التخطي إلى المحتوى

      

 رواية الماسة المكسورة الفصل الثالث و الخمسون 53 –  بقلم ليلة عادل

 [ بعنوان: لا أستطيع الصمود بدونك ]
صافيناز بابتسامة ماكرة:
هي هتبقى حفلة بعقل؟ دي هتبقى أحلى حفلة، كل الناس هتتكلم عنها!
رشدي، وهو يرفع حاجبه بمكر:
المهم إن كل حاجة تكون على أكمل وجه.
ياسين، بلهفة وسعادة:
أنا هطلع أفرّح هبة. فريدة، إحنا هنروح نشوفه، سيبك منهم!
فريدة، وهي تنظر له بحذر:
بابي قال إنه نايم، فخلينا بكره نروح نشوفه. بس بصراحة، أنا مش هقدر ما أشوفهوش!
إبراهيم، بحسم:
خلاص، ننزل كلنا.
ياسين، وهو يتجه إلى الدرج:
أنا هطلع فوق الأول.
فريدة، وهي تهمس لطه بقلق:
على فكرة، مستحيل يرضى بالحفلة اللي أنتوا بتفكروا فيها. هو قاللي إنه هيقعد على كرسي بعجل فترة، وممكن يمشي بعدين.
طه، وهو يعقد ذراعيه:
هيفضل طول عمره ماشي بعكاز.
فريدة، بثقة:
إن شاء الله لا، هنشوف.
صافيناز، وهي ترفع كأسها بابتسامة منتصرة:
طب خلينا نشرب نخب الخبر السعيد… الأمير الصغير رجع تاني!
رفعوا الكؤوس واحتسوا المشروب، وسط ابتسامات خفية ونظرات ذات مغزى.
غرفة هبة وياسين
كانت هبة نائمة بعمق، حين دخل ياسين الغرفة بحماس. أضاء النور واقترب منها، ثم همس لها بلطف وهو يربت على كتفها.
ياسين:
هبة… حبيبتي، اصحي!
هبة، وهي تفتح عينيها بكسل:
في إيه، ياسين؟ بتصحيني ليه؟
ياسين، بابتسامة واسعة:
عندي خبر حلو ليكِ قوي!
هبة، وهي تجلس مستندة إلى الوسادة:
قولي، نفسي أسمع خبر حلو بجد.
ياسين، بعينين يلمعان فرحًا:
سليم فاق!
هبة، وقد اتسعت عيناها بدهشة:
بتتكلم جد؟!
ياسين، مؤكدًا بحماس:
أيوه، بجد!
هبة، وهي تضع يدها على قلبها بسعادة:
طيب روح شوفه فورًا!
ياسين، بحزن خفيف:
للأسف، مش عايز يشوف حد دلوقتي…كمان نام تاني. بكرة هروح له.
هبة، وهي تتنهد بخيبة أمل:
كان نفسي أجي معاك، بس الدكتور مانعني.
ياسين، وهو يلمس بطنها المنتفخة بحنان:
مش مهم، حبيبة قلبي، أهم حاجة صحتك وصحة بنوتتي الحلوة.
ثم همس بحب، وهو يطبع قبلة على خدها:
عمو سليم فاق… مبسوطة؟
هبة، بفرح غامر:
جدًا… بجد أول مرة أشوفك فرحان كده من فترة طويلة.
ياسين، وهو ينظر بعيدًا كأنه يسترجع ذكرياته: إنتِ ما تعرفيش سليم بالنسبالي إيه… ده مش مجرد أخ، ده كل حاجة في حياتي.
على إتجاه اخر
الصالون
داخل الصالون الفاخر، جلس عماد وصافيناز ورشدي ومنى وطه معًا، تتوسطهم نظرات مليئة بالخداع والتخطيط.
صافيناز، وهي تميل بجسدها للأمام وتبتسم بمكر:
تعرفوا إن اللي حصل ده بنسبة كبيرة هيكون في صالحنا؟
رشدي، وهو يرفع حاجبه باهتمام:
في صالحنا إزاي بقى يا صافيناز هانم؟
صافيناز، وهي تلعب بالكأس بين أصابعها:
سليم بالمنظر ده مش متقبل اللي حصل، وده معناه إنه مستحيل يرجع للمجموعة لفترة طويلة جدًا، ممكن توصل لشهور، ويمكن سنة أو أكتر، حسب حالته. هيفضل فترة على الكرسي المتحرك، وبعدها أكيد هيمشي على عكاز. فاكرين لما اتضرب قبل كده؟ كان المفروض يمشي على عكاز فترة، لكنه خد مكي وراح المزرعة، وما خرجش منها غير لما رجع كويس وماشي على رجليه! ده معناه ان سليم يستحيل يظهر وهو عاجز احنا لازم نستغل فتره غيابه.
عماد، وهو يهز رأسه موافقًا:
صح، لازم نستغل الوقت ده ونثبت نفسنا… نجيب شغل جديد للمجموعة.
طه، وهو ينظر له نظرة ساخرة:
أول مرة تفكر صح، بدل ما تفضلوا تتآمروا على سليم وتحاولوا تتخلصوا منه، فكروا إزاي تشتغلوا كويس وتثبتوا نفسكم للباشا.
رشدي، وهو يتكئ على الأريكة:
وأنا معاك يا طه… لازم نشتغل على نفسنا، ونثبت للباشا إننا أقوياء، ونستغل غياب سليم لصالحنا.
منى، وهي تعقد ذراعيها بتفكير:
بس لازم نبقى حذرين، لأنه حتى لو مشي بعكاز، مش معناه إنه فقد قوته وممكن يفاجئنا ويرجع ما تنسوش المره دي ماسة معاه، وزي ما فريده قالت هي الوحيده اللي قدرت توقف عاصفة سليم الراوي ماسة نقطه قوه كبيره بالسليم وهي لعكاز الحقيقي لسليم، وخطر كبير بالنسبه لنا.
صافيناز، وهي ترشف من كأسها بابتسامة جانبية:
ما تخافيش، إحنا مش بنستعجل… بس لما ترجع اللعبة لسليم، لازم يلاقي رقعة الشطرنج كلها اتغيرت لصالحنا.
عماد، وهو يضحك بخبث:
بالظبط… خلينا نبدأ التحركات!
ساد الصمت بينهم للحظات، لكن العيون كانت مشتعلة بالمكر، والخطط بدأت تتشكل في العقول، كلٌّ منهم يطمح للسيطرة في غياب “الأمير الصغير”
المشفى – الرابعة صباحًا
غرفة سليم
في الغرفة الهادئة، كان سليم وماسة ما زالا في سباتٍ عميق. كانت ماسة مستلقية على ظهرها، بينما سليم يغطي نصفها العلوي بثقله، يضع رأسه على صدرها، وكفه المرتعش مستقر على قلبها. في المقابل، كانت ماسة تحيط ظهره بأحد ذراعيها، بينما اليد الأخرى تستقر على رأسه، وكأنهما يحاولان أن يصبحا جسدًا واحدًا، وروحًا واحدة.
بعد دقائق، بدأت ماسة تحرّك جفونها ببطء، ثم رأسها ويديها. فتحت عينيها، وعندما وجدته نائمًا بهذا الشكل، ارتسمت على شفتيها ابتسامة جميلة، تحمل عشقًا وشوقًا. مررت أصابعها بين خصلات شعره للخلف، ثم وضعت قبلة دافئة على رأسه. بعد ثوانٍ، حاولت سحب نفسها بهدوء كي لا توقظه، لكنه شعر بحركتها، ففتح عينيه ونظر إليها.
نظرت له ماسة باعتذار وهمست بلطف:
– آسفة، صحيتك؟
هز سليم رأسه نافيًا، ثم رفع جسده عنها قليلًا قائلاً بنبرة ناعسة:
– لا.
بمجرد أن ابتعد عنها، ضمت ماسة شفتيها وهي تمرر أصابعها على صدرها، كأنها تشعر ببعض الألم نتيجة ثقل جسده عليها أثناء النوم.
عاد سليم ليستلقي على الفراش، ممسحًا على رأسه من الخلف وهو يتمدد. في تلك اللحظة، أضاءت ماسة المصباح الجانبي، ووجهت جسدها في زاوية الفراش قبل أن تتساءل:
– إحنا شكلنا نمنا كتير أوي…
مسحت على جبينها برفق، ثم نظرت إلى ساعة يدها باندهاش قائلة:
– دي الساعة ،4 الفجر! يانهار… إحنا تقريبًا نايمين من الساعة ١٠!
أومأ سليم برأسه مؤكدًا:
– مع إني نايم بقالي أربع شهور، بس حاسس إني محتاج أنام أكتر… مرهق أوي، ودماغي تقيلة.
لمست ماسة كتفه بحنان وهمست:
– طب نام، كمل نومك.
لكن سليم نظر إليها بحب، عيناه تلمعان بعشق وشوق، قبل أن يقول بصوت دافئ:
– تؤ، كفاية كده… أنا عايز أقعد معاكي وأشبع من عينيكي… مشتاقلك.
انتبه فجأة إلى وضع يديها على أعلى صدرها، فاقترب منها، ومسح بكفه على موضع الألم باهتمام ممزوج بالاعتذار:
– موجوعة؟ آسف، شكلي ضغطت عليكي بنومتي كده… بس مش عارف حصل إزاي.
نظرت إليه ماسة بابتسامة دافئة، ثم هزت رأسها نافية وهي تمسح على خده برقة، لا تريد أن تخبره بالحقيقة بأنها متألمة:
– مش تعبانة، بالعكس… ده أنا بحط إيدي كده لأني مبسوطة… لأنك كنت جوا حضني… زي زمان… إنت وحشتني أوي.
قبض سليم على وجهه للحظة، كأنه يشعر بألم مفاجئ، ثم مسح على قدمه اليمنى بانزعاج. لاحظت ماسة ذلك على الفور، فسألته بحزن:
رجلك وجعاك؟
هز سليم رأسه مؤكدًا:
– امم.
توقفت ماسة عن الحديث وبدأت ترتدي حذاءها، ثم التفتت إليه قائلة بحنان:
– أنا هاروح أبلغ الدكتور إنك صحيت، وأشوف لو محتاج حاجة علشان رجلك.
هز سليم رأسه موافقًا دون أن يتكلم.
فتحت ماسة الباب وخرجت إلى الخارج، وبمجرد أن خطت بضع خطوات، وجدت عشري ومكي يتوقفان أمام الغرفة.
نظر مكي إليها بقلق وسأل:
– في حاجة يا ماسة هانم؟
أجابته ماسة بهدوء:
– لا، مفيش، بس إحنا صحينا وعايزين الدكتور يطمن على سليم.
التفت عشري إلى الباب، ثم نظر إليها متسائلًا:
– هو أنا ينفع أدخل له؟
ابتسمت ماسة وأجابت:
– آه طبعًا، وكمان دلوقتي بقى هادي.
أومأ عشري برأسه قائلاً:
– طب أنا هدخل له.
وبالفعل، دخل عشري إلى الغرفة، بينما التفتت ماسة إلى مكي قائلة:
– مكي، ممكن تنادي على الدكتور؟
هز مكي رأسه موافقًا، ثم توجه للبحث عن الطبيب، بينما عادت ماسة إلى الداخل.
عند دخولها، وجدت عشري يضم سليم بشوق، بينما الأخير يبادله المصافحة.
قال عشري بلهفة واضحة:
– حمد لله على سلامتك يا كبيرنا، إحنا مستنينك عشان نرجع نحط على الكل.
ابتسم سليم بتهكم ورد عليه:
– أنا مش طايقكم.
نظرت إليه ماسة بجدية قائلة:
– سليم، إحنا اتفقنا على إيه؟
التفت إليها سليم وغمز لها بابتسامة:
– يا عشقي، إحنا بس بنتكلم.
ضحك عشري قائلاً بمبالغة:
– والله يا باشا، حقك تعمل فينا اللي انت عايزه، بس والله العظيم كأنهم أشباح… اختفوا! إنت تقوم بالسلامة، وإحنا هنعلّق لهم بوسترات على العربيات.
ضحكت ماسة بمزاح لطيف:
– عشري، خلاص بقى، انتقام إيه! ده أنا بعزّك، ما تخلّينيش أحطك في البلاك ليست مع مكي، مفيش كلام في الموضوع ده دلوقتي.
ثم نظرت إلى سليم وأكملت بابتسامة:
– على فكرة، أنا وعشري بقينا أصحاب… لطيف كده وبيتكلم، مش زي مكي… كُبَّة.
ضحك سليم وهو ينظر إلى عشري بمكر قائلاً بمزاح:
– إنتي هتقوليلي على عشري؟ ده حريميجي على قديم! شكلي هدبحك يا عشري.
ارتبك عشري فورًا ونظر إلى ماسة بتوتر، ثم التفت إلى سليم محاولًا تبرير الموقف:
– إيه يا ماسة هانم، اللي بتقوليه ده؟ ثم نظر لسليم بجدية وأضاف موضحًا:
– هو كل الحكاية إن إحنا كنا بنقعد نتكلم علشان الهانم ماكنتش بتسيبك خالص… وحضرتك عارف مكي مش متكلم.
ضحكت ماسة بمزاح، فقد فهمت سبب توتره، ثم نظرت إلى سليم قائلة بمرح:
– يالهوي عليك، ده إنت مركّب لهم الرعب حتى رجالتك!
ثم التفتت إلى عشري بابتسامة مطمئنة:
– ماتخفش يا عشري، إنت في حمايتي.
في تلك اللحظة، دخل الطبيب إلى الغرفة، يتبعه مكي وإحدى الممرضات. ابتسم الطبيب قائلاً:
– أتمنى يكون مزاجك رايق شوية.
ألقى سليم عليه نظرة هادئة، ثم ابتسم بتهذيب وهز رأسه بالإيجاب، فهو أكبر من أن يعتذر عن طريقته السابقة في التعامل معه. بجانبه، كانت ماسة تمسك بيده بقوة، وكأنها تمنحه القوة والدعم.
سأل الطبيب باهتمام:
– ممكن تشرح لي حاسس بإيه؟
أجاب سليم بضيق واضح:
– رجلي بتوجعني، وإيدي لسه بترتعش… بس حاسس إن النطق اتحسّن كتير.
أومأ الطبيب برأسه بتفهم وقال:
– هديك حقنة مسكّنة هتخفف كل الألم، ومن اليوم هنبدأ العلاج الفيزيائي.
نظر إليه سليم بجدية وقال:
– أنا عايز أفهم حالتي بالضبط… أنا عرفت بموضوع الرصاصة.
تنهد الطبيب قليلًا قبل أن يجيب بصراحة:
– بص يا سليم بيه، حالتك مش خطيرة، لكنها ممكن تبقى خطيرة لو حصل إهمال. الرصاصة موجودة في أسفل الظهر، وده تسبب في الضغط على الأعصاب، علشان كده أثّرت على رجلك. لكن مع العلاج، حضرتك هترجع طبيعي، بس فيه شوية محاذير لازم تلتزم بيها.
نظر إليه سليم بتركيز، فتابع الطبيب:
– ممنوع أي مجهود زائد… يعني مثلًا لو حضرتك بتمارس رياضة زي كورة القدم، للأسف، ممنوعة تمامًا. أي رياضة فيها جري أو حمل على القدم مش مسموح بيها، لأنك مش هتقدر تتحمل الألم. حتى نزول وطلوع السلالم مش مفضل خالص في المرحلة دي.
ارتسمت على شفتي سليم ابتسامة حزينة، وقال بنبرة مكتومة:
– يعني مش هاعرف أجري تاني ولا ألعب رياضة؟
أجابه الطبيب بعملية:
– مش هتتحمل الألم، ورجلك ممكن تقف فجأة، وده يعرضك لمضاعفات. لكن في تمارين تانية ممكن تمارسها عادي ودي الطبيب الفيزيائي هو اللي هيقولها لحضرتك.
زادت ملامح سليم ضيقًا وسأل:
– طب إنتو ليه ما شلتوهاش؟
تنهد الطبيب وقال بهدوء:
– كان فيه خطورة كبيرة على حياتك وقتها.
سأله سليم بمقاطعة ونبرة متوترة:
– زي إيه؟
أجابه الطبيب بجدية:
– لو كنا شلناها، كان فيه احتمال إنك يا تموت، يا تتشل. نسبة النجاح كانت ضعيفة، خصوصًا إنك كنت مضروب طلقتين تانيين في أماكن حساسة.
تجمدت تعابير سليم للحظة، ثم قال بألم مبطن:
– وده هيبقى على طول؟
هز الطبيب رأسه بتفهم وقال:
– مقدرش أجاوبك بـ “آه” أو “لأ” دلوقتي. لازم نعمل فحوصات تانية، وده مش هيحصل قبل سنة على الأقل.
ظل سليم صامتًا، ثم سأل بنبرة مكتومة وهو يحاول التحكم في مشاعره:
– طيب… هي السبب في موضوع الخلفة؟
الطبيب موضحاً:
للأسف، مكان الرصاصة ضغط على عصب معين، وده اللي أثر على القدرة على الإنجاب وخلى الخصوبة أقل. كمان الألم اللي بتحسه في قدمك اليمنى سببه تأثير الرصاصة على الأعصاب. حضرتك اتعرضت لـ ٣ رصاصات، ٢ في الظهر وواحدة في القدم، ودي كان ليها تأثير كبير على الأعصاب والعضلات، وده اللي مأثر على حركة رجلك وإحساسك بيها.
شعر سليم بأن الأرض تدور به، حاول التماسك بقوة حتى لا تهبط دموعه، لكنه لم يستطع منع صوته من الاهتزاز وهو يسأل:
– يعني… عمري ما هابقي أب؟!
قال الطبيب بنبرة مطمئنة:
– النسبة هنا أعلى في الاستشفاء، والطبيب المتخصص هو اللي هيحددها، لكني بأكد لك إنها أعلى.
ابتلع سليم ريقه بصعوبة وسأل:
– إمتى هخف من الألم والهزة اللي في إيدي؟
أجابه الطبيب:
– ده بيعتمد على استجابتك للعلاج الطبيعي والمواظبة على التمارين، وهكتب لك على شوية أدوية تساعدك.
أومأ سليم برأسه قائلاً باقتضاب:
– شكرًا.
تدخلت ماسة بقلق وسألت:
– طب هو ممكن ياكل إمتى؟
نظر الطبيب إليها وسأل:
– شرب حاجة؟
هزت رأسها بالنفي قائلة:
– لسه.
أشار الطبيب بتوجيهاته:
– خلي يشرب مية النهاردة، ١٠ سم كل ساعتين. أما الأكل، فممكن يبدأ من بكرة، بس يكون زبادي لايت، وهايكون زيه زي المية، ٢٠ سم كل ساعتين.
هزت ماسة رأسها بتفهم:
– تمام.
الطبيب:
-الميس فاطمة هتركبلك محلول مع مسكن هيوجعلك الألم ده، حمد الله على السلامة. عند إذنكم.
أثناء خروج الطبيب، سحبت ماسة يدها من يد سليم واقتربت منه وقالت:
ماسة:
دكتور.
التفت لها الطبيب: أ
فندم؟
ماسة بصوت خافض
هو ينفع ياخد شاور ويغير هدومه
الطبيب
آه عادي، بس مش هينفع يقف على رجليه.
ماسة:
ممكن يقعد على كرسي عادي، المهم المية والشامبو مش هيضروا.
الطبيب:
مافيش مشكلة. ماسة هانم، أحب أوضحلك حاجة، سليم بيه ممكن يخرج من بكرة، بس أنا حابب أخليه تحت الملاحظة بسبب الضغط النفسي والعصبي اللي عنده.
ماسة بقلق:
مفهوم، مفهوم. يعني هو الحمد لله بخير، مش هيرجع للغيبوبة؟ أرجوك ماتخبيش عليا.
الطبيب:
أطمني، هو بخير، ويقدر يرجع يمارس حياته بشكل طبيعي.
ماسة:
الحمد لله. (بنبرة منخفضة) حضرتك عارف طبعاً إن مرضى الغيبوبة بيكونوا لابسين حفاضات؟
قاطعها الطبيب بتهذيب:
حضرتك وإحنا بنطمن على سليم بيه وبنحضره قبل ماننقله للغرفة، شلنا قسطرة البول والحفاض. وكنا مدين له مهدئ عشان ما يلاحظش. طبعاً إحنا فاهمين إن حاجة زي دي ممكن تسبب له إحراج.
ماسة:
أرجوك، أوعى يعرف حاجة زي دي.
الطبيب:
ده أكيد.
ماسة:
شكراً جداً.
خرج الطبيب. عادت ماسة وجلست بجانب سليم، وأمسكت بيده وقبّلتها، بينما كانت الممرضة تضع له المحلول في الجهة الأخرى.
سليم بضيق:
كنتي بتقوليله إيه بصوت واطي كده؟
ماس بمزاح:
بسأل عن حاجة، هتتعرف قريب شوية، اصبر على رزقك. (وجهت نظراتها لمكي) مكي، ممكن تجيب لي شوية حاجات؟
مكي:
طبعاً يا هانم.
نهضت ماسة واقتربت من مكي.
سليم بتذمر:
ماتقولي قصادي.
ماسة بمزاح:
هقولك مفاجأة سر، اصبر. (أخرجت لسانها له) نظرت للممرضة: لو سمحتي، ممكن ورقة وقلم؟
الممرضة:
معايا قلم بس.
عشري، وهو يفتش في بدلتته، أخرج دفتر صغير قدّمه لماسة وقال:
اتفضلي.
أخذتهم ماسة وشكرته، ثم كتبت بعض الأشياء وأعطت الورقة لمكي
مكي:
ساعة بالكتير.
عشري:
سليم باشا أنا برة.
الممرضة:
لما يخلص بدلي المحلول.
ماسة:
تمام.
خرج الجميع وتبقت ماسة مع سليم.
سليم بإستغراب:
ماسة، ده وقت أسرار؟
جلست ماسة بجانبه، وأحاطت رقبته بذراعيها بدلال وقالت: وقته ونص كمان.
تبسمت وقبلته من جبينه وضمته:
لسة تعبان يا روحي.
سليم:
أمم، بس قادر أتحمل.
وضع رأسه على صدرها.
أحاطت ماسة بطنه بذراعها الآخر، ووضعت قبلة على رأسه وقالت:
إن شاء الله هتبقى بخير.
سليم:
أحكيلي بقى، عملتي إيه من غيري؟
ضحكت ماسة بدلال:
يــااااه يا كراميلتي، ده أنا عندي كلام كتير. يانهار، مش هاتصدق إن مراتك عملت كده، وهاتنبهر بيا انبهار مانبهرتهوشي في حياتك.
سليم وهو يتمسك بالكلمة:
ما انبهرتهوشي؟ زي ما تستصغرنيشي ههههه. إنتي لازم تحكيلي، بس استني أخلص الدوا علشان مش قادر، تعبان أوي. عايز أكون مركز معاكي والالم مش مخليني مركز.
ماسة وهي تمسح بيدها على بطنه:
سلامتك يا حبيبي.
بقلمي_ليلةعادل。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。⁩
(بعد وقت)
جاء مكي ومعه شنطة وأعطاها لماسة. أخذت ماسة منه الشنطة عند الباب ونظرت داخلها وسألت: جبت كل حاجة؟
مكي:
اها جبت كل حاجة مكتوبة في الورقة.
ماسة:
طيب، سليم هاياخد شاور فماتدخلش حد، وأنا هاقفل الباب بالمفتاح زيادة أمان. فين الكرسي اللي بعجل؟
مكي:
عشري راح يجيبه، مش عايزة مساعدة؟
ماسة:
لا.
أثناء ذلك، جاء عشري وهو يدفع المقعد للأمام.
ماسة:
شكراً.
أغلقت الباب بالمفتاح، نظر لها سليم باستغراب.
سليم باستغراب:
بتقفلي الباب بالمفتاح ليه؟
الفتت له ماسة بمزاح وهي تقترب بنظرات اغراء قالت:
ها اغتصبك يا مز مز إنت. وغمزت له.
سليم وهو يبتسم: أنا بأتكلم جد، بتقفلي الباب بالمفتاح ليه؟
ماسة، وهي تمرر أصابع يدها على خده بإغواء وبمزاح لطيف، قالت:
قولتلك، ها اغتصبك، ها أفقدك أعز ما تملك وأسيبك وأهرب، وأخلي سمعتك في الوحل.
سليم بمزاح وهو يقلب وجهه بحزن مصطنع:
مش هاتستري عليا يعني؟
ماسة برفع حاجب:
ولا أعرفك.
سليم بمزاح وهو يبتسم بجاذبية:
هاجرجرك في محاكم الأسرة.
ماسة تبسمت:
جرجر إلي يثبت، انت جيت معايا بمزاجك، حد ضربك على إيدك.
سليم:
طب والعيال؟
ماسة:
ها أرميلهمك، ومش هاعترف بيهم، وأبقى أسرح بيهم في ميدان السيدة. ههههههه.
سليم بمزاح لطيف:
مفترية! طب يهون عليكي إلي بينا بعد ما وثقت فيكي وسلمتك أعز ما أملك. اتجوزيني، أستريني، ده أنا طيب وبحبك.:
ماسة:
ما بتجوزيش واحد سلم لي نفسه من غير جواز.
ضحك سليم بشدة وقال:
يخرب عقلك! طبعاً، دي سمعتيها في فيلم.
ماسة وهي تضحك:
صراحة آه. أمسكته من يده وقالت: يلا معايا يا كراميل.
سليم متعجباً:
فين؟
ماسة بدلال:
ها، أديك شاور وأروق عليك وأدلعك يا كراملتي. بص، جبتلك إيه كمان؟ (أخرجت زيت.) هعملك مساج يخليك في حتة تانية.
سليم باعتراض:
ماتِهزريش، مش هينفع.
ماسة بلطف:
ليه يا كراملتي؟! أنا استأذنت من الدكتور وقال لي عادي، فيها إيه؟ هاتتكسف مني يا كراميلتي؟ ما إنت بتعمل معايا كده على طول.
سليم:
إحنا مش في بيتنا.
ماسة وهي تمسكه من يده:
قفلت الباب بالمفتاح، يلا بقى يا كراميلتي، بطل عند.
سليم تنفخ:
عارف إنك مادام صممتِ على حاجة مش هاتسكتي. طيب.
ماسة بمزاح:
ما كان من الأول غلاباوي أوي.
جذبت المقعد المتحرك. نظر سليم لها بضيق ورفض.
سليم برفض تام:
لا، مش هاقعد عليه.
ماسة باستغراب:
هو إيه اللي مش هاتقعد عليه؟ ده بس هيوصلنا لحد التواليت عشان إنت مش هتقدر تدوس على رجلك.
سليم بتصميم:
لا يا ماسة، قولتلك مش هاقعد على كرسي بعجل.
ماسة بحدة ممزوجة بمزاح:
بقولك إيه، ما بلاش فرهدة ورغي كتير، علشان إنت هاتقعد ترغي ساعة وفي الآخر هاتنفذ اللي أنا عايزاه. فإنجز نفسك، ووفر طاقتك والوقت، ويلا قوم.
رفع سليم حاجبيه باستغراب:
أرغي ساعة وأنجز!! إيه يا بنتي اللي إنتِ بقيتي فيه ده؟ أنا عايز أفهم بس الأربع شهور ونص اللي نمتهم، إيه اللي حصل لك فيهم؟ وإيه شخصية السفاح اللي إنتِ لبساها دي؟
ماسة رفعت حاجبيها وقالت بنبرة غليظة بمزاح:
أيوة، أنا بقيت سفاحة، خاف مني أحسنلك. ويلا قوم وأنجز نفسك بدل ما أذبحك.
تبسم سليم باستسلام:
حاضر.
ماسة:
أيوة كده برافو.
وهي تمسكه. يلا اتسند عليا.
أحاطت بأحد ذراعيها حول ظهره وأحاط سليم بذراعه حول رقبتها. ساعدته على الجلوس.
ماسة باهتمام وهي تربت على كتفه من أعلى:
إنت كويس يا روحي؟ حاجة وجعتك؟
ربت سليم على إيدها التي على كتفه بحنان بإبتسامة:
كويس يا قلب سليم.
تبسمت ماسة والتفتت خلفه ودفعته بالمقعد حتى المرحاض.
((المرحاض))
دخلا إلى الداخل، نظر سليم في الأركان فوجد أنه لا يوجد بانيو! فقط بانيو أرضي ودش.
سليم معلقاً:
مافيش بانيو.
أشارت ماسة بيدها اتجاه المقعد البلاستيكي وقالت:
معلش، هاتقعد على الكرسي ده.
دفعت بالمقعد نحو البانيو الأرضي وقالت:
يلا يا حبيبي، قوم.
أحاطت ظهره بذراعيها وساعدته على الجلوس على المقعد البلاستيكي. نظرت له ماسة بابتسامة وهي تتوقف أمامه مباشرة.
ماسة:
بص، أنا ها أحلقلك دقنك الأول، بعدين ناخد الشاور، أوكيه؟
سليم، برفض:
مش عايز أحلقها.
ماسة، بحب:
ماتقلقش، والله هاعملها لك زي ما بتحب. ممكن تثق فيا؟
نظر لها سليم بعينين مليئتين بالحب وقال:
أنا أصلاً ما بثقش في غيرك.
تبسما لبعضهما بعشق كبير وضما بعضهما بحب.
بعد ثواني، ابتعدت ماسة وبدأت في حلاقة ذقنه بماكينة كهربائية بتركيز. كان عينا سليم مسلطة عليها بعشق، وقربها منه جعل قلبه ينبض بقوة من شدة شوقه وحبه لها.
وبالفعل، قامت ماسة بتخفيف وتهذيب ذقنه بالشكل الذي يفضله. بعد أن انتهت، ابتعدت وهي تقول:
ماسة بمرح:
خلصت، بص كده.
نظر في المرايا التي على جانبه وهو يمرر يده على ذقنه وقال بإعجاب:
لا تسلم إيدك يا ماستي الحلوة! من النهاردة هتبقي الحلاق الخصوصي بتاعي.
ماسة رفعت حاجبيها بثقه:
قولتلك قبل كده، ماتستصغرنيش، هههه. يلا خلينا ناخد الشاور بتاعنا.
بدأت تساعده في خلع الملابس التي يرتديها.
سليم:
قفلتي الباب كويس؟
ماسة ابتسمت:
متقلقش.
سليم:
ما أعرفش ليه صممتي على كده، هو أنا ريحتي وحشة للدرجة دي؟
رفعت ماسة عينيها له برفض وقالت:
لا، ده إنت ريحتك فل وقرنفل كمان.
ضمته واستنشقت ريحته بحب، ثم وضعت قبلة بين حنايا رقبته وقالت:
ريحته قمر أصلاً…
ابتعدت ونظرت له بتوضيح قالت بتوضيح:
أنا بس بأعمل كده علشان تحس إنك فريش ومنتعش، وتغير المود، وتلبس لبس من عندك بدل الجاون ده.
تسالت متعجبه:
هو إنت متضايق ولا مكسوف مني؟
سليم تبسم وهو يهز راسه:
أكيد مش مكسوف.
وضعت ماسة يدها على خده ونظرت داخل عينيه بعشق:
ولا تبقى متضايق حتى، ده أنا ماسة حبيبتك. بعدين، هي أول مرة.
سليم بحزن:
بس المرة دي أنا عاجز.
ماسة برفض:
إنت مش عاجز على فكرة. إنت تقدر تاخد شاور لوحدك، أنا بس حابة أدلع جوزي حبيب قلبي اللي وحشني.
قبلته من خده وقالت:
أضحك بقى.
تبسم لها سليم بجاذبية استمرت في خلع ملابسه حتى أصبح عارياً تماماً. فتحت الدش وبدأت برش الماء على جسده وشعره، ثم وضعت الشامبو وبدأت تغسله برفق وحب. بعد ذلك، أخذت اللوفة وبدأت تمررها على جسده بحنان شديد. كان سليم ينظر لها بابتسامة مليئة بالحب والامتنان، يشعر بسعادة كبيرة لكل ما تفعله من أجله، وكل هذا الاهتمام. ثم أخرجت ماكينة الحلاقة العادية، ونظرت له بتصميم، وكأنها تستعد للخطوة التالية.
ماسة:
أرفع إيدك فوق.
تبسم سليم باستغراب:
لا ماوصلتش للدرجة دي.
ماسة بمزاح لطيف:
وصلت علشان أشيلك بيت العنكبوت اللي عندك، أنا عارفة إنك مش بتطيق نفسك كده. أرفع يدك يلا.
تبسم سليم لها:
حاضر، عارف إني مش هخلص. أنا هاسيبلك نفسي تعملي فيا اللي عايزاه وأنا ساكت.
ماسة بإبتسامة:
بالظبط كده، سيب نفسك مش هاتندم.
سليم وهو يمسح على شعرها بنظرات عاشقة ببريق عينيه:
متأكد إن عمري ماهندم.
تبسمت له، وأخذت تكمل ما تقوم به. بعد أن انتهت ماسة من إعطائه حماماً ساخناً، بدأت بتجفيفه ووضع الزيت العطري على ظهره، ثم قامت بعمل مساج.
ماسة بتوتر:
سليم، أمانة لو اتوجعت قولي على طول.
سليم:
حاضر.
كانت تقوم بعمل مساج برقة وحنان شديدين، فهي تخشى أن تضغط على ظهره بسبب الرصاصة التي ما زالت عالقة بداخله والأخرى التي تم إزالتها. كان سليم يتفهم تمامًا ما تفعله، وحاول طمأنتها بابتسامة خفيفة.
سليم:
عشقي، ماتخفيش كده،مش إيدك اللي هتحركها.
ماسة بقلق:
خايفة أوجعك.
سليم:
ماتخافيش.
أكملت ما كانت تفعله برفق، وبعدما انتهت، قامت بإلباسه ملابسه المنزلية الخاصة به، ورشّت عطره المميز، ثم شرعت في تصفيف شعره بعناية. كان سليم يشعر بالاستسلام والسكينة وسط هذا الحب غير المشروط الذي لم يختبره من قبل، يشعر بسعادة غامرة وهو يتلقى هذا الاهتمام والحب. لم يختبر أحد معه ذلك من قبل، حتى والدته، رغم أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يدخل فيها سليم المستشفى أو يكون قد تعرض للإصابة بالرصاص، إلا أن هذه كانت أول مرة يشعر فيها بهذا الكم من الرعاية والعناية، بهذا القدر من الحب والعشق، من شخص مستعد لفعل كل شيء من أجله.
ماسة بنبرة مرحة، رفعت عينيها له بعشق: وبكده نبقى خلصنا.
سليم وهو يمسك يدها بعينين تترقرق فيهما دموع الحب والامتنان:
تسلم إيدك يا عشقي. تعبتك معايا. ربنا مايحرمنيش منك ويخليكي ليا يا عمري.
ثم وضع قبلة ناعمة على رأسها بحب.
ماسة بحب وعينين اغرورقت بالدموع:
مفيش أي تعب. أنا مبسوطة وسعيدة أوي إنك أخيراً رجعتلي، وإنك شايفاك قدامي مفتح عينك وبتتكلم معايا وبتاخدني جوة حضنك. إني بسمع صوتك وبشوف ابتسامتك اللي بتدوبني فيك. لو كل التعب هيبقى بالجمال ده، يبقى اتعبني أنا بحب أتعبلك.
مسحت دموعها وتساءلت:
ها مش حاسس إنك بقيت أحسن بعد الحمام؟
سليم هز رأسه بإيجابية وقال:
امممم، كان عندك حق.
ماسة بلطف:
مش قولتلك خليك دايمًا واثق في قطعة السكر، يا كراميلتي، ماتستصغرنيش بقى.
(توقفت ثم أضافت)
يلا تعال نخرج برة.
حاولت أن تسنده، لكنه أوقفها بيده وقال:
استني، عايز أقوم لوحدي.
تنهد سليم بعمق، وكأنما كان يحمل عبئًا ثقيلًا على صدره. كانت ملامحه تعكس الألم، لكنه كان يصر على أن يتحمل ويتماسك، فلم يكن ليقبل أن يظهر ضعفه أمام أحد. حاول أن يتجاهل الألم الذي ينهشه، وبدأ في النهوض بخطوات بطيئة، لكنها مليئة بالعزيمة. كان واضحًا من ملامحه أنه يعاني، لكن قوته الداخلية كانت تفرض عليه أن يستمر. جلس على المقعد المتحرك، وكأن تلك الجلسة كانت انتصارًا صغيرًا في معركته. صفقت ماسة له وصفرت بمرح، ربما دون أن تدرك أن دعمها غير المباشر كان بمثابة جرعة أمل بالنسبة له، تشد من عزمه وتخفف عنه ثقل اللحظة.
ماسة بتشجيع:
برافو يا كرامليتي! برافو!
سليم بمزاح:
قولتلك قبل كده، أنا كمان ماتستصغرنيش! ههههه.
ماسة بدلال:
سلومتي، إيه رأيك تقعد عند البلكونة، وأفتحلك الستارة تشوف الشمس وتشم نسيم الهوا بتاع الصبح؟
سليم بابتسامة:
قولتلك قبل كده، أنا سلمتك نفسي.
بقلمي_ليلة عادل ⁦◉⁠‿⁠◉⁩
تبسمت وبدأت تدفعه نحو النافذة. فتحت الستارة وجزء من النافذة، وبدأ يدخل شعاع الشمس، فهي الآن الساعة ٧صباحًا.
نظرت ماسة في ساعة يدها:
إنت المفروض تاخد دلوقتي المحلول.
سليم:
خلي مكي ينادي على الدكتور.
توجهت ماسة نحو الكومودينو، جلبت المحلول وعادت إليه.
ماسة:
ليه وأنا موجودة؟!
(رفعت حاجبيها بغيرة)
ولا فاطيمة عجبتك؟
عقد سليم حاجبيه باستغراب:
إزاي يعني؟
ماسة وهي تقوم بتعليق المحلول وتوصيله في كانيولا:
بقيت أعرف
جلست على قدميها أمامه وهي تنظر في وجهه:
. تعلمت في الفترة إللي كنت باقعد فيها معاك لما كانوا بيغيروا لك بين المحلول والتاني، ويطلعوني برة، خليت الممرضة تعلمني علشان ما أطلعش إلا لو في حاجة كبيرة، الموضوع سهل، قولتلك مراتك شطورة، ماتستصغرنيش، ولا فاطيمة وحشتك وعايز تشوفها؟ قول قول، أنا مش ها أعمل حاجة، ها أدبح بس زي أستاذة نبيلة عبيد ما عملت في جوزها بفيلم المرأة والساطور.
تبسم سليم بجاذبية وهو ينظر إليها ويداعب خدها بحب:
مين فاطيمة؟ قولتلك كتير، أنا عمري ما استصغرتك. بعدين، شخصية السفاحة إللي إنتي متقمصاها دي مش حلوة خالص، مش حاببها.
ماسة وهي تمرر أصابع يديها على خده بحب ودلال: أمال حابب إيه؟
سليم بنظرات عاشقة وهو يلامس بأصابع يديه خصلات شعرها المندثرة على وجنتيها، وضع قبلة بعشق على أذنها وقال:
أنا بحب الشخصية القديمة، ماسة إللي لسه عندها 15 سنة وتقولي ماتستصغرنيشي ماتتنأورش عليا. بحب كلماتك المميزة، ونظراتك، طريقة كلامك القديمة ورغيك الكتير، بالرغم إنك دلوقتي برده زي القمر، إللي اختلف بس حاجات عادية زي اختيارك للكلمات واللكنة، بس برده، طريقتك زمان دي عشقي، ليه بطلتي تكلميني بيها؟ كلمينى بيها، أنا بحبها وحبيتك وأختارتك بيها.
تحدثت ماسة بطريقتها القديمة بدلال يليق بها:
“ما إني عارفة يا سليم بيه إنك بتحب طريقتي زمان، وماتستصغرنيشي دي بقى بالأخص هي إللي خلتك تدوب فيا.
سليم بابتسامة عاشقة:
دي مش دوبتني وبس، دي جبتني على بوظي، وخلتني عاشق ومغرم تراب رجليكي، وما اقدرش أعيش من غيرك وأموت في عيونك الزرق إللي مجناني. أنا عاشقك يا ماسة، عاشقك…
جذبها عليه بخشونة محببة، وضمها بشدة بين حنايا قلبه كأنه يريد أن يزرعها داخله. كان يشد بأكفه المرتعشة على ظهرها. أخذوا يضمان بعضهما بحب كبير. بدأ يهتز سليم ويخرج أنينه ببكاء فهو خائف أن تتركه وتذهب بعيدًا عنه وتتركه وحيدًا بائسا بعد مرضه وعجزه. قال بوجع يفتك بقلبه ويخنق صوته:
سليم بنبرة عاشقة ببكاء وضعف برجاء:
ماسة، أوعي تبعدي عني في يوم. ماتسبنيش يا ماسة، أنا ما أقدرش أعيش من غيرك، أنا بحبك أوي، خليكي جنبي، ماتسبنيش مهما حصل، أنا محتاجلك جنبي، أنا ماليش غيرك في الدنيا يا ماسة، قلبي ما يقدرش يدق غير بوجودك جنبي، نفسي بينقطع لو بعدتي دقائق عني، أنا حياتي متوقفة على وجودك. أنا يتيم ووحيد من غيرك، أرجوكي ماتسبنيش، أنا ضعيف ومهزوم من غيرك. أنا بحبك أوي أوي.
ماسة بإهتزاز وعشق ودموع وهي تشد على ظهره بيدها:
أنا مستحيل أبعد عنك يا سليم. أنا كمان ما أقدرش أعيش من غيرك، أنا بعشقك. إنت روحي وحياتي وقلبي، وكل حاجة ليا. أنا ما قدرتش أخد نفسي وأرجع لطبيعتي إلا لما رجعت لي بالسلامة.
أبعدها سليم وهو يضم كتفيها بكفيه المرتعشة وهو يبكي بوجع ويركز النظر في وجهها بضعف:
يعني إنتي مش هاتسبيني عشان الخلفة ورجلي؟
اتسعت عينا ماسة بصدمة وامتلأت بالدموع وهزت رأسها عدة مرات برفض:
مستحيل إيه إللي بتقوله ده يا سليم؟
سليم بنبرة مهتزة ببكاء:
ممكن تزهقي وإنتي من حقك تكوني أم وأنا ممكن ما أقدرش أحقق لك أمنيتك
تبسمت ماسة بوجع وهي تمسح بكفيها على خديه بحنان:
ما أنا أم، إنت ابني، ابني المفضل إللي بموت فيه، إنت مش بس جوزي بس، إنت جوزي وابني وحبيبي وأبويا وأخويا وكل حاجة في حياتي، إنت ابني حبيب قلبي، وأنا مستكفية بيك. وبعدين والله العظيم إنت هتبقى كويس، وكل إللي إنت فيه ده لفترة مؤقتة، ولو بعد الشر مش لفترة مؤقتة، إنت كفاية عندي. أنا مش هكون أم إلا منك إنت، وعايزة أولادي يكونوا منك.
بدموع بنبرة مهتزة بحزن أضاف:
إنت مش واثق فيا يا سليم؟ شايف إني ممكن في يوم أمشي وأسيبك؟ إني ما أقدرش أتحمل المسؤولية وممكن في يوم أتخلى عنك؟
هز سليم رأسه بلا بوجع، خنق صوته بدموع وخوف: لا، ما أقصدش كده، أنا بثق فيك اكتر من نفسي، انا لو الدنيا كلها خانتني إنتي لا، بس أنا خايف، خايف تسيبيني أوي بعد كل إللي حصل لي.
ماسة متعجبة بوجع:
إيه اللي حصلك؟! إنت زي الفل وسيد الناس كلها كمان، إنت ما فكش حاجة والله يا حبيبي.
سليم بقهر:
ماتكدبيش على نفسك يا ماسة. أنا بقيت مريض، عندي رصاصة دمرت لي مستقبلي، مش هخليني أرجع طبيعي مهما حصل، عمري ما هارجع سليم، وممكن ما أخلفش وما أقدرش أحققلك أمنيتك وتكوني أم، ممكن في البداية تتحملي، بس بعد كده ممكن تتعبي وتسيبيني. وحقك عارف إنه حقك، بس أنا مش هقدر والله، ما هقدر. علشان خاطري، ماتسبنيش، مش هقدر أعيش من غيرك يا ماسة عارف ان هي ممكن تكون انانيه مني بس ماتسبينش.
وضعت ماسة يدها أسفل ذقنه وركزت النظر داخل عينيه بعشق ودموع:
تأكد يا سليم إن الحاجة الوحيدة إللي ممكن تبعدني عنك هي الموت. لأن ماسة ما تقدرش تعيش من غير سليم، زي ما سليم ما يقدرش يعيش من غيرها. أنا بحبك يا سليم، أنا بتنفسك. أنا كمان ماليش غيرك والله العظيم وبحبك، والله ما هسيبك يا حبيبي، ماتخفش. أسيبك وأروح فين؟ حد يسيب روحه؟! إنت روحي، بعدي عنك بموت، ماتخفش.
جذبها من كتفها وأحتضنها بشدة، عانقته بكل قوة، وأحاط جسدها بكلتا يديها لأنها كانت، وما زالت، ملجأه وأمانه في هذه اللحظة. راحت تربت على رأسه وظهره بحب وحنان، بينما كان سليم يشد ذراعيه حول خصرها، يبكي بشدة بنهنهة متألمة وضعف. كانت هي أيضًا تبكي، متأثرة بحاله، لكنها حاولت أن تكتم صوتها كي لا تزيد من حزنه.
كان خائفًا بشدة من أن تتركه، فهو يعشقها إلى حد الجنون ولا يستطيع العيش بدونها ولو للحظة واحدة. هي الوحيدة التي تستطيع إسعاده، وإذا تركته، ستأخذ معها كل السعادة والحب والحنان والاهتمام. ماسة هي الوحيدة التي عشقت سليم من صميم قلبها، وقدمته كل الحب والاحتواء الذي كان يفتقده بشدة. كانت اليد الحنونة الوحيدة التي تربت على قلبه الصلب، الذي لم يهتز أو يدق لأحد غيرها. فإذا رحلت، سيعود وحيدًا تائهًا، كما كان قبل أن يعرفها.
ظلا في هذا الوضع لفترة طويلة، دون أن يعيا كم مرّ من الوقت وهما متشابكي الأذرع، في صمت مليء بالألم والاشتياق.
ابتعدت ماسة ونظرت في عينيه وهي تمسح دموعه:
حبيبي، خلاص بقى علشان خاطري. كفاية دموع ووجع. خلينا نفرح إننا لسه عايشين. أنا وأنت مع بعض، ومافيش حد فينا اتحرم من التاني.
مسحت دموعه من على وجهه وقبلته.
“دموعك غالية، ما بحبش أشوفها حتى لو ليا.(ابتسمت) أضحك، وحياة ماسة قطعة السكر.
لتهتف وهي تضحك:
ده أنت بقيت كئيب أوي.
سليم تبسم بحب:
أنا بحبك.
ماسة بمزاح محبب:
وأنا بموت فيك، يا سيدى سليم بيه. أضحك بقى!
وضع كفه على خدها بحب، وعينه مسلطة عليها.
أبعدها قليلاً وأمسك يدها، وجعلها تجلس على قدمه.
ماسة:
بس رجلك.
سليم بحسم:
قعدي.
ماسة:
حاضر.
جلست على قدمه اليسرى، وهما يتبادلان نظرات العشق والشغف. مرر سليم أصابع يده على شعرها، وعاد بها خلف أذنيها. ثم مرر يده على خدها، وعيناه لا ترمش بحب كبير. اقترب من وجهها بشدة حتى وضع شفتيه على شفتيها، وتبادلا القبلة بعشق كبير وشوق وهيام لدقائق، يحاولان تهدئة ذلك الشوق ولو قليلاً.
بعد دقائق، ابتعدا عن بعضهما بابتسامة جميلة، وهما ينظران لبعضهما بحب وشوق.
سليم:
وحشتيني أوي.
ماسة:
وإنت كمان وحشتني.
تبادلا النظرات بشوق وحب. تنهدت ماسة ونهضت من على قدمه.
ماسة بمرح:
إنت معطلني على فكرة.
سليم باستغراب:
معطلك عن إيه؟
ماسة بحماس:
إني أكمل إللي عايزاه. بص، أنا عايزاك تعيش الـ3 أيام دول كأنك في أوضتنا، بس طبعاً مش هاعرف أنقل كل حاجة من الأوضة بتاعتنا لهنا. يعني جبت فرش سرير من بتاعنا، مخدات، كام صورة ليا وإنت، وستارة صغننة.
سليم:
يا عشقي، مش مشكلة، خلاص اتعودت. خليكي بس جنبي كفاية.
ماسة:
أسكت خالص، مش عايزة اعتراض. قعد بقى كده استمتع بالشمساية الحلوة ونسيم الهوا الجامد، وسيبني بقى أقعد أعمل إللي أنا عايزاه علشان بعد كده هاقعد جنبك وأحكيلك بقى أنا عملت إيه طول الأربع شهور و١٨ يوم ماشي؟
سليم:
ماشي. طب افتحي الباب شوية علشان بقالنا كتير قافلينه. هايفهموا غلط كده.
ماسة بدلال:
ما يفهموا غلط. على فكرة حلوة في حقك أوي.” (غمزت له)
سليم تبسم:
بقيتي شقية أوي.
ضحكت له وعدلت المقعد حتى يكون في زاوية النافذة، وبدأت بتوضيب الغرفة كما تريد. بدأت بوضع برواز صور لها هي وسليم، وضع ستارة، وتغيير مفرش السرير. لكن أثناء ذلك، طرق الباب بشدة. ذهبت لفتحه، وعقد سليم حاجبيه بإستغراب، التف بالمقعد.
ذهبت ماسة لفتح الباب، وكانت فايزة نظرت لها بإستغراب وقلق، وهي تقول:
فايزة بشدة:
قافلة الباب عليكم بالمفتاح ليه؟
ثم وقعت عيناها على سليم بقلق. اقتربت منه وهي تمسح على وجهه:
حبيبي، إنت كويس؟
هز سليم رأسه بإيجاب:
الحمد لله.
دققت فايزة النظر في ملابسه ووجهه الحليق، فيبدو من مظهره أنه أخذ شاور.
فايزة:
إنت أخذت شاور؟ جميل جداً.
سليم وعينه على ماسة بابتسامة حب:
ماسة إللي أصرت.
فايزة:
لا برافو يا ماسة.
مررت عينيها في الغرفة على البرواز، مفرش السرير، والستارة. أكملت بإستغراب متسائلة:
إيه إللي إنتي عملتيه ده؟
سليم بجمود:
هو مطلوب مننا نبررلك؟
ماسة بابتسامة ناعمة:
يعني حبيت أعيش سليم كأنه في أوضتنا في الفيلا علشان أحسن مزاجه شوية.
فايزة ضحكت باستخفاف مبطن، وبارستقراطية، وقالت:
إنتي لسه مكملة في المسلسل الرومانسي بتاعك؟ ده شكله مابيخلصش! أنا مش بتريق.” (نظرت لسليم)
أصلها يا سيدي، طول ما إنت كنت في الغيبوبة، كانت بتعمل نفس إللي بتعمله ده. جمعت كل أنواع الموسيقى اللي بتحب تسمعها، وشغلتها، وجابت الكتب اللي إنت بتفضلها، وقعدت تقرأها. حتى طريقة لبسها رجعت تاني تلبس فساتينها المميزة بعد الأسود. يعني كانت فاكرة لما تعمل كده هاتسمعها وتحس بيها وترجع على طول. فضلت طول فتره الغيبوبه كده، ما زهقتش ولا أحبطت.
رفَع سليم عينيه نحوها:
إنتي بجد عملتي كده؟!
ماسة بحب:
أيوة، عملت كده، لو كنت أقدر أعمل أكتر من كده، كنت عملت، بس ماكنش ينفع علشان المكان معقم، يعني طبعًا ما حاسيتش بأي حاجة.
سليم:
حتى لو ما حاسيتش، تعبك بيعنيلي كتير، شكراً.
تبادل سليم وماسة الابتسامة بحب، ثم نظر سليم إلى فايزة وقال بتساؤل:
إنت ما مشيتيش؟
جلبت فايزة المقعد ووضعته بجانبه:
أمشي إزاي وأسيبك؟ أنا مستحيل أمشي إلا لما تكون كويس وأشوفك واقف على رجلك وأطمن عليك. أنا هفضل معاك الثلاث أيام دول.
ماسة، وهي تحاول إصلاح العلاقة بين فايزة وسليم رغم كل ما فعلته معها، قالت بطيبة:
على فكرة، فايزة هانم ما سبَتْكش ولا يوم واحد، كانت دايمًا جنبك في الرعاية، حتى وقت النوم كانت بتنام في الغرفة اللي بنقف نبص عليك منها.
سليم باستخفاف، وهو يرفع أحد حاجبيه بعدم تصديق:
فعلاً؟!
ماسة:
آه والله العظيم.
فايزة بحزن، وهي تربت على قدمه:
أنا عارفة إن ليك حق إنك ما تصدقش، وإنّي ماكنتش أم كويسة ليك وإنت صغير و لإخواتك، بس أنا بحاول أصلح جزء بسيط من الماضي. أتمنى إنك تسامحني، وتسمحلي إني أصلح الماضي ونقرب من بعض، وأسمع منك كلمة ماما لو مرة واحدة.
كان سليم ينظر إليها باستغراب، تتلاعب مشاعره بين الصمت والغضب، يتأمل ما تقوله وطريقتها، وعينيها اللتين تترقرقان بالدموع. تلك الدموع، رغم حزنها، لم تهزه لحظة واحدة. قلبه كان جامدًا كالصخر، لا يهتز ولا يتأثر. لم يكن هناك مكان لأي مشاعر من نوع آخر، فقد غادره كل شيء، كما لو أن الزمن قد طوى تلك اللحظات إلى الأبد. بدا له أن الوقت قد فات، وأنه أصبح مستحيلًا على فايزة استرجاعه. صحيح أنها كانت تفعل كل ذلك بسبب ما ارتكبته في حقه، لكن شعورها بالذنب لا يستطيع أن يعيد ما فقد، ولا يمكن لأي كلمة أو دمعة أن تشفي الجرح العميق الذي تركته في قلبه.
أرْتَسَمَتْ على شفتيه نصف ابتسامة موجوعة، وكأن الألم يعتصر قلبه، ثم قال بصوت ضعيف:
شكراً.
فايزة نظرت إليه بحزن عميق وقالت:
ما فيش شكر يا سليم، أنا أمك.
نظرت ماسة إليه بعينيها، تومئ بشكل غير مباشر لكي يقول لوالدته كلمة “أمي”
. رفع سليم عينيه نحوها للحظة، ثم أشاح بوجهه في اتجاه آخر، وكأن الكلمات التي تخرج من فمه أصعب من أن تُقال. لم تهزه تلك اللحظة، بدا كأنه متجمد، وكأن مشاعره تجمدت في مكان ما داخل صدره، لا يستطيع الوصول إليها.
أكملت فايزة بصوت متألم:
أخواتك عايزين يجوا، بس أنا قولتلهم إنك مش عايز تشوف حد ومتَعَصِب.
سليم رد بصوت بارد، وكأن الموضوع لا يعنيه: كويس، لما أخرج فاضل يومين.
فايزة، وهي تحاول إخفاء حزنه، قالت بهدوء:
على راحتك.
أثناء ذلك، دخل الطبيب ومعه الممرضة.
الطبيب:
صباح الخير سليم بيه.
سليم:
صباح النور.
الطبيب:
ممكن تيجي معايا علشان نبدأ بجلسات العلاج الطبيعي؟”
هز سليم رأسه بنعم، ثم نظر لماسة وقال:
عشقي، ممكن تيجي معايا؟
ماسة:
طبعاً، جاية.
بدأت الممرضة بإزالة المحلول، ثم دفعت المقعد للأمام، مع الطبيب، بينما كانت فايزة وماسة تقفان بجانب بعضهما، يراقبان سليم في صمت.
فايزة، وهي تنظر نحو سليم بجمود، تحدثت بنبرة حادة:
برافو يا ماسة، محاولة ذكية منك، بس مهما تعملي، يستحيل تبقي جزء مننا.
ردت ماسة، وهي تنظر أمامها بعينين مليئتين بالقوة:
أنا ماعملتش كده علشانك! أنا عملت علشان سليم، وبعدين حضرتك دايماً بتنسي…
ثم وجهت نظرتها لفايزة وأكملت:
أنا فعلاً جزء من العائلة. أنا مرات سليم، الراوي، وريث عرش الإمبراطورية.
تركتها ماسة وتحرَّكت خلف سليم، بينما كانت فايزة تراقبها بضيق، تجز على أسنانها بغضب وحقد.
دخل سليم غرفة العلاج الطبيعي، وبدأ الطبيب جلساته على قدمه ويديه. كانت ماسة تقف معه طوال الجلسة، تدعمه وتمسك بيديه بحنان، بينما كان سليم مستجيبًا بشدة للجلسة، أكثر مما كان متوقعًا. كان يشعر بالعزيمة أن يعود إلى قوته في أسرع وقت ممكن.
فيلا عائلة ماسة
نشاهد سلوى تخرج من بوابة الفيلا ويبدو عليها الضيق والغضب. كان مكي يتوقف أمام السيارة في انتظارها، اقتربت منه وتوقفت أمامه مباشرة ونظرت إليه بضيق.
تحدثت سلوى بشدة من بين أسنانها: هو في إيه! هو أنا مش قلتلك مش هخرج وطلبك مرفوض لما اتصلت بيا، إزاي تيجي لحد هنا، إنت اتجننت؟
رد مكي بهدوء ممزوج بلطف: أنا وجودي هنا طبيعي يا سلوى، ما تنسيش إني من حراس سليم وباجي هنا على طول، وبعدين إنتِ امبارح وافقتِ، إيه اللي خلاكِ تغيري رأيك؟
قالت سلوى بحدة: أظن إني حرة، أعمل اللي أنا عايزاه براحتى! فكرت ورجعت في كلامي، عندك مشكلة؟
أجابها مكي بإصرار: أيوه، عندي مشكلة.. يا سلوى، لو سمحتِ اديني فرصة أشرحلك.
ردت سلوى بضيق: وأنا مش عايزة تشرحلي حاجة.
شد مكي فكيه محاولًا تمالك غضبه، ثم تحدث بنبرة حازمة: من فضلك، خلينا نتكلم.. أنا مش هضيع وقت تاني وأفضل ساكت، كفاية اللي ضاع! حتى ما عندِكش فضول تعرفي أنا عايزك في إيه؟
نظرت له سلوى بعينين تترقرقان بالدموع، صوتها يختنق بالحزن: إنت حتى ما سبتش مكان للفضول يا مكي.
قال مكي بحزن مكتوم: للدرجة دي زعلانة مني؟
ردت سلوى بمراوغة: وأزعل ليه؟
قال مكي بمهادنة: طيب، خلينا نتكلم.. عشر دقايق بس، مستحيل أفضل سايبك فاهماني غلط وزعلانة مني أكتر من كده.. تعالي نتكلم عند محل العصير. ولو ما جيتيش معايا، هآخدك ونتكلم جوه.
اتسعت عينا سلوى بدهشة: إنت اتجننت يا مكي؟ إنت بتهددني؟
أجابها مكي بنبرة رجولية وتفسير واضح: أنا مش بهددك، أنا بفهمك اللي هيحصل.. أصلي أنا قتيلك النهاردة، هنتكلم يعني هنتكلم، ولو حد سألني من أهلك هقول له أنا عايز أتكلم مع بنتكم شوية. إنتِ لسه ما تعرفنيش، أنا مجنون.
نظر لها مكي بعينيه نظرة تحمل معنى جديته فيما يقوله.
تفهمت سلوى تلك النظرة، جزت على أسنانها وهي تقول: أنا هاجي مش لأني خايفة تخش جوه، بس علشان مش وقته. هاستأذن ماما، استنى.
وبعد قليل، جاءت سلوى وهي ترتدي ملابس الخروج.
نظر لها مكي بابتسامة عريضة، ثم قام بفتح الباب لها بتهذيب. نظرت له من أعلى لأسفل بضيق، ثم فتحت الباب الخلفي للسيارة وجلست على الأريكة.
نظر لها مكي بعدم رضا، زفر أنفاسه بضيق وقال، أستغفر الله العظيم، لا حول ولا قوة إلا بالله
أغلق باب السيارة بقوة، ثم اتجه إلى الجهة الأخرى وصعد إلى السيارة وقادها بها.
عند محل العصير الثالثه مساء
يجلس مكي وسلوى على إحدى الطاولات مقابل بعضهما، وتبدو على ملامح سلوى علامات الضيق.
سلوى بضيق: ياريت تقول بسرعة إنت عايز إيه، إحنا رايحين عند سليم.
مكي: بس سليم مش عايز يشوف حد.
سلوى تزفر بانزعاج: ممكن تدخل في الموضوع على طول؟
ينظر لها مكي بعشق يخرج من قلبه قبل عينيه، ثم يقول بنبرة واضحة تحمل الاعتذار:
عايزك تسامحيني، وعايزك تفهمي إني عمري ما كنت أقصد أزعلك بالشكل ده. صدقيني، لو كنت عارف إن اللي عملته هيجرحك كده، مش هقولك إني كنت هاخد موقف تاني، بس على الأقل كنت هاختار طريقة مختلفة.
تنظر له سلوى من أعلى لأسفل باستغراب:
أنا مش فاهمة إنت عايز تقول إيه؟
يعدل مكي من جلسته، يقترب بجسده من الطاولة ويركز النظر في ملامحها، ثم يقول بنبرة تحمل مزيجًا من الحب والحزن:
بصي يا سلوى، أنا بحبك، من أول ما شفتك وفي حاجة شدتني ليكي، ما كنتش فاهمها، بس فهمتها لما قربنا من بعض أكتر. عارف إننا ما قعدناش كتير سوا، كام مقابلة على كام مكالمة، بس رغم كده، لحد اللحظة دي مش قادر أشوف غيرك، ولا عايز غيرك.
أنا زمان لما قلت لك ماينفعش نتكلم، ده لأني كنت خايف. كنت خايف عليكي، وكان نفسي لما تيجي توافقي ترتبطي بيا، توافقي وإنتي فاهمة يعني إيه ارتباط. كنت عايزك تكوني وسط رجالة كتير، لكن من وسط كل دول تختاريني أنا، كنت عايزك تختاريني بعقلك قبل قلبك..
إنتي كنتي صغيرة أوي يا سلوى، كنتي يادوب 15 سنة. عارف إن سليم اتجوز ماسة في نفس السن، بس أنا ما كنتش راضي، واتكلمت معاه، لكن سليم مابيسمعش غير سليم وبس. وبرغم إني شفت إن سنها الصغير ما سببش مشاكل في علاقتهم، إلا إن دي مش مشكلتي.
مشكلتي إني كنت هاكون أناني لو خليتك تحبيني وتختاريني وإنتي ما شفتيش ولا عرفتي غيري. ماسة ما شافتش غير سليم، ماعرفتش رجالة غير سليم، وبالنسبة لها هو أحسن راجل في الدنيا، مش هأنكر إنه فعلاً أحسن راجل في الدنيا، بس برضه ما اداهاش حرية الاختيار، تشوف بنفسها وتقارن وتقرر.
كمان من ضمن أسبابي إن شخصيتي مش زي سليم، أنا صعب، شغلتي كمان صعبة وحساسة، وإنتي شوفتي اللي حصل لماسة وسليم. علشان كده قررت أبعد وأسيبك تكبري وتنضجي وتقابلي، وفي الوقت المناسب هاجي وأعرض عليكي حبي، علشان لما تيجي توافقي، توافقي بعقلك قبل قلبك.
كانت سلوى تستمع إليه بتركيز، دون أن تتحرك أو تبدي أي رد فعل، وكأن كلماته لم تؤثر فيها ولم تقتنع بها. عدلت من جلستها، حمحمت قليلاً، ثم قالت بعقلانية:
أنا سمعتك للآخر من غير ما أقاطعك، وسبتك تقول كل حاجة نفسك تقولها، بس كل اللي إنت قلته ده ما هزّنيش ولا فارق معايا.
نظر لها مكي باستغراب، لكنها أكملت بتوضيح وهي تعدل من جلستها وتقرب وجسدها من طاوله تحدثت بعقلانية بنيرة تحمل ف طياتها أنين مبطن:
بص يا مكي، إحنا مش بنات صغيرة سهل يتضحك علينا، ولا مشفناش رجالة قبل كده غيرك إنت وصاحبك! لا، إحنا شوفنا رجالة واتعاملنا مع رجالة كتير على كل لون. شوفنا اللي زي سليم، آه هما يتعدوا على الصوابع، وللأسف ماكنوش بيقعدوا كتير، يعني كم ساعة ويمشوا. واللي زي ياسين، ما هو ما يتخيرش عن سليم في أدبه وذوقه، وشوفنا اللي زي رشدي، واللي زي طه، واللي زيك، وغيرهم كتير. أصحاب لارا ولورين، ومنصور باشا، كانوا بيقعدوا بالأيام، ده غير طبعًا شباب البلد ورجالتها، ما إحنا برضه كنا بنشوفهم ونتعامل معاهم. فإحنا فاهمين وعارفين الرجالة اللي مش تمام من الرجالة المحترمة…
مالت برأسها وهي تركيز النظر في ملامح الوجه بعقلانية شديدة قالت:
ماسة لما حبت سليم، ما حبتوش علشان هو الشخص الوحيد اللي حنّ عليها! هي حبيته علشان كان مميز، عمل الحاجات اللي غيره ماعملهاش، مش بس الحنية والاحترام، تؤ! كان مختلف، قلبها اختاره هو..
فإحنا كنا فاهمين كل حاجة وقتها، حتى وإحنا صغيرين. تربيتنا، حياتنا، وطريقة عيشتنا كبرتنا قبل أواننا يا مكي….
أنا مش هأنكر إن زمان كنت بحبك، بس كنت بحبك علشان كنت معجبة بالحالة، بالهالة اللي إنت عيشتني فيها، لأني بصراحة عمري ما حد عمل معايا كده. إنت كمان كنت مميز، زي ما سليم كان مميز، وعلشان كده أنا كمان حبيتك.
قاطعها مكي بسعادة: طب مادام بتحبينى طب ده كويس ليه…
قاطعته سلوى بحزن بعين تترقرق بالدموع:
لا مش كويس إنت أخذت قرارك من غير حتى ما تاخذ رأيي كان ممكن تيجي تقولي تيجي تفهمني تشرحلي مش فجأة تطلعني فوق النجوم وتخليني ألمسها بإيدي وفجأة تنزلني على الأرض وتقول لي فوقي النجوم مابتتلمسشي.
قاطعها مكي بحب:
بس أنا فهمتك، عملت كده علشان كنت خايف عليك، علشان بحبك.
سلوى بوجع بنبرة مهتزة:
حبك ده وجعلي قلبي، خليتني أسأل نفسي: هو أنا للدرجة دي ما بتحبنيش؟! للدرجة دي كنت غبية! للدرجة دي كنت عايشة في وهم! حتى بعدها ما حاولتش. أنت سبتني سنين، سنين يا مكي، وأنا مش فاهمة حاجة، وأسأل نفسي كل يوم: هو حبني ولا كنت باتوهم؟ طب لو حبني، مشي ليه؟! طب لو كان وهم، اللي كنت بعيشه ده اسمه إيه؟! فضلت أسأل نفسي سنين مش لاقية إجابة، ومش فاهمة هو فيه إيه؟! وجاي بعد كل ده تقولي تعالي نرجع؟! لا يا مكي، مش هأرجع. حبك ده بالنسبة لي يخوف. إنت بتقرر تمشي وما بتفكرش في اللي معاك، أنا مش عايزة حب بالطريقة دي، أنا عايزة حب زي حب سليم لماسة، حب كبير، كله تحدي، إن حبيبي ده ما يتحملش يبعد دقائق، مش يسيبني اكتر من خمس سنين من غير ما يكلف خاطره يعرفني ليه ماشي.
مكي بوجع:
سلوى، صدقيني، أنا كل اللي كنت بفكر فيه وعايزة وقتها إني ما أضغطش عليك بحبي، لأن لو كنت قولت، كنتي هترفضي، علشان قلبك هيبقى متحكم فيكي، ووقتها ماكنتش عايز أبقى أناني.
قاطعته سلوى بدموع وبحدة:
كنت خليك أناني، أنا كنت عايزاك أناني، بس تفضل جنبي، ولا توجعني كده.
مكي برفض:
لا يا سلوى، الحب مش أنانية. الحب الحقيقي إني أخليك تختاريني بكامل وجدانك، بقلبك وعقلك وروحك. ما استغلش قلبك علشان تختاريني، إنتِ طبعًا شوفتي رجالة كتير، أنا عارف ده، إنتِ ماكنتيش عايشة في صحراء، بس يا سلوى، تعاملك عن قرب وإنتِ صديقة، وإنتِ أخت، وإنتِ زميلة، حاجة تانية خالص، مش زي ماكنتي بتتعاملي بحدود شغلك.
تنهدت سلوى وقالت:
ما علينا، طريقة تفكيرك وإنت حر فيها. إنت فكرت ونفذت من غير ما تفكر فيا. وأديني أهو بعد سنين وأنا كبيرة فاهمة، بقى أقولك أنا آسفة.
نظر لها مكي بنبرة مهتزة بعين تترقرق بالدموع:
يعني إيه آسفة؟
سلوى ببرود مصطنع:
يعني آسفة، أنا مش هأرجع أكمل في مشوار ما بدأتش فيه، وأظن إنت كنت عايزني أقبلك أو أرفضك بكامل قوايا العقلية مظبوط، واهو أنا برفضك بكامل قوايا العقلية.
مكي بتأثر، هز رأسه بلا:
لا، إنتي مش بترفضيني علشان إنتي مقتنعة بده، إنتي بترفضيني علشان إنتي زعلانة، إنتي بتعاقبيني.
سلوى:
أظن أنا حرة في أسباب رفضي.
مكي بعقلانية ورفض:
لا يا سلوى، إنتي مش حرة. ارفضيني باقتناع، ارفضيني علشان أنا مثلاً مش مناسب لأي أسباب، لكن علشان بتعاقبيني لأنك زعلانة مني، ده ماينفعش.
توقفت سلوى ونظرت له:
مكي، إنت طلبت إني أسمعك، وقلت لي لو الكلام عجبني تمام، لو ما عجبنيش ممكن أمشي. في حاجة تانية عايز تقولها؟
رفع مكي عينيه نحوها، قائلاً بحسم:
أنا مش هابطل أحاول أرجعك لي.
ابتسمت سلوى ببرود:
بس إحنا أصلاً ما كناش مع بعض.
مكي:
خلاص، علشان تبقي ليا.
سلوى:
هو مش إنت قلت المفروض أختار بعقلي وليا حرية الاختيار؟ ولا هي هاتبقى عافية؟
نهض مكي وتوقف أمامها، ونظر داخل عينيها قائلاً بحسم:
لا، مش عافية. بس ارفضيني لأسباب. في أسباب، أنا هابعد، مافيش أسباب، ومجرد زعل على حاجة عملتها لمصلحتك، وعند بنات، أنا مش هبطل.
نظرت له من أعلى لأسفل وتحركت دون أن تتفوه بكلمة. نظر لها مكي وهو يجز على أسنانه بغضب عارم. لم يتوقع أنها سترفض بهذه الطريقة. قبض كفه وضرب على الطاولة بقوته.
___________بقلمي_ليلةعادل⁦。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。⁩
_المشفى ٣م
_غرفة سليم.
_نشاهد الطبيب يقوم بعمل جلسات العلاج الطبيعي لكف سليم، وكان يجلس على المقعد المتحرك وماسة تقف بجانبه تتابع الأمر بتركيز.
أمسك الطبيب بكف سليم وقام بتحريكه:
سليم بيه، حاول تزق إيدك معايا بقوة.
قام سليم بدفع كف الطبيب وقال:
دكتور، هو التمرين ده هيجيب نتيجة معايا ويخلصني من الهزة دي؟
الطبيب بعملية:
الأدوية مع التمارين، إن شاء الله، هتجيب نتيجة. مش أكتر من أسبوع والاهتزاز هيبدأ يقل.
رفع سليم عينه بضيق:
يعني إيه هَيقل؟ أنا عايزه يروح خالص.
الطبيب:
إن شاء الله هيروح، بس ممكن ياخد وقت شوية. يعني أسبوعين، ثلاثة، شهر بالكتير، لكن بأكدلك إنه هيقل
ثم نظر إلى ماسة وقال باحترام:
“ماسة هانم، خليكي مركزة علشان التمارين دي هتعمليها مع سليم بيه.
ماسة:
حاضر، هي التمارين دي هنعملها كل يوم؟
الطبيب:
لا طبعًا، علشان ما نحملش على عضلاته، هي هتكون ثلاث مرات في الأسبوع، لكن التمارين دي هي بس اللي هتبقى كل يوم علشان نقوي أعصاب الكف شوية.
ماسة:
طب ممكن أعملها قدامك عشان تشوف إذا كنت بعملها صح ولا غلط؟
الطبيب:
اتفضلي.
سحب الطبيب يده من كف سليم، وقامت ماسة بمسك كفه وعملت نفس ما فعله الطبيب.
الطبيب:
حركي إيده أكتر.
ماسة:
كده.
الطبيب زم شفتيه بأسف:
لا، برده إنتي كده هاتجهدي العصب، هاتي إيدك كده.
هزت ماسة رأسها بإيجاب، قربت يديها إلى الطبيب، وقبل أن تتلامس يداهما، نظر لها سليم بنظرة غيرة وحدة ونظرة مخيفة.
سليم بنبرة رجولية بحدة:
هو ماينفعش تعلمها من غير ما تمسك إيدها؟
الطبيب بارتباك:
أنا كنت بس هاعلمها.
سليم بحدة:
شوفلك طريقة تانية.
شعرت ماسة بالتوتر وفهمت أن سليم غار بشدة، حاولت تدارك الموقف:
طب معلش، يا دكتور هاجرب تاني، هات إيدك يا سليم.
أمسكت ماسة يد سليم وشبكت كفها بكفه، بدأت بدفع يده:
ها.
الطبيب:
شدي على إيده أكتر بس مش قوي.
ماسة:
كده.
الطبيب:
بالضبط، صح، كده هتعملي كده كل يوم لمدة ١٠ دقائق بين كل ثلاث دقائق، دقيقه راحه.
ماسة:
تمام.
الطبيب:
إحنا كده خلصنا، ممكن ياكل زبادي دلوقتي.
ماسة:
٢٠ سم.
الطبيب:
تمام، عن إذنكم.
خرج الطبيب إلى الخارج، وجهت ماسة نظراتها لسليم.
ماسة بضيق ممزوج بإستغراب:
هو كمان الغيرة في التعب؟
سليم بتعجب:
يعني إيه الغيرة في التعب؟ إنتِ كنتِ عايزاه يمسك إيديكِ ويلمسها عادي كده؟
ماسة بشدة:
هو هايحب فيا؟ ده كان هايعلمني إزاي أعملك التمرين.
سليم بشدة:
عنه ما علمك يجي هو يعملها. هو بياخد فلوس علشان الشغلانة دي. ولو ها أدفع له 100 ألف جنيه في الجلسة الواحدة ما عنديش مشكلة، ولا يلمس إيدك. وبعدين إنتِ إزاي وافقتِ؟ وكمان واقفة تتخانقي معايا إني منعتك.
ماسة بتوضيح ممزوج بشدة:
علشان دي حاجة ما ينفعش فيها إني أقول لا. سليم، كبر عقلك شوية، دي مفيهاش غيرة على فكرة.
اتسعت عينا سليم بضيق، جز على أسنانه، وهو يقلب عينيه محاولًا تمالك غضبه، قال:
ماسة، أقفلي على الكلام ده عشان أنا بدأت أتعصب، من ردك مستفز.
ماسة بضيق:
ماشي، أنا ها أسكت علشان بس إحنا في المستشفى.
فتحت باب الثلاجة الصغيرة وأخرجت علبة الزبادي وطبق صغير. قامت بفتح العلبة وسحبت بالسرنجة 20 سم من الزبادي وضعتها في الطبق، ثم جلست أمامه على الأريكة وهي تنظر له بضيق، فلم يعجبها ما فعله.
قدمت له ماسة المعلقة بوجه عابس:
أفتح بوقك.
سليم بتعجب وهو يعقد حاجبيه:
إنتِ فاكرة إني ممكن آكل وإنتِ مكشرة كده؟
تبسمت ماسة ببرود وقالت:
حلو كده، اتفضل كل.
دقق سليم النظر داخل عينيها بنظرات عاشقة وابتسامة جذابة. تبادلت ماسة معه النظرات، حاولت مسك ضحكتها، فهي تضعف أمام تلك الابتسامة الساحرة.
ماسة:
ماتبصليش كده، إنت بجد مجنون. ده علاج علشان إيدك تخف.
سليم بحب:
إنتِ عارفة إني مجنون بيكي، وبغير عليكي، إيه الجديد؟ وبعدين مافيش حاجة اسمها يمسك إيدك علشان يعلمك. ده مش مبرر، في حاجات كتير ممكن تتعمل. إنتِ أتعلمتي أهو من غير مايمسك إيدك. هو بس كان بيستسهل.
ماسة تنهدت بعدم اقتناع:
طب يلا، افتح بوقك.
سليم وهو يهز رأسه بلا:
لا، مش هأكل غير لما تضحكي في وشي.
زاد من نظراته العاشقة بحب:
عشقي الأبدي، فين ضحكتك الحلوة؟
تبسمت ماسة برقة بحب:
إنت بتستغل حبي ليك وضعفي ناحيتك صح؟
سليم تبسم:
صح. وضع قبلة على خديها.
ماسة تبسمت:
يلا، افتح بوقك.
بدأت في إطعامه الزبادي، وبعد الانتهاء…
ماسة بحب:
ألف هنا يا حبيبي.
قبلها سليم من يدها وقال:
تسلم إيدك يا ماستي الحلوه.
نظرت له بابتسامة جميلة أثناء وضعها الطبق على الكومودينو. فجأة، فتح الباب واقتحمت الغرفة لورجينا وهي تركض صوب سليم، عانقته بشدة.
فجأة، فتح الباب واقتحمت الغرفة لورجينا وهي تركض صوب سليم، عانقته بشدة.
لورجينا وهي تعانق سليم قالت بشوق وعينيها تذرفان دموع الفرحة:
حمد لله على السلامة يا حبيبي، حمد لله على سلامتك، أول ما عرفت إنك فوقت جيتلك على طول، كنت ها أموت عليك يا سليم.” (ضمته)
أثناء ذلك، كانت ماسة تقف تنظر باندهاش وصدمة مما تفعله لورجينا مع سليم، بينما اتسعت عينا سليم بصدمة كبيرة كادت أن تخرج من مكانها مما تفعله لورجينا. هو يجز على أسنانه بضيق، وجه نظراته نحو ماسة التى كانت نيران الغيرة تفتك بها. حاول سليم إبعاد لورجينا عنه بضجر.
سليم بنبرة غليظة:
لورجينا، إيه اللي بتعمليه ده؟ ما يصحش كده.
ابتعدت لورجينا وهي تضع كفها على خده، ففرحتها جعلتها تنسى كل العالم من حولها. نظرت إلى المقعد الذي يجلس عليه وقالت بصدمة:
إيه ده؟ إيه اللي حصل؟ ليه قاعد عليه؟
سليم وهو يبعدها عنه قائلاً بجفاء:
أنا كويس، لو سمحتي ما ينفعش كده.
رفع عينه مرة أخرى نحو ماسة بترقب لكي يعرف مدى تأثير ما فعلته لورجينا عليها. كانت ما زالت متوقفة مكانها تنظر بذهول وضيق. لم تعد ماسة قادرة على التحمل أكثر من ذلك. ارتسمت على وجهها ابتسامة ضيق، وعلى آخر كلمات لورجينا نظرت له وقالت بغيرة.
ماسة بغيرة ممزوجة بحدة:
ولما إنتِ هتموتي عليه، أنا بقى المفروض أعمل إيه؟
وفور نطقها تلك الكلمات، رفع سليم عينه نحوها وهو يزفر فقد تأكد أن الموضوع لن يمر بخير. توقفت لورجينا واستدارت لها، فيبدو أنها أخيرًا عادت لصوابها.
لورجينا بنبرة مهتزة بخجل:
أنا آسفة يا ماسة. (نظرت لسليم) أنا آسفة يا سليم، بس بجد قلبي كان جواه ألم كبير طول ما إنت كنت في الغيبوبة، ولما شفتك بخير، فرحتي ما بقتش سايعاني، ما قدرتش أمسك نفسي. أنا حقيقي آسفة.
حاول سليم إمساك ماسة من كفها لكنها أبعدت يديه عنها.
ماسة بنبرة حادة:
ماشي.
حاول سليم مسك يدها مرة أخرى لكنها أبعدتها ووضعتها خلف ظهرها وشبكت يديها خلف ظهرها لكي لا يستطيع سليم مسكها.
ماسة بجمود:
أنا هأخرج برة هكلم أختي.
أخذت في التحرك لكن أوقفها سليم قائلاً بنبرة رجولية:
ماسة استني.
رفعت ماسة حاجبيها وقالت بشدة:
با أقولك هكلم أختي، بعدين خليك على راحتك مع حبك القديم.
سليم بنبرة رجولية عالية: “ماسة! مــاسة!”
كان قلبه يعتصر وهو يحاول اللحاق بها، لكن قدميه كانت تعيق حركته، والمقعد المتحرك الذي أصبح جزءًا من حياته كان يشكل حاجزًا أمامه، مما يزيد من شعوره بالعجز. كانت تلك اللحظات مؤلمة، كما لو كان يفقد شيئًا ثمينًا في كل ثانية تمر. لم يكن يشعر بالغضب من ماسة، بل بالحزن العميق، كما لو كان يشعر بأنها تبتعد عنه بسبب تصرفاته الأخيرة.
لكنها لم تهتم لنداءه، تركته وراءها وخرجت من الغرفة، وأغلقت الباب خلفها بشدة. الصوت الذي أحدثه الباب وهو يغلق كاد أن ينخلع من مكانه، كان صوتًا يردد في أذنه، وكأنما يصرخ في وجهه. كان ذلك الصوت كالسكاكين في قلبه، يؤلمه بشكل لا يوصف. فور خروجها، ضرب على يد الكرسي بيده بقوة، حاملاً في قلبه غيظًا وحزنًا عميقًا على ما تسبب فيه لها. أما ماسة، عند خروجها، ضربت بكفها وجبينها بحائط، غاضبة ومجروحة من تصرفه مع لورجينا، كأنها تحاول قمع مشاعرها التي كانت تتأرجح بين الحزن والغضب.
على اتجاه اخر.
رفع سليم عينيه نحو لورجينا وجزّ على أسنانه قائلاً بتَهكّم:
عجبك اللي عملتيه ده؟
لورجينا، مع اهتزاز في نبرة صوتها ودموع في عينيها، قالت بتوضيح:
بعتذر يا سليم، أنا مكنتش أقصد، أنا…
قاطعها سليم بحدة:
يعني إيه مكنتيش تقصدي انت عملتي لي مشكله مع مراتي؟!
لورجينا، بدموع وحزن شديد، قالت بتوضيح:
يا سليم، والله ما كنتش أقصد اللي حصل. أنا أول ما عرفت إنك بخير، جيت زي المجنونة. وأول ما فتحت الباب وشوفتك قاعد ومفتح عينك، ما قدرتش أتمالك أعصابي. نسيت كل حاجة، وكل اللي استوعبته عقلي إنك فوقت من الغيبوبة وصحيت وإنك بخير. ما كانش قصدي أسبب لك أي مشكلة مع ماسة، قلبي كان فرحان بيك، ومشاعر جوّايا ما قدرتش أوقفها أو أسيطر عليها. مشاعر صادقة، ما فيهاش أي كيد أو مؤامرة أو حاجة وحشة. فرحت بيك يا سليم، هي دي كل الحكاية.
زفر سليم باختناق. هو يتفهم ما تشعر به، لكن هذا لا يرضيه. فحاول أن يكون هادئًا معها، ليتمالك غضبه ويجنبها كلمات جارحة. فهو ما يزال يشعر بتأنيب الضمير تجاهها، فمسح وجهه، ورفع عينيه نحوها وقال بهدوء، لكن بجفاء شديد، كمحاولة منه أن يجعلها تنسى أي أمل في العودة بينهما.
سليم، بجفاء محاولًا الحفاظ على تهذّبه، أشار بيده وقال، وهو يحاول أن يخفي التوتر في صوته: لورجينا، لو سمحتي، كفاية. هي خلصت. أنا مش عايز أتعامل معاكِ بأسلوب إنتِ عارفة كويس، لو سمحتي، يا لورجينا اللي إنتِ بتعمليه ده ماينفعش، إحنا خلاص من زمان، من عشر سنين، أنا دلوقتي راجل متجوز وبأعشق مراتي، ومش هسمح بأي حاجة ممكن تضايقها حتى لو كانت حاجات صغيرة،
اللي بتعمليه ده ماينفعش، حتى مشاعر الخوف والوجع اللي بانوا على ملامحك وفي نبرة صوتك ما ينفعوش، ادّيهم لأي راجل تاني يستاهلهم ويقدرهم، لكن أنا لأ… لأ ..
تنهدت وأكمل بنبرة هادئه بها بشعور بذنب:
لورجينا. أنا لسه بحاول أحافظ على آخر خيط بينا، علشان خاطر العشرة والصداقة، ولأني أذيتك كتير. بحاول أكفر عن ذنوبي، بس صدقيني، لو حسيت إن الخيط ده ممكن يضايق ماسة أو يأثر على علاقتي بيها…
فجأة تحولت نظراته ونبرة صوته لبحة رجولية، وباتساع عينيه بشراسة، قال بحسم:
.. هقطعه، بس هقطعه بشكل مش هيعجبك، بلاش تطلعي شخصية سليم القديمة، لو سمحتي يا لورجينا. ماتخلينيش أبقى قليل الذوق والأدب معاكي.
شعرت لورجينا بوجع شديد من حديثه، وكأن قلبها تمزق إلى آلاف القطع الصغيرة، كل كلمة خرجت من فمه كانت كالسكاكين تخترق أعماق روحها. لم تكن تقصد شيئًا مما حدث، ولكن الكلمات التي قالها كانت أقسى مما يمكن أن تتحمله. هي تعلم جيدًا أن كل شيء بينهما انتهى للأبد، وأنه لا يوجد أمل في العودة، ولكن قلبها الذي ما زال متعلّقًا به كأنما كان يرفض أن يصدق الواقع. كل شيء فيه كان يشدها مرة أخرى، حتى وهي تدرك أن هذا الحب أصبح مستحيلًا، أن هذا الطريق مغلق نهائيًا. ومع ذلك، كانت مشاعرها تزداد شدة، وكأنها معركة بين عقلها الذي يعلم أن الوقت قد حان للمضي قدمًا، وقلبها الذي لا يزال يُصر على البقاء في الماضي، يرفض أن يتركه
لورجينا بدموع وتهكم في نبرة عالية:
هو إنت فاكر إني فرحانة بنفسي يعني إني لسة بحبك؟ بعد كل اللي إنت عملته فيا؟ ولا فرحانة بلهفتي عليك بالشكل المهين ده؟ أول ما شوفتك فوقت من الغيبوبة بخير…
بغيظ وضيق، تتحدث من بين أسنانها بدموع وبوجع عصف بقلبها:
بس أعمل إيه في قلبي الضعيف اللي لسة متعلّق بيك وبيتألم لما يحصل لك حاجة؟ أنا عارفة ومتأكدة إنه مفيش 1% أمل إننا نرجع… وأنا أصلاً مش طمعانة في ده ولا عايزاه حتى، أنا ما شفتش منك غير الوجع والأذى بس يا سليم، أنا محدش أذاني قد ما إنت أذتني.، إنت خليتني أفقد الثقة في الناس، أي واحد هايجي يقدم لي حبه هابقى خايفة ومش هاصدقه، ولا هقدر أدي فرصة لأي حد، لأني هخاف يعمل زي اللي إنت عملته فيا، ويحط لي السم في العسل زي ما إنت عملت بالضبط، أنا هافضل طول عمري وحيدة بسببك، أنا أديتك كل حاجة ممكن ست تقدمها لراجل، وماخدتش منك غير وجع القلب والقهر وذكريات كلها ألم، يمكن ماسة شافت حاجات كتير حلوة منك، بس أنا عمري ما شفت منك إلا قليل،
لكن ماسة، شافت سليم الجديد، أعتقد لو عاشرت سليم القديم ماكنتش هتتحملك…
بضعف وحزن اضافت:
أنا مش عارفة ليه لسة لحد اللحظة دي مش قادرة أتخطاك، واقفة على أيامنا مع بعض، أنا ماكنتش عايزة حاجة، ولا كنت عايزة أعملك مشكلة مع مراتك. لو كنت عايزة أعمل مشكلة، ماكنتش هستنى اكتر من 5سنين، بعد رجوعك من سنه العسل بتاعت، كل الحكاية زي ما إنت قولت، العشرة والصداقة، وإن اللي كان بينا زمان مكانش عادي، فخلاني أعمل كده.
بضعف، ونبرة مليئة بالقهر:
هو أنا لو كنت مكانك، ماكنتش هاتزعل عليا؟ ولا كنت هاتيجي تطمّن وتفرح إني رجعت للدنيا تاني؟
كان سليم يستمع لها، ورأسه منخفضة بعذاب ضمير ينخر قلبه بسبب ما تقوله. رفع رأسه لها بنظرة مليئة بالندم وقال بتأكيد وإيجابية:
كنت هازعل طبعًا، وكنت هاجي أشوفك وأطمن عليكي، وكنت هافرح إنك قومتي بالسلامة، ومش هقولك تاني يا لورجينا، أنا مديونلك بحاجات كتير، وماكنش ليه لازمة تقولي الكلام ده، لإنّي عارف أنا أذيتك قد إيه!
تنهد بصوت عميق ثم تابع:
وهو ده اللي مخليني بتعامل معاكِ كده. اطلبِي أي حاجة تخليني أكفر عن ذنوبي، بس مش على حساب علاقتي بماسة. لإنّي مستحيل أخلي أي حاجة، مهما كانت، تبوّظ حياتي الجديدة، حتى لو كانت لورجينا… يعني عندي استعداد أقتل ضميري ولا أخسر ماسة.
مسحت لورجينا عينيها بدموع بوجع وجلست على قدميها، ركزت نظرها داخل عينيه وقالت بقوة:
والله يابختها، بس حقي أنا هاخده. ماسة هاتعرف تاخد حقي وحق كل إللي كسرتهم يا سليم، عشان دلوقتي إنت وقعت في العشق في الضعف. دايمًا كنت بتقول العشق ضعف، وإنت مش بس عاشق، إنت ميت فيها، كفاية بس علشان خرجت برة شوية متضايقة اتوجعت إزاي وهاتتجنن وتصالحها وقاعد تبخ سمك فيا بالكلام…
(تنهدت) أنا أسفة، ماتقلقش، أنا مش هاجي تاني. مش ها أضايقك بوجودي وبمشاعري. أنا أصلاً بقالي اكتر من اربع سنين مش موجودة في حياتك، أكيد مش هاجي بعد كل السنين دي عشان أدمرلك عش الزوجية السعيد. حمد لله على السلامة بعد إذنك.
كادت لورجينا أن تخرج من الباب، لكنها توقفت عندما استمعت لحديث سليم.
سليم بضعف:
أنا آسف يا لورجينا، ومش ها أبطل أقولها لحد ماتسامحيني. وياريت تحاولي تعيشي حياتك وتنسي سليم، سليم انتهى من حياتك للأبد. إنتي تستاهلي حياة حلوة زي إللي بتتمنيها طول عمرك، صدقيني.
هزت لورجينا رأسها بنعم، ممزوجة بوجع هز قلبها: مبروك لرجوعك بالسلامة.
خرجت من الباب والدموع تملأ عينيها بوجعٍ شديد. كانت ماسة تقف على الحائط المقابل للباب، تسند ظهرها عليه. نظرت لها لورجينا بوجعٍ شديد، وكأنها تريد أن تقول:
“لماذا أحبك كل هذا الحب؟ لماذا لم يمنحني حتى نصفه؟ ماذا بكِ ليس بي؟ لكي يعشقك كل هذا العشق الذي جعله يتخلى عن العالم بأسره لأجلك؟ وأنا التي أعطيته كل شيء لم أخذ منه غير ألم قلبي.
نظرت لها ماسة، وهي تعقد حاجبيها بإستغراب على تلك الدموع التي تنهمر من وجهها الشاحب. تبادلتا النظرات لثوانٍ، ثم تحركت لورجينا حتى آخر الممر.
كان سليم يشعر بضيق شديد مما حدث، فهو لم يكن يتمنى أن يصل الأمر إلى هذه المرحلة، خاصة في هذا التوقيت العصيب مسح وجهه محاولًا استعادة هدوءه، لكنه بدأ في تحريك المقعد نحو الباب بصعوبة بسبب هزة يده، محاولة للبحث عن ماسة والصلح معها. وفور أن اقترب من الباب، شاهدته ماسة اعدلت من وقفتها بتعجب، فتقدمت نحوه مهرولة حتى توقفت أمامه.
ماسة بتعجب:
رايح فين؟
رفع سليم عينيه إليها وقال:
كنت عايز أشوفك فين.
ماسة بجفاف:
أنا هنا أهو.
سليم:
طب تعالي.
ماسة: حاضر.
دخلت وأغلقت الباب، ثم التفتت خلفه وبدأت في تحريك المقعد، وعند وصولها إلى الفراش توقفت.
ماسة بجفاء:
هتقعد على السرير ولا الكنبة؟
أمسك سليم يدها وجعلها تقف أمامه.
سليم باستغراب:
إيه إللي إنتي عملتيه ده؟
رفعت ماسة أحد حاجبيها وقالت:
عملت إيه؟
سليم باعتذار:
أولًا أنا آسف على إللي حصل، ثانيًا ينفع اللي عملتيه؟ إنتي مش شايفة إنك أديتي الموضوع أكبر من حجمه؟ وبنادي عليكي، ماترديش عليا؟ أنا كنت هاعرف أوقفها عند حدها، أنا حاولت أمسك إيدك علشان أرد عليها، وإيدك في إيدي، لكن إنتي مادتنيش فرصة أمسكها. كمان خرجتي برة، وأنا منادي عليكي، ماترديش منك عارفه ان انا مش هعرف اجي وراكي… ده ينفع؟
نظرت له ماسة بضيق شديد، وكانت تجز على أسنانها بسبب ما قاله. كيف يقول لها إنها أضخم الموضوع ويتهمها بأنها أخطأت في ردة فعلها؟ أخذت تتحرك في الغرفة يمينًا ويسارًا بغضب شديد ممزوج بتعجب، وأخذت تمسح جبهتها بأطراف أصابع يدها. كانت عينا سليم تتحرك معها بحيرة، يحاول تفسير ما بها.
توقفت، ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة غاضبة وقالت بعصبية وهى تنظر له بنبرة عالية: أديت الموضوع أكبر من حجمه! لا ياحبيبي أنا مادتش الموضوع أكبر من حجمه ! أنا مادتلوش حجم من الأساس، علشان أنا لو كنت اديته حجمه،
واصلت بغيظ وهى تحرك يدها تتحدث من بين أسنانها:
كنت جبتها من شعرها ومسحت بيها بلاط المستشفى وخلتها فرجة، كان زمان المستشفى بتتفرج علينا دلوقتي، بس أنا طلعت برة عشان لو كنت وقفت شوية كمان ماكنتش ها أقدر أسيطر على غضبي
متعجبه مررت عينيها عليه:
عايزني أعمل إيه وأنا شايفها نازلة أحضان و بوس فيك، ومش فارق معاها إللي واقفة جنبك! مطلوب كنت أعمل إيه ها؟ أقف أشجعكم!! إيه هو أنا مابحسش وبغير، وحضرتك قال إيه!!
واصلت بنبرة ساخرة وهى تغير نبرة صوتها:
بس يا لورجينا ماينفعش كدة.
زغرت له بعينها واصلت بنبرة ساخرة:
ياحلاوتك ياجمالك، خايف على مشاعر الأستاذة، بطبطب عليها وإنت بتقولها عيب مراتي واقفة،( بغضب) بدل ماتزقها وتقلب وشك وتكلمها بنبرة صوتك الجامدة، ده إنت لما تقولي ماسة، أقسم بالله بتنفضني لما بتقولها وإنت متضايق والا متعصب، راحت فين ها ؟ أكلتها القطة ! ولا دي ماينفعش تطلع للأستاذة لورجينا علشان احساسها ومشاعرها ماينجرحوش؟
بتأثر وغيره ببحه:
طب ماسة فين من كل ده !! أنا كمان بحس وعندي مشاعر وبغير زيك،
(بنرفزة أكبر ) ياشيخ ده انت قلبت وشك لما الدكتور المحترم إللى في سن أبوك كان هايعلمني حاجة علشان يعالجك بيها مجرد ماسمعت إنه هايمسك إيدى قلبت وشك وعينك وصوتك، ولو كنت طولت تجيبه من زمارة رقبته كنت عملتها، وطبعاً لو مكناش هنا أقسم بالله يا سليم ماكنت هاتعدي موضوع إني وافقت إنه يمسك ايدي عادي كنت هاتزعقلي، وتمسكني من دراعي وتقربني منك وتبص جوة عنيه وتقولي (قلدته ) ماسة ملك سليم وبس مينفعش حد يلمسك أنا بموت من الغيرة (صاحت بيه) مش كدة !!!
بعين أغرورقت بدموع أكملت بنرفزه:
لكن ماسة تاخد رد فعل بسيط تبقى كبرت، الموضوع! عايزني أسكت وأنا شايفة واحدة عمالة تحب وتعشق في جوزي وقال إيه أنا كنت ها أموت عليك، ونازلة عياط وبتعبرلك عن مشاعر الحزن والوجع، وأنا واقفة شايفة ده بعيني وإنت عمال تحسس عليها، والمفروض أنا أسكت وما أعملش حاجة؟
بعدين إيه ها أموت عليك دي!! طب لما هي تموت من زعلها أنا أعمل إيه !! أجبلكم اتنين جاتوه من لابوار علشان يروق عليكم مش فاهمة!!!
( بشدة ) بتقول إني كبرت الموضوع !!! آه أنا كبرت الموضوع ولسة ها أكبره عندك مشكلة؟ مادام مابتحترمش مشاعري خلاص، لو لورجينا ولا غيرها حد فيهم عمل كدة تأني! والا سلم عليك بطريقة ماتعجبنيش، أقسم بالله لوريهم ماسة القديمة بنت سعدية هاتعمل فيهم إيه؟وابقى أتكلم وقتها يا سليم، علشان بجد إللي حصل ده مينفعش، وأنا سكت وإنت جاي تتهمني إنى كبرت الموضوع.
وضعت يدها على وجهها وعينيها، حاولت تهدئة نفسها وهي تأخذ أنفاسها وتحاول السيطرة على غضبها.
كل ذلك وسليم جالس وعينيه مسلطتان عليها، لا يرمش بهدوء كأنه يريدها أن تفرغ كل ما في داخلها من غضب وضيق، فهو أيضًا يشعر بالغضب من أجلها. وما قاله ليس كما فهمت، فكل ما كان يقصده هو أن تقف وتشاهده وهو يوقف لورجينا عند حدها.
ابتلع سليم ريقه ونظر إليها بأسف وضعف، قائلاً بنبرة هادئة حنونة:
خلصتي؟!
رفعت كفها عن وجهها الذي كان يحجب رؤيتها، ونظرت له بعينين تذرفان الدموع. تبسم لها بحب، ثم بدأ بتحريك المقعد حتى توقف أمامها مباشرة وأمسك يديها بحب واعتذار، وقال:
أنا أسف، حقك عليا.
وضع قبلة على كفها ونظر لها:
والله العظيم، مستحيل أكون قاصد أعمل حاجة تضايقك. أنا لما قلت إنك كبرتي الموضوع، كنت أقصد لما خرجتي، وإنك كان لازم تقفي وتشوفي هاعمل إيه.
ماسة بشدة:
شوفت
هز سليم رأسه بلا وقال بعقلانية ولطف برفض:
لا، إنتي ما شفتيش ولا أديتيني الفرصة. أنا فعلاً اتعاملت مع لورجينا بهدوء مش بطريقتي، بس ده علشان أنا مش عارف أكون معاها سليم العصبي قليل الذوق إللي مش فارق معاه أي حاجة. ماكنتش قادر أكون جارح معاها أكتر من كده.
ماسة سحبت يده بضيق وهي تجز على أسنانها: “وده ليه إن شاء الله؟ علشان خايف على مشاعري حبك القديم؟ انت بتستفزني.
هز سليم رأسه بنفي وبنبرة حنونة لطيفة كلها عشق: لا، مش علشان خايف على إحساس حبي القديم، وبعدين هي ماكنتش حبي القديم. أنا ماحبتش غيرك. قولتلك وهافضل أقولك، أنا محبتش غيرك ولا هأحب غيرك، ولاعرفت معنى الحب غير معاكي. كل الحكاية إن لورجينا ماخدتش مني غير الأذى وبس، أنا أذيتها كتير، فبحاول إني ماظلمهاش وما أذيهاش أكتر من كده، عذاب الضمير من ناحيتها واجعني أوي يا ماسة، علشان كده تصرفت معها بالطريقة اللي مش عاجباكي دي، وإنتي شايفاها فيها طبطبة، بس هي في الحقيقة شفقة، تعويض يمكن ضميري يرتاح شوية.
جلست ماسة على الفراش ونظرت له باستهجان:
يا سلام، هو كل راجل كان ليه علاقة بواحدة قبل ما يتجوز وسابها هايعمل زيك كده؟
سليم بحزن:
لا، مش علشان أنا سبتها. إنتي عارفة إن لورجينا كانت حامل مني!
هزت ماسة رأسها بإيجاب، فأكمل:
لما عملت العملية حصل لها نزيف فاضطروا يشيلولها الرحم.
اتسعت عينا ماسة باستغراب بنبرة مهتزة:
شالت الرحم يعني مش هاتبقى أم؟
هز سليم رأسه بإيجاب ممزوج بألم وأسف:
أمم، وأنا السبب. أنا ماكنتش عارف عن الموضوع ده غير لما رجعت، بس من وقت ما عرفت وأنا حاسس بعذاب من ناحيتها، علشان كده بحاول لما تعمل تصرف ما يكونش مناسب أو لطيف، إني ماكنش عنيف معاها وأجرحها، وفي نفس الوقت، مستحيل أسمح يا ماسة إن أي حاجة تجرحك حتى لو لورجينا، لان ساعتها طز في ضميري، عادي، أنا ها أعرف أدوس عليه…
مسك يدها ونظر داخل عينيها بعشق، أكمل:
إنتي بس إللي تهميني، العلاقة الوحيدة إللي يستحيل أسمح إن أي حاجة ممكن تخدشها، حتى لو المقابل إني أقتل حد أو أأذي، مش مهم، المهم إنك تفضلي معايا وماتزعليش. أنا عشان دمعة منك ممكن أنسف الدنيا بحالها، أنا كل إللي عايزك تفهميه وتصدقيه إني ماكنتش أقصد أوصلك لكل الحزن والزعل ده. إنتي ماتعرفيش أنا قولتلها إيه! كان نفسي تقفي وتشوفي بعينك وأنا باخد حقك.
رفع يده وأمسك خصلات شعرها بعشق جامح:
ممكن بقى تسامحيني؟
نظرت له ماسة بعينين اغرورقت بالدموع والحزن، قالت ببراءة:
على فكرة أنا زعلت أوي علشانها، عارف يعني إيه مش هاتبقى أم؟ يعني تعيش لوحدها طول عمرها، ومش هاتسمع كلمة ماما. خلاص، أنا مش زعلانة، بس يعني برده ماتتمداش يعني. أنا ها أسمح إنك تبقى جنتل مان معاها بس بحدود، جو الأحضان والبوس ده ماينفعش.
تبسم سليم على براءتها ونقاء قلبها معلقًا بمزاح محبب:
أمال فين الشراسة إللي أنا كنت شايفها من شوية؟ وشخصية السفاحة بتاعتك؟ إنتي كل ما بتكبري بتخوفي، بتبقي متمردة.
نظرت له ماسة بتذمر طفولي يليق بها قائلة ببرئتها:
على فكرة أنا قلبي طيب وأبيض مش أسود، وبزعل أوي من جوه قلبي لو حد حصله حاجة. والله العظيم صعبت عليا من قلبي. وبعدين، إنت شكلك هزأتها. تصدق أنا افتكرت كانت طالعة معيطة وعينيها حمرا! عملت فيها إيه؟ حرام عليك، ماعندكش قلب.
رفع سليم حاجبيه بابتسامة جميلة متعجبًا على ما قالته، قبلها من يديها وقال:
أنا عارف إن قلبك أبيض وبرئ أوي، علشان كده بأخاف عليكي من البشر. ماينفعش تعيشي وسطهم، هتتأذي أوي.
نظرت له ماسة وهي تدقق النظر داخل عينيه بعشق، وتشبثت بيده، قالت:
بس طول ما إنت معايا مستحيل حد يئذيني. أنا بثق فيك وماعرفتش معنى الأمان إلا معاك.
فتح سليم ذراعيه وهو يقول بحب: تعالي هنا.
تبسمت ماسة ابتسامة واسعة بحب وقامت بمعانقته بشدة، وهو أيضًا يضع قبلات متقاطعة على جانب جبينها بحب، وهو يقول:
وأنا بحبك
ماسة:
وأنا كمان بموت فيك.
_____بقلمي_ليلة عادل_____
فيلا عائلة ماسة الثالثة مساء
الهول الكبير.
كانت سعدية تجلس وسط أبنائها، تقشر البرتقال وتوزعه عليهم، بينما مجاهد يراقبهم بابتسامة هادئة. الجو مريح لكنه يحمل بعض القلق على سليم.
مجاهد بصوت قلق وهو بيشرب الشاي:
طب انتِ إيه اللي جابك؟ ما كنتِ خليتكِ مع البت، أحسن تعوز حاجة.
سعدية بتنهيدة وهي ترمي قشر البرتقال في الطبق:
هي اللي قالت لي “امشي يا ماما، عشان سليم مش عايز حد يشوفه وهو كده.. متعصب ومش مستحمل حد حواليه.
عمار بفضول وقلق:
يعني إحنا مش هينفع نروح نشوفه؟
سعدية بتوضيح:
لا يا حبيبي، ما حدش يروح دلوقتي، هو يومين وهيخرج من المستشفى. بس كلموها في التليفون، اسألوا عليها وعليه.
تمسك سعدية الهاتف وتتصل بماسة، بعد لحظات يأتيها صوتها من الطرف الآخر.
ماسة بصوت مرهق لكنه ثابت:
ألو.. إيه يا ماما، عاملة إيه؟
سعدية بحنية وابتسامة خفيفة:
الحمد لله يا بنتي. بقول لك إيه، سليم جنبك؟ ابوكي عايز يسلم عليه هو وأخواتك.
نظرت ماسة إلى سليم، الذي كان مستلقيًا على السرير في المستشفى، مغمض العينين، لكنه كان يستمع إلى حديثها. فاقتربت منه وأمسكت يده بحنان.
ماسة بهدوء:
حبيبي، تقدر تكلّم بابا وأخواتي؟
سليم يفتح عينيه، يرمقها بنظرة تعب لكنه بيهز راسه بموافقة. تاخد منه الهاتف وهو بياخده ببطء.
سليم بصوت مبحوح لكنه هادي:
ألو؟
سعدية بمزاح خفيف لكي تخفف التوتر:
ما شاء الله، لا.. ده إنت النهارده عسل أهو!
سليم ابتسامة خفيفة:
الحمد لله، إنتِ أخبارك إيه؟
سعدية:
أنا الحمد لله يا حبيبي، خد، كلّم عمك مجاهد.
تيناول الهاتف لمجاهد، فيأخذه بسرعة.
مجاهد بحب واهتمام:
عامل إيه، يا سليم حبيبي، أخبارك إيه دلوقتي؟ انت كويس؟
سليم:
الحمد لله.. بخير، شكرًا على سؤالك.
مجاهد بصوت دافئ:
ما تقولش كده، انت زي ابني بالظبط، والله كنت عايز أجيلك، بس عرفت إنك مش حابب تشوف حد دلوقتي.. إن شاء الله أول ما تخرج من المستشفى وتبقى أحسن، هاجي لك أنا والعيال. مش هطول عليك، عمار ويوسف بيسلموا عليك.
سليم بلطف:
الله يسلمكم، شكرًا ليكم.
أغلق مجاهد الخط وهو يطالع سعدية بابتسامة، بينما أعاد سليم الهاتف إلى ماسة، التي أخذته ووضعته بجانبها. ثم أمسكت يده بحنان دون أن تقول شيئًا، لكنه شعر بها، فأغمض عينيه مستسلمًا للراحة.
اتجاه اخر
مجاهد باطمئنان:
صوته احسن الحمدلله.
سعدية:
الحمد لله.
مجاهد:
فين سلوى.
سعدية:
قالتلى هتجيب حاجات لماسة من القصر مكي جه ياخدها.
مجاهد:
طيب
وأثناء حديث مجاهد وسعدية، دخلت سلوى من الباب، وكان يبدو عليها الحزن العميق، وعينها تتجنب النظر إلى أي شخص.
رفعت سعدية عينيها نحو سلوى بقلق وقالت:
جبت الحاجه لاختك؟ عايزاها؟
سلوى، وهي تحاول إخفاء مشاعرها:
اه، وديتها لها، أقصد بعتها مع مكي… مش قادرة أروح لها دلوقتي، عايزة أنام.
سعدية، بنبرة حانية:
طيب… مش هتاكلي حاجة؟
سلوى، وهي تهز رأسها بإحباط:
هنام… هنام.
ثم صعدت سلوى إلى غرفتها، وكان واضحًا من ملامح وجهها الحزن العميق الذي يكتنف قلبها. جلست على الفراش، وأخذت تبكي بحرقة، كما لو أن دموعها هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع من خلالها التعبير عن الألم الذي يعتصر قلبها.
المشفى الرابعة مساءً
فى غرفة سليم
طرقٌ خفيف على الباب، وصوت ماسة الهادئ ينادي:
اتفضل يا مكي.
لكن الباب فُتح لتدخل فريدة وياسين بدلًا منه.
رفعت ماسة عينيها نحوهم، بينما كان سليم مستلقيًا على الفراش، يستريح بعد جلسة العلاج الطبيعي. ما إن رأته فريدة، حتى ركضت إليه بسرعة، ولحق بها ياسين.
فريدة، وهي تضمه بقوة:
حبيبي، حمد لله على سلامتك! وحشتني قوي!
وضعت قبلة على خده، بينما ياسين ابتسم ثم قال ممازحًا:
أوعي بقى يا فريدة! حمد لله على سلامتك يا ملك… وحشتنا قوي يا حبيبي.
سليم، وهو يحاول أن يعتدل مستندًا على يد ياسين قال بجفاء:
الله يسلمكم… بس إيه اللي جابكم؟
ياسين، وهو يعقد ذراعيه مستنكرًا:
يعني إيه اللي جابنا؟ فاكر إننا ممكن نعرف إنك فوقت وما نيجيش؟ حتى لو مش عايز تشوف حد، مش هنهتم لا ما هو مش انت بس اللى مجنون إحنا كلنا مختلين عقلياً بس كل واحد بطريقه انت اكثر رعبا فينا بس ههههت.
سليم، بتنهيدة مرهقة:
بس بجد، مش عايز أشوف حد دلوقتي…
فريدة، وهي ترفع حاجبها بحدة:
مفيش الكلام ده! بطل طريقتك دي، إحنا أخواتك، ما تعصبنيش عليك! ها عامل إيه دلوقتي؟ ورجلك عاملة إيه؟
سليم، وهو يحاول إخفاء ألمه:
الحمد لله.
وقعت عينا ياسين على يد سليم المرتعشة قليلًا، شعر بوخزة في قلبه لكنه لم يُظهر ذلك، ثم نظر إلى ماسة، محاولًا تغيير الجو:
إزيك يا ماسة؟ عاملة إيه؟
ماسة، بابتسامة خفيفة:
الحمد لله، تمام.
ياسين وهو ينظر لها باهتمام:
حكيتي لسليم عن موضوع المجموعة؟
ماسة، وهي تهز رأسها بإبتسامة:
لسه، بس هحكيله.
فريدة، وهي تلتفت لسليم:
إبراهيم كان عايز يدخل، بس عارف إنك مش حابب تشوف حد دلوقتي، فوصّلنا هنا ومشي.
سليم، بإصرار هادئ:
أنا كلها كام يوم وهخرج.
ياسين، بثقة:
إن شاء الله تخرج بالسلامة وهترجع اقوى ما كنت.
فريدة، وهي تلتفت إلى ماسة بقلق:
الدكتور قال إيه يا ماسة؟
ماسة، بنبرة مطمئنة:
مفروض يقعد ثلاث أيام تحت الملاحظة، وبعدها يخرج إن شاء الله، وبعدها هنبدأ العلاج الطبيعي بإذن الله.
احنا النهارده عملنا شويه تمارين والحمد لله سليم كان متفاعل فيها.
ياسين، وهو يربت على كتف سليم بحنان:
إن شاء الله… كله هيبقى كويس.
ساد الصمت للحظة، قبل أن يتبادلوا نظرات مليئة بالمشاعر المختلطة بين القلق والأمل، بينما كان سليم يحاول إخفاء ضعفه، لكن أثر الألم كان واضحًا في عينيه.
قصر الراوي
الحديقة، السادسة مساءً
تجلس هبة في الحديقة، تحتسي فنجانًا من القهوة، مستمتعة بنسمات الهواء العليلة التي تحيط بها. الجو هادئ، والأضواء الخافتة تزيد المكان سحرًا. تغمض عينيها للحظة، مستمتعة بهذا السلام المؤقت.
بعد قليل، يظهر ياسين وهو يحمل علبة مغلقة مربعة بملفوفه بشريط احمر، وجهه مشرق بابتسامة واسعة، كأنه ينير المكان. رغم الفرحة العارمة التي يشعر بها، لأن سليم قد عاد بعد غيبوبة طويلة، إلا أن قلبه يعتصر ألمًا لحال شقيقه، بسبب رعشة يده، العجز الذي أصابه… كلها أمور تؤرقه.
ياسين، بحب وهو يقترب قال:
حبيبتي…
تلتفت إليه هبة بابتسامة دافئة، فيقترب منها، يضع قبلة طويلة على وجنتها، ثم يجلس بجانبها، ممسكًا بيدها ليقبلها بحنان، ثم يلمس بطنها المنتفخة برفق.
ياسين:
عاملة إيه دلوقتي؟ لسه تعبانه؟
هبة، وهي تهز رأسها مطمئنة:
لا، الحمد لله. طمني… سليم عامل إيه؟ وماسة؟
تنهد ياسين بتعب، ثم نظر أمامه بشرود:
تعبان… إيده بترتعش جامد، ورجله بتوجعه جدًا، حالته النفسية صعبة اوي.
هبة، بقلق:
طب ليه الرعشة اللي في إيده؟ أنا متفهمة حالته النفسية، بس إيده بتترعش ليه؟
ياسين، وهو يمرر يده في شعره بإرهاق:
بسبب الرصاصة اتشالت من ضهرة…
والرصاصة اللي لسه موجودة ضاغطة على العصب، وهي اللي مسببة كل الأعراض دي، الدكتور طمني إنها هتاخد وقت وهتتحسن، بس رجله… للأسف الشديد، الرصاصه، ضغط على الأعصاب، وده مأثر عليه، يعني مش هيقدر يجري أو يلعب رياضة زي الأول، هيحس بألم فيها دايمًا مع أي مجهود.
هبة، وهي تعقد حاجبيها بضيق:
لازم يعني يلعب كورة أو رياضة؟ المهم إنه يكون كويس ويقدر يقف على رجله! طب حركته هتبقى طبيعية ولا هيبقى فيها عرجة؟
ياسين، مطمئنًا:
لا، هتبقى طبيعية، بس لو عمل مجهود كبير، ساعتها هيحس بالألم.
هبة، وهي تتأوه بضيق:
زعلتني… نفسي أشوفه، بس والله مش قادرة خالص، بنتك مبهدلاني!
ياسين، وهو يبتسم بحنان، يضع قبلة على بطنها:
سلمتك يا قلبي، ها لسه ما اخترتيش اسم!
هبة، بتنهيدة حائرة:
بجد محتارة… بين “فرح” و”أقسمت” و”حنين” و”إيلين”، مش عارفة أختار.
ياسين، ممازحًا:
يعني دلوقتي هنادي لها بإيه؟ ولا هي هتفضل من غير اسم؟
هبة، وهي تضحك:
نادِ لها بالاسم اللي يريحك، لحد ما أقرر.
ياسين، بابتسامة دافئة:
هقول لها “فرح”… لأنها فرحة قلبي وحياتي.
ثم طبع قبلة صغيرة على شفتيها، وفتح العلبة التي كان يحملها، ليكشف عن شوكولاتة فاخرة.
ياسين، وهو يقدمها لها:
اتفضلي… الشوكولاتة اللي بتحبيها.
هبة، بفرحة:
ميرسي يا حبيبي.
ياسين، بنبرة اعتذار وهو يضمم كفها:
أنا آسف يا هبة… عارف إني مقصر معاكي الفترة اللي فاتت، بس إنتِ شايفة اللي كان فيه سليم، والشغل كله كان على دماغي… بابا شكله بيحضرني علشان أكون نائب لسليم الراوي، ودي حاجة كبيرة وصعبة، وفي نفس الوقت هتعمل مشاكل مع إخواتي.
هبة، بثقة:
بصراحة، أنا شايفة إن اللي يستحق المنصب هو الشاطر والذكي، واللي يقدر يتحمل المسؤولية، بس إخواتك… ما أعرفش هما بيحسبوها إزاي، المفروض يشتغلوا على نفسهم بدل ما يضيعوا وقتهم في الصراعات.
ياسين، وهو يهز رأسه موافقًا:
عندك حق… على فكرة، كلمي ماسة وطمني عليها.
هبة، بقلق:
هي تعبانة؟ فيها حاجة؟
ياسين بتوضيح:
لا، بس محتاجة دعم… سليم حالته صعبة، وأنا عارفه كويس، لما بيوصل للمرحلة دي، بيبقى عامل إزاي.
هبة:
هكلمها… أنا أصلًا كلمتها امبارح وباركت لها، بس كانت تعبانة ومش قادرة تتكلم خالص… خلاص، أنا كمان شوية هكلمها. طب إنتَ أكلت؟
ياسين، ممازحًا:
أقدر آكل من غيرك؟
هبة، وهي تضحك:
طب أنا هخليهم يحضروا العشاء هنا في الحديقة، ونولع شمعتين حلوين، إيه رأيك؟
ياسين، بحماس:
موافق جدًا جدًا! وضع قبله على خدها توقف مش هتاخر عليكي.
وبالفعل، صعد ياسين ليبدل ملابسه، بينما بدأت الخادمات في تحضير الطعام في الحديقة. وبعد قليل، عاد ياسين وجلس مع هبة، يتناولان العشاء وسط أجواء شاعرية دافئة، رغم بساطتها. كانت لحظة هادئة وسط العاصفة التي يعيشونها، لحظة يحتاجانها بشدة.
_مجموعة الراوي السادسة مساءً
_مكتب عزت.
نشاهد عزت الراوي يجلس على مقعد مكتبه، وكان يجلس على المقاعد الأمامية للمكتب إسماعيل ومكي.
هز إسماعيل رأسه بموافقة:
تمام ياباشا، بس إحنا فعلاً عملنا كده، سألنا حوالين المكان بس ما حدش شاف حاجة.
أكمل مكي:
مظبوط، خصوصًا إن المكان لسه جديد ومش كل الشقق فيها سكان.
عزت بجدية:
ما نفذتوش بنفس التفاصيل إللي عايزها. عايزك تخبطوا على كل شقة وتسألوا. أي معلومة صغيرة أو كبيرة، حتى لو تافهة بالنسبة ليا، مهمة وتتأخذ على محمل الجد.
وأثناء حديثهم طرق الباب ودخل رشدي وهو ينظر باستغراب وقال وهو يقترب نحو المكتب:
لما عرفت إن حضرتك لسه موجود استغربت، ولما عرفت إنك مجتمع مع مكي وإسماعيل استغربت أكتر.
جلس أمام إسماعيل وبجوار مكي وقال وهو ينظر لعزت:
خير، شغل جديد؟ مش حضرتك قلت إننا نأجل كل الشغل لحد ما سليم يقوم بالسلامة؟ ولا إنت اعتبرته كده رجع والسلام؟
عزت بتوضيح:
الحمد لله يا رشدي سليم فعلاً قام بالسلامة، أنا مش باعتبره كده. وإذا كان على تعب رجله أو مشكلة إيده أو حتى الرصاصة اللي لسه موجودة في ظهره، عادي، سليم قوي وهايعرف يواجه كل ده وهايرجع أحسن ما كان، إحنا بس متجمعين علشان فتحنا الموضوع تاني، يعني بنحاول نوصل لأي حاجة توصلنا للي عمل كده في سليم، لو عندك أفكار شاركنا، أنا قلت لهم إنهم يدوروا تاني في نفس المكان، يعني يسألوا كل الناس اللي ساكنين في المكان. لو وصلت إني هما يدخلوا كل شقة ويخبطوا عليها ويسألوا كل ساكن فيها، ما عنديش مشكلة.
فور استماع رشدي لتلك الكلمات، شعر بالتوتر لكنه حاول التماسك بأقصى قوة عنده لكي لا يفتضح أمره. هو يشعر بالخوف والتوتر بسبب عودتهم لفتح الحديث في تلك الحادثة، فهو ما صدق أن توقف الباشا عن البحث. فإذا توصلوا لأي شيء فقد ضاع رشدي وضاعت معه باقي العائلة.
رشدي وهو يحاول تمالك نفسه:
اللي عمل كده عامل زي الزئبق. عمل عملته واختفى.
عزت بحدة:
مافيش حاجة اسمها اختفى. أكيد فيه حاجة ممكن توصلنا ليه. خلينا ندور.
رشدي تبسم بخبث:
تمام يا باشا، ندور وإن شاء الله نوصل لحاجة. نهضت، أنا في مكتبي. هو سليم لسه مش عايز يشوفنا؟
عزت:
هو كده كده خارج كمان يومين، خلينا نسيبه على راحته.
هز رشدي رأسه:
تمام يا باشا. إسماعيل، مكي، دوروا كويس، لو احتجتوا حاجة أنا موجود.
خرج رشدي مرتعب بشدة، وهو يفك الكرافتة وزفر كأنه لا يستطيع أن يأخذ نفسه. أخرج هاتفه من جيب جاكيت البدلة وهو يتحرك في الممر وضعه على أذنه بشدة:
ألو ، إنت فين؟ إحنا في مصيبة… أنا جاي، سلام.
صلي على النبي 10 مرات وما تنساش تضغط على اللايك توصل الحلقه 350 لايك والفين كومنت عشان توصل للكل وتساعدوا الروايه تنشهر وتوصل لاكبر عدد ممكن لو يهمكم مستنيه رايكم في الحلقه تفتكروا رشدي هيعمل ايه وبيكلم مين؟!
أستوووووب
  • يتبع الفصل التالي اضغط على (الماسة المكسورة) اسم الرواية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *