التخطي إلى المحتوى

 

رواية جمر الجليد( الجزء الاول)الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر  بقلم شروق مصطفى حصريه


رواية جمر الجليد( الجزء الاول)الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر  بقلم شروق مصطفى حصريه

 

البارت السادس

جمر الجليد

بينما كانت سيلا ومي تمزحان وتضحكان، كان عاصم يراقب شفتيهما بحذر، فهو يعرف كيف يقرأ الشفاه. ثم قالت سيلا فجأة:

“مي، عاوزة تليفونك. هعمل مكالمة منه.”

أجابت مي وهي تمد لها الهاتف:

“اتفضلي.”

ابتعدت سيلا إلى زاوية هادئة وبدأت مكالمتها:

“ألو، أهلاً أستاذ أحمد. كنت عاوزة أستفسر من حضرتك عن شيء…”

سألت عن طلب شركه A.m، وأكد لها أحمد أن اسمها كان مطلوبًا بالذات. بعدها ذكرت له:

“وأنا سمعت إن الممرضة اتقتلت!”

ثم تابعت في دهشة:

“القضية لسه شغالة؟”

أجابها أحمد مؤكدًا أن القضية قد أغلقت بموتها، وتركها في حالة صدمة.

سيلا ردت بتوهان، غير قادرة على تصديق ما سمعته، بينما كان عاصم يراقبها بتركيز، يدرك أن شيئًا ما يحدث. عندما انتهت المكالمة، حاولت سيلا أن تتماسك، لكن دمعة ترقرقت في عينيها. سألها، “مالك يا سيلا؟ فيه إيه؟” لكنها ردت بتوهان، “لا، مفيش حاجة.”

لاحظ عاصم اختلال توازنها، وقرر متابعة تحركاتها. بينما كانت في حالة ضياع، طلبت سيلا شنطتها من مي، ثم همست لها:

“خليكي هنا وكلمي همسة، خليها تيجي هنا، أنا هدخل الحمام و جايه!”

أخذت شنطتها، وتوجهت إلى الحمام لتنفيذ خطتها التي أجلتها كثيرًا.

…..

استغرقت همسة ساعات في الرسم حتى اهتز هاتفها بمكالمة من مي. بعد أن تحدثت معها، قررت الذهاب إليهم،  أثناء تجميع أدواتها، اصطدمت بشخص كان يتحدث في هاتفه، فسقطت هواتفهم وأقلامها. اعتذر الرجل بابتسامة وجمع الأقلام معها، وسألها عن لوحاتها. أخبرته أنها فنانة ولديها معرض، ثم أسرعت إلى قاعة الحفل.

بينما كانت همسة تراقب الرجل الذي اصطدمت به وهو يقف مع رجال الأعمال مبتسمًا لها، كانت تفكر في سبب تأخر سيلا ، بعدما قصت لها مي توترها بعد مكالمتها الهاتفية ودخولها الحمام، بينما لاحظت توتر عاصم أيضًا، مما أثار اهتمام الجميع.

ظل عاصم يراقب سيلا حتى دخلت الحمام، ثم عاد للحفل لفترة قصيرة. بعدها اهتز هاتفه فابتعد قليلاً عن الضوضاء، حيث تحولت ملامحه إلى الغضب بعد مكالمة. ضغط على يده حتى شعرت عروقه بالتوتر، وأغلق المكالمة قائلاً: “استعجلتي أوي.”

أخذ عاصم عامر على جنب وأخبره أنه سيغادر في مهمة عاجلة، وأنه يجب على عامر إنهاء الحفل والتغطية على غيابه. عامر تفاجأ بالقرار، لكن عاصم طلب منه أن يرسل معتز مع الفتيات لتوصيلهن إلى بيوتهن.

عاد عاصم إلى الحفل بسرعة، وعندما وقف خارج الحمام، سأل العامل عن من كان بداخله. أخبره العامل بدهشة أن هناك فتاة واحدة فقط داخل الحمام. أمر عاصم العامل بالابتعاد، ثم هجم على الحمام ليجد أنه فارغ. لكن، سمع صوتًا قادمًا من أحد الأبواب.

ــــــــ ــــــ ـــــ ـــــــ

“انظروا إلى هؤلاء الذين لا يزالون على قيد الحياة، يعيشون حياتهم وكأنهم لا يهتمون بما فعلوه بنا. يخطفون ويقتلون، ويستولون على ما ليس لهم حق فيه، على حساب آلامنا وفقدنا. هؤلاء قتلوا الطبيب كي لا يكتشف أحد جريمتهم. نعم، هم يستحقون الحساب العادل، لكن أين حقوق الأبرياء الذين فقدوا حياتهم دون ذنب؟ أين حق الفتاة التي تعرضت للأذى بدم بارد كي لا يعترفوا بجريمتهم؟

ماذا كان ذنب هؤلاء الذين لم يرغبوا سوى في العيش بسلام وأمان؟ هل ذنبهم أنهم فقراء؟ أم لأنهم لا يجدون من يساندهم؟

يُقتلون بلا مبرر، دون أن يجدوا من يدافع عنهم.

أطالب بالبحث عنهم ومعاقبتهم بأشد العقوبات.”

(كانت هذه الكلمات مرفقة بالفيديو والصور الواضحة للمجرمين، حيث كانت تحتفظ بنسخة منها على اللاب توب. وعندما علمت بموت الطبيب وحفظ القضية، شعرت بالغضب وقررت أن لا تتركهم يعيشون حياتهم بهدوء. نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب، وكذلك على موقع آخر. استغرقت أكثر من نصف ساعة داخل الحمام، كتبت فيها ونشرتها، وانتظرت حتى بدأ عدد المشاهدات والمشاركات في الارتفاع، وهاشتاج “حساب قتلة الأبرياء” بدأ يتفاعل أكثر فأكثر.

ابتسمت بانتصار، لكنها شعرت فجأة بأصوات تأتي من الخارج. أغلقت اللاب توب بسرعة ووضعته في حقيبتها، ثم فتحت الباب لتخرج. لكنها توقفت، متسعة العينين، ارتجفت قليلاً. لم تكن تتوقع أن يظهر لها أحد داخل الحمام…

وعندما وصلت إلى تلك النقطة، قالت بدهشة!:

“أنت! دخلت هنا أزاي

اقترب منها بسرعة، وعينيه ملؤها الغضب. هجم عليها بشكل مفاجئ، وكتم فمها بيده، بينما كانت لا تزال في حالة من الذهول، غير قادرة على استيعاب ما يحدث أو سبب وجوده هنا. تساءلت في داخلها: ماذا يريد مني؟ ولماذا يفعل هذا؟

كانت عيناها متسعتين، وهو قريب منها، ممسكًا بفمها كي لا تصدر أي صوت. قال بصوت منخفض ولكن حاد:

“مستعجلة على نهايتك؟”

لم تستطع فهم المقصد، وكانت مشوشة، تتساءل عما يجري. رغم أنها كانت قادرة على فك قبضته، إلا أنها كانت تحاول أن تفهم السبب وراء وجوده هنا. هزت رأسها بعنف، يمينًا ويسارًا، محاولة أن تجد إجابة.

أجابها بصوت أهدأ، لكن التهديد كان لا يزال في نبرته:

“ما تستعجليش كده، هي جاية قريب، للأسف مضطر أعمل ده دلوقتي.”

كانت كلمات غير واضحة، ولم تفهم منها شيئًا، لكن التوتر بدأ يزداد. حاولت التملص منه، وضربت بكعب حذائها في قدمه بقوة، لكنه كان قد توقع تصرفها. ابتسم ابتسامة خفيفة، وقال:

“ولا أي حركة منك هتأثر عليّ. شكلك هتتعبي نفسك على فاضي، هريحك مؤقتًا.”

ثم، بحركة سريعة، ضغط بإصبعه على أسفل رقبتها، في المنطقة التي تسمى “الترقوة”، وفي لحظات قليلة، شعرت بأنها تغيب عن الوعي.

حملها بسرعة، وخرج بها من الباب الخلفي لتجنب أن يراه أحد. توجه إلى سيارته، وأدخلها برفق. أغلق الباب بإحكام، وعاد سريعًا إلى الداخل، حيث كان يعلم أن أخاه في حالة عصبية شديدة، مما جعل الموقف أكثر تعقيدًا.

بينما كانوا في الداخل، لاحظوا أن الحفل قد انتهى، وأن الضيوف بدأوا في المغادرة، ما عدا الفتيات اللاتي بدت عليهن علامات القلق بسبب غياب “سيلا”. في ذات الوقت، كان صوت معتز يرتفع احتجاجًا على أمر ما، مما زاد من التوتر في الجو.

عندما وصل عاصم، كان في حالة من الانفعال، فأخبر معتز بضرورة توصيل الفتيات إلى بيوتهن. رد معتز بتعجب:

“استحالة أوصلهم، أنت عارف إني مش بطيقهم.”

عاصم رفع صوته بنبرة لا تحمل اي نقاش:

“معتز!”

في نفس الوقت، همسة قالت بقلق لمي: “مش موجودة! دورت عليها وما لاقيهاش.”

مي ردت بسرعة: “يلا نسألهم، يمكن يعرفوا راحت فين.”

اقتربت الفتيات منهم وانتظروا حتى ينتهوا من حديثهم. لكنهم تفاجأوا برد معتز، حيث قال:

“أنا مش هوصلهم، مش هكون سواق لهم، يرجعوا زي ما وصلوا.”

تدخلت مي بسرعة وقالت مستفسرة:

“ليه توصلنا؟ وهي فين سيلا؟”

عاصم سحب معتز بعيدًا عنهم وقال بجدية:

“اسمعني، أنا مسافر دلوقتي عندي شغل، طمنهم على سيلا. بعدين هفهمك كل حاجة، لكن دلوقتي لازم توصلهم لبيوتهم.”

ركب عاصم سيارته بسرعة، بينما عاد معتز إلى الفتيات وقال بنفاذ صبر:

“يلا، جهزوا نفسكم، هوصلكم لبيوتكم.”

مي، التي كانت مشوشة، قالت بقلق:

“فين سيلا؟ ليه مصمم توصلنا؟ إحنا مش صغيرين، زي ما جينا هنروح.”

معتز، وقد بدأ نفاذ صبره، رد بسرعة:

“خمس دقايق، وتكونوا جاهزين والأ، ما تزعلوش.”

وليد، الذي كان يتابع المشهد عن كثب، تدخل وقال:

“أنا هأجي معاك يا معتز. يلا، بنات، بسرعة.”

همسة، والدموع في عينيها، قالت بحزن:

“فين سيلا؟ محدش شافها طيب!  مش هنمشي إلا لما تكون معانا.”

مي، بنبرة حازمة، قالت:

“مش هنروح معاكوا.”

جذبت همسة يد مي وسحبتهما للخروج. لكن معتز ووليد لحقا بهما عند باب القاعة، مانعين إياهما من الخروج.

معتز، وقد بدأ يفقد صبره، قال بصوت حاد:

“مفيش خروج. وهتركبوا معايا أوصلكم، بلاش أستخدم العنف.”

لكن وليد تدخل بسرعة محاولًا تهدئته:

“اهدي يا معتز، مش كده هتخضهم منك. في ايه؟ لكل ده؟ يلا بنات، هنعرف مكان سيلا قريب، عاصم أكيد عارف فين هي. متقلقوش، هنمشي دلوقتي وهنطمن عليها.”

همسة قالت بتردد:

“أنا هطلع أجيب حاجتي من فوق.”

مي ردت بسرعة:

“وأنا كمان هجي معاكي.”

معتز نظر إليهما بعينين حادتين، وقال بحزم:

“متتأخروش، خمس دقايق لو مخرجتوش هدخلكوا. فاهمين.”

بسرعة، بدأ الجميع يتحرك نحو الوجهة المحددة.

يتبع 

الفصل السابع جمر الجليد شروق مصطفى

صعدت همسة إلى أعلى بسرعة مع مي، التي كانت مرتبكة وتتحرك بتوتر، قلقة على صديقتها والخوف يسيطر عليها: “يا ترى اختفيتي فين؟ والأغبية اللي تحت مش راضين يقولولنا ليه!”

همسة: “أنا خلصت، يلا يا مي قبل ما الهمجي ده يدخل علينا، أنا خايفة منه أوي.”

مي: “أنا أصلاً مش طايقاه، إزاي هيوصلنا طول الفترة دي!”

همسة: “أنا قلبي واجعني على أختي، هقول لماما وبابا إيه لما يسألوا؟ لازم نبلغ الشرطة على اختفائها. أكيد حصل…”

قاطعتها طرقات حادة على الباب، تلاها صوت معتز: “يلا، الخمس دقايق عدوا، أنجزوا!”

أنهت مي سريعاً جمع أشيائها، وخرجن ليجدن معتز واقفاً عند الباب، يضع يديه في جيوبه وينظر إليهن بحدة: “يلا قدامي.”

تحركن أمامه بخطوات متوترة حتى وصلوا إلى السيارة. ركب وليد بجانب معتز، وانطلقت السيارة بهم جميعاً.

جلس بجانبها في السيارة، مراقبًا ارتجاف جسدها النائم من شدة التعب والقلق. دون تردد، خلع سترته وألقاها فوقها بلطف، محاولًا أن يمنحها شيئًا من الدفء. عادت به ذاكرته إلى المكالمة التي تلقاها من اللواء قبل مهاجمتها في القاعة.

كان الحديث حاسمًا؛ الصور والفيديوهات التي انتشرت كالنار في الهشيم على صفحات الميديا جعلت الوضع أكثر خطورة. المطالبات بأقصى العقوبات ملأت الساحة، وكان واضحًا أن هناك من يسعى للإيقاع بها. أمره اللواء بحزم أن يخفيها عن الأنظار فورًا، فالخطر أصبح أكبر من أي وقت مضى.

عاد إلى الواقع، وألقى نظرة عليها، تمتم ساخرًا:

“غبية… ولسه مصرة تعرضي نفسك للهلاك؟”

ابتسم بسخرية، وعيناه تتأملان الطريق:

“فاكرة نفسك هتغيري العالم لوحدك؟ هتوقفي اللي بيعملوه؟ طيب إحنا هنا ليه؟”

أعاد تركيزه إلى الطريق أمامه، مهيئًا نفسه لما ينتظرهما، وعقله يدور بين التحديات القادمة وما يجب عليه فعله لحمايتها.

 ساد الصمت داخل السيارة، وكأن كل فرد فيها محاصر بعالمه الخاص. وليد شارد بأفكاره، تائه في سحر امرأة خطفت عقله بلا رجعة. مي وهمسة تجلسان بصمت مثقل، مشغولتان بالقلق على اختفاء سيلا المفاجئ. أما معتز، فقد بدا ضيقًا من كل شيء، خاصة من تصرفات أخيه التي وضعته في موقف لا يحسد عليه.

الطريق طويل وممل، ومع الوقت بدأ النعاس يتسلل إلى معتز، فتمتم بصوت مبحوح:

“قربنا على ريست… محتاج قهوة أفوق. حد عايز حاجة؟”

رد وليد سريعًا: “آه، ياريت.”

أما مي وهمسة، ظلتا صامتتين، غارقتين في قلقهما.

عندما توقفت السيارة عند محطة استراحة، التفت معتز إليهم:

“لو عايزين تنزلوا أو تشربوا حاجة، يلا.”

همسة هزت رأسها بالرفض، مفضلة البقاء في السيارة، بينما نزلت مي لتشرب فنجان قهوة وتستعيد شيئًا من تركيزها.

رافقها وليد وطلب لهما القهوة، ثم التفت إليها قائلاً:

“ارجعي أنتي، وأنا جاي وراكم.”

عاد وليد ومي إلى السيارة ليجدا همسة قد غلبها النوم. صعدت مي بجانبها، متأملة وجهها المتعب قبل أن تقطع الصمت بسؤال وجهته إلى وليد:

“لو سمحت، ممكن أسألك سؤال؟”

أجابها وليد بهدوء: “طبعًا، اتفضلي.”

قالت بتردد: “ما تعرفش سيلا فين؟”

أجابها بأسف: “للأسف، معرفش حاجة.”

تنهدت مي بحيرة واضحة، قبل أن تهمس: “طيب…”

لم تمر لحظات حتى صعد معتز إلى السيارة، ليلمح أنهما كانا يتحدثان، فسأل بحدة:

“مالكم سكتوا أول ما ركبت؟ في حاجة؟”

رد وليد بنبرة طبيعية: “لا أبدًا، كانت بتسألني عن سيلا وقلت لها معرفش حاجة. أنت تعرف عنها حاجة؟”

زفر معتز بضيق قبل أن يرد بهدوء مصطنع:

“سيلا مع عاصم دلوقتي. هو اللي خلاكم تيجوا الافتتاح مخصوص. بس طالما هي مع عاصم، يبقى تطمني… هي في أيد أمينة. أول ما يكلمني، هبلغكم.”

ارتبكت مي من الإجابة، وقالت بدهشة غير مصدقة:

“سيلا مع عاصم؟! إزاي؟ الاتنين عمرهم ما طاقوا بعض!”

رد معتز بجمود: “ده اللي قالهولي. معرفش أكتر من كده. أنا مكلف بس أوصلكم، والباقي مش شغلي.”

مي ظلت صامتة، تنظر من النافذة وعقلها يعج بالتساؤلات:

“عاصم؟ إيه اللي ممكن يكون عايزه منها؟ إحنا من يوم الحادث وكل واحد بعيد عن التاني… غريب جدًا!”

وزّع معتز القهوة على الجميع، ثم وقف يستريح قليلاً قبل أن يمد يده إلى كيس كبير مليء بالكيك والعصائر والشوكولاتة. رفعه نحو مي قائلاً بنبرة جادة:

“أكيد ما أكلتوش حاجة… اتفضلي.”

نظرت مي إلى الكيس وهي تشعر بالجوع، لكنها ترددت وأجابت بخجل:

“ميرسي… مش جعانة.”

أدارت وجهها إلى الناحية الأخرى لتتجنب الموقف، لكن صوت معتز الحازم جعلها تعود:

“أنا مش بحب أعيد كلامي كتير. وبعدين ده مش ليكي لوحدك، ده لينا كلنا… يعني هتوزعيه علينا، امسكي بقى!”

كان صوته في الكلمة الأخيرة أكثر صرامة، مما جعلها تمسك الكيس سريعًا دون نقاش. وحين لامست أصابعها الباردة يده، لاحظ برودة يديها من المرآة الأمامية، وأخذ يتابعها بنظراته.

دون أن يتحدث كثيرًا، خلع جاكيته وأعطاها إياه بنظرة تحمل أمرًا واضحًا:

“البسي ده… ومن غير كلام.”

نظرت إليه بدهشة وهمّت بالاعتراض:

“بس أنا…”

قاطعها بجديته المعتادة:

“قلت البسي وخلصيني.”

تناولت الجاكيت بتردد وارتدته، مستغربة من ملاحظته أنها تشعر بالبرد. بعد لحظة من الصمت، نظرت إليه وسألت بتردد:

“ممكن سؤال… بس متتعصبش؟”

نظر إليها من المرآة الأمامية، وقال بنبرة متزنة:

“قولي.”

ترددت قليلًا قبل أن تضيف:

“يعني… أنت على طول كده؟”

رفع حاجبه مستفسرًا:

“إزاي يعني؟”

خفضت صوتها وقالت بخجل:

“يعني… متعصب مع الكل؟ أنا كل مرة بشوفك فيها بتبقى متعصب.”

شعرت بالخوف من ردة فعله، فغطت وجهها بيديها كما لو أنها تختبئ. لكنه ابتسم لأول مرة، متسليًا بحركتها الطفولية، وقال بلهجة أخف:

“شيلي إيديك، مستخبية ليه؟”

أنزلت يديها ببطء وقالت بحذر:

“يعني… مش هتزعق لي؟”

عندما رأت ابتسامته، شعرت بالاطمئنان وابتسمت بدورها، قبل أن تضيف ممازحة:

“ما أنت بتضحك أهو، زينا يعني! أمال مالك، يا عم التنين؟”

رفع حاجبه مجددًا وقال بابتسامة خفيفة:

“تنين؟!”

قبل أن يرد، تدخل وليد وهو يضحك:

“أحم… أحم… مش هتاكلونا بقى ولا إيه؟ أنا متت من الجوع!”

انفجر الجميع ضاحكين على كلمته، مما أيقظ همسة التي كانت تغفو بجانبهم. اعتدلت في جلستها وسألت بقلق:

“لقيتوا سيلا ولا إيه؟”

التفتت إليها مي وطمأنتها:

“على الأقل عرفنا هي فين. سيلا مع عاصم، وهو هيجيبها. متقلقيش.”

تنفست همسة الصعداء، وقالت بتأثر:

“بجد؟ الحمد لله، كنت هموت من القلق عليها.”

رد وليد تلقائيًا:

“بعد الشر عليكِ.”

ساد الصمت للحظات، قبل أن تفتح مي الكيس وتبدأ بتوزيع محتوياته عليهم.

مرت ساعات طويلة، ومع شروق الشمس، توقفوا عند منزل مي لتوصيلها، ثم منزل همسة، قبل أن يتوجهوا أخيرًا إلى وجهتهم النهائية.

فاقت سيلا ببطء كأنها لم تنم منذ زمن طويل. شعرت بثقل في جفونها، فتحت عينيها بتردد، لتجد نفسها في مكان غريب. رمقت الغرفة بنظرات مضطربة، ثم همست لنفسها بتساؤل:

“إيه ده؟ أنا فين؟”

حاولت أن تسترجع ما حدث. آخر ما تتذكره كان وجودها في حمام القاعة، ثم هجوم عاصم عليها. وضعت يدها على رأسها عندما شعرت بصداع حاد. عادت تنظر حولها بدهشة وقلق:

“إيه المكان ده؟”

رمت الغطاء عنها ونهضت بسرعة. توجهت إلى النافذة، فتحتها، وتجمّدت في مكانها من الصدمة. المنظر الخارجي كان غريبًا تمامًا، أشجار كثيفة تحيط بالمكان، والجو بدا معزولًا عن العالم. تراجعت وهي تتمتم بارتباك:

“فين أنا؟”

لم تلبث أن لاحظت شيئًا غريبًا آخر. نظرت إلى نفسها، كانت ترتدي “ترنج” قطني وردي لا يخصها. عقدت حاجبيها بدهشة:

“إيه ده؟ مين اللي غير لي هدومي؟!”

الغرفة نفسها كانت بسيطة للغاية، كل شيء فيها مصنوع من الخشب: سرير في منتصفها، دولاب صغير، طاولة وكرسيان. شعرت بالاختناق، وقررت الخروج بسرعة لفهم ما يحدث.

خطت خطوات متسرعة نحو الباب، فتحته وخرجت إلى ممر خشبي، ثم بدأت تنزل درجات سلم خشبي يقودها إلى الطابق الأرضي. كانت تركض بخوف وارتباك حتى وصلت إلى صالة واسعة. الغرفة كانت تحتوي على مدفأة وحطب، وكل شيء فيها يوحي بالعزلة والهدوء الغريب.

رأت بابًا أمامها، هرعت إليه بسرعة وبدأت تحاول فتحه بجنون. الباب كان مغلقًا بإحكام. وبينما كانت تحاول الخروج، جاءها صوت خلفها، عميق ومفاجئ:

“علي فين العزم؟”

التفتت بسرعة، منتفضة من شدة المفاجأة. وقعت عيناها عليه، وخرج صوتها مصدومًا:

“إنت!”

كان عاصم يقف بثبات، يده في جيب بنطاله، وعيناه تنظران إليها ببرود مستفز. قال بلهجة هادئة لا تخلو من سخرية:

“آه، أنا. كنتي متوقعة حد تاني؟”

اشتعلت سيلا غضبًا، تقدمت نحوه بخطوات سريعة ودفعته في صدره:

“إنت… إنت قليل الأدب وسافل! إزاي تهاجمني بالطريقة دي؟ وإزاي تكلمني كده؟ وجايبني هنا ليه؟ أنا فين أصلاً؟ وفين هدومي؟ دي مش هدومي!”

وقف عاصم دون أن يتحرك أو يرد، مكتفيًا بالنظر إليها ببرود شديد زاد من عصبيتها. استدارت نحو النافذة مجددًا، حاولت فتحها دون جدوى، ثم عادت للباب وضربته بقبضتها بعصبية شديدة:

“افتح الباب! افتح حالًا! أنا مش هفضل هنا ولا ثانية!”

رد عاصم ببروده المعتاد، ناظرًا إليها بلا اكتراث:

“خلصتي؟”

صرخت بوجهه:

“إنت بتعمل معايا كده ليه؟ أنا من يوم الحادثة وأنا بعيد عن أختك وماعرفش عنها حاجة! إيه اللي انت ناوي عليه؟”

ظل واقفًا، نظراته الباردة تخترقها. قال أخيرًا:

“انتي هنا علشان تحمي نفسك، سواء عجبك أو لأ. ولو عايزة تفكري غير كده، دي مشكلتك. بس تخرجي من هنا؟ مستحيل.”

تجمدت سيلا مكانها، شعور بالعجز يغمرها كالموج العاتي. أهي أسيرة الآن؟ ومن يكون عاصم ليتخذ القرارات عنها؟

صرخت بتحدٍّ:

“هخرج يعني هخرج، مفيش قوة هتمنعني، فاهم!”

غمض عاصم عينيه، يحاول لملمة أعصابه المشتعلة، ثم قبض يده وتحكم في نبرته ببرود:

“أولاً، مفيش خروج من هنا.

ثانياً، أنا هنا لحمايتك من المافيا اللي سيادتك دخلتي نفسك فيها. ومش بس كده، بعد أول مقال نشرتيه صوت وصورة، كأنك بتقولي لهم: أنا هنا، تعالولي!”

توقف لحظة، ثم أكمل بنبرة صارمة:

“هتتحبسي هنا لحد ما ننهي كل شيء ونمسكهم. وبطلي شغل العيال ده، مش صغيرين. بطريقتك دي، بتضيعي مجهودنا كله.”

ردّت سيلا بحنق:

“ومصلحتك إيه؟ بتحميني؟! إنت دخلك إيه أصلاً؟ مين إنت عشان تمسك مصيري؟ أنا عايزة أمشي من هنا، دلوقتي! هتاخر عليهم كده!”

نظر لها عاصم ببرود، ثم توجه إلى المدفأة وجلس أمامها بلا اكتراث، يتحدث بلا مبالاة:

“تتأخري على مين؟ زمانهم كل واحدة في بيتها وفي سابع نومة.”

تحدق فيه بعدم تصديق:

“بيت مين؟! وأنا؟! إزاي يروحوا من غيري؟!”

ابتسم بسخرية:

“نصيبك كده.”

صرخت بحنق:

“إنت مجنون! مش مصدقاك. أنا همشي من هنا، يعني همشي!”

ابتسم عاصم بهدوء مستفز:

“بصي، أحب أقولك لو عدّيتي من الحراس بره الباب (رجال ضخام كالجدران) والكلاب اللي معاهم بقالهم يومين مش ماكلين لحمة، ولو نجحتي ودخلتي الغابات، مش هتطلعي سليمة. ليكي مطلق الحرية.”

رماها بنظرة تحدٍّ وهو يضع المفتاح على الطاولة الخشبية أمامه بلا مبالاة:

“عاوزة المفتاح؟ أهه.”

تقدمت بخطوات مترددة، عينها على المفتاح، وحين مدّت يدها لتأخذه، هبّ عاصم كالصقر، أمسك معصمها بحزم، وثبّت يدها بين قبضته. صوته صارخ بالنفاذ صبر:

“إنتي إيه؟ مخك ده مش شغال؟! (وأشار إلى رأسها بأصبعه) بقولك إنتي في خطر، والمافيا هتموتك! ما تسمعي الكلام بقى؟!”

نظر إليها بعينيه التي تحمل بركاناً مكبوتاً:

“أنا هنا عشان أخلص مهمتي. انتي هتقعدي هنا لحد ما أضمن سلامتك، وبعدها أنا اللي هوصلك بنفسك بيتك. وبالمناسبة، والدك ووالدتك عارفين، يعني مش خطفك حُباً فيك.”

ظلّت سيلا تحدق فيه بلا حراك، لم يرجف لها جفن، بينما هو خفّض صوته حتى كاد يهمس، لكنه كان كالخنجر:

“إياكي… إياااكي أشوفك قدام الباب ده. مفهوم؟!”

ثم أكمل بصوت انفجر كالرعد:

“مفهـــــووووم؟!”

نظرت سيلا إليه ببرود، ضيقت عينيها ولم ترد، معتقدة أن التجاهل هو الرد الأمثل له.

اشتعل غضب عاصم من تجاهلها، اقترب منها بحدة وأمسك فكها بيدٍ قوية، بينما يثبت يديها الأخرى بقبضته. قال بنبرة تهديد، مليئة بالعزم:

“واضح إنك عنيدة، بس أنا صبري طويل جداً، وهعرف إزاي أخلّيك تسمعي الكلام.”

رفعت سيلا رأسها بتحدٍّ، وفي لحظة استجمعت كل قوتها، واستغلت الفرصة قامت بركله أسفل منطقة الحزام لتدفعه بعيداً عنها بحركة مباغتة. ارتد عاصم للخلف مذهولاً من فعلتها، بينما ألقى عليها نظرة حادة تحمل كل معاني التحذير.

صوته كان جهورياً وهو ينادي الخادمة:

“كاثرين!”

هرولت الخادمة إليه وهي تقول بتوتر ورعب من هيئته:

“تأمر بشيء، سيدي؟”

رد بصرامة:

“أحضري لي الس.وط فوراً، ولا تتأخري!”

انحنت برأسها بارتباك وغادرت لتنفيذ طلبه، بينما سيلا هرولت من امامه مسرعة و… 

……

عادت مي إلى المنزل مع أولى ساعات الصباح، فتحت الباب ودخلت بهدوء. الجميع كان نائمًا. توجهت إلى غرفة والدتها، استلقت بجانبها وهمست:

“ممكن أنام في حضنك؟”

ربتت والدتها عليها بحنان:

“طبعًا يا حبيبتي.”

وغفت مي مطمئنة بين ذراعيها.

……

عاد معتز ووليد إلى المنزل، فقال معتز بإنهاك:

“مش شايف قدامي، طالع أنام، ولما أصحى هكلم عاصم أفهم منه. تصبح على خير يا وليد.”

رد وليد بابتسامة:

“وأنت من أهله.”

دخل وليد غرفته، غيّر ملابسه وجلس على السرير يحاول النوم، لكنه شرد بتفكيره:

“يا ريتني طلبت رقمها… أتواصل معاها إزاي دلوقتي؟ غبي أوي.”

تذكر انشغاله باختفاء أختها، فأخرج هاتفه ليقضي الوقت عليه حتى يغلبه النوم، لكنه لاحظ أن الهاتف لا يفتح ببصمة إصبعه، وحين حاول إدخال كلمة المرور، فشل. دقق في الهاتف، ثم لاحظ خلفيته، فتفاجأ:

“ده تليفونها!”

تذكر لحظة الاصطدام وأدرك أن الهواتف قد تبدلت. ابتسم ابتسامة واسعة وقال لنفسه:

“يااه… دي أحلى صدفة.”

أخذ الهاتف بين يديه، احتضنه وهو يفكر كيف سيعيده لها، ثم غلبه النوم على تلك الأفكار.

…..

همسة خبطت على الباب، ففتح لها والدها الذي كان يستعد مبكرًا للعمل بينما كانت نرمين تحضر الفطور.

قالت همسة وهي تحتضنه وتبكي:

“بابا حبيبي، سيلا ما جاتش معايا… أنا خايفة أوي.”

شعر والدها بخوفها وقال لها بهدوء:

“اهدي، اهدي، تعالي، هفهمك.”

ثم جلست معه واستمع لها.

قال والدها وهو يأخذ نفسًا عميقًا:

“حبيبتي، اختك دخلت في مشكلة كبيرة مع مافيا تجارة الأعضاء. كان الموضوع صدفة، لما كانت جنب قسم مستشفى وشافت ممرضة مترددة، فقررت تروح لها وتتكلم معها. الممرضة ارتاحت لها وحكت لها عن الطبيب اللي كان بيعمل عمليات مشبوهة، وصورت فيديو له مع شركائه. اختك شجعتها تتقدم بشكوى ضده، وعملت ده، وبالفعل المباحث قبضت عليه، لكنه مات في السجن، والبنت قُتلت، والموضوع أكبر مما نتخيل.”

همسة نظرت له بصدمة وقالت:

“وأنت كنت عارف؟”

ابتسم والدها ليطمئنها وقال:

“أنا عارف، بس القضية كانت سرية. المباحث بتشتغل عليها، ومش عاوزين نكشف كل شيء. لكن بعد ما نزلت اختك المقال، جت تهديدات وطلبنا منها تبتعد لفترة، علشان كمان ممكن يكون عندها دليل تاني ممكن يضرنا.”

ثم أضاف:

“دلوقتي حياتها في خطر أكتر، وأنتي لازم تكوني مستعدة لأن الموضوع أكبر من كده بكتير.”

همسة كانت مذهولة، ولم تتمكن من الرد.

يتبع

الفصل الثامن جمر الجليد شروق مصطفى

همسة كانت في حالة صدمة وقالت:

“ياااااه… كل ده وأنا مش عارفة! عشان كده سيلا انهارت مرتين. أول مرة كانت بتتكلم بانفعال مع حد في التليفون ومن كتر عصبيتها رمت تليفونها في الأرض وكسرته. ومرة تانية انهارت لما سمعت خبر مقتل البنت بطريقة شنيعة وقالت: ‘أنا السبب، أنا السبب بسبب المقال اللي نشرته.’ وصمتت قليلاً، تجمع باقي خيوط الحقيقة.”

قالت لهمسة في ذهنها:

“يبقى عاصم هو الظابط السري المكلف بحمايتها؟ لأنه هو اللي خلى الجريدة دي بالذات تغطي افتتاحية شركته.”

سألت همسة والدها:

“طيب وهي فين يعني مش جنبنا هنا ليه؟”

أجاب والدها:

“أنا اللي أعرفه أنها في ألمانيا. هيسافروا بيها لحد ما الأمور تهدأ، وينهوا القضية، ويمسكوا الطرفين متلبسين، وبعد كده يرحلوا الطرف الأجنبي ويسلموه هناك.”

همسة:

“ربنا يستر. الموضوع ده ممكن يطول وسيلا مش هتسكت. ربنا يستر إن شاء الله.”

في تلك اللحظة، دخلت نرمين، مفاجئة لرؤيتها، وأخذتها في أحضانها قائلة:

“حبيبتي، واحشتيني! عاملة إيه؟”

ثم نظرت إلى محسن، الذي طمأنها قائلاً:

“ما تخافيش، هي عرفت كل حاجة.”

حاولت نرمين أن تطمئنها وقالت:

“ماتقلقيش على سيلا، هتكون بخير.”

همسة، وهي تردد في نفسها:

“يارب يا ماما.”

ثم قالت لها:

“قومي ريحي شويه، شكلك مرهق.”

أجابت همسة:

“أيوه، مرهقة جدًا. هقوم أنا.”

دخلت همسة غرفتها، ثم أخذت حمامًا دافئًا، وأخيرًا غطت في نوم عميق، محاطة بكل تلك الأفكار والهموم.

… 

استغلت سيلا الفرصة، ركضت بسرعة وصعدت السلم، ثم دخلت الغرفة وأغلقت الباب، لكنها اكتشفت أنه لا يوجد مفتاح. وضعت كرسيًا على الباب لسده. سمعت خطواته تقترب، فبدأت تلعن حظها وتقول:

“إيه حظ مهبب دا كان لازم يعني اه يا غلبانة يا سيلا؟!”

لكن فجأة، طرق الباب بعنف وقال:

“افتحي، وإلا هكسر الباب على دماغك!”

انتفضت من الصوت تمتت”هربت منهم وهو قال حاميني وجاي يق.تلني!”

ركضت إلى النافذة ووجدت كلابًا أسفلها، فصدمت: كلاب دي مش بيأكلوها ولا ايه يا مُرك. 

انفتح الباب فجأة، ووجدته ممسكًا بسوط أسود طويل، مبتسمًا بابتسامة ماكرة.

ابتسمت له وقالت بتردد:

“لا… لا، إهدأ يا شبح، هتعمل إيه؟ كنت بدافع عن نفسي و و.”

…. 

تحدث بصوت فحيح: “أبعد! دلوقتي!”

بدأ يقترب منها، فابتعدت حول الغرفة حتى توقفت عند النافذة، ثم قفزت على الفراش وقالت: “بص، اعقل! لسه بقول عليك عاقل، هقولك!”

ثم صرخت بشدة عندما لمس السوط.

،،،،، 

استفاقت منزعجة على نغمة غريبة، فأمسكت بتليفونها ووجدت اسمًا غريبًا “عامر”، فسألت:

“مين؟”

رد:

“انتي مين؟ وفين وليد؟”

ردت بنعاس:

“وليد مين؟ الرقم غلط!” وأغلقت في وجهه، ثم عادت للنوم.

.. 

استفاقت مي بعد نوم طويل، فدخلت الحمام وأخذت شاورًا ثم توضأت وأدت فرضها. بعد ذلك خرجت لمساعدة والدتها في المطبخ، قائلة: “بما أني في إجازة اليوم، خليني أساعدك.”

تقابلت مع شقيقها هيثم الذي قال: “صحي النوم يا هانم.”

ردت مي: “صباح الفل عليك يا حبيبي، أوعا تقول إنك إجازة أنت كمان!”

قال هيثم: “إحنا بتوع إجازات برده، ما أنتي عارفة إن الجمعه بس هي الإجازة.”

مي: “مفيش يوم إجازة كده؟ يا ربي! وتاخد اختك تفسحها؟ يا ظالم!”

قال هيثم: “إنتِ لسه جايه من رحلتك في الغردقة، إنتِ وصاحبتك. اتفسحتوا وعملتم هيصة، عاوزه إيه تاني مني؟”

مي: “آه اتفسحنا، أووووي!” ثم ضحكت وهي تقول: “اسكت، مش فاهم حاجه.”

هيثم: “طب تعالي قوليلي، صاحبتك ما عملتش كوارث؟”

مي: “سيلا؟ لا خالص، دي نسمه تتحط على جرح يطيب.”

هيثم: “طبعا كله على يدي، ولسه دماغها من ناحيتي برده.”

مي تنهدت بحزن، ثم قالت: “أنا فاهمتك، بس سيلا مش هتفكر في الجواز. حاول تنساها وشوف حياتك. لازم تكمل.”

هيثم: “مش قادر، حاولت، لكن فشلت. هي مش مديني فرصة. كنت أتمنى أساعدها في اللي مرت بيه.”

مي: “اللي حصل ليها مأثر عليها، بس لازم تعدي. بس مش هي دي سيلا اللي عايشة حالياً.”

تدخلت والدتها بعدما شاهدت مغادره ابنها: “ما تكلّمي معاها. هي هتلاقي حد يحبها زي ما هي.”

مي: “سيلا زي ما هي، ما تغيرتش. بس الكل بيتغير.”

والدتها: “هو في دنيا بتفضل على حالها لازم تقدر تساعد نفسها.”

مي: “تركيبة عجيبة من العناد.”

ثم تكلمت والدتها قائلة: “قولتله سيبك من سيلا، وابقى مع بنت أختي. كفاية إنه مربّيها.”

مي ضحكت وقالت: “طيب ما يفكر فيها كزوجة، لأن سيلا لو استناها هيعنس جنبها. 

والدتها: “فال الله بت أنا ماشية الله يعينك في نفسك، اغسلي المواعين، أنا مش قادرة أكمل.”

….. 

صرخت بأعلى صوتها عندما لامس السوط طرف الفراش الخشبي، كأن الصوت وحده كان كافيًا ليزلزل كيانها. نظراته الباردة كانت تراقبها دون أن تترك لها مجالًا للهرب. رآها ترتجف وتحاول تبرير موقفها بعبارات متلعثمة، لكنها كانت تعلم أن لا مفر. كان مصممًا على ترويضها، ليجعلها تدرك تمامًا مع من تتعامل.

رفع السوط وضرب به المنضدة الخشبية بقوة، فاهتزت الغرفة بصوت مدوٍ جعل قلبها يقفز بين أضلاعها. نظرت إليه بعينين زائغتين، تحاول البحث عن فرصة للهرب، لكنه اقترب منها بخطوات ثابتة وصوت كفحيح الأفعى:

“يا ترى الضربة الثانية هتكون فين؟”

تراجعت إلى الخلف وهي ترفع يديها محاولة الدفاع عن نفسها، وتقول بتلعثم:

“أنا… أنا بدافع عن نفسي! أنت السبب مش أنا، على فكرة!”

أغمضت عينيها بشدة، وكلماتها خرجت متوسلة:

“أبعد السوط ده عني! خلاص، بلاش كده، يا ماما!”

ركضت بعيدًا في محاولة بائسة للابتعاد عنه، لكنه أوقفها بصوته المرتفع الذي ملأ الغرفة:

“عاوزة تضيعيني، يا بت؟”

نظرت إليه بذعر، وصوتها يرتجف:

“أنا؟ أبدًا! ليه تقول كده؟”

ضيق عينيه بسخرية:

“إنتِ هتستعبطي؟”

هزت رأسها بسرعة وهي تحاول تهدئته:

“لا، طيب… خلاص! مش هعمل كده تاني. امشي بقا!”

اقترب منها أكثر، صوته صارم وحدته لا تقبل النقاش:

“وهو هيبقى فيه تاني كمان! انتي شكلك ما تعرفينيش لسه. وأحسنلك بلاش، لأن وقتها مش هرحمك، بجد!”

لوّح بالسوط في الهواء، الصوت يخترق صمت الغرفة كتحذير أخير. أكمل بصوت بارد:

“ولو كنت ضربت الهوا المرة دي، المرة الجاية ما تضمنيش الضربة فين. ويا ويلك لو فكرتِ تقربي من الباب أو تحاولي تهربي. وقتها بتكوني انتي اللي جنيتي على نفسك يلا أتخمدي.

 

أنهى كلامه بصرخة حادة، واستدار مغلقًا الباب بقوة جعلت سيلا تقفز في مكانها. بقيت للحظات مرتجفة، تحاول استيعاب ما حدث. بعد أن هدأت قليلًا، همست لنفسها بتحدٍ:

“غبي! مين قاله إني عاوزة حماية أصلاً؟ يحبسني هنا ويعاملني كأني عايشة فيلم رعب، وكل ده عشان يهوشني بالكلاب؟ فاكرني خايفة؟! هي موتة ولا أكتر. لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. مستحيل أعيش مع الهمجي ده، لازم ألاقي طريقة أخرج من هنا… هيعمل إيه يعني؟”

ثم ضربت كفًا بكف وقالت بتذمر:

“يووووه! هتجنن، ولا إيه؟ عمالة أكلم نفسي! ولا حتى معايا تليفون أو اللاب توب، وكل حاجتي ضايعة… آه! شنطتي! لازم أروح أسأله هي فين بدل الزهق ده.”

بعد قليل، فتحت الباب بحذر ومشت على أطراف أصابعها، تتحسس الطريق كأنها تخشى أن يراها. فتحت الباب ونظرت حولها، لكنها لم تجده. قررت أن تبحث عنه، وأثناء سيرها وجدت خادمة تقف في إحدى الزوايا. نادتها قائلة:

“لو سمحتي، فين شنطتي؟”

لكن الخادمة أجابتها بلغة ألمانية لم تفهم منها شيئًا. توقفت سيلا في مكانها، تلوح بيديها في محاولة لإيصال فكرتها، لكنها شعرت بالإحباط.

“يووه! شكله هيشلني هنا! أنا أصلاً بتكلم عربي بالعافية. خلاص، مش مهم!” فكرت للحظة، ثم أضافت بسخرية:

“أهو شكلنا هنتعامل بالإشارة، ما فيش حل غير كده.”

لوحت بيديها بحركة تعني أن الخادمة يمكنها الانصراف، فرحلت الأخيرة دون جدال. عادت سيلا تتمتم:

“طيب! فين هو كمان؟”

نزلت إلى الطابق السفلي وهي تبحث عنه. الجو كان هادئًا بشكل مريب، مما زاد توترها. تفاجأت عندما وجدت المكان فارغًا تمامًا. لا صوت ولا حركة، كأن المنزل قد أصبح مهجورًا.

وقفت في منتصف الدرج تتأمل الصمت الذي يحيط بها، وبدأت ضربات قلبها تتسارع. تمتمت بخوف:

“إيه الهدوء ده؟ حتى الكلاب مش سامعة صوتهم!”

بقلم شروق مصطفى قصص الحياة 

أخذت نفسًا عميقًا، محاولًة تهدئة نفسها، وأكملت نزولها ببطء. وصلت إلى الصالة الكبيرة ولاحظت بابًا مواربًا يؤدي إلى الحديقة الخلفية. تقدمت نحوه بحذر، تدفعه قليلًا لتلقي نظرة، وفجأة…

سمعت صوتًا خلفها جعلها تقفز من مكانها:

“بتدوري على إيه؟”

استدارت بسرعة لتجده واقفًا خلفها، يضع يديه في جيوبه ونظراته الباردة تراقبها، وكأنها طفلة صغيرة تثير استغرابه. شعرت سيلا بالارتباك، لكنها سرعان ما رفعت رأسها وتماسكت، وردت بنبرة متحدية:

“بدور على شنطتي… أو أنت كمان خبّيتها؟”

ظل صامتًا للحظة، ثم قال ببرود:

“شنطتك في أمان، لكن ما فيش داعي تخرجي تدوري عليها. كل اللي تحتاجيه موجود هنا.”

ردت سيلا بحدة:

“أنا مش محبوسة هنا! ومش هسمحلك تتحكم في حياتي!”

نظر إليها بابتسامة ساخرة وقال:

“جربي تخرجي، وهنشوف مين اللي بيتحكم في مين.”

يتبع

جمر الجليد الفصل التاسع

نظر إليها بابتسامة ساخرة وقال:

“جربي تخرجي، وهنشوف مين اللي بيتحكم في مين.”

سيلا كانت غاضبة وصوتها يعلو بالاعتراض:

“هو كل حاجة عندك لا؟! إيه القرف ده؟”

لكنه لم يجب. ألقى الحطب بقوة على الأرض، وصوت ارتطامه أظهر حجم غضبه. اقترب منها بخطوات غاضبة كأنه عاصفة لا تهدأ.

شعرت بالخوف يعتريها، فتراجعت سريعًا وركضت إلى الأعلى. عقلها يضج بالأسئلة:

“جايبني هنا ليه؟ هعمل إيه؟”

لكن وسط ارتباكها، لمعت شرارة التحدي في عينيها. همست لنفسها بحزم:

“مش هستسلم… لسه ما تعرفش مين سيلا.”

وبينما كانت الأفكار تدور في رأسها، تسلل التعب إليها، فاستسلمت للنوم رغم كل ما بداخلها من اضطراب.

 على الجانب الآخر، كان زال يعمل بصمت في الخارج. قطع الحطب بعناية من الأشجار وحمله إلى الداخل، حيث أكمل تقطيعه ليتناسب مع المدفأة. بعد الانتهاء، أغلق الباب بإحكام ليمنع برد الليل من الدخول.

دخل الحمام وأخذ حمامًا دافئًا، وكأن الماء يزيل عن جسده تعب اليوم. ارتدى بنطالًا رماديًا بيتيًا وتيشيرتًا أسود بسيطًا، ثم توجه بهدوء إلى غرفتها.

وقف عند الباب للحظات، يتأملها وهي تغط في نوم مضطرب. اقترب منها، قام بتغطيتها بعناية لتدفئتها، وبينما كان يهم بالمغادرة، سمعها تهمس في نومها:

“ههرب… أنا ههرب منك.”

توقف عند الباب وابتسامة صغيرة تشكلت على شفتيه، وهمس لنفسه:

“وأنا بقا كابوسك من دلوقتي.”

…..

معتز أخذ إجازة من العمل، مرهقًا من السفر. جلس وحده، وذهبت أفكاره إلى وجهها البريء وكلماتها:

“الله، أنت بتضحك زينا أهو.”

بقلم شروق مصطفى

ابتسم دون وعي، لكن سرعان ما عاد لعقله ونفض الفكرة. تمتم بحدة:

“لو الأقرب خان، البعيد هيكون إيه؟ كلهم نفس الشيء… ظاهرهم بريء، وجوّاتهم شياطين.”

حاول أن ينشغل بأي شيء، لكنه لم يستطع الهروب من ظلال الماضي.

…. 

استيقظت همسة وظلت للحظات تستجمع وعيها، ثم نهضت وكادت أن تخرج، لكنها سمعت رنة غريبة. عادت وأمسكت الهاتف، متسائلة:

“إيه النغمة دي؟ مش بتاعتي.”

نظرت إلى الشاشة فرأت اسم “عامر”. استغربت وقالت:

“مين ده؟ هو أنا مكنتش بحلم؟”

ردت بحذر:

“ألو؟”

جاءها صوت يقول:

“أنتِ مين؟ ده رقم وليد أخويا. أنتِ تبقي مين؟”

نظرت مجددًا إلى الهاتف ولاحظت صورة خلفية غريبة. ردت بسرعة بعدما أستمعت لتأفأفه:

“آسفة، بس شكل الموبايل اتلخبط بعتذر جدًا وهكلم رقمي عشان نبدله.”

رد عامر مطمئنًا:

“ماشي، ولا يهمك. كنت بس بطمن إنه وصل. مع السلامة.”

أنهت المكالمة وقالت لنفسها:

“إزاي مخدتش بالي؟ هكلمه دلوقتي أزاي وأنا مش فاكرة أسمه!.”

اتصلت برقمها، وبعد رنين طويل، رد وليد بصوت مفعم بالتعب، لكنه سرعان ما تغير حين عرفها:

“ألو؟ حضرتك أنا همسة، أخت سيلا، اللي اتقابلنا صدفة في الغردقة، و…”

قاطعها بابتسامة:

“كانت أحلى صدفة، بجد.”

تلعثمت همسة بخجل:

“أحم… واضح إن تليفوناتنا اتبدلت.”

رد بمزاح:

“لحسن حظي عشان أسمع صوتك.”

قالت بخجل:

“محتاجه تليفوني، وأخوك كلمك مرتين.”

قال وليد:

“طيب، نتقابل عند الكافيه جنب بيتك بعد ساعة؟”

وافقت وأغلقت المكالمة. بعدها ذهبت إلى والدها ووالدتها وقالت:

“تليفوني اتبدل في الغردقة، وحد هييجي يرجعه. ممكن تروح تقابله، يا بابا؟”

رد والدها:

“ماشي، هشرب الشاي وأنزل.”

أما وليد، فكان سعيدًا، جهز نفسه بسرعة وتوجه للكافيه، ينتظر لقاءها بشوق.

انتظر وليد داخل الكافيه حتى جاءه اتصال، لكنه فوجئ بصوت رجل خشن يقدم نفسه:

“أنا محسن، والد همسة اللي تليفونك اتبدل معاها.”

نهض وليد ورحب به قائلًا:

“أهلاً بحضرتك، أنا وليد، وآسف لو تعبتك.”

رد محسن:

“مفيش تعب، اتفضل تليفونك.”

تبادلوا الهواتف، ثم أصر وليد:

“تشرب حاجة، يا عمي؟”

لم ينتظر رده ونادى النادل الذي أخذ طلب القهوة. بدأ محسن الحديث:

“همسة قالت إنك وابن عمك وصلتوهم من الغردقة.”

أجاب وليد بارتباك:

“أيوه، يا عمي. كنا راجعين بعد الافتتاح، ووصلناهم.”

تضييق عيني محسن أربك وليد أكثر حين سأله:

“مين عاصم ده؟”

رد وليد بتوتر:

“ده صاحب أكبر سلسلة شركات سياحية، وإحنا كلنا شركاء.”

قاطعه النادل بإحضار الطلب، لكن محسن أكمل:

“عاوز رقم عاصم لو ممكن.”

أعطاه وليد الرقم بقلق، ثم استأذن وغادر وهو يتمتم:

“إيه الراجل ده؟ حاسس إني في تحقيق! ماشي يا همسة، بتسلميني كده؟ استني عليّ!”

عاد محسن للمنزل وأعطى همسة الهاتف قبل أن يغادر لعمله، عازمًا على الاتصال بعاصم لاحقًا للاطمئنان على ابنته.

وضعت همسة الهاتف في الشاحن ثم عادت لإكمال لوحتها. بعد قليل، اهتز الهاتف بمكالمة من مي. أجابت بسعادة:

“أهلاً، حبيبتي. عاملة إيه؟ وحشتيني.”

ردت مي بقلق:

“الحمد لله. طمنيني، في أي جديد عن سيلا؟”

تنهدت همسة:

“بابا وماما طلعوا عارفين كل حاجة.”

تفاجأت مي:

“بجد؟ كانوا عارفين إنها مش راجعة معانا؟”

ردت همسة:

“آه، وطلع الموضوع كبير أوي.”

قالت مي بحماس:

“طيب احكي بسرعة!”

هتفت همسة:

“مش هينفع في التليفون. تعالي بكرة عندي، أشرحلك كل حاجة.”

وافقت مي:

“خلاص، هعدي عليكِ بعد الشغل. بس ماما بتناديني دلوقتي عشان الغدا، هقفل.”

ردت همسة:

“ماشي، سلام، حبيبتي.”

في صباح اليوم التالي، ذهبت مي إلى الجريدة لمتابعة عملها. وصلت إلى مكتبها وكانت بالكاد تجلس حين قال زميلها ياسر:

“المدير عاوزك ضروري، بيسأل عنك كل شوية. روحي له الأول.”

تأففت مي وهي تسأله:

“إيه الموضوع؟ عارف هو عاوزني ليه؟”

هز ياسر كتفيه بمعنى أنه لا يعرف. فقالت وهي تهم بالذهاب:

“ماشي، رايحة أهو. يا خبر دلوقتي بفلوس بعد شوية يبقى ببلاش.”

ثم همست لنفسها بمرح:

“شكلي هتعلق! فينك يا سيلا تجيبي حقي!”

ضحك ياسر وأدهم عليها، فقد كانت تضيف جوًا مرحًا دائمًا في المكتب.

وصلت مي إلى مكتب المدير، استأذنت بالدخول، وعندما أذن لها، دخلت.

استقبلها بابتسامة وقال:

“حمد لله على السلامة يا مي.”

ردت:

“الله يسلمك يا فندم.”

قال المدير:

“طبعًا، أخدتِ أجازة، خلاص، ماسمعش كلمة تانية.”

ابتسمت وقالت:

“متشكرة جدًا يا فندم.”

أشار لها بالجلوس وقال:

“في موضوع مهم عاوز أكلمك فيه.”

جلست مي وهي تسأله:

“خير يا فندم؟”

قال المدير بجدية:

“الموضوع متعلق بزميلتك سيلا. أنا عارف كل اللي حصل، والدها صديقي وعلى علم بالموضوع، وأنا اللي خليت سيلا تطلع الرحلة دي تحديدًا.”

صمت قليلاً، ومي تحاول فهم ما يحدث دون أن تقاطعه.

أكمل:

“بما إن سيلا مش هتظهر دلوقتي، محتاجك تمسكي شغلها. هتكتبي عن كل اللي شفتِيه في الافتتاحية والحفلة، وتقيمي الحدث مرفقًا بالصور. بس…”

سألته بحيرة:

“بس إيه، يا فندم؟”

قال بحزم:

“هترفقي اسم سيلا محسن على كل المقالات، سواء افتتاحيات، أخبار مشاهير، أو أي حاجة تكتبيها. مش هينفع غير كده لحد ما ترجع.”

ترددت مي للحظة، لكنها وافقت بإصرار:

“موافقة طبعًا يا فندم، سيلا مش مجرد زميلة، دي أخت، وأنا مستعدة لأي حاجة تساعدها.”

ابتسم المدير بارتياح وقال:

“وده العشم فيكِ. خلصي شغلك وابعتِيه لي للمراجعة قبل ما ينزل العدد بكرة.”

ردت مي:

“تمام، بعد إذنك.”

خرجت من المكتب وهي تتمتم لنفسها:

“مش فاهمة حاجة، بس يلا. أخلص شغلي وأروح أشوف البت همسة.”

عملت بجد طوال اليوم حتى انتهت من المقالات وأرسلتها للمدير، ثم توجهت إلى منزل همسة. 

… 

أما معتز توجه إلى الشركة للإشراف على العمل ومراجعة الملفات، حيث كانت لديهم عدة فروع يدير كل واحد منها مدير إداري. انشغل معتز بترتيب الأوراق حتى دخل عليه وليد دون استئذان، مما جعله يهتف بانزعاج:

“ما تخبط يا بني آدم! داخل كده زي الثور!”

ضحك وليد قائلاً:

“إيه يا عم، هو أنا داخل عليك الحمام ولا إيه؟”

تنهد معتز باستسلام:

“مفيش فايدة فيك. اتأخرت ليه كده؟”

في الشركة، رد وليد بابتسامة خفيفة على معتز:

“كان عندي مشوار وخلصته وجيت، بس قولي، إيه حكاية أخوك مع الصحفية دي؟ سافر فجأة ليه؟”

رد معتز وهو يضع الأوراق جانبًا:

“عاصم دايماً كده، محدش يعرف بيخطط لإيه. اللي أعرفه إنه في مأمورية شغل، والصحفية دي شكلها عاملة مشكلة كبيرة.”

وليد بخبث:

“وصحبتها؟ نظامها إيه؟”

نظر معتز إليه بحدة:

“صحبتها مين يا عم نحنوح؟ ماتلم نفسك شوية، وانشف كده بدل ما تبقى طري.”

ضحك وليد وقال:

“مكان قلبك ده صخر، ما بيحسش زي البني آدمين.”

ثم أكمل بثقة:

“أتحداك يا معتز، وقت ما تحس إن صورتها مش بتفارق خيالك، تعرف وقتها بس إنك بني آدم عنده قلب.”

رد معتز بجفاء:

“مستحيل. قلبي مات من زمان. الحب ده خليته ليك يا عم الرومانسي. قوم نكمل شغل.”

أومأ وليد بأسف وقال:

“للأسف، مش هتحسوا بقيمة الكلام ده إلا لما يبقى متأخر. لو حسيت إن قلبك اتحرك، أوعى تخسره.”

ثم غادر المكتب وهو يهز رأسه.

تركه وليد في حالة شرود، تتردد كلماته في ذهن معتز رغم تجاهله لها. استغرق في العمل لساعات طويلة حتى شعر بالاختناق من الروتين. قرر المغادرة، فأخذ مفاتيحه ونظارته، وركب سيارته.

ظل يقود بلا هدف في الشوارع لفترة، حتى توقف فجأة عند مكان مألوف، لا يعلم لماذا جذبه هناك! 

يتبع

جمر الجليد الفصل العاشر بقلم شروق مصطفى

استفاقت سيلا ببطء، عيناها مفتوحتان بصعوبة، وألم الصداع يضرب رأسها بشدة. حاولت النهوض، لكن جسدها خذلها، فاختل توازنها وسقطت جالسة على حافة السرير. شعرت بدوار مرير، إلا أنها عزمت على الوقوف مجددًا. بعد محاولات شاقة، تمكنت من الاتكاء على الحائط، خطت خطوات مترددة حتى وصلت إلى السلم، تشبثت به بحذر ونزلت ببطء.

كان المنزل غارقًا في سكون مريب، ولم تلحظ أي حركة أو وجود لأحد. شعرت براحة داخلية لعدم وجود من تضطر للتعامل معه، فهي بالكاد تمتلك الطاقة لمواجهة نفسها. اتجهت نحو المطبخ، تشتاق إلى قهوتها الصباحية التي اعتادت أن تمنحها بعض الحيوية. أخذت تبحث عن شيء ما، لكن عينيها لم تقعا على ما تبحث عنه. خارت قواها مجددًا، فجلست على أحد المقاعد، متعبة ومنهكة.

أسندت رأسها المثقل على الطاولة، وأغمضت عينيها، لكنها لم تجد سوى سواد يمتد أمامها. فجأة، ارتخت يدها الثقيلة وسقط جسدها تدريجيًا، وكادت تهوي على الأرض لولا أن يديه أمسكتا بها في اللحظة الأخيرة.

كان قد استيقظ للتو على وقع خطواتها المرتبكة وأصوات خفيفة كادت أن تخفى. هرع نحوها وحملها بين ذراعيه، ثم وضعها برفق على الأريكة. حاول إيقاظها بضربات خفيفة على وجهها، لكن دون جدوى. تركها للحظة وأحضر زجاجة عطره القوية، محاولًا إنعاشها، إلا أن استجابتها كانت معدومة.

عاد عاصم سريعًا بكوب ماء محلى بالسكر، قلبه جيدًا واقترب منها، ثم عدل جلستها برفق ممسكًا بظهرها ليساعدها على الشرب. كان قريبًا منها للغاية، قدم لها القليل من الماء، وببطء بدأت تستعيد وعيها شيئًا فشيئًا. فتحت عينيها بصعوبة، وبمجرد أن شعرت بقربه منها، دفعته بعيدًا قائلة بصوت حاد:

“ابعد عني.”

تركها على الفور واستقام واقفًا، ينظر إليها بتركيز، ثم سأل بجدية:

“آخر مرة أكلتي كانت إمتى؟”

خفضت رأسها وأمسكت جبينها بيدها، تتنفس ببطء وبصوت ضعيف مهزوز:

“مش فاكرة… يمكن من يوم الحفلة أو قبلها.”

بقلم شروق مصطفى

حدقت عيناه بها بصدمة، فهو أدرك فجأة أنها قضت يومين كاملين دون طعام؛ يوم افتتاح الحفل واليوم الذي جلبها فيه إلى هنا. صمت برهة، ثم استدار وابتعد متجهًا نحو المطبخ لتحضير الفطور.

حاولت الوقوف واتباعه، متثاقلة الخطى حتى جلست أمام الطاولة في المطبخ وقالت بصوت متعب:

“فين القهوة؟ مش لاقياها… صداع رهيب.”

كان عاصم منهمكًا، ظهره لها بينما كان ينهي طبقًا من الأومليت. التفت إليها قليلاً بعد أن وضع الحليب على النار وسخن الخبز، ثم قال بصوت حازم:

“مفيش قهوة إلا لما تشربي ده” -وأشار إلى كوب الحليب- “وتاكلي ده” -وأشار إلى طبق الأومليت-.

رفعت حاجبيها بتحدٍ ونظرت له قائلة:

“مين قال إني عاوزة أكل ولا أشرب؟”

ثم زفرت بضيق وحاولت النهوض. لكن عينها وقعت على كيس القهوة الذي وضعه في أعلى الدلفة، فتمتمت بصوت منخفض وبامتعاض:

“قال اشرب لبن! شايفني طفلة لسه هشرب لبن؟ وبيض إيه اللي يعمله ده كمان؟!”

استدار فجأة إليها وسحب الكيس من فوق الدلفة، متجاهلًا تعليقها، ثم عاد إلى طهي الفطور. مدت يدها محاولة أخذ الكيس منه، قائلة بإصرار:

“ممكن الكيس بقا؟”

هز رأسه بالرفض وأشار إلى الطعام قائلًا:

“ده يخلص الأول.”

شعرت بالغضب، فردت:

“مش قادره أتكلم بجد، متعصبنيش بقا.”

لكنه أجاب بثبات:

“قولت لا. يلا كلي الأول.”

قالت بتحدٍ:

“مش هاكل!”

ابتسم بسخرية ورد بهدوء:

“براحتك، مفيش قهوة.”

نظرت له بعناد وأجابت:

“هشرب القهوة الأول، وبعدها هاكل.”

رد ببرود:

“مش هتكلم كتير. مش بعزم، يلا اتفضلي.”

شعرت بالإرهاق وعدم الرغبة في مجادلته أكثر، فجلست بصمت وأبعدت كوب الحليب بتقزز، ثم تناولت بضع لقيمات صغيرة من الطعام. بعد أن انتهت، رفعت رأسها وقالت:

“ممكن القهوة بقا؟”

بقلم شروق مصطفى

كان قد أنهى إعدادها بالفعل، فناولها الكوب قائلًا:

“اتفضلي.”

تناولت القهوة وشكرته باقتضاب. جلس هو على الطاولة وبدأ في تناول فطوره بصمت. بمجرد انتهائه، نهض وغادر المطبخ متجهًا إلى مكتبه.

أما هي، فقد أنهت قهوتها وعادت إلى غرفتها، تشعر بالضيق والتوتر. ظلت تفكر كيف يمكنها التخلص من وجوده، فهي لا تطيق البقاء معه. أخذت تتمشى في الغرفة بقلق، تتأمل تفاصيلها، ثم اقتربت من النافذة محاولة فهم المكان. لم ترَ سوى غابات كثيفة وأشجار شاهقة تحجب أي معالم للطريق. شعرت بالارتباك، وكأنها عالقة في مكان لا سبيل للخروج منه.

تنهدت سيلا بعمق، وهي تتمتم بضيق:

“أنا فين بس؟ وداني فين ده يا رب؟ فاكرني سكت وخلاص؟ ماشي، نشوف!”

توجهت نحو الدولاب، فتحته لتجد ملابسه مرتبة بعناية. أخذت تتفحصها حتى انتقت بنطالًا طويلًا وتيشيرتًا بأكمام طويلة. بعد أن ارتدتهما، وقفت أمام المرآة، فضحكت على شكلها؛ الملابس كانت واسعة جدًا عليها بسبب قصر قامتها مقارنة بطوله، لكنها هزت كتفيها بلا اكتراث:

“مش مهم!”

خرجت من الغرفة بخطوات حذرة، عاقدة العزم على استكشاف هذا المكان الغريب، بحثًا عن مخرج للهرب منه. أثناء تجولها في المنزل، لفت انتباهها باب خشبي داخل المطبخ بدا مختلفًا عن باقي الأبواب.

بدأت تتحرك بخفة، تتلفت يمينًا ويسارًا، متأكدة من خلو المكان. نزلت إلى الطابق السفلي بخطوات بطيئة، تتفحص جميع الاتجاهات بحذر شديد. لاحظت الهدوء التام، فلا أثر لعاصم، ولا حتى للخادمة. تساءلت في نفسها:

“يا ترى هو فين؟”

ثم أكملت بابتسامة خفيفة:

“أحسن!”

اتجهت نحو الباب الخشبي، وقفت أمامه وحاولت فتحه، لكن الباب كان مغلقًا بإحكام. زفرت بضيق، وبدأت تدفعه بكل ما أوتيت من قوة، دون جدوى. استدارت لتعود، لكنها تجمدت في مكانها فجأة.

كان داخل مكتبه، يجلس أمام جهاز الحاسوب، يتابع سير العمل في شركته عبر تقارير ومكالمات متواصلة. أجرى اتصالًا أخيرًا طلب فيه إرسال خادمة جديدة لتتعامل معها، فقد أدرك أن الوضع يتطلب شخصًا أكثر صبرًا. في الوقت نفسه، لم يكن يغفل عن مراقبتها؛ فقد وضع كاميرات في أرجاء المنزل، وكانت تحركاتها جميعها تحت ناظريه. ظل يراقبها بابتسامة خفيفة، متسلّيًا بتصرفاتها العفوية ومظهرها في ملابسه الفضفاضة. بعد لحظات، قرر أن يترك مكتبه ويذهب للتسلية قليلاً.

بينما كانت سيلا تقف أمام الباب الخشبي محاولًة فتحه، كان عاصم يقف خلفها مباشرة، يراقبها بصمت وعيناه تضيقان بنظرة فضولية مشوبة بالجدية. لم يكن يبدو غاضبًا، لكنه كان يدرس تصرفاتها بتمعن.

قال بصوت هادئ، لكن نبرته تحمل تحذيرًا خفيًا: 

“كملي، وقفتِ ليه؟ هاتي أخرك بقى! وبالمناسبة… إيه اللي لابساه ده؟”

شعرت بالارتباك من وجوده المفاجئ ونظراته الساخرة، فردت بتردد وهي تحاول التظاهر بالهدوء:

“ك… كنت زهقانة فقلت أتمشى شوية… إيه بلاش.”

ثم نظرت إلى نفسها وأشارت إلى ملابسها الواسعة:

“مش لاقية حاجة ألبسها! شنطتي مش معايا وأنت السبب في كل ده.”

عاصم، بنبرة مليئة باللامبالاة، استدار ليوليها ظهره وهو يقول ببرود:

“يلا على أوضتك، مش عاوز رغي كتير، وما تطلعيش منها.”

شعرت بالاستفزاز من تجاهله وبروده، فردت بغضب واضح:

“مين قالك إنِّي عاوزة حماية؟ اللي بيحمي حد يخطفه ويحبسه كده؟! أنا عاوزة أمشي من هنا! مش هقعد دقيقة واحدة، سامع؟”

لكنها لم تجد ردًا. نظرت حولها، فرأته يدخل مكتبه بهدوء وكأنها لم تكن موجودة. لم يعرها أي اهتمام، مما زاد من غضبها. ضربت الأرض بقدميها بحنق وقالت بصوت تحدٍّ وهي تغادر المطبخ:

“وأنا همشي يعني همشي من هنا، حتى شوف!”

توجهت نحو النافذة في غرفة المعيشة. حاولت فتحها بعصبية، لكنها كانت مغلقة بإحكام. التفتت حولها ووجدت قطعة أنتيك معدنية على المنضدة، فأمسكتها بإصرار، ورفعتها بقوة لتحطم الزجاج.

تراجعت للخلف قليلًا وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تضرب الزجاج بكل قوتها. لكن فجأة، وقبل أن تضرب، شعرت بيد قوية تمسك معصمها بقوة وتوقفها في اللحظة الأخيرة.

التفتت لتجد عاصم يقف خلفها مباشرة، نظرته حادة ونبرته صارمة:

“إنتِ بتعملي إيه؟! فاكرة الهروب لعبة؟”

أمسك عاصم بيد سيلا بقوة، لوى ذراعها للخلف وألقى القطعة المعدنية على الأرض بعنف. ضغط على ذراعها بشدة حتى شعرت بألم حاد وكأن عظامها ستنفصل عن مكانها. أنَّت بصوت مكتوم، تحاول إخفاء ألمها:

“سيبني!”

تحدث ببرود، لكن نبرته كانت مشدودة كأنه يكبح غضبه:

“فاكرة قعادك هنا برغبتي؟ أنا مستني المهمة دي تخلص عشان أخلص منك! مش طايق وجودك أصلاً. عندي شغل أهم من التعامل مع تصرفاتك الطفولية.”

ردت بصوت متحشرج، تحاول الإفلات من قبضته:

“سيب ذراعي… سيبه بقى! أنت شخص همجي!”

اقترب منها، همس في أذنها بنبرة منخفضة، لكنها حملت تهديدًا واضحًا:

“فكري تعملي كده تاني، تعلي صوتك أو تتجرأي تقللي أدبك معايا. جربي بس، وشوفي رد فعلي المرة الجاية. ما تلعبش بالنار، سيلا.”

ثم دفعها فجأة للأمام، فسقطت على الأرض بقوة. أمسكت بذراعها المتألمة، ورفعت رأسها لتنظر إليه بعينين غاضبتين:

“ومين قالك إني طايقاك أصلاً؟! أو حتى عايزة أشوفك؟ الحامي هو اللي خلقني، مش أنت. خليك في حالك وسيبني أرجع لبيتي! مش محتاجة مساعدتك ولا حمايتك. لو خايف عليّ من الموت، فأنا ما عنديش مانع أواجهه. بلغ رئيسك إنك مش هتكمل المهمة. انتهينا!”

نهضت بصعوبة، متجاهلة نظراته الباردة، واتجهت نحو النافذة مرة أخرى. انحنت والتقطت القطعة المعدنية من الأرض بعزم.

لكن فجأة، وقبل أن تحرك يدها، شعرت بظله خلفها. استدارت ببطء، لتجده يقف هناك، عينيه تشتعلان بالغضب. أمسك القطعة المعدنية من يدها بقوة وألقى بها بعيدًا، ثم اقترب بخطوات ثقيلة ونبرته منخفضة لكنها حادة كالسيف:

“إنتِ مصرة تخليني أتصرف بطريقة مش هتعجبك، مش كده؟

نظرت إليه بتحدٍ، لكن قلبها تسارع نبضه. شعرت للحظة أنها ربما تجاوزت الحد، لكنه أكمل بصوت صارم:

“المرة الجاية اللي هتفكري تعملي فيها حاجة زي دي، مش هيبقى عندك فرصة تكرريها تاني.”

ثم استدار وتركها واقفة وحدها، يشتعل في داخلها مزيج من الخوف والغضب.

ـــــــــــــــــــــ

أنهت مي عملها وسلمت المقال الذي كتبته باسم صديقتها سيلا، وتركت الأوراق للطباعة، ثم توجهت إلى همسة للاطمئنان عليها. بعد السلامات وتقديم واجب الضيافة، دعتها همسة إلى غرفتها.

جلست مي على طرف السرير ونظرت لهمسة بقلق قائلة:

“إيه البرود اللي فيكي ده يا بنتي؟ طمنيني عليها! قلبي مش مرتاح لسيلا، حاسة إنهم هيخلصوا على بعض.”

أخذت همسة نفسًا عميقًا، وكأنها تحاول استيعاب كل ما يحدث، ثم قالت:

“والله يا مي، أول ما رجعت البيت كنت متوترة جدًا، وما كنتش عارفة أقول لهم إيه. بس أول ما بابا فتح لي الباب، انهارت أعصابي ومقدرتش أتمالك نفسي. الغريب إنه كان هادي جدًا وقعد يشرح لي الموضوع كله.”

مي، وهي تقترب منها لتسمع التفاصيل:

“طب قوليلي، فهمتي إيه؟”

همسة جلست بجانبها وأخذت تروي:

“بصي، الموضوع بدأ لما سيلا نشرت مقالها الأول عن العصابة. الداخلية وقتها قررت تعين ظابط سري لحمايتها، خصوصًا بعد ما الممرضة والدكتور اللي كانوا على علاقة بالقضية اتقتلوا. بعد كده، قرروا يبعدوا سيلا عن الأنظار شوية لحد ما يسيطروا على الوضع ويمسكوا باقي أفراد العصابة.”

مي، بدهشة:

“ومين الظابط ده؟”

همسة، بنبرة جادة:

“عاصم! الظابط السري المكلف بحمايتها. هو اللي طلب من الجريدة إنها تغطي الافتتاحية عشان يبعد عنها الشبهات، خصوصًا إنها لو فضلت تكتب عنهم، العصابة هتلفت نظرها ليها بسرعة.”

مي، بتوتر:

“بس سيلا ما تسكتش. أكيد عملت حاجة!”

همسة أكملت:

“بالضبط. لما سيلا عرفت بالصدفة إن الدكتور اتق.تل يوم الحفلة، نشرت صور العصابة على أكتر من موقع. وقتها عاصم اتصرف بسرعة وسفرها لمكان محدش يعرفه لحد ما القضية تخلص.”

مي، بإحباط:

“يا حظها الأسود! بقولك، تفتكري تأقلمت معاه؟”

همسة، بابتسامة صغيرة:

“اللي أنا متأكدة منه إنهم مش بيطيقوا يشوفوا بعض. سيلا عصبيتها فوق الوصف، وعاصم شكله ما بيعرفش يتفاهم!”

ثم توقفت مي فجأة كأنها تذكرت شيئًا، وقالت:

“دلوقتي فهمت ليه المدير كان مصر إني أكتب أي مقال باسم سيلا! حتى المقالات اللي ما لهاش علاقة بالقضية طلب إنها تكون باسمها هي. عايز يشغل العصابة عنها بأي شكل. ومش بس كده، يوم الحفلة عاصم كان مصر إنها هي اللي تعمل الحوار بنفسها، رغم إننا كلنا كنا بنعرض نساعد. واضح إنه كان عاوز يبعد الأضواء عنها بأي طريقة.”

همسة، وهي تضرب كفها بكفها:

“ربنا يستر. فاكرة لما وقعها في البسين وهي رمت عليه مياه؟ كان يوم كارثي.”

مي ضحكت وقالت:

“ومشوفتيش يوم الحفلة لما دخلوا في جدال قدام الناس. كان موقف مش سهل أبدًا طيب هي كلمتكم.”

همسة بآسى: لأ،  لسة

مي بتنهيدة:  “ربنا يعدي الأيام دي على خير. سيلا عصبيتها فوق الوصف، وعاصم شكله عنيد جدًا. أنا خايفة الأمور بينهما تتعقد أكتر.”

أيدتها همسة:

“فعلاً، شكله متكبر، واضح عليهم كلهم مغرورين.”

ابتسمت مي بمكر وغمزت لها:

“بس ابن عمهم؟لأ، ولا إيه؟”

ثم بدأت تقلد صوته بنبرة ساخرة:

“بعد الشر عليكِ!” وضحكت بصوت عالٍ:  “والله شكله وقع يا عيني ها اعترفي!”. 

ارتبكت همسة وقالت:

“أنا؟ أنا إيه!” ثم انفجرت ضاحكة تتذكرشيئا:

“أسكتي عملت فيه مقلب طلع من نافوخه.”

قهقهت مي وقالت:

“مش قولتلك إنه واقع؟ قولي يا مفضوحة، احكي!”

تنهدت همسة وقالت بمرح:

“لا خلاص، مش هقول حاجة طول ما بتتريقي.”

مي، بابتسامة واسعة:

“لا لا، خلاص، مش هتريق. قولي.”

تنهدت همسة وقالت:

“بصي، اللي حصل إن تليفوناتنا اتلخبطت…”

قصت همسة القصة كاملة عن كيف تبادلت الهواتف معه وكيف انتهى الأمر بدعوته للقاء في مقهى، لكنها أرسلت والدها بدلاً منها، وضحكت:

“كان شكله متعشم أوي، يعيني!”

ابتسمت مي بخبث:

“تصدقي؟ نظراته ليكي كانت واضحة جدًا في الحفلة، وحتى في العربية طول السكة.”

ضحكت مي ثم أكملت:

“يلا، يستاهل! عشان يعرف إننا مش ساهلين. إحنا جامدين أوي!”

ردت همسة بثقة:

“أه طبعًا، جامدين جدًا.”

نهضت مي وقالت:

“يلا، أنا لازم أمشي. اتأخرت. لو سيلا كلمتكم، كلميني على طول.”

همسة: “أكيد، حاضر.”

غادرت مي وركبت سيارة أجرة، وعندما وصلت إلى منزلها وهمّت بالدخول، تفاجأت بأخر شئ تريد أن تراه…

يتبع

تكملة الرواية من هنااااااا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *