التخطي إلى المحتوى

 

       رواية صرخات انثى الفصل الرابع و السبعون 74 – بقلم ايه محمد رفعت

  ذلك الباب الموصود كانت تتم بطولاته، شهدت تلك الغرفة على جراحات ناجحة قام بها الطبيب المصري الذي عُرف في لندن بأرجائها، وبات يحمل من الشهرة نصيبًا، وها هو الآن عاجزًا عن إنقاذ زوجته التي تلتاع صرخاتها ممزقة حوائط قلبه الهزيل.

يخفي دموعها بصعوبة، وهو يراها تصرخ ألمًا، بينما ابنه المنتظر على وشك أن يفقد حياته، عساه الآن يخوض أبشع لحظة قد مرت على حياته يومًا، يرى الممرضات تركضن من حوله، في محاولاتٍ لوقف النزيف، بينما هو يقف كفاقد الذاكرة الذي وُضع بمحل غير محله.

انتهت من الاجراءات الاحترازية لوقف النزيف، وترك باقي المهام للممرضات، تحرك “يوسف” تجاه الباب الجانبي، ومن إلى حمام الغرفة، توضأ وخرج يفرد سجادة صلاته، ووقف يؤدي ركعتين ، وهو على يقين بأنها دواء آنين قلبه، يعلم بأن البرودة سُتبيد حرقته.

لمست رأسه سجادته وبللتها دموعه، بينما يردد في عجزٍ:

_عجزت وما أنا الا بعبدٍ عاجز أمام رحمتك يا الله، استودعتك زوجتي وما برحمها وأنا أعلم بإنك سبحانك رحيمًا رؤوف بهما.

انتهى يوسف من صلاته، ونهض يطوي سجادته، استمد بعض الطاقة التي انهدرت قبل أن يغتسل، عاد لغرفتها فوجدها تغفو بارهاقٍ تام، أغلق باب الغرفة بالمفتاح، واتجه يتمدد جوارها، يضمها بيديه بينما رأسه موضوع على كتفها، تاركًا سيل دموعه على كتفها يشهد على مشاركته لوجعها، بينما يهمس لها باحتقانٍ:

_أنا جانبك يا ليلى، جانبك ومش هسيبك!

*****

اجتمع “آيوب” و”عمران”مع “يونس” و”إيثان” بمحل “يونس”، لاحظ عُمران نظرات إيثان المستريبة تجاهه، وما أن تأكد بانشغال آيوب ويونس بدفتر الحسابات حتى تسلل للأريكة التي يحتلها عُمران، جلس يحك رقبته بتوترٍ يشمه الطاووس من محله، ومع ذلك تابع هاتفه ببرودٍ متعمد، انتقل بجلسته جواره وتنحنح بخشونة:

_بقولك أيه يا خواجة؟

لزم صمته وتابع الهاتف، مرددًا ببرود:

_بشتغل زي ما أنت شايف!

تمعن بما يفعله يهاتفه، وقال بتذمر:

_افضلنا شوية طيب.

اتجهت رماديته إليه يمنحه نظرة تقييمية، وقال ببرود:

_وأفضلك بتاع أيه!

زفر بسخطٍ وصاح:

_يا عم اركن غرورك ده شوية وركز معايا، عايز أجبلها هدية ومش عارف!

وتابع وهو يشير باستياء تجاه مكتب يونس حيث وقوفهما:

_والاتنين دول تربية الشيخ مهران يعني لو سألتهم أجبلها أيه هيقولولي هاتلها ملحفة وسجادة صلاة!!

وتابع بفتورٍ:

_متعصلجش بقى يا خواجة فكها!

عبث برماديته بدهشةٍ وقال:

_أيه معصلجش دي، آنت بتشتمني بالشعبي بروح أمك!!!

أذعن مطلبه:

_لا مش شتيمة صدقني، قصدي متصغرش عقلك، وبعدين أنا اللي عايزك في مصلحة ووقت المصالح الشياطين بيتصافوا مش هنتصافى احنا يا جدع! ده احنا بينا تحديات ومشاريع مستقبلية تشرف.

أحاطه بنظرةٍ ساخرة، وتمتم بسخط:

_طمنتني!

وتابع بتذمرٍ:

_جاي أهدي أعصابي بالمكان الصح والاشخاص الشخص، طول عمري ليا نظرة!

حاول أن يتلصص لحديثه وحينما فشل سأله ببعض الرفق الغير معهود عليه:

_ها يا خواجة قولت أيه؟

وضع هاتفه بجيب جاكيته الأسود، وقال بفتورٍ:

_عندك عربية؟

جحظت عينيه في صدمة، ونهض عن الاريكة يصرخ بحدة:

_عربية مين دي اللي أهديها بيها، بقى أنا أقولك متعصلجهاش تغفلقها!! أنا لا يمكن أفرط في عربيتي فاااهم يا خواجة!!!!

رفع ساقًا فوق الاخرى ببرود اتبع نبرته الواثقة:

_اقعد يا غشيم.

تنحنح حرجًا وعاد يجلس جواره كالطفل البريء، فقال عُمران ساخطًا:

_من بعد ما شوفت الأجهزة اللي طاير بيها للندن بقى عندي خلفية عن مودل عربيتك، فتأكد إنك هتهاديها بعربية كارو أفضل من اختياراتك الغشيمة.

وتابع وهو يمنحها بسمة استفزته وجعلته يعتصر غيظه بصعوبة:

_عدي عليا بليل بعربيتك الكحيانه نختارلها دريس سمبل وشيك لاني للاسف مش واثق في ذوقك.

وأشار بيده يسترعي انتباهه:

_وخد بالك كرمي معاك عشان خاطر محبتي لآيوب، فيوم ما ترجع ترازيه هتشوف وقاحتي وطولة لسان أطول من طولك الفرع ده، معلوم؟

برق ايثان بعينيه صدمة، مرددًا’

_أرزيه!! فرع!! خواجه من بولاق!!!

هدر ببسمة واثقة:

_احسبها واعقلها يا ايثو، وبلاش تعاند في وش الطاووس، مش هينوبك غير طولة لسانه ووقاحته.

واضاف ببسمة ماكرة، متبعًا نفس سياسيته:

_ متعصلجهاش وفكها!

احتقنت معالمه غيظًا، وهدر من بين اصطكاك أسنانه:

_فكتها وروقتها لما أشوف اخرتها معاك أيه؟

منحه نفس الابتسامة الواثقة وقال:

_ماليش آخر يا آآ… إيثو!

وأضاف بغمزة خبيثة:

_مكان ما هتسايرني هتلاقيني، أنا رقبتي سدادة!

لوى شفتيه بتهكمٍ، وتطلع قبالته، فوجد يونس وآيوب يتابعونهما بدهشةٍ مضحكة، وما كادوا باستيعاب حوار حديثهما المتبادل في جو من السلام والسكينة حتى اقتحم فارس مجلسهم راكضًا، يلتقط أنفاسه بصعوبة، وبين يده يحمل كيسًا بلاستيكًا يتشكل على هيئة وعاء كبير، راقبوه جميعًا بفضولٍ، فكان يونس أول من تحرك تجاهه يتساءل باستغرابٍ:

_بتجري كدليه يا فارس، وأيه اللي في ايدك ده؟؟

ابتلع الصغير ريقه بتوترٍ، وقال:

_مش معايا حاجه.

لفت أمره انتباه الجميع، فنهض عُمران واتجه للصغير مبتسمًا:

_يا أهلًا بسيادة الطيار، مش هتسلم؟

أخفى الصغير الكيس البلاستيكي خلف ظهره، وناوله كفه يصافحه، تساءل آيوب بدهشة:

_أيه اللي ورا ضهرك ده يا فارس؟

تراجع الصغير يجيب:

_معيش حاجه يا عمو آيوب.

احتدت معالم يونس من طريقة ابنه الغير مبشرة بالمرة، فصاح بعصبية:

_يعني أيه مفيش حاجة، داخل تجري وبتخبي حاجه وراك بشكل غريب وتقولي مفيش حاجة، وريني معاك أيه!!

اتجه إيثان إليه يلكزه بذراعه الممتلئ بعضلات تمرينه، غاضبًا:

_بتقولي غشيم وإنت مزروع جوه عنق الزجاجة، اتنيل ارجع ورا وسبني أتعامل على رأي خواجة بولاق!

نجح بدفعه للخلف، وانحنى بطول قامته ليصبح طول الصغير، وقال مبتسمًا:

_فروسه حبيب قلب عمو إيثووو، تعالى لعمو يا حبيبي ووريني مخبي أيه؟

ربع عُمران ذراعيه أمام صدره، واستند على الحائط هاتفًا بسخرية:

_الحاجة الوحيدة اللي حاول يعملها صح مش عارف ينجح فيها، غشيم وغبي!!

وعاد يتابع ما يحدث في محاولة لحجب حديثه، فوجده يخبر الصغير:

_إنت عملت حاجة غلط وجاي تستخبى، صارح عمو ايثو وخليك صريح يا حبيبي.

إلى هنا وكفى، تحرر عن صمته هادرًا بحزمٍ:

_انتوا متجمعين حولين الولد كده ليه؟

وأشار ليونس وآيوب:

_مش كنتوا بترجعوا حسابتكم روحوا كملوا اللي بتعملوه.

وأضاف مشيرا باستهزاء لمن مازال يجلس أرضًا:

_عمو إيثو قوم من على الأرض التراب هيقفل شرايينك ياحبيبي

نهض إيثان يطالعه بغضب وصل لذروته ومع ذلك وضع اختيار الفستان وفتح الوتيك أمام مقلتيه، وتحلى بالصمت.

فتح عُمران كف يده وأشار للصغير ببسمة جذابة، فاتجه إليه يضع كفه بكفه، وتحرك معه للأريكة التي كان يعتليها، جلس وحمله على ساقه ومن فوقهما الوعاء الذي يحمله، مازال الجميع يتابعونه بفضول وخاصة حينما بدأ بالدردشة مع الصغير عن أمور دراسته وألعابه حتى قال بمكرٍ:

_آنت مش قولتلي إنك عايز تبقى طيار، قلبتها حارس شخصي ليه؟

أجابه الصغير ببراءة:

_لا عايز أبقى طيار يا عمو.

رد عليه مبتسمًا وهو يمسد خصلاته:

_وأحسن طيار في الدنيا كلها يا فارس.

وتابع بنفس بسمته:

_قولي عُمران بس من غير عمو، مش أنا صديقك زي مصطفى اللي بتلعب معاه؟

هز رأسه مؤكدًا، فأضاف عُمران بمكر:

_طيب بما إني صاحبك الجدع وريني معاك أيه، تسمحلي؟

قالها مستأذنًا قبل أن يحمل الشيء منه، فهز رأسه مبتسمًا بترحاب، زوى حاجبيه بتعجب حينما وجده يحمل إناء معدني مغلف باحكام، فتح غطائه ليجد أمامه ما صدمه.

انتقلت نظرات آيوب ليونس وفجأة سقط من الضحك وهو يردد بصعوبة:

_من شبه أباه فما ظلم، كأني شايفك وإنت صغير المشهد بيتعاد قدامي!

قالها وسقط على المكتب يضحك بقوة، بينما يطالع عُمران الأصابع التي تملئ الاناء بدهشةٍ، دنى إليه ايثان يتطلع لما بالوعاء، وببسمة واسعة قال:

_كفتة رز من صنع الحاجة رقية!!

وحمل الوعاء من بين يد عُمران قائلًا:

_تلزمني يا خواجة، خليك معتكف الزيوت لحد ما تشحن أجهزة تليق بسعراتك الحرارية، أنا معدتي محرقة.

بدأ يلتهم الأصابع وهو يشيد بفارس الغاضب:

_أول مرة تعمل حاجة صح إنت وأبوك يا فروسه.

صعد الصغير على حافة الاريكة وانتشل الوعاء منه بغضب، ثم جلس يلتهمه، رمش يونس بعدم استيعاب ودنى من ابنه يردد بتيهة:

_إنت سرقت الكفتة يا فارس؟!

شعر الصغير بخطأ ما فعله وقال وهو يلوك الطعام:

_أنا آسف يا بابا بس بحبها، وماما بتعملها وحشة.

رد عليه بصعوبة وهو يكبت الضحك:

_استأذن والحاجة رقية هتديك!

قال ببراءة:

_ادتني تلات مرات واتكسفت اتطلب تاني، واصلا أصلا احنا كلنا معزومين عندها عشان الخواجة، بس أنا مش بحبها بالصلصة انا عايزها كده.

تعالت ضحكات آيوب ودنى يستند على كتف عمران يخبره بضحك:

_الحاجة رقية كانت لسه بتهددني امبارح انها هتحرمني من الكفتة، الشعب كله هيتحرم منها النهاردة.

وفتح كفه للصغير هادرًا:

_اديني صبعين تلاته يا فارس أنا عمك الطيب يا حبيبي، افتكرلي كيس الحلويات اللي كنت بدلعك بيه كل يومين.

فكر الصغير بالامر، ومنحه بعضًا منها، تناولها آيوب بتلذذ وقال يشرح لعمران الذي يتابع ما يحدث بدهشةٍ:

_أبوه كان كده وهو صغير، كان يفضل يشد الكفتة طبق ورا التاني لحد ما منلقيش كفتة نحطها في الصلصة، بس فارس أذكى خلع بالحلة مرة واحدة

سحب ايثان بعض الاصابع وتناولها باشتهاء بينما يتابعهما يونس بصدمة وصرخ:

_بتهبب ايه انت وهو، ميصحش كده أنا هرجعها لمرات عمي.

قال ايثان وهو يغمز له:

_وده اسمه كلام، دي عيبة في حقنا لو رجعت للحاجة رقية، بص يا يونس أنا قتيل حلة الكفتة دي الليلادي!

تعصبت نظراته وتطلع لعمران يستجديه:

_شوفت يا عمران!!

مسد على شعر الصغير بابتسامته الهادئة وقال:

_سيبه يا يونس، معتقدش إن الحاجة رقية هتضايق لما تعرف، بالعكس.

وتابع بحب:

_ألف هنا على قلبك يا حبيبي.

منحه آيوب احدى الاصابع قائلًا:

_خد دي انتشلتها من ايثان بالعافية.

أشار له مبتسمًا:

_لا ماليش فيها، ألف هنا ليك انت كمان يابن الشيخ مهران.

أصر عليه:

_هتاخدها يعني هتاخدها، وانجز عشان الحق الحلة قبل ما ايثان يلتهمها ورا الكفتة.

ضحك على حديثه وجذبها منه ثم اتجه يستند على الباب الخارجي للمكتب يتابع الاجواء بالخارج بشرود، لحق به يونس وجلس على الرخام الفاصل بين مكتبه والمحل مثله، واشار لاحد العمال يقدم لها مبلغ كبير من المال قائلًا:

_معلش يا محمد اطلع على الكبابجي، قوله يعمل 20 طبق كفتة وسجق وتشكيلة ، طلع نص الكمية عند الحاجة رقية والنص التاني وزعه على العمال.

التقط منه المال يجيبه بحب:

_إنت تؤمر يا معلم يونس.

ردد عمران بمزحٍ:

_تكلفتها عالية الحلة دي.

ضحك وقال:

_بس بامانة تستحق.

شجعه بحديثه على تناول الاصبع الذي بيده، وقال مؤكدًا:

_نفسها هايل بجد.

أومأ برأسه والبسمة تزين وجهه، بينما يستمد همته لينطق:

_على فكرة يوم ما كنا بالمسجد وسمعت ابتهالك لمست جوايا كل وجع داريته عن العيون، يمكن لان صوتك كان موجوع ووصلني اللي جواك.

وأضاف بحزنٍ جعله يبدو كالذي يحتضر الموت:

_مبيحسش بالمجروح غير اللي جرحه لسه طاري، والجروح اللي أثارها بتدوم بتكون دايمًا سببها حد عزيز عليك، مش سهل تلم وتتغفر.

زحف الحزن لوجه عُمران هو الاخر، فتطلع أمامه بعيني غائمة، تابع يونس بابتسامة تئن:

_خليني اقولك نصيحة قالهالي حد من الاشخاص اللي بقوا عزاز على قلبي، ويمكن لما تسمعها تقدر تعرفه.

نجح بلفت انتباهه، حينما استدار بوجهه وجسده اليه، بينما تابع يونس بجمود تام:

_الشخص اللي مكانته عزيزة على قلبك مش سهل تفترق عنه، حتى وهو بعيد عنك هتربطك بيه علاقة كره، وما بين الكره والحب شعرة واحدة ممكن في لحظة متبقاش موجودة.

واستطرد يضيف:

_الشخص اللي نجح يأخد مكانة جواك مش هتقدر تتقبل إنه ميبقاش يعنيلك شي، هتلاقي نفسك بتدورله على حجة أو تصرف أو كلمة تعلق عليها حجتك عشان تحاول تمسح غلطاته وترجعله.

وتعمق بالتطلع إليه وهو يخبره عن معاناته خلسة:

_صدقني ده الجزء الأصعب، انك تتمسك بتصرف واحد عمله صح وتحاول ترجع زي ما كنت، انك تحارب نفسك ده في حد ذاته انجاز تستحق إنك تفتخر بيه، الفرصة اللي هتجددها هتكون مرهونة على الطرف التاني، لو قدرها واحترمها هتتأكد إنه هو كمان كان مستنيها عشان حبه وتمسكه بيك، لو هدرها بغلط جديد اطرده بكل قوتك بره حياتك وإنت مرتاح لقرارك.

واتسعت بسمته وهو يسأله بمكر:

_عرفت مين ده؟

تنهد وشعور الراحة يحيطه، وأجابه بعرفان:

_هو نفسه اللي محاوطني وواقف حواليا زي السد، هو اللي بوجوده محستش إني يتيم، ابويا وأخويا وصاحبي وكل ما أملك في دنيتي.

وتابع بفخرٍ:

_لا يوم اتبهيت بنجاحي ولا بنفسي أد ما بتباهى بيه، ربنا قسم أرزاقه بالعادل بين عباده وخصني بأجمل رزق، علي اخويا.

هز رأسه اليه بابتسامة تشاركه الفخر بشخصٍ مثله، نهض عمران يخبره وهو يهندم ملابسه باهتمام:

_خليني استغل انشغال آيوب بحلة الكفتة وأروح لوالدة واحد صاحبي، عازماني بقالها كام يوم وحججي مش بتنتهي.

نصب عوده قبالته وقال ضاحكًا:

_يدوب تلحق، آيوب مش هيفارقك بسهولة.

أجاب بابتسامته الجذابة:

_عارف، ومبقدرش أزعله.

قال يونس ماكرًا:

_ولو مخلصتش مشوارك وجيت على الشقة أنا اللي هزعل منك يا بشمهندس.

ضحك بصوته الرجولي وقال:

_عنيا حاضر.

وأضاف مازحًا:

_متعاقبش فارس الكفتة تستحق بصراحه.

ضحك وهو يخبره:

_تستحق ونص.

قال وهو يغادر الدرج:

_طب روح الحق.

أجابه بحزن جعل عمران يضحك دون توقف:

_عملها في يوم أنا صايم فيه الغبي!!

******

سحبت باب الشقة بايدي مرتعشة، مضت معه وسكينه مسلط من أسفل خمارها على بطنها، مال يهمس لها بحقد:

_نفسك لو طلع ولا حركة منك طلعت كده او كده السكينة هترشق في قلبك، فاهمه؟

حركت رأسها برعبٍ، وخاصة حينما صاح؛

_نزلي الزفت ده.

أخفضت نقابها على وجهها، بينما فعل هو مثلها، فكانت يختبئ بملابس النساء، مرتديًا نقاب أسود وخمار طويل، كأنه يوصم نفسه بما استحقه هو، هبطت برفقته الدرج وهي تستند على الدابزين برعشة، وما كادت بتخطي طابق الشيخ مهران حتى تفاجئت بسدن تخرج عليها وتناديها:

_خديجا انت رايح فين من غيري؟

وتابعت وهي تتامل تلك المرآة البدينة، ذات النظرات الحادة:

_مين دي خديجا؟

ازدردت ريقها الهارب بصعوبة، وقالت:

_دي واحدة من قريبنا، ادخلي وأنا هنزل مشوار معاها وهرجع على طول.

سحبها معتز للاسفل دون سماع أي كلمة منها، زمت سدن شفتيها بتعجب وعادت للداخل، فوجدت الحاجة رقية تقف أمام السفرة ترتب الاطباق، وسألتها:

_كنتي بتعملي ايه بره يا بنتي؟

ردت عليها بحيرة:

_مش عارف خديجا ماشي مع واحدة كبيرة اوي ولابس نقاب زيها، وبتقول انه قريبتها راح معاه مشوار وراجع!

توقفت عن وضع الاطباق ورددت بدهشة:

_مين دي اللي خديجة نزلت معاها من غير إذن مني أو من الشيخ مهران!! دي عمرها ما حصلت!

وأضافت بصدمة:

_وبعدين هي ملهاش حد غير المرحومة أمها.

هرعت للشرفة تحاول لقطها بالحارة ولكن دون جدوى، فصاحت الى سدن بحزمٍ:

_هاتيلي الاسدال بسرعة!

******

جاب طرقات الحارة مغادرًا لزقاق حارة جمال البعيدة عنها بقليل، فاذا بهاتفه يعيد رنينه مجددًا، رفع عُمران هاتفه وقال ببسمة مشرقة:

_دكتور علي الغرباوي بيكلمني بنفسه! I can’t believe myself. (أنا لا أصدق!)

_وبعدهالك يا عُمران!! كام مرة كلمتك ومردتش!! هو ده كان اتفاقنا؟

ارتكن على أحد الارائك الموضوعة جانبًا بالحي، وقال:

_حقك عليا يا علي إنت عارفني بعمل كل حاجة بمزاج.

_ومزاج جنابك مش جايبك تعبر أخوك الكبير!

_أوه، علي أنا مبسوط ومش حابب أتخانق ممكن!

=وأنا عايز أيه غير إنك تكون مبسوط ومرتاح؟

_واللي عايزه حصل، وجودي هنا ريحني صدقني، وحتى وأنا بعيد عنك بصمتك ملاحقاني من لندن لهنا.

=بحاول أفهمك بس للاسف دماغي مش مجمعة تركيبتك!

_سمعت اللي كان المفروض اسمعه.

وتابع بحزن:

_تعرف إن من كلام يونس حسيت اد أيه هو عانى! ويمكن أكتر مني.

علم مقصد حديثه فقال:

_ إنسان صبور وعدى باللي مفيش إنسان يقدر يستحمله، يونس نموذج لنماذج كتير اتوجعت في حياتها يا عمران، لازم تعرف إن مش إنت لوحدك اللي موجوع بالعكس ممكن يكون وجعك هين قصاد ناس كتيرة أوي، لو مقدرتش تتعظ من وجود ناس مبتلية زي يونس، اركب تاكسي وقوله وديني 57357،ممكن تكون بتتبرع بفلوس كتيرة بس لما تشوف اللي يوجعك هتعرف إن وجعك هين والله.

وقال يبدد حديثهما المؤلم:

_وبعدين إنت مش هتسحب عفاريتك عن شمس هانم ولا أيه؟

قال يجيبه بتعنت:

_ولا حتى بعد الفرح، عفاريتي هتفضل ملاحقها هي وحضرة الظابط لحد ما يخلع!

_خرج شمس من دماغك يا عمران، ووصل هديتها لادهم بهدوء

_مش هيحصل يا علي، الهانم مكلفاني أختارله هدايا على ذوقي، دي عمرها ما فجأتني بهدية واحدة متخيل؟

ضحك وهو يخبره بتهكم:

_وانت بيعجبك ذوق حد!! محدش يجرأ يجبلك هدايا لاننا عارفين مصيرها، مش حوارنا لخص ووصل الهدية.

باحتقان وغيظ قال:

_مش بالسهولة دي انا بسببها غيرت البرفيوم بتاعي، متخيل!!!

_غيرته ليه مش فاهم؟

_مهي الهانم طالبتني أجبلها نفس الماركة فاضطريت أجيب لجناب الرائد واغير أنا لنوع تاني، متخيل يعني بذكائك أني هحط نفس النوع بعد ما حد تاني يحطه!!!

انفجر بنوبة من الضحك وقال:

_لا ميصحش يا طاووس، دي متجيش بجميع المقاسات.

وتابع بجدية:

_المهم مايا مصممة تنزل معانا مصر، ومن ساعة ما مشيت منعت الاكل، أنا مش عايز حالتك النفسية تقصر عليها وعلى ابنك!

تنهد بضجر وقال:

_متقلقش هتصرف، وخلاص العمال بداوا ينضفوا قصر الغرباوي، قبل وصولكم هيكون جاهز لاستقبال فريدة هانم.

_الله عليك يا بشمهندس، أحبك وأنت بعقلية رجل الاعمال الناجح ده.

_مش دايمة لحد يا دكتور، دقيقتين كمان وهيخرجلك الطاووس الوقح، عندي انفصام في الشخصية بعيد عنك وعن السامعين.

مرت من جواره السيدة الملقبة ب(أم عزت) حيته ببساطتها:

_منور الحتة كلها يا بشمهندز، كده متعديش عليا أحضرلك غدا من اللي هو.

منحها ابتسامة وقال:

_من النجمة هتلاقيني عندك يا ست الكل، بس دلوقتي معزوم عند ناس حبايبي.

تابعت بمعزة حملتها اليه:

_هستناك سلام عليكم.

ردد السلام وابتسامته تتسع شيئًا فشيءٍ، عاد يضع هاتفه على آذنيه فاستمع لصوت ضحكات علي، الذي تساءل بصعوبة:

_مين دي يا بشمهندس؟

اجابه بحماس:

_أم عزت عرفني عليها آيوب، بس بتعمل أيه شوية فلافل وبتنجان يستهلوا بوقك يا دوك، ويمكن دي من أهم الاسباب اللي هتخليني أفضل في cairo.

وأضاف إليه:

_لما تيجي هخدك أكلك عندها مرة.

=إبعد عني يا عُمران، أنا مبسوط كده خليك في أكلك إنت، وأوعى تعرف فريدة هانم باللي قولته ده.

_مبسوط ازاي وإنت كده!! علي إنت لازم تلعب رياضة لانك sorry شبه خلة السنان .

=أنا مقتنع بنفسي وحابب نفسي كده، ركز في رياضتك واعتقني أنا وشمس لوجه الله.

_يابني الرياضة بتربي عضلات، جسمك حلو وإنت مهتم بيه بالأكل الصحي، فاضل بس تشيل حديد.

= الوقت اللي هشيل فيه حديد أقرألي فيه كتابين تلاته، فخليك في حالك وإترك حالي لحالي، وقبل ما ترغي كتير هقفل وشوفلك حل مع مايسان، يوسف مقلقني من حالتها، يلا سلام.

أغلق عمران الهاتف وفتح محادثة زوجته، حرر زر التسجيل وقال بخبث

«اشتاقتيلي مش كده، وأنا كمان مع اني لسه قافل معاكِ يا بيبي، بس للاسف رسالتي مش خير ليكِ أبدًا، كده حبيب قلبه متقدم فيه شكوة، فحبيت أبلغك رسالة وإعتبريها انذار، لو فاكرة إني مش موجود فده هيديكي الحرية تأهملي في أكلك و ادويتك فده مش هيحصل، بنهاية الاسبوع ده لو مكنش ميزانك زايد 3أو 4 كيلو مفيش سفر لمصر يا مايا وانتِ عارفة كلمة عُمران الغرباوي قادرة تعمل أيه حتى وأنا مش موجود»

نهض عن محله، يعيد الهاتف بسترته السوداء، يستعد للرحيل، فإذا بتلك المرأة المسرعة تصطدم به، فأسقطت عنها الحقيبة التي تضعها على يدها باهمالٍ، حرك عُمران كفه ببعض الألم، جسد تلك المرأة كان قويًا لدرجة جعلته يطالعها بدهشةٍ.

انحنى يليتقط حقيبتها، واستقام يقدمها لها هاتفًا بلباقة:

_أنا آسف حضرتك اللي طلعتي فجاة قدامي.

هزت رأسها وهي تمد يدها لتلتقط الحقيبة بتوتر، قدم لها عمران الحقيبة، فلفت انتباهه يدها الخشنة والمطموسة بمعالم الرجولة، عاد يتمعن بوجهها بنظرة متفحصة ولتلك الهزيلة التي تجاورها، وقبل أن يترجم اشارات عقله، وجد السيدة رقية تندفع نحوهما وهي تصرخ بجنون:

_خديجـــــــة!

******

حملت هاتفها وهبطت تبحث عنه، حتى عثرت عليه بمكتبه، بعد أن بدل وجهته عن جناحه خشية من أن تعلم ما مرت به شقيقتها، ولجت فاطمة تبحث عنه هاتفه بذعر:

_علي، بكلم زينب من الصبح مبتردش عليا، ممكن تتصل بسيف وتخليه يديها التليفون أنا قلقانه عليها أوي.

نهض عن مكتبه يسيطر على ثباته بصعوبة، وقال بهدوء:

_ما يمكن نايمه أو قفلت موبيلها وحبت تقضي شوية وقت مع جوزها.

هزت رأسها برفض تام وقالت:

_مستحيل تعملها، هي عارفة اني بقلق عليها.

وأكدت عليه باصرار:

_كلم سيف بسرعة.

اضطر أن ينصاع لها، وبالفعل اتصل هاتفيًا به، فوجده يجيبه مندفعا:

_دكتور علي، البشمهندس جمال اتأخر اوي ومعاد الطيارة خلاص.

أسرع يحجب حديثه:

_فاطمة قلقانه على زينب يا سيف، اديها الموبيل تكلمها لو أمكن.

وقدم لها الهاتف ثم وقف يتابعها باهتمام، عاتبتها فاطمة فور، ان استمعت لصوتها:

_زينب،حبيبة ديالي واش انتي لاباس؟؟ تيليفونك مسدود من الصباح،انا اتخلعت عليك!

(زينب حبيبتي انتي كويسة؟ قافلة موبيلك من الصبح ليه قلقت عليكي!!)

=انا بخير ا فطيمة،غير التيليفون ديشارجا و خلاص

(أنا كويسة يا فاطمة بس الموبيل كان فاصل شحن مش أكتر)

_زينب مالك،صوتك جاني غريب اش كتحاولي تخبي عليا؟

(صوتك غريب، بتحاولي تخبي عني أيه يا زينب؟)

أجابتها بتوتر:

_لا والو احبيبة،غير انا مشغولة كنجمع حوايج السفر،حيت سيف قرر اننا نمشيو ندوزوا شهر العسل في مصر

(مفيش يا حبيبتي، أنا بس مشغولة بترتيبات السفر، لان سيف قرر إننا نقضي شهر العسل بمصر)

بدهشة هتفت:

_مصر!! ولكن انتي ماقولتيليش هاد الخبر فاش كنت عندك اخر مرة !!

(مصر!! بس انتي مقولتليش الخبر ده وانا عندك أخر مرة!!)

ردت عليها بتوتر:

_حيت هو كان دايرهالي مفاجأة،و يلاااه قالهالي هاد الصباح

(عشان هو كان عمالهالي مفاجأة، لسه عارفة الصبح)

وأضافت لتطمنها:

_ما تقلقيش الدكتور علي قالي بانه يومين و غايلحق بينا باش يحضر عرس شمس.

(متقلقيش دكتور علي قال انه يومين وهيحصلنا عشان فرح شمس)

تنهدت فطيمة وقالت:

_بصح ازينب، انتي بخير؟

(بأمانة يا زينب انتي كويسة؟)

أجابتها بحب:

_انا بخير احبيبتي غي ارتاحي و ريحي قلبك ،يلااا سيف كيقولي سربي راسك ، غنعيط ليك من بعد

(انا بخير يا حبيبتي اطمني وطمني قلبك، يلا سيف بيستعجلني، هكلمك بعدين)

اغلقت الهاتف وتطلعت لعلي بنظرة مهمومة، تركت الهاتف على المكتب وخرجت دون أن تضيف كلمة واحدة.

***

فور أن وجدها معتز تقترب منه، ألقى الحقيبة ونزع الخنجر من أسفل خمارها، يصوبه أسفل ذقنها بعدما نزع نقابه وصرخ بجنون:

_أي حد هيتحرك من مكانه مش هسمي عليه.

وفجأة اقتربت منهم سيارة مكشوفة، تحمل أربعة رجال ذو بنية قوية، يحملون الاسلحة البيضاء المدببة، هبطوا يسرعون اليه ويأشرون بالخناجر في وجوه المارة ليبعدوهم عن ذلك الوضيع الذي اشتراهم بمبلغ زاهد من المال!

*****

ترك باب سيارته مفتوحًا وسحب سلاحه الخاص، ثم هرول تجاه وكالة يونس، اقتحم مكتبه بشكل افزع فارس والشباب، فكان آيوب اول من تحدث:

_آدهم!

صاح بيونس وعينيه تفتش عن غايتها:

_معتز هرب!

انتفض بجلسته وأسرع إليه يهتف بهلع:

_هرب ازاي؟؟

اجابه وهو يسرع للخارج:

_مفيش وقت، أكيد هيحاول يتعرضلك أو أ.

جحظت عيني يونس دون سماع باقي كلماته، هرول راكضًا تجاه المنزل، فاستوقفه مجموعة من الناس يتجمهرون حول شيئًا غير، مرئي له ولمن خلفه، اتجه إليهم، لتضربه صاعقة فور أن رآها تنازع السكين يحيط رقبتها!!!!

….. يتبع…….

 ]

 

  •تابع الفصل التالي “رواية صرخات انثى” اضغط على اسم الرواية 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *