رواية صرخات انثى الفصل السادس و السبعون 76 – بقلم ايه محمد رفعت
بعد أن اطمن يونس على خديجة، انصرف برفقة الشباب إلى المسجد لصلاة المغرب، وقف يونس جوار آدهم وآيوب بالصف الثاني من الصلاة، وبالصف بالأول كان يقف عمران جوار المصلين ومن أمامهم الشيخ مهران.
بدأ الشيخ مهران صلاته بصوتٍ شاحب، كان يسعل طيلة الوقت، بُحت نبرته من شدة الأعياء، ثم وفي لمحة سريعة تراجع للخلف قاصدًا محل عُمران، الذي تلقى اشاراته السريعة وحل محله ببدنٍ يرتجف من قوة الإيمان، وقف أمام الميكرفون ينتفض كالطفل الصغير، لا يملك وقت الاعتراض على ما فعله الشيخ، يرى نفسه ليس مؤهلًا بالمرة ليكون أمام للناس، وللعجب انطلق صوته الخاشع يتسلل لأعماق المصلين، صوته مس القلوب، فجعل الآعين تبكي من فرط ما مسها بشكلٍ فاجئ آدهم وآيوب، الجميع يتمعنون بصوته الخاشع في نطق الآيات التي إختار مضمونها عن التوبة، وكأنه يخبر الجميع بتوبته عما اقترفه طيلة حياته.
انتهى من صلاة المغرب، فإذا بهم يلتفون من حوله، يشيدون بصوته وخشوعه بالصلاة، وبعدها انصرفوا لقضاء ركعتان السنة بعد صلاة المغرب.
انتبه عُمران للشيخ مهران الذي يدنو إليه، فوضع يده على كتفه وقال بابتسامته الوقورة:
_فتح الله عليك وزادك من فضله، عندك صوت خاشع يمس القلوب، حفظك الله.
قالها وانصرف للصلاة على الفور، بينما مازال يتطلع له بتيهة، أراد أن يسأله عن سبب اختياره له بالرغم من أن آيوب ويونس أكثر منه دراية بأمور الدين، ولكنه وجد لسانه يلجم عن محله.
اقترب منه آدهم وقال مبتسمًا:
_صوتك أحلى في القرآن عن الأغاني بكتير، قائمة غرورك عمالة بتزيد ومحدش عارف هتروح على فين بينا يا عم الطاووس!
تفاجئ به يطالعه بثباتٍ، لا يجادله كعادته، ارتاب لأمره، وتساءل:
_عُمران إنت كويس؟
هز رأسه بخفوتٍ، وهدر بنبرة ثقيلة:
_هصلي السنة عشان نتحرك.
أومأ له واحترم رغبته بعدم الحديث، أبدل آدهم محله بمحل عُمران وكذلك فعل يونس مع آيوب، ليقضي كلا منهم صلاته.
أطال بسجوده ودموعه تلامس سجادة الصلاة، تمنى من كل قلبه أن يرمم قلبه المتألم، ردد أمنية واحدة وهي أن يقربه من عزيزه المفقود!
انتهى “عُمران” من صلاته بخشوعٍ، وجلس باسترخاء على سجادته، فإذا بكف موضوع على كتفه يزف بشارة قبول دعواته طوال تلك المدة، استدار للخلف وقلبه يقفز بين ضلوعه، تلك الضمة القوية يعلم صاحبها جيدًا، وجده يجلس أمامه، يطالعه بوجهٍ شاحب، ينقل له اختصار تلك الأيام، وقبل أن يكشف عن انفعالاته وجده يخبره:
_ولو هربت لأخر الدنيا هاجي وراك بردو.
تعمقت رماديته به بغموضٍ، وبهدوءٍ لا ينطبق عليه نهض يطوي سجادته، قائلًا بوجومٍ:
_ورايا.
نهض جمال يتبعه للخارج بفضول لمعرفة ما أصابه؟ لا يعلم إن كان غاضبًا لرؤيته أم لا، والشباب من خلفهم.
تفاجئ آيوب بوجود سيف يستند على مقدمة سيارته بمدخل الحارة، فهتف بعدم تصديق:
_سيف!!
تطلع آدهم ويونس تجاه ما يتطلع له، وخاصة حينما هرول راكضًا لمسافة وقوفه، بينما مازال يقف آدهم على مقدم باب المسجد ولجواره يونس يطالعه بغموضٍ، ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجه آدهم وهو يراه يضم سيف الذي يطالعه بغضب ويقف كالصنم، فهمس ساخرًا:
_مغامرات الدكتور والبشمهندس هتبدأ من مصر.
واستدار تجاه يونس الذي يراقبه بجمود، فتفاجئ به يردد بحزنٍ:
_هتقوله الحقيقة أمته؟
توسعت حدقتيه بصدمةٍ، بينما يتابع يونس بصوتٍ نقل كل همومه، وأجبر دمعاته على التلألأ:
_من بداية ظهورك وأنا لامس فيك شيء غريب، حبك وخوفك عليه مكنش بالنسبالي طبيعي، ولما الشيخ مهران قالي مبقتش أستغرب تصرفاتك وأخرهم حمايتك ليه النهاردة.
منعه من الحديث باستكماله لحديثٍ حازم:
_آيوب أخويا وابن عمي وهيفضل كده غصب عنك وعن ٥٠٠تحليل dna، متخلهاش مواجهة بينا يا حضرة الظابط لإن وقتها هتخسر والخسارة هتكون بدايتها آيوب نفسه.
وأضاف بتفاخرٍ:
_مفيش قوة في الكون هتنزع حب الشيخ مهران من قلب آيوب، واللي هتعمله ده هيدمر كل حاجة.
ربما لم يعتاد على نبرة التهديد كونه من أحد تلاميذ الجوكر، الذي وضع له مقاييس لا يتخطاها أحدٌ، ولكنه الآن يعيش كافة الأدوار المنسوبة، يضع نفسه محل كل شخصية شاركت أخيه الحياة، لذا وبكل رزانة قال:
_صدقني يا يونس أنا أكتر واحد مش عايز أدمر عالم آيوب، واللي جوايا لو طلع وإتكشف ليه هيدمره، بس أنا مجبور.
ضيق عينيه بنظرة مستهزئة بحجم الألم الذي يخفيه، وكأنه يخبره بنظراته الصامتة أنه الكفة الرابحة هنا، لذا قال بحزنٍ:
_يوم ما آيوب يكتشف السر ده هتنتهي الصداقة اللي ما بينا وهخسره، زي ما أنا دلوقتي بخسر والدي على البطيء، أنا أبويا راجل مريض سرطان وحياته كل يوم في خطر أكبر من اليوم اللي قبله، ومعندوش أي أماني غير إن آيوب يعرف الحقيقة ويسامحه.
لانت نظرات عينيه الحادة شفقة، وخاصة حينما استطرد آدهم:
_أنا عارف إن اللي عمله ميشفعلوش سماح، بس مهما كان ده أبويا ولازم أكون في صفه لإنه مالوش غيري، وحتى دي مبقتش ضامنها.
ارتاب يونس لسماع أمره الاخير، فتساءل باسترابةٍ:
_تقصد أيه؟
رسم ابتسامة زائفة، وقال:
_أنا بشتغل في الجهاز يا يونس، يعني شايل حياتي على كفي، كل مرة بطلع فيها مهمة بخاف على والدي لو جرالي حاجه، لأنه مالوش غيري، ودايمًا كنت بأمن القائد بتاعي عليه.
واستأنف ببسمةٍ حالمة، تحيط بمن يقف على بعدٍ منهما يحاول التحدث لسيف الغاضب:
_عارف إني هخوض حرب طويلة معاه بس محتاج للحظة اطمئنان إني لو جرالي حاجه هيكون له سند من بعدي.
ربت يونس على كتفه بحنان وقال بتأثر:
_متقولش كده يا باشا، هتكون لوالدك السند حتى وقت فراقه عنك هتكون إنت اللي هتشيله مش هشيلك أبدًا، وبالاول وبالاخر كلنا رايحين لمثوانا الآخير، الدنيا فانيه وأيامنا معدودة فيها.
هز رأسه وردد في يقين:
_ونعم بالله العلي العظيم.
****
عاد يضمه من جديد وهو يهتف بسعادة تطير داخل مُقلتيه:
_مش مصدق إنك واقف قدامي بجد، إنت نزلت أمته؟ وليه مقولتليش؟؟
بقى كالصنم يعتكف حتى عن مبادلته ضمته، فابتعد آيوب عنه يطالعه بضيقٍ، وتساءل بسخطٍ:
_مالك واقف شبه أبو الهول كده ليه؟ هما سحبوا منك لسانك في المطار مع الباسبور ولا أيه الحوار؟
مازالت يديه معقوده للخلف ونظراته تحتد كالسوط، وبنبرة تعجرف وحدة هدر:
_ايدك عني يابن الشيخ مهران.
عبث آيوب بعينيه وابتعد عنه قليلًا يعقد ذراعيه أمام صدره بسخرية:
_ليه يا دكتورة مالكيش في سلام الرجالة ولا ارتبطتي؟
زوى حاجبيه بتهكمٍ:
_لا إنت اللي ليك في نومة السطوح جنب الخواجة شوية، ومع الكابتن شويتين.
جحظت عينيه صدمة، وانفجر ينفي:
_كابتن مين؟!!!! لاااااا أنا وإيثان متجمعناش مع بعض في جملة، أنا مبكرهش في حياتي أده، ده صاحب ابن عمي الرزل اللي حكتلك عنه زمان، إنت نسيت ولا أيه؟
ذراع تلتف من حول كتفه، وقبلة تختم على جبينه جعلته يلتفت بدهشة، فوجد إيثان جواره يخبره بخبث:
_ازيك يا بوب فينك من الصبح كده؟؟ معدتش عليا ليه في الجيم نظبط الفورما!
هز رأسه ينفي لسيف الذي يتابعه بنظرة محتقنة، بينما يكبت إيثان ضحكاته بصعوبة وهو يطالع وجه آيوب الواشك على فقدان الوعي، بينما أضاف مرحبًا وكأنه يتفاجئ بوجود الضيف الثالث للتو:
_بشمهندس سيف وأنا أقول حارة الشيخ مهران منورة ليه، أتاري في فولت زيادة.
وأقدم على يده يصافحه:
_نورت الحارة كلها.
طالعه سيف بنظرة خطيرة، ودون أي حديث فتح باب سيارته وكاد بالصعود، دفع آيوب إيثان الذي تتعالى ضحكاته بعدم تصديق، لقد ظن أن آيوب يتمادى بوصف غيرة سيف بارتباطه بصداقة أخرى ولكنه يراها بنفسه الآن.
حاول آيوب منع سيف من الصعود لسيارته ولكنه فشل، فانحنى من نافذة السيارة يجذب مفتاح السيارة وهو يهدر بانفعال:
_مش هتمشي الا لما نتكلم، إنت لا في لندن مديني الفرصة ولا هنا.
ووضع المفتاح بجيب سرواله، هادرًا:
_شوف بقى هتعملي بلوك هنا ازاي!!
تراجع إيثان لدرج المسجد، فوقف جوار آدهم ويونس وهو ينهار من الضحك، فعاتبه آدهم بضيف:
_هي ناقصة بتزويدها بنزين!
ردد من بين ضحكاته بعدم تصديق:
_دول عاملين زي العيال الصغيرة.
ودفع ذراع يونس يشهده:
_إنت مصدق الكلام ده يا يونس، الواد عينه بتطلع شرار!!
وانفجر بنوبة من الضحك وهو يستكمل:
_طيب هو عارف إنه متجوز ولا أيه الوضع!!
تنهد يونس بقلة حيلة من تصرفات رفيقه المشاكسة، وقال:
_وبعدهالك يا إيثان، كان لازم تعمل الحوار ده يعني؟
قال يجيبه بمنطقية باحتة أضحكت آدهم:
_وأقتنع ازاي الا لما أحكم بعيني؟
ردد يونس ساخرًا:
_واقتنعت؟
اجابه بمكر:
_جدااا وشكل تركيزي هيتشال عن الخواجة وهيتجه لجوز الزغاليل دول!!
*****
اتبعه جمال خارج المسجد وما أن أنحرفا لإحدى الشوارع الجانبية حتى فجأه عُمران بلكمةٍ قوية، أطاحت به أرضًا، وجعلت الدماء تنبثق من فمه، بينما يتابعه الاخير بصدمة وعدم فهم، طالعه عُمران بعدائية شديدة وانفجر بركانه الثائر بعصبيةٍ:
_لسه فاكر إنك ليك صاحب، وجاي تحور عليا بالكلام فاكرني بريالة وهصدقك بروح أمك!!
وأضاف بحدةٍ وضيق:
_خمس أيام عشان تحصلني!! أنا راهنت نفسي إنك هتركب أول طيارة ورايا!! عارف إني أجبرتك تفضل عشان مراتك ولو رجعت من غيرها الوقتي هتستفزني وهضربك أكتر، لآن الواضح إن كل الدروس اللي حفظتهالك نسيتها وعدت عليك.
وطالعه باستحقارٍ وهو يستطرد:
_وبعدين فين اللبس اللي اشترناه مع بعض، وأيه منظر دقنك وشعرك المقرف ده، إنت حتى مش محصل عبحليم!
تساقطت دموعه من عينيه ومازال يتطلع له بعجزٍ، مسد عمران على خصلاته بغضب مما ارتكبه، فالتقط منديلًا ورقيًا من جيبه، واتجه إليه، وبدون مقدمات انحني يجلس جواره أرضًا.
كبت الدماء عن فمه وهمس ساخرًا:
_هقلبها تمرجي، الصبح حضرة الظابط وبليل العندليب.
ضحك رغمًا عنه، وقال بصعوبة بالحديث:
_ده بدل ما تاخدني في حضنك، بتقابلني بلكمة!
ألقى المنديل عليه ولكزه بعنف:
_متقومش شيطاني يا جمال، اسكت خالص وواكب الموج بدل ما يطيحك.
رفرف باهدابه بعدم استيعاب، وهدر:
_أيه الألفاظ دي، إنت بقالك هنا أد أيه عشان تلقط اللقطة دي.
ردد ببساطة:
_لا أنا لاقط من قبل ما أنزل هنا، لساني طول عمره وقح.
هز رأسه يؤكد له:
_في دي عندك حق وكله على يدي!
طالعه بنظرة حادة جعلته يبتسم فأرغمت الآخير على الضحك، ضمه عُمران إليه وقال باكيًا:
_وحشتني، نسيت نفسي ومعرفتش أنساك، مرحتش عن بالي لحظة.
مسد على ظهره، وقال بسخرية مؤلمة:
_بدليل الحرس اللي ممشيهم ورايا!
أبعده عنه وفاه بعصبية وهو يشير على رأسه باصبعه:
_عشان عارفك غشيم ومندفع، يالا إنت من غيري على الله حكايتك إنت ودكتور الحالات المتعسرة، اللي الله أعلم حكايته بتبتدي من أنهي نحية، بس له روقة هو كمان، أفوق وأروقه.
ظهر الحزن واضحًا على ملامح جمال فور أن ذكر يوسف ، مما جعله يسأله باسترابة:
_في أيه يا جمال؟
ازدادت ربكته قبالته، فاتجه لسؤاله الآخر بقلقٍ:
_يوسف ماله؟؟!!
****
منذ أن وصلت برفقته، وتقابل لقائهما بترحاب حافل من عائلة زوجها، حتى غادر الجميع شقتها العلوية لشقة الحاجة أشرقت، استغلت “صبا” مغادرة الجميع وحملت حقيبة صغيرة على كتفيها، ثم حملت صغيرها وحرصت على أن تسحب باب شقتها دون أن يصدر عنها أي صوتًا.
هبطت تتسلل بخفةٍ، تحاول أن تتخطى طابق شقة الحاجة آشرقت دون أن يصدر عنها صوتًا، وما أن كادت بتخطيها حتى تفاجئت بها تفتح بابها في مواجهتها.
ابتلعت ريقها بارتباكٍ وهي تراها تقترب منها بهدوءٍ، كأنها توقعت فعلتها، وللغرابة قولها:
_من وقت ما وصلتم وأنا حاسة إن فيكم شيء مخبينه عليا، وطول فترة اقامتي عندكم كنت لامسة التوتر اللي في علاقتكم، محاولتش مرة أجبرك تتكلمي ولا تقوليلي اللي فيكِ، ولا أجبرت ابني يتكلم، ولا عايزة أعرف اللي بينكم لان ده حاجه تخصكم يا بنتي، بس هقولك نصيحة من واحدة دار بيها الزمن وبهدلها، شقت وتعبت عشان تربي ولادها، وبعدها صدقيني لو صممتي تنفذي اللي في رأسك أنا مش هقفلك، هدخل شقتي وهقفل على نفسي ولا كأني شوفتك.
هدأ توترها، وتطلعت لها باهتمامٍ لما ستقول، فقالت بابتسامة شملت كل وجعٍ:
_انك تمشي بالطريقة دي يا بنتي معناها خراب بيت، وخراب بيت كلمة مش سهلة، يا ريت كان تذكرة دفع تمنها حزنك ووجعك، اللي هيدفع التمن حتة اللحمة الحمرا اللي على دراعك دي.
انخفض بصر صبا تلقائيًا لابنها، بينما تتابع آشرقت:
_هو اللي هيطلع للدنيا لوحده من غير أب يحميه، أوعي تكوني مفكرة الحياة سهلة من غير راجل ولا آ..
قاطعتها بغضب أنثى طعنت كرامتها:
_لا سهلة من غير راجل هان كرامتي وداس عليها بجزمته، سهلة لانك متعرفيش ابنك عمل فيا أيه يا ماما، ابنك كسرني وكسر أي حاجه ما بينا.
شمل الوجع مُقلتيها وبداخلها فضول لمعرفة ما فعله ابنها لينال كل ذلك الغضب، ولكنها صمدت وحاولت لم شظايا الانكسار قدر ما تمكنت:
_بصي يا صبا، مفيش حياة وردية ما بين الراجل ومراته على طول، إنتِ راجعة من بلاد بره وناوية على الغدر يا بنتي.
اتسعت مقلتيها ذعرًا وهتفت:
_غدر أيه؟!!!!
أجابتها بابتسامة رزينة رغم حزنها الشديد لما يحدث بين ابنها وزوجته:
_من حسب خبرة ماما آشرقت، خدعتي جمال عشان يقبل ينزلك معاه، وأول ما نزل يقابل صاحبه بتتسحبي وهربانه بالواد، يعني انتي خدعتيه ودلوقتي بتغدري بيه.
صرخت ببكاء ودموع انسدلت دون راجع:
_ابنك اللي غدر بيا، هو اللي اضطرني لده، هو اللي خبى جواز سفري عشان يحبسني هناك أنا وابنه، لانه عارف اني أول ما هرجع مصر هرجع لاهلي ومش هسمحله يتحكم فيا تاني.
بصمودٍ وثبات تساءلت:
_وبعدين؟
تطلعت لها بعدم فهم، فاستفاضت بشرحها:
_بعد ما تروحي لاهلك؟ هتطلبي الطلاق، وبعد الطلاق هتعملي أيه؟
ردت عليها بكل شموخ:
_هشتغل وهصرف على ابني.
ابتسمت آشرقت وقالت بانكسار:
_زمان عشت نفس الحياة اللي بترتبيلها دي يا بنتي، بس مع فرق صغير، زمان أبو جمال لما تعب وبطل ينزل الشغل واشتغلت انا بداله كنت فاكراها سهلة، دوقت الذل لحد ما كبرت جمال واخواته البنات، اشتغلت من بيتي بطبخ لسكان العمارة اللي كنت ساكنة فيها، كنت بعمل عيش وقرص وأنزل ابيعها، وبالرغم من اني ظاهرة قوية والست اللي مقهرتهاش الظروف بس كنت كل يوم بنام ودمعتي على خدي، طعم الذل وحش أوي يا بنتي، صحيح كنت بصبر نفسي انه كله فدى أولادي، والحمد لله ربنا عوض صبري خير وكرم ابني جمال من وسع والله يكرمه مش مخليني محتاجه حاجة، بس أنا كنت عكسك، جوزي كان جنبي ومعايا، كنت شايفة نظرة الحزن والعجز في عينه وبحاول أنا اللي أقويه، ويمكن ده اللي خلى جمال يطلع صالب طوله عشاني وعشان ابوه، ما بالك انتي عايزة تعيشي دور الأم والأب، يعني عايزة تعاني ضعف اللي أنا عانيته، مفكرتيش لو في يوم ابنك سألك على أبوه هتقوليله أيه؟ مش حاسة إن في حاجة صغيرة تشفعله عندك، حتى لو كانت ابنك؟
كادت أن تخبرها بما فعله بها لتعلم حجم الضرر النفسي الذي تخوضه، ولكنها منعتها حينما صرحت:
_ابني لو غلط ربيه أنا مبقولكيش فوتي وعدي، بس اعملي ده وانتي في بيتك وموفرة لابنك حياة متكاملة، أوعي يا صبا تكوني سبب إن ابنك يعاني ويحس بالنقص، لو حاسة ان وجود أبوه جنبه هو اللي هيحسسه بالنقص امشي يا بنتي وواجهي قرارك بكل قوتك وأوعدك مش هقفلك.
وتابعت وهي تمضي لشقتها:
_فكري واحسبيها صح من غير ضغط مني أو من حد.
ولجت للداخل مغلقة الباب من خلفها، ومن ثم استندت على الشراع الداخلي، تراقبها وهي تهمس بدموع انسدلت على خدها فور أن تواربت داخل منزلها:
_ربنا يهديكي يا بنتي، ويهدي سركم ياررب.
بينما بالخارج، وزعت بصرها على الدرج الخارجي والمتصل بشقتها العلوية، بينما يدها تضم صغيرها لصدرها بقوةٍ، دموعها لا تتوقف عن الانسدال، تريد الحفاظ على كرامتها ولكن إن فعلت سيكون مقابلها خسارة حياة طبيعية لابنها، الدقائق تمر بها ومازالت عاجزة عن الاختيار، حتى وصمت ذاتها بأنها ستسترد كرامتها مثلما أخبرتها آشرقت ولكن دون أن تحرم ابنها حقوقه، أزاحت صبا دموعها، وبهدوء صعدت لشقتها مجددًا، تاركت من خلفها ابتسامة سعادة على وجه آشرقت التي دعت لهما بصلاح الحال، بينما الاخيرة تعد العدة لاول دروسها، فأغلقت باب شقتها بالمفتاح وتركته بالداخل حتى لا يتمكن من الدخول مجددًا.
******
_سيف بطل شغل العيال ده وأقف اسمعني!
قالها آيوب وهو يهرول خلفه، بعدما ترك السيارة وقصد الطريق ليستقل سيارة أجرة، والآخر يركض من حوله يترجاه أن يقف ويسمعه، ولكنه لم يبالي.
سعل آيوب بقوة من شدة ركضه، فوجده ينجرف تجاه الطريق العام للموصلات، وفجأة توقف بمنتصف تحديدًا، زوى حاجبيه متسائلًا بدهشة:
_وقفت ليه؟
أجلى عن صمته أخيرًا، وهو يبحث جواره:
_عايز أكبس عشان أعدي.
سحبه آيوب عن الطريق الاسفلتي ناطقًا بسخرية:
_عدي يا سيف بدل ما يكبسوك في الاسفلت.
وأضاف ساخطًا:
_قعدتك في لندن نسيتك جري الأرصفة!! قال تكبس قال!!
احتقنت مُقلتيه غضبًا، ودفعه بعيدًا عنه بكل قوة، متحدثًا بعصبية:
_مالك بيا وجاي ورايا ليه، روح للخواجة والكابتن خليهم ينفعوك.
كبت ضحكاته بصعوبة وقال مداعيًا الجدية:
_يا سيفوو دول أكبر مني، انت صاحبي الوحيد، أعملك أيه بس عشان تصدقني!
نظراته حملت عدم تصديقه الكامل لحديثه، فتابع آيوب مبتسمًا:
_دي مقابلتك ليا بعد كمية البلوكات اللي ظرفتهالي!! وبعدين أيه اللي جابك أنا مسافرلك بكره بليل جاي ليه؟
دث يديه بجيوب سرواله القماشي وفاه:
_مش بمزاجي، اضطريت أنزل تهريب زيك بالظبط، سبقتني بالجريمة ختمت بيها، عشان تعرف إنك مالكش غيري حتى في السوابق.
مال على الحجارة الضخمة يستند، متسائلًا بدهشةٍ:
_أيه اللي حصل؟
******
رفع كأس العصير يرتشفه جرعة واحده بتلذذٍ، وختمه بقوله:
_عملوها الابطال.
لم يفهم مراد مقصده الا حينما استدار من خلفه، فوجد عدد مهول من الجنود المسلحين، فابتسم بخبث، محاصرتهم لهما يعني نجاح مهمة ليل وعدي، لذا أول من سيهاجم هما، قدما أنفسهما لوجه المدفع، تغطية لهروب عدي وليل، كانت خطة ذكية وضعها الاسطورة بحرفية، وترك التنفيذ الكامل للجوكر.
لم يعبئ رحيم بالاسلحة المسلطة عليهم، وسكب أخر كوب بكأس العصير، ارتشفه على مهلٍ وقال لمن كان يراقبهما على الطاولة المجاورة لهما بسخرية أدهشته:
_أتساءل عن نوع المخدر المغشوش الذي تستخدمونه، لقد تناولت أربعة أكواب ولم يسري مفعوله بعد!!
معرفته بالمخدر الموضوع بزجاجة المشروب صدم كبيرهم، وخاصة بأنه تناول العصير بكميات، ليؤكد لهما وقوعه في فخهما، بينما كان يحرص الا يرتشف مراد من الكأس خاصته، ارتاب الرجل من ثياب الاسطورة رغم أنه مازال يرتشف من الكوب ببرود، فأنهى صمته وقال وهو يشير بعينيه لأخيه:
_لقد سبق لكم أن استمعتوا عن كلانا معًا، كم كنت أود أن أشهدكم اليوم عن بطلوتنا معًا ولكني أعتذر أشعر ببعض الألم بمعدتي لذا سأترك أخي ينوب عني تلك المرة.
وارتخى بمقعده الخلف، يضع القبعة فوق رأسه باسترخاء زاد من رعب من حوله، وتلقائيًا انتقلت الاعين لمراد الذي تنهد بضجرٍ، وأزاح عن قميصه أزرار ضغطهما فتحولت لشفرات صغيرة، وقبل أن يستوعبوا كناية ما بيده، انطلق بسرعةٍ فائقة يخترق الصفوف، يبتر أشلائهم بسرعة تفوق سرعة تلميذه آدهم النجيب، حاولوا استهدافه بالرصاص، فانحنى بركبتيه معًا للاسفل وجذب أحدى الاسلحة، يستهدفهم واحدًا تلو الاخر بينما يديه تطلق الشفرات الصغيرة، التي تخترق الجسد ولا تعلم طريق الخروج.
أسقط مراد قتيلًا خلف الآخر، حتى انتهى بكبيرهم الذي جذب رأسه وأسقطها على لوح زجاج الطاولة، فاخترق الزجاج وجهه بأكمله، وفور أن تأكد من قتلهم جميعًا إتجه إلى أخيه، أزاح القبعة عنه فوجده يحارب الاغماء، سانده مراد إليه واتجه به الى المصعد وهو يردد بغضب:
_ولما إنت عارف آنهم حطينلك زفت، بتشرب الكمية دي ليه كلها؟
مال على كتفه يحارب فقدان الوعي، وقدميه تتحرك برفقته بتثاقل:
_خدعتي ليهم ادت لعدي وقت زيادة، تركيزهم كله كان علي.
وتابع ببسمة ساخرة:
_كانوا فاكرين اني صيدة سهلة هتدخل جحرهم ويطلعوا مني بمعلومات الجهاز.
مال على جانب المصعد وقال وهو يحل جرفات صدره:
_دقيقتين وهفقد الوعي، اتحرك بسرعة على السطح، مش هقدر أقاوم أكتر من كده.
ومال إليه يهمس بارهاق:
_لو حاوطوا الاسانسير صعب نخرج، اطلع من هنا واطمن صعب ياخدوا مني أي معلومة، خروجك مهم عشان باقي الخطة.
منحه نظرة شرسة ختمها بقراره الحسمي:
_إني أخرج من غيرك ده من رابع المستحيلات.
شحب صوته وقوته:
_أنا هضعف حركتك وهشتت تفكيرك، نجاح نص المهمة أهم.
وختم أخر جملته:
_حركة الاسانسير بطيئة، هتخرج منه هتلاقيهم في وشك.
مرت دقيقة إضافية، توقف المصعد وما أن انفتح بابه ناله كمية هائلة من الذخيرة والرصاص الحي، حتى نفذت أسلحة اللعناء، فأشار لهم احد منهم وولج للداخل يتأكد من أن الرصاص قد قتلهم، ولكنه خرج يصيح بهلع:
_المصعد فارغ!!!!!
*****
من فوق المصعد باستخدام الحبال، صعد مراد للاعلى وساقيه محكمة حول أخيه الذي فقد الوعي كليًا، طرف الحبال معلق حول كتفيه وساقيه معقودة من حوله، نجح بالوصول لسطح العمارة حيث كانت الطائرة بانتظاره، هرع إليه يساند رحيم، دفعه لمتنها وتعلق بطرفها، فحلقت به سريعًا حينما كشف أمرها الجنود وضربوها بوابل من الرصاص.
جرف الجوكر قدمه للاعلى، وجذب صندوق الذخيرة، ثم مال بساقيه بساندة الطائرة وانحنى بجسده للاسف وبكلتا يديه سلاح، وغمرهم برصاص قاتل بدد جمعهم ودفع الرصاص عن الطائرة وجسد اخيه المكشوف بالطائرة التي لا تحتوي على باب.
نجح بالقضاء عليهم ونجح الطيار بابعادهما عن منطقة الخطر كليًا، حتى باتت مهمتهما ناجحة مئة بالمئة.
وبينما الطوفان يحيط بهم، حيث يتم تفتيش كل طائرة متجهة لمصر، عقولهم وخططهم مصوبة على كل شخص سيصعد لمتن الطائرات المصرية، كان ليل وعدي يتنكران بأزياء أجنبية، يتوجهون للطائرة المتجهة إلى ميلانو، حيث سيكون لقائهما بمن سيستكمل النصف الآخر من المهمة!
*******
ناولتها كوب المياه، وغطئتها جيدًا، منذ أن استردت وعيها وهي ترتعش دون توقف، جلست سدن جوارها تسألها بحنان وحزن:
_خديجا أنت كويس؟
رفعت عينيها المتورمة إليها، وبين يديها تحمل ابنها الذي يغفو باحضانها، وقالت بنبرة متحشرجة:
_الحمد لله يا سدن، ربنا نجدني من تحت ايده.
وبدموعٍ قالت:
_لو كنت خرجت معاه وردني لعصمته من تاني كنت هموت يا سدن، كأني داخله جهنم برجلي، أنا لسه بتعالج من اللي عمله فيا يقوم يظهرلي ويكسرني من تاني، ربنا ينتقم منه.
قالتلها ببكاء جعل سدن تشاركها البكاء، وقالت بألم:
_مش تعيط خديجا، ربنا بيحبك عشان كده خلى عمران تكشفها ، ربنا عمل كده عشانك خديجا.
هزت رأسها بخفة وأضافت بامتنان:
_الحمد والشكر لله.
طرقات باب الغرفة جعلتهن يرتدن حجابهن سريعًا، سمحت سدن للطارق بالدخول، فطل يونس قبالتهما وعينيه أرضًا مستأذنًا بتهذب:
_ممكن ادخل.
نهضت سدن عن الفراش ورددت بتفهم:
_أنا روح أحفظ الورد بتاعي قبل ما آيوب ترجع.
ابتسم يونس رغمًا عنه وكذلك خديجة التي أعادت نقابها لوجهها من جديد، تابعوها حتى خرجت من الغرفة، فجذب يونس المقعد وقربه إليها، جلس يتفرس بالأرض وأنفاسه المنفعلة تحتد بالغرفة، وخاصة حينما تساءل:
_آنتِ كويسة؟
بحثت عن عينيه بينما يخفيها عنه، فقالت بصوتٍ موجوع:
_يونس.
ندائها جعله يرفع وجهه إليها، فوجدها تتطلع له بلهفة، تبحث عن نفسها داخله، يدها تضم صغيرها الغافل على ساقها، وبصوتها المبحوح قالت:
_لو كان ردني كنت هقتله وهقتل نفسي.
وخز قلبه لأجلها، ومع ذلك أجابها بثقة:
_ميقدرش يعملها، إنتِ مراتي أنا يا خديجة، هانت وتكوني على اسمي عمرنا كله يا ست البنات.
ابتسمت بحماس على كلمته، فانحني يجذب صغيرة وقال بحب:
_هاخده يبات معايا النهاردة، عشان تعرفي تريحي،وأوعي تفكري في حاجة يا خديجة،بكره جاي ومش بعيد، هتكوني مراتي للمرة التانية وهعوضك عن كل اللي شوفتيه ده.
منحته ابتسامة وايماءة صغيرة جعلته يبتسم بعشق يولد داخله لها رغمًا عنه.
******
تلقى عُمران على هاتفه رسالة من أخيه جعلته يبرق في دهشة.
«نص ساعه وتيجي تقابلنا في المطار، الظاهر إنك وحشت ناس كتير يا وقح!»
نهض عُمران عن مقدمة سيارة آدهم وأشار لجمال:
_ارجع مع سيف وبكره هنرتبها ونتقابل، في مشوار مهم هعمله.
أومأ إليه وقال بلهفة:
_هتيجي تتغدا معايا بكره والا الحاجة آشرقت صعب تتراضى.
ابتسم وقال:
_المرادي هاجي بجد، مكنتش قادر ادخل البيت وانت مش فيه، فأكيد جي.
رنا إليه يضمه بقوة، وامتنان كونه منحه الغفران، فربت عمران عليه بكل حب، كان بحاجة له أكثر من احتياج الاخير إليه.
غادر جمال برفقة سيف، واتجه عمران برفقة آدهم للمطار بعدما اشترى ثلاث باقات من الورد الأبيض، ولجواره آدهم لا يعلم لماذا قرر فجأة الذهاب للمطار؟
*****
أغلق الشيخ مهران مصحفه بعناية، وجلس يمرر يده على مسبحته بتمعن، فوجد زوجته تدخل الغرفة بعد أن تممت على خديجة، تمددت على الفراش بتعبٍ، قائلة بحزن:
_نايمة بترتعش يا حبة قلبي، منه لله حسبي الله ونعم الوكيل فيه.
نهض يتجه محله للجزء الاخر من الفراش، وقال ببسمة يخبئ خلفها ثقل همومه:
_ربنا عمل كده لحكمة هو وحده يعلمها يا رقية.
هزت رأسها تجيبه بايمان:
_ونعم بالله العلي العظيم.
اعتدلت رقية بجلستها وقصت له بحماس:
_ربنا بعت اصحاب ابنك نجدة ليهم، عمران وحضرة الظابط، الاتنين ربنا يكرمهم يارب، بالذات الظابط دافع عن آيوب واخد مكانه ضربة على رأسه، صعب عليا اوي بس باين انه بيعز آيوب اوي يا حاج.
شمله الألم وتأملها بحزن، حتمًا ستعلم بالأمر، خاصة بأنها تقترب من كشف الحقيقة، تابعت رقية بحب:
_أنا كنت مستغربة الظابط ده بيعامل آيوب كده ليه، ده لا من سنه ولا من مجال شغله، بس لما شوفت الخواجه ده عرفت ان ابنك مصاحب ياما.
تنحت حشرجة نبرته وقال بتثاقل:
_فعلًا آيوب عنده اصحاب كتير كلهم أفضل من بعض، بس لو صاحب كل يوم مش هيصاحب حد يحبه ولا يخاف عليه زي آدهم، آدهم مش مجرد صاحب لآيوب، آدهم اكتر، من كده بكتير.
عبثت بمقلتيها بعدم فهم:
_ازاي بعني يا حاج؟
استمد قوته وطاقته بأكملها، وطرد ما يخنق أضلعه:
_آدهم فدى آيوب بروحه لإنه يبقى أخوه يا رقية.
اتسعت مقلتيها في صدمة، وبدأت ترتسم ضحكة فالاخرى، هاتفة بصعوبة بالحديث:
_ده وقت تهزر فيه يا عم الشيخ، طيب واتجوزت قبلي بكام سنه عشان تخلف حضرة الظابط.
أجابها بجدية مطعونة بوجع عميق:
_آيوب مش ابننا يا رقية، آيوب أخو آدهم وهو نفسه ابن مصطفى والست اللي كانت بتقعد معانا وقت متابعة حملك، ابننا اتولد ميت يا رقية ومصطفى بدل العيال ببعض لانه كان متجوزها في السر وخاف على بيته من كشف السر.
واستطرد ورأسه منكوس:
_خاف على بيته ودمرني مقابل ده، اللهم لا إعتراض.
رسمت بسمة بلهاء وهدرت:
_انت بتهزر يا شيخ مهران صح!! انت بتتكلم عن آيوب ابني!! ابنك يا شيخ مهراااان ازاي يجيلك قلب تقول كده!!!
اتجه إليها بمحل وقوفها المنفر عن الفراش:
_دي الحقيقة اللي لازم تتقبليها يا رقية، بحاول بقالي كام يوم اقولك بس مكنتش عارف، آيوب مسافر بكره عشان امتحاناته ووقت رجوعه آدهم هيغير أوراقه لاسم أبوه الحقيقي، أنا مرضاش بخطيئة زي دي، فلازم أقبل بتغير نسبه لكني مش هتخلى عنه أبدًا ده ابني اللي ربيته.
دفعته بعيدا عنها وصرخت بعزم ما امتلكت:
_اانت أكيد اتجننت او جرى في عقلك حاجة، أيوب ابنــــــــي أنا حملت فيه ورضعته وربيته، شيلته على ايدي وحطيته جوه قلبي وعيني، آيوب ابني انا ابني سااااامع، لو متضايق منه عشان اتجوز واحدة كانت يهودية وعايز تتبرى منه يبقى حرام عليك، ده ابنك ضناك وانت اتقبلت اللي عمله وعلى يدك البنت اتغيرت واسلمت، بتكدب عليا وبتوجع قلبي ليييييه حرام عليك يا شيخ مهران ده انت حاجج بيت ربنا!!
جلس على الفراش في عجزٍ تام، وبخفوت قال:
_يارتها كانت كدبة وشلت وأنا مستعد أشيل وزرها، يارتها كانت كدبة يا رقية.
قطع ريقها الجاف وهي تنطق بخفوت:
_يعني أيه يا مهران؟
رفع عينيه اليها، وبدموعه الغزيرة التي تراها لاول مرة قال:
_يعني اللي سمعتيه صح يا رقية، أنا اتاكدت بدل المرة مرتين، آيوب ابن مصطفى الرشيدي!
سقطت على المقعد من خلفها من فرط الدوار، فركض اليها يساندها بانكسار، بينما تتطلع له بأعين جاحظة، وببكاء التاع صوته قال:
_لا يا مهراااان لا كله الا آيـــــوب، خدوا روحي بداله آيوب ابني أناااا روح قوله الكلام ده، قوله الحاجة رقية اللي ربيته، آيـــــوب ابنـــــــي سااااامع غصب عنك وعنه وعنكم كلكم أنا اللي ربيته، ايوب ابني انـــــــــا!!!
قالتها بألمٍ وصراخ جعلها تغيب عن الوعي بين يديه، بينما على باب الغرفة تقف سدن منصدمة مما ترنح لمسمعها، خرجت من غرفتها على صوت الصراخ الصاخب والإن ترتطم بحقيقة مرعبة.
دق باب المنزل وهي تقف متخشبة محلها، لا تعلم كيف تحركت لتفتح بابه، فوجدته أمامها يحمل العديد من الاكياس البلاستيكة، يمنحها ابتسامته المشرقة قائلًا:
_جبت الطلبات اللي الحاجة رقية طلبتها، هي فين تتمم على الحاجة، بس لو ناقصة مش نازل، أنا ورايا مذكرة.
انهمرت دموعها قبالته، فترك ما بيده وتساءل بقلق:
_سدن!! مالك؟؟؟
أشارت باصبعها على غرفة السيدة رقية وقالت:
_حاج رقيا واقعة.
مجرد سماعه لما قالت، اندفع راكضًا للداخل، فصعق حينما وجد ابيه يساندها أرضًا، ويحاول ايفاقتها.
جلس جواره يحركها برعب وهو يسأله:
_مالها يا بابا؟
اعتصر قلبه قبضة من فولاذ، وردد بحزن:
_مش عارف.
حملها عنه آيوب ووضعها بالفراش، ثم بدأ بنثر قطرات المياه على وجهها، والهلع يشحب بشرته البيضاء، فتحت عينيها الباكية فوجدته يتمعن بها، يناديها بقلق:
_مالك يا حبيبتي إنتِ كويسة؟
تعالى بكائها ودفنت رأسها بصدره، مرددة بصوتٍ انقطعت أحباله:
_آيوب، ابنـــــــي!
زوى حاجبيه بدهشة، واستدار لابيه يتلصص لمعرفة ما بها، ولكنه وجد عينيه تحمل بقايا دموعه، وبثبات مخادع اخبره:
_من ساعه ما عرفت انك حجزت تذكرة السفر وهي بالوضع ده خليك جنبها يا آيوب.
أومأ له في صمت بينما يجذب الغطاء عليها ويمازحها:
_عاملة كل ده وانا رايح تلات أيام وراجع أمال عملتي ايه وانا رايح للدراسة من اول السنه.
تمسكت به وبكائها لا يندمل، فربت عليها بقلق جعله يتساءل:
_في أيه يا ماما؟ مالك؟
رددت بصعوبة بالحديث ودموعها تغرق قميصه:
_خليك جنبي متسبنيش يا آيوب.
انصاع لها وتمدد جوارها وبداخله يجزم ان هناك أمرًا خفي لا يعلمه، عساه على وشك أن يكشف من أمامه!!
•تابع الفصل التالي “رواية صرخات انثى” اضغط على اسم الرواية
التعليقات