رواية الماسة المكسورة الفصل الثاني و الخمسون 52 – بقلم ليلة عادل
[ بعنوان: عودة للحياة ]
أمسكتها الممرضة من كتفها وسحبتها بعيدًا عن سليم وهي تقول: من فضلك، اخرجي برة.
ماسة باهتزاز ودموع: فهميني ماله طيب…
نظرت لسليم بينما كانت الممرضة تدفعها للخارج وقالت بخوف: سليم، مالك؟
في تلك اللحظة، دخل الطبيب ومعه بعض الممرضات مسرعين من الخارج. توقف الطبيب وهو يتفحص سليم، بينما كانت إحدى الممرضات تجهز حقنة. كان سليم مازال يتشنج بقوة ويحرك جفونه بسرعة رهيبة، وكأنه يرى صورًا غريبة. وفجأة… ثبت مكانه لثانية واحدة!
فتح عينيه وهو يهمس بنبرة مكتومة بخضة، وكأنه يأخذ نفسه بصعوبة: ماااســة…!
الطبيب بأمر وبنبرة عالية: الكل يخرج برة بسرعة!
ماسة بخوف وهي تنظر إليه: سليم، مالك؟ هو ماله طيب؟
فايزة بقلق: من فضلك، محتاجين نطمن!
الممرضة وهي تحاول إخراجهما بلطف: لو سمحتم، اتفضلوا. مش هينفع كده، خليكم برة. وبنسبة كبيرة… المريض فاق.
أخرجتهما الممرضة إلى الخارج وأغلقت الباب.
فور سماع ماسة وفايزة تلك الكلمات، اتسعت أعينهما بفرح، وتوقفتا أمام النافذة الزجاجية تراقبانه.
مكي بقلق: في إيه؟
نظرت له ماسة بعدم فهم والدموع تتساقط بسعادة: مش فاهمة، بس تقريبًا… سليم خلاص فاق يا مكي. سليم رجعلنا تاني!
هز مكي رأسه بإيجاب وعيناه تترقرقان بدموع الفرحة، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة وكأن حملًا ثقيلًا قد أُزيح عن صدره. نظر أمامه عبر النافذة بارتياح، وكأنه يسترجع لحظات خوفه على سليم، وهمس لنفسه بصوت بالكاد يُسمع: “الحمد لله يا سليم… أخيرًا.
بينما كانت توقف ماسة بسعادة غامرة وهي تضع يدها على فمها: سليم فاق…
بصراخ وهي تنظر إلى فايزة التي تقف بجانبها، غير مصدقة ما تراه ودموعها تهبط على وجنتيها: سليم فاق! سليم فاق خلاص!
فايزة بسعادة وهي تهز رأسها بنعم: فاق يا ماسة، ماطلعتيش بتتخيلي!
وفجأة، وبدون إرادة، من فرط السعادة، ضمتا بعضهما بشدة.
ماسة وهي تضمها بفرحة: الحمد لله، يا رب! ماكنتش بتخيل… فاق. الحمد لله.
لكن فجأة، وبعد ثوانٍ، اتسعت عينا ماسة بترقب، وكأنها غير مصدقة ما حدث! فايزة… تضمها؟
حركت عينيها يمينًا ويسارًا بترقب، ثم ابتعدت فجأة، وهما تنظران لبعضهما بصدمة دون تحدث ونظروا الى النافذه.
على اتجاه آخر…
كان الطبيب يقوم بإعطاء حقنة لسليم في الكانيولا، بينما يراقب مؤشرات الأجهزة والقلب وهي تهبط وتعود إلى طبيعتها تدريجيًا.
بدأ سليم يأخذ أنفاسه بسرعة وكأنها مكتومة، اتسعت عيناه وهو يحاول النطق بصعوبة: “ماسة… حور…
نظراته تجولت حول الغرفة باستغراب، وكأنه يبحث عن شيء مفقود، ثم عقد حاجبيه وقال بقلق: “أنا فين؟ أنا فين؟ أنتم مين؟ ماسة فين؟ مراتي كانت معايا… هي كويسة؟
حاول الطبيب تهدئته وهو يرفع يده بطمأنة: “سليم بيه، حمد الله على سلامتك. إنت في المستشفى.
سليم بقلق وهو يحاول التحدث رغم ثقله في اللسان: مراتي… وبنتي فين؟
الطبيب بابتسامة مطمئنة: بخير، كلهم بخير.
قرب أحد أصابعه من وجهه وقال بهدوء: “سليم بيه، ممكن تحرك عينك مع صباعي؟
بدأ سليم يحرك عينيه ببطء مع إصبع الطبيب، وعيناه تلمعان بقلق لا يغيب عن ملامحه بصوت ضعيف وبثقل في النطق، همس: عايز أشوفهم.”
كانت عين الطبيب تراقب الأجهزة التي بدأت تظهر استقرارًا واضحًا، فأعاد النظر إلى سليم وقال بابتسامة مطمئنة: حالا هيكونوا معاك. حمد الله على السلامة.
أشار الطبيب بيده نحو الزجاج بمعنى ادخلوا.
فور أن رأت ماسة الإشارة، هرعت إلى الداخل وفتحت الباب بسرعة، وعيناها مثبتتان على سليم، تغمرهما السعادة والدموع.
ماسة باشتياق ودموع ممزوجة بعدم تصديق: سلــيم!
ركضت نحوه كطفلة وجدت حضن والدها بعد سنوات طويلة من الغياب. دموعها تتساقط بغزارة، لكن هذه المرة كانت دموع الفرح والانتصار. شعرت وكأن الأشواك التي كانت تغرز في قلبها قبل قدميها قد أُزيلت، والغربة التي عاشت داخلها قد تبخرت. أخيرًا، عادت إلى مأمنها… إلى ملاذها الوحيد.
عندما وصلت إليه، ضمته بقوة، وأحاطته بذراعيها، بينما تتدفق الكلمات من قلبها بصوت مكتوم مليء بالدموع:
ماسة بنبرة مختنقة وبدموع: سليم، حمد لله على سلامتك يا حبيبي! أخيرًا صحيت! رجعت لي يا روح قلبي… وحشتني أوي أوي يا سليم.
قبّلته على رقبته بشوق، بينما رفع سليم يده بصعوبة ووضعها على ظهرها، ضامًا إياها إليه. عينيه كانتا تذرفان دموعًا، واشتياقه كان واضحًا في ملامحه.
سليم بثقل في اللسان وبقلق: ماسة… يا قلبي، إنتي كويسة؟ حصلك حاجة يا روحي؟
رفعت ماسة وجهها قليلًا، نظرت إليه وهي تمسح دموعها وتهز رأسها بإيجاب:
ماسة بابتسامة باكية: أنا ما بقيتش كويسة غير لما اطمّنت عليك وشوفتك بخير. الحمد لله يا رب… الحمد لله.
اقتربت فايزة من سليم، تمسح على جبينه بسعادة ودموع تغمر عينيها.
فايزة بسعادة ودموع: حمد لله على سلامتك يا حبيبي.
قبّلته على خده وضمت رأسه برفق.
سليم بصوت متعب: الله يسلمك.
اقترب مكي من سليم بخطوات مفعمة بالمشاعر، وعيناه تلمعان بدموع الفرح. انحنى عليه، وقبّله على جبينه بحنان وسعادة تغمره، ثم قال بصوت مليء بالامتنان: حمد لله على سلامتك يا أخويا… يا أسدي! الحمد لله إنك رجعتلنا بالسلامة.
نظر إليه سليم بابتسامة صغيرة رغم تعبه، وهمس بثقل: الله يسلمك يا مكي.
وأثناء هذه اللحظات المؤثرة، اقتحم عزت الغرفة باندفاع، صدمته وابتسامته تعبران عن فرحته الكبيرة:
عزت بسعادة وصدمة: الخبر اللي سمعته ده بجد؟! سليم فاق؟!
وقع نظره على سليم، ولم يستطع تمالك نفسه. ركض إليه وضمه بقوة، وهو يقول بحماس:
عزت بابتسامة ودموع: حمد لله على سلامتك يا حبيبي! إنت كويس؟ حاسس بحاجة؟
سليم بتعب وهو يحاول الحديث بصعوبه: أنا كويس… إنتم وصلتوا للي عمل فيا كده؟
توقف عزت للحظة، ابتلع ريقه، وارتبك وهو ينظر إلى سليم. لم يكن يعرف كيف يجيبه؛ فالحقيقة أنهم لم يصلوا إلى شيء بعد. حاول التهرب بتغيير الموضوع:
عزت بمراوغة وبابتسامة مصطنعة: استنى… خلينا نطمن عليك الأول.
سليم بنرفزة، يحاول إخراج الكلمات بصعوبة بسبب ثقل لسانه: رد عليا… وصلتوا لحاجة؟
ماسة، وهي تمسح على خده بحنان وتحاول تهدئته: يا حبيبي، استنى… نطمن عليك الأول، وبعدين نتكلم، ماشي؟
الطبيب بجدية: من فضلكم كفاية كده. ممكن تخرجوا بره شوية؟ لازم نحضر المريض عشان ننقله للأوضة ونطمن عليه.
هز الجميع رؤوسهم بإيجاب وبدأوا بالخروج، لكن ماسة وقفت قليلاً بجانبه.
ماسة بابتسامة مشرقة وهي تهز رأسها: حاضر.
نهضت وهي تنظر إليه بحنان، قائلة: سليم، خليك قوي واسمع كلام الدكتور، أوعى تعند ها؟
اقتربت منه وقبّلته على خده بحب، مما جعله يبتسم ابتسامة صغيرة رغم ضعفه.
لكن فجأة، وقعت عينا سليم على بطن ماسة المسطحة، فظهرت على وجهه علامات استغراب. رفع كفه المرتعش برعشة خفيفة ووضعه على بطنها، ثم تساءل بقلق: بطنك… عاملة كده ليه؟ إنتي ولدتي من غيري؟ إنتي كويسة؟ حور كويسة؟ حصل لكم حاجة؟ قوليلي وطمني قلبي… طب هي فين؟ عايز أشوفها وأخدها في حضني.
اهتزت ماسة للحظة، وظهر على وجهها ارتباك واضح. لكنها بسرعة بديهة تبسمت بابتسامة صغيرة تخفي قلقها، وبدأت تدور حول نفسها بشكل غير مباشر لإبعاد انتباهه: أنا كويسة أهو، ما فيش حاجة يا حبيبي، وزي القردة كمان… اطمن.
ثم أكملت بابتسامة وحنان: ها أخرج بقى علشان الدكتور يكشف عليك ويطمنا.
اقتربت منه مرة أخرى وقبّلته على عينيه بحب، ثم سحبت يدها من يده ببطء وتوجهت نحو الباب.
عينا سليم ظلتا مثبتتين عليها، مملوءتين بالقلق والتعجب. كان يحاول أن يفهم، لكن سؤالاً واحداً ظل يطارد أفكاره: لماذا لم تجيبه عن حور؟
خرجت ماسة من الغرفة، وأغلقت الباب خلفها، وعينيها تمتلئ بدموع، بينما بقي سليم ينظر نحو الباب بشرود، وعقله يغرق في تساؤلات لا تنتهي.
بقلمـيـﮯليـﮯلهہ عآدل(◕ᴗ◕✿)
في الاستراحة
الجو مليء بالقلق والفرحة المختلطة، وكان الجميع يحاول استيعاب ما حدث للتو، سعدية وسلوى تقفان بالخارج، وعندما رأتا ماسة وبقية العائلة يخرجون من الغرفة، هرولتا إليهم بسرعة.
سعدية بسعادة وهي تمسك بيد ماسة: ماسة يا حبيبتي، سليم فاق بجد؟
ماسة، وابتسامة عريضة تملأ وجهها، تهز رأسها بإيجاب وسعادة غامرة: أيوة، فاق يا ماما.
سعدية، وهي تضمها بحنان وتغالب دموعها من شدة الفرحة: عقبال ما يخرج برة المستشفى وينور بيته يا رب… مبروك يا حبيبتي.
ماسة بتمني، وهي ترفع عينيها إلى السماء: يا رب يا ماما.
سلوى، وهي تربت على ظهر ماسة بحنان: الحمد لله… مبروك يا حبيبتي، ربنا يكمل شفاءه على خير. طب هيعملوا إيه دلوقتي؟
ماسة، وهي تبتعد قليلاً وتلتفت إليها لتوضح:
هيطمنوا إن كل أجهزة الجسم رجعت طبيعية، وبعدها هينقلوه أوضة عادية. وبعدين، ندخل نشوفه. بس الحمد لله، هو كويس… بيتكلم كأنه كان نايم وصحى، كلامه بس شوية تقيل وإيده بتترعش.
عزت، وقد بدا الاطمئنان على وجهه، قال وهو يهز رأسه:
الحمد لله إنه فاق، ده الأهم. طريقة كلامه ورعشة إيده طبيعية جداً بعد اللي مر بيه. إحنا مكناش متخيلين إنه يصحى بالشكل ده، بعد أربع شهور ونص في غيبوبة.
سلوى بتساؤل حذر، وعينيها تراقبان ماسة بترقب:
“طب ماسة، هتعملي إيه؟ هتقولي له إيه عن حور… وعن الرصاصة… وكل اللي حصل له؟
ماسة، وقد علت ملامحها الحيرة والوجع، أجابت بصوت مختنق: مش عارفة! هو أصلاً سألني عليها، بس أنا توهت الموضوع. بس لازم يعرف… مش هينفع نخبي عليه، بس إزاي؟ إزاي أقوله كل ده؟ دي مش مصيبة واحدة! دي كوارث… الرصاصة، حور، رجله، والخلفة… صعب قوي.
تنهدت وزفرت بضيق، ثم أمسكت بشعرها وأرجعته للخلف بتعب، وملامحها تغلبها الحيرة.
سلوى، وهي تربت على ظهرها بحنان، تتنهد بأسف:
ربنا معاكي يا ماسة.
مكي، وهو يتحدث بجدية ويحاول السيطرة على الوضع: لو الوضع يسمح، لازم يعرف سليم. لو عرف متأخر، الدنيا هتقلب علينا.
فايزة، بنبرة تهكمية ورفض واضح، وهي تنظر لمكي بعينين ضيقتين: لا طبعاً. سليم مش هينفع يعرف دلوقتي! إحنا في إيه ولا في إيه؟ لما يخرج بالسلامة ويبقى كويس، نبقى نتكلم معاه ونفهمه.
(قالت بعجرفة) وبعدين، مش إنتوا اللي تحددوا، الدكتور هو اللي هيحدد.
ماسة، بنظرة قوية موجهة نحو فايزة، قالت بثبات:
ده معروف إن الدكتور هو اللي هيحدد. بس مكي بيتكلم صح، ولا إنتي مش عارفة ابنك بيبقى عامل إزاي لما حد بيخبي عليه حاجة ويعرفها متأخر؟!”
فايزة، وقد اشتعلت ملامحها بالضيق، نظرت إلى ماسة من أعلى لأسفل ببرود، ثم شاحت بوجهها بعجرفة في الاتجاه الآخر، محاولة إنهاء النقاش.
(وبعد وقت…)
غرفة سليم
سليم، وهو ممدد على الفراش، يضع جهاز قياس القلب على صدره، بدا متعباً ومرهقاً لكنه عازم على معرفة الحقائق، كان الجميع يحاول أن يبدو قوياً أمامه رغم مشاعرهم المتأججة.
عشري اقترب منه، وضمه بحنان وقبّله على جبينه قائلاً بإخوة مليئة بالسعادة:
حمد لله على سلامتك، الحمد لله إنك رجعت لنا بالسلامة.
سليم، بنبرة ضعيفة لكنها مليئة بالتساؤل:
“الله يسلمك..
سليم رفع يديه ووضعهما على رأسه بتعب وقال بشكوى بلسان ثقيل: دكتور، الصداع لسه ما رحش… أنا مش قادر. دماغي تقيلة أوي.
الطبيب، بنبرة مهنية وهادئة، أجاب وهو ينظر إليه بتفحص: إنت لسه واخد الحقنة، يعني ربع ساعة كده وهتبدأ تشتغل. إيه غير الصداع تعبانك؟
سليم، وهو يتحدث بثقل في اللسان، رفع يديه المرتعشتين أمام الطبيب: حاسس إن جسمي كله تعبان… وإيديا الاتنين بيترعشوا، بالأخص اليمين. وكلامي تقيل محسسني إني لسه بتعلم الكلام. ورجلي اليمين تعباني أوي.
الطبيب، بعد أن أخذ ملاحظاته، أجاب بنبرة طمأنة:
كل دي أعراض طبيعية جداً، الكلام هيبدأ يتحسن بعد بكرة بالكتير. الصداع هيختفي أول ما المسكن يشتغل. تعب جسمك هيبدأ يخف تدريجياً. أما بالنسبة لرجلِك، ده بسبب الرصاصة، فهياخد وقت. هنمشي على مسكنات وعلاج فيزيائي، وإن شاء الله هتبقى كويس.
فايزة، التي كانت تستمع بكل اهتمام، سألت الطبيب بقلق واضح: والعلاج الفيزيائي ده هياخد وقت قد إيه؟
الطبيب أجاب بنبرة عملية وواثقة: على حسب استجابة سليم بيه للعلاج، بس إن شاء الله مش هنطول.
سليم، بعد أن هز رأسه بصمت، أخذ نفساً عميقاً ووجه نظره مباشرة إلى عزت وقال بتساؤل واضح، بنبرة تحمل إصراراً رغم ضعفه:
بابا، ما ردتش عليا… وصلتوا للي عمل كده ولا لا؟
سعدية، محاولة صرف انتباهه بحديثها، اقتربت منه وقالت بحنان وابتسامة مطمئنة: حمد لله على السلامة يا سليم يا حبيبي. بكرة تخرج وهعملك أكل إنما إيه… عسل يستاهل بوقك.
سليم، بنظرة لطيفة لسعدية، أجاب برفق: الله يسلمك يا طنط.
ثم عاد بجمود وثبات بنظراته لعزت وقال بنبرة قاطعة: ما رديتش عليا يا بابا.
عزت، وقد ارتبكت ملامحه وظهرت عليه الحيرة، أجاب بصوت منخفض ومحاولة لتهدئة الموقف:
بصراحة، لسه يا سليم.
اتسعت عينا سليم بغضب شديد، وعروقه بدأت تظهر على جبهته، وهو يجز على أسنانه بصعوبة في الحديث بسبب ثقل لسانه، لكنه لم يستطع السيطرة على انفعاله: يعني إيه لسه ما وصلتش!! هو كل حاجة لازم أنا أعملها بنفسي؟!
تدخل الطبيب سريعاً محاولاً تهدئة الوضع: سليم باشا، الانفعال مش مطلوب دلوقتي، حاول تهدى شوية.
لكن سليم لم يستطع كبح غضبه، نظر للطبيب بعينين غامقتين بالسواد، ثم التفت لعزت، محاولاً إخراج كلماته بصعوبة وهو يشد على الحروف بنرفزة وضيق:
“إزاي… إزاي ما وصلتش؟! إيه يا عزت يا راوي؟ كبرت ومبقتش قادر تجيب حق ولادك؟ المفروض تقولي مستنيك تاخد حقك بدراعك! أنا كان أهون عليا تقول لي إنك قتلتهم وما استنتنيش… ولا تقولي إن اللي عمل فيا كده عايش حر وبينام مرتاح!!”
ماسة اقتربت منه بخوف وحنان، وهي تمسح على صدره بلطف، محاولاً تهدئته: سليم، اهدى بالله عليك. بالراحة يا حبيبي، كل حاجة هتبقى كويسة زي ما أنت عايز، ما تتعبش نفسك في الكلام، إحنا بس نطمن عليك الأول وبعدين نتكلم.
لكن كلماتها لم تخفف من غضبه، التفت إليها بصعوبة وهو ينطق بصوت مبحوح مليء بالضيق والتعجب:
“هانتكلم في إيه؟ بيقولك لسه ما وصلش للي عمل فيا وفيكي كده؟
ثم ركز بنظره على ملامحها، وملامحه بدأت تحمل خليطاً من الألم والريبة وهو يسألها فجأة:
حور فين يا ماسة؟ ما جبتهاش ليه؟
تجمدت ماسة للحظة، واتسعت عيناها بارتباك واضح وهي تحاول الرد، لكنها لم تستطع أن تنطق. شعرت أن الكلمات تتلاشى من على لسانها، وابتلعت ريقها محاولة التماسك. لاحظ الطبيب الموقف وحاول تغيير الحديث ليخفف من توتر سليم:
سليم بيه، لو سمحت، ممكن تعد من 1 لـ 10 بالعكس؟ ده هيساعدنا نتأكد من تركيزك.”
سليم نظر للطبيب بجمود وصوت ضعيف لكنه صارم:
أنا كويس يا دكتور ومركز…
ثم عاد بنظره إلى ماسة، وعاد يسألها بإصرار يملؤه الألم: ما رديتش عليا… فين حور يا ماسة؟ عايز أشوفها، بقولك، روحي هاتيها.
شعرت ماسة أن قلبها يكاد يخرج من صدرها من شدة الارتباك، لكنها حاولت الابتسام والثبات أمامه حتى لا يشعر بشيء. مدت يدها بلطف على رأسه ومسحت عليه بحنان وهي تقول بصوت دافئ:
رد على الدكتور، وحياتي الأول يا سليم، وبعدين هانتكلم زي ما إحنا عايزين. وها أجبلك حور، بس خلينا نطمن عليك يا حبيبي.
ثم قبلته على ظهر يده بحب، محاولة أن تبعد أي شك قد يراود عقله، لكن في داخلها كانت تخشى اللحظة التي ستضطر فيها لمواجهته بالحقيقة.
نفخ سليم بزهق وتوجه بنظره نحو الطبيب، وقام بالعد بصعوبة في النطق:
10/ 9/ 8/ 7/ 6/ 5/ 4 /3 /2/ 1/ 0. بعد الإنتهاء قال مستخفًا:
“تحب أقولها لك بالمظبوط كمان؟ ولا باللغات التانية!! بتكلم خمس لغات، تحب أقولك بيهم؟
الطبيب بعملية: سليم بيه أرجوك ما تضايقش. إحنا بس محتاجين نعرف مدى قوة الإستجابة والوعي عند حضرتك مش أكثر، ونطمن أكثر عليك. أتمنى من حضرتك تساعدنا.”
سليم بإختناق: وأظن أنا جاوبتك. عايز أبقى مع عيلتي لوحدي ممكن!!! بعدين مافيش حاجة تدهالي تخليني أتكلم عدل بدل ما أنا حاسس إني بنص لسان.
الطبيب: للأسف مافيش. حاول تهدى والنطق هايتحسن معاك.
سليم بضجر: طب ممكن تخرج؟ محتاج أقعد مع عيلتي لوحدنا!”
الطبيب: حاضر، بس ممكن تعرفني مين إللي واقفين دول بالأسماء؟
قلب سليم عينه باختناق وزفر بزهق، فهو لم يعد يتحمل أسئلة الطبيب التي تزعجه.
مسحت ماسة على قدمه بحب وحنان بابتسامة عريضة وهي تقول بمداعبة كأنها تتحدث مع طفلها:
حبيبي، إحنا اتفقنا يلا يا كراملتي. ثم قبلته من خده.
مال سليم برأسه، حاول تمالك نفسه لكي يخلص، زفر بضيق، ثم وجه نظراته للطبيب وهو يعقد بين حاجبيه بضجر لكنه حاول التحدث بهدوء لكي يستطيع النطق بشكل أفضل.
سليم بإستنكار مستخف: هو فيه إيه يا دكتور؟ حد قالك إني مضروب على دماغي! وفقدت الذاكرة؟ هو إنت مش حاسس إن كل إجاباتي وطريقتي موضحة قوة الاستجابات والتركيز اللي إنت عايز تعرفهم؟ وعلشان أريحك ونخلص..” أشار بيديه قائلا:
“دي تبقى مراتي ماسة، وإللي جنبها دي تبقى فايزة هانم رستم والدتي، وده يبقى بابا عزت الراوي، ودي سعدية حماتي، ودي أخت مراتي سلوى، وده أعز أصدقائي وحارسي الشخصي مكي، وده عشري، وأنا سليم الراوي، جيت في حادثة بعد ما اتضربت بالرصاص ومراتي أتطعنت بسكينة وهي في آخر حملها، وإحنا في المستشفى، وإنت الدكتور..
ضيق عينه وهو يدقق النظر لكي يقرأ اسم الطبيب المنقوش على البالطو الذي يرتديه. أكمل:
رائد، اسمك رائد، ونظري كمان لسة 6/6. فيه حاجة كمان تحب تعرفها؟ تحب أقولك إن ده اسمه سرير، ودي اسمها حيطة ودي ستارة؟
عزت بعقلانية: اهدأ يا سليم، الدكتور مايقصدش. هو محتاج يطمن عليك، اللي كنت فيه ماكنش هين، اهدأ يا حبيبي ليه كل العصبية دي؟
سليم بضيق وهو يتحدث بين أسنانه: ما أنا هادي بس زهقت.
وفجأة أخرج سليم تأوهات بوجع بسبب قيام الطبيب بشكه بإبرة في كاحله.
سليم بألم: ااااه..”، وجه نظراته للطبيب: “
إيه يادكتور بالراحة.
الطبيب بإحترام: أنا آسف يا سليم بيه، بس كنت باطمئن على مراكز الحس عند حضرتك.
نفخ سليم بشدة، فهو غاضب بشكل كبير. ربتت ماسة على ظهره بحنان وحب: سليم علشان خاطري، إهدأ. إيه كل العصبية دي؟ مافيش حاجة مستاهلة كل العصبية دي يا حبيبي. الدكتور عايز يطمن عليك، وأنا كمان محتاجة أطمن عليك يا حبيب قلبي. إهدأ وحياتي، رد على أسئلة الدكتور، وبعدين هانقعد وهانتكلم وهانعمل كل اللي إنت عايزه. علشان خاطري إهدأ يا كراميل.
نظر سليم وهو يهز رأسه بإيجاب: حاضر يا ماسة، حاضر، هاهدي. بس جاوبيني الأول فين حور؟
ساد الصمت للحظة. نظرت له ماسة بوجع يفتك قلبها، فهي لا تعرف ماذا تجيبه! إذا قالت له الحقيقة الآن فستكون كادقق سليم النظر في ملامحها وخاصة عينيها التي تبوح بكل شيء بداخلها وتلك الدموع المحبوسة التي تحاول السيطرة عليها، وتلك الهزة التي فضحت صوتها. فهو يشعر أنها تكذب عليه، وأن هناك شيء سيء تخفيه…
أخذت دقات قلبه تتزايد بقلق، سألها بعين ثابتة لا ترمش:رثة، ومن الممكن أن تتسبب بتدهور حالته. فهو في وضع صعب، ومن الحكمة ألا يعرف شيء الآن، فاضطرت للكذب حتى يتمكن الطبيب من الكشف عليه.
أجابته بكذب وهي تحبس دموعها، بقهر خنق صوتها بإهتزاز:
“حور هنا، برة، هي برة بس مستنية بابا يخلص كشف ونطمن عليه. وبعدين هاجيبها تشوفك. فإنت بقى أسمع الكلام علشان خاطري، وخاطر حور. أسمع كلام الدكتور وابقى هادي وخليه يكمل كشف ويطمنا عليك، ها يا روحي.
دقق سليم النظر في ملامحها وخاصة عينيها التي تبوح بكل شيء بداخلها وتلك الدموع المحبوسة التي تحاول السيطرة عليها، وتلك الهزة التي فضحت صوتها. فهو يشعر أنها تكذب عليه، وأن هناك شيء سيء تخفيه…
أخذت دقات قلبه تتزايد بقلق، سألها بعين ثابتة لا ترمش:
سليم بنبرة مكتومة: شبهي ولا شبهك؟
ارتسمت على شفتي ماسة ابتسامة مُرهقة، بدا فيها الألم العميق، بينما نطقت بنبرة مهتزة وعينيها تترقرقان بالدموع: “شبهنا، شبهي وشبك.
هز سليم رأسه بإيجاب، وعينيه مليئة بالدموع التي حاول أن يخفيها، لكنه كان واثقًا أنها تكذب عليه. فهو يعرفها أكثر من نفسها. ابتلع ريقه بصعوبة، ثم رفع عينيه عن وجهها ونظر للطبيب ببرود، مظهره خالي من أي مشاعر.
سليم: شوف عايز تعمل إيه علشان أول ما تخلص، تخرج برة.
هز الطبيب رأسه بإيجاب، ثم بدأ يفحص سليم بعناية، متأكدًا من حالة قدميه.
الطبيب بتساؤل: حضرتك حاسس كده؟
سليم بثبات، رغم الألم الذي كان يعتصره: أيوة حاسس، حاسس بكل حاجة.
الطبيب: تمام…
ثم شكه مرة أخرى، ولكن بشكل أخف، سأل: “وكده حاسس؟
هز سليم رأسه بإيجاب، فأكمل الطبيب: ممكن حضرتك تحرك رجلك؟ افردها وأتنيها.
بدأ سليم يحرك قدمه اليسرى بحذر، ثم حاول نفس الحركة مع قدمه اليمنى، لكنه صرخ بألم: آه، مش قادر، فيه إيه؟
أشار الطبيب بيده ليوقفه: خلاص، كفاية.
سليم بتعجب وألم واضح على وجهه: دكتور، رجلي وجعتني أوي. هو فيه حاجة؟
الطبيب بابتسامة مطمئنة: ده طبيعي، علشان دي إللي مضروب فيها الرصاصة.
سليم بضيق واضح وهو يضيق عينيه: هو أنا هافضل كده على طول؟ مش قادر أحركها؟
الطبيب بهدوء: لا طبعًا، مع العلاج الفيزيائي والأدوية، الموضوع ده هيتحسن. بس لازم حضرتك تساعدنا وتسمع الكلام. ممكن في الأول تقعد على كرسي متحرك.
فور أن استمع سليم لتلك الكلمة، كأنها رصاصة اخترقت قلبه. قلب عينه في اتساعها، وقال بجمود وكبرياء: إنت بتقول إيه؟ سليم مش ممكن يقعد على كرسي متحرك! إنت بتقول إيه؟! شوف لك حل تاني.
نظر مكي مسرعًا للطبيب، وأشار له بحركة شفاهه أن يتجنب الحديث عن تلك الرصاصة التي ما زالت في ظهر سليم.
نظرت ماسة له بابتسامة رقيقة، ربتت على كتفه وشعره بحب، محاولة إقناعه: “سليم يا حبيبي، ده هيكون بشكل مؤقت، يعني أسبوع بالكتير لحد ما رجلك تتحسن، هانبقى مع بعض، مفيش حاجة.
نظر لها سليم بضيق، فهو لا يستطيع أن يتخيل نفسه عاجزًا أو ضعيفًا أبدًا، مهما كانت الأسباب. قال بنبرة هامسة وهو يتحدث من بين أسنانه، وعينيه ثابتة عليها: ماسة، مش ها أقعد على كرسي بعجل!
تبسمت ماسة بحب، ثم حاولت إقناعه بطريقتها الخاصة. نطقت بنبرة هامسة وهي تمسح على كفه: عارفة، بس ده لفترة مؤقتة، أنا ها أبقى معاك أنا وبس. أنا كمان يا سليم مش هاتحب توريني ضعفك… أنا ماسة، حبيبتك، قطعة السكر بتاعتك…
وضعت قبلة على رأسه برجاء، ثم أكملت:
وحياتي، وافق يا سليم، مش هينفع تعند ولا ترفض. أقسم بالله ما هينفع. وافق بقى، وحياتي، حلفتك بحياتي.
زفر سليم باختناق، فهو لا يستطيع رفض أي طلب لها، حتى في أسوأ حالاته. مسح على وجهه بيده التي كانت ترتعش، ثم قال بصوت ضعيف: طيب حاضر، حاجة تانية؟
الطبيب: سليم بيه، إنت عارف النهاردة يوم إيه؟”
سليم بتذكر: أنا كنت عامل الحادثة يوم الاثنين، ممكن النهاردة الثلاث أو الأربع، الخميس بالكتير.
الطبيب: النهاردة السبت.
سليم بإستغراب وهو يعقد حاجبيه: السبت؟! أنا بقالي كل ده؟! علشان كده مش قادر أتكلم كويس؟
الطبيب بعملية: أمم… هو طبعًا ثقل اللسان اللي عند حضرتك بسبب الغيبوبة اللي كنت فيها. بس إنت مش بقالك خمس أيام، إنت بقالك أربع شهور ٢٢يوم… إحنا في شهر خمسة.
فور استماع سليم لتلك الجملة، ركز نظره بشدة واتسعت عيناه بصدمة وهو يقول: إنت بتقول أربع شهور و٢٢ يوم؟
هز الطبيب رأسه بنعم وقال: حضرتك كنت في غيبوبة كاملة لاكتر من أربع شهور، وكل الأعراض اللي حضرتك حاسس بيها دي بسبب الغيبوبة، لكن هي هتروح خلال أيام. مشكلة رجلك وإيدك هتتعالج بالعلاج الفيزيائي. وحضرتك هتفضل تحت الملاحظة لمدة ثلاث أيام، وبعد كده ممكن نكتبلك على خروج. بالنسبة للأكل والشرب خلال الثلاث أيام دول، هيبقى مية وسوائل، والنهاردة بس هانقضيها مية علشان نحضر المعدة لاستقبال الأكل. وهانعلق لك محاليل. حمد الله على السلامة، بعد إذنكم، وآسف لو كنت أزعجتك.
بقلمـيـﮯليـﮯلهہ عآدل(◕ᴗ◕✿)
توجه الطبيب للخارج، وفور خروجه، نظر سليم إلى الجميع، عينيه مملوءتان بالصدمة، وقال بصوت مكتوم، لا يكاد يسمعه أحد:
سليم: أربع شهور؟
ثم رفع عينيه لعزت وقال بحدة: أربع شهور ولسه ماوصلتش لحاجة؟
جزّ على أسنانه بشكل كاد أن يفتك بها، وهو يقلب عينيه في الغرفة محاولًا تمالك غضبه. ثم حاول تعديل جلسته لتكون في زاوية والده.
نهضت ماسة ونظرت له بإستغراب، وقالت: في حاجة؟
لكنه ظل صامتًا لا يرد، معلقًا عينيه على عزت بإختناق وقهر. ساعدته ماسة في تعديل جلسته ليكون متوازنًا بين زاويته وزاوية عزت ومكي، حتى وضع قدميه على الأرض.
رفع سليم عينيه لعزت بألم شديد، وهو يحاول التحدث بهدوء ليتمكن من النطق بشكل صحيح: أربع شهور؟! أربع شهور ولسه ماوصلتش للي عمل في ابنك ومراته كده؟
ثم وجه نظراته لمكي قائلاً: طب عزت شكله كبر وبقى مش قادر يعمل حاجة زي زمان. إنت بقى كنت بتعمل إيه؟ كنت قاعد بتعيط جنبي، بدل ما تدور على اللي عمل فيا كده.
نظره العشري: وانت طبعا كنت بتساندهم.
صاح بهم ببحه رجاليه: ما تردو.
مكي بهدوء: سليم، كلنا أنا والباشا عملنا كل حاجة نقدر عليها، بس ماوصلناش لحاجة. كل ما كنا بنوصل لحاجة، كنا بنرجع للصفر تاني. أوعى تفتكر إني ممكن أتهاون في حاجة زي كده، بس هم كانوا مخططين كويس، وعارفين هم بيعملوا إيه.
سليم وهو يحاول أن ينهض بضجر وصعوبة في التحدث، قال باتهام ونرفزة: أنا اللي غلطان علشان وثقت في شوية فشلة. مايستهلوش الثقة، كنت فاكر إن يوم ما يحصل لي حاجة، هايقلبوا الدنيا علشان يجيبوا لي حقي، بس خسارة. أنا الظاهر لازم أعمل كل حاجة بنفسي.
عزت بحزن وتفسير: سليم، إنت لازم تفهم حاجة واحدة وتصدقها. إني عملت كل حاجة علشان أوصل للي عمل كده، بس ماقدرتش. والله يا بني ماتسهلتش في حقك زي ما إنت فاهم.
نظر له سليم دون حديث، والغضب يستعر بداخله، ثم حاول النهوض وهو ينزع جهاز قياس رسم القلب من على صدره، محاولًا تجاهل الألم الذي يعتصره في جسده.
نظرت له ماسة بإتساع عينيها، ملامحها مزيج من القلق والخوف، محاولة منعه من النهوض ونزع الجهاز بإستغراب: “إنت بتعمل إيه؟ ورايح فين؟ الدكتور قال مافيش خروج غير بعد ثلاث أيام.
سليم بضيق، محاولًا إبعادها: لا، هأخرج. أوعي يا ماسة، أنا لازم أعرف مين اللي عمل فينا كده؟ وانتقم منه. بقاله أربع شهور عايش، فاهمة يعني إيه أربع شهور؟
ابتسمت ماسة بلطف، وهي تمسكه من كتفه محاولة تهدئته: فاهمة، إنت هاتعرفه وهاتنتقم منه، بس تتحسن وتبقى كويس. إنت لسه فايق من غيبوبة يا حبيبي، حالتك لسه تحت الملاحظة
نظر لها سليم بغضب، وبين أسنانه خرجت كلماته المحملة بالمرارة، فهو لا يتقبل فكرة أنه مريض أو ضعيف. كان يشعر بالعجز يتسرب منه مع كل حركة، مما زاد غضبه أكثر عدم استطاعته على التحدث بشكل طبيعي ورعشة يده التي تشعره بالعجز
سليم بغضب: أنا كويس! ما تقوليش كلمة مش كويس دي تاني! أنا كويس، فاهمة؟ أنا مستحيل أفضل قاعد هنا وأنا شايف اللي عمل فينا كده قاعد برة مبسوط بيضحك علينا. أوعي يا ماسة، خليني أمشي!
أمسكته ماسة من معصمه بدموع، تحاول السيطرة عليه بهدوء، وتحدثت كأنها تتحدث مع طفلها: يا حبيب قلبي، مين قال إنك مش كويس بس؟ إنت كويس وزي الفل كمان. كل الحكاية إنك محتاج ترتاح كام يوم بس. مش لما الدكتور طلب منك تحرك رجلك، تألمت؟ خلاص، استنى الألم يروح والوجع يهدى، وأعمل اللي إنت عايزه. أنا كمان عايزاك تنتقم. ممكن تهدى؟
نظر سليم داخل عينيها بضجر، وقال: أنا هادي يا ماسة، على فكرة. إنتوا ليه كل شوية تقولوا لي أهدى؟ أنا هادي، بس خلاص عايز أخرج. أنا خفيت وبقيت كويس.
ماسة برجاء: قولتلك هاتخرج، بس لما الدكتور يوافق ويقول إنك اتحسنت أكتر. تمام؟ اصبر علشان خاطري يومين بس.
عشري، بصوت هادئ ومليء بالتفهم، قال له: يا ملك، اهدى بقى، الموضوع بسيط، يومين وأخرج وأحرق كل اللي عايزاه.
مكي، بنبرة حازمة، حاول التدخل: سليم، اللي انت بتعمله ده ما ينفعش اعقل
سعدية بحنان اقترب منه أكثر: يا ابني، ريح بدنك، انت لسه قايم من رقدة طويلة، بلاش تضغط على نفسك.
سليم، بعناد واضح، رد في حدة: لا اله الا الله، أنا كويس. هتعرفوا أكتر مني.
أما ماسة، فقد أمسكت به بيدين ترتجفان، عيونها مليئة بالقلق: مش كويس، بطل عند بقى… إنت لسه ضعيف، هتضر نفسك أكتر كده.
زفر سليم بضيق وإنكار، غير قادر على تقبل وضعه: أنا مش فاهم إنتِ بتعملي كده ليه؟ قولتلك أنا قادر أخرج، أنا كويس مفيش حاجة…
دفع يدها بعيدًا عنه بشدة: اوعي كده يا ماسة، متنرفزنيش! أنا بدأت أتضايق وأفقد أعصابي.
حاول النهوض لكن عزت أمسكه بشدة من كتفه ثبته مكانه وقال بحزم: يا سليم إهدى، ماينفعش اللي بتعمله ده. أعقل شوية، إنت لسه تعبان. وأنا هاجبهوالك لحد عندك، ممكن بقى تسكت شوية.
رفع سليم عينه نحوه بإتهام واستخفاف: كنت جبته يا باشا، بس إنت الظاهر كبرت وضعفت ومابقِتش قادر. إيه رأيك تطلع على المعاش وتقعد في البيت أحسنلك مع الهانم وتقضوها حفلات؟
نظر عزت له دون رد، فهو متفهم جدًا لغضبه الشديد، ثم ربت على كتفه دون تعليق.
سليم بنرفزة، فقد أصبح يشعر بأنهم يرونه عاجزًا، وهذا ما لا يقبله مهما كان. قال بغضب: ممكن بقى تسيبوني أخرج؟ أنا قلت لكم أنا كويس، مفيش حاجة.
ماسة بهدوء وتحايل: سليم، علشان خاطري إهدى، فيه إيه؟ الموضوع مش مستاهل لكل الغضب ده، بالراحة. إنت حالتك ماتتحملش العصبية دي.
نظر لها سليم بنرفزة وهو يحاول إبعادها من أمامه بصعوبة، قائلاً: ماحدش يقولي إهدى! ماحدش يطلب مني إني أهدى، أنا أصلاً مش متعصب! هاتعصبوني بالعافية! وحالتي تسمح، هاتعرفي أكتر مني. بقولك بقيت كويس، أنا لازم أخرج من هنا دلوقتي، مش هستنى تاني! أوعي يا ماسة.
نظرت له ماسة بعناد وشدة: مش هأوعي! مش هاتخرج غير لما تتحسن والدكتور يطمنا عليك.
سليم بنرفزة وعناد: لا! هأخرج وماحدش هايمنعني.
فايزة بعقلانية: يا سليم، ماينفعش اللي إنت بتعمله ده. إنت خارج من غيبوبة، مش دور برد.
سليم بحدة: محدش ليه دعوة!
ماسة بحدة: يعني إيه ماحدش ليه دعوة؟ لا، لينا دعوة! أرجوك، كفاية عند ومكابرة على المرض.
نظر سليم داخل عينيها بنبرة هادئة لكن بنكران تام: قولتلك، أنا مش مريض، أنا كويس. بعدين، فين حور؟ ما جبتهاش ليه؟ روحي هاتيها. قولتلك، عايز أشوفها.
ماسة ابتلعت ريقها بثبات، وقالت: هاجيبها لك، بس اسمع الكلام. إنت لسه تعبان يا سليم، ولسه فايق من غيبوبة بقالك فيها اكتر من أربع شهور. مش هزار! استنى حالتك تستقر وتبقى كويس، وأعمل إللي عايزك. ماحدش هايقولك لا. لكن مش هاتخرج طول ما إنت كده.
سليم بعناد وحسم: أنا هأخرج، وماحدش هايقدر يمنعني يا ماسة.
عزت، بنبرة حازمة وعينين مليئتين بالجدية: أنا هامنعك يا سليم، مش هاتخرج غير لما الدكتور يسمح بده.
سليم، بعناد واضح، نظر إليه وقال: ها أخرج، وريني هاتمنعني إزاي.
مكي، بنبرة عصبية تحمل القلق والضغط: يا بني إنت اتجننت! إيه اللي إنت بتعمله ده؟ مالك يا سليم؟ إنت مش سامعنا؟ بنقولك إنت لسه تعبان، أول ما تبقى كويس هنعملك اللي عايزاه. خلاص كفاية! إهدى، إيه اللي إنت بتعمله في نفسك ده؟ ماينفعش.
سليم، بنبرة اتهام ممزوجة بالشدة واللوم، قال: ما أسمعش حسك! انت بالذات ما اسمعش حسك، إنت حسابك معايا بعدين! أربع شهور ونص يا مكي، سايب اللي حاول يقتل أخوك زي ما بتقول، عايش مبسوط وفرحان فيا!! إنت ما طلعتش قد وعدك زمان، أخوات وظهر بالكذب.
مكي، بحزن، زم شفتيه وقال بصوت هادئ: الله يسامحك، أنا مش هازعل لأنني عارف إن عصبيتك عمياك، مش واعي للي بتقوله. عموماً، تخرج من المستشفى وتبقى كويس، وهندور سوا.
سليم، برفض شديد، قال وهو ينظر إليهم بعزم: أنا اللي هادور لوحدي، مش عايز حاجة من حد، لإنها طلعت أخوة وأبوة بالكذب.
وفي وسط كل ذلك، كانت ماسة تقف أمامه، تمنعه من النهوض بكل قوتها. أمسكت به من كتفيه بكل ما لديها من عزم.
نظر لها سليم بعصبية وضيق، وبصوت مختنق: “يووووو يا ماسة، أوعي بقى، ما تخنقنيش.”
لدفعها عنه بقوه، دون وعي وقعت أرضا حاول التوقف لكنه لم يتحمل الألم الذي شعر به في قدمه، فوقع على الفراش وهو يتأوه بقوة من الألم: “ااااااه.
ساعده عزت وعشري مسرعا على الاعتدال، قال عزت بشدة: أقعد بقى، إنت حتى مش قادر توقف على رجلك! كفاية بقى يا سليم، حرام عليك نفسك.
بينما ساعدت سلوى ماسة على التوقف وهي تنظر لسليم بحزن على حالته تلك.
نظر سليم لعزت بعينين متسعتين، نظرة مرعبة، ووضع أصابعه على شفتيه، وعينيه مملوءة بالدموع التي غلفت قلبه من القهر: هشششش، ماتقولش كده تاني. أنا مش تعبان، فاهم؟ أنا مش تعبان، وها أقدر أقف على رجلي.
سعدية، بحنو واضح، قالت: يابني، صلي على النبي، بالراحة! إنت لسه قايم من رقدة طويلة، ليه كل ده؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
سلوى بعقلانية: يا سليم انت لازم تهدى انت لو هديت شويه، صدقني في حاجات كتير هتتغير بالراحه.
فايزة، بتوتر، قالت: حد يكلم الدكتور يجي يديله مهدئ، يمكن يعقل شوية.
ماسة، بصوت متعب يحمل نبرة استسلام مشوبة بالقلق: “كفاية يا سليم، كفاية أرجوك. كل ده ليه؟ مش مستاهلة والله! قولتلك لما حالتك تتحسن هانسيبك تعمل اللي عايزه، خلاص بقى، كفاية.”
نظر سليم لهم جميعاً، عينيه تحكي ما لا يريد أن يصرح به، يرى في نظراتهم الشفقة عليه، وهذا ما يزيده غضباً. شعور الضعف والانهزام يتسلل إلى قلبه، يدرك أنهم على حق، لكنه يرفض أن يقر بذلك. سليم يكره المرض أو أن يكون مصدر شفقة. لم يكن غضبه فقط لأن والده ومكي لم يعثرا على الجاني، بل لأن جسده يخونه، صعوبة التحدث، رعشة يده، كلها تزيد شعوره بالعجز وقلة الحيلة.
سليم، بنكران شديد ونبرة حادة: “أنا كويس، وهاقدر أجيب حقي. وهاخرج من هنا، وماحدش يتدخل، فاهمين؟ مكي، نادي على الدكتور خليه يديني مسكن علشان أخرج.”
ماسة، بعناد وإصرار، عينيها متسعة وهزت رأسها بلا: “مش هاتخرج.”
سليم، بنبرة حاسمة ركز عينيه في عينيها: “هاخرج، هاخرج يا ماسة وماحدش هايمنعني، حتى إنتي.”
ماسة، وهي تجز على أسنانها بغضب متصاعد: “مش هاتخرج بقولك، وهتقعد، وهتاخد العلاج، وكل حاجة الدكتور قالك عليها هتعملها من سكات، فاهم يا سليم؟”
سليم، بعصبية وانفعال: “لا مش فاهم! ومش واخد علاج! وهاخرج يعني هاخرج.”
ماسة، بعناد أكبر ونبرة متحدية: “هتقعد وهتاخد العلاج.”
سليم، بغضب يفيض: “ما تعصبنيش عليكي! قولتلك مليون مرة لما أبقى كده قولي حاضر وبس.”
رفعت ماسة عينيها بضيق وابتعدت عنه قليلاً. توقفت أمامه، وفتحت ذراعيها بثبات وقالت: “اتعصب، واغضب، واضرب كمان لو عايز، مش مهم! بس مش هتخرج. والله العظيم ما هتروح في أي مكان، فاهم؟”
سليم، بدهشة عصبية، قلب وجهه عنها قائلاً: “أنا مش فاهم! أنا بتناقش معاكوا في إيه من الصبح! أنا هاعرف أخرج إزاي من هنا بطريقتي. أنا مش مستني إذن منكم أصلاً.”
مكي، بغضب فقد صبره أخيراً، صرخ فيه: مش هتخرج يا سليم! وإنت عارف مكي كويس. ولو إنت مجنون، أنا ماعنديش عقل من الأساس. ووريني هتخرج إزاي!
عشري بحزم: ما حدش هيخرجك من هنا يا سليم، مش هتخرج غير لما الدكتور يقول إنك جاهز.”
مكي بعصبية وصوت مرتفع: اغضب وثور وكسر الدنيا، والله العظيم ما هتخرج من باب الأوضة حتى! فاهم؟ مش هتتحرك خطوة لبره قبل ما حالتك تبقى كويسة.
سليم بنبرة حادة تحمل نرفزة مكتومة: هو إنتم ليه مش قادرين تصدقوا إني كويس؟ ومقتنعين إني لسه تعبان؟ طب أنا بقى مش هاخد العلاج علشان أأكد لكم إني كويس! إنتم مش شايفين إن كلامي اتحسن إزاي وبعد نص ساعة بس!
ماسة، بثبات وهي تنظر له مباشرة في عينيه، وبصوت يحمل وجع المواجهة: لا، إنت مش كويس، بطل تكذب على نفسك بقى وتكابر.
سليم، بعناد وتصعيد في نبرته: أنا كويس، ومفيش فيا حاجة!
ماسة، بحزن متصاعد ونبرة تقطر وجعًا وهي تهز رأسها برفض: لا، إنت مش كويس، ومش قادر حتى تقف على رجلك، وتعبان، ولازم تاخد العلاج.
سليم، بغضب مكتوم، يتحدث من بين أسنانه، محاولًا إنكار الحقيقة القاسية: أنا كويس! أوعي تقولي مش كويس تاني. سليم بخير وقادر يقف على رجله، ومش واخد علاج! ولا هاقعد على كرسي متحرك، واللي عندكم أعملوه. إنتم جبتوا آخري!
توقف لثوانٍ، ثم عاد بعصبية أكبر وهو يرفع صوته فجأة: بعدين فين حور؟! أنا هافضل أتحايل عليكي علشان تجيبيلي بنتي أشوفها؟! روحي هاتيها يا ماسة، علشان ما أفقدش أعصابي أكتر من كده!
فايزة، وقد غمرت وجهها الحيرة بين التمسك بتهدئته أو مواجهة الحقيقة: “حور؟ حور نايمة يا سليم، ومتأكدة إنها لو شافتك بالشكل ده، هتخاف عليك أكتر. خليها تهدى، وإنت كمان تهدى.
سليم، وقد بدا على ملامحه خليط من الغضب والانكسار: حتى بنتي مش عايزين تسيبوها تيجي عندي؟ أنا أبوها، ليه بتحرموني منها؟!
عزت، وهو يحاول أن يكتم دموعه، بصوت حازم لكنه يفيض وجعًا: إحنا مش بنحرمك من حاجة، إحنا بنحاول نحميك… حتى لو من نفسك. بس إنت لازم تتفهم ده يا سليم، مش كل حاجة عافية.”
سليم، وهو يمرر نظراته الحادة على الجميع، تملؤها الشكوك والغضب: إنتوا مخبيين حاجة عليا… أنا عارف، شايف ده في عيونكم! أنا مش مستني حد يبررلي حاجة. أنا هشوف بنتي… نايمة ولا مش نايمة، مش مهم. أنا هشوف بنتي دلوقتي حالاً.
كان الجميع ينظر إليه بصمت، لا يعرفون كيف يتصرفون. دموعهم تترقرق في أعينهم، عاجزين عن تهدئة تلك العاصفة الهوجاء التي اجتاحت الغرفة. فسليم، كالأسد المذبوح، أنينه وصراخ قلبه كانا يخرجان بين كلماته الغاضبة وعصبيته. لم يعرفوا كيف يواجهونه بالحقيقة: أن ابنته التي كان ينتظرها منذ سنوات قد فارقت الحياة قبل أن تولد.
الموقف كان في غاية الصعوبة عليهم جميعًا. أما حالة ماسة، فلم تكن بعيدة عن حالهم، بل كانت أكثر ألمًا. فهذا حبيبها وتوأم روحها يقف أمام عينيها في هذه الحالة الضعيفة، وهي لا تعرف كيف تواسيه. الأفكار كانت تضرب في عقلها كالعواصف؛ هل تقول له الحقيقة أم تصمت؟
أخذت ماسة نفسًا عميقًا وهي تغمض عينيها وتجز على أسنانها، تحاول السيطرة على غضبها منه الذي أصبح خارجًا عن السيطرة تمامًا ولا سبيل لإخماد نيرانه. يبدو أنها اختارت مواجهته بكل شيء لتخمد تلك العاصفة الهوجاء التي تضربهما. فهي تعرف سليم وعنده جيدًا، وعندما يقول شيئًا يفعله. حاولت تمثيل القوة والثبات، فتحت عينيها واقتربت منه ونظرت له بقوة كاذبة وهي تحدق داخل عينيه. بهدوء قاتل، حاولت مسك دموعها وانفطار قلبها:
ماسة بنبرة باردة كاذبه: حور ماتت يا سليم، وإنت عارف إنها ماتت. نظرة عينك وأنا بقولك كانت بتقول لي: (إنتي كذابة يا ماسة). عمال تسأل عليها ليه كل شوية؟ عايز تسمعها؟ حاضر، هاسمّعها لك! آه يا سليم، حور ماتت، وماعرفتش هي شبهي ولا شبهك! دفنوها قبل ما ألمحها… ارتحت؟!”
بحسم وضيق أكملت بقوة:
إنت مش هتخرج من هنا، وهتفضل قاعد، وهتسمع كلام الدكتور، وهتمشي على الأدوية والعلاج الطبيعي، و هتقعد على الكرسي المتحرك، فاهم؟ وكبرياء سليم ده لازم يموت.
نظرت له باستغراب وهي تعقد حاجبيها، ثم أكملت:
“بعدين عايز تخرج تحارب مين؟ تحارب مجهول؟ وإنت ضعيف؟ مش قادر حتى تقف على رجلك؟ بعدين اللي إنت عمال تزعق فيهم وتتهمهم دول حاولوا يعملوا كل اللي يقدروا عليه بس ماعرفوش، مكي ده أغمى عليه مرتين من كتر التعب والاجهاد وعدم النوم رايح جاي، ماشفش أمه بقاله أسابيع قاعد جنبك! عشري محضرش ولاده مراته عشان كان قاعد معاك، حتى عزت باشا ساب كل حاجة وفضل جنبك وبيدور على اللي تسبب إنه يخلي ابنه بين الحياة والموت، بس ماقدروش يوصلوا لحاجة. تفتكر هما مبسوطين وهما كده؟ كانوا بيتقطعوا ألف مرة. أنا اللي عشت معاهم، أنا اللي شوفت بعيني وجعهم وكسرتهم، وهما شايفينك كده ومش عارفين ينتقموا لك! إنت بقى الجلالة واخداك أوي وعايز تخرج وإنت بالشكل ده؟ مش قادر حتى تقف على رجلك؟ ولا قادر تتكلم؟ وإيدك بترتعش؟ عايز تموت بدل ما تنتقم وتجيب حقك وإنت قوي؟ عايز ترجع لي ميت؟!
بدأت دموعها تخونها وتنهمر على وجنتيها بارتجاف وقهر:
إنت بتعمل كده ليه؟ بجد بتعمل كده ليه؟ عايز تحرقلي قلبي ليه؟ بتتفنن في اللي بيوجع قلبي وعايز تعمله ليه؟! أنا مقدرة حجم وجعك وعذابك وقهرتك، لإن اللي عمل فيك كده عايش فرحان ومنتصر. بس أنا قلتلك: تعالج وابقى كويس، وساعتها اخرج وهات حقك. أنا كمان عايزاك تروح وتجيب حق بنتي وتنتقم من اللي حرق لي قلبي عليها! إنت مش هتحب حور أكتر مني يا سليم! دي عاشت جوايا شهور، وفي الآخر انحرمت منها! أنا قلبي محروق، بس لازم أصبر. وإنت كمان لازم تصبر
علشان تعرف تكسب المعركة..
اخذت نفاسها بعقلانية حاولت إقناعه:
إنت قلت لي قبل كده: اللي دايمًا متعصب وحزين… خسران. وإنت هتخسر لإنك متعصب وحزين وبتنكر مرضك. إنت ضعيف دلوقتي، بس بكرة هتبقى أقوى. ضعفك ده مش عيب، نكرانك ليه هو اللي عيب، ليه مش عايز تصبر؟! إنت لازم تسمع وتصدق وتفوق،
ماتهربش من الحقيقة بإنك لسة تعبان، بس تعبك ده مؤقت. أسابيع، حتى لو وصلت لشهور، بس هترجع أقوى، لكن لو روحت وإنت كده، هترجع لي في تابوت، وهتحرق لي قلبي عليك! وأنا مش هقدر أتحمل ده ارجوك كفاية كفاية
سمحت دموعها صمتت لوهلة، ثم قالت بشدة:
هو اللي كاشفنا يا سليم. هو اللي مسيطر. هو اللي قاعد بيتفرج علينا. إحنا لسة ما نعرفش هو مين. هو سابقنا بخطوات. فلازم تبقى قوي يا سليم علشان تقدر تتجاوز وتعدي الخطوات دي.
مسحت وجهها وأضافت بحزم: وعلى فكرة بقى، إنت لسة عندك رصاصة في ظهرك، والرصاصة دي هي السبب في وجع رجلك وإيدك.
فور نطق ماسة بتلك الكلمة، اتسعت عينا سليم التي كانت تملؤها دموع الألم والحسرة. كان يستمع لها بصمت، ثم قاطعها بصدمة وبنبرة مكتومة:إنتي بتقولي إيه؟
ماسة بتمثيل القوة وبمواجهة:
بقولك الحقيقة، إنت لسة عندك رصاصة في ظهرك، وعملتلك مشكلة في رجلك وإيدك، وفي الخلفة كمان، وممكن تموت في أي لحظة بسببها لو ماعقلتش وبطلت عصبيتك. أنا مش هأخدعك، إنت لازم تعرف الحقيقة.
عادت بشعرها للخلف بضعف ووجع ودموع، استرسلت:
سليم، كفاية. أنا مش هأقدر أعيد كل الوجع ده تاني. أقسم بالله ما هأقدر. أنا بقالي أربع شهور و18يوم مابنمش 4 ساعات على بعض، أربع شهور و18يوم عايشة في عذاب، أربع شهور و18 قلبي بيوجعني، أربع شهور و18يوم بموت…
وضعت يدها على وجهها وهي تقول بإتساع عينيها:
إنت فاكر ده شكل وشي بجد؟! ده مكياج، ده مش حقيقي…
بدأت تمسح وجهها بجنون، وهي في حالة من الهستيريا، وعينيها غارقتين بالدموع. تدمر مكياجها على وجهها، وترك الكحل أثره، وشفتاها ترتجفان وهي تتحدث بوجع. قالت بصوت يكاد يختنق من الألم، وكل كلمة تخرج منها كأنها طعنة لروحها: ‘عصف قبلها:
شايف تحت عيني؟ شايف وشي؟ شايف اللي حصلي؟ (وبكت بمرارة) “هي دي الحقيقة. أنا عشت أربع شهور و١٨ يوم، روحي بتتحرق ومش قادرة أخد نفسي. عذاب ما أقدرش أوصفه بكلام. عذاب مالوش اسم ولا شكل… وإنت جاي بكل أنانية، عايزني أعيش كل ده تاني! علشان مش قادر تصبر شوية وتتحكم في غضبك وكبرياءك؟! موتني أحسن. أعمل اللي عايزه يا سليم، بس قبلها موتني وماتعيشنيش الوجع ده تاني. حرام عليك…
مسحت دموعها وجلست على قدميها، مسكت يده بتوسل وهي تبكي وتقبل يده قائله:
علشان خاطري يا سليم، ماتعملش فيا كده! ماتحرقش قلبي عليك، مش هأقدر، والله ما هأقدر…
قبلته من يده مرة أخرى:
وحياتي عندك وحياة حور، ماتعملش كده، ماتمشيش من المستشفى، خد العلاج. وحياتي ابوس إيدك…
قبلته مرة أخرى بتوسل:
أصبر شوية واتحسن، وأعمل اللي إنت عايزه، مش هأقولك لا، والله ما هأقولك لا. إنت حالتك مش صعبة، بس محتاجة شوية صبر منك.
قبلته مرة أخرى عددت مرات من يده بتوسل أكبر:
علشان خاطري.
رفعت عينيها نظرت داخل عينه مسحت دموعها وقالت بتهديد:
أقسم بالله يا سليم، لو ماخدتش العلاج وسمعت الكلام، هازعل منك، ومش هأكلمك تاني، وهامشي، ومش هاتعرفلي طريق. مش هاسامحك في حياتي، مش هاسامحك على وجعي، بالرغم إني قولتلك عليه وعملته ومافكرتش فيا. أنا أهو بقولك: يا أنا، يا قعدتك في المستشفى وتاخد العلاج وتقعد على كرسي ، يا إما مفيش ماسة، براحتك بقى، اختار ووريني، بتحبني ولا بتحب سليم أكتر؟
نظرت داخل عينيه بصمت لثوانٍ وسليم ينظر لها بصمت غريب، يستمع لها بعينين تترقرقان بالدموع والقهر والوجع. عيناه كانت تقول كل شيء يشعر به داخله، فلا كلمات تصف ما يشعر به من أنين وقهر الآن…
أكملت ماسة بضعف، فهي تحاول بشتى الطرق إقناعه. كانت تخاف أن يهرب بدون علمهم.
ماسة بحب: أنا عارفة إنك بتحبني، وهتسمع الكلام صح، ياسليم؟ وحياتي عندك. ده أنا ما صدقت تقوم بالسلامة. سليم، أمانة عليك، ما توجعنيش أرجوك. لو بتحبني، اسمعني لمرة واحدة، واتأكد إن روحي مربوطة بكلمة منك.
قبلته من يده ووضعت رأسها عليها.
كان يستمع لها سليم بصمت، دون رد، بوجع يفتك بقلبه، وكأن كل كلمة تتسرب إلى أعماقه كخنجر غادر.
كان يتمنى لو لم يستيقظ من الغيبوبة، كي لا ينصدم بالواقع الأليم ولا يستمع لتلك الكلمات. شعور الألم والمرارة كان يتسرب في جسده، وكان قلبه ينفطر تدريجيًا بسبب ما مرت به وما شعرت به من أوجاع بسببه، وما زاد من أوجاعه هو ما حدث لإبنته، التي كانا ينتظرانها بفارغ الصبر، ماتت دون أن يراها. كان يشعر بأن كل شيء انهار من حوله، وتلك الحقائق التي استمع إليها أكبر من أن يتحملها. كانت تراوده مشاعر غريبة، كأن جسده أصبح مكبلًا بحبال نارية تُشعل كل جزء فيه، وهو عالق في شارع مظلم، مخيف، يصرخ بأعلى صوته ولا أحد يستمع له! وعندما استطاع الهروب، وجد نفسه يقف على حافة نهر مليء بالأسماك المفترسة، وفي خلفه مجموعة من الضباع المتوحشة تقترب منه، وكل خطوة يخطوها تزيد من شعوره بالاختناق. وعندما نظر أسفله، وجد نفسه يقف على زجاج مكسور ينغرز في قدمه بلا رحمة، وهو واقف مكتوف الأيدي، مشلول الأنفاس، قهره يزداد وكأن قلبه في قبضة الموت، لا يعرف ماذا يفعل.
فأصبحت العودة مميتة، والتقدم مميتًا، والتوقف أكثر موتًا.
بينما كان الجميع يستمع بصمت، وعينهم تترقرق بالدموع، كانت العيون مليئة بالأسئلة، لا يعرفون ماذا يفعلون الآن. فهم يعرفون سليم جيدًا، وكل تلك الحقائق التي استمع إليها لن يستطيع تحملها. كما قلنا سابقًا، هو يكره أن يرى نفسه مهزومًا، ضعيفًا، حزينًا. وتلك العاصفة التي ستخرج منه بعد معرفته بكل ذلك، قد تدمر كل شيء في طريقها. لكنه ظل صامتًا، وصمته هذا كان أكثر رعبًا لهم… وبعد دقائق، قال.
سليم بنبرة مكتومة، موجوع: أنا عايز أبقى لوحدي.
رفعت ماسة رأسها ببطء التي كانت تسندها عليه، وما زالت تمسك يده بإستغراب، عيونها مليئة بالتساؤلات والقلق.
عزت بتردد: بس ياسليم…
قاطعه سليم بشدة، وكأن الكلمات تخرج بصعوبة: مش إنتم عايزيني آخد العلاج وأقعد في المستشفى وأستنى. حاضر، هنفذ لكم إللي إنتم عايزينه…
نظر لماسة، وعينيه مليئة بالألم، وكأن كل كلمة يخرج بها تزيد من ثقل قلبه أضاف:
مش هأختار، سليم يا ماسة… هأختارك إنتي، علشان أنا كمان ما أقدرش أتحمل وجعك… بس أنا عايز أكون لوحدي، ممكن؟
هز الجميع رؤوسهم بالموافقة وبدأوا بالخروج، لكن ظلت ماسة جالسة أمامه، تمسك بيده، كأنها لا تستطيع تركه، وكأن يده هي آخر ما تبقى لها من أمل.
رفع سليم عينيه نحوها، وقال بنبرة مكتومة، موجوعة: وإنتي كمان يا ماسة، أخرجي.
رفعت ماسة رأسها ببطء، ونظرت له بضعف ووجع، عيونها مليئة بالدموع، وكأنها لا تصدق ما سمعته. أشارت على نفسها بعدم تصديق: حتى أنا يا سليم?!
هز سليم رأسه بإيجاب، وهو لا ينظر إليها، كأن نظرته ستضعفه أكثر: حتى إنتي يا ماسة.
نظرت له ماسة بوجع، وكأن الكلمات تخترق قلبها، مسحت دموعها وقالت بصوت منخفض: حاضر…
نهضت ببطء، ونظرت له، وكأنها تقاوم بحرقة أن تتركه وحده في هذا الوقت الصعب:
ها أعملك إللي إنت عايزه، المهم راحتك..
ثم قبلته من أعلى رأسه، وهمست:
أنا برة علشان لو احتجت لحاجة… حمد لله على سلامتك يا روح قلبي، شكراً إنك اخترتني.
توجهت إلى الباب بخطوات بطيئة، وأفكارها مضطربة، تتأرجح بين قبول تركه يهدأ وبين رفض فكرة تركه بمفرده، فهو الآن في أشد الأوقات ضعفًا. لابد أن تكون بجانبه، حتى إذا طلب منها تركه، كما أنها تشتاق له حد الجنون. شوقها له كان يذيب قلبها وروحها، وعندما عاد إليها، عاد معها الأمل، واختفى ذلك الضجيج الذي كان يعصف بقلبها. هي أخيرًا وجدت ملجأها ومسكنها وأمانها.
فهي تحتاج إليه، تحتاج لضمته وحنانه، تريد أن يشفيا معًا من كل الوجع والقهر والجروح التي تنهش داخلهما.
تقدمت بخطوات بطيئة نحو الباب، وضعت يدها على المقبض، وعينيها لا تفارق سليم، ففتحته.
كانت عينا سليم عليها، مليئة بالحزن والألم، وبهمس شديد، قال: طول عمري باختارك يا ماسة.
ثم مسح دموعه بأصابعه، بحزن عميق يفتك به، وكأن كل دمعة هي علامة على الألم الذي يعصف به.
ولكن فجأة، أغلقت ماسة الباب بسرعة واستدارت بدموع ووجع يفتك بها، وهزت رأسها برفض، كأنها لا تستطيع أن تقبل تلك الفكرة.
ماسة برفض: مش هقدر، مش هعرف أسيبك كده! مش هاينفع أسيبك لوحدك وإنت كده، لازم أكون جنبك، حتى لو هاتصرخ فيا وتضربني وتثور عليا، مش مهم. أعمل اللي إنت عايزه، فرغ طاقة الوجع والغضب اللي جواك فيا، وأنا هاتحمل، ومش ها أفتح بوقي والله. بس ما تطلبش مني أسيبك لوحدك. إزاي بتطلب مني أسيب روحي وقلبي وراحتي وأماني وأخرج؟ والله ما هاينفع يا سليم! أطلب أي حاجة إلا دي. أنا ما صدقت إنك فتحت عينك ورجعت لي، ورجعت لي روحي، وقدرت أخد نفسي. والوجع اللي كان ساكن في قلبي أخيرًا خف بمجرد ما فوقت وشفتك. سليم، أنا كنت ميتة بقالي أربع شهور، روحي ما رجعتش إلا لما رجعت لي… أخيرًا عرفت أخد نفسي لما فتحت عينك وشوفتك بتتكلم قدامي. مش هقدر يا سليم أخرج وأسيبك. نفسي هايروح تاني، والنار هترجع تحرق قلبي واتوجع، خليني قاعدة معاك ومش هتكلم والله، بس أفضل شيفاك وأملي عيني من شوفتك قصادي، صاحي وقاعد. أرجوك، اطلب أي حاجة تانية إلا إني أسيبك. سليم، إنت وحشتني أوي أوي… هو أنا ما وحشتكش، يا سليم؟ قطعة السكر ما وحشتكش؟ مش عايز تشوفها؟”
نظر لها سليم بوجع يعصف قلبه، وعينيه مليئة بالدموع، وإشتياقها يلامس كيانه: وحشتيني يا ماسة، وحشتيني أوي. أنا كمان جوايا نار قايدة بتحرق فيا… بس أنا محتاج أبقى لوحدي. مش عايز أزعلك مني. اللي أنا سمعته صعب، محتاج استوعبه… أستوعب إن بنتي ماتت، وإني بقيت عاجز، والوجع اللي سببتهولك في بعدي. أنا مش قادر ولا عايز أتكلم، سبيني لوحدي يا ماسة، أرجوكي، مش إنتي عايزة راحتي؟ سبيني.
اقتربت ماسة منه وجلست على قدميها أمامه، وأمسكت بيده، تحدثت بعشق ممزوج بوجع يعصف بقلبها ودموع تتساقط بغزارة:
ما أنا راحتك يا سليم، راحتك في وجودي جنبك، مش وإنت لوحدك. بتقول محتاج تكون لوحدك؟ طب ما أنت فعلاً لوحدك!! هو مش إحنا الأتنين واحد؟ وأنا نفسك؟ ومرايتك؟ مش كنت بتقول لي لما بتبص في المرايا بتشوف ملامحي أنا مش أنت؟ علشان سليم وماسة حاجة واحدة، مش اتنين!!! قلب واحد، وروح واحدة! عايز تبعد عن روحك وقلبك! عن نفسك!!! إزاي عايز تتوجع لوحدك من غيري؟! أنا مستحيل أسمح أو أوافق إنك تقسمنا ونبقى اتنين مش واحد! فاكر ده؟
رفعت معصمها وأطلعته على الوشم المرسوم على معصمها بنصف قلب، أكملت بعشق:
القلب بقيته أهو.
عدلت معصمه ووضعته بجانب معصمها لكي يكملا القلب، ثم قالت بعشق بإبتسامة بأنين خنق صوتها: شايف أهو قلب واحد، نبض واحد، طول ما القلب ده هنا هنفضل واحد زي ما وعدنا بعض، وما فيش حاجة هاتفرقنا، هانفضل مربوطين ببعض لحد آخر نفس، أنا حتى لو خرجت برة هافضل هنا..
وضعت يدها على قلبه، قالت: لإني هنا عايشة وساكنة، ماسة جزء من سليم وسليم جزء من ماسة.
مسحت دموعها وتنهدت بألم، أكملت بعقلانية:
سليم، أنا عارفة إن كل اللي مريت بيه وسمعته صعب، فوق التحمل، ومحتاج تستوعبه. بس إحنا لازم نكون مع بعض، ونشارك بعض لأنه نفس الوجع، والقهر، وجعنا واحد يا سليم على فراق حور، وعلى اللي حصلك وإللي حصلي. زي ما بنشارك بعض كل حاجة حلوة، لازم نشارك بعض كل حاجة مرة. شاركني وجعك، قاسمني وجعك وهمك، ماتتوجعش لوحدك، ولو هاتبعد عن العالم كله وعايز تتوه، تعالى نتوه مع بعض، ونبعد مع بعض. أنا محتاجة ليك، أنا ما صدقت إنك صحيت، صدقني أنا موجوعة قد وجعك، بس الفرق اللي بينا إني كنت با اتمنى تفوق علشان نشارك بعض الوجع ده ونطبطب على بعض، مش نبعد عن بعض! علشان إحنا اللي هانداوي جروح بعض. لو كل واحد بقى لوحده، وجعنا مش هيتداوى يا سليم، وهايفضل عايش يقتل فينا كل ثانية. يمكن الوجع محفور جوة قلوبنا، وهاياخد وقت، بس مادام أنا وإنت مع بعض هانقوى عليه وهنهزمه يا سليم، وهانعديه.
رفع سليم عينه لها بإنكسار وقهر ممزوج بإستغراب، قاطعها: هانعديه؟!
هزت ماسة رأسها بيقين بإبتسامة أمل: أيوة هانعديه يا سليم، طول ما إحنا سوا هانعدي كل حاجة، إحنا أقوياء ببعض، وطول ما إحنا ماسكين بايد بعض هانعدي أي حاجة مهما كانت.
سليم بإستغراب ووجع يفتك به: هانعدي إيه بالظبط! موت بنتنا؟ ولا الرصاصة؟ ولا عجزي ولا الخلفة؟ ولا إن اللي عمل فينا كده ولسه عايش؟ ماسة، أرجوكي كفاية تكذبي على نفسك.
ماسة بإبتسامة مشرقة بالتفاؤل: أنا مش باكذب على نفسي، أنا واثقة إن كل ده هانعديه يا سليم. بس إنت ثق فيا، وثق في الله، بعدين اللي أنا قولته كله حاجات بسيطة، يعني مش زي ما فهمت خالص، أنا بس كنت با استفزك علشان تسمع الكلام وتهدى. بس إنت مافيكش حاجة والله، إنت زي الفل، والدكتور هايقولك بنفسه. حرام اللي عامله في نفسك ده ياحبيبي. فين سليم القوي اللي كنت باخد شجاعتي وقوتي منه؟
سليم بوجع ودموع بضعف: أنا مابحبش أشوف نفسي مريض وعاجز، ومحتاج لحد.
ماسة بعقلانية: وأنا قولتهالك كتير، ماحدش بيحب يشوف نفسه مريض، بس أنا جنبك ومعاك، وهنعدي كل ده سوا. أنا مش حد، أنا مراتك حبيبتك ماسة يا سليم.
سليم بإتساع عينه بوجع ودموع: ماسة، المرة دي مش برد ولا معدتي تعباني، ولا واقع من على حصان وجعلي ظهري، إنتي قولتيلي حاجات بأحاول أستوعبها، موضوع الكرسي المتحرك ده بالأخص، وإيدي اللي بتترعش، مموتاني، لاني عارف بعد الكرسي ده همسك عكاز دي حاجه انا مستحيل اتقبلها، حتى طريقة كلامي اللي يمكن اتحسنت شوية عن ما فقت، بس برضو، أنا مارجعتش سليم. المرض ده وحش وحش أوي، بيخلى الإنسان ضعيف وبيذل، أنا مابحبش أبقى ضعيف، خلينا نمشي، لو عايزة تفضلي معايا وأسيبك جنبي، خلينا نمشي يا ماسة، علشان خاطري، خلينا نكمل العلاج في بيتنا سوا، مش هنا.
ماسة بعقلانية تمسح على خده بحب: أنا فهماك، بس المرض ده حاجة طبيعية بتحصل لكل البشر، عدوك ده نفسه بيمرض. وقولتلك إللي عندك هيخف، محتاج وقت، إنت بس أجمد وخد العلاج بانتظام عشان تخف بأسرع وقت، بعدين هاتخرج والله هاتخرج. مستعجل ليه؟ يومين كمان بس اتحمل علشاني. لازم تفضل تحت ملاحظة الدكتور. دول أربع شهور ٢٢ يوم غيبوبة يا حبيب قلبي.
تنفخ سليم بأختناق وأشاح بوجهه عنها، فهي لم تفهمه.
فـاهمة ليس ما حدث له فقط! بل لأنه لا يريد أن يرى أحد ضعفه غيرها، وبتواجده في تلك المشفى، سيجعل الجميع يرى سليم ضعيفاً عاجزاً جلسا على مقعد متحرك وبيد ترتعش، وأيضاً يشاهدون ذلك الحزن والانكسار الذي يخيم على وجهه وعينيه بشدة. فلأول مرة يخفق سليم في إخفاء مشاعره وحزنه، حتى برغم إظهاره العصبية والغضب لكي يخفي كل هذا! لكنه مكشوف بشدة. ومن أجل هذا كان يريد أن يهرب بعيداً ويخرج من المشفى.
ابتلعت ماسة ريقها ومدت يدها وضعتها على وجهه لكي ينظر لها، وقالت برجاء ممزوج بوجع: أنا عارفة إني با اتقل عليك وبخنقك، وبا أطلب حاجات تعملها فوق استطاعك، بس وحياتي عندك، بلاش وحياتي وحياة أغلى حاجة عندك تصبر ٣ أيام بس.
نظر لها سليم بعينيه بحب وضعف: أنا ماعنديش أغلى منك يا ماسة. أنا لو سكت ووافقت، فده علشانك إنتي وبس…
ابتلع تلك الغصة التي تشكلت في حلقه بوجع واستسلام، وبعينين اغرورقت بالدموع قال وهو يهز رأسه بإيجاب:
حاضر يا ماسة، هاقعد ٣ أيام، ٣ أيام وبس، وأرجوكي ماتعمليش فيا كده تاني، ماتوجعنيش بحبي ليكي وضعفي ناحيتك،ما تستغليش اني بحبك ومش هقدر ارفض لك طلب، ما توجعنيش بحبي ليكي.
هزت ماسة رأسها بإيجاب بدموع وقهر: والله ٣ أيام وبس.
بكت بوجع يفتك روحها ورمت نفسها بين أحضانه التي تشتاق لها، تريد أن تدفن نفسها بداخله لعل ألمها يزول، أحاط سليم بذراعه حول ظهرها بأكف مرتعشة بإشتياق وبأنفاس متسارعة بشدة، أخذ يشد بأصابعه على ظهرها فهو كان يحتاج لتلك الضمة منذ استيقاظه واستماعه لكل تلك الأخبار السيئة، لعله ينجو من أنين قلبه الذي فتك به.
حضنا بعضهما بقوة وشوق وبأنفاس متسارعة وبجسدين يهتزان من فرط الاشتياق والوجع. أخذوا يبكيان بحرقة، يريد كلا منهما إطفاء تلك النيران التي تشتعل بداخلهما وظلا لدقائق على هذا الوضع. فتحت ماسة عينيها، يبدو أنها روت ظمأها قليلاً. أخذت تمسح على ظهره بحنان لتربت على قلبه المتعب، وضعت قبلة رقيقة على حنايا رقبته، ابتعدت قليلاً ونظرت لوجهه المبلل من كثرة الدموع وعينيه المحمرة. لم تكن هي بحال أفضل منه. كانا يشعران بنفس الوجع والألم والقهر.
ماسة بنبرة مكتومة وهي تمسح دموعها بأحد كفيها، والكف الآخر كانت تمسح على كتف سليم بإهتمام: إيه رأيك ترتاح دلوقتي وتريح ضهرك شوية؟
سليم بعشق: طول ما كنتي في حضني كنت مرتاح، أنا بارتحش وبأنسى ألمي ووجعي غير جوة حضنك يا ماسة.
ماسة بعشق بنبرة متعبة بعينين اغرورقت بالدموع: وأنا كمان يا سليم، أنا مش قادرة أقول لك أنا كنت محتاجة الحضن ده إزاي!! من أول ما فتحت عينيا وأنا كنت با أنادي عليك، عايزة أجري على حضنك وأستخبى جواك وتقول لي كل حاجة هاتبقى كويسة، كل حاجة هاتعدي، إحنا مع بعض…
أرتسمت على شفتيها ابتسامة رقيقة تنهدت، وقامت بمسح دموعها التي هبطت على وجنتيها وهي تقول: حبيبي إنت لازم ترتاح دلوقتي، إنت تعبت نفسك أوي النهاردة. على الأقل افرد ظهرك كده علشان ماتتعبش.
هز سليم رأسه بإيجاب، نهضت ماسة وقامت بمساعدته لكي يتسطح بعد ان مسحت دموعه،
بعد الانتهاء استدارت ماسة وهي تبحث بعينيها على مقعد. وقبل أن تتحرك، أمسكها سليم من كف يديها.
سليم بنبرة عاشقة: رايحة فين؟
ماسة بتوضيح: مش هاروح في حتة، هاجيب بس كرسي أقعد عليه.
أزاح سليم جسده قليلاً وهو يقول بشوق: تعالي نامي جنبي…
نظرت له بعينيها بمعنى إزاي؟ رد سليم على تلك النظرة قائلاً بشوق:
محتاج أنام جوة حضنك، ومحتاج كمان أخدك جوايا. وحشتيني.
تبسمت ماسة وهزت رأسها بإيجاب، خلعت حذائها وقامت بالاستلقاء بجانبه. وضعت رأسها على صدره، وقام سليم بإحاطة ذراعيه عليها. كان أحد ذراعيه أسفل رقبتها والآخر على أعلى صدرها، وهي أيضا أحاطت خصره بذراعها. وضع سليم قبلة رقيقة على جبينها بحب، ووضعت هي قبلة على خده.
ماسة وهي تمرر أصابع يديها على صدره قالت: مش تعبان؟
سليم: أنا ها أتعب لو إنتي بعدتي عني.
ماسة بحنان وعشق: مستحيل أبعد، أنا ماصدقت إنك رجعت ليا.
سليم بنبرة متعبة وعين تترقرق بالدموع تساءل: ماسة، هو إنتي بجد ماشوفتيش حور؟
هزت ماسة رأسها بإيجاب بنبرة مقهورة: تؤ، دفنوها قبل ما أشوفها، يعني خافوا يحصلي حاجة لو شفتها كده. بس لما عرفت إنها ماتت ومالحقتش أشوفها، جالي انهيار عصبي. فضلوا ثلاث أيام بينيموني، ولما صحيت عرفت إللي حصلك. عرفت إني لازم أكون قوية علشان أبقى جنبك…
رفعت عينيها له بحب، وأضافت: سليم بلاش نتكلم في أي حاجة ممكن تزعلنا أو توجعنا.
سليم بإعتذار ممزوج بحب: أنا آسف يا ماسة، عارف إني زودتها بس كان غصب عني، ماعرفتش أسيطر على غضبي.
ماسة بإستغراب: أنا أصلاً مش عارفة إنت إيه إللي حصلك! إنت ماديتناش فرصة نتكلم معاك ونفهمك، كنت متعصب أوي… أمال فين بقى سليم الجامد إللي مابيديش مبرر ولا بيتكلم كتير، ونظرة عينه مرعبة؟
تبسم سليم وهو يقول بمزاح لطيف: إنتي نسيتي إني ازدواجي الشخصية ده إنتي إللي مطلعة عليا الإشاعة دي.
نظرت له ماسة مازحة وهي تضحك وقالت معلقة: ازدواجي الشخصية بس؟ قول خماسي الشخصية، عشاري الشخصية ههههه… أنا كل مدي باكتشف فيك شخصية جديدة. بس الشخصية إللي ماسكة الشفت المرة دي بصراحة مستفزة ومحتاجة قلمين. يلا مضطرة اتحملك علشان مريض وبحبك وجوزي برضو… روح قلبي يا كراملتي.
قرصها سليم من أنفها بمداعبة وهو يقول بمزاح بابتسامة جذابة ترتسم على شفتيه بعشق: وحشتيني، ووحشني هزارك وكلامك ولماضتك يا قطعة السكر. وكلك على بعضك وحشتيني أوي يا ماستي الحلوة.
شد على كتفها بذراعه أكثر، وضع قبلة طويلة على جانب جبينها، وظلا هكذا ينظران في أعين بعضهما بعشق وشوق دون حديث، فلا داعي للكلمات. فالعين قالت كل شيء يشعران به من عشق وشوق وأنين، كأنهما يشتكيان لبعضهما عن كم العذاب الذي يشعران به… فالعين من أعمق الأشياء التي تشرح كل شيء بصدق.
بعد وقت، ذهبا في سبات عميق. ماسة كانت تتوق بشدة لتنام نوماً عميقاً بدون تفكير أو تعب وهي مرتاحة، وذلك الضجيج الذي كان بداخلها يتلاشى، فهي لا تجد راحتها إلا بين أضلعه. وهو كذلك كان يريد أن يرتمي بأحضانها كي تخف ألامه.
بعد وقت، شعر من بالخارج بغيابهما، فدخلت فايزة لكي تطمئن عليهما. فوجدت ماسة وسليم نائمين في أحضان بعض، ومقيدين بعض بشدة، كأنهما خائفان أن يترك أحدهما الآخر. فمنظرهما هذا يؤكد على مدى عشقهما وتعلقهما ببعض، وأن كلا منهما لا يستطيع أن يعيش بدون الآخر. فهما لبعض كالماء والهواء، فهما شريان الحياة لبعضهما.
جزت فايزة على أسنانها بضيق حين شاهدتهما هكذا. فماسة الوحيدة التي استطاعت أن تهزم ثورته وجنونه…
توجهت للخارج بغيظ.
في الاستراحة:
عزت متعجباً: خير يا فايزة؟
فايزة بضيق: نايمين. نايم في حضنها زي البيبي الصغير اللي نايم على صدر مامته. لو قامت من جنبه يصرخ… منظر يتعب النفس.
عزت: طب كويس. ربنا يهديه.
ثم نظر لمكي وأضاف: نبه على عشري، ماحدش يدخل عليهم حتى الدكاترة والممرضين إلا بعد ما يخبطوا ويأذن لهم بالدخول.
مكي: أكيد يا باشا، كنت هاعمل كده، بس أنا موجود مش ها أمشي.
عزت: لا. أنا عايزك تجمعلي كل حاجة كنا وصلنا ليها. كل المعلومات حتى لو تافهة. خلينا نركز تاني يمكن نلاقي أي ثغرة نقدر نمشي وراها. وكلم برضو اسماعيل. هز مكي رأسه بإيجاب.
أكمل عزت حديثه لسعدية: سعدية، روحي إنتي وبنتك وتعالي بكرة. إحنا كمان هنمشي، مالهاش لازمة وجودنا هنا. هو دلوقتي مش محتاج غير ماسة، هي الوحيدة اللي هاتقدر تسيطر عليه.
سعدية بنفي: لا، أنا هاقعد مع البت.
سلوى: وأنا كمان.
سعدية: لا، روحي إنتي علشان تقولي لأبوكي وإخواتك. ولو هاتيجي، جيبي غيار أو حاجة لسليم.
سلوى: ماشي.
مكي: تعالي أوصلك في طريقي.
سلوى: ماشي.
سيارة مكي – 7 م
نشاهد مكي يقود السيارة وكان بجانبه سلوى، وعلى وجهيهما ترتسم السعادة.
سلوى بابتسامة جميلة: وشك رجع نور تاني، أول مرة أشوفك مبسوط كده من وقت الحادثة.
تبسم مكي بجاذبية: وإنتي كمان وشك نور.
سلوى: مبسوطة علشان سليم فاق. كان صعبان عليا أوي. كمان أنا بحب سليم جدًا من أيام البلد، وعلشان ماسة حبيبتي ترتاح. والله كنت بسمع وجعها عليه، الحمد لله إنه فاق.”( أكملت بتعجب): “بس صاحبك ده طلع مجنون على الآخر! إيه ده؟ الصراحة رد فعله فاجئني، مش سليم اللي أعرفه.
مكي باستغراب وهو يعقد حاجبيه: إنتي أول مرة تشوفي سليم متعصب؟ ده تقريبا بقاله اكتر من ٦ سنين متجوز ماسة.
سلوى بتوضيح: أمممم، أصلك مش فاهم. سليم لما كان بيجي عندنا ماكنش بيقعد كتير. هما ٦ سنين آه، بس في ال ٦ سنين دول لما كان بيقعد معانا يبقى لطيف اوي، حتى في الفترة اللي أنا كنت ببات فيها عند ماسة بالاخص لما كانت حامل قعدت عندها حوالي ثلاث شهور، كان رقيق جدًا وعاقل. تحسه شخصية هو أصلاً كارزمتك من زمان. فتحس إنه ما يطلعش منه إللي حصل. مش مسألة عصبية لإن طبيعي كلنا بنتعصب، بس عارف، صعب عليا أوي ما قدرتش أتضايق من طريقته. كان نفسي أطبطب عليه وأقوله معلش. لدرجة أنا كنت عايزة أقول لماسة أحضنيه يمكن يهدى. الصراحة اللي حصل له صعب أوي.
مكي بتوضيح: بصي، سليم مش شخصية انفعالية بطبعه. بالعكس، عنده ثبات انفعالي. هو هادي بس لو اتعصب بيبقى فتاك، قطر يدوس على أي حاجة تيجي قدامه. وإللي عمله النهاردة ده رد فعل كان متوقع منه، بس إللي فاجئني ضعفه! سليم ما بيحبش يسيب حقه. بيبقى عاقل وهو بياخد قرار الانتقام. يعني سليم إللي أعرفه لو صحي من الغيبوبة وعارف إللي عرفه، هايتعصب لإننا ما جِبناش حقه بسرعة، تمام. بس مش هايكون بنفس الانفعال ده. هيبقى أهدى وأعقل. مش هايتكلم كتير ولا هايعمل كده. إللي أنا شفته ده مش شخص متعصب! شخص حزين، قلبه مكسور، وبيحاول يخبي ده بعصبيته وانفعاله.
سلوى بتأييد: أنا برده حسيت كده. ربنا يهون عليه الأيام الجاية، وعلى ماسة، هتبقى صعبة عليها تخرجه من إللي هو فيه. مع إنها هي كمان محتاجة حد يطبطب على وجعها ويخرجها من إللي هي فيه.
مكي: وإحنا لازمتنا إيه في حياتهم؟ إحنا لازم نكون جنبهم. هم محتاجيننا أوي دلوقتي.
سلوى بتأييد: ده أكيد
مكي نظر لها متسائلاً:وإنتي عندك حاجة بكرة؟
سلوى بتعجب: إشمعنا؟
مكي بحب وندم: محتاج أتكلم معاكي. اتأخرت كتير بس جه الوقت إللي لازم نتكلم فيه وفرحتنا تبقى اتنين.
سلوى عقد بين حاجبيها متعجبة: مش فاهمة تقصد إيه؟
مكي: بكرة هتفهمي.
كادت أن تنطق بالرفض، لكنه سبقها وقال بعقلانية: ماتقوليش كلام كل مرة عن حد يشوفنا وقراري القديم وغلط، سلوى أرجوكي، خلينا نتكلم. لو يا ستي ضايقتك أو ما عجبكيش كلامي، أمشي. ممكن…
نظرت له سلوى بإرتباك، وعينيها تتنقل بين نظراته التي تترجاها أن تقبل… لثوانٍي، ثم هزت رأسها بالإيجاب.
قصر الراوي الثامنة مساءً
الهول
نشاهد جميع عائلة الراوي يجلسون في الهول مستعدون لتناول وجبة العشاء ما عدا فريدة. بعد دقائق، اقتربت فريدة وهي تمسك بين يديها هاتفها وتغلقه، يبدو أنها كانت تتحدث به وكانت السعادة ترتسم على وجهها بشدة.
فريدة بنبرة سعيدة جدًا وفرحة تخرج من قلبها: سليم فاق.
نظر لها الجميع بأعينهم بإستغراب، إلا ياسين وهبة وإبراهيم الذين ارتسمت على شفتيهما ابتسامة سعيدة.
ياسين بسعادة: بتتكلمي جد؟
فريدة وهي تهز رأسها بنعم: أيوة، بابي لسة قافل معايا حالًا، (قلبت وجهها بحزن) بس مش هاينفع نروح نشوفه.
إبراهيم بإستغراب: ليه يا فريدة؟
فريدة بحزن: متعصب اوي بعد ما عرف إللي حصل له.
رشدي متعجباً: هو كمان عرف باللي حصل!
فريدة: أيوة، عرف كل حاجة.
رشدي بإبتسامة قال بصوت داخلي: أيوة كده أحلوت. وبكده اللعب هايبقى عالمي.
(نظر لهم وهو يقول) “إحنا كده لازم نعمل حفلة كبيرة اوي. الأمير الصغير وريث عرش الإمبراطورية رجع، ولا إيه يا صافي؟
تبسمت صافيناز بخبث، فهي تفهم ما يقوله جيدًا، وقالت: هي هاتبقى حفلة بعقل؟ دي هاتبقى أحلى حفلة، كل الناس لازم يتحاكو بيها.
تبادلت النظرات الخبيثة بين منى وعماد ورشدي وصافيناز، فهم يفهمون جيدًا على ماذا يتحدثون.
يا ريت محدش ينسى يضغط لايك وتساعده الروايه تنشهر وتوصل للكل اللايك اللي انت بتنساه او بتستخسره بياذيني جدا وشكرا لكل واحد بيحط لايك وبيكتب لي كلمه حلوه ورايه في الحلقه مش مجرد ملصق وخلاص اتمنى تكون عجبتكم تكتبوا لي ارائكم فيها وتفتكروا ايه اللي ممكن يحصل في اللي جاي
استوووووب
- يتبع الفصل التالي اضغط على (الماسة المكسورة) اسم الرواية
التعليقات