الخاتمة
أسدلت أهدابها
قبل أسبوعين
(الحفل على الباخرة)
“هتفضلي قاعدة تعيطي هنا كده؟ من رأيي
المتواضع تروحي تكلميه وتوصلي لحل افضل”
قالتها رتيل وهي ترى تاج لا تتوقف عن البكاء
لتحرّك تاج رأسها رافضة فتنهدت رتيل وصمتت
وقلبها يؤلمها كثيرا..
هل هذا سيكون حالها مع حازم؟!
تبكي وتهرب وتنتظر مبادرته؟!
قاطع أفكارها رسالة من جويرية تخبرها عن
حال عمرو الذي رفض العودة لغرفته وقلب
الباخرة رأسا على عقب بحثا عن زوجته دون
أن يهتم بالبرد مقدار ذرة مرفقة بصوة له
بالمكان الذي استقر به لانتظارها.
ابتسمت رتيل وهي تتوجه ل تاج تجاورها على
الفراش وهي تقول:”فيه حد باعتلك رسالة”
رمقت الهاتف بتساؤل قبل أن تنفض ما إن
رأت صورته.. شعرت بالدموع تطفر من عينيها
وهي تراه واقفا يبدو كالتائه في انتظارها..
هل حقا ينتظرها؟!
أحقا أقسم على انتظارها حتى لو تجمّد من البرد؟!
لم تشعر بنفسها إلا وهي تقبّل وجنتا رتيل بقوة
قبل أن تركض لمكانه والذي كان مكانها
المفضّل يبدو أن عمرو يعرفها أكثر مما تظن.
تابعتها رتيل بعينيها حتى اختفت عن ناظريها
لتغلق الباب خلفها ثم تعود للجلوس على
الفراش وهي تشرد بأفكارها..
هل ستكون لها قصة حب مثل الفتيات اللاتي
قابلتهن بالرحلة يوما؟!
هل سيكون بطلها هو حازم كما تأمل؟
أم أن كل خططها ووالدته ستكون هباءا!
تحب اشتعال عينيه عندما يرى أحدهم يقف
معها, طريقته بإثبات ملكيته لها والتي تقاومها
ظاهريا وهي تكاد تتعلق بعنقه تطلب يده
للزاوج ترى لو فعلتها كيف سيكون رد فعله؟!
ضحكت عاليا وهي تفكر أنه سيقتلها لا
محالة بعدما يفيق من الصدمة لتعود لتدمع
عيناها وهي تفكر لو طلبها للزواج يوما
من سيزفها له؟!
*****
زفاف دارين ومعاذ
وقفت أمام المرآة تشعر بالسعادة تعتريها وهي
تفكر أنها ستكون معه اليوم للأبد, هل
كانت تتخيل أنها ستحب مرة أخرى بعد
تجربتها الأليمة مع أسامة!
حرّكت رأسها برفض وهي تفكر أنها لم تحب
أسامة بل كان محض وهم بخيالها رسمته
الروايات التي تقرأها فظنّته أحد أبطالها وأنها
ستجد معه السعادة بعد الإهانة كعادة تلك
الروايات ولكنها علمت معنى الحب بل تعلّمت
أبجديته على يد حبيبها معاذ.
معاذ الذي كان هدية القدر لها ولا تعلم حقا
كيف كانت تعيش من دونه كل هذه
السنوات؟!
ابتسمت لصورتها في المرآة وهي تتخيل رد فعله
عندما يراها فتتسع ابتسامتها وهي تهمس:
“مجنون وهيفضحني”
“يبقى نخلّص الزفّه بدري بقى قبل ما نتفضح
كلنا”
قالتها شروق التي دلفت إلى الغرفة وسمعت
جملة صديقتها فضحكت دارين عاليا قبل أن
تخفت ضحكتها وهي تقول:
“تفتكري هيفضل يحبني كده؟”
“اذا كان شامل لسه بيحبني مع كل اللي بعمله
فيه ده..يبقى معاذ مع رقتك دي مش هيفضل
يحبك؟”
أجابتها شروق ضاحكة لتشاركها دارين
الضحك بانشراح وهي تقول:
“لا لو على شامل المفروض نعملّه تمثال والله
انه مستحمل جنونك”
زمّت شفتيها بحنق وهي تقول:”للأسف مقدرش
أقول غير عندك حق, اوقات بيصعب عليا”
قاطعهما طرق على باب الغرفة لتدخل جويرية
مبتسمة لتهتف دارين بسعادة:
“جويرية, كنت خايفه ماتجيش”
ضمتها برقة وهي تقول:”ازاي بقى واسيبك مع
شروق لوحدك؟ حتى حرام عليا”
اتسعت عينا شروق وهي تقول:
“بقى كده؟ خلاص كل واحدة مع حبيب
القلب ونسيتوا إنجازاتي العظيمة”
ضمتها دارين وهي تقول:”ده انتي احلى حاجة
في حياتي يا شوشو”
ثم تابعت هامسة بمشاكسة:”بعد معاذ”
ضحكت جويرية عاليا وشروق تضرب دارين
على كتفها قائلة:”ماشي ياختي ابقي خلّي سي
معاذ بتاعك ينفعك”
حان وقت دخول القاعة التي يقام بها الزفاف
والتي ينتظرها معاذ بداخلها لتتجمد قدماها
وهي تمسك بيد والدها تقبض عليها ليربت
على يدها بلطف وهو يقول:
“معاذ هيحطّك في عينيه, انا متأكد من ده”
أومأت بصمت, هي على ثقة من معاذ ورجولته
ولكنها كأي فتاة تشعر بالرهبة وهي تغادر
منزل والديها فكيف بمدللة والديها دارين!
****
كان واقفا في انتظارها لا يصدّق أنها ستكون
له أخيرا وكأنه كان ينتظرها منذ سنوات!
رآها تدخل يبدو عليها التردد فابتسم بخفة
وهو يعلم مشاعرها جيدا فأي فتاة بمكانها
ستشعر بالقلق والخوف فكيف بدارين
الرقيقة!
“انا مدّيك اغلى ما عندي يا معاذ وواثق انك
هتصون الأمانة, بس مايمنعش أحذّرك
لو زعّلتها في يوم ماتلومش إلا نفسك”
قالها والد دارين وهو يسلّمها لمعاذ ليبتسم
الأخير بتفهّم وهو يمسك بيدها يقبض عليها
بقوة قائلا:
“دارين في عينيا وقلبي يا عمي”
ثم تابع بخفوت فلم تسمعه سوى دارين:
“وبعدين ينفع تهددني في ليلة مباركة زي دي
ده حتى مش كويس عشاني”
ضحكت بخفوت ليبتسم بمرح وهو يقول:
“اضحكي اضحكي ده مستقبل أمة يا بنتي”.
****
وقفت تراقبهما وعلى شفتيها ابتسامة حالمة
ليتنتفض على صوته:”ماتقفي عِدِل يا رتيل
وال انتي فرحانه بالناس اللي قاعدين
يبصولك”
صرّت على أسنانها وهي ترمقه بحنق قبل
أن تقول:”لآخر مرة يا حازم بقولك مالكش
دعوه بيا, انا ليا خطيبي هو اللي يقولي اه او
لا و…”
قبض كفيه بقوة وهو يقول من بين أسنانه:
“خطيب مين يا ام خطيب, ده هيكون آخر يوم
في عمرك لو فكرتي في حاجة زي دي”
رمقته بصدمة قبل أن تتحول نظراتها للحنق
وهي تتركه وتغادر متجهة للعروس ليسمع
ضحكة شامل الذي هتف:
“ايه يابني ده؟ ده انت ناقص تدّيها بونيّه في
دماغها.. مش كده يا حازم مش كده
يا حبيبي”
زفر بضيق وهو يقول:”عايزك بموضوع مهم
يا شامل, انت الوحيد اللي هتساعدني فيه”
أشار على عنقه قائلا:”رقبتي”
****
كانا يرقصان وكل منهما قلبه يقرع بقوة بين
جنباته لتقترب بشفتيها من أذنه هامسة:
“أحبك”
ليضمها له بخشونة غير مبالي بمن يحيطون
بهما:”عيديها”
لتعض على شفتيها وهي تهمس: معاذ.. الناس”
” عيديها يا دارين”
كرّر بصوت أجش لتدفن رأسها بصدره وهي
تهمس بحب:”بحبك اوي”
ليفاجئها بجذبها من ذراعها وهو يتوجه للخارج
قائلا:”كفايه عليكم كده بقى عايزينا في
حاجة”
ثار الضحك بالقاعة بعد مغادرة العريس
بعروسه لتتقابل عينا رتيل مع حازم ويلمح
نظرة الحزن بعينيها مثلما لمحها عندما دخلت
دارين مع والدها حتى يسلّمها لعريسها فيثق
أكثر بقراره الذي عزم عليه.
****
بعد يومين
استيقظت باكرا تشعر بالضيق يعتريها وهي
تجده لا يتحرّك لفعل شيء منذ عادا من
رحلتهما على متن الباخرة.. يتحاشى التواجد
معها بمكان واحد حتى عندما اقترحت والدته
أن يبحث لها عن عمل معه وعدها أن يفعل دون
اعتراض مما جعلها تندهش فهدوئه يجعلها
تتوتر ولا تعلم ما نهاية هذا الهدوء الغريب!
انتبهت من شرودها على رنين جرس الباب
لتفتح عينيها بكسل لتكتشف أنها كانت
مغمضة العينين وهي تستعيد لحظاتها الأخيرة
على الباخرة قبل العودة ووداعها لصديقاتها
الجدد وتبادلهن لأرقام الهواتف والحسابات
على مواقع التواصل الاجتماعي.
ابتسمت بكسل وذهبت لتفتح الباب وهي
تتثاءب متسائلة من يزورهما بهذا الوقت
المبكر من يوم الجمعة؟!
فتحت الباب لتتجمّد وهي ترى والدها يقف
أمامها يرمقها ب.. لم تهتم حقا بنظراته على
قدر فزعها أنه وجدها لتجد نفسها تصرخ
بالاسم الوحيد الذي لا يغيب عن ذهنها أبدا..
“حازم, الحقني يا حازم”
****
استيقظ لتوّه يتثاءب بكسل وهو يحاول
النهوض من الفراش حتى يستعد لصلاة الجمعة
فاغتسل وارتدى ملابسه وكان على وشك
النزول لتناول الإفطار حين سمع صوتها يصرخ
باسمه!
هرع إليها وقلبه يتخبّط بين ضلوعه من القلق
ومن سماعها لاسمه من بين شفتيها اللذين
يثيران جنونه..
استغفر الله وهو ينهر نفسه:
(اهدأ حازم ليس وقتك الآن.. اصبر قليلا
فقط)
تفاجأ من وجوده يرمقها بحزن وهي تقف أمامه
ترتعش من الخوف!
أغمض عينيه بألم على حال العجوز وابنته
ليقترب منه مربتا على كتفه وهو يقول:
“اتفضل يا عمي”
رمقته بذهول وهي تنقل بصرها بين حازم
ووالدها ليهولها مشهد والدها والذي لم تنتبه له
من خوفها ملامحه التي ظهر عليها السن
بطريقة أدمت قلبها ملامح قد اشتاقت لها على
الرغم من ظلمه لها مرارا وتركها لقمة سائغة
لزوجته وقريبها..
اقتربت منه تلقائيا ثم اندست بين ذراعيه
وتجهش بالبكاء, تفاجأ والدها وحازم برد
فعلها قبل أن يضمها والدها بقوة وهو يهمس لها:
“سامحيني يا رتيل, سامحيني يابنتي”
****
“تعال بقى فهّمني ابوها عرف مكانها هنا
منين؟ وازاي جاي هادي كده ومتقبل
وجودها هنا؟”
قالتها أم حازم لحازم فضحك لفضول والدته
وبدأ يخبرها ما حدث.
“الموضوع صعب اوي يا حازم مش هكدب
عليك”
قالها شامل ليومئ حازم بجدية وهو يقول:
“انا عارف انه صعب ويمكن يعمل مشاكل
كمان لكن لازم يحصل يا شامل, وطبعا انا
مقدّر لو انت مش …”
قاطعه شامل بصرامة:”بطّل هبل يا حازم, انا
بقول عشانك انت مش عشاني”
ثم تابع بمشاكسة:”بتحبها اوي كده؟”
رمقه بحنق ليضحك شامل وهو يقول:
“يا اخويا مش محتاج اعترافك انا عارف انك
واقع على الاخر”
ابتسم وهو يومئ قائلا:”على اد ماقاومت
مشاعري ناحيتها على اد مانا ماحسيتش اني
عايش الا لما عرفتها”
غمزه شامل:”ايوه ياعم, الحب بقى وكده”
ضحك حازم وهو يقول:”اهم حاجه انها متفقه
مع الحاجة عليا وده اللي مريحني”
تفهّم شامل مخاوفه وهو يقول:
“ماتقلقش يا حازم لو وحشة كانت شروق
فضحتك, بدام متعاطفه معاها تبقى كويسه”
ضحك حازم قائلا:”واثق اوي في المدام يعني”
“طبعا”
قالها شامل بثقة جعلت صديقه يبتسم قبل
أن يقول:
“المهم بقى هنعمل ايه؟”
“اهم حاجة نقابله بعيد عن العقربة مراته
ودي بقى خليها عليا, هخليك تقابله في ارض
محايده”
بعدها كان كل شيء ميسّرا ليدرك أن رتيل
حقا هي المقدرة له وأن الله يمنحه الإشارة على
حسن اختياره بعدما استخاره.
كان كل شيء ميسّرا وكأن والد رتيل كان
قد علم الحقيقة وكان في انتظار خبر عن
ابنته..
“ها يا بنتي انتي قولتيلي انك عارفه اخبار عن
بنتي”
قالها والد رتيل بلهفة لتومئ شروق برأسها وهي
تقول:”ايوه يا عمو هي قاعدة عند واحدة
قريبتي والأستاذ يبقى ابنها”
أشارت على حازم الذي اعتدل بوقفته وهو
يصافح الرجل الذي كان يتوق للكمه يوما
ولكن مشهده الضعيف جعله يدرك أي عجوز
ضعيف هو.
“قاعدة عندك في البيت؟”
قالها والد رتيل بدهشة وقبل أن يحتد حازم
وجده يقول:”ماصدّقش انها توافق على كده”
وجد نفسه يبتسم على ثقة والدها بها حتى
وهي متغيبة عن المنزل منذ عدة أشهر ليومئ
برأسه وهو يقول:”قاعده مع والدتي يا حاج,
انا قاعد في شقة تانيه, بنت حضرتك
أخلاقها لا يُعلى عليها”
ابتسم بفخر قبل أن تتهدل كتفاه فينتحي به
حازم جانبا وهو يخبره عن كل ما حدث وما
جعل رتيل تغادر المنزل ولكنه لم يخبره أنه
وجدها على قارعة الطريق بل حوّر الوضع
وجعلها صديقة لشروق وأن شروق ساعدتها
لتسكن مع والدته.
انتظر والدها الكلمة السحرية الذي استنبطها
من حديثه وبالفعل لم يتأخر حازم في عرض
طلبه
“مش هقولك رأيي غير لما اعرف رأيها”
قالها والد رتيل بحزم ليقول حازم:
“وانا جيت لحضرتك عشان كده, مش عايزها
تحس انها ناقصها حاجه, حضرتك اللي تقولها
طلبي, تحس ان لها عزوه وانها مش مجبوره أن
حاسه انها ممتنة ليا أو لمامتي”
أومأ متفهّما وهو يشعر أنه وجد الشخص المناسب
لرتيل حقا.. فبعدما رحلت عن منزله بفترة شعر
أن زوجته وابن اختها هما السبب رحيلها وأن ما
قالته عن ابنته التي يعلم جيدا تربيتها هو
محض كذب وافتراء لذا بعد فترة طلّقها ووقتها
فقط شعر أنه عاد للحياة من جديد.
****
أنهى كلامه لتبتسم له والدته بفخر قبل أن
تقول غامزة إياه:”امم كل ده عشان تتجوز
رتيل؟ بتحبها يا حازم؟”
أطرق بإحراج لتستفزه:”عموما هنشوف رأيها
هتختارك وال هتختار الاستاذ…”
انتفض قائلا:”استاذ بطيخ إن شاء الله,
يا انا يا عنّها ماتجوزت”
ضحكت بمرح وهي تقول:
“ده انت واقع على الاخر ماتعرفش فرحانه
فيك ازاي”
اتسعت عيناه قائلا:”فرحانه فيا؟”
“اقصد ليك, فرحانك ليك”
قالتها بمرح قبل أن تنهض قائلة:
“هروح اشوف العروسة”
****
“انت كنت عارف؟”
قالتها نغم بصدمة ليومئ برأسه وهو يقول:
“اي خبرتني امي بيلي صار من يومين”
“يعني هي بجد اتطلقت منه؟ انا مش مصدقه!
طب ليه؟”
سألت نغم ليربت على كتفها بلطف:
“كان بعجبك حالها معه؟كان بعجبك
تتحمل الاهانة طول الوقت؟ ابي وابوكي
بتشابهوا بعدم احترامهم للست.. ابي
باستخدامها ليرضي شهواته وابوكي
بإهانته لزوجته وكمان بناته”
أطرقت ببصرها وهي تشعر بالخجل من والدها
فكم من مرة أحرجها أمام غتوان بل أمام أي
أحد لم يهتم أبدا بمشاعرها أو مشاعر
شقيقتيها أو والدتها ورغم أنها لم تعارضه مرة
واحدة إلا أنها طالما تساءلت لِمَ تحتمله
والدتها؟!
رفع ذقتها ونظر بعينيها قائلا:
“ارفعي راسك نغم لا تنزلي راسك ابدا طول
ما انا حي”
“ربنا ما يحرمني منك أبدا”
قالتها بحب ليزفر بقوة وهو يقول:
“شو اعمل فيكي هلأ؟ امي وامك برا وانت
بدك جرّي لاشيا ما بصير عملها بهاد
التوقيت ابدا”
ضحكت برقة ليتمتم:”واضح انه ما في مفر
لازم اخطف شي يصبرني لاقعد برا بأدب”
وقبل أن تدرك ما يعينه كان يحني رأسه
ويعانقها ثم تركها بعد فترة متمتما:
” هيك بقدر اقعد بأدب لثواني وما في مانع من
وقت مستقطع بالنص”
أرفق جملته بغمزة وقحة لتخفي وجهها بصدره
ليتأوه بحنق وهو يقول:”شكلوا حطلع واعتذر
عن زيارتهم اليوم عنا اشيا اهم من سماع
كلامهن”.
****
حالما نادت عليه تستنجد به علم أنه ابنته
تحبه لذا عندما سألها عن رأيها به لمح النظرة
الهائمة على وجهها وشعر وقتها أنه كان بعيدا
عنها كثيرا وكم شعر بالذنب لذلك!
“انا شايف انه كويس بفكر اني اقوله على
حنان جارتنا بنت كويسه وتستاهل واحد زي
حازم”
اتسعت عيناها بقوة وهي تهتف:”ايه؟”
رمقها ببراءة قائلا:”ايه مالك يا رتيل؟”
صرّت على أسنانها بقوة قبل أن تقول:
“ولا حاجة يا بابا بس يعني حضرتك عارف
منين انه بيدور على عروسه؟”
ابتسم بمكر وهو يقول:”هو قالي”
شعر أنها على وشك البكاء فضمها لصدره
وهو يقول:”متعرفيش عشت استنى اليوم ده اد
ايه؟ يا ريت والدتك كانت موجودة عشان
تشوفك احلى عروسه في الدنيا”
رمقته بعدم فهم ليضحك غامزا إياها وهو
يقول:
“ايوه زي ما فهمتي, استاذ حازم متقدم ليكي
ها ايه رأيك؟”
لم تعلم ماذا تفعل!
هل تضحك أم تبكي أم تقفز بهجة لتلجأ
لصدر والدها وكأنها تعوّض الوقت الذي ابتعدا
فيه عن بعضهما ليضمها بقوة وهو يحمد الله
أنه حفظها من كل سوء.
***
ليلة زفاف رتيل وحازم
حرّكت رأسها ضاحكة وهي تفكر..
هذا المجنون قادر على أن يثير حيرتها
وخجلها وضحكتها وغيرتها فقط بكلمة منه
خطفها من الزفاف تاركا الجميع يحتفل في جو
مرح جعل التصفيق والصفير الحاد يسود القاعة
مشجعا له فكادت تختفي من الخجل.
“اتفضلي يا شابه”
قالها حازم وهو يفتح باب الشقة العلوية التي
كان يقطن بها فقد اشتراها من خاله حتى
يكون قريبا من والدته وحتى تأخذ كل
منهما حريتها وهذا كان اقتراح والدته .
رمقته بحنق وهي تقول:”ناقص تقولي ياختي
عليها ياختي عليها ماجت رجليها ماجت
رجليها.. ايه يا حازم شغل ريا وسكينة ده؟”
ضحك عاليا وهو يغلق الباب خلفهما قبل أن
يغمزها قائلا:”الله الحق عليا اني بدخلك
بالمود, مش احسن ما….”
رمقته بتساؤل ليحملها فجأة لتصرخ وهي
تتمسك به ليضحك وهو يدخل بها غرفتهما
ويضعها على الأرض دون تركها يحيط خصرها
بذراعيه قبل أن يقرّب وجهه منها هامسا:
“وأخيرا..”
“ايه؟”
تساءلت ليجيبها:”اخيرا بقيتي ليا اقدر اقولك
كل ال انا عايزه من غير ما احس اني بخون
الأمانة أو بستغل وجودك في بيتي”
شعرت بالفخر يحتلها بجانب السعادة لتزم
شفتيها ما إن تابع:”واحاسبك على كل مرة
غلّبتيني فيها”
“ده اللي هو انا؟!”
قالتها بحنق ليؤكد:”أيوه, استاذ بتنجان
متقدملي, استاذ بطيخ خطيبي, ده انا مسكت
نفسي بالقوة اني ماكسّرش دماغك”
همّت بالحديث ليتابع زاجرا إياها:
“وال الروايات اللي لحست مخك, البطل مش
عارف ايه, وبيبص ازاي ويبوس ازاي”
خفتت نبرته بالكلمة الأخيرة لترمقه بريبة
وهو يهمس:”ما تيجي نشوف مين احسن انا
وال البطل؟”
“احسن في ايه؟”
تساءلت وقبل أن تكمل جملتها كان قد ابتلع
آخر حروفها بين شفتيه وبعدها لم يكن
هناك مغزى للكلام.
****
بعد عدة أشهر
كل وجوه الناس تذكرني بك ووجهك
يذّكرني بكل شيء
هل مرّت شهور على زواجهما؟!
إذا لِمَ يشعر أنه لم يكن على قيد الحياة قبل
الزواج بها؟!
هل هذا هو الحب؟!
أم أنه تعدّى هذه المرحلة منذ وقت طويل!
زفر بضيق وهذا الدوام لا ينتهي.. يريد العودة
للمنزل ورؤية من حرمته النوم وحتى أحلام
يقظته تدور حولها.
كلما نظر بمكان رأى وجهها به, يرى
ابتسامتها البريئة في كل طفل يقابله,
نظراتها العاشقة التي لا يعلم كيف كان
يعيش بدونها تحيط به بكل مكان, صوتها
الرقيق يرن بأذنيه حتى أنه التفت حوله عدة
مرات متخيلا إياها أمامه.
نظر بالساعة ليجدها وأخيرا وصلت لموعد
مغادرته وما إن استعد للرحيل حتى دلف عصام
شقيقه يخبره:”عمرو, بابا عايزك”
زمّ شفتيه يمنع سبّه كادت تفلت من بين
شفتيه وهو يقول:”هي حبكت؟”
رمقه عصام بعدم فهم ليشير إليه بحنق وهو
يتبعه ثم سأله:”متعرفش عايزني ف ايه؟”
“اظن هيكلمك عن المشروع الجديد”
أومأ بصمت وهو يتساءل داخله..
ألا يستطيع والده الصبر حتى الغد حتى يسأله!
“خير يا بابا؟”
سأله ما إن دلف إلى غرفة مكتب والده ليرفع
والده حاجبه بدهشة قبل أن يقول:
“عايز اعرف منك تفاصيل المشروع الأخير”
“خلاص يا بابا إن شاء الله بكره هتلاقيه كل
حاجة عنه على مكتبك”
رمقه والده بصدمة وهو يراه يغادر دون حتى
سماع ما يقوله لينفجر عصام ضاحكا وهو
يقول:”معلش يا بابا هو واضح انه مستعجل,
لسه عريس جديد بقى”
ضحك والده وهو يقول:”هو هيفضل عريس
جديد كام سنة بالضبط؟”
*****
“وحشتيني”
همس بأذنها لتنتفض شاهقة بقوة قبل أن
تزجره:
“حرام عليك يا عمرو خضتني”
قبّلها بشوق قبل أن يقول:
“حرام عليكي انتي اللي بتعمليه فيا ده,
بقيت مسخرة ابويا واعصام في الشغل.. مش
عارف اركز في حاجة وعايز اخلص
شغل على طول وارجعلك”
ابتسمت تاج بحب وهي تقول:
“مانا كمان بفكر فيك على طول”
“يعني عايزه تفهميني انك بتشتاقيلي زي مانا
بشتاقلك كده؟”
همس بها عمرو لتعض شفتيها وهي تقول:
“اكتر”
“انتي شكلك ناويه عليا النهاردة صح؟”
غمزتها بعبث قبل أن تتملص من بين يديه
هاربة ليتبعها وهو يتوعّدها بشوق.
****
نظرة عين ونبضة هاربة كانت كل ما
أحتاجه لأقع صريع هواكِ..
كلمة خجولة ودمعة هاربة وأدركت
بعدها أنه لا مفر..
اختلفت اللهجات والعشق واحد
” نغم حبيبتي شو عم يصير معك؟”
قالها غتوان بخوف وهو يجدها لا تستطيع النوم
يبدو أن الآلام عاودتها لتبتسم بإجهاد وهي
تقول:
“ماتقلقش حبيبي, مش ولادة لسه بدري”
أسندها وهو يشعر بالخوف عليها ما إن علم
بحملها وطبيعته الصعبة حتى كاد يطلب منها
أن تجهض الطفل لولا خوفه من الله, ولكنه لم
يعد يتحمل رؤيتها متعبة هكذا.
صمته أعلمها أنه مازال يشعر بالخوف عليها
لتبتسم بحنو وهي تقول:”حبيبي, ماتخافش..
ده طبيعي ماما كمان كان حملها زيي كده”
“يعني رح عاني هل التوتر بكل طفل؟”
“كل طفل؟ ليه انت ناوي على كام واحد؟”
قالتها بارتياب ليضحك عاليا وهو يقول غامرا
إياها بحضنه:”ما بدي غير بنت وحدة تحمل
لطافتك ودلالك فارتي”
عبست مثلما تفعل كلما ناداها فأرتي قبل أن
تقول:
“يعني مش لاقي غير الفار اللي تشبهني بيه؟”
” شو فيها الفارة؟ لطيفة ودلوعة وبتدخل
القلب بحجمها الصغير”
قالها بعبث فزمّت شفتيها وهي تقول:
“لطيفه ودلوعه انتي متأكد انك بتتكلم
عن الفار؟ يعني قولي بطتي, وزّتي,
فرختي حتى مش فارتي”
ضحك عاليا قبل أن يقول:
“بس هي كلمات دلال قديمة بعدين انتي
صغيرة متل الفارة حبيبتي”
ليتابع وهو يقرّبها منه هامسا بوقاحة:
” بالرغم انه الاشيا اللي باقية ما بنحكى
عليها غير بطتي”
“وقح”
همست بها ليضحك عاليا وهو يضمها قائلا:
” وانتي بتحبي وقاحتي كتير لا تنكري”.
وأسدلت أهدابها وأنزلت الستار
رفعت رايات الاستسلام
والسماح بدخول القلب بدون قتال
(إهداء من عبير ناصر)
تمت بحمد الله
يتبع الفصل كاملا اضغط هنا ملحوظه اكتب في جوجل “رواية و اسدلت اهدابها الشروق للروايات” لكي تظهر لك كاملة
التعليقات