الفتاة_التى_حلمت_ان_تكون_ذئبة
٩
لم يرد رعد فورًا، لم يكن أحمق ليسلّم بشروط لم يفهمها، كان بإمكانه الإحساس باللعبة التي تُلعب هنا—الساحرة لم تكن تطلب مجرد دم، بل شيئًا أعمق. شيئًا قد يغيره إلى الأبد.
جود الذئبة الصغيرة همست بخوف: “يا سيدي… لا تفعل.”
لكن رعد لم يتحرك،حدّق في عيني الساحرة، يبحث فيهما عن أي إشارة… أي دليل على ما تخطط له.
“ما الذي سيحدث لي إن أعطيتك دمي؟” سأل أخيرًا.
ابتسمت الساحرة، وكأنها كانت تنتظر هذا السؤال بالذات. “ستُفتح عيناك.”
“ماذا يعني ذلك؟”
رفعت إصبعها، وأشارت إلى قلبه. “الدم ليس مجرد حياة… إنه ذاكرة، إنه قوة، دمك يحمل إرثًا أقدم منك، وأقدم من أبيك، إن أعطيتني جزءًا منه، ستتذكر… وستعرف ما حاولوا إخفاءه عنك”
ستتذكر رفيقتك لكنها لن تعيش معك ستتذكر والدك والأخرين
حتى لو كان الثمن لحظه واحده فأنه مستعد ان يدفع الثمن
ان أطول الجراح شفاء على الأطلاق هى جراح الحب والفقدان
سنبهر إلى مدى قد يبقى الحب فى قلب انسان
ورغم ان رعد لم يكن من النوع الذي يصدق القصص بسهولة، لكنه شعر أن كلماتها لم تكن مجرد تهديدات غامضة. شيء داخله… شيء لم يكن واعيًا له من قبل، بدأ يتحرك.
“وإن رفضت؟”
الكيان المظلم هو من أجاب هذه المرة، صوته كان أشبه برياح تعصف في سرداب مغلق: “ستظل عالقًا في الظلام. هي ستبقى لي، وأنت… ستبقى جاهلاً، تمامًا كما يريدونك أن تكون.”
ضاقت عينا رعد.
“من هم؟”
الساحرة ابتسمت، لكنها لم تجب.
نظر إلى كارا ، التي ما زالت تحدق إلى الفراغ، نصفها في هذا العالم، ونصفها في عالم آخر، تستحق روحها ان تنال حريتها
لم يكن أمامه خيار اخر
مدّ يده، وقام بجرح راحة يده بأنيابه، الدم انساب منها ببطء، وقطر إلى الأرض،لكنه لم يسقط في الفراغ—بل تحرك.
كأن الكهف نفسه امتصه.
وفجأة…
أظلم كل شيء.
عندما فتح رعد عينيه، لم يكن في الكهف.
كان في مكان آخر.
أرض من الظلام، سماء بدون نجوم. من حوله، لم يكن هناك شيء… إلا شخص واحد.
رجل.
كان يشبهه.
لكنه لم يكن هو.
“أخيرًا، أتيت.” قال الرجل بصوت يشبه صوته تمامًا.
رعد لم يرد لم يكن يعرف ماذا يقول.
لكن الرجل الآخر ابتسم، ورفع يده.
“حان الوقت لتعرف الحقيقة.”
ثم… رأى رعد كل شيء
لم يكن ما رآه مجرد رؤى… بل كان ذاكرة، كأنها ليست له، لكنها كانت محفورة في دمه.
رأى نفسه واقفًا في غابة قديمة، لكن الأشجار لم تكن مألوفة كانت أطول، أضخم، كأنها من عصر لم يعشه البشر، الهواء كان مشحونًا بطاقة غريبة، ورائحة الأرض كانت مختلفة—أقرب إلى العطر القديم منه إلى التراب.
أمامه، وقف الرجل الذي يشبهه تمامًا، عيناه تلمعان بشيء لا يمكن تفسيره.
“ما هذا؟” سأل رعد، لكن صوته لم يكن مسموعًا كأن المكان لا يعترف بكلماته.
الرجل الآخر رفع يده، وأشار إلى الخلف. رعد استدار—
ورأى الحرب.
ذئاب ضخمة، ليست كأي ذئاب عرفها، كانت أعينها متوهجة، وكأنها تحمل أسرار النجوم في داخلها كانوا يتقاتلون ضد شيء لم يستطع رعد فهمه بالكامل،ظلال متحركة، كائنات لم تكن بشرية ولا وحوشًا، بل كانت شيئًا بينهما.
وفي قلب تلك الحرب، وقف رجل… ليس أي رجل.
كان والده.
لكن والده لم يكن كما يتذكره كان مغطى بالجروح، ووجهه يعكس شيئًا لم يره رعد فيه من قبل—الخوف.
الساحرة كانت هناك أيضًا، لكنها لم تكن مشوهة كما رآها في الكهف،كانت واقفة في منتصف ساحة المعركة، عيناها ممتلئتان بغضب ناري.
ثم… تغير المشهد.
كان والده يقف فوق الساحرة، يده تقبض على خنجر أسود، مسنن كأنه قطعة من الليل نفسه.
“لا يمكنك قتلي.” قالت الساحرة، بصوت لم يكن خوفًا، بل يقينًا.
“لن أقتلك.” قال والده بصوت بارد.
ثم، فعل شيئًا لم يتوقعه رعد—
طعن الخنجر في الأرض.
انفجرت موجة من الطاقة، والساحرة صرخت، لكن لم تكن صرخة موت… بل صرخة اختفاء.
كأنها تم محوها، كأنها لم تكن هنا من الأساس.
المشهد بدأ يتلاشى، والرجل الذي يشبه رعد اقترب منه، وهمس في أذنه:
“لقد أخطأ.”
امغض رغد عينيه وهناك رأها، كانت كارا تفتح يديها بعد أن عاد وجهها لصفائه تفتح يديها اليه
ركض رعد كل ما يرغب به حضن واحد، حضن اخر من حبيبته كان رعد يركض بسرعه خارقه اقترب من حبيبته
فتح ذراعيه
ثم شعر رعد بأن روحه تُسحب إلى الوراء، إلى جسده، إلى الكهف…
وفجأة، وجد نفسه واقفًا في مكانه، والدم لا يزال يقطر من يده
ارتج الكهف وراحت صخوره تنفجر، صرخت جود سيدى ؟
الفا علينا الرحيل
سيدى انها تتلاعب بك لا تسمح لها بالانتقام
ثم صرخت جود رعد “*
كان صوتها مثل عاصفة برق ضربت رأسه، طار جسده وسقط على الأرض بعيد عن الكهف وخلفه جود
ارتطم جسد رعد بالأرض بقوة، زحفت الحصى والتراب من حوله بفعل السقوط العنيف، لكنه لم يشعر بالألم… كان لا يزال هناك، في المكان الذي رأى فيه كارا، في اللحظة التي كاد يلمسها فيها.
لكنها لم تكن حقيقة.
لم تكن سوى وهم صنعته الساحرة، خدعة أخرى في لعبتها القديمة.
جود كانت بجانبه، أنفاسها متقطعة، نظرتها قلقة وهي تحدق في الكهف الذي بدأ ينهار، صخور ضخمة تتدحرج، وسحابة من الغبار ترتفع في الهواء.
“يجب أن نرحل الآن!” صرخت.
لكن رعد لم يتحرك.
كانت عيناه لا تزالان معلقتين بالكهف، بقايا السحر تتلاشى في الهواء، كلماته الأخيرة تتردد في رأسه—”لقد أخطأ.”
كان يعلم الآن أن والده لم يقتل الساحرة، بل حبسها، وأنه، بطريقة ما، أطلق سراحها.
لكن لماذا لم تهاجمه؟ لماذا لم تأخذ انتقامها فورًا؟
نظر إلى يده، حيث لا يزال الدم الطازج يقطر.
ثم فهم.
إنها ليست بحاجة إلى قتله.
لقد تركته حيًا… كي يرى ما سيحدث بعد ذلك.
◇◇◇
جود كانت صامتة معظم الطريق، وهو لم يسألها عن السبب، كان هناك شيء في نظرتها، في الطريقة التي كانت تحدق بها إلى الغابة كما لو أنها تراها لأول مرة، جعله يدرك أنها رأت شيئًا في الكهف لم تخبره به.
لكنه لم يكن بحاجة إلى أن يسأل.
كان يعرف أن الإجابة ستأتي… عاجلًا أم آجلًا.
وحين ظهرت معالم أرض المهجرين أمامهم، أدرك أن الإجابة قد تكون هنا.
كانت هذه الأرض مختلفة عن أي مكان آخر في المملكة.
لا تنتمي إلى أي قطيع، ولا يحكمها أي ألفا كانت موطنًا للذئاب التي نبذها الآخرون، أولئك الذين فقدوا منازلهم، أو عائلاتهم، أو أنفسهم في الحروب والصراعات.
الذئاب التي لم يكن لها مكان في العالم.
عندما عبر رعد وجود الحدود غير المعلنة لأرض المهجرين، شعر رعد لأول مرة بمدى عزلة هذا المكان عن بقية العالم.
لم تكن الغابة هنا مثل الغابات التي عرفها، لم تكن كثيفة ولا نابضة بالحياة، بل كانت أشجارها طويلة متفرقة، جذوعها متشققة كأنها شهدت قرونًا من العواصف ولم تسقط، أوراقها رمادية مائلة إلى الفضة، تتمايل بصمت تحت رياح باردة لا تحمل معها رائحة الحياة، بل رائحة الذكريات المنسية.
الأرض كانت متشققة، لكن ليس جافة، بل أشبه بأرض غُمرت بالمطر ثم تُركت لتمتصه حتى صار جزءًا من نسيجها، كل خطوة على التراب كانت أشبه بالسير فوق ماضٍ مدفون.
في الأفق، لم تكن هناك قرى أو منازل، بل أنقاض صامتة، هياكل حجرية متآكلة، رموز قديمة محفورة على جدران نصف منهارة، وكأن هذه الأرض لم تكن مجرد ملجأ للذئاب المنفية… بل كانت شاهدة على زمن لم يعد موجودًا.
وهنا، في هذه الأرض المنسية، يختبئ الرجل الذي تبحث عنه باتريكا.
لكن هل هو هنا بإرادته… أم أنه مجرد شبح آخر من أشباح هذا المكان؟
◇◇◇
لم يكن ظهور الذئب الأول مفاجئًا، بل كان كما لو أنه كان ينتظرهم منذ البداية.
ظهر من بين الضباب الرمادي الذي يغطي جزءًا من الأرض، طويلًا، هزيلًا لكن بطريقة مضللة—جسده لم يكن ضعيفًا، بل كأنه تجرد من كل شيء غير ضروري، حتى لم يبقَ فيه سوى العظام والعضلات المصنوعة للبقاء.
فراؤه كان خليطًا من الأسود والرمادي، خشنًا في بعض الأجزاء وكأنه لم يعرف الراحة لسنوات. لكن أكثر ما ميزه كانت عيناه…
عينا لم تكن تحمل أي تعبير، لا خوف، لا عداء، ولا حتى ترحيب، مجرد نظرة فارغة، كأن صاحبها رأى أكثر مما ينبغي، وعرف أكثر مما يجب، حتى فقد الاهتمام بأي شيء آخر.
“لم يأتِ أحد إلى هنا منذ زمن طويل.” قال بصوت خشن، كأنه نسي كيف يستخدم الكلمات.
رعد لم يرد فورًا.
لكنه شعر أن هذا الذئب، رغم صمته، قد يكون أول مفتاح في رحلته داخل أرض المهجرين
التعليقات