رواية الماسة المكسورة الفصل الرابع و الخمسون 54 – بقلم ليلة عادل
[ بعنوان: أنت دوائي ]
في أحد النوادي الكبيرة، 6 مساءً
أرض الجولف
نشاهد عماد يرتدي ملابس رياضية ويلعب الجولف، ليقترب منه رشدي وهو يقود إحدى عربات الجولف. وحين اقترب، هبط منها وتقدم نحوه مسرعًا، بوجه عابس ممزوج بالتوتر والخوف.
رشدي بضجر: قاعد هنا بتلعب ولا كأن في حاجة بتحصل؟
رفع عماد رأسه إليه بعدم اكتراث، ثم ضرب الكرة بابتسامة باردة، معلقًا بتساؤل ممزوج بالانزعاج: هو في إيه يا رشدي؟ من ساعة ما سليم فاق من الغيبوبة وإنت عامل لنا دوشة!
رشدي باستفزاز وغضب: أنا اللي مش فاهم إيه البرود اللي إنت فيه ده!
نظر إليه عماد بتعجب وقال بوتيرة باردة: أنا مش فاهم إيه كل القلق والتوتر اللي إنت فيه ده؟
رشدي بحدة: عشان إنت ما تعرفش اللي بيحصل! الباشا هيدور تاني على اللي عمل في سليم كده، بس المرة دي هيخبط على كل شقة ويسأل اللي فيها إذا كانوا شافوا حاجة.
تبسم عماد وهو يقول: يدور؟ دي حاجة طبيعية وكانت متوقعة، إحنا كمان هنخبط وندور قبله.
اقترب رشدي منه وجهًا لوجه، قائلًا بتهديد: مش هقول لك تاني، يا عماد… أنا لو وقعت، مش هقع لوحدي!
اقترب عماد منه أكثر، مركزًا النظر في عينيه، ثم قال بقوة وهو يضغط على كلماته: وأنا قلت لك إني عارف إنك مش هتستنى حتى القلم ينزل على خدك… وهتعترف بكل حاجة! إحنا كمان بنأمن على نفسنا، عشان عارفين قد إيه إنت ندل وما بتفكرش غير في نفسك.
تبسّم رشدي وهز رأسه بتأكيد: بالضبط… خليك بقى فاكر موضوع الندالة ده كويس وما تنسهوش… ها؟ هتعمل إيه؟
عماد وهو يضرب الكرة بثقة: هتصرف، ما تقلقش… هو قاعد مع مكي وإسماعيل؟
رشدي: اممم… كان مجتمع معاهم في المجموعة.
عماد: يبقى إحنا لازم نبدأ نتحرك من دلوقتي.
رشدي بقلق: مش عارف ليه حاسس إن الموضوع ده مش هيعدي على خير، خصوصًا العصابة اللي عملوا في سليم كده… ما تنساش إننا لحد اللحظة دي ما نعرفهمش، حتى الباشا موصلش لحاجة.
نظر له عماد بحيرة، ثم قام بضرب الكرة بالعصا وقال: الموضوع ده وراه سر كبير…
نظر لرشدي وأكمل: يمكن سليم عنده أعداء وبينتقموا منه!
مد رشدي وجهه بعدم معرفة.
تابع عماد قائلًا: يخرج ونتجمع ونوصل لحل.
رشدي بحقارة وتمني: ياريته مات.
عماد باعتراض: موته مش في صالحنا، إنت اتهورت لما عملت كده، نعرف الأول بيعرف يجيب المقابر إزاي ومين بيساعده، بعدين تتخلص منه. لازم نعرف أسرار الشغل الأول، خليك ذكي وصبور، المهم دلوقتي خلينا نتحرك ونخلص من موضوع الشهاد ده.
أخرج عماد هاتفه من جيبه وأجرى مكالمة بنبرة عملية وقال: ألو، عايزك في خدمة زي اللي فاتت، النهارده تبقى خلصانة. هبعت لك التفاصيل، سلام.
نظر إليه رشدي بتوجس وسأله: مين ده؟
عماد رد ببرود: مش مهم تعرف، المهم إن موضوع الحادثة ما ينفعش يوصلوا فيه لأي معلومه، لأن لو وصلوا لأي خيط، معناها رقبتنا كلنا في خطر.
رشدي بحزم: بكده حتى لو وصلوا لأي خيط يوصلهم للعصابة، لازم نقطعوا.
عماد بنبرة واثقة: مضطرين يا رشروش.
رشدي بلامبالاة: مش فارق لي، المهم رقبتي.
تبسّم عماد بمكر ثعلب، ثم قام بضرب الكرة التي استقرت في مكانها
_____بقلمي ليلة عادل_____
خلال يومين
نشاهد مكي وإسماعيل ورجالهم يبحثون عن أي أدلة توصلهم للفاعل الحقيقي وراء الحادثة. ينتشرون في شارع الحادثة، يسألون المارة، البوابين، أصحاب المحلات التجارية والبقالة، ويدخلون العمارات، يطرقون أبواب المنازل، يسألون السكان إن كان أحدهم قد رأى شيئًا، لكن دون جدوى.
في المقابل، نشاهد رجالًا آخرين، يبدو أنهم تابعون لعماد، يفعلون الشيء نفسه، لكن بحذر شديد حتى لا ينتبه إليهم رجال إسماعيل ومكي.
وعلى جانب آخر، نشاهد سليم يخضع لجلسات علاج طبيعي على قدمه ويده، ونرى مدى استجابته للعلاج، بينما تسانده ماسة التي لم تفارقه لحظة واحدة. ورغم عصبيته وغضبه السريع على أبسط الأشياء، كانت تتحمل كل شيء بحب وصدر رحب وابتسامة جميلة.
في إحدى الشقق السكنية،3 مساءً
نشاهد أحد الشباب (يبدو أنه من رجال عماد) يرتدي بدلة سوداء، يطرق على باب منزل أحدهم. بعد قليل، يفتح له رجل عجوز في أواخر الستينات من عمره.
الشاب بتهذيب: مساء الخير.
العجوز: مساء النور، أي خدمة؟
الشاب بتهذب: ممكن آخد من وقت حضرتك دقائق؟
نظر العجوز له باستغراب، ثم قال بفطنة: إنت من اللي بيسألوا عن الحادثة اللي حصلت من فترة؟
هز الشاب رأسه بإيجاب.
أكمل العجوز وهو يشير بيده للداخل: اتفضل يا بني.
تحرك العجوز والشاب خلفه، وهو يقول: أنا كنت مستنيكم والله، كنت عايز أبلغ الشرطة، بس ابني قال لي بلاش مالناش دعوة. بعدين تعبت ودخلت المستشفى وخرجت من شهر…
التفت له بجسده وأكمل:
أنا شوفت واحد وهو بيتكلم في التليفون وبيبلغ عن الحادثة. أصلي كنت قاعد جوه مع أبو الوليد الله يرحمه صاحب الكشك اللي مات، بس اللي خلاني أشك فيه المسدس اللي كان حاطه في جنبه.
ركز الشاب النظر في ملامحه وقال: تقدر توصفه؟
العجوز: أطلعه من وسط ألف. هو طويل، شعره أسود، شكله حلو وأسمراني شوية.
أخرج الشاب هاتفه من جيبه، أخذ يبحث في استوديو الصور، وأخرج صورة لرشدي، ثم أطلعها على العجوز قائلاً: هو ده؟
العجوز بتأييد: أيوة هو ده.
الشاب: كنا شاكين فيه، مش قادر أقولك إنت سهلت علينا كتير، الباشا مش هينسالك ده. حد تاني عرف حاجة عن الموضوع ده؟
العجوز: ابني بس.
الشاب: هو فين؟
العجوز: نايم جوه.
الشاب: تمام. حد تاني عايش معاك يا حج؟
العجوز: أنا وابني ومراتي ماتت من سنين.
الشاب: بلاش تتكلم مع حد في الموضوع ده تاني، إنساه خالص. ممكن أدخل الحمام؟
العجوز: اتفضل يا بني.
دخل الشاب المرحاض، توقف أمام الحوض، فتح المياه وأجرى مكالمة: باشا، في راجل عجوز اتعرف على رشدي باشا…
أتاه صوت من الاتجاه الآخر: اتخلص منه.
الشاب: تمام.
أغلق الهاتف وأطفأ المياه، ثم فتح باب المرحاض بهدوء. رفع عينيه تجاه الصالة فوجد العجوز جالسًا على المقعد. تحرك مسرعًا نحو المطبخ وفتح أنبوبة الغاز. وقع نظره على كيس بلاستيك، فالتقطه وتحرك به نحو العجوز، قادمًا من خلفه. توقف للحظة، ثم ألبس الكيس على رأسه وبدأ في خنقه. حاول العجوز التخلص منه ومقاومته، لكن دون جدوى. بعد دقائق، توقفت أنفاسه.
استفاق ابن العجوز، شاب في أوائل الثلاثينات، على صوت مقاومة الأب. نظر في الذهول لما يحدث، اتسعت عيناه، وحاول الركض، لكنه لمحه الشاب وركض خلفه. لحق به، ثم كتم أنفاسه من الخلف، فوقع جثة هامدة على الفور. تحرك الشاب نحو الباب وخرج سريعًا إلى الخارج.
وأثناء وقوفه أمام المصعد منتظرًا صعوده، أجرى مكالمة: خلاص يا باشا، هشوف لو في حاجة في الكاميرات ندور تاني ولا خلاص… تمام، أمرك.
دخل المصعد، أغلق الهاتف، ثم خرج إلى طابق آخر. طرق الباب بابتسامة مهذبة، ففتح له أحدهم وقال:
أهلاً، ممكن آخد من وقت حضرتك دقائق؟!
على اتجاه آخر، قصر الراوي، المكتب، 4 مساءً.
نشاهد رشدي وعماد يجلسان معًا يحتسيان القهوة والسجائر، بينما عماد يقوم بغلق هاتفه.
رشدي بقلق تحدث بين أسنانه: أنا ازاي ماشفتوش!
وضع عماد هاتفه على المكتب وقال: المهم خلاص خلصنا منه، هما لسه بيدوروا. كويس إننا وصلنا ليه قبل ما مكي وإسماعيل يوصلوله والناس بتوعي هيخلصوا موضوع الطب الشرعي.
رشدي وهو يمسح على وجهه بقلق: أنا قلقان.
عماد بهدوء: مينفعش تقلق عشان القلق ده هيشككهم فيك. لو كان في حاجة كان ظهرت. دول يجي خمس شهور والباشا بجلالة قدره حاول وطلب من ناس في المافيا يساعدوه وما وصلش. احنا سابقينهم بخطوات مش بخطوة. اهدى إنت.
نظر له رشدي وتنهد وهو يمسح على فمه.
رشدي: الجثث دي مش هتتشرح.
عماد: أنا مظبط كل حاجة. متقلقش.
في المشفى الساعة 4 مساءً.
نشاهد سليم يجلس على الأريكة وماسة تجلس على طاولة أمامه، وتمسك بين يديها طبقًا من الحساء وتطعمه بابتسامة جميلة.
ماسة وهي تقدم له المعلقة: يلا دي كمان.
سليم وهو يتناولها: كفاية بقى.
ماسة بعناد: لا الدكتور قال تاكل الكمية دي كلها، يلا إنت بقيت عنيد بشكل مستفز.
سليم بلطف ورجاء: طب ارتاح شوية، تعبت. وضع قبلة على يدها… خمس دقائق بس ونكمل عشان خاطري.
ابتسمت ماسة له: ماشي يا قلبي. وضعت الصحن بجانبها.
سليم باهتمام: ها، يلا بقى. أنا النهارده مستعد أسمعك ومركز كويس.
ماسة بلطف: أنا حاسة إن الدوا هو اللي بيخليك مش مركز.
سليم بتأكيد: فعلاً، وجلسات العلاج الطبيعي كمان بترهقني. تعالي جنبي يا عشقي واحكي لي يا ماستي الحلوة كل إللي حصل خلال الأربع شهور و١٨ يوم دول.
نهضت ماسة وجلست بجانبه في زاويته، واستدار سليم بجسده في زاويتها وهو يمد بذراعيه على الأريكة خلف ظهرها. نظر لها باهتمام لكي يستمع لها بتركيز وانتباه.
ماسة تنهدت بتفكير: نبدأ منين؟
سليم: باهتمام احكي لي من أول ما فتحتي عينيكي بعد الحادثة.
ارتسمت على شفتي ماسة إبتسامة صغيرة قالت بقهر:
بص، هو حصل حاجات كتير أوي في الأربع شهور ونص. أول ثلاث أيام، جالي انهيار عصبي بعد ما عرفت اللي حصل لحور. ما تحملتش، بالأخص إنهم دفنوها من غير ما أعرف ملامحها. كانوا بيضطروا ينيموني بالمهدئات…
تجمعت دموع الألم في مقلتيها وقالت بشجن ونبرة حزينة، ووجع خنق صوتها:
بعدين، في حاجة جوايا قالتلي لازم تبقي قوية. ماينفعش إللي انتي فيه ده، كنت محتاجة أفهم وقتها وأشوفك فين؟ لأني مكنتش عارفة طريقك، ساعتها عرفت اللي حصلك، كنت هنهار تاني، بس مسكت نفسي وقولت لنفسي: سليم محتاجني قوية. سليم محتاجلك يا ماسة، أوعي تخذليه. أخيراً جه الوقت عشان تبرهني حبك ليه، وتردي لو جزء بسيط من كل حاجة حلوة عملها عشانك. أوعي تنهاري.
تحاول تمسك نفسها، شفايفها ترتعش قليلاً، عيونها مغرقة في الدموع لكن تبتسم بابتسامة ضعيفة من خلال الحزن:
“فضلت قاعدة جنبك مستنياك تصحى وتفتح عينك، مع إني كنت موجوعة جامد وكنت محتاجة لحضنك أوي، أوي. كنت محتاجة تطبطب على قلبي بكل حبك وحنانك يا سليم. بعد كل اللي حصل كنت عايزة أقوى بيك، وأتسند عليك، وأترمي في حضنك وأفضل أعيط، لحد ما يغمى عليا، وتخبيني جواك وتقول لي: متخافيش يا عشقي، أنا جنبك، مش هسيبك. كل حاجة هتبقى كويسة هنعدي من كل ده.
تتوقف عن الكلام لثوانٍ، تبتلع دمعها بصعوبة، وتستعيد نفسها قليلاً:
لكن للأسف مالقيتكش جنبي، وكان لازم أقوي نفسي بنفسي. مسحت دموعي وطبطبت على قلبي، ورممت وجع قلبي ورا ظهري اللي انكسر في انتظارك، كان إنتظار مميت، الساعة بتعدي كأنها يوم، واليوم كأنه شهر، ليل طويل حالك السواد، قاسي ما بينتهيش. نفسي مقطوعة، كأني بجري في أرض كلها إزاز، يغرس في رجليا، وماينفعش أقف ولا أرجع، لازم أكمل…
تأخذ نفساً عميقاً، عيونها مملوءة بالعزيمة رغم الألم الذي يظهر على ملامح وجهها:
فضلت كده شهرين، لحد ما جاتني فكرة إني أعيشك في أجواء كإنك موجود. شوفتها في فيلم، استأذنت الدكتور وسألته عن الحاجات اللي هاعملها. شغلت الموسيقى اللي إنت بتحبها، وقعدت أقرأ لك الكتب اللي إنت بتفضلها، ولبست الفساتين الحلوة اللي إنت بتحبها عليا. رشيت البرفان اللي بيميزني عندك، وفضلت قاعدة في نفس الوحدة، في نفس الضياع، باستناك تصحى. وإنت مابتصحاش.
لحظة صمت، تنخفض نبرة صوتها قليلاً، ثم ترفع عينيها لتلتقي بعينيه:
قلبي كل يوم انكساره بيزيد، بس عمري ما يئست ولا أحبطت. كان عندي إيمان ويقين في ربنا إنك هترجع، وفعلاً الحمد لله رجعت.
تبسمت بأمل، عيونها تتلألأ قليلاً وكأنها تخرج من ظلام طويل:
بس اهو أنت رجعت لي تاني ونورت حياتي اللي كانت كلها عتمة ووجع، عايشة فيهم شهور. وشدتني من الإزاز اللي كان غارز في كل حتة في جسمي، ورجعت أتنفس تاني من جديد. رجعت لي ضحكتي يا سليم، ولقيت بيك أنفاسي اللي كانت ضايعة من غيرك. شمسي اللي أشرقت من تاني بعد غيم طويل.
تقترب منه، تمسك يده بلطف وتقبلها، عيونها مليئة بالحنين، ثم تنظر إليه وتبتسم، محاولة أن تخفي دموعها وهي تمسحها:
ده كان الجانب اللي بيني وبينك… نكمل بقى.
نظرتها مليئة بالحب، وسلام داخلي، وكأنها تلتقط اللحظة بعد كل هذا الألم بحماس:
قاطعها سليم الذي كان ينظر إليها بعينين تنساب منهما الدموع ووجع يعصف بقلبه، لأنها عاشت تلك المعاناة والآلام والوحدة بسببه، وكم كانت تحتاج له لترتاح في أحضانه، لكنها لم تجده بجانبها. أمسك بكفيها وضمهما إلى قلبه قائلاً بوجع واعتذار:
أنا آسف يا قلب سليم، مكنش نفسي تعيشي كل ده أو تحسي بكل الألم والوحدة والانكسار ده، كان نفسي أكون جنبك وأخفف عنك أوجاعك وأكون الحضن اللي محتاجاه. أنا آسف يا ماسة.
تبسمت ماسة وهزت رأسها بنفي، ثم وضعت يدها الأخرى فوق يديه وقالت بحب: أنا مش بقولك كده عشان تزعل، أنا بحكيلك كل حاجة حسيتها. يمكن المفروض ما أقولكش عشان ما أزعلكش، بس أنا بحب أحكيلك كل حاجة بحس بيها حتى الحاجات اللي بخجل أقولها لنفسي. باقولها لك إنت يا كراملتي.
أخرجت أنفاساً ساخنة: الحمد لله إنك دلوقتي معايا.
أكملت بنبرة مرحة: أكملك بقى أهم جانب وتطورات ماستك الحلوة اللي هتزهل بسببها.
سليم بابتسامة: أنا عايز أزهل.
ماسة: بعد ثلاث شهور تقريباً، الباشا كان عايزني أمضي له على حاجات مهمة وطلب مني أعمل له توكيل. ساعتها رفضت زي ما إنت طلبت مني.
سليم بتوجس: حد عمل لك حاجة؟
نظرت ماسة إليه بتوتر، فهي لا تريد أن تخبره بما حدث معها، فقالت له بكذب: هما استغربوا إزاي أقول “لا” وإزاي إنك تطلب مني كده، وبعدين روحت الاجتماع وحضرته ومضيت على الأوراق. ده أنا قولت شوية أفكار عجبت الباشا ونفذها.
سليم: بجد…
هزت رأسها بإيجاب بابتسامة مشرقة… قرصها من خدها بمداعبة وأكمل: برافو يا ماستي الحلوة، أنا واثق إنها أفكار تجنن زي بتاعت شركة السياحة بتاعتنا. إيه هي بقى الأفكار؟ اتحفيني.
ماسة بتوضيح: كان في أرض كده كنتم عايزين تشتروها في الفيوم.
سليم بتعجب: ياااا، هما لسه ماخلصوش منها؟
ماسة تسرسلت: اممم، كانوا عايزين يطردوا الناس اللي عليها بالعافية. أنا رفضت، صعبوا عليا يا سليم، حرام. فقولت له يدي للناس فلوس، بس يكون مبلغ كبير، مش شوية الملاليم اللي كان عايز يديها لهم، أو يجيب لهم شقق تانية بدل بيوتهم، ويشغل عيالهم. ومع الشقة يديهم مبلغ صغير، ويجيب مذيعين ويتكلموا مع الناس دي ويقولوا قد إيه عزت الراوي قلبه حنين ورفض إنه يرمي الناس دي في الشارع، برغم إنه معاه الأوراق والأحقية اللي تخليه يرميهم، بس قلبه الحنين رفض يعمل كده لانه رحيم.
مرر سليم عينه عليها بانبهار: إنتي قولتي الفكرة دي؟
هزت رأسها بإيجاب وحماس. أكمل سليم:
حقيقي، الفكرة حلوة خصوصاً جزء الدعاية واستغلال الموقف لصالحنا، بس عزت الراوي مكنش عارف يعمل اللي قولتي عليه! إنه يعوض الناس، كان محتاج الفكرة! واللي معاه دول فين؟ أنا آسف، مقصدش إني أقلل منك أو من فكرتك، كل الحكاية إن فكرة التعويضات دي حاجة طبيعية لازم تكون أول خطوة تتنفذ.
هزت ماسة راسها بإيجاب: أنا فاهمك. وأنا نفسي عملت زيك كده، محستش إني قولت حاجة محصلتش، بس عرفت فعلاً إنهم عرضوا على الناس دي فلوس، بس عرضوا مبلغ صغير أوي، عشان كده الناس عندت. وطبعاً فايزة هانم ورشدي كانوا رافضين الناس دي تاخد فلوس أكتر. وكمان عرفت إن الباشا ما بيرفضش للهانم أي طلب، عشان كده كان رافض حوار التعويض.
سليم بتأكيد: دي حقيقة، بس كويس إنك عرفتي تتكلمي معاه وتقنعيه يعوضهم بمبلغ كبير ويجيب لهم شقق.
ماسة بارتباك: بس في حاجة تانية حصلت خلتني أضطر أقولهم إنك كتبت كل حاجة باسمي وإني الآمر الناهي في كل حاجة.
سليم بفضول: إيه هي؟
ماسة: المنجم بتاع الدهب وقع على عمال وماتوا، وأنا قفلته. ساعتها هما اتصدموا لأني عملت كده من غير ما أرجع لهم. وطبعاً لما جم سألوا إزاي عملتي كده وبأي حق، اضطريت أحكيلهم لأني عرفت من فريدة إن الباشا مصمم يفتحه تاني، حتى بعد ما الناس ماتت.
عدل سليم من جلسته ونظر لها باستغراب: يعني إنتي أخدتي قرار قفل المنجم من غير ما تعرفي الباشا؟
هزت ماسة رأسها بنعم بنوع من التوتر المبطن…
أكمل سليم بابتسامة:
يعني بعتيله الورقة يمضي عليها بحكم باقي نسبته بس؟
ماسة بتفسير: أعمل إيه؟ فريدة قالتلي إنها كلمته وهو مصمم، فحسيت إنه مالهوش لازمة خصوصاً إن في ناس ماتت. (بتوجس عبست بوجهها) هو المفروض كنت أتكلم معاه الأول!! هو صراحة معملش حاجة، غير انه أتصدم وخد قرار بيقفله بشكل مؤقت، مستني منك الكلمه الاخيرة لانه ما رضاش يمضي على الاوراق.
سليم بتشجيع: إنتي تعملي اللي إنتي عايزاه، أملاكك وإنتي حرة فيهم. أنا بس استغربت عشان أنا بس اللي بأقدر أعمل الحركة دي، فانتي بكده بقيتي شبه شخصيتي ودي حاجة حلوة. بس أنا عايزك تبقي مع كل الناس بشخصية سليم، لكن مع سليم هتبقي ماسة ماستي الحلوة، قطعة السكر حجي.
اقتربت ماسة منه وضمت خديه بكفيها وقالت بدلال يليق بها: أكيد طبعاً هفضل ماستك الحلوة ليك بس يا كراملتي. داعبت أنفها بأنفه وضمته.
بعد وقت
_المرحاض
خرج سليم من المرحاض وهو يحرك المقعد… كانت تقف ماسة في انتظاره أمام الباب. حين رأته اقتربت منه بابتسامة، التفت خلفه وقامت بدفع المقعد حتى الأريكة. أثناء ذلك قالت ماسة:
ماسة بابتسامة: حبيبي، إيه رأيك نتمشى شوية في الجنينة؟
رفع سليم عينه نحوها: مش لازم، ما إحنا خارجين بكرة.
التفتت ماسة وتوقفت أمامه وقالت بدلال يليق بها: ليه بس يا بونبوناية؟! إنت النهاردة أحسن… بص، الدكتور جابلك إيه؟
تحركت نحو خزانة الملابس وجلبت من جانبها عكازًا طبيًا وأمسكته، وعادت له بابتسامة مشرقة وهي تطلعه عليه وتلوح به بمرح. فور أن وقعت عينا سليم عليه، جز على أسنانه وعبس وجهه بشكل غريب وغير مفهوم! كأنه رأى شيئًا أزعجه بشدة.
عقد سليم بين حاجبيه وقال بنبرة غليظة: إيه ده؟
ماسة ببراءة أجابته: الدكتور جابه وإنت في التواليت، المفروض تتدرب عليه النهاردة لحد بكرة قبل ما تخرج، وقال لي ممكن تتمشوا في الطرقة أو في الجنينة. فأنا حبيت نتمشى في الجنينة، أحسن… إيه رأيك يا بونبونايتي؟ ونشرب عصير كمان، الدكتور سمحلك بحبة عصير قد كده.
حاول سليم ألا ينظر لتلك العصا العكازية وقال بنبرة غليظة بضيق ورفض: أنا مش همسك البتاع ده.
ماسة باستغراب: ليه بس؟
سليم بغلاظة: كده، مش لازم أبرر.
ماسة بعدم فهم ممزوجة بحنية: مش لازم تبرر!! هو إيه اللي مش لازم تبرر، يا روح قلبي؟ دي حاجة المفروض تعملها عشان تحسن طريقة المشي، ومش بس كده، ما تبقاش محجوز في الكرسي. العكاز ده أفضل منه بكتير. بعدين، إنت خلاص يا حبيبي مش محتاج الكرسي ده دلوقتي.
سليم بحدة: من وجهة نظري أنا الكرسي أحسن، ومادام ما بقيتش محتاجه خلاص همشي على رجلي حتى لو هواجه صعوبة شوية، مش مهم. بس أنا مش همسك العكاز ده…
رفع عينه لها وهو يركز النظر في وجهها بعين غامت بالسواد، أكمل وهو يتك على كل كلمة بحسم ونبرة رجولية: أنا مش همسك العكاز ده انتهى يا ماسة.
كانت تنظر له ماسة بإندهاش وهي لا تفهم ما به ولماذا كل ذلك الرفض الغير مبرر وغير المفهوم. هو يوافق أن يجلس على مقعد متحرك ولا يمسك عكاز!!!
ماسة برفض ممزوج وحدة: لا مانتهاش، هو إيه اللي انتهى؟ أنا مش فاهمة في إيه.
سليم بحدة وبنبرة عالية قليلاً بحسم: لا انتهى عشان مش هنقعد نعيد ونزيد في نفس الكلام. المرة دي كل محاولاتك هتفشل.
زفرت ماسة محاولة استيعابه بابتسامة رقيقة، وضعت العكاز بجانب الحائط، وجلست على ركبتيها أمامه كأنها تتحدث مع طفلها المدلل، فهذه الطريقة الوحيدة التي تجعل سليم يوافق منذ عودته من تلك الغيبوبة.
ماسة وهي تمسك يده بحنان قالت بنبرة مليئة بالاحتواء والحب: كراميلتي، بالراحة، إيه العصبية دي و…
قاطعها سليم بنرفزة ونظر لها: عشان إنتي ما بقيتش تسمعي الكلام وبقيتي عندية، وأنا بكره العند. بعدين، بطلي تتعاملي معايا كأني طفل صغير.
نظرت له بابتسامة جميلة وقالت بدلال وهي تزم وجهها، قرصته من أنفه بمداعبة: بس إنت طفل صغير، بس طفل naughty وماما زعلانة منك خالص، هتفضل مزعل مامي منك كده كتير؟ ها؟
سليم وهو يدقق النظر بها قال برفض تام: ماسة، ما تحاوليش المرة دي. استحالة! قولتيلي أقعد على كرسي قعدت، لكن أكتر من كده لا. يعني لا.
ماسة بلطف وهي تمسح على خده: في إيه طيب؟ فهمني السبب. اشمعنا رافض العكاز بالشكل ده؟
سليم بجمود: مش لازم تفهمي، بصي، روحي قولي للدكتور يشوف أي حل إلا إني أمسك عكاز، وأنا أوعدك هنفذه.
ماسة باحتواء: يا حبيب قلبي، العكاز ده هيسهل حركة التنقل، ورجلك كمان تتحرك. الكرسي ده خلاص وقته انتهى. بصراحة أنا مش فاهمة، إنت قابل تقعد على كرسي متحرك، ومش قابل تمسك عكاز؟ إزاي؟
سليم باختناق تحدث من بين أسنانه: الاتنين بالنسبة لي جحيم، بس جحيم الكرسي أهون من جحيم العكاز.
ماسة باستنكار: متكبرهاش كده.
سليم بحسم: اسمعي الكلام، ووفري وقتك، عشان مش هيحصل.
ماسة بإستغراب: طب اديني سبب، اقنعني، أصل مش هسيبك تأذي نفسك، وهقف أتفرج! (بشدة) هو في إيه يا سليم؟ لكل العند ده؟ كل حاجة بمحايلة وعصبية؟ وأقعد بالساعات أقنعك؟ إنت عايز تفضل تعبان ولا إيه؟ فهمني، متسبنيش كده.
سليم بضيق: يا ستّي، مفيش سبب، ومش عايز أقول. أنا حر.
ماسة بشدة: طب متقولهولي عشان نتكلم ونوصل لحل؟ بعدين، مفيش أي سبب في الوجود يخليك ترفض حاجة لمصلحتك.
سليم: بالنسبة لسليم فيه.
مسحت ماسة على جبينها، حاولت تهدئة نفسها لكي تستوعب سبب رفضه واحتواء عناده. تنهدت وقالت: طب ممكن تفهمني إيه هو لو سمحت؟
سليم بحسم: لا.
ماسة بضعف: ليه؟
سليم: مش هينفع تعرفي يا ماسة.
ماسة باستغراب: ليه مش هينفع؟
سليم بنرفزة وعصبية: مش هينفع وخلاص، بطلي تسألي. روحي كلمي الدكتور وسبيني لوحدي.
ماسة بشدة ممزوجة بعناد: هو إيه اللي روحي كلمي الدكتور! ومش هينفع تعرفي! وسبيني لوحدي؟! لا بقى، أنا لازم أفهم.
سليم زفر بضيق: أستغفر الله! قولت مش هقول، ما بحبش أتكلم في الموضوع ده. خلاص بقى.
نظرت له ماسة بعين ملأتها الدموع، تحدثت من بين أسنانها بحزن لأنها لا تعرف ما السبب في عدم مشاركته لها أسراره.
ماسة بضعف وخذلان: سر من ضمن أسرار كتيرة، مينفعش ماسة تعرفها في ماضي سليم الراوي، صح؟
شعر سليم أنه أحزنها وأنها فهمت أسباب رفضه للتحدث بشكل خاطئ. قال بنبرة هادئة وضعف ونفي: مش كده.
توقفت ماسة أمامه وأخذت تنظر له بحزن وخذلان، وبنبرة مخنوقة:
لا هو كده، هو أنت ليه مش بتثق فيا؟ ليه دايمًا بعيد؟ بتقول وتعرفني الحاجات بس اللي عايز تقولها! وفي حاجات تانية مينفعش أعرفها وأشاركك فيها! كأنك خايف مني أو إني مش قد ثقتك ولا قد المسؤولية! أمال فين إننا وأحد، روح واحدة، وقلب واحد، في جسدين؟ الظاهر أنه كلام وبس. عموماً، براحتك يا سليم، متقولش حاجة. أنا كنت عايزة أعرف لأني المفروض مراتك، شريكة حياتك، سرك، وإني الشخص الوحيد إللي مابتخبيش عليه حاجة، بس الظاهر إني غلطانة. وإصراري إني أعرف كان عشانك. يمكن كنت أقدر أساعدك، بس الظاهر هفضل في عينك البنت الصغيرة اللى جبتها من المزرعة، ومش بتفهم حاجة، ومينفعش تعرف إلا حاجات معينة وبس. أوعى تكون فاكرني عبيطة ومش واخدة بالي، قولتلك مليون مرة: أوعى تستصغرني. أنا كنت باخد بالي لما كنت بتتكلم مع والدك أو مكي واسماعيل وتغير الكلام أول ما تشوفني. ولما بسألك عن ماضيك وليه علاقتك بوالدتك وصلت لكده، وردك كان إنك مش عايز تتكلم في حاجة زي كده عشان بتتضايق. بس إنت في الحقيقة مش عايز تشاركني خصوصياتك…
ابتلعت تلك الغصة التي تكونت في حلقها بوجع وقالت:
أنا هروح للدكتور أعرفه برفضك، ويشوف هيعمل إيه. عن إذنك.
مسحت دموعها وتوجهت إلى الباب…
كان سليم ينظر لها وهو يستمع لحديثها بصمت، وعينه تنساب منها الدموع ووجع يعصف بقلبه. كان يجز على أسنانه، فيبدو أنها فهمت صمته عن الماضي بشكل خاطئ، وهذا مع أوجعه بشكل كبير.
وقبل أن تفتح ماسة الباب، أوقفها صوت سليم قائلاً بضعف، موضحًا وهو ينظر بعينيه للأسفل:
مافيش حاجة بالنسبالي اسمها خصوصيات بيني وبينك، أنا كتاب مفتوح ليكي يا ماسة…
التفتت ماسة بجسدها له بصمت مثقل، أكمل سليم بنبرة متأثرة:
ماكنتش عارف إنك شايلة مني كده، أو فاكرة إني مخبي عليك حاجة، أنا مابحبش أخبي عليك حاجة، وأي حاجة بتحصل بحكيها لك، برغم إنها مش شخصيتي ولا طبعي، بس اتغيرت عشانك. والماضي اللي بتسالي عنه، أنا مابحبش أتكلم فيه مش عشان خصوصيات زي ما بتقولي…
رفع عينيه اللتين ترقرق الدمع بهما وقال بوجع:
عشان بتوجع… فعلاً بتوجع وبأتضايق. أنا مابحبش أتعب أو أمرض، من وأنا صغير بكره المرض…
أكمل وهو يتحدث من بين أسنانه محاولًا كتم غضبه وضعفه:
المرض ده بيذل، بيذل البني آدم للي حواليه، لما يحتاج يشرب مثلاً، ويفضل ينادي على حد يناوله كاسة المية ويتأخروا عليه، أو لما يساعدوه ياكل ويبقوا مضايقين من طريقة أكله. وفجأة المساعدة بتتحول لحاجة بيعملوها غصب عنهم أو تبقى تقيلةعلى قلبهم، بس أنتي مضطرة تتحملي طريقتهم وقلبة وشهم. هتعملي إيه؟ إنتي محتاجهم ومرضك معجزك…
أضاف بنبرة مقهورة، وكأنما يسترجع ذكريات مؤلمة:
وأنا صغير لما كنت بتعب، دادا عفت هي اللي كانت بتقعد معايا، مش فايزة. فايزة مكنتش بتتحمل وبتزهق مني لأني كنت بتعب كتير وأنا صغير. كانوا بيقولولي: إنت ابن موت… (بلهجة مختنقة) بس كل ده مش مهم، دادا عفت كانت معوضاني بحنية الأم اللي بسمع عنها في الأغاني وبس، وأنا عندي ٨ سنين، رجلي انكسرت وتجبست، كنت ملازم السرير لفترة. دادا عفت كانت بتاخد بالها مني كالعادة، في يوم كان عندنا حفلة كبيرة، كانت طول الوقت بين الحفلة وبيني، وآخر الليل، الست تعبت. كل اللي طلبته مني انها ترتاح ساعتين… ساعتين وبس، قالتلي: سليم، إنت أكلت وأخدت الدوا، ممكن أروح أنام ساعتين؟ قولتلها: روحي، أنا هنام. قالتلي: هقول لنهاد تاخد بالها منك بردو. نزلت تحت أوضتها، أصل فايزة كانت مانعة أي دادة تنام معانا عشان إحنا ولاد…
(بصوت شجن) كانت ست كبيرة وكل اللي طلبته ساعتين ترتاح فيهم من تعب اليوم. أنا كنت باخد دوا بخليني أدخل التواليت كتير. بعد ساعة، صحيت…
بضعف واهتزاز في نبرة صوته اكمل:
كل اللي كنت محتاجه كان حد يقرب مني العكاز وبس. نديت على نهاد قالتلي: طيب جاية هعمل حاجة، لكن مكنتش بتيجي. فضلت مستني أكتر من نص ساعة ومابتجيش، ولا بترد. قولت خلاص هعتمد على نفسي وهقوم، حاولت أقوم، وفعلاً قمت، وتحملت الألم. حاولت أمد إيدي أمسك العكاز، وأول ما مسكته، غصب عني حملت عليه، بتقيل طفل ٨ سنين، لكنه خاني وانكسر. ووقتها وقعت على الأرض، ولما وقعت فقدت السيطرة…
دموعه هبطت بحسرة على وجنتيه:
أكيد فهمتي اللي حصلي. كلهم اتلموا على صوت وقعتي وصريخي… فايزة، نهاد، ورشدي وصافيناز وطه.
عبس وجهه، وحاول أن يتكلم بصوت خافت مليء بالوجع، وقال:
مش ناسي كلام ونظرات فايزة وهي بتزعق وبتسأل فين عفت؟ إنت ازاي تعمل كده؟ أنت صغير؟ ولا قادر أنسى ضحكة رشدي وهو بيقولها بيعمل زي ياسين! ولا نظرة صافيناز وهي قرفانة مني لما جريت نهاد عليا عشان تقومني من على الأرض، وقالتلي: أوعى تلمسني… (ضحك بوجع) وطه وهو بيقول لفايزة: انتي لازم تعاقبيه عشان اللي عمله. وقتها دموعي نزلت غصب عني، صعب عليا نفسي من اللي بيحصل. كمل رشدي كلامه وقال: عيوطة زي ياسين. كان نفسي فايزة تقولهم: عيب، يوك، ازاي تتكلموا مع أخوكم كده؟ وتزعلهم كلهم وتاخدني في حضنها وتقولي: ميهمكش يا سليم، المهم انت كويس يا حبيبي ماتزعليش، ما فيش حاجة تانية كانت هتبسطني وقتها غير حضن فايزة، بس محصلش، وقتها كرهت نهاد وفرحت لما طردوها. وفايزة بهدلت دادا عفت لأنها سبتني ونامت، كانت هتمشيها، بس أنا اتحايلت على بابا يخليها…
مسح دموعه التي ملأت عيونه وهبطت على وجنتيه بأصابعه، ثم أخذ نفسًا عميقًا، وأضاف بضعف:
من وقتها اتعودت على الوحدة دي، اتعلمت إن الناس مش دايمًا هتكون موجودة لما تحتاجهم. عشان كده أنا مش قادر أفتح قلبي لأي حد، مش قادر أشاركهم كل حاجة. يمكن مش عايزك تشوفي الأوجاع دي، أو يمكن مش عايزك تشيلي همي. عشان أنا متعود أكون لوحدي، ومش قادر أسمح لحد يدخل في حاجات زي دي…
أكمل كلامه وهو في حالة من الضعف والألم، ولكن أيضًا بتصميم على أن يعبر عن مشاعره بصدق:
أنا مكنتش عايز أحكيلك مش لأني عايز أخبي، بس بتوجع لما أفتكر، أنا نسيت، بس بتوجع لما بتكلم عنها،( بحب نظر لها بوجع) إنتي الشخص الوحيد في الدنيا دي كلها اللي حكت له. حكت له اللي لسه محكتهوش قدام مرايتي، شفتي بقى قيمتك وصلت عندي لحد فين؟ على فكرة، إنتي زعلتيني لما قلتيلي إنك حاسة إنك بعيدة وإنك ما تعرفيش حاجة عني وإني ما بثقش فيكي. بالرغم من إنك الشخص الوحيد اللي أنا بثق فيه، الشخص الوحيد اللي بتكلم معاه وأحكيله كل حاجة وأفهمه كل حاجة. أنا مش عارف إنتي ليه مش عارفة قيمة نفسك عندي، بس أكيد أنا عملت حاجة مخلياك تحسي بده. أصلك مش هتحسي من فراغ. بس أنا هعلاجه، مشكلتي ولازم أحلها. أتمنى بقى تكوني فهمتي إيه السبب، وأتمنى كمان تحترمي رغبتي وتقفلي موضوع العكاز ده.
نظر لها نظرة مليئة بالألم، وحاول أن يكتم مشاعره، لكنه شعر بأن هذا هو الوقت الذي يجب أن يُعبّر فيه عن كل شيء.
كانت ماسة تستمع له بحزن شديد، وأخيرًا فهمت أسباب رفضه وآلامه. اقتربت منه بتأثر وجلست أمامه، ثم أمسكَت يده باعتذار وقالت:
أنا آسفة، مكنتش أقصد أضايقك. بس أنا نفسي تخف، نفسي ترجع بسرعة سليم القوي. مش عايزاك تفضل مستسلم لرفضك وحزنك، وتعكس ده في غضبك وعصبيتك. سليم، أنا متفهمة شعورك من أول ما صحيت ولقيت نفسك كده، وفهمت سبب رفضك للعكاز لأنه بيفكرك بحاجة بتضايقك وبتوجعك. بس أنت لازم تتخلص من الخوف اللي متمكن منك ده. اللي حصلك ده بيحصل لكتير من الأطفال وأنا حصلي. بس ما خليتهوش يسيطر عليَّ ويكبر معايا. بالعكس، تغلبت عليه. بعدين يا حبيبي، وقت ما العكاز خانك، مكنش في ماسة. لكن دلوقتي أنا معاك، أنا جنبك، أنا عكازك وسندك الحقيقي. العكاز ده مجرد وسيلة مساعدة لحد ما رجلك تقوى شوية وتستغني عنه. مش إنت بتثق فيا يا سليم؟
هز سليم رأسه بإيجاب، وصمت. أكملت ماسة:
خلاص بقى، جرب، لو حسيت إنك متضايق، خلاص، نشوف حل تاني.
دقَّقت النظر في وجهه، ثم حاولت محادثته بطريقة تستفزه وقالت:
مش إنت بتقول إن مافيش حاجة أقوى من سليم وإنه يقدر على كل حاجة؟
سليم، بغرور يليق به: أكيد.
ماسة بتعجب: إزاي بقى؟ وإنت أهو مستسلم لحاجة حصلتلك زمان ومخليها مأثرة عليك لحد دلوقتي؟ فين بقى سليم الجامد اللي مفيش حاجة تقدر عليه؟
سليم مستنكرا: طريقتك بايخة أوي، بطليها! قولتلك مليون مرة أنا ماباسخنش الطريقة دي، مابتنفعش معايا.
ماسة بضعف ودموعها تهدد بالنزول قالت: طب قولي، إيه هي الطريقة اللي تنفع معاك وأنا هعملها. قولي إيه هي الطريقة اللي تخليك تاخد علاجك وتسمع كلام الدكتور من غير جدال، من غير رفض، وأنا هعملها مهما كانت. إيه هي؟ أنا عايزاك ماتستسلمش اللي أنت فيه، أرفضه وحاربه، مش تبقى سجين للماضي…( اكملت متعجبه )
عارف يا سليم، أقسم بالله أنا قولت سليم لما يفوق ويلاقي نفسه كده، يمكن في الأول هيتعصب وهيتضايق، بس بعد كده هيقوم ويقول: لا، سليم الراوي ميقعدش على كرسي بعجل. مش سليم الراوي اللي يبقى تعبان كده. أنا هاخد الدواء وهعمل كل حاجة الدكتور هيقولي عليها لحد ما خف. كنت فاكرة إني هتخانق معاك عشان انت بتيجي على نفسك، والحاجة اللي الدكتور بيقولك تعملها مرتين، بتعملها 10 عشان تخف بسرعة. مش بقعد بالساعات أتحايل عليك وقنعك تاخد علاجك. أنا مقدرة والله العظيم، بس أنا لو فضلت أعيط جنبك وأطبطب يبقى أنا كده بساعدك إنك تنهار ..
برجاء بنيرة عاشقه وهي تنظر داخل عينه:
عشان خاطري، ثق فيا. لو شوية أنا جنبك، ومستحيل أتخلى عنك. بس جربني. خلينا نحاول. وأنا متأكدة إننا هننجح. ولو العكاز خانك زمان، ماسة مستحيل! طب إنت مانفسكش تخف بسرعة وتاخدني سويسرا نتمشى على البحر؟ أنا محتاجة السفرية دي أوي، ها؟
أخذت ماسة تنظر له بعينين مليئتين بالتوسل، كما لو كانت ترجوه أن لا يجعل نفسه سجينًا لتلك الأفكار والمخاوف القديمة. قلبها كان يصرخ بأمل أن يخرج من تلك الدائرة المغلقة. أخذ سليم يدقق النظر في بحور عينيها التي تأخذه لعالم آخر، يشعر بشيء يلامس قلبه، وهو يفكر هل ما زال خائفًا، تائهًا، سجينا لذاك الماضي الأليم؟ بدا له أن هناك كثيرًا من الآلام التي عاشها، هي التي شكلت تلك الشخصية المحبوسة داخله، كما لو كانت سجونًا غير مرئية تكبله.
أخذا يتبادلان النظرات، وكل نظرة كانت تحمل ما لا يُقال. وبعد دقائق، ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي سليم.
تبسم سليم باستسلام: كل مرة أقول مش هتحصل، وكلمتي هي اللي هتمشي في الآخر، بلاقي نفسي بستسلم ليكِ. (مازحًا، رغم الحزن في عينيه) أنا هروحك.
تبسمت ماسة بمرح، لكن ابتسامتها كانت تحمل وراءها معانٍ أعمق: إحنا أصلاً مروحين. بكره هتبقى معايا على طول، مفيش حاجة هتفرقنا.
ضمته بقوة وكأنها تريد أن تشعره بالأمان، ثم توقفت فجأة وجلبت العكاز وقدّمته له بحذر، وكأنها تقدمه له كوسيلة للخروج من سجنه: يلا بقى، تعال، مفيش حاجة تخوفك.
مدّت كفها له بابتسامة تحمل طمأنينة وحبًا غير مشروط. نظر لها سليم بتردد، عينيه تكاد تفضح الصراع الداخلي الذي يعيشه، بينما كانت ماسة ترد عليه بنظرة مليئة بالثقة:
(متخفش، ثق فيا، أنا جنبك).
وضع سليم كفه على كفها ونهض، فأمسكت به بقوة، وأمسك سليم العكاز بيده الأخرى.
ماسة: ها، شوفت؟ أسهل حاجة! يلا بينا بقى ننزل تحت.
سليم: ماشي.
وبالفعل، خرجا للخارج وكان سليم متأبطًا ذراعها الآخر.
تحركا في الممر، كان سليم مستندًا على ماسة وكان يشعر بالضيق. عيونه تتحرك بشدة، فبينما كان يحاول السيطرة على مشاعره، ما زال يشعر بتلك الغصة، ذلك التوتر، وغضبه ورفضه كانا لا يزالان يستحوذان عليه …كان جميع الحراس يتوقفون في الممر عنده.
اقترب عشري مسرعًا بقلق: سليم، أنت كويس؟ انت رايح فين؟
سليم: نتمشى شوية بس.
عشري: تمام، أنا معاكم.
أشار الإثنان من الحراس للتحرك خلفه.
صعدا المصعد وهبطا للأسفل، ثم توجها إلى الحديقة. أخذا يسيران لبعض الوقت، ثم توقف سليم وقال:
سليم بتعب قليل: عشقي، خليني أرتاح شوية. رجلي وجعتني.
هزت ماسة رأسها بإيجاب وساعدته على الجلوس على أحد المقاعد الحجرية، وجلست بجانبه. وقعت عينا سليم على زهر النرجس بجانبه، مال قليلاً بجسده نحوها، ثم قام بقطف إحداها. استدار بزاويتها وهو مبتسم بجاذبية، ثم وضع الزهرة في شعرها. تبسمت ماسة له وهي تتحسس الزهرة بابتسامة جميلة.
سليم بحب: مكانها هنا أحلى يا وردتي.
ماسة بشوق: وحشني كلامك الجميل ده ومزاجك الرايق. حسيت إن أخيرًا كراميلتي رجع لي تاني.
تبسمت وضعت قبلة على خده وأمسكت كفه بانضمام، وأكملت باهتمام: ها يا حبيبي، عامل إيه دلوقتي؟
سليم هز رأسه بإيجاب وحب: تمام.
ماسة بإطمئنان: يعني مش حاسس إنك متضايق أو تعبان؟ أجبلك المسكن؟
سليم تبسم لها ووضع كفه الآخر فوق كفها وقال بحب وعين تلمع: طول ما حبيبة قلبي جنبي، مافيش أي تعب. وجودك جنبي أحسن وأقوى من ألف قرص مسكن.
ارتسمت على شفتي ماسة ابتسامة عريضة بحب كبير.
ماسة بحب: أنا بحبك أوي أوي.
سليم بعشق: وأنا بموت فيكي يا قطعة السكر اللي محليه حياتي.
أحاط خصرها بذراعيه وقربها منه وعانقها. أحاطت ماسة هي الأخرى رقبته بذراعها وضمته بشدة، كان سليم يعانقها ويستنشق عبير شعرها الذي يغرم به منذ أن تعرَّف عليها. بحب وشوق قال:
وحشتيني أوي أوي، نفسي أدخلك جوايا يمكن الشوق إللي جوايا ليكي يهدأ شوية. بس أنا متأكد إنه يستحيل يهدأ.
حاولت أن تبتعد، لكنه تشبث بها وقال: خليكي في حضني شوية.
ماسة بخجل: طب الناس؟
سليم:
مالكيش دعوة بالناس، انسي الناس وانسي العالم، خليكي مع سليم وبس، جوه حضن سليم حبيبك.
وضع قبلة بين حنايا رقبتها، وشد عليها أكثر بكفوفه المهتزة بأصابع يديه كأنه يريد زرعها بداخله، بداخل قلبه المتيم بها حد الجنون. كانت ماسة تغمض عينيها، وهي هائمة به، وكأنها تتنفسه في كل لحظة، لا ترى سوى سليم، لا تشعر إلا بحبه الذي يغمرها.
سليم: مالكيش دعوة بالناس، انسي الناس وانسي العالم، خليكي مع سليم وبس، جوه حضن سليم حبيبك.
وضع قبلة بين حنايا رقبتها، وشد عليها أكثر بكفوفه المهتزة بأصابع يديه كأنه يريد زرعها بداخله، بداخل قلبه المتيم بها حد الجنون. كانت ماسة تغمض عينيها، وهي هائمة به، وكأنها تتنفسه في كل لحظة، لا ترى سوى سليم، لا تشعر إلا بحبه الذي يغمرها.
__________________بقلمي ليلةعادل
قصر الراوي – ٨م
مكتب عزت الراوي.
نشاهد عزت يجلس خلف مكتبه وهو يدخن السيجار الفاخر بعظمة، وكانت ملامحه تعكس الضجر. يجلس أمامه عماد وفايزة ومكي وإسماعيل.
عزت بغضب: أفهم من كده، يا مكي إنت ورجالتك، وإنت يا إسماعيل برجالتك، موصلتوش لأي حاجة؟
إسماعيل بتفسير: للأسف، مفيش أي حد شاف الحادثة أو أي حاجة ممكن تكون مثيرة للاهتمام. خصوصًا أن المكان لسه جديد ومش كل الأماكن مسكونة. بس اللي متأكد منه، اللي عمل كده كان بينتقم من سليم. فاحنا لازم نرجع للدفاتر القديمة ونشوف سليم عامل عداوة مع مين غير الصياد والعلايلي وسالي الشعراوي والتابيلو.
مكي موضحاً: بس احنا صفيناهم كلهم، مفيش حد فيهم بقى له وجود، استحالة يكون حد منهم. وبعدين أنا دورت وراهم، مش هما.
عزت بتأييد:
وأنا كمان دورت وراهم بطريقتي، ما طلعش حد فيهم ولا حد تبعهم. وبعدين الشعراوي اتقتل، ماكس قتله وأولاده كلهم هربوا.
اكمل إسماعيل: والصياد قتل نفسه.
فايزة بتأكيد:وسليم ماعندوش عداوة مع حد، واللي حصل لهم طبيعي. الكل عارف إن ده طبيعة في شغلنا. هما خانوا، وده ثمن الخيانة. سليم ما قتلش حد، واحد المافيا قتلته، والتاني قتل نفسه، واتنين فلسوا.
عماد: ممكن يكون التابيلو.
عزت انا بحثت ورا أريك وتيمو وماركو دور وراهم مش هم يخاف يخون العهد لانه عارفين ثمن الخيانه هي موتهم بكل العيله.
فايزة باختناق: أمال مين اللي عملها؟
صمت الجميع وهم ينظرون لبعضهم، لا أحد يستطيع إيجاد إجابة.
قطع هذا الصمت إسماعيل قائلا:
طب يا باشا، مش ممكن يكون اللي عملها ده كان قاصدك إنت؟ لأنه عارف قد إيه إنت بتثق في سليم، وإنه وريث عرش الإمبراطورية، وكان عايز يضربك في مقتل.
مكي: طعنوا ماسة في بطنها، كانوا قاصدين يقتلوا البيبي.
إسماعيل بذكاء: هي دي المشكلة، إنهم طعنوا ماسة بطريقة بتأكد إنه انتقام. لو كانت رصاصة، كان ممكن نعتبرها حادثة عادية. لكن هما الاثنين اتقتلوا، وربنا كتب لهم عمر جديد. لكن الطريقة اللي اطعنت بيها ماسة، وحتى سليم، بتأكد إن ده انتقام.
عماد بتأكيد: هو فعلاً انتقام، ولازم نعرف مين اللي وراها.
فايزة، وهي تشعر بالندم والحزن لأن تصرفاتها قد تسببت في كل هذا: حاول تاني يا مكي، اعمل كل اللي عليك. اسأل الناس تاني بنفسك، يا مكي، ما تبعتش رجالتك. ادخل كل شقة، كل محل. وانت كمان يا إسماعيل، حللوا الكلام ممكن توصلوا لأي تفصيلة صغيرة تساعدنا.
مكي بتصميم: أنا فعلاً هأعمل كده.
عزت بجدية: طيب يلا، بأتمنى المرة الجاية أسمع أي خبر.
نهض إسماعيل ومكي وتحركا للخارج. توقفت فايزة ونظرت بعينيها إلى عزت، وكأنها تطلب منه شيئًا لم يتحدث عنه بعد.
فايزة بصوت منخفض: عزت، هتفضل قاعد؟
عزت وهو يضع السيجار بين شفتيه ويأخذ نفسًا عميقًا:
هعمل كم مكالمة وآجي وراكم.
توقف عماد، وهو يلتفت إليه بابتسامة حازمة: تمام يا باشا، احنا في انتظارك برة.
في الخارج – الحديقة
نرى رشدي وصافيناز يجلسان في الحديقة، ممسكين بكؤوس الخمر في أيديهما. الجو هادئ لكنه مشحون بالتوتر. بعد قليل، يقترب منهما عماد وفايزة، فتتبدل الأجواء إلى شيء من التحفز.
رشدي، بتوجس، يُلقي بالسجارة بعيدًا، ويقول:
ها، وصلت لِإيه؟ عرف حاجة عن موضوع الراجل اللي شافني؟
فايزة، وهي تنظر له من أعلى لأسفل بضيق، تجيب بنبرة جافة:
ماتقلقش. عماد اتخلص من آخر خيط كان ممكن يوصل عزت وسليم للي عمل كده. وأنا عشان أفديكم وأحميكم كلكم، وافقت على المهزلة اللي بتحصل. إننا نتخلص من كل حاجة ممكن توصلنا للجاني الحقيقي.
رشدي، وهو يضحك بهيستيريا خفيفة وتهكم:
خيط مين!! الخيط ده كان هيوصله ليا وليكم مش للعصابة.
صافيناز، وهي تمسك بكأس الخمر بحذر، تضيف:
ولازم تتأكدي إن سليم أو بابي لو وصلوا للي عمل فيه كده هيوصل لينا. فإحنا لازم نمحي أي أثر.
فايزة، بنبرة باردة بلا مبالاة، ترد بصوت حاسم:
مايوصل لكم. إيه المشكلة؟
رشدي، وهو ينظر إلى فايزة بتحدٍ، يقول:
بس انتي قولتي لو سليم فاق انتي هتنسي كل حاجة.
فايزة، بحزن عميق يغلف صوتها، تجيبه:
وإنت شايف بقى إن سليم فاق وهو سليم إللي نعرفه؟ سليم فقد حاجات كتير في الحادثة دي، فقد رجله، وفقد الإنجاب، وعايش برصاصة مهددة حياته في أي لحظة بالموت. أنا مش عارفة هفضل لحد إمتى ساكتة، ولحد إمتى هساعدكم تتخلصوا من أي حاجة ممكن توصل سليم وعزت للجاني، بس أوعى تختبروا صبري.
صافيناز، بصوت قاسٍ وبنظرة شديدة الحزم:
أوعي تنسي إنتي يا مامي إن لحد اللحظة دي ماسة الخدامة بتمتلك 26% من الأسهم، ودخلت المجموعة، وقعدت على ترابيزة الاتفاق وهي حاطة رجل على رجل. واتدخلت في شغلنا، ومش بس كده، دي أمرت كمان إن المنجم يتقفل بعد توكيل سليم. ماسة ما طلعتش سهلة زي ما إحنا كنا متوقعين، طلعت حية.
فايزة، بابتسامة باردة وعيون مشدودة، تجيبها:
ومين قال إني نسيت؟ أنا كل اللي عايزاه دلوقتي إن سليم يبقى كويس. لكن ماسة حسابها هيبقى معايا أنا. لو هي حية، أنا كوبرا.
فيلا سليم – 10 صباحًا
نرى سلوى تقف في إحدى غرف النوم في الطابق الأول. هذه هي الغرفة التي خصصتها ماسة لسليم كي يمكث فيها أثناء فترة تعافيه، بسبب حالته الصحية وتجنبًا لصعود الدرج. سلوى تتأكد من أن كل شيء في مكانه وأن الأمور على ما يرام، بينما يبدو أنها مشغولة بتحضير المكان بشكل دقيق.
بينما هي منهمكة في عملها، دخل مكي من باب الفيلا، وكان يتحدث مع عثمان بنبرة حازمة، يبدو عليه التوتر والجدية.
مكي، وهو يتحدث مع عثمان بصرامة:
سليم بيه جاي النهارده. مش عايز أي غلطة! إنت فاهم؟ هحاسبك إنت يا عثمان. مراقبة ٢٤ ساعة! الكلاب تتساب في الجنينه في جنينه من ١٢ من غير حراس.
نظر بطرف عينه إلى عثمان، ثم أضاف:
ايه؟ دربتهم؟ ميكلوش أي أكل يترمي ليهم!
عثمان، وهو يرد بثقة، يُظهر تأكيده على الموقف:
أيوة اتدربوا، متقلقش، كله تحت الكنترول.
في هذه اللحظة، وقعت عينا مكي على سلوى التي كانت تقف في الغرفة وتبتسم. ملامحه تغيرت قليلاً وهو يلاحظها، ثم نظر إلى عثمان وقال بنبرة حاسمة:
طب روح إنت واعمل اللي قولتلك عليه.
هز عثمان رأسه بتأكيد ثم تحرك للخارج بسرعة.
بينما تقدم مكي نحو الغرفة، توقف عند الباب وقال:
صباح الخير.
التفتت سلوى نحو الباب وقالت: صباح النور.
تقدم مكي أكثر إلى الغرفة ونظر حوله، وقال:
الأوضة بقت جميلة، في حاجة ناقصة ولا إيه؟
سلوى هزت رأسها بنفي وهي توضح:
لا، معتقدش. أنا راجعت على كل حاجة. ماسة طلبت مني إني أجي وأشوف وأتمم على كل حاجة عشان لو في حاجة ناقصة أظبطها قبل ما يجوا.
مكي تساءل: هتروحي لهم المستشفى ولا إيه؟
سلوى بحزن: ما أنت عارف سليم مانع إن حد يزوره، وأنا متفهمة رفضه. ربنا يشفيه يارب.
مكي بتفاؤل:وطهي مسألة وقت، وهيتخطى كل ده. أنا واثق في صاحبي قوي، وإرادته جبارة.
سلوى بأسف: بصراحة أنا حاسه بيه. صعب أوي عليا اللي حصله، خصوصًا إنه لسه شاب عنده ٣١سنة، واللي قدّه لسه بيبدأ حياته. وهو خسر حاجات كتير، بنته، ومشكلة رجله، موضوع الإنجاب، ده غير الرصاصة اللي مهددة حياته. بصراحة ردود أفعاله دي طبيعية.
مكي بعقلانية: وأنا زيك متفهم ردود أفعاله. بس الأهم من ده، لازم نتحمله لأن شخصية زي شخصية سليم صعب تتقبل ده بسهولة، وتتكيف مع الوضع. هو هياخد فترة وبعدين هيبدأ يتعايش مع الوضع.
سلوى: ياريت، لأن ماسة قالتلي إنه بقى عصبي وكل حاجة عايز محايلة كأنه طفل.
مكي بابتسامة: فعلاً. بس هي برافو عليها، بتقدر تتعامل معاه. وهو كمان بيحبها أوي وبيسمع كلامها بسرعة كأنها مامته فعلاً وخايف تزعل منه. إن شاء الله الفترة دي تعدي بسرعة ويرجع سليم لينا زي ما كان.
سلوى بتمني: إن شاء الله.
تبادلا النظرات لثواني بصمت، ثم عادت سلوى لتنظر حولها في الغرفة، وتتفحص غرفة الملابس أيضًا. بينما كان مكي يقف يتابعها بنظراته بابتسامة حب واشتياق.
كانت سلوى غير منتبهة له، لكنها شعرت بارتباك عندما وقع نظرها عليه. ابتلعت ريقها بسرعة، وشاحت ببصرها في اتجاه آخر. وبعد لحظات من الصمت، تحركت للخروج، ولكن مكي أوقفها.
رفع مكي صوته وقال:ولازم نتكلم شوية؟
سلوى بنبرة جامدة: نتكلم في إيه؟
مكي بحسم: في اللي لسه ما بدأناهوش، واللي مخليكي زعلانة مني.
تنهدت سلوى بضجر وقالت بجمود: لو سمحت يا مكي، سيبني أعدي، واقفل الموضوع ده. وبعدين دلوقتي الأولى إنك تركز مع صاحبك. صاحبك محتاجلك.
مكي اقترب منها وأشار بحسم: لازم تفهمي حاجة واحدة، إني مش هبطل أحاول لحد ماتصدقي وتفهمي أسبابي وتقتنعي بيها تمام، وساعتها ابقي ارفضي. بس ارفضي لسبب، مش للرفض وبس.
تحرك بعض الخطوات ليتيح لها المرور. مرّت سلوى من جانبه ونظرت له من أعلى لأسفل بصمت، ثم تحركت بعيدًا.
المشفى،٤م
نشاهد الطبيب وهو يقوم بفحص سليم ويعطيه الجرعة النهائية من العلاج قبل خروجه من المشفى. كانت ماسة طوال ذلك الفحص ممسكة بيد سليم، تدعمه وتسانده حتى في جلسات العلاج الطبيعي الأخيرة. بعد أن انتهى الفحص، ساعدت سليم في ارتداء ملابسه.
ثم توقفت أمامه وهو جالس على الفراش وقالت:
ماسة بمرح: ها يا حبيبي، في حاجة تانية محتاجها؟ أنا جهزت الشنطة وخلاص، احنا جاهزين نروح.
سليم برجاء: “ياريت يا ماسة، خلينا نمشي بقى.
ماسة وهي تمسك في يدها العكاز: هنمشي حالًا.
أعطت له العكاز، ونهض سليم وهو معلق ذراعه في ذراعها. وفور فتحهم للباب، توقف الحراس.
سليم بعملية: حد يجيب الشنطة من جوه؟
هز أحد الحراس رأسه وتوجه مسرعًا وهو يقول:
حمد لله على سلامتك يا سليم بيه..
اقترب عشري مبتسمًا وقال: حمد لله على سلامتك يا ملك.
سليم تسال:ألله يسلمك. أمال فين مكي؟
عشري: مستنينا في الفيلا.
سليم بنبرة جادة: وصلتوا لحاجة؟
عشري: لما نوصل، هنعرفك بكل حاجة.
ماسة بجدية: عشري، لو سمحت، مافيش حاجة هتتقال، إنت فاهم؟ بدل ما أخليه يرفدك.
(نظرت إلى سليم) وانت اهدى شوية، بدل ما قعدتك هنا كمان يومين.
سليم تبسم وقال بمزاح محبب بنبرة منخفضة:
فاضل تقولي لي هخلي الدكتور يديك الحقنة.
ماسة ضحكت برقة وقالت: بالظبط كده… فا هدي بقى.
قصر الراوي،٥ م
غرفة طه ومنى.
نشاهد منى تجلس أمام التسريحة تصفف شعرها بينما يقف خلفها طه، ويبدو عليه التوتر.
منى بلا مبالاة: أنا مش فاهمة في ايه!! مالك!!
طه بتوتر ممزوج بضجر: سليم خلاص خارج يا منى، عارفة يعني ايه؟ سليم خلاص خارج وجاي على القصر.
نظرت له منى في المراية وقالت بلامبالاة: ما يخرج ايه؟ المشكلة طبيعي كان هيجيله وقت ويخرج بعد ما فاق من الغيبوبة.
طه بتعجب سأل وهو يضيق عينه: وانتي مش قلقانة إن سليم هيخرج وبنفسه ويدور؟
استدارت منى ورفعت عينيها له وقالت بعدم خوف وتجبر: لا مش خايفة، لأن احنا مسحنا أي أدلة تثبت إن لينا يد في اللي حصل. وبعدين إنت خايف أوي ليه كده؟ كلنا في مركب واحد، مش انت لوحدك اللي هتقع! تؤ كلنا. حتى الملكة بذات نفسها، فصدقني كلهم هيحاربوا عشان مافيش معلومة واحدة أو حرف واحد يوصل لسليم. صدقني ماحدش فيهم هيجازف، الكل هيبقى مرعوب على نفسه. فا اهدى يا حبيبي وأقعد كده واطمن، وانت حاطت رجل على رجل. سيبهم هما ينضفوا كل حاجة ورانا. بالأخص رشدي مرعوب على نفسه، مشفتش كان عامل زي الكتكوت ازاي لما عرف إن في حد شافه؟ ماتنساش، رشدي كان عايز يقتله، والهانم لحد دلوقتي حاطاه في دماغها.
طه باستغراب وهو يمرر عينه عليها: ايه الجبروت والبرود والتبلد اللي انتي فيه ده؟ رشدي ده هددنا بأولادنا، فاكرة؟ والا ناسية؟
توقفت منى وقالت بحدة: لا فاكرة كويس، وإنت السبب، أنا قولتلك بلاش، رايح تقول لرشدي أنا هقول كل حاجة لسليم بعد ما فاق، إنت مجنون يا طه! إنت فاكر بقى لو سليم عرف هيسمي عليك؟ بالأخص بعد ما عرف اللي حصل له بسبب الحادثة وإن بنته ماتت وإنه مش هيخلف تاني؟
طه بتوضيح: سليم لو عرف دلوقتي هيحمينا، لكن لو عرف بعدين مش هيحمينا. بعدين احنا ملناش ذنب في أي حاجة حصلت له. هنقول احنا مانعرفش، وعرفنا بعد الحادثة، واللي حصله ده حصل من رصاص العصابة اللي احنا مانعرفش عنها أي حاجة. حطي إيدك في إيدي يا منى، وخلينا نوقف مع سليم. بعدين أنا ضميري بيأنبني انا اصلا ما كنتش معاكم.
منى بتعجب وهي تتك على كلمة: ضميرك بيأنبك!!! (ضحكت بسخرية) وضميرك اللي بيأنبك ده، خوف والا زعل وحب في سليم؟
طه بجمود: أكيد حب في سليم مش خوف. حتى لو في نسبة خوف، بس صدقيني هو حب. أنا ماعنديش مشكلة مع سليم. سليم عمره ماكان مؤذي أو وحش معايا، بالعكس هو وياسين وفريدة أحن عليا من رشدي وصافيناز اللي بيبان قصادكم إن هما الأقرب ليا. بس هما في الحقيقة أقرب عشان مصلحتنا واحدة. مشكلتي مع سليم عشان حاجة واحدة، معركة الكرسي. مين هيورث عرش الإمبراطورية بعد الملك مايموت. أنا بحارب عشان آخذ الكرسي ده. يمكن أنا مش قده وأنا عارف ده، وإنه كبير وواسع عليا، بس نفسي أحارب زيي زي إخواتي، وأجرب وأثبت وجودي. بس سليم عمري ماوقف ضدي، بالعكس أكثر من مرة ساعدني إني أخلص شغل. انتي عارفة مين هو اللي يستاهل القتل؟ رشدي وعماد وصافيناز. أوعي تكوني فاكرة لو حد فيهم قعد على الكرسي هيسيبنا عايشين. تبقي غبية يا منى. أنا بالنسبالي سليم يقعد على الكرسي ولا حد فيهم هو اللي ياخد الكرسي. لأني عارف إخواتي أندال وقتالين قتلة… وأوعي في المستقبل لو عرفتي إن واحد فيهم كان عارف موضوع العصابة تتخضي، لأن قلبي بيقول لي حد فيهم اللي وراها.
نظرت منى له بنظرة ساخرة: رشدي أجبن من إنه يعملها وكمان صافيناز وحتى عماد، بالأخص بعد ما سليم عرف إننا بنلعب من وراه.
طه متعجباً: رشدي قلبه جابه إنه يخبط عربية سليم وهو فيها! تفتكري قلبه مش هيجيبه يتفق مع عصابة تقتله؟ أي حاجة دلوقتي بقت ممكنة، اسمعي يا منى، حطي إيدك في إيدي وخلينا مع سليم، حتى لو سليم ما سمحناش. بس هنكون في حمايته، هيدينا الأمان لأننا قلنا له كل حاجة، بس مش هيقتل ولادنا ولا هيهددنا بيهم، أنا عارف آخر سليم إيه، لكن لو فضلنا ساكتين ووصل لأي حاجة، واتأكدي إنه هيوصل، سليم مش سهل. وقتها مش هيرحمنا، حتى لو كنت عرفت بعد ما الحادثة حصلت. بس هيعاقبنا لأننا سكتنا وشفنا بعينينا وهم بيغطوا على جريمتهم وفضلنا ساكتين.
رفعت منى حاجبيها، نظرتها كانت جادة وباردة ممزوج بتحذير: بقولك إيه، لو روحت قولت لسليم حرف، أنا هقول لهم إنك اتكلمت. أنا مش مستغنية عن ولادي. رشدي مجنون وممكن يعملها. اللي قتل أخوه ومرات أخوه الحامل بدم بارد ممكن يعمل أي حاجة، وزي ما بتقول، ممكن يكون هو كمان ورا موضوع العصابة وعمل الفيلم ده قدامنا. مش بعيد يحسرنا على أولادنا، وبرضه هنفضل نلف حوالين نفسنا ومش هنعرف ماتوا إزاي. أنا مش هخاطر بأولادي، وبعدين أنا بكره سليم. أوعى تكون ناسي إنه قصلي شعري قبل كده وهاني.
طه:سليم عمره ما قربلك، لكن إنتِ اللي بدأتي، ده كان رد فعل ليه
أخذت منى نفسًا عميقًا، ثم نظرت له بعينين مملوءتين بالقسوة: قولك إيه يا طه، أقعد كده يا حبيبي فكر ازاي تحارب على كرسي العرش بعد ما الأمير الصغير ما فاق من الغيبوبة. قرب منه واعرف أصول الشغل، مش إنت بتقول إن سليم بيحبك خلاص استغل النقطة دي، وخليه يعرفك ازاي بيخرج الشغل بره ومين هم الوزراء وكبار الدولة اللي معاه والشغل بره بيتباع لمين وازاي؟!، ده غير طبعًا بيوصل ازاي للمقابر الأثرية، لأن ماحدش يعرف موضوع المقابر الأثرية إلا سليم والباشا حتى مين بيسهل لهم موضوع خروجهم بره. إنت لو عرفت الأسماء دي صدقني هنقعد على الكرسي مرتاحين.
طه بضجر: الكرسي مش شغل آثار وبس، الكرسي الشغل الثاني اللي احنا فشلنا فيه.
منى بتبرير: عشان كنا لسه صغيرين كنا لسه بعيد لكن احنا دلوقتي أقوياء عن زمان وهنبقى أقوى أكتر بعد ما اخوك بقى برجل ونص بقول لك ايه إنت صدعتني انا مش هقول لك غير ثلاث حاجات لو فتحت بقك يا طه وقلت لسليم اي حاجة أنا هقول لرشدي وهاخد ولادي وهسافر مش هخليك تعرف توصلهم ده لو رشدي خلاك عايش أصلاً، الحاجة الثانية ركز في شغلك عشان توصل للكرسي، الحاجة الثالثة ابعت رسالة لأخوك بسلامة خروجه من المستشفى اوكيه واسكت بقى صدعتني.
جلست وأعطته ظهرها وقالت بصوت داخلى: جبان وغبي كان يوم اسود لما اتجوزتك.
وقامت بتصفيف شعرها مرة أخرى بكل برود.
نظر لها طه بعدم رضا ممزوج بتوتر وخوف فهو مازال ضعيف الشخصية لا يستطيع أخذ قرار بمفرده
________بقلمي ليلة عادل(ʘᴗʘ✿)
فيلا سليم ٥م.
نشاهد سليم متأبطًا ذراع ماسة وهما يتحركان نحو الفيلا، وكان خلفهما الحراس. استقبلهما مكي بابتسامة عريضة وترحيب حار.
مكي بابتسامة وهو يفتح ذراعيه لسليم بترحيب وحب: نورت بيتك يا ملك.
اقترب منه وضمه، سحب سليم ذراعه من ذراع ماسة وأحاط ظهره بذراعه وربت عليه وهو يقول: الحمد لله.
عشري: الفيلا كانت ضلمة من غيرك.
سليم: المهم بس تكونوا وصلتوا لحاجة عشان تفرحوني بجد.
ماسة بهدوء: ممكن تستريح شوية الأول؟ إحنا لسه داخلين.
سليم بجمود: مسة، لو سمحتي، ما تتدخليش؟
ماسة بحدة ممزوجة بتعجب: يعني إيه ما اتدخلش؟ لا هتدخل، مافيش شغل النهارده. هم أصلاً تعبانين بقالهم فترة مش بشوفوا أهاليهم. محتاجين هم كمان يروحوا ويقعدوا مع عائلاتهم يومين تلاتة، وكفاية الحراسة اللي بره، العدد بقى أكبر حتى من المرة اللي اتخطفت فيها.
مكي: الباشا هو الآمر.
ماسة: يبقى خلاص، انتوا بقى روحوا لأنكم طول الفترة اللي فاتت ما سبتونيش أنا وسليم. ممكن إسماعيل يبقى موجود، مش ده عادي.
نظر سليم إلى ماسة قائلًا بتوضيح: لا، مش عادي. ده مش شغل إسماعيل، بس مافيش مشكلة. ممكن تروح يا مكي وإنت وعشري، بس بعد ما نتكلم مع بعض. عايز أفهم وصلوا لإيه يا ماسة.
مكي: ماسة عندها حق يا سليم. إنت محتاج ترتاح الأول.
سليم ركز النظر به: نبرة صوتك بتوحي إنكم ما وصلتوش لأي حاجة.
مكي بتفسير: مش بالظبط، بس في خيط حاسس إنه هيوصلنا لحاجة.
عشري باعتراض: إنت برده قلت لك الموضوع ولا حاجة، ولو حتى فيه هو خلاص انتهى.
سليم بشدة: أنا مش عايز أسمع ألغاز. أنا مش خارج من المستشفى عشان أسمع ألغاز… أنا عايز أسمع أخبار خطوات، غير كده مش هاسمح.
ماسة بشدة وهي تمرر عينيها عليهم: هو أنا مش قولت مافيش كلام في أي حاجة تخص الشغل أو أي حاجة تخص الحادثة دلوقتي؟! ممكن يا مكي بعد إذنك ما تتكلمش تاني في الموضوع ده.
هز مكي رأسه إيجابًا، أكملت ماسة: سلوى قالت لي إن الأوضة جاهزة وكل حاجة تمام. ممكن تدخلوا الشنطة دي في الأوضة.
سليم: مكي، تعال إنت وعشري على المكتب وكلملي إسماعيل. عايز أفهم إنتوا بتتخانقوا على إيه.
كاد أن يتحرك، لكن أمسكته ماسة بقوة من معصمه وهي تقول بحدة تليق بها: مش هتروح في حتة. إنت هتدخل الأوضة وتاخد العلاج وترتاح لحد ما أحضر لك الغداء. مش عايزة مناقشة، ماشي؟
نظر سليم بعينيها ثم نظر إلى خلفه، ثم نظر لها مرة أخرى. عاد مكي وعشري خطوة إلى الوراء ليتركوهما يتحدثان بأريحية.
سليم بنبرة منخفضة ممزوجة ببحة رجولية وشدة: ماسة، لو سمحتي خدي بالك بعد كده من أسلوبك قدام الناس.
ماسة: أنا واخدة بالي من أسلوبي قدام الناس. وبعدين ده مكي وعشري، أنا قولتلك إيه؟ قولتلك مافيش قعدة مع حد ولا شغل غير بعد ما ترتاح شوية. ما تقلقش، هندور هندور.
سليم بتعب: Aşkım، أنا عايز أرتاح. أنا لو وصلت للي عمل فينا كده هخف.
ماسة بحب وضعت يدها على خده وركزت النظر داخل عينيه، وقالت: ماشي يا قلبي، وأنا ما اعترضتش على اللي عايز تعمله. بس عايزك تعمل كده وأنت كويس ومرتاح، وأنت قادر تقف على رجليك ويدك دي تبقى رجعت زي ما كانت مش بتترعش. يا سليم، أنت بقالك ثلاث أيام فايق من غيبوبة، بقالك فيها أربع شهور ونص، مش أربع ساعات. حاول تستوعب بقى… ده غير إن لسه في رصاصة موجودة في ظهرك. أنا كل اللي بطلبه منك شوية وقت. أرجوك، شوية وقت، أسبوع بس، وبعدين اعمل اللي إنت عايزه.
نظر لها سليم بعينيه وقال بضجر: أسبوع إيه!!! عايزاني أفضل أسبوع قاعد هنا ما اتحركش؟! بطلي تطلبي حاجات مستحيلة.
تنهدت ماسة بتعب، مسحت على شعرها بتفكير. هي تعرف أن سليم أصبح عنيدًا بشكل كبير بعد تلك الحادثة، ولا يوجد أي شيء ممكن أن تفعله لكي يعود في حديثه. فهزت رأسها عدة مرات وهي تقول: خلاص، تمام. النهارده ارتاح، وبكرة أقعد مع رجالتك، اتكلم معاهم، شوف وصلوا لإيه. بس أوعدني هنا ما تتعصبش ولا تضايق. تفضل قاعد في البيت كده، ما تروحش في حتة.
نظر لها سليم بعينيه بحسرة: ما تقلقيش، أكيد مش هخرج بالعكاز وإيدي بتترعش عشان أعدائي يشمتوا فيا. أكيد هخرج من هنا وأنا سليم الراوي… حاضر يا ماسة لحد بكرة، بكرة وبس.
هزت ماسة رأسها إيجابًا وقالت: حبي، أنا طلبت منهم يجهزوا لك أوضة في الدور الأول عشان الفترة دي مش هتقدر تطلع فوق. (أمسكت يديه) ممكن بقى تدخل معايا جوه بعد إذنك.
نظر لها سليم لثوانٍ بصمت، تنهد وهز رأسه إيجابًا، ثم تحرك معها إلى الغرفة.
تحركا للداخل. قال عشري بهمس وهو ينظر إلى حركات سليم وماسة: الملك غضبان.
مكي وعينيه مسلطة على سليم وهو يتحرك قال: طبيعي، الأسد لازم يبقى غضبان ومسعور كمان طول ما نابه مكسور. بس هي فترة وهتعدي، وهيرجع زي الأول وأحسن بإذن الله.
غرفة سليم وماسة في الطابق الأول.
دخل سليم وماسة إلى الغرفة. نظرت ماسة بعينيها في الأركان بابتسامة انبهار وقالت:
ماسة بلطف: إيه رأيك يا سليم؟ حلوة. أنا اخترت كل حاجة على ذوقي على فكرة. مكي فعلاً شاطر أوي عمل كل حاجة بالظبط زي ما طلبت. سلوى لما بعتت لي الصور ماصدقتش، بس لما شفت بعيني صدقت.
سليم وهو يتحرك جلس على الفراش وهو ينظر لها: مكي، أي حاجة عايزاها اطلبها منه وانتي مغمضة، وهينفذها لك زي ما طلبتيها بالظبط. أكثر شخص بأثق فيه من غير أي تردد.
جلست ماسة بجواره: أكيد أخد فترة عشان ياخد الثقه دي مظبوط؟
سليم تنهد: يعني مش أوي. احنا متربين مع بعض ولما كنت مسافر كان معايا هو وعشري. أنا باخد رجالتي معايا في كل حتة ما بسيبهمش بس مكي حاله خاصة
ماسة: ما أنا ملاحظة ده.
نظر سليم حوله: بس لطيفة الأوضة، بس أوضتنا أحلى.
ماسة: ده بشكل مؤقت.
سليم: إنتي أول مرة تيجي هنا من ساعة الحادثة؟
هزت ماسة رأسها إيجابًا بصمت بحزن.
أكمل سليم: قولي لي بقى المفروض نعمل إيه دلوقتي؟ أنا من دلوقتي لحد بكرة همشي على كلامك، هنفذه من غير اعتراض، بس من بكرة آسف.
ماسة بقوه: لما نشوف الكلام ده بكرة، إنت دلوقتي تنام وترتاح عشان ما أحضرلك الغداء. تمام؟
هز سليم رأسه إيجابًا بصمت. أثناء ذلك، استمعا لصوت فايزة يأتي من الخارج وهي تتحدث بانفعال وغضب مع أحدهم. تبادل سليم وماسة النظرات بتعجب.
ماسة: ده صوت فايزة هانم صح؟
تنهد سليم وهو يهز رأسه إيجابًا. توقفت ماسة مسرعة تسانده من كتفه. أمسك العكاز. توقف سليم، ودخلت فايزة والغضب يخفي ملامحها و…
صلي على النبي 10 مرات ما تنساش تضغط على اللايك عشان تساعد الروايه تنشهر لو سمحتكم لان اللايك اللى حضرتك بتستخسرة بياذيني زى ما انا بقدركم قدروني
استوووووب.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (الماسة المكسورة) اسم الرواية
التعليقات