مقعد مكتبه وهي تلملم خصلات شعرها المبعثرة بحرج
أنا مش عارفة نمت هنا إزاي!
حدجها بنظرة مشككة، قبل أن يتبعها خشونة نبرته:
إنتي أي حتة بتنامي فيها!
زمت شفتيها وهي تجيبه
لما يبقى عايزة أنام مبيفرقش معايا أنا فين ؟
ضحك رغماً عنه، ثم أشار لها تجاه الدرج بمزح:
أوكي، إطلعي السلم هتلاقي أوضتك على الشمال وإتاكدي من الأوضة الأطلع ألقيكي نايمة المرادي في خزنة هدومي.
رسمت ضحكة مستهزئة رغم حدة نظراتها الشرسة تجاهه
مبتضحكش على فكرة، أنا مش مسطولة للدرجادي يا حضرت.
وأبعدت المقعد عنها فوجدته يعيق طريقها بوقفته القريبة منها، فأشارت
له بضيق:
وسع كده.
رفع يديه للأعلى وهو يتراجع للخلف بخوف مصطنع، حتى مرت من جواره وصعدت للأعلى بعصبية كادت بإبادته، فردد بعدم تصديق والإبتسامة مازالت مرسومة على وجهه
مجنونة!
عبقت رائحة القهوة التي يعشقها من صنع يدها منزله، فنهض “غيث” ليجدها تصنع له الطعام بحب لطالما عهده منها ، راقبها ببسمة عشقت تفاصيلها، فشعرت من توليه ظهرها بوجوده، وكأنه مرهون بدقات قلبها النابضة داخل صدرها، إستدارت “عائشة” للخلف ببسمة رسمت برؤياه الفطار جاهز
سؤاله المعتاد في كل صباح جمعهما، فكانت تسرع دوماً بإجابته مثلما فعلت اليوم، تحرك “غيث ” تجاهها ليضمها من الخلف، ثم همس لها بإنفاس كادت بحرق رقبتها
الأهم من الفطار إني أشوفك قبل ما أنزل كل يوم الشغل.
دفعته بعيداً عنها وهي تشير إليه بتحذير:
على فكرة أنت إتاخرت ولازم تنزل بسرعة.
اقترب ليسد طريقها وهو يغمز بخبث:
مش مهم
إنحنت “عائشة” من أسفل ذراعيه ثم أسرعت تجاه الطاولة:
أنا لازم أنزل حالاً عشان رايحة مع “إيمان” و”لوجين” نشتري شوية
حاجات للبيبي.
مرر يديه على ذقنه النابتة بضيق:
لحقتوا تتفقوا على خروجات من دلوقتي
ضحكت وهي تجذب المقعد للخلف لتجلس جواره
وده يضايقك في أيه بس ما أنت بتكون في الشغل وأنا لوحدي.
غمس قطعة الخبز بالجبن ثم تناولها قبل أن يشدد عليها:
روحي بس خلي بالك من نفسك.
وضعت يدها بين يديه الموضوعة على الطاولة وبحب أظهرته إليها
بحدقتيها قالت:
بأحب خوفك عليا ونفس الكلمة اللي بتقوليهالي كل ما بقولك إني خارجة.
قرب يديه الأخرى ليحتضن كفها ، وعينيه تغمز لها بمكر:
في كلام تاني كتير محوشه ليكي بس أنتي اللي مش مدياني الفرصة.
سحبت يدها سريعاً، ثم جذبت كوب الحليب لترتشفه في محاولة للهرب
من نظرات رغباته التي تفضحه، وحينما وجدته مازال يتطلع لها غمغمت
وهي تشيح بوجهها بعيداً عنه:
بعدين يا “غيث”.
عاد ليتناول طعامه ببسمة هادئة تلاشت تدريجياً حينما قرب شاشة هاتفه
إليه ليرى من يتصل به بالصباح الباكر، خمنت “عائشة” كناية المتصل فتساءلت بارتباك
ماما ؟
أجابها باقتضاب عابس:
أيوه.
كظمت إنزعاجها ، فرغما عنها تتذكر ما فعلته بها لتنهي هذا الزواج بالرغم من أنها بذلت ما بوسعها لتنال حبها، ولكنها كانت تكن لها كراهية وعداء لا تعلم “عائشة” سببه، فكانت تظن بأنها ستلين حينما تجدها تعاملها بلطف فسيطرت على التغير الجذري الذي طرأ على تعابير وجهها فور تأكدها بأنها
المتصلة ثم أضافت متسائلة:
طب أيه مش هترد؟
صمته المطول جعلها تستميله بحديثها
دي مهما كانت والدتك يا “غيث” ، رد عليها يمكن في حاجة مهمة.
حملق فيها بصدمة مذهولة حتى إن تفكيره إضطرب كلياً، فردد في عدم تصديق:
بعد كل اللي عملته فينا وعايزاني أرد!
هزت رأسها محتجة
أنا بس كنت …
بتر كلماتها على لسانها حينما نهض عن مقعده الذي سقط أرضاً من قوة دفعه له :
أنا مش عايزك تتدخلي في الموضوع ده تاني يا “عائشة”، سامعة ؟ أومأت برأسها دون أن تنطق بحرف واحد، فعاد ليكمل بنفس اللهجة المتعصبة:
أنا اللي يطعن في شرف مراتي كأنه طعني أنا ويارتها كانت من حد غريب
وتركها وإتجه لعمله دون أن ينبس بحرف واحد..
استشاطت “سمية” غضباً من تجاهله لمكالماتها فصاحت بتهور بعدما جرفتها مشاعر السخط تجاهها
أكيد هي اللي ملت دماغه من نحيتي بعد ما نصبتلي الفخ.
وضغطت على شفتيها بقسوة وهي تردد بوعيد لها :
طب والله لأوريكي يا لمامة يا تربية الملاجئ، إما خلتك تقولي حقي برقبتي!
على صوت جرس بابها فحواطتها مشاعر متدفقة بالسرور والبهجة، لظنها بأن ابنها قد أتى إليها، فنهضت عن الأريكة بسرعة لا تتناسب مع عمرها، ثم إتجهت لتفتح بابها، حافظت “سمية” على إبتسامتها وإن كانت شبه مصطنعة حينما خاب أملها بالطارق، فرددت بترحاب زائف “عاصي” تعالى يا حبيبي.
وتنحت جانباً حتى مر للداخل، فتبعته للداخل ثم أشارت له بالجلوس:
اقعد يا حبيبي بقالي كتير مشفتكش
جلس “عاصي” بهدوء رغم شعوره بالنفور مما فعلته خالته، فساد بينهما صمت على غير عادتهما باللقاء، فكان يبحث عن كلمات لائقة لا تجرحها أما هي فتتهرب من مواجهة حتماً ستحدث بينهما، إلى أن قرر قطع حبال الصمت المطولة:
أنتي أكيد عارفة أنا جاي هنا النهاردة ليه يا خالتي، فمفيش داعي إني ألف وأدور عليكي.
وفرت عليه ما سيقول وقالت مباشرة
لو جاي عشان تدافع عن تربية الملاجئ إنت كمان يبقى بلاش تتكلم يا “عاصي”.
رد عليها بتعابير مشدودة
لا مش جاي أتكلم عن تربية الملاجئ، أنا جاي أتكلم عن بني أدمة زيك وزيي، وتبقى مرات ابنك وأم حفيدك اللي أنتي مشككة في نسبه. ردت عليه بنزق:
ليا حق أشك في نسبه مهو في النهاية ابن واحدة ملهاش لا أب ولا أم. أخرج زفيراً مطولاً من صدره قبل أن يرد عليها:
هو أحنا اللي بنختار حياتنا، محدش بيختار لنفسه الوحش يا خالتي.
ثم استكمل بصوت حزين
بلاش تخسري ابنك الوحيد بسبب عمايلك دي.. إنتي أكثر واحدة عارفة
اد أيه هو عنيد.
أتاه ردها فاتراً:
وأنا أعند منه ومش هتقبل اللي في بطنها غير لما تعمل التحليل.
أوشك على فقدان آخر ما تبقى بطاقة صبره، وبصعوبة شديدة كبح
إنفعالاته:
يبقى هتخسري وهتخسري كتير.
زمت شفتيها معلقة في سخط
ده ابني، يعني مهما عمل في النهاية مستحيل هيتخلى عني.
أنتابها بعقلانية بعدما استقام بوقفته ليستعد للرحيل:
بنك مبقاش صغير بقى راجل والراجل أكثر حاجة توجعه إن حد يطعنه في عرضه وشرفه.
نظرة مترددة تكونت في عينيها، أخافها بما قال عن عمد بما قال ليتنحنحبعدها مردداً بهدوء:
فكري كويس قبل ما تضيعيه من إيدك.
وتركها شاردة بما قال ثم هبط ليصعد لسيارته التي كان سائقها بإنتظاره ليتجه به للشركة على الفور.
فتحت الحاسوب بلهفة لترى نتائج ما فعلته بالأمس، فارتسمت ابتسامة
رضا على وجهها حينما رأت نتائج مبهرة لما فعلته، فصفقت بيدها وهي تمدح نفسها:
برافو “لوجي”.. كده بقى ضميري هيكون مرتاح من نحيته
فرحتها كانت غامضة وغير مفهومة، ولكن بعد ساعات مبسطة صارت علني للجميع على وسائل التواصل الإجتماعي، مما جعل “عمر” يسرع بالإتصال بغيث”، فأخبره بما حدث ثم أكد عليه قائلاً:
بلغه بسرعة بكلامي ده وخليه يتصرف بسرعة قبل ما نتفضح.
أجابه ” غيث” بنبرة ساخرة:
أبلغ مين أنت مصدق إنه يعمل الهبل ده!
“غيث” الموضوع مش هزار، إلحق بسرعة بلغ “عاصي” يمكن يتصل
باللي نشر الكلام ده ويتراجع.
ببسمة خبيثة أخبره
أنا أفضل إنك تبلغه بنفسك.
وأغلق الهاتف وهو يراقب ما أرسل إليه بصدمة وعدم إستيعاب لما سيحدث حينما يعلم “عاصي” بالأمر.
بمكتب “عاصي”..
إنزعج من الإتصالات المتعددة التي يتلاقها هاتفه من “عمر”، فرفعه وهو يجيب على مضض
كل دي مكالمات على الصبح
أتاه صوته الذي بدى إليه منصدماً بعض الشيء:
أنا عارف إنك بتمر بأزمة عاطفية من وقت وفاة” هند” وكلنا كنا
بندعيلك إنها تعدي على خير وتقطع وعدك بالعزوبية وتتجوز بس اللي
أنت عملته ده كان صدمة بكل المقاييس.
واستكمل ساخراً:
أنا قولت لأختك أكثر من مرة إنك خبيث بس هي مكنتش مصدقاني
بس أكيد لما تشوف اللي شوفته هتصدق كل حرف قولتهولها.
مرر يديه على جبينه ليحارب صداع رأسه الذي يهاجمه فور سماع صوته، ثم قال بفتور: يا ابني والله ما فايق لألغازك دي على الصبح، إنجز وقولي مالك؟
أجابه بحدة، وكأنه لا يصدق بأنه لا يعلم مغزى حديثه:
بعتلك الخبر على الواتس روح وشوف بنفسك.
أغلق “عاصي” مكالمته ثم فتح لينك الموقع الذي قام “عمر” بإرساله إليه، فقرأ بعدم إهتمام المدوت من أمامه، جحظت عينيه في صدمة حقيقية، فاعتدل بمقعده سريعاً ليعيد القراءة مرة أخرى ببطء وإهتمام رجل الأعمال الشهير “عاصي سويلم”، يبحث عن فتاة أحلامه، ويضع شروط خاصة لذلك، فمن ترى نفسها تليق بالأربعيني الأعزب الوسيم تملي تلك الاستمارة وسيتم اختيار عدد لمعاينة مقابلة سريعة في قصره الخاص»
فتح الاستمارة الموضوعة أسفل الإعلان، فصعق حينما وجدها عبارة عن أسئلة متعلقة بالوزن والطول، ولون البشرة وطول الشعر وأخرى متعلقة بالعلاقات السابقة والمؤهلات التعليمة، أغلق الهاتف وهو يردف بتعصب شدید
لوجين”… عملتي أيه يا مجنونه!
و نهض عن مقعده ثم جمع ملفاته الهامة ليسرع بالخروج، فوجد أمامه
السكرتير يسرع بإخباره حينما وجده يستعد للخروج
“قاسم” باشا بره من فترة وعايز يقابل حضرتك.
إتجه للدرج وهو يشير إليها بإنزعاج
مش فاضيله دلوقتي بلغي “غيث” وخليه يقابله مكاني.
وهبط للأسفل سريعاً، ليتجه بسيارته للقصر على الفور، والدماء تفور داخل أوردته، فما أن توقفت السيارة حتى أسرع بالهبوط ومن ثم ولج للقصر باحثاً عنها بغضب عاصف، فإهتدت عينيه على الخادمة التي تنظف الطاولة القريبة منه، فصاح بصوت جمهوري: فين المجنونه دي؟ت
ارتعبت الخادمة من ملامحه المتعصبة، فأسرعا بالإشارة بإصبعها المرتجف تجاه مكتبه، تجهمت معالمه وهو يتساءل بدهشة:
بتعمل أيه لسه في مكتبي ؟
عادت لتشير بكتفيها بقلة حيلة، فتركها واستكمل طريقه للداخل، فتفاجئ بها تجلس على مقعد مكتبه وتضع قدميها على حافته ، وبين يدها ثلاث من هواتفه الهامة، فبدت حائرة بالرد على أي منهما، فرفعت سماعة
إحداهما ثم قالت بابتسامة واسعة
أهلاً بكي في قصر الاربعيني الاعزب، أنا “لوجين” سكرتيرته الخاصة…. وأنتي مين؟
انصتت للجهة الاخرى بعناية، فانتفضت بجلستها وهي تردد بصدمة:
أيه 120 كيلو، لا يا حبيبتي أنا بقترح عليكي تعملي ريجيم قاسي، وبدل
ما تتصلي بينا إتصلي بنادي رياضي ينفعك.
وأغلقت الهاتف وهي تهمس بسخرية:
دي عايزة حزام ناسف مش عريس
وأمسكت القلم من أمامها ثم وضعت علامة «» أمام الاسم المطروحأمامها، وعادت لترفع السماعة المجاورة لها لتستقبل مكالمة أخرى
فارتسمت ابتسامة مصطنعة وهي تردد:
الصوت مبشر بس قوليلي بسرعة كده وزنك أد أيه؟ لو طلع أزيد من 100 هزعل.
ارتخت تعابير وجهها الرقيق حينما استمعت لما قالته، ثم قالت بحماس
طبعاً بعد اللي سمعته ده تقدري تيجي بكره لمقابلة “عاصي سويلم”…
وأغلقت الهاتف بإبتسامة متعجرفة ثم رددت بثقة :
حاسة كده إن مشكلة المعقد على وشك أنها تتحل.. ويمكن لما نعالج مشكلته حال القصر الكئيب ده يتعدل لما يتجوز بنت كويسة. وأنا كنت إشتكيتلك
كلمات انطلقت من فاهه بعصبية شديدة، جعلتها ترتد عن مقعدها بفزع فرفعت يدها على صدرها وهي تتحكم بدقاتها المتسرعة
خضتني، إنت متعرفش تتكلم بصوت واطي أبداً!
أنهى المسافة بينهم، حتى أصبح قريباً منها وبصوت كالرعد قال:
هو أنتي لسه شوفتي حاجة اللي جاي أبشع من اللي بيحصل هنا دلوقتي.
ومن ثم جذبها من تلباب قميصها الوردي وهو يصرخ بانفعال:
قوليلي حالاً أيه الجنان اللي أنت عملتيه ده، وعروسة أيه اللي بتدوري
عليها دي !
قالت بابتسامة واسعة:
أنت متعرفش حاجة عن حل الامور المعقدة اللي أنت بتمر بيها، أنت
محتاج بنت عشان تقدر تتخطى أزمتك دي بنت تكون جميلة ورقيقة كده
هي اللي هتقدر تساعدك وتصنع المعجزات…
جز على أسنانه ومن ثم شدد من ضغطه على خصلات شعره قبل أن يقول:
وانتي اللي هتقرري بدالي أيه اللي محتاجله
أجابته بكل غرور
أيوه أنا.
لعن ذاته في تلك اللحظة على تقديمه المساعدة لتلك الحمقاء، فتشبث
بأخر ذرة أعصاب يمتلكها ثم قال:
اسمعيني إنتي هنا ضيافة فإتصرفي على الأساس ده، ولأخر مرة هقولك متتدخليش في حياتي الشخصية لإن ده مش من إختصاصك.
وكاد بالخروج من الغرفة، فاتبعته وهي تشير له بحماس:
اختيار شريكة حياتك مش أمر خاص بيك لوحدك، سيبلي المهمة دي
وأوعدك أختارك بنت كويسة تليق بيك يا وسيم…استدار تجاهها ليحدجها بنظرة قاتلة، فجذبت لوحة الاسماء ثم جلست
تتابع عملها وهي تردد بصوت منخفض بعض الشيء:
أنت ساعدتني إني أتخلص من “قاسم ” الملزق ده عشان كده لازم أساعدك إنك تتخلص من عقدتك دي وتتجوز في أسرع وقت.
أطبق على شفتيه بقوة كادت بأن تبترهما، فاستكمل طريقه للاعلى هامساً
بحنق:
أنا اللي عملت في نفسي كده.
بعيادة الدكتور “عمر أيوب” الخاصة بالعلاج النفسي.
ارتشف كوب قهوته التي تعدت السابعة، وهو يتأمل خبر الموقع للمرة
التي نسى عددها، ليهمس بقلق:
يا ترى أيه اللي حصله ؟
وأردف بعد مهلة من التفكير:
أكيد البت الغريبة دي هي السبب في جنونه ، عشان كده بقى بيدور على
عروسة علناً بعد ما كان عامل إعتصام عشر سنين.
وأغلق حاسوبه وهو يدندن بسخرية:
مراتي دائماً شايلة هم أخوها العانس وهو قايم بالواجب وبيدور على
عروسة على النت حاجة بجد يدعو للفخر.
وجذب الهاتف الموضوع لجواره ثم صاح بضيق:
هاتيلي فنجان قهوة كمان ودخلي أول حالة.
وبالفعل سمحت بدخول أول حالاته، فتمدد المريض على السرير المريح
ومن ثم بدأ بأول جلساته، فأذا بضوضاء تأتي من الخارج ليتبعه صوت
اصطدام قوي، تعجب “عمر” فحاول التعرف على مصدر الصوت فلم يكن
سوى باب المكتب الذي دفعته “إيمان” بقوة، لتدنو من زوجها الماسد جوار مريضه ثم صاحت بحدة
قول للممرضة الهبلة دي متمنعنيش تاني من الدخول، أنا أجيلك في الوقت اللي أنا عايزاه أنت فاهم؟
تحولت نظراته لتلك الممرضة البائسة التي تعاني من تسلط هرمونات زوجته التي توشك على الولادة، وكلما شعرت بتعب بسيط هرعت اليه وكأنه طبيب متخصص بالنسا والتوليد، وضعت “إيمان” يدها حول
خصرها وهي تتأوه بألم:
أنا مش عارفة أنت هتحس بيا وبالتغب اللي أنا فيه أمتى؟
سلطت نظراته على المريض المستلقي أمامه، ثم قال بحرج من طريقتها:
وطي صوتك يا حبيبتي، هتضيغي مسيرة سنين دراستي بالطب بسبب
أفعالك الجنونية دي!
لوت شفتيها بسخط، وهي تصرخ بوجهه
ده كل اللي يهمك ؟ شهاداتك والمرضى
هز رأسه بخفوت، فجزت على أسنانها بغيظ، ثم تركته واتجهت للتخت لتلكز المريض بغضب
أنت إتعميت زي الدكتور بتاعك نايم ومتهني ولا كأنك شايف قدامك
ست حامل وعلى وش ولادة خلي عندك دم وقوم.
ودفعته بعيداً عن الفراش ثم تمددت وهي تشير لزوجها المنصدم مما يحدث
إكشف عليا بسرعة وقولي مالي؟
وتنهدت ببطء وهي تخبره بوجع
حاسة إن ابني مش كويس وبالذات لما خلصت غسيل الهدوم اللي كل
بقعة فيها أد كده بسببك…
عبث بعينيه وهو يجيبها بإستهزاء:
متقلقيش يا روح قلبي أنا هبطل ألبس هدوم خالص، هعلم نفسي إني أتكيف على المشي عريان عشان سلامتك إنتي والولد.
وسألها بثبات مصطنع :
مبسوطة كده؟
أومأت برأسها بابتسامة نصر، ثم قالت:
بدأت أبقى مبسوطة، ودلوقتي بقى إطلبلي عصير عشان أهدي أعصابي لحسن حاسة إني مش تمام.
تحكم بانفعالاته الثائرة، ثم أشار للممرضة بابتسامة يرسمها بالكد:
هاتيلها كوبيتين عصير يا “سالي” ، وأوعي تتأخري لحسن تبلعني وأنا واقف بالبلطو كده.
كبتت السكرتيرة ضحكاتها وهي تسرع بالخروج لتنفذ طلبه، فجذب
“عمر” المقعد ثم قربه منها وهو يناديها بخوف
بقيتي كويسة دلوقتي ؟
هزت رأسها بابتسامة واسعة، فلعق شفتيه الجافة بارتباك مما سيقول:
طيب يا حبيبتي، أنا عايزك تسمعيني كويس بس بقلبك، لو فضلتي تجيلي هنا كتير وتطردي المرضى بالشكل ده هنجمع فلوس ولادتك منين
ضيقت عينيها بضيق من حديثه، ثم قالت:
يعني أعمل أيه يا “عمر” ، لما ! بحس بوجع بخاف يكون معاد ولادتي قرب
عشان كده بجيلك جري..
اصطنع ابتسامته، ثم قال بهدوء
يا روحي إتصلي بيا بس وأنا أوتدك هسيب كل حاجة في إيدي وهجيلك
جري بدل الفضايح اللي بتحصل هنا دي.
احتدت نظراتها الشرسة تجاه، فصرخت بعصبية
أنت تقصد أيه بكلامك ده، أنا اللي بعملك فضايح!
ابتلع ريقه بخوف وهو يجيبها
لا يا حبيبتي انا بس كنت …..
ابتلع كلماته حينما وجدها تحتضن بطنها وتصرخ بجنون
لا يا حبيبتي انا بس كنت …..
ابتلع كلماته حينما وجدها تحتضن بطنها وتصرخ بجنون
آآه.. “عمر” ، بطني مش قادرة..
واتبعها صرخة أكثر ارتفاعاً وقولاً يلاحقه:
الحقني يا “عمر” أنا بولد .
حملها “عمر” ثم هرول للاسفل ركضاً، فوضعها بسيارته ثم حمل هاتفه ليطلب “عاصي” الذي أجابه بتأفف:
أيه تاني!
أتاه صوته المتقطع من فرط أنفاسه اللاهثة:
أنا أسف لو بزعج جناب الاربعيني الأعزب الوسيم، والله ما عايز أعطلك عن مقابلاتك الهامة اللي تخص مستقبلك الوردي بس كنت عايز أقولك إن أختك بتولد فلو عرفت تيجي يبقى ده كرم منك كبير.
رد عليه بنبرة حادة حملت وعيداً سيحققه ذات يوماً:
سقتلك في يوم من الأيام، خليك فاكر ده كويس.
ثم أغلق الهاتف بوجهه وهو يلعن هذا اليوم الغامض في حياته الذي بدأ بما فعلته تلك الحمقاء وانتهى بشقيقته وزوجها، فجذب جاكيته وأسرع للدرج ليتجه بالهبوط، فتفاجئ بها تختبئ خلف أحد المقاعد وهي تشير له بالاقتراب، أطبق شفتيه ببعضهما بغيظ، فإنحنى إصبعها تجاه الطابق السفلي وهي تهمس برعب:
قااسم…..
78
لم يتفاجئ “عاصي” بوجود “قاسم” بمنزله، فهبط للأسفل بثبات
متجاهلاً ندائها المتكرر بصوتها الشبه مسموع، فكان ردة فعله بالنسبة إليها غريباً، كانت تظن أن الإختباء هو الحل الأمثل في تلك المواقف، ولكنها وجدته يهبط لمواجهته تسللت “لوجين” لحافة سور الدرج، ثم مدت رأسها من خارج أعمدته المعدنية لتراقب ما يحدث بوضوح، إتجه “عاصي” لمقعده . دون أن يعبئ بيديه الممدودة لتبادل السلام فيما بينهم فسحبها بغيظ وهو ياول الحفاظ على هدوئه بشتى الطرق، فبدأ بالحديث أولاً:
أنت أكيد بلغك إني روحتلك الشركة وحاولت أقابلك أكثر من مرة ولما معرفتش النهاردة جيتلك لحد عندك ومن الواضح إنك عارف سبب زيارتي ليك.
تعمق بنظراته تجاهه، ليجيبه بعنجهية
حبيت إنك صريح من البداية لإني في الحقيقة معنديش وقت ولازم أخرج.
إبتلع تلك الإهانة عن قصد، ثم سأله بشكل صريح:
فين “لوجين” يا “عاصي”؟
رفع حاجبيه باستغراب، وبمكر قال:
مين ” لوجين”، آه دي عروستك اللي هربت يوم الخطوبة
ظهرت تكشيرة جانبية على شفتيه وهو يقول باستنكار
قصدك اللي أنت خطفتها.
رد عليه دون مراوغة وقد إحتدت نبرته
إنت متأكد إني عمري ما أنزل لمستواك الوضيع ده ، أنا إتصرفت زي أي راجل شايف بنت محتاجة مساعدة.
إحتد الحديث بينهما فلم يصبح للين طريقاً بينهما، وخاصة حينما أهدر” قاسم” بتهديد صريح:
لا لما تخرج معاك بالطريقة الغريبة دي يبقى خطف وأنا عايزك تعرف إن اللي عملته ده هيوقعك في مشاكل أنت مش أدها، ممكن ببساطة أرفع عليك قضية وإتهمك بخطف خطيبتي ولو الإعلام شم خبر مش هيتوصوا وده هيأثر عليك وعلى شغلك.
تجهمت ملامح “عاصي” حينما إستمع لتهديده الجريء، فضبط أنفاسه المندفعة ليقول بخشونة
أعلى ما في خيلك إركبه القضية اللي بتهدد برفعها دي مش هتاخد بيها حق ولا باطل وخصوصاً بعد شهادة خطيبتك اللي هتبين للصحافة أد أيه أنت معندكش كرامة وبتجري ورا واحدة مبطقش تبص في خلقتك.
ورفع صوته الماكر متابعاً توبيخه
يعني الليلة دي إنت اللي هتشيلها مش أنا.
ثم إنتصب بوقفته ليتابع حديثه بإهانة تعمدها:
ياريت بعد كده متجيش هنا من غير ما تاخد معاد..
ثم أشار بيديه تجاه الخادمة التي أسرعت لترى ماذا هناك، فأمرها
بصرامة :
مع الباشا.
وقفت إهانته كالشوكة العالقة برئتيه، فنهض عن المقعد ثم وقف مقابله
ورفع عينيه إلى وجهه يتحداه بتصميم
إنت اللي بدأت بالحرب يا باشا.
وإتبع الخادمة حتى وصل لباب القصر الداخلي، فغادره بخطوات سريعة
والنيران تكاد تحرق وجهه، فما أن صعد إلى سيارته حتى أخرج هاتفه
ليملي أوامره بتحذير صريح
راقبه كويس وكل تحركاته تبقى عندي أول بأول.
إنفرجت شفتيها على مصراعيها في صدمة مما حدث، فأسرعت بالهبوط
للأسفل، فابتلعت ريقها ببطء لتمنح نفسها الفرصة حتى تستجمع جاشها
ثم نطقت في تردد قلق
عرف إني هنا!
لاحت على وجهه إبتسامة ساخرة
أمال هو جاي ليه!
تساءلت بخوف وهي تتنفس بصعوبة بالغة:
إنت مش هتسلمني ليه يا “عاصي” صح ؟
قطع المسافة بينهما، ثم مال نحوها برأسه، لتشعر بأنفاسه قريبة منها وهو يؤكد لها بهمس جاد
أنا عمري ما هتخلى عنك يا “لوجين” وقولتهالك أكثر من مرة.
رفعت عينيها التائهة تجاه، فالتقت بنظرات عينيه العميقتين التي تبث لها الأمان منذ أول لقاء جمعهما، فكأنها نفذت الداخلها لتحتضن خوفها، هو بالنسبة لها كالبطل الخارق، فمنذ طفولتها وفرض عليها “قاسم خلدون” رغماً عن أنفها، فلم تشغل ذاتها يوماً بأن تترك لقلبها حرية الاختيار مواصفات الرجل الذي تتمنى الزواج منه يوماً، فكيف ستحلم بالزواج من فارس الأحلام وهي مقيدة بسجن هذا المستبد ؟ ربما ما يحدث لها الآن جعلها تعشق سمات هذا الرجل الأربعيني الذي أثار دهشتها بتصرفاته التي لا تنبع سوى من رجل نبيل انسحبت “لوجين” من هذا اللقاء الذي استهدف مشاعرها ليبرك حواسها تجاهه، فسألته لتهرب من محاصرة
هالته التي تفرض ذاتها بحضرته
أنت رايح على فين؟
اهتدى لوجهته بعدما تناسى تماماً إلى أين سيذهب، فقال وجسده ينحني تجاه الطاولة ليجذب هاتفه ومفاتيح سيارته
“إيمان” بتولد ولازم أكون جنبها.
عقدت حاجبها وهي تتساءل بدهشة: معقول دي لسه مكلمني من ساعة وحضرت نفسي عشان هخرج معاها
هي و”عائشة”!
بسخرية أجابها:
الحاجات دي مفهاش ترتيب ولا إتفاقات.
وكاد بالتحرك فاستوقفته حينما صاحت بلهفة:
ثواني.
استدار تجاهها فوجدها تهرول للأعلى، لتعود إليه بعد لحظات حاملة بين يدها حذائها، بطريقة مضحكة وكأنها طفلة صغيرة تخشى أن يتركها والدها ويرحل دون أن يصطحبها معه، دنت منه وهي ترتدي حذائها على
عجلة لتشير إليه:
أنا جاية معاك.
حك ذقنه النابتة بإنزعاج من طريقتها، فمنحته نظرة حادة توحي بما سيحدث له إن رفض الأمر، لذا أرغم على قبول دعوتها الإجبارية، فأشار بیدیه تجاه الباب الخارجي
إتفضلي.
ابتسمت وهي تتجه للخارج بانتصار، فصعد لسيارته ليتحرك بها تجاه
المشفى ومن خلفهم رجال “قاسم خلدون”.
*** **
صراخها تسبب له بحالة مزمنة من الصداع، فأعدل من وضع الكمامة
الطبية على فمه وهو يصيح بها بانفعال:
إهدي يا حبيبتي كده مش هينفع صدقيني.
أمسكت برقبته وهي تصرخ بألم:
بالله عليك يا عمر ساعدني، أنا حاسة إن في سكينة بتقطع بطني.
تأوه ألماً من غرس أظافرها في جلد رقبته، فردد بصوت متقطع من الغضب
قولتلك اكثر من مرة انا متخصص بالامراض النفسية والعقلية، ممكن أساعدك لما تخفي وتقومي على رجلك أعالجك من حالة الجنان دي لكن حالياً انتي محتاجة دكتور نسا وتوليد.
ازداد حدة صوتها، فنزع يدها التي تستهدفه رقبته ثم قال بتعصب شديد:
أنا مطلع أستنى بره أحسن ما رقبتي تطير.
وتركها وغادر للخارج يلهث وكأنه ركض لمسافات طويلة، وما أن وصل “عاصي” و”لوجين” للمشفى، حتى علموا من الاستعلامات بمكان الجناحالخاص بالنساء والتوليد، فصعدوا سوياً للاعلى، ليجدوا “عمر” يجلس بالخارج على أريكة معدنية قريبة من غرفة العمليات ولجواره إحدى الممرضات التي تضع اللاصقات الطبية على رقبته وتقوم بمعالجته، والأخر يصرخ ألماً ويهمس بصوت واهن:
حطيها براحة الله يكرمك.
ثم تطلع لها متسائلاً بخوف:
رقبتي اتبهدلت جامد؟
نفت ذلك بهزات رأسها المخادعة، فمنحها إبتسامة خبيثة قبل أن يتغزل
بها :
شكراً على اهتمامك بيا وبجرح رقبتي.
وكاد باستكمال كلماته اللطيفة، ولكنه انتفض حبيما استمع لنداء يعلم صاحبه جيداً:
!عمر
نهض من جوارها سريعاً ثم اتجه ناحية “عاصي” الذي يناديه بعصبية،
فلعق شفتيه وهو يردد بارتباك
أنت جيت يا “عاصي”.
ثم تطلع جواره وهو يرسم ابتسامة بلهاء: ازيك يا لوجين”… عاملة أيه ؟
منحته إبتسامة ساخرة قبل ان تمتم باستهزاء
أنا كويسة، إنت اللي شكلك متبهدل خالص!
وبخبث استطردت:
بس أنا شايفة إن الممرضة عالجتك على أكمل وجه، متفانية في شغلها أوي الولية دي.
أصبح وجهه قائماً بصورة ملحوظة، فقال بتلعثم ونظراته تراقب رد فعل “عاصي”:
دي كانت بتطهرلي جرح رقبتي، لحسن “إيمان” أحياناً لما بتتعصب بافقد التحكم في أعصابها.
ضحكت بصوت مسموع جذب انتباه عاصي إليها بشكل أدهش “عمر”، فشعر بأن رفيقه على وشك الوقوع بالحب للمرة الثانية، قطعت تلك
اللحظة خروج الطبيبة من غرفة العمليات، فدنت من “عمر” لتخبره:
دكتور” عمر”، الولادة الطبيعية هتكون صعبة عليها ، فأنا شايفة إننا نلجئ للقصرية أفضل.
قال بقلق شديد
إعملي اللي أنتي شايفاه صح يا دكتورة بس أهم حاجة “إيمان “تكون كويسة.
أكدت له برفق :
متقلقش هتقوم بالسلامة إن شاء الله.
وعادت لغرفة العمليات مرة أخرى، ليتبعها “عمر” بعد أن صمم الانضمام
اليهما، ففي طبيعة الحال زوجته في سبات عميق بفعل المخدر، فلن تستطيع إلحاق الأذى به مجدداً.
بالخارج
إختار “عاصي” الجلوس على الأريكة القريبة من الجناح المتخصص للجراحة، فجلست “لوجين” لجواره حينما ألمتها قدميها من الوقوف أصبح المكان فارغ من حولهما، يسوده صمت قاسي وكأن المكان لا يوجد به سواهما، فحانت منه نظرة جانبية تجاهها تخفي حولها تردد بما يود قوله، إلى أن قال بثبات تام
إنتي ليه بتكرهي “قاسم” ؟
رفعت حاجبيها بدهشة من سؤاله، فأوضح مقصده حينما قال:
أقصد إنه مفهوش عيوب خطيرة، رجل أعمال ناجح وابن عمك وفوق كل ده بيحبك بجنون..
ابتسامة شبه ساخرة رسمت على محياها ، فتحررت كلماتها التي اصطحبتها وابل من الدموع جعلته في حيرة من أمرها، وخاصة بأنه إعتاد
على تلك الإبتسامة التي ترسمها دوماً على وجهها:
يمكن لأنه مش سايبلي حرية الإختيار ودايماً بيفرض نفسه علي، ومن وأنا صغيرة وهو دايماً بيتسببلي بالإحراج قدام أصدقائي، لو شافني بتكلم مع حد بيكسره رقبته وبيأذيه بكل السبل، وأخرهم كان دكتور جامعي كان متقدملي فقولت أدي لنفسي فرصة ولأول مرة كنت بفكر أرتبط بشكل جدي، ولما روحت الجامعة تاني يوم إتفاجئت إنه توفى في حادث غامض
وطبعاً مش محتاجة أقولك مين اللي ورا الحادثة دي!
لمس “عاصي” جزء من معاناتها المخبأة خلف وجهها البريء، وخاصة
حينما استكملت حديثها بوجع ينطوي خلف رقة صوتها :
حتى بابا كل ما بقوله إني بكرهه ومش عايزاه كان بيحرص إنه كل مرة يشرحلي إني لو متجوزتهوش أيه اللي هيحصل فينا، لأن كل حاجة في إيده هو وعمي، فالجوازة دي بتصب في مصلحة العيلة اللي لازم أفكر فيها ومفكرش حتى في نفسي!
و مسحت دموعها بأطراف يدها وهي تستطرد بإنكسار: يمكن يكون فعلاً مش وحش للدرجة دي بس هو اللي زرع الكره جوايا بسبب أفعاله الاجرامية، وحبه إنه يتملكني بأي طريقة كانت وكأني سلعة رخيصة بتتباع وتشتري.
وبعزم شديد أضافت:
مش هو ده الشخص اللي أنا عايزاه مش مناسب ليا ولا عمري هحبه ولا هحترمه في يوم من الأيام.
ومسحت العالق بأهدابها وهي ترسم إبتسامة صغيرة:
سيبك مني، وقولي أيه السر ورا تعلقك بحبيبتك حتى بعد ما ماتت إزاي قدرت تفضل مخلص ليها كل السنين دي ؟
نغز صدره بوخزات مؤلمة، فور تذكره زوجته وحبيبته الراحلة، فالتقط نفساً مطولاً حبسه داخله لفترة طويلة قبل أن يجيبها بكلمات تشتق معاني
العذاب بأكملها:
عشقها زي المخدر اللي بيكون صعب التخلص منه، مجرد تردد ذكرياتها بعقلي بيخليني أحس دفء بيديني القوة إني أواجه برد مشاعري القاسية.
تحمل الألم الذي يضرب قلبه واسترسل بصوته الرخيم:
وجع فراقها مكنش بنفس حدة وجع قلبي وأنا بشوفها بتواجه الموت كل يوم ، وخاصة بعد ما إتغلب السرطان على جسمها كله، ومعتش عندها
طاقة إنها تحاربه.
انسدلت دمعاتها على وجهها وهي تستمع لكلماته الصادقة التي نقلت لها صورة مصغرة عما خاضه، فتغلبت عما يحاربها من حزن عميق ثم قالت: إدي لنفسك فرصة أن تدخل حياتك بنت تنور عتمة قلبك اللي عايش
حبيس ليها.
ابتسم وهو يجيبها ساخراً:
تفتكري إني محاولتش أعمل كده فكرت كتير في فكرة الإرتباط كل ما بكبر في السن بس للاسف مقدرتش ، وأحياناً بفكر بتمعن في عمري اللي قضيته بالشغل عشان أوصل للي وصلتله وبسأل نفسي مين اللي هيورث كل ده بعد موتي والأهم من ده كله إزاي هخلد إسم عيلتي؟
ورفع كتفيه باستسلام
حاولت بس مقدرتش، لإني بمجرد ما ببص لأي ست بحس إني ارتكبت
جريمة عقابها أسوء مما أتخيل
ابتسمت “لوجين” ثم أخبرته بإعجاب شديد:
ياريت قدري يجمعني براجل يحبني زيك.
رفع عينيه تجاهها فصفن بها لدقائق، شعر بهما بأنه استعاد جزء من
حياته تلك الفتاة غامضة بكل ما تحمله معنى الكلمة، من يراها يظنها طفلة ساذجة رغم عمرها المعقول، وأحياناً يشعر بأنها امرأة ناضجة تمتلك من الحكمة والعقل ما يجعلها تحكم عالمه، انقطع فترته الوجيزة بتأملها حينما تسلل لمسماعهما صوت بكاء رضيع، وبعد قليل خرج “عمر” يحمله بين ذراعيه بابتسامة يتخلالها دمعات الفرحة والسعادة، ليضعه بين يد “عاصي” الذي فشل بالتعامل معه، وكأنه يحمل شيء رقيق يخشى أن ينكسر بين يديه الخشنة، فحملته عنه “لوجين” وهي تهمس بفرحة: جميل أوي ما شاء الله، هتسميه أيه يا “عمر”؟
انتقلت نظراته تجاه رفيقه ليجيبها دون تردد
أنا و”إيمان” إختارنا الاسم قبل كده .. هنسميه ” عاصي”.
اتجهت نظراته المندهشة لرفيقه، فربت بيديه على كتفيه وهو يردد بحنان
بتمنى يكون زيك في يوم من الأيام.
منحه ابتسامة هادئة وقال بتمني:
ربنا يباركلك فيه ويحفظه من كل سوء.
انقطع الحديث بينهما حينما خرجت “إيمان” من غرفة العمليات
فتتبعوها لغرفتها، لتدنو منها “لوجين” ثم قالت بلهفة:
حمد لله على سلامتك يا حبيبتي…
ابتسمت رغم محاربتها للألم:
الله يسلمك يا روح قلبي.
ثم نقلت نظراتها لأخيها لترغمه باشارتها على التطلع تجاه “لوجين” التي تحمل الصغير بكل حب وحنان لتعود لترشيحاتها الصامتة من جديد، هز رأسه باستسلام لعدم تغيرها بعد، وإنحنى ليطبع قبلة صغيرة على جبهتها وهو يهمس باستهزاء
حتى وإنتي تعبانه وبتموتي بتفكري في الموضوع ده
همست بتعب بدى بنبرتها المتقطعة
بالي مش هيرتاح الا لما تتجوز، فإتعود بقا على طريقتي اللي مش
عجباك دي لحد ما تفرح قلبي ببنت الحلال اللي تستاهلك…
انحنى “عمر” تجاههما ليتساءل بقلق ، ونظرات شكوكه تتوزع بينهما:
في أيه؟
دفعه “عاصي” وهو يشير له بصرامة :
موضوع خاص بين الأخت وأخوها مالك بيه!
حدجهما بنظرة منفرة، ثم غادر للخارج وهو يردد بسخط
خدوا راحتكم، وأنا هروح أشوف الدكتورة هتخرجها النهاردة ولا بكره. وفور خروجه استأذنت “لوجين” هي الاخرى بحجة رغبتها باحتساء كوب من القهوة، ولكنها بحقيقة الأمر فضلت الانسحاب حينما شعرت بحاجة “إيمان” بالحديث مع أخيها على انفراد… فهبطت لكافيه المشفى الخاص لا تعلم بأن هناك من تلقى الأوامر بخطفها حينما تسنح لهم الفرصة بذلك، ومنحتهم تلك الفرصة ببقائها بمفردها دون “عاصي”.
بالأعلى.
فور خروج “لوجين”، استغلت “إيمان” بقائها بصحبة أخيها بمفردهم، لذا استدعت الحزن ليتبع نبرة صوتها:
هتفضل لحد أمته تتجاهل طلبي وأمنيتي يا “عاصي”؟
زفر في سئم من عودتها لنفس الموضوع الذي لا ينتهى أبداً، فقال بانزعاج
إنتي مش بتملي من الكلام في الموضوع اللي مش بيتقفل ده؟
انجرف تفكيره تجاه نقطة هامة، فاسترسل حديثه بعد فترة من الصمت
استني استني في العادة بنقطع الكلام في الموضوع ده فترة متقلش عن سنة أو أكثر، أول مرة تتكلمي عن جوازي في نفس الأسبوع تقريباً…
قوليلي في أيه؟
ابتسامة رقيقة رسمت على محياها قبل أن تخبره
يمكن لإني لقيت العروسة اللي تليق بيك بجد المرادي، ومن اللي أنا
شوفته إنت مش بتعترض على وجودها جنبك أغلب الوقت.
ضيق عينيه وهو يتساءل بذهول:
تقصدي مين ؟ ” لوجين”!
هزت رأسها بتأكيد وقد ازدادت ضحكاتها فرمش بعينيه عدة مرات وهو يردد بعدم تصديق
مش مصدق اللي بسمعه ده إنتي شايفة المجنونة دي لايقة عليا!
قالت والضحك يتابعها بحديثها .
لا شايفاك مهتم بيها، ومديها الفرصة إنها تقرب منك ويمكن ده لأنها
مسيطرة على مكانة خاصة بقلبك.
كور يديه بعصبية حتى أبيضت من فرط ضغطه عليها، فعادت لتستعطفه لكلماتها من جديد
أنا عارفة إنك هتفضل تحب ” هند ” لأخر نفس خارج منك، بس أيه
المشكلة لما تحتفظ بحبها جواك وفي نفس الوقت تسمح لواحدة تانية إنها تدخل حياتك
نهض “عاصي” عن مقعده ثم هم ! بالخروج وهو يردد ساخراً
تدخل حياتك
نهض “عاصي” عن مقعده ثم هم بالخروج وهو يردد ساخراً:
إنتي لسه مرجعلكيش وعيك بالكامل، هر جعلك تاني بس لما تأثير المخدر يخرج من جسمك كله.
وأغلق الباب من خلفه، ثم ألقى بثقل جسده على أقرب أريكة استراحة قريبة من غرفة شقيقته، فعلى الرغم من تماسكه الشديد أمامها الا أن قلبه رق لحديثها، وكأنه لمس شيء كان يجهله، نعم هي تمتلك جزء من الحقيقة فمازال يتساءل ماذا فعلت به تلك الفتاة في أيام معدودة كيف استطاعت أن تجبره على مساعدتها والأغرب من ذلك كيف صرح لها عن وجع قلبه بمنتهى البساطة في حين أنه لطالما حرص على دفنه بداخله، وكأنه لا يخص أحداً سواه هو، ثمة شيئاً غامض يجذبه تجاهها، شيئاً لم يعد يفقهه أو يعلمه !
طلبت “لوجين” كوب من القهوة، وقررت الجلوس بالمقهى حتى تنتهي من تناولها، فجذبت أحد المقاعد ثم جلست تتفحص إحدى المجلات الموضوعة من أمامها لحين أن ينتهى النادل من إحضار قهوتها، التهت بتفحص الأخبار الشيقة التي كتبت عنه المجلة فشردت، وكأنها ببقعة منعزلة عن الجميع، وفجأة ضرب رأسها دوار عنيف استهدفها، فغلبها نوماً بدى غريباً إليها بهذا الوقت، وألقت بثقل جسدها على الطاولة المقابلة لها، وسرعان ما تخدر جسدها، فاستغل من يراقبها سكينتها، وإقترب منها ليجذبها سريعاً ثم وضعها على المقعد المتحرك ثم إتجه بها لباب الخروج فبدى الأمر طبيعي بالنسبة لوجودها بالمشفى، وما أن خرج بها حتى توقف أحد الرجال بالسيارة، فحملوها بحرص ومن ثم وضعوها بالمقعد الخلفي.
إتجه “غيث” للمشفى بصحبة “عائشة” فور سماعهما بولادة “إيمان” الطارئة، فأوقف سيارته بمحاذاة الرصيف، ثم كاد بتتبع زوجته التي تركته وأسرعت تجاه باب المشفى، فتعجب “غيث” حينما وجدها تتباطئ بمشيتها حتى توقفت عن الحركة، فسألها باستغراب:
في أيه ؟
أشارت “عائشة” بإصبعها تجاه إحدى السيارات ثم قالت بحيرة: مش دي “لوجين”؟
إتجهت نظرات “غيث ” تجاه ما تشير إليه، فانعقد حاجبيه بدهشة مما رآه وعلى ما بدى إليه بأنها مخدرة كلياً وقد اتضحت شكوكه حول ما يحدث حينما وجد الرجال يسرعون بالتحرك حتى لا ينتبه إليهم أحداً، فركض “غيث” تجاه سيارته، ليتبعهما على الفور، بينما أسرعت “عائشة” للأعلى، لتخبر “عاصي” بما حدث، فهبط بصحبة “عمر” ليستقل سيارته ثم إتبع الطريق الذي أرسله إليه “غيث”.
بغرفة “إيمان”
تصفح
لحظات مختلسة من القلق قضتها “عائشة” أمام النافذة وهي تراقب الطريق من أمامها، تنهدت بعمق ثم أخذت نفساً عميقاً كأنما تلفظ حياة وتستقبل أخرى، فحاولت “إيمان” الإعتدال بمرقدها، وهي تسألها بنظرة مشككة
في أيه يا “عائشة”؟ وقولتي أيه “لعاصي” خلتيه يجرى هو “وعمر” بالشكل ده
قطرات عرق خفيفة تكاثفت فوق جبينها، وهي تهاجم تلك الهلاوس
الافتراضية تجاه ما سيحدث لزوجها على يد هؤلاء، فبحثت عن إجابة ستقطع شكوك رفيقتها، لتريح بالها وهي بتلك الحالة المضطربة، فأنتهى عنائها حينما فتح باب الغرفة، وكأنه يقطع حيرتها في إنتقاء ما ستقول عبس وجهها حزناً حينما رأت حماتها تقف من أمامها، فمنحتها الأخيرة نظرة تشتعل بالمزيد من الضيق، ثم تجاهلتها عن عمدٍ وإختارت الجلوس
جوار ابنة شقيقتها، فأجلت أحبالها المنقطعة:
حمد لله على سلامتك يا حبيبتي؟
ما تفعله لم يلقى استحسانها، ولكنه مجبرة على إحترامها فبنهاية الأمر هي خالتها، لذا أجابتها بود:
الله يسلمك يا خالتي، تعبتي نفسك ليه بس.
قالت بطيف حمل بعض الفظاظة المستهينة وهي تلوح بسبابتها:
تعبي في سبيل إني اتطمن عليكي راحة يا حبيبتي، ده أنتي بنتي اللي مخلفتهاش.
كانت تعلم جيداً بأنها تستهدف “عائشة” لتضايقها، فقالت بلهجة مهذبة: أمال أيه يا خالتي، أنا و”عائشة” بناتك وملناش غيرك.
كزت على أسنانها بقوة تكاد تحطمها، لتجيبها بنبرة تنضح سخرية قاسية: بنت الملاجئ دي عمرها ما تتساوى بيك يا “إيمان”.
بنت الملاجئ دي عمرها ما تتساوى بيك يا “إيمان”.
تعقد طيف حاجبيها وهي تشعر بأنها تواجه كياناً غريباً، أفكارها تزلزل أرضاً ثابتة:
أنا بحاول أستوعب طريقة تفكيرك دي مبنية على أي أساس بس صدقيني مش بلاقي أجوابة.
شعرت “عائشة” بالحرج كونها تتسب بالمشاكل الدائمة بينها وبين أفراد عائلتها، لذا أرادت الإنسحاب حتى لا تسمح لشجارهما بالتطور أكثر من
ذلك، فمنعتها “إيمان” من الهروب تلك المرة حينما قالت بإنفعال:
مش هتخرجي من هنا يا “عائشة”، إحترامك من إحترامنا كلنا، وإهانتك من إهانتنا كلنا.
دمعت عينيها بمزيج من الرهبة والعاطفة تجاه كلماتها التي طيبت جرحها، ولكن مع نظرات عين حماتها الحاقدة جعلت قلبها ينشطر قهراً، وخاصة حينما أهدرت بجمود
اللي زي دي متستحقش إحترام من حد دي قومت عليا ابني وخليته يسيب البيت ويمشي!
وحملت حقيبة يدها ثم اتجهت للخروج وهي تسترسل بقبيح الشتائم والتهديدات الصريحة لما تنوي فعله لإبعادها عن ابنها، فما أن رحلت حتى هوت “عائشة” على الأريكة ذات الجلد الاسود الداكن بتعب شديد، وكأنها زهدت حركتها، شعور الخيبة لديها يفوق شعور الألم، أدمعت عين “إيمان” تأثراً بها، فخالتها تنجح دائماً بكسر قلبها، لم تشعر يوماً بالشفقة تجاهها، ألا يكفيها وحدتها !
ألا يكفيها كونها يتيمة، وحيدة، لا سند لها بتلك الحياة سوى زوجها الذي أرادت تفريقها عنه !
شعرت وكأن ليس هناك من الكلمات المناسب لمواستها به في ذلك الموقف، ففضلت تركها في ظلمتها التي تشتد بالابتلاء بطغيان خالتها الذي
لا يتوقف، وعلى ما يبدو بأنها ستستمر على ذلك المنوال
تثاقل رأسها إختفى رويداً رويداً، فحاولت “لوجين” رفع جفن عينيها فاستمعت لصوت شبه مألوف بالنسبة إليها وربما يكون أكثر ما تمقته في
الحياة:
كنتي فاكرة إنك هتقدري تهربي مني ومش هعرف أجيبك
ازدادت ضربات قلبها المرتجف خوفاً، وهي تستكشف صاحب الصوت فاستدارت بوجهها تجاه الصوت القريب منها، لتتمكن من رؤية من يجلس
أمامها بوضوح، أنهت الصراع القائم بداخلها فرأته يجلس أمامها ببرود منتاهي، ومن خلفه يقف رجلين من رجاله، ابتلعت ريقها بصعوبة وهي ترسم دور الثبات المخادع عليه:
عايز مني أيه يا “قاسم”؟ أنا قولتلك ألف مرة إني مستحيل هتجوزك غصب عني.
ابتسامة ساذجة رسمت على محياه قبل أن يتحرك لسانه ناطقاً:
ده اللي هيحصل فعلاً يا حبيبتي.
رفعت حاجبيها وهي تتساءل بدهشة:
تقصد أيه ؟
اتاها رده الصريح
هتجوزك غصب عنك، ودلوقتي بالتحديد.
ثم أشار الرجاله الذين هموا بالاقتراب منها ثم قيدوها، ليجبرها على
التحرك معه للخارج، فصاحت بانفعال شدید
سبني، أنا مبحبكش أنت أيه مبتفهمش !
لم يستمع اليها أحداً، وكأنهم رجال يحركهم ” قاسم” كالألي، صرخت في محاولات بائسة منها على أحداً يستمع إليها، وحينما فشلت بذلك، صاحت
“عاصي” مش هيسيبك.
استفزته جملتها، فرسم ابتسامة ساخرة فوق شفتيه وهو يرد عليها:
أنا مش عارف أنتي أقنعتي “عاصي” يساعدك بالهروب من الحفلة إزاي بس متقلقيش أنا رفعت عنه الإحراج إنه يستمر في مساعدتك.
علمت بأنها تلك المرة لن تستطيع الفرار منه بعد أن قرر أن يتزوج منها عنوة، فثارت بحركاتها وباتت تركل بقدميها من يحملها على كتفيه فأصابته إصابة بالغة بحذائها ذو الكعب العالي، فحررها ليتركها أرضاً فركضت “لوجين” حائرة بذلك المكان الغامض، حاولت استكشاف مخرج يقودها للنجاة من هذا المأزق ولكن باتت محاولتها بالفشل، فكان المكان محكماً للغاية، يطوفه رجال “قاسم” من جميع الإتجاهات، تراجعت بظهرها للخلف حينما رأتهم يحاوطنها، فأجبروها على التراجع للخلف ومن ثم على الجلوس على المقعد المجاور له والمقابل للمحامي الذي يستعد بأوراق الزواج، رفعت “لوجين” نظراته عنه بإحتقار، فبداخلها غصة مريرة بإنتصاره الذي سيحققه بزواجه منها رغماً عن أنفها، فبالنهاية هو الذي إنتصر عليها وستكن حقيقة تبزغ كالشمس بين ضلوعها، لا تعلم لما استجمعت شتات تركيزها لتفكر به بذلك الوقت، الأربعيني الذي سيطر على خفقات قلبها فتصبح عاجزة حتى على التحكم بها، فكل ذرة بعقلها تنا شدها بالتفكير به كأنه مغناطيس يجذب كل أقفال روحها نحوه، وسيم
بطريقته الخاصة، ويمتلك غرور وكبرياء يخصه هو، تشتاق حقاً لنبرته الرخيمة التي تضيف لصوته الرجولي سحراً خاص، فجعلت همساتها تحفزها على القادم
“عاصي” وعدني إنه هيخلصني منه مستحيل هيسيبني ليه أكيد هيمنعه ..
تمنت بتلك اللحظة لو كانت تمتلك فانوس سحري يحقق أحلامها، فتتحقق أمنيتها برؤيته في تلك اللحظة، انقبض قلبها رهبة حينما صاح المحامي بجدية:
الأوراق كلها جاهزة يا باشا وواقفة على أمضتك.
جذب “قاسم” أحد الأقلام ثم وقع على عقد الزواج الرسمي، ليضع القلم على الأوراق بقوة جعلت جسدها ينتفض رعباً لما ستلقاه، فاحتدت نظراته تجاهها وهو يؤمرها بحدة
وقعي.
از دردت ريقها الجاف، لتلتقط القلم بأصابع مرتجفة وهي تتطلع على إسمه المدون بنظرة ساخطة، سيغلب عنادها في تلك اللحظة التي ستضع إسمها جواره، وربما سيقتل ذاك الحب الذي نبض بداخلها تجاه هذا الأعزب، لا لن ترضى أبداً بأن يحطم عزيمتها ويكسر عنادها، كسرت القلم بين يدها ثم
نهضت لتردد بكل ذرة شجاعة إمتلكتها يوماً:
مستحيل هقبلك زوج ليا حتى لو كان ده أخر يوم في عمري يا “قاسم”.
نهض وهو يحدجها بنظرة بدت وكأن شياطين الدنيا بأكملها تتصارع على وجهه، فبسط كفيه فوق كتفيها متعمداً غرس أظافرها بلحمها وهو يجبرها على الجلوس
مش بمزاجك يا حبيبتي، إنتي عارفة كويس أنا أقدر أعمل أيه فيك وفي أبوكي.
على جثتي أتجوزك يا ملزق.
تمتمت بها سراً وهي تحاول كتم غيظها ، فدفعت يديه بعيداً عنها ثم
تهتف بفظاظة :
أنا يوم ما هتجوز هتجوز أكيد هتجوز راجل يحترمني ويقدرني مش هتجوز إنسان قذر زيك.
اقترب منها “قاسم ” تلك المرة، ليهوى على وجهها بصفعة قوية وهو يردد بغضب قاتل:
غرورك ده هكسره بإيدي يا “لوجين” والنهاردة قبل بكره. إرتدت على أثر صفعته أرضاً أسفل أقدام من تمنت وجوده، فهمست بدمعات لحقت عينيها الحزينة
عاصي
رفعت رأسها إليه تاركة دموعها تشكو إليه قلة حيلتها، وكأنها تستنجد به من هذا اللعين الذي يريد أن يتزوج بها رغماً عنها، وكأنها سلعة تباع وقد كانت من حظه هو لطالما كانت تتهرب منه على أمل أن يشعر برفضها التام إليه، ولكنه كان يصر على طلبه أكثر من سابق
إنحنى ” عاصي ” ليعاونها على الوقوف، فهمست بصوت باكي .”عاصي”
منحها نظرة شملت حنان ودفء استطاعت لمسه بها، فرفعها بيديه برفق لتقف خلفه ليكون هو من أمامها كالسد المنيع، إرتبك “قاسم” من وجوده فحانت منه نظرة جانبية متفحصة، استطاع بها رؤية “غيث” و”عمر” يتغلبان على رجاله وكأنهم فئران تم احتجازهما داخل مضيدة فئران وبالرغم من ذلك سيطر على انفعالاته ليبدو أكثر إتزاناً:
أنا حقيقي بعتذرلك على لك الإزعاج الذي إتسببت فيه خطيبتي، لسه مش قادرة تستوعب إنها مينفعش تستخدم دلعها ده مع الناس الغرب اللي أكيد هيملوا من مساعدتها وخاصة لو الموضوع شخصي وحساس زي ده.
ثم استطرد بمكر:
أنت عارف أنا لما شوفتها خارجة معاك في التسجيل اطمنت لأنها خارجة مع راجل نبيل زيك.
ثم نقل نظراته تجاهها ليشدد على حديثه بغيظ:
بس العتب في النهاية عليها، لأنها لسه فاكرة نفسها عيلة صغيرة.
خرج ” عاصي ” أخيراً عن صمته، حينما قال بصوته البارد الذي يثير الرجفة في القلوب ليمتقع وجه “قاسم ” الذي يتابع ما يقول :
حتى الطفلة بيحترم قرارتها وبيكون ليها الحرية في الاختيار، أنت شايف نفسك مسؤول بالدرجة اللي تخليك تصدر القرار بالنيابة عنها ومش مستني حد يعارضك
لعق شفتيه بارتباك مما استمع إليه، فاستكمل “عاصي” حديثه بصرامة:
اللي بتعمله ده مش منصف بحق رجولتك يا “قاسم”… سبها في حالها وإتجوز ببنت تناسبك والأهم إنها تكون فعلاً عايزاك.
قطع “قاسم” المسافة القصيرة بينهما، حتى بات لا يفصلهما كثيراً، ليخبره
وعينيه تحدجها بنظرة استحقار:
أنا شايف إنها سيطرت عليك لدرجة إنك واقف وبتناطح صاحبك وشريكك نجحت توقعك في شباكها !
وبنظرة مشككة إتبعها قوله الماكر:
قولي يا “عاصي”، أنت حبيتها إزاي بالسرعة دي ولا يمكن عشان هي سمحتلك تقربلها طول الفترة اللي قضتها في قصرك
اتفرجت شفتيها في صدمة مما يلقيه على مسمعها من تهمة مهينة
وخاصة حينما استطرد بقلق وحدسه ينبئه بخطر يتدفق من عين “عاصي” المتوهجة بشراسة قد تطيح برأسه لتفصلها عن جسده:
الغريبة إن واحدة زيها المفروض تفرح إن حد عايز يستر عليها
ويتجوزها وبالرغم من كده شايفة نفسها.
لم تحتمل سماع تلك السهام الصائبة لعفتها وشرفها المصون فصرخت في وجهه بعصبية كاد باستهداف طبلة أذنيه:
إخرس يا حقير، أنا أشرف منك ومن عيلتك كلها يا قذر.
اشتعلت نظراته حنقاً، وجز على أسنانه بغيظ فحاول جذبها من معصمها وهو يهدر غضباً:
خلينا نمشي من هنا ونروح بيتنا وهتشوفي القذر ده هيعمل معاكي أيه؟ وكاد بأن يلامسها في محاولة منه لجذبها بعيداً عن” عاصي” الذي منع يديه من الوصول إليها، فضغط بكل قوته على معصمه الذي تهشم عظامه تصفح
بين يديه مصدرة صوت طقطقة، ولاحقها صوت صراخه الهيستري مما دفع أحد رجاله للتدخل، فحاول أحداهما إستهداف وجهه
فتفادى “عاصي” يديه، ومن ثم رفع جسده للأعلى ليركله ركلة أبعدته مسافة عنهما ليصبح أسير يد “غيث” التي ألقنته درساً قاسياً ، وكلما حاول أحداً التدخل كان يمنعه “عمر” و “غيث” من لمسه، فسدد “عاصي” له عدد من اللكمات القاسية حتى إنتهى بركله فأصبح “قاسم” طريحالأرض من أسفل قدميها ، ثم إنقض عليه وحبس مجری تنفسه بیدیه
ليكيل له ضربة تلحقها قوله الشبيه بالسواط
عديم الرجولة والنخوة هو اللي بيستغل ضعف واحدة ست وبيجبرها إنها تتجوزه بالغصب.
واصطحبها لكمة أشد عنفاً وسباب مهين:
أنت إنسان مريض، بتبرر ضعفك بأنك تطعنها في شرفها يا رخيص…… أنت عار على الرجولة.
إحتبس جلد رقبته أسفل يديه، فحارب لالتقاط نفسه المتقطع بصعوبة
وفي تلك اللحظة أتى “عمر” مسرعاً ليبعده عنه وهو يصيح بها بحدة: إبعد يا “عاصي” هيموت بين إيدك.
لم يتركه بل ازداد من إحكامه على عنقه، وكأنه ختم قراره بقتله وتخليص تلك الفتاة البريئة من مصائبها، فتدخل “غيث” على الفور حينما وجده يصارع الموت بكل ما أوتي من قوة، فدفعه بيديه معاً للخلف وهو يناديه بانفعال:
“عاصي”… هيموت إبعد.
ابتعد عنه، فتفحص “عمر” نبضه، ليجده مازال على قيد الحياة، فعاد الهواء لينعش رئتيه ليستعيد “قاسم” وعيه تدريجياً، فإتكأ على معصمه حتى إعتدل بجلسته، وإلتقط أنفاسه بصوت مسموع، وحينما استمد جزء من قوته قال بلسان يتقطع كلماته متنساش إنك بخسارة شراكتي هتخسر ملايين مش هتعرف تعوضها يا “عاصي”.
عاد إليه مجدداً وتلك المرة فشل “غيث” بإيقافه، فناوله لكمة قوية اتبعها صيحاته المندفعة:
خسارة ثروة بأكملها أهون من إنها تتجوز من شيطان لعين مثلك… ثم أشار له بشراسة وبتحد سافر
ولو كنت خايف بجد على حياتك غور من هنا ومتورنيش وشك ده تاني والا ما تلومش الا نفسك…
زحف على ظهره للخلف، ثم نهض على قدميه ليتبع رجاله للخارج وهو يردد بوعيد
أنت اللي بدأت الحرب يا “عاصي” .. وهتشوف جحيمها بعنيك.
وغادر من أمامه على الفور، فما أن إختفى من أمامهما حتى إسترخى
جسد “لوجين” براحة، فكانت تخشى أن ينجح في إقناعه فيتخلى
“عاصي” عنها، ولكنها مازالت لا تنكر إعجابها الشديد بشخصه المميز من
الذي سيتخلى عن صفقة بملايين لأجل فتاة لا تربطها به أي علاقة، بالطبع كان اختيارها له من البداية موفق، ولكن الذي تخشى البوح به لنفسها حتى بأنها قد وقعت في حب الأربعيني الوسيم
توقف بها الزمن وهي تراه يقترب منها، وكأن العالم إنقرض ما به من أناس
ولم يصبح فيه سواهما تراه مع كل خطوة يصبح قريباً منها، بينما هي تقف محلها ساكنة، لا تعرف كيف المفر من ذاك العشق الغامض
هل باتت حمقاء لتقع في حب رجلاً قدم لها المساعدة مرتين؟ أم أنها معجبة بأدق تفاصيله الغامضة بما يخص حبه المخلص لتلك المرأة التي فقدها منذ سنوات
انقطع بها حبال الوصال، حينما رأته يقف أمامها، ويتساءل بكل لهفة امتلكه وعينيه تتفحص براءة وجهها الساحر انتي كويسة ؟
هزت رأسها والابتسامة الصغيرة تلاحقها :
مش عارفة ، بس أنا بقيت كويسة في الوقت اللي أنت جيت فيه تخلصني منه.
عيناه تغافلانه وتتلكان فوق ملامحها، جف حلقه وهو يشعر بأنه يفقد
السيطرة على نفسه، فقال بصوت متحشرج عمل مزحاً متخفي : :
يلا نمشي قبل ما نواجه بلاوي تانية في المكان الغريب ده
اتسعت ابتسامتها فقالت وهي تسرع بخطواتها تجاه سيارته بسرعة قبل ما الملزق ده يرجع تاني.
رأها تصعد بالمقعد الخلفي وتنتظره، بينما وقف يتأملها بنظرة غامضة، ازدادت حدتها حينما اقترب منه “عمر” ليوزع نظراته بينه وبين من
يتأملها، ثم قال بشك :
حاسس إن في حاجات غايبة عني ولازم أعرفها، عشان كده بقترحعليك تيجيلي بكره العيادة وأفحصك أنا بنفسي.
حدجه بنظرة شرسة، فعدل من جاكيت بذلته ليتابع بجدية وهو يتجه
لسيارة “غيث” الذي يراقبهما بضحكة ساخرة
هستناك بكره الساعة أربعة العصر، متتأخرش.
وتركه وغادر بهدوء، ليتحرك الاخير تجاه السيارة، فصعد بالخلف ليعود بها السائق للقصر..
**
بغرفة “إيمان”
غفت محلها من كثرة بكائها، فشعرت بيديه تمسد على ظهرها برفق
وصوته الذكوري المميز يناديها بحنان
“عائشة”.. حبيبتي فوقي.
فتحت عينيها الناعسة، لتراه يقف أمامها، فارتسمت على شفتيها الجافة
إبتسامة شبه عابثة، لا تعلم لما غلبها البكاء في تلك اللحظة، وكانها برؤياه تذكرت قسوة والدته، فودت لو يقربها منه عله يخفف عنها حدة ذاك الألم العالق بين صدرها، شعر “غيث” بأنها ليست على ما يرام، فسألها بقلق:
مالك في أيه؟
مفيش تعبانة بس شوية.
نهت عبارتها بخيطين من الدموع ذرفتهما بصدق ولو كذبت النوايا فاختلج قلبه عنفاً لأجلها، قربها “غيث” تجاهه فاقترب “عمر” منهما ثم
اقترح عليهما:
تحبي أنادي الدكتور.
هزت رأسها رفضاً لفكرته، ومع ذلك ردت بتهذب:
مفيش داعي، أنا هروح أرتاح وبكره هروح لدكتوري إن شاء الله.
ثم إنحنت بجسدها لتحمل حقيبتها، ووقفت جوار الفراش لتودع “إيمان” وهي تهمس لها برجاء الا تخبر “غيث” بما حدث، ورحلت معه للأسفل وهي تدعو الله أن لا يكتشف ما قالته والدته بزيارتها لرفيقتها.
استرخت “إيمان” “بفراشها قليلاً بعد أن اطمئنت على الصغير وضمته بين ذراعيها، فوجدت الباب يفتح من أمامها، ليدلف زوجها بعدما
أوصل “غيث” وزوجته للأسفل، فأسرع بجذب المقعد الجانبي ليضعه جوارها، ثم قال بلهفة تسبقه بالحديث بعد أن أصبحوا بمفردهم: أنا إتاكدت إن شكوك من نحية “لوجين” طلعت . بينها وبين “عاصي”. صح، فعلاً في حاجة
وابتلع ريقه الجاف من فرط مجهوده المبذول لصعوده إليها مسرعاً، ثم قال:
حاسس كده إن قلبه نبض بالحب ليها بس هو مش معترف بده، ويمكن بكره إن شاء الله أخليه يحس بده. ابتهجت “إيمان” كثيراً لما تسمعه، فرددت بتمني ورجاء:
بدعي ربنا إنه يفكر فيها ويأخد قرار يخص حياته بقى، أنا حاسة إنه
مبقاش يشوف أي ست بعد “هند” الله يرحمها.
تمدد على المقعد براحة ثم قال:
هيحصل وقريب بإذن الله.
*** ***
بقصر “عاصي سويلم”
تركت المياه الباردة تطفئ النيران المشتعلة بداخلها، فمازالت كلماته المشككة بأخلاقها تطعنها كالسهام التي تستهدف قلبها بحرفية، غامت عينيها في ظلام دامس بدده ذاك الضوء المصاحب لذكراه، تذكرت كلماته التي رددها بثقة، وثورته العارمة فور سماع ما طعنه بها أمامه، ابتسامة زارت شفتيها المغموسة أسفل المياه، فرسمت أمامها شاشة صغيرة لتريها لقطته حينما انحنى ليجذبها إليه، وعاونها على النهوض، فقرعت الطبول بداخلها وكأن جسدها مازال يستحضر تلك اللقطة، باتت حائرة، تائهة لا تعلم ما الذي يحدث إليها بالتحديد والمضحك في الامر بأن “قاسم” الأحمق فعل المحال لسنوات ليستحوذ على قلبها ولم يستطيع، أما ذلك الأربعيني الأعزب تمكن من فعله في أيام لا تذكر، أغلقت “لوجين” المياه المتدفقة عليها وهي تردد في صدمة بما يهاجم تفكيرها:
معقولة أكون حبيته!
ثم جذبت الصابون المجاور لها لتلقيه بعشوائية وهي تدور بسعادة ختمتها حينما ارتدت ملابسها ثم هبطت للاسفل سريعاً لتبوح له عما تريد!… ولكن ترى هل سيتمكن من محو ذكريات حبه الذي طال لأكثر من عشرة سنوات
تكملة الرواية من هنااااااااا
التعليقات