رواية جمر الجليد( الجزء الاول)الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم شروق مصطفى حصريه
رواية جمر الجليد( الجزء الاول)الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم شروق مصطفى حصريه
الفصل الأول جمر الجليد بقلم شروق مصطفى حصري
في حي (…)، اختفى طفلان من أمام منزلهما أثناء اللعب، لتتكرر مأساة مشابهة وقعت في نفس الحي سابقًا. التساؤلات تتزايد: هل أصبحوا ضحايا لعصابات تتاجر بأعضائهم؟ ولماذا تتوالى حوادث اختفاء الفتيات أيضًا؟
التحقيقات أسفرت عن أدلة وصور قادت إلى مجموعة خالية من الإنسانية، وتم القبض عليهم. نطالب بإعدام كل من تسبب في أذى لهؤلاء الأبرياء.
الخطر قريب، تحركوا قبل فوات الأوان.
بقلم (س.م)
وضع الأستاذ أحمد المقال جانبًا ونظر إلى سيلا قائلاً: “مقالك قوي يا سيلا، لكن فين الدليل والصور؟”
أخرجت سيلا مجموعة أوراق وصور، وقالت: “اتفضل يا فندم، دي نسخ من المحاضر، صور للجناة، وتسجيل مع ممرضة شافت حاجات مريبة. الدكتور كان بيقفل غرفة بجنزير وما يفتحها إلا لما العيادة تفضى. في مرة شافته فاتح الغرفة ومرتبك، وشمت ريحة غريبة. بعدها شافته بيتكلم في التليفون عن تجهيز الأدوات، وانتظرت برا. صورت ناس شايلة بنت فاقدة الوعي، وبعدها بشوية نزلوا بصندوق وشوال.”
أكملت بثقة: “العيادة اتقفلت بالشمع الأحمر، والطبيب اتحبس، ولسه باقي الجناة هاربين. كل الدلائل والصور والتسجيلات موجودة مع المقال.”
نظر أحمد للأوراق وقال بإعجاب: “شغلك ممتاز… المقال ده هيكون حديث الجميع!”
ابتسم أحمد وهو ينظر إلى سيلا قائلاً: “شغلك رائع يا سيلا، لكن أنا قلقان عليك. المعلومات اللي بتجيبيها خطيرة، وانتي بتواجهي ناس ممكن يكونوا خطرين جدًا. أنا خايف يحطوكي في دماغهم، انتي مش بس صحفية، انتي بتحققي بنفسك.”
ردت سيلا بابتسامة واثقة: “متقلقش يا فندم، ده شغلي، وبعدين أنا مش بكتب اسمي. الحمد لله إحنا مع الحق، وربنا بينصر الحق دائمًا.”
سيلا، فتاة في الخامسة والعشرين، خريجة إعلام قسم صحافة، ذات شعر قصير ووجه دائري. كانت مرحة ومفعمة بالحياة، لكن صدمة مؤلمة جعلتها تنعزل عن الناس وتفقد براءتها. أصبحت أكثر قوة وعنفًا، وكرست حياتها لهدف غامض… سنكتشفه مع الأحداث.
نظر أحمد إلى سيلا وقال: “مش عارف أقولك إيه، بس خلي بالك يا سيلا.”
ابتسمت بثقة: “إن شاء الله، يا فندم.”
ثم أكمل بجدية: “المقال هايل، وانتي من أكفأ الصحفيين عندي.”
ردت بفرحة: “متشكرة جدًا على ثقتك يا فندم.”
تمت طباعة المقال، وانتشر كالنار في الهشيم، محدثًا ضجة كبيرة.
في صباح اليوم التالي، استدعاها المدير على عجل. دخلت المكتب وقالت: “نعم، يا فندم، طلبتني؟”
أشار لها أن تجلس وقال: “جاهزة للسبق الجديد؟”
ردت بحماس: “أكيد، يا فندم، هتكلم عن إيه المرة دي؟”
ابتسم قائلاً: “مش هلاقي حد أكفأ منك لتغطية الموضوع ده.”
أجابته بثقة: “يشرفني أكون عند حسن ظنك.”
.بعد صمت قصير، قال أحمد: ، افتتاح فرع جديد لأكبر شركات السياحة. الشركة دي عالمية ولها فروع كتير، وهيفتتحوا فرع جديد في الغردقة.”
تفاجأت سيلا وقالت باندهاش: “بس يا فندم، ده مش تخصصي وأنا…”
قاطعها بسرعة قائلاً: “الصراحة مش هلاقي حد أحسن منك، وكمان هتغيري جو في الغردقة!” ثم ضحك وأضاف بلهجة آمرة: “معندناش وقت، لازم تجهزي، السفر بكره، والافتتاح بعد بكره.”
حاولت السيطرة على غضبها وأجابته: “تمام يا فندم، ممكن آخد مي معايا؟”
فكر أحمد للحظة ثم قال: “خديها معاكِ.”
سيلا أجابت بامتنان: “شكرًا يا فندم، بعد إذنك.” وغادرت مكتبه بتأفأف.
أحمد كان يعتبر سيلا مثل ابنته، ولم يرغب في إخبارها عن السبب الحقيقي وراء سفرها إلى الغردقة. ثم عاد إلى عمله.
التقت سيلا بصديقتها مي بعد خروجها من المكتب، ولاحظت مي أنها تبدو مشوشة فقالت: “مالك، مقلوبة ليه كده؟”
تنهدت سيلا بضجر: “اسكتي، مش طايقة نفسي بجد. بعتوني أغطي افتتاحية شركة سياحة جديدة! أنا مالي بشركات السياحة؟ أنا بكتب عن جرايم القتل والتحرش والاغتصاب، مش سياحة.”
ثم توقفت وقالت: “المهم، عاوزاكي معايا. مش هروح لوحدي الغردقة دي.”
تفاجأت مي من كلامها وصرخت: “الغردقة؟ مش طاايقه نفسك؟ والله وش فقر! اطلعي وفكي شوية، حرام الضغط اللي عاملاه لنفسك ده!”
لم ترد سيلا، لكنها قالت بغضب: “هتيجي معايا ولا أروح لوحدي؟”
أجابت مي ضاحكة: “طبعًا جايه معاكِ.”
سيلا قالت: “تمام، جهزي نفسك، هنسافر بكره من الفجر.”
مي ضحكت وقالت: “استني أروح أستأذن من أستاذ أحمد، وبعدين نمشي سوا.”
مي، التي هي بنفس عمر سيلا، لكن شخصيتها مرحة ومجنونة، كانت قد تخطت الأزمات التي مرّت بها سيلا، وعادت لحياتها الطبيعية بسرعة.
في مكان آخر، كان الشخص يجلس يدخن السجائر بشراهة، بينما كان أمامه شخص آخر يقدّم له ورقة.
قال المجهول الأول: “امسك العنوان ده. عاوزك تعرفلي كل اللي شغالين في المخروبه دي، وتجيبلي كل حاجة عنهم!”
أجاب الشخص الآخر: “اعتبرها حصلت يا باشا.”
ثم صرخ المجهول الأول بصوت جهوري: “غور بقى من قدامي! قدامك 24 ساعة تكون كل حاجة عندي، فاهم؟”
رد الشخص الآخر بخوف: “حاضر، حاضر يا باشا.”
مغادرًا، خرج الشخص الآخر وهو يركض بسرعة، في حين أخرج المجهول الأول نفسًا عميقًا من الدخان الذي ملأ المكان، ثم همس قائلاً: “قريب أوي هعرفك!”
..
في مكتبه، جلس عاصم الخولي يراجع الأوراق أمامه بينما كان المحامي ومعتز يجلسان بالقرب منه.
توجه عاصم للمحامي وقال: “جهزت العقود؟ وكيل الفرع الجديد على وصول؟”
أجاب المحامي: “كل شيء تمام، والعقود جاهزة.”
دون أن يرفع نظره عن الأوراق، رد عاصم: “عملت اللي قولتلك عليه؟”
أجاب المحامي: “تمام، زي ما أمرت بالضبط.”
أشار عاصم للمحامي ليغادر، ثم نظر إلى أخيه معتز الذي تساءل: “إيه اللي قولت له عليه؟”
معتز، في الخامسة والعشرين، خريج تجارة ويدير الشركات مع أخيه وابن عمه. بشرة قمحي وعيون بنيّة، معروف بغروره وعنادته، ويأخذ في حسبانه أخاه الأكبر الذي يهابه الجميع.
لم يلتفت عاصم لمعتز ولم يقدم له مبررات، فاستمر في مراجعة أوراقه. ثم نظر إلى ساعته وقال: “يلا بينا.”
تنهد معتز، وشعر أن عاصم يخطط لشيء ما لكنه لن يفصح عنه. ثم توجهوا معًا إلى غرفة الاجتماع، حيث وقع الوكيل الجديد عقد استلام الفرع الجديد في الغردقة.
عاد عاصم إلى مكتبه وأبلغ السكرتارية بسفره طوال الأسبوع، وطلب تحويل المكالمات والمقابلات لمعتز. ثم قرأ إحدى الخواطر في الصحيفة:
“من المؤسف أن تبحث عن الصدق في عصر الخيانة، وعن الحب في قلوب جبانة. ابحث عن الرجل في داخلك إن كنت ترغب في بث روح الرجولة في الآخرين.”
ابتسم عاصم لهذه الخواطر بتهكم، ثم جمع متعلقاته وجهز شنطته للسفر. بينما ظل معتز في مكتبه يكمل بعض الحسابات قبل أن يلحق بأخيه.
غادرت سيلا ومي الجريدة، وأثناء الطريق، أبدت مي خوفها من ركوب الموتوسيكل، لكن سيلا لم تكترث وركبت بسرعة. وصلوا إلى منزل مي، وقالت سيلا: “جهزي شنطتك وهكلمك.” ثم توجهت إلى منزلها.
في المنزل، قابلت سيلا والدتها نرمين، مديرة دار أيتام، وسألتها عن حالها، ثم أخبرتها بأنها مسافرة إلى الغردقة مع مي للعمل. نرمين، قلقة، طلبت منها أن تأخذ معها شخصًا للحماية، لكن سيلا طمأنتها بأنها قادرة على حماية نفسها. محسن، والد سيلا، تدخل وقال: “سيبيها، أنا واثق فيها.” وأخيرًا، سأل محسن عن موعد سفرها، فأجابته سيلا بأنها ستغادر في الفجر.
بعد الحادثة التي مرت بها منذ ست سنوات، تعلمت سيلا فنون القتال والدفاع عن نفسها، وأتقنت الكاراتيه والعديد من الألعاب القتالية، تحت إشراف والدها ومدربيه المتخصصين.
نرمين، والدتها، عرضت أن ترافقها إلى الغردقة، لكن سيلا طمأنتها بأنها قادرة على حماية نفسها. ثم اقترحت على همسة، التي تحب الرسم، أن تأتي معهما للاستفادة من الفرصة لعرض لوحاتها في المكان الذي سيذهبون إليه، وهو ما لاقى قبولًا من همسة.
في النهاية، قرر محسن، والد سيلا، أن يوصلهم إلى السوبر جيت. بدأت سيلا وهمسة في تجهيز شنطهن استعدادًا للسفر في الفجر، مع حماس للرحلة القادمة.
سيلا اتصلت بصديقتها مي، التي كانت مشغولة بمحاولة إقناع أخيها بالسفر. بعد أن نجحت في ذلك، أكدت أنها ستلتقي بهم في الفجر، وأخبرتها أن همسة سترافقهم أيضًا. بعد تجهيز حقيبتها، ذهبت إلى همسة وانتظروا والدهم ليأخذهم إلى السوبر جيت.
وصلوا إلى السوبر جيت، وطمأن والدهم أنهم ركبوا الأتوبيس. مي كانت متحمسة للترفيه بعد الوصول، لكن سيلا كانت تركز على العمل أولًا. همسة وافقت على رأي سيلا، بينما كانت مي تتحدث عن الخروج للتمتع بالوقت. سيلا فضلت أن تظل بعيدة عن أي ارتباطات عاطفية وركزت على عملها. أخيرًا، طلبت منهم أن يتركوها لتنام قليلاً، وأغمضت عينيها في محاولة للراحة.
تدور أفكار سيلا في دوامة من الماضي المؤلم الذي يعصف بها. لا تستطيع النوم براحة بينما يطارده عقلها باستمرار. كانت تحاول التظاهر بأنها تعافت، لكن الألم لا يزال ينهش في قلبها. تلك الذكريات التي لا تُمحى، خاصة الحادث الذي وقع يوم تخرجها، كانت محورية في حياتها، إذ عاشت في معاناة دامت سنتين. على الرغم من أنها كانت قد أظهرت للآخرين أنها تعافت تمامًا، إلا أن جروحها الداخلية كانت لا تزال تنزف.
في تلك الأيام، قررت مع صديقاتها مي ورودي إقامة حفلة للاحتفال بتخرجهن. اتفقن على اختيار مكان قريب من الجامعة، وتولت سيلا ومي حجز المكان بينما كانت رودي مسؤولة عن جمع باقي الصديقات. مي كانت نشيطة للغاية ومتحمسة لتزيين المكان، بينما كانت سيلا تفضل البساطة ولا تهتم بالتفاصيل الزائدة. رودي كانت مشغولة أيضًا بمواعيد أخيها الذي كان حريصًا على أن تلتزم بمواعيد معينة.
بعد أن اتفقوا على الحجز، دارت محادثة خفيفة بينهن. سيلا أعربت عن عدم اهتمامها بزينة الحفل المبالغ فيها، بينما حاولت مي أن تضيف المزيد من المرح والتفاصيل. كان كل شيء يمر بسلاسة حتى بدأ الحوار يتحول إلى جدال حول ترتيب الأمور. انتهى الحديث بتوزيع المهام، سيلا ومي سيتفقان مع الكافيه، بينما رودي ستجمع باقي الفتيات لتأتي إلى الحفل بعد الترتيبات.
بينما كانت سيلا ومي تسيران في الشارع، اقترحت سيلا اختصار الطريق عبر الشارع الذي يقع خلف الجامعة. مي أمسكت يد سيلا فجأة، مرعوبة وقالت: “استني، الشارع ده، لا بلاش!” وأضافت: “أنا خايفة، ده شارع مقطوع ومحدش بيمشي فيه، أنا قلقت. تعالي نرجع ولفي مش مشكلة، بس بلاش من هنا.”
لكن سيلا حاولت تهدئتها قائلة: “يا بنتي، إحنا في عز النهار، وفي ناس ماشيه هنا، تعالي بلاش جبن، يلا.” رغم أن الشارع كان معروفًا بين الطلاب بالهدوء والأمان خلال النهار، إلا أن هناك قصصًا عن سرقات تحدث فيه ليلاً، مما جعل مي أكثر خوفًا.
واصلتا السير حتى منتصف الطريق، ولم يحدث شيء. مي كانت ما زالت متوترة، بينما حاولت سيلا تهدئتها: “يا بنتي خلاص، قربنا نوصل، بدل ما نلف كل ده. معندناش وقت كتير، البنات حيتجمعوا وأنا لازم أكلمهم عن المكان اللي هنروح له.” ولم تكمل كلامها حينما توقفت سيارة فجأة أمامهما. السيارة كانت تسير عكس الاتجاه، وتوقفت بجانب الطريق بينما كانت تُسمع أصوات عالية جدًا من داخلها.
أصوات استغاثة من فتاة داخل السيارة: “اللحقوووني!” مع محاولاتها الفاشلة لفتح الباب، في حين كان أحد الأشخاص في السيارة يغلق الباب بقوة، والفتاة تواصل الصراخ: “اللحقووووني!”
توقفت مي، وعينيها مليئة بالفزع، وتمسكت بسيلا وهي تقول: “اللحقيني، مش قولتلك بلاش؟ يلا بسرعة، نجري، شايفة اللي أنا شايفاه؟ يلا بسرعة!” كانت مي في حالة من الرعب، لكن سيلا كانت تفكر بسرعة في كيفية إنقاذ الفتاة.
وقالت سيلا بهدوء: “اهدي، لازم نتصرف بسرعة، لازم نلحقها قبل ما يعملولها حاجة وحشة.”
لكن مي كانت على وشك الانهيار، وقالت وهي تبكي: “هنلحقها، هنلحقها، بس يلا بسرعة! أنا خايفة أوي، دول شكلهم مرعب، وممكن يكونوا خطفنها. يلا نرجع ونكلم حد يروح لهم ويمسكهم.”
سيلا تحدثت بسرعة، وأخذت تدفع مي بعيدًا عنها قائلة: “طيب، ارجعي بسرعة وجيبي حد، أنا هلهيهم عنها قبل ما يحصل لها حاجة.” مي كانت ما تزال مصدومة، وقالت: “لا، لا، تعالي معايا، مش قادرة أسيبك، أنا خايفة عليكِ.”
لكن سيلا دفعتها مرة أخرى وقالت: “مفيش وقت للكلام، إنتِ لازم تروحي بسرعة، وأنا هكون بخير، بس مفيش وقت.” وركضت باتجاه السيارة.
اللحظات كانت حرجة، حيث كانت سيلا تدرك أنه لا يوجد وقت لتضيعه.
يتبع
الفصل الثاني
جمر الجليد
تراجعت مي بخوف وقلبها مضطرب، ثم ركضت وهي تناجي ربها: “ربنا يستر يا رب” حتى وصلت إلى أول الشارع.
اقتربت سيلا بحذر من السيارة ووقفت خلف عمود إنارة، لتفاجأ بمشهد مروع لم يخطر ببالها. حاولت إنقاذ الفتاة الواقعة بين أيدي ذئاب بشرية، لكن الوقت كان قد فات.
التقطت حجرًا من الطريق وألقته بقوة على السيارة محطمًا زجاجها. انتبه المعتدون وتركوا الفتاة، ثم وجهوا أنظارهم إليها. أحدهم نظر إليها بوحشية، وأمر رفيقه: “انزل هاتها بسرعة !”
هرع الآخر نحم لاً بغلظة: “تعالي يا حلوة، نحلي ! حاولت الهرب، لكنها شلت من الصدمة، وسقطت في قبضتهم…!
…
نظرت نرمين لمحسن بقلق وقالت:
“أنا خايفة على البنات يا محسن.”
أجابها مطمئنًا:
“اطمني، أنا مش سايبهم. كلمت واحد صاحبي في الداخلية وكلف حد يأمنها. وكمان أحمد الأسيوطي بعتها لمهمة بعيد عن القضية.”
لكنها ردت بانزعاج:
“بنتك عنادية، أكيد هتفضل وراهم، والعصابة دي مش سهلة.”
تنهد محسن وقال:
“ارمي حملك على ربنا، وبكرة أطمن عليهم.”
هزت رأسها محاولة طمأنة نفسها، لكنها عادت بذاكرتها لمكالمة الأمس، حينما هددها صوت غليظ عبر الهاتف:
“لو عاوزة بنتك تعيش، خليها تبعد عن طريقنا.”
صرخت نرمين بفزع، مما دفع محسن للحضور. أخبرته بالتهديد وهي منهارة، فحاول تهدئتها:
“هكلم أحمد وأتصرف، بس إوعي تقولي لها حاجة.”
وافقت بتردد، ثم دخلت مع زوجها للغرفة تحاول النوم، لكن القلق كان سيد الموقف.
…
وصلت مي إلى أول الطريق وهي تركض والدموع تغمر وجهها. رأت شابين، فاستنجدت بهما بسرعة:
“الحقوني بسرعة، صاحبتي هتضيع! أرجوكم تعالوا معايا!”
هرعا معها إلى مكان الحادثة، ليُصدموا بالمشهد أمامهم.
في الوقت ذاته، كانت همسة تحاول إيقاظ سيلا من شرودها:
“سيلا، فوقي! خلاص وصلنا!”
استفاقت سيلا من ذكرياتها، تنهدت بعمق وأجابت:
“أنا صاحية، يلا بينا.”
وصلت الفتيات إلى الفندق الذي تم حجزه مسبقًا بالقرب من الشركة الجديدة. عند وصولهن، لم تصدق همسة جمال المكان وقالت بحماس:
“واو! المكان خيالي جدًا، أكيد هبدع وأكسب المسابقة!”
ردت مي بسخرية:
“بدعي يا أختي، أما نشوف آخرتك أنتِ وأختك!”
لاحظت مي أن سيلا متضايقة، فقد كانت الأخيرة غير مهتمة بجمال المكان أو الرحلة. كل ما يشغل بالها هو إنهاء المهمّة والعودة سريعًا، ولم تفهم حتى الآن سبب مجيئها.
شعرت مي بضيقتها وقالت:
“يا بنتي فكي شوية! سيبيلي اللقاء، أنا أكتب أي كلام عن الافتتاح والكلمتين اللي هيقولهم صاحب الشركة. خلينا نستمتع بالمكان ده، ده حتى كأننا في جنة! بصي، حجزوا لنا يومين، نخلص ونمد يومين كمان على حسابنا!”
ضحكت همسة وقالت بحماس:
“وأنا معاكم!”
أما سيلا، فاكتفت بقولها بفتور:
“أجري من هنا أنتي وهي! أنا تعبانة وعاوزة أرتاح قبل ما نروح نشوف الشركة.”
أمسكت هاتفها، طمأنت والدها على وصولهم، ثم اتجهوا إلى غرفهم في الفندق للاستراحة.
…
وصل عاصم إلى الغردقة صباحًا، واستقر في فندقه لأخذ قسط من الراحة. بعدها قرر زيارة الشركة الجديدة، حيث اطمأن على استعداداتهم للافتتاح غدًا، وترك الوكيل يشرف على التفاصيل.
خرج للتنزه قليلاً، مستمتعًا بجمال البحر الذي بدا وكأنه يعكس حياته بموجاته المتلاطمة. وقف متأملًا، مسترجعًا ذكريات مؤلمة تركت أثرًا عميقًا في نفسه. قبض على يديه بشدة حتى ابيضت عروقه، ثم تنهد بحرارة وقرر العودة إلى غرفته للراحة.
التفت للرحيل، لكنه اصطدم فجأة بشخص! توقف للحظة وهو يتساءل أين رأى هذا الوجه من قبل.
توجهت الفتيات إلى الفندق للاستراحة قبل بدء تحرياتهُن عن الشركة الجديدة، وحجز موعد مع المدير، وحضور الافتتاح.
عند وصولهن إلى غرفتهن، قالت سيلا بإرهاق:
“أنا هنام شويه، بعدين ننزل.”
ردت مي:
“وأنا كمان تعبانة، هنام جنبك شويه.”
أما همسة، فقالت بحماس:
“لا، أنا هقعد في الفراندة وأرسم شويه لحد ما يغلبني النوم.”
نامت سيلا مباشرة، بينما استلقت مي بجانبها. بعد ساعتين، استيقظت سيلا وحاولت إيقاظ مي وهمسة اللتين كانتا غارقتين في النوم. شعرت بالملل، فقررت تركهما، وبدلت ثيابها وأخذت كاميرتها، ونزلت للتنزه والتصوير على البحر.
بينما كانت تركز في التصوير، اصطدمت فجأة بشخص، مما جعل الكاميرا تسقط من يدها. نظرت إليها بدهشة وهمست:
“هو ده اللي كان ناقص!”
ابتسم عاصم ابتسامة غامضة دون أن ينطق، وهو يحاول تذكر مكان رؤيته لها من قبل.
تضايقت سيلا من نظراته وأسلوب ابتسامته، فصرخت بغضب:
“تصدق إنك معندكش دم وبتضحك؟”
دفعتْه بعيدًا عنها، ثم انحنت لالتقاط قطع الكاميرا المبعثرة دون أن تعتذر له.
عاصم، بهدوء، ابتسم بتكهن وتراجع بعض الخطوات إلى الخلف. لم ينطق، بل ترك المكان وهو يبتسم بخبث، ثم عاد إلى غرفته.
…
عادت سيلا إلى غرفتها غاضبة بعد أن جمعت بقايا الكاميرا المكسورة. وجدت مي مستيقظة تتثاءب وتقول:
“أنا جعانة جدًا، تعالي ننزل ناكل.”
لكنها لاحظت ملامح الحزن على وجه سيلا وسألتها:
“مالك؟ والكاميرا دي مالها؟”
ألقت سيلا الكاميرا على السرير وقالت بضيق:
“خرجت أتمشى شويه، خبطت في واحد مستفز جدًا، والكاميرا وقعت واتكسرت. مش عارفة فين شفته قبل كده.”
ردت مي بمحاولة لتهدئتها:
“سيبيها عليّ، معايا كاميرا تانية خديها، ودي تتصلح أو تشتري غيرها بعدين. ما تزعلش نفسك.”
ابتسمت سيلا وقالت:
“ميرسي يا مي، دايمًا عندك الحلول.”
مي بابتسامة ساخرة:
“أكيد، أنا مش أي حد.”
ضحكت سيلا وأمسكت وسادة لتضرب بها مي، ليبدأ بينهما شجار صغير بالوسائد. استيقظت همسة فجأة وسألت بارتباك:
“إيه اللي بيحصل؟”
ضحكت مي وسيلا وأكملا المزاح معها حتى شاركتهما اللعب والضحك.
بعد فترة، قالت مي:
“كفاية هزار، يلا قوموا ناكل، أنا جعانة جدًا!”
أجابتها سيلا وهي تضحك:
“ماشي، يلا نجهز وننزل.”
..
عاد إلى غرفته، يتذكر وجهها. تلمعت عيناه بمكر عندما استعاد الموقف. لكنه لم ينسَ. والآن، القدر يعيدها إلى طريقه. “أهلاً بكِ في جحيمي مرة أخرى.”
قبل خمس سنوات، يوم تخرج أخته، عاد عاصم من السفر ليحتفل معها. أثناء دخولهم بسيارتهم شارعًا ضيقًا قرب الجامعة، لاحظ حركة غريبة: سيارة متوقفة بشكل مريب، وفتاة تقف خلف عمود إنارة، تمسك بحجر، مستعدة لرميه.
أوقف عاصم أخاه بسرعة وهتف: “وقف العربية على جنب بسرعة.”
سأله معتز باندهاش: “في إيه؟” فأشار عاصم نحو المشهد أمامهم.
نزل كلاهما من السيارة بحذر، يدرسان الموقف، مستعدين لأي تصعيد قد يحدث.
عاصم أشار لمعتز بالتوقف مكانه وتقدم نحو الفتاة بحذر، محاولاً منعها من الإقدام على أي فعل تندم عليه. لكنه لم يكن سريعًا بما يكفي؛ ألقت الحجارة في اللحظة ذاتها.
أسرع عاصم نحوها قبل أن تسقط في قبضة ذلك الشاب غريب الأطوار. أمسك بها وألقى نظرة خاطفة داخل السيارة ليفاجأ بشخص آخر يجلس بجوار فتاة شبه عارية بلا حراك.
تقدم معتز غاضبًا، ووجه للشاب ضربة قـ.وية أسقطته أرضًا، ثم انهـ.ال عليه بلكـ.مات متتالية حتى نزف أنفه وتراجع مذعورًا. لكن معتز لم ينتبه للشخص الآخر الذي خرج .. السيارة ممسكا بعصا كبيرة وضـر.بة على رأسه لإجباره على ترك زميله.
بينما كان المشهد يزداد توترًا، وصلت فتاة مع شابين آخرين. صُدمت بما رأت من اشتباك محتدم، وحاولت التدخل، لكن الأمر تحول إلى معركة شاملة بين الجميع. وسط هذا الفوضى، ركضت الفتاة نحو صديقتها المرتجفة، واحتضنتها بحنان بينما أجهشت الأخرى بالبكاء، مرعوبة من هول ما يحدث.
عاصم، ببرود وحسم، أمسك بالشخص الذي كان يحمل العصا، وأحبط محاولاته للتصعيد. بمساعدة أخيه، تمكنوا من تقييد المعتدين، وفرض السيطرة حتى وصلت الشرطة والإسعاف إلى الموقع.
أمر الضابط بجمع الجميع إلى قسم الشرطة لأخذ إفاداتهم. تم اقتياد الشخصين المعتدين والشابين الآخرين، فيما حرص الضابط على تسجيل التفاصيل اللازمة.
على جانب، تحدث عاصم مع الضابط بهدوء، وأوضح بعض النقاط قبل أن يتجه مع أخيه إلى سيارتهما. قبل أن يغادر، ألقى نظرة أخيرة نحو الفتاة التي كانت تحتضن صديقتها المذعورة، ثم شاهدها تُنقل إلى سيارة الإسعاف التي أخذتها بعيدًا. بدون كلمة أخرى، استقل السيارة وانطلق، تاركًا خلفه المشهد بما يحمله من أسئلة عالقة في الأذهان.
بينما كان عاصم ومعتز في طريقهما إلى قسم الشرطة، زفر معتز بضيق: “آخرها ندخل القسم علشان شوية بنات شمال، واحدة مع شابين في العربية، واحدة جايه مع شابين، والتالتة واقفة تتفرج، ولما لاقت إنهم هيتكشفوا نبهتهم برمي الحجارة. ده مسلسل حمضان، دي تاخد جائزة أحسن ممثلة! أنت مش بترد عليا ليه؟”
عاصم استمع بهدوء ولم يرد. أكمل معتز: “عجبك اللي حصلنا فيه ده؟”
رد عاصم بهدوء و برود: “هنعرف لما نوصل، أهدى شوية، واتصل بأختك، شوفها روحت ولا لأ.”
معتز زفر مجددًا وأمسك بهاتفه ليبلغها بضرورة العودة للمنزل فورًا.
وصلوا إلى قسم الشرطة، ودخلوا مباشرة عند وكيل النيابة حيث شرحوا له ما حدث. بعد الإدلاء بأقوالهم، عادوا إلى المنزل. صعد معتز إلى غرفته ليرتاح قليلاً، بينما صعد عاصم إلى غرفة أخته ليطمئن عليها.
طرق الباب ودخل، ليجدها تنهي مكالمتها مع شخص ما. فسألها برفق: “عاوزة تروحي لمين يا حبيبتي؟”
: “ممكن توصلني للمستشفى؟ صاحبتي عملت حادثة وأنا عاوزة أطمن عليها.”
بقلم شروق مصطفى قصص الحياة
رد عاصم بهدوء: “حاضر يا قلبي، هغير هدومي وأجي أطلعك.”
فرحت رودي وقالت: “ما تحرمش مني يا رب.”
وصلوا إلى المستشفى، وهناك اكتشف أن شقيقته صديقة لإحدى الفتيات اللواتي كن في الحادثة.
بينما كان عاصم يفكر في الموقف، اهتز هاتفه فجأة، وكان معتز على الطرف الآخر: “أيوه يا عم، بتتفسح وسايبني لوحدي في الشغل؟ هقر عليك .”
حاول عاصم أن يبتسم بقدر الإمكان، وقال لمعتز: “قر براحتك يا عم، خلاص خلص الشغل اللي عندك بسرعة وتعالالي. نقضي يومين مع بعض، هستناك على الافتتاح.”
أجاب معتز: “تمام يا ريس، هشوف الشغل الناقص هنا وأخلصه وأجي. يلا هسيبك بقى عشان أكمل شغلي، أنا بطمن عليك بس. يلا سلام.”
“سلام.” أغلق عاصم الهاتف، وأخذ نفسًا عميقًا. قرر أن ينزل إلى المطعم ليأخذ قسطًا من الراحة.
نزل من الغرفة في اتجاه المطعم، وقبل أن يدخل، لمحها هي واثنان آخرين. لمع في ذهنه فكرة ما لبداية لعبته. ابتسم ابتسامة خبيثة واقترب منهم بحذر حتى وصل إلى مسافة قريبة، ثم فجأة…
جمر الجليد الفصل الثالث حصري بقلم شروق مصطفى
نزل الثلاثي إلى المطعم الخاص بالفندق وطلبوا وجباتهم. بعد قليل، وصل النادل بطلباتهم، وقرروا أن ينتهوا من تناول الطعام أولًا، ثم يكتشفوا المكان ويسألون عن مقر الشركة.
بعد أن أنهوا وجبتهم، قرروا التمشي قليلاً، وهم يثرثرون ويضحكون، حتى اقتربوا من حوض السباحة الكبير.
قالت مي: “نفسي أقعد هنا على طول، كل يوم أنزل في البسين ده، شكله رائع! ما تيجي ننزل شويه بعد ما نخلص شغلنا؟”
همسة همست: “الصراحة شكله مغري، بس مش مستعدة.”
سيلا ابتسمت بخبث وقالت: “طيب، لو تحقق لكم أمنياتكم، هتعملوا إيه؟”
ردا مي وهمسة معًا: “إزاي يعني؟”
قبل أن يكملوا حديثهم، دفعتهم سيلا فجأة إلى الحوض. سقطوا في الماء وبدأوا في السعال.
سيلا ضحكت وقالت: “حققتلكم أول أمنية!”
مي: “بس لما أطلعلك يا زفتة!”
همسة: “ماشي يا سيلا.”
استمرت سيلا في الضحك بصوت عالٍ حتى كانت بجانبهم في البسين، ما صدم مي وهمسة. رفعت سيلا وجهها للأعلى وصدمة أخرى عندما اكتشفت أنه نفس الشخص الذي دمر الكاميرا. نظر إليها بابتسامة انتصار ثم ترك المكان.
غضبت سيلا بشدة وضربت الماء بيديها وقالت: “ماشي، دا انت يومك مش معدي! يا أنا يا أنت!” ثم وجهت نظرًا ناريًا لمي وهمسة: “عجبكم كده؟”
همسة ضحكت قائلة: من حفر حفرة لأخيه وقع فيه.
بينما مي كانت تفكر للحظة في أين رأت هذا الشخص، لكن لم تتذكر. بدأت مي بنثر الماء على همسة، ثم اتجهوا جميعًا إلى سيلا. بعثروا الماء على وجهها وهي لم تندمج معهم، فتركتهم وخرجت لتنظف نفسها.
أخرجت نفسًا عميقًا وقالت بغضب: “أه لو شفتك تاني…”
اتجهت سيلا إلى غرفتها بغضب شديد، تلاحقها مي وهمسة. في المطعم، استمر هو في الابتسام لنفسه وهو يفكر: “دي البداية!” ثم أكمل طعامه وغادر.
سيلا في غرفتها، لم تتمالك نفسها، ودخلت الحمام تحت الماء البارد لتخفف من غضبها، ثم غيّرت ملابسها. لم تهدأ، وكانت تفكر في الانتقام منه.
ظلت تذهب وتعود في الغرفة، تحاول تذكر أين راته، وتقول بغضب: “لو شفته تاني مش هسيبه!”
دخلت مي وهمسة، وحاولتا تهدئتها. فقالت مي: “هو ليه يعمل كده؟ تعرفيه؟”
سيلا انفجرت: “وأنا إيه اللي يخليني أعرفه؟!”
ثم قالت بعنف: “لو شفته، مش هسيبه. هنزل أدور عليه تحت!” وحاولت دفعهما لتصل إلى الباب.
وقفت مي وهمسة أمام سيلا، يحاولان منعها من التوجه إلى الباب. قالوا لها: “استني بس، ما ينفعش تنزلي كده، اهدي الأول.” هرولت مي وأغلقت الباب بالمفتاح وأخذته في جيبها.
سيلا، وهي غاضبة، قالت: “لا، أنا نازلة! أبعدوا عني.” وصلت إلى الباب، ثم طرقت عليه بشدة: “أفتحي الباب يا مي، بقولك، غوري من وشي دلوقتي!”
همسة حاولت تهدئتها: “اهدي، طيب، هنيجي معاكي، نغير هدومنا ونيجي معاك.” ثم دخلت همسة الحمام لتغيير ملابسها.
سيلا وجهت حديثها إلى مي: “سيبي المفتاح هنا.”
مي، بخوف، قالت: “لا، خليه معايا، اطمني.”
سيلا، رافعة حاجبها: “وأنا لو عاوزة أفتح الباب هغلب؟ ممكن أكلم روم سيرفس. أمشي يا مي من وشي.”
خرجت همسة سريعًا، ثم تربت على ظهر سيلا لتهدئها. مي هرولت لتغيير ملابسها.
فردت سيلا جسدها على السرير، وهمسة حاولت تهدئتها.
همسة، وهي تحسس شعرها: “اهدي يا حبيبتي، هندور عليه كلنا، ونعرف عمل كده ليه. أكيد مش قصده.”
غفت سيلا، بينما خرجت مي من الحمام. همسة أومأت لها بأن لا تتحدث، بينما مي حمدت الله أن سيلا نامت، ثم خرجت إلى الشرفة أمام البحر، تفكر في أين رأت هذا الشخص، وتحدثت مع نفسها: “مش غريب عليا، حاسة إني شوفته، بس فين؟”
سرحت قليلاً وهي تحاول تذكر أين رأت هذا الشخص. تذكرت حادثة المشفى، حيث حاولوا إنقاذ الفتاة التي كانت قد فارقت الحياة قبل أن تصل إلى المستشفى. أما الأخرى، فقد كانت فاقدة للوعي بعد تعرضها للاعتداء، وكان الأطباء في محاولات مستميتة لإنقاذها.
خرج الطبيب ليخبر مي بأن الفتاة قد فارقت الحياة بالفعل، ما أصابها بانهيار، فسقطت مغشياً عليها. بعد أن استفاقت، أخبرتها الممرضة أن حالة الفتاة الثانية خطيرة جداً وأنها بحاجة إلى دعم نفسي.
السرد الذي كتبته جيد، إليك بعض التعديلات الطفيفة لتدعيمه:
—
مي كانت في حالة صدمة شديدة، لم تستوعب بعد ما سمعته عن صديقتها. فبصوت يرتجف، سألَت الممرضة: “هي عايشة صح؟”
الممرضة أجابت بصوت هادئ، محمَّل بالتعاطف: “هي حية، لكن حالتها النفسية سيئة جداً.”
مي، وقد بدأ ألمها يخف قليلاً، سألت بحيرة: “مين، ماتت؟”
الممرضة، بحزن، أجابت: “البنت اللي تعرضت للاعتداء.”
لم تتمالك مي نفسها، وقلبها المثقل بالحزن والارتياح في نفس الوقت، قالت بصوت مرتعش: “الحمد لله، سيلا متقلقيش، أنا هكلم أهلها، وأخويا هيجي في الطريق. لكن البنت الثانية، ما عنديش فكرة عن أهلها.”
الممرضة ابتسمت بلطف وقالت: “تمام ماشي أستريحي أنتي دلوقتي.”
لكن مي، رغم التعب الذي بدأ يظهر عليها، قالت بحزم: “لا، خذيني إلى سيلا، أطمن عليها.”
أومأت الممرضة برأسها، وأجابت: “تعالي معي.”
دخلت مي الغرفة، وعندما رأت سيلا ممددة على السرير، تملأ دموعها عينيها. كانت عينا سيلا مغلقتين، وجسدها محاط بالأسلاك والأجهزة الطبية. قلب مي انقبض من الألم، لكنها حاولت أن تبقى قوية. قالت الممرضة برقة: “سيبيها دلوقتي، هي بحاجة إلى الراحة.”
نظرت إلى سيلا قبلت جبينها وشعرت بأهتزاز هاتفها ليظهر اسم والد سيلا فغادرت وأجابت بصوت مهزوز ضعيف: “أهلاً يا أونكل.”
ردت عليه بعد أن فهم توترها: سيلا أ.. سيلا تعبت شوية وجبناها المستشفى.”
أخبرته باسم المستشفى وأغلقت الهاتف. انتظرت بالخارج، حيث حضرت الشرطة وأخذت أقوالها، وأوضحوا لها أنهم في انتظار الشاهدة التي رأت الحادثة.
رودي اتصلت بها وقالت: “إيه ده؟ البنات زعلوا منك، فين سيلا؟”
ردت مي بصعوبة: “إحنا في المستشفى، سيلا مش كويسة، لسه مفاقتش. ادعي لها، محتاجين دعواتك.”
رودي قالت: “أنا هكلم أخويا أول ما يجي، وهخليه يوصلني.”
بعد مرور ربع ساعة، وصل محسن ونرمين مسرعين إلى المستشفى. وجدا العسكري واقفاً أمام غرفة سيلا، فتوجهوا مباشرة للطبيب الذي أخبرهم بكل التفاصيل، مشيراً إلى أنهم في انتظار أن تستفيق سيلا.
نرمين، وهي ترى مي في حالة انهيار، احتضنتها وقالت: “مي، حبيبتي، طمِّنيني، أنتي كويسة؟”
مي حكَت لها ما حدث، وتبادلا الدموع معاً. ثم سألَت نرمين: “وأنتِ شُفتي اللي حصل؟”
مي هزت رأسها نفياً وقالت بتردد: “لا، ما شُفتش حاجة. بس سيلا راحت تلهيهم عن البنت اللي معاهم.”
نرمين ربتت على كتف مي وقالت: “اهدي يا حبيبتي، إن شاء الله هتقوم بسلامة، كل شيء هيعدي.”
بعد دقائق، وصلت رودي، واحتضنت مي بشدة، ثم دخلوا غرفة سيلا، حيث كانت مستلقية بوجه شاحب وعينين مغمضتين. نظرت رودي إلى مي وسألت: “إيه اللي حصل؟”
فاقت مي من شرودها عندما تحدثت همسة اليها: “ها بتكلميني؟”
همسة نظرت إلى مي وقالت بابتسامة: “أنتي مش هنا خالص! بقولك أكيد مش قصده يوقعها، مش كده؟”
مي ردت بحزن: “أنا شايفة إن اليوم كله راح على الفاضي. لا شغلنا اشتغلنا، ولا فسحنا استمتعنا. كل حاجة راحت.”
همسة ضحكت وقالت: “بس أنا ما ضيعتش وقتي، استغليت لما كنتوا نايمين واشتغلت شويه. الصراحة، أنتو صداع قوي.”
مي بابتسامة حزينة: “تصدقيني، كنت غلطانة إني بكلمك أصلاً. دلوقتي هنزل أتمشى شوية، تعالي نصحي سيلا وننزل. هتيجي معانا ولا هتفضلي ترسمي؟”
همسة: “أنا جايه معاكم. يلا نصحيها.”
حاولوا يوقظوا سيلا، لكنها كانت ما زالت نائمة.
مي قالت: “ياسيلا، قومي بقى، اليوم هيروح واحنا هنا. يلا ننزل نسأل عن الشركة الجديدة.”
سيلا فتحت عينيها بصعوبة وقالت: “آه، أنا مصدعة أوي.”
مي ردت: “نمتي كتير، يمكن عشان كده.”
سيلا: “ممكن تطلبي لي فنجان قهوة؟ دماغي هتنفجر.”
همسة: “طيب، يلا قومي، ننزل نشربها تحت. إحنا جايين نقعد هنا.”
سيلا أخيرًا حاولت النهوض: “طيب، طيب. هدخل أغسل وشي، وننزل نشرب قهوة مع بعض.”
…
داخل مكان مجهول، في جو يملؤه الغموض والرهبة، قال أحدهم بحدة:
“ها، قول اللي عندك.”
رد الآخر متلعثمًا:
“ياباشا، الجريدة شغال فيها أربع شباب وثلاث بنات. ودي ورقة مكتوب فيها تخصص كل واحد فيهم، وورقة تانية فيها عناوينهم.”
تناول الأوراق دون اكتراث، ثم قال بنبرة قرف:
“طيب غور انت بره، لو عوّزتك هندهلك.”
رد الرجل بخضوع:
“أوامرك يا باشا.” ثم غادر مسرعًا.
بدأ الرجل في تفحص الأوراق بعناية، ولمعت عيناه ببريق مريب عندما وقعت عيناه على اسم معين. قال لنفسه بنبرة مشوبة بالسخرية:
“ممم… طلعت بنت! شكلها هتحلو أوي.”
نادى بصوت عالٍ:
“تعالى يا زفت هنا!”
دخل أحدهم مهرولًا:
“أؤمر يا باشا، خدامك.”
ناول الرجل الورقة التي تحمل اسم الفتاة وقال بأمر حازم:
“خد دي، وهاتلي كل حاجة عنها. تحركاتها، بتاكل إيه، بتشرب إيه، بتروح فين… كل حاجة عنها. فاهم؟”
تردد الآخر قليلاً قبل أن يرد بخوف:
“ف… فاهم يا باشا.”
صرخ فيه:
“امشي يلا!”
خرج الرجل مهرولًا، بينما انفجر رئيسه في ضحكات عالية، قائلاً بصوت مشوب بالسخرية:
“كده اللعب هيحلو أوي.”
…..
بينما كانت سيلا تستعد لمغادرتها، رن هاتفها فجأة. رفعت السماعة وردت بحذر:
“ألو؟”
جاءها صوت متلعثم:
“أ… ألو.”
سألت سيلا باستغراب:
“مين معايا؟”
رد الصوت:
“أنا… لازم أشوفك ضروري.”
ضاقت سيلا ذرعًا وسألت بحدة:
“مين معايا الأول؟”
أجاب الصوت بعد تردد:
“أنا منى.”
قالت سيلا بعد أن تذكرت:
“آه يا منى! في إيه؟ صوتك مش طبيعي.”
ردت منى بتوتر:
“لازم أقابلك، الموضوع مش هينفع في التليفون.”
سيلا:
“أنا مسافرة ولسه مش هرجع. قولي اللي عاوزاه هنا. في حاجة جديدة؟”
منى حاولت أن تسيطر على قلقها وقالت:
“أيوه، حد غريب كلمني. مش عارفة هو مين، بس واضح إنه تابعهم. هدّدني إني ما أروحش المحكمة وقال لو شافوني هناك، هيعملوا حاجة فيا، وقفل المكالمة.”
سيلا بغضب:
“مش معقول! إيه الجبن ده؟”
منى:
“هما فاكرين إن الأدلة معايا، وده سبب التهديدات. أنا خايفة على نفسي وأولادي. مضطرة أختفي.”
سيلا، بعد لحظة صمت:
“ومش هتحضري المحكمة؟”
منى بأسف:
“ماقدرش. أنا آسفة، كان نفسي أساعد أكتر.”
ردت سيلا بغضب مكبوت:
“طول ما إحنا ساكتين، هيتمادوا أكتر. لازم حد يقف لهم.” ثم أغلقت الهاتف بعصبية بعدما رمقته بنظرة غاضبة.
على وقع صوتها العالي وارتطام الهاتف بالأرض، دخلت همسة ومي مسرعتين:
“مالك؟ بتكلمي مين؟ في إيه؟”
لم تجب سيلا، وبدلاً من ذلك، تركتهم ودخلت الحمام. فتحت المياه على وجهها محاولة تهدئة غضبها الذي اشتعل من المكالمة.
بعد دقائق، خرجت وقد استعادت بعض هدوئها، ثم ارتدت ملابسها بسرعة وقالت بنبرة حاسمة:
“يلا بينا ننزل.”
تبادلت مي وهمسة نظرات متسائلة، لكنهما لم تعلقا احترامًا لمزاجها، واكتفيا بالقول:
“يلا بينا.”
نزلت سيلا برفقة مي وهمسة إلى الكافيه. جلسن وطلبن مشروباتهن، وبدأن الحديث، لكن سيلا كانت شاردة الذهن. فجأة، وقع نظرها على رجل يجلس أمامها منشغلًا بأوراقه وهاتفه. شعرت أن ملامحه مألوفة، فحاولت تذكر أين رأته.
عادت بذاكرتها إلى يوم أفاقت من الغيبوبة. كان والدها قد هرع للطبيب بعدما فقد الأمل، والطبيب أخبرهم أن حالتها الجسدية مستقرة لكن الصدمة أفقدتها النطق، وأنها بحاجة لعلاج نفسي عاجل.
في الغرفة، بقيت همسة بجانبها، لكنها خرجت لاحقًا لإحضار قهوة. خلال غيابها، دخل رجل إلى الغرفة. بخطواته الواثقة وصوت حذائه، انتبهت سيلا لوجوده. تقدم نحوها وقال ببرود:
“كلمة واحدة هقولها وأمشي.”
نظر لها بازدراء وقال بحدة:
“عاوزك تقطعي علاقتك بأختي، سامعة؟”
لم ترد، فتابع بسخرية:
“فاقدة النطق زي ما بيقولوا؟ ولا بتمثلي زي التمثيلية البايخة اللي عملتوها انتي وصحبتك؟ بس للأسف صحبتكم ماتت… يا خسارة.”
اقترب منها فجأة، أمسك وجهها بيده وقال ببرود:
“هنشوف إذا كنتِ شمال ولا لأ، والطب الشرعي موجود.”
حاولت إبعاد يده عنها، لكنه أكمل:
“ما يشرفناش أن أختي تصاحب واحدة متهورة زيك. لو كنتي أخدتيها معاكي، كنت دمرتك بأيدي! تقطعي علاقتك بها وبصحبتك التانية، ومتحاولوش تكلموها تاني، مفهوم؟”
ثم غادر الغرفة بعنف، تاركًا إياها في حالة انهيار، تبكي وتتساءل بصوت مخنوق:
“ليه؟ أنا ذنبي إيه؟ بعد كل ده، هي ماتت؟!”
وأخيرًا تذكرته سيلا! ابتسمت ابتسامة غامضة، مما جعل الجميع يتساءل عن سببها. فجأة، قامت من مكانها، مما أثار قلق مي التي سألتها:
“مالك يا سيلا؟ في حاجة؟”
لكن سيلا لم ترد، بل أخذت كوب ماء من الطاولة وخرجت من الغرفة بهدوء.
تفاجأ الجميع بتصرفها المفاجئ، وظلوا يراقبونها بقلق. بعد لحظات، حدث ما لم يتوقعوه، مما جعلهم يضعون أيديهم على وجوههم من هول المفاجأة.
بعد الغداء، ذهب إلى غرفته ليأخذ قسطًا من الراحة. كان ماضيه يعصف به، ولم تنطفئ النار التي كانت تشتعل داخله منذ سنوات. حمل مسؤولية أسرته منذ أن كان مراهقًا، فافتقد طفولته ومراهقته. عايش شجارات والدته ووالده، وكان يسمع صراخهم يومًا بعد يوم، ما جعله يكره كل شيء وكل شخص.
تذكر كيف كان يحرص على حماية إخوته التوأم من هذه الصراعات، وعندما كانت تنشب مشاجرات بين والديه، كان يحاول إبعادهم عن الموقف.
ثم جاء اليوم الذي غيّر كل شيء. كان الأخ الأكبر في رحلة مدرسية، والأب مسافر للعمل. وفي تلك اللحظة، تلقى الأب مكالمة من ابنه الأصغر معتز، الذي كان خائفًا ويخبره بأنه سمع صوتًا غريبًا في البيت. طلب منه الأب أن يغلق باب غرفته ويحتفظ بأخته معه، وأوصاه ألا يخرج من الغرفة. لكن معتز كان في حالة من الذعر، وأخبره أن هناك شخصًا غريبًا في المنزل، وحاول التواصل مع عاصم ليخبره عن الموقف.
معتز كان يرتجف من الخوف وأخبر عاصم أنه سمع صوتًا غريبًا في غرفة والديه، مما جعله يشعر بالقلق. طلب عاصم منه أن يأخذ أخته ويغلق الباب بإحكام وأكد له أنه قادم فورًا.
وصل الأب بسرعة إلى المنزل، دخل مكتبه ليأخذ سلاحه ثم خرج ليجد عاصم أمامه، فطلب منه الصعود إلى غرفته مع إخوته وعدم الخروج مهما حدث.
عندما اقترب الأب من غرفة نومه، سمع أصوات غير طبيعية، ففتح الباب فجأة ليكتشف الموقف الصادم زوجته مع عشيقها! شعور بالغضب والخيانة دفعه إلى التصرف بسرعة، لإطـ.لاق النار عليهم ثم خرج مسرعًا ليطلب الشرطة، لكنه تفاجأ برؤية عاصم أمامه.
.الأب تحدث بصعوبة وهو يمسك قلبه: “أنت هنا من إمتى؟”
عاصم اغرورقت عيناه بالدموع وركض نحو والده قائلاً: “بابا”.
احتضنه الأب بشدة، وطبطب عليه قائلاً: “آسف يا بني، آسف ليكم كلكم… كنت أتمنى لكم حياة أفضل، آسف… خلي بالك من أخواتك، اختك أمانة عندك”.
ثم انهار الأب في البكاء.
فجأة، سقطت أخته على الأرض مغشيًا عليها. بينما ظل معتز في مكانه، ساكنًا، ينظر إلى شيء أمامه، وكأن عقله قد شرد. أمامه صورة مؤلمة: والدته في وضع مهين مع شخص آخر.
عندما سمعوا صوت الرصاص، هرعوا إلى الغرفة ليجدوا الدماء تغمر السرير، والملاءة البيضاء قد تلوثت بالدم. الأب انهار من الصدمة، ولم يستطع الوقوف. عاصم ركض نحو أخته بينما بقي معتز فاقدًا للوعي، غير قادر على التعبير عن مشاعره.
اتصل الأب بشقيقه، وأخبره بما حدث، وأبلغ الشرطة. حضر أفراد الشرطة، وقاموا بتأمين مسرح الجريمة. تم القبض على الأب الذي اعترف بقتلهم دفاعًا عن شرفه.
ولكنه لم يتحمل الفاجعة، فسقط مغشيًا عليه بسبب أزمته القلبية، ورحل عن الحياة.
تنهد عاصم وأغمض عينيه، ثم غلبه النوم بسبب إرهاقه من طول اليوم.
بعد ساعتين، استفاق على اتصال من معتز.
معتز قال: “أنا خلصت وجاي في الطريق، هوصل الصبح إن شاء الله. عاصم، تيجي بسلامة؟”
أغلق معه على جلس على طرف السرير ونظر إلى ساعته، فوجدها العاشرة مساءً. غمض عينيه وأخذ يحرك أصابعه على جفنيه، ثم قام واتجه للحمام ليأخذ دشًا. بعد أن انتهى، ارتدى ملابسه، أخذ حقيبة العمل ونزل ليراجع بعض الأوراق.
أمسكت سيلا بكوب من الماء البارد، ثم اتجهت نحو الجالس أمامهم دون أن يأخذ باله، وسكبت الكوب كله فوق رأسه. قالت بلهجة غاضبة: “مش أنا اللي هيتعامل معايا كده.”
ثم كادت أن تبتعد، لكن قبضته أمسكت بمعصمها بقوة، وقف فجأة وجذبها معه إلى الوراء. ركضت وراءه، بينما كانت تسبه بأفظع الكلمات. التفتت أنظار من حولهم إليهم، وزادت الهمهمات بين الناس.
كانت تتلوى تحت يديه من شدة قبضته عليها، وصرخت: “سيب إيدي يا حيوان، بقولك!”، لكن فجأة… يتبع بقلم شروق مصطفى
جمر الجليد بقلم شروق مصطفى
الفصل الرابع
صرخت سیلا بصوت عال: “سيب إيدي بقى وحاولت تحرير يدها، لكن قبضته كانت أقوى.
جرها إلى مكان خال من الناس، وقال بصوت مخيف: “إنت عارفة أنا مين؟ وأقدر أعمل فيك إيه؟” ردت بسخرية: هتكون مين يعني؟ سيب إيدي أحسنلك، أنا زعلي وحش.”
نظر إليها بتحد: “وريني زعلك!” صرخت: “سيب إيدي للمرة الأخيرة” لكنه ظل ثابتًا.
في لحظة، باغتته بلكمة قوية على أنفه، تبعتها بركلة بين قدميه، فتراجع متألمًا. ابتعدت وهي تضحك بسخرية:
روح اللعب بعيد.
فرّت سيلا عائدة إلى الفندق بعد أن أفقدت خصمها توازنه بلكمة على الأنف، وصلت إلى غرفتها ولم تجد أحدًا، فأغلقت الباب وغفلت سريعًا.
في الخارج، كانت همسة ومي تبحثان عنها بقلق. قالت مي: “مش شايفاهم… أخدها فين؟ شكله مش هيسكتلها!”
ردت همسة: “تعالي ندور عليهم، أنا خايفة يعملها حاجة!”
بحثتا في كل مكان بلا جدوى. توقفت همسة وقالت: “ده شكله مش طبيعي… افتكرتي مين ممكن يكون؟”
قالت مي وهي تحاول تهدئة همسة: “تعالي نقعد الأول، متقلقيش على سيلا. أنا متأكدة إنها تعرف تدافع عن نفسها، لكن المشكلة إنه مش هيسيبها في حالها بعد كده.”
ردت همسة بتفكير: “ويعرفكوا منين أصلاً؟ ده شكله إنسان غير طبيعي! رحتي فين انتي كمان ساكتة كده؟”
سرحت مي قليلًا وقالت: “في حاجة افتكرتها… هو فيه شبه منه. بس أنا شوفته مرة واحدة من سنين، وحاسة إنه هو.”
نظرت لها همسة بعدم فهم: “مش فاهمة حاجة! وضحي.”
تنهدت مي وقالت: “طيب هحكيلك حاجة. فاكرة يوم التخرج والحادثة اللي حصلت؟”
ردت همسة بقلق: “آه، فاكرة… بس إيه اللي جاب سيرة الموضوع ده دلوقتي؟ مصدقنا إنها خلصت!”
قالت مي: “فاكرة رودينا صاحبتنا؟”
ردت همسة وهي تحاول التذكر: “تقريبًا… كنتوا دايمًا ثلاث أصحاب، صح؟”
مي: “ما علينا، المهم اللي حصل يومها إن رودينا جات المستشفى تطمّن عليّ، وكلمها أخوها في التليفون. قالتله إنها معايا وعرض يوصلني، وأنا وافقت وركبت معاهم.
اتصدمت لما شفته، لأنه نفس الشخص اللي أنقذها يوم الحادثة دي، واللي لولا تدخله كانت ضاعت هي كمان. لكن وقتها، من طريقته وكلامه، حسيت إنه بيهاجمنا واتنرفز جامد.”
همسة: “إزاي بيهاجمكم؟ ذنبكم إيه أصلاً؟”
“بعد يوم الحادثة، جاءت رودينا إلى المستشفى للاطمئنان على مي. خلال وجودها، تلقت مكالمة من أخيها وأخبرته أنها مع صديقتها، فاقترح أن يوصلها. وافقت مي وركبت معهم.
ما إن جلست في السيارة حتى اكتشفت أن أخا رودينا هو نفس الشخص الذي أنقذها يوم الحادثة. لكن سرعان ما تحول الموقف إلى توتر، حيث بدأ يهاجمها بعصبية. سألها بحدة عن سبب وجودهما في الشارع المشبوه في ذلك الوقت، وقاطع رودينا عندما حاولت الدفاع عنها، مطالبًا مي بالإجابة بنفسها.
حكت له ما حدث، لكنه انفجر غاضبًا واتهمهما بالتهور قائلاً إنهما أغبياء، وكيف يمكنهما السير في شارع يعرفان أنه خطير دون اتخاذ احتياطات، بل وتأخرهما عن طلب المساعدة عند رؤيتهما السيارة المشبوهة. أنهى كلامه بجملة خبيثة أزعجت مي، متهمًا صديقتها بأنها “عاملة نفسها راجل”.
نظراته وصوته العالي جعلا مي ترتجف ورودينا تشعر بالتوتر. حاولت رودينا تهدئته، مبررة أن يومهما كان صعبًا، لكنه لم يهدأ وأكد أن تدخله في الوقت المناسب أنقذ الموقف، وإلا لكانت الكارثة قد وقعت.
في النهاية، اعتذر لها بطريقة جافة لم تخفف من استيائها، مما دفعها لطلب النزول عند أقرب مكان، وقد شعرت بالاختناق من الموقف بأكمله”
أخذت مي نفسًا عميقًا ثم استرسلت في حديثها. أخبرت همسة أنها عرفت لاحقًا من سيلا، التي تحدثت معها بعد تعافيها بثلاثة أيام، عن ما حدث في تلك الليلة. أخبرتها سيلا أن ذلك الشخص جاءها ليلًا بعد أن غادر والداها المنزل، ووقف أمامها بنظرة حادة وملامح غاضبة، ليطلق كلمات جارحة مليئة بالاتهامات.
قال لها بلهجة قاسية: “طب شرعي وانتي شمال انتي وصاحبتك! وابعدوا عن أختي. ما حدش منكم يقرب منها تاني.”
كانت كلماته جارحة بشكل لا يحتمل، مما ترك أثرًا كبيرًا على سيلا. تابعت مي بمرارة: “ومن وقتها علاقتنا برودينا اتقطعت للأسف، والسبب هو الشخص ده… وأخوه كمان، اللي كان ألعن منه.”
سألتها همسة بقلق: “وأخوه عمل إيه؟”
هزّت مي رأسها وقالت: “ده موضوع طويل… أحكيلك عنه بعدين.”
… .
في مكان آخر مجهول، كان الشخص نفسه يتحدث في الهاتف:
“مرحبًا، أريد تجهيز طفلين للتنفيذ بعد يومين. سأصل بعد يومين لإتمام التجهيزات عند الطبيب وبنفس السعر.”
رد بدر: “آسف، لا يمكننا الآن. اعطنا بعض الوقت. تم القبض على طبيبنا، واعترفت الممرضة وأخذت صورًا وفيديوهات لنا. الصحافة تهاجمنا أيضًا. انتظر فقط لبعض الوقت.”
أجاب الشخص بلهجة غاضبة: “ماذا! هل أنتم مجانين؟ ما الذي تنتظرون؟ قوموا بتنفيذ الأمر الآن، أو سيتم تصفيتكم أنتم! سأتصل بكم لاحقًا لأتأكد أن كل شيء على ما يرام.” ثم أغلق الخط.
بعد انتهاء المكالمة، زفر وأجرى مكالمة أخرى، وقال: “نفذوا اليوم! أريد أن أسمع خبرهم جميعًا.” ثم أغلق الخط.
عادت مي وهمسة إلى الغرفة بعد أن يئسا من العثور على سيلا، وفوجئا بوجودها نائمة على السرير. تبادلتا نظرة متفاجئة وسألت مي: “جت إمتى دي؟” هزت همسة كتفيها، وأجابتها مي بأنها لا تعلم. ثم استلقيا بجانبها، منهكتين من يوم طويل.
بعد أن ضربته، أفلتت سيلا يد عاصم وتراجعت إلى الوراء، بينما هو مصدوم من جرأتها. سمع صوتها وهي تبتعد قائلة: “مش عاوزه أشوف وشك مره تانية قدامي.” ثم تركته واختفت عن الأنظار.
أمسك عاصم بأنفه وهو يهددها في نفسه: “هتشوفي أيام معايا، صبرك.”
ثم ترك المكان غاضبًا، يلعن نفسه حتى رن هاتفه فجأة. استمع للمكالمة، مصدومًا من محتواها، وقبض على يديه بعنف.
رد أخيرًا: “تمام” وأغلق الخط. زفر بعمق، ثم ذهب إلى غرفته ليُنهي اليوم.
في صباح يوم جديد، استيقظت مي على صوت المنبه فوجدت الساعة السابعة صباحًا، فأطفأته وقررت أن تقضي صباحًا مختلفًا. قامت بأخذ شاور سريع لتنشيط نفسها، ثم تركت رفيقاتها نائمات وقررت الجري قليلاً. ارتدت ملابس رياضية ورفعت شعرها بطريقة فوضوية، ثم خرجت من الغرفة متوجهة إلى الاستقبال لتسأل عن مكان مخصص للجري.
في نفس الوقت، وصل معتز متعبًا ومرهقًا بعد رحلة طويلة، وتوجه إلى الاستقبال ليسأل عن شيء ما.
وصلت مي أولًا إلى الاستقبال وقالت: “لو سمحت؟”
لكن الموظف كان مشغولًا بالتقاط شيء قد وقع منه. وفي نفس اللحظة، وصل معتز وقال: “لو سمحت؟”
اعتدل الموظف ونظر مبتسمًا إلى معتز قائلاً: “معتز باشا، نورتنا يا فندم، أخدمك بإيه؟”
رد معتز: “تسلم يا حبيبي، كنت عاوز…”
لكن مي قطعت حديثهم وقالت بنبرة حادة: “على فكرة، أنا جيت الأول وكلمتك الأول، مش من الذوق تسيبني واقفة وتكلمه هو.” كانت توجه كلامها للموظف دون أن تنظر إلى الشخص الذي كان بجانبها.
قال الموظف لمي: “آسف يا فندم، ما خدتش بالي بجد.”
ثم نظر إلى معتز وقال مبتسمًا: “أستاذ معتز من أصحاب الفندق و…”
لكن مي قاطعته قائلة بغضب: “رغى، ميهمنيش صاحب ولا مش صاحب. أول حاجة تشوفني عاوزة إيه بعد كده، ابقوا رحبوا بيه براحتكم.”
شعر الموظف بالإحراج وألقى نظرة على معتز.
معتز رفع يده بقرف وقال: “خلصها الأول، مش ناقصين رغي على الصبح.”
نظرت مي إليه وقالت: “ما تحترم نفسك يا أخي، هو حد وجهلك كلام أصلاً؟” ثم تفاجأت عندما اكتشفت أنه أخو رودينا وصمتت لتتجنبه.
رد معتز عليها قائلاً: “إنتي عدي يومك معايا، مش ناقصك أنا.”
استشاطت مي من أسلوبه وقالت بغضب: “إيه بت دي؟ انت شايفني عيلة بتلعب معاك ولا إيه؟ ما تحترم نفسك، اجدع أنت! بتقول شكل للبيع على الصبح؟”
معتز نظر إليها بنظرة ذات مغزى، وكأنها تذكرته، وقال: “مش عجبك بت؟ يبقى أنتي أدري بنفسك، وغمز لها.”
صُدمت مي من تصريحه الحقير، وفتحت عينيها على أوسعها وقالت بغضب: “تصدق أنت؟ أنت بجد حيوان، وقليل الأدب كمان!”
ثم رفعت يدها لتصفعه، لكنه أسرع وأمسك بها بقوة أمام الموظف، وعصر كف يدها بشدة.
مي، بصوت عالٍ: “إنت غبي، سيب إيدي يا حيوان!”
معتز، بتحدٍ: “أيوة، أنا حيوان، والحيوان ده بقى حيعرفك تكلمي أساتذتك إزاي.”
حاولت مي أن تبعد يدها عن قبضته وقالت: “إبعد بقى، بقولك والله هتندم على اللي عملته زمان، واللي عملته دلوقتي كمان.”
معتز، بمكر: “إنتي هتندميني؟ طيب، أنا مستني أشوف هتندميني إزاي.” ثم ترك يدها وألقى نظرة استهزاء وقال: “أنا مستني، وريني هتندميني إزاي.”
نظرت إليه مي بقرف، وقبل أن تبتعد، ردت: “هتعرف بعدين!” كانت قد أقسمت داخليًا أنها سترد له كل ما فعله بها حتى الآن.
كان الموظف في حالة من الحيرة بين مي ومعتز، وكان يحاول تهدئة الجو قائلاً: “أستاذ معتز، يا أنسة، اهدوا، مفيش داعي لكل ده. حصل خير، أنا بعتذر لكم بجد، أنا السبب.”
لكن مي ومعتز كانا يتبادلان النظرات العدائية، وكأن كل واحد منهما يتوقع أن ينقض على الآخر أولًا.
أعاد معتز الحديث مرة أخرى إلى الموظف قائلاً: “إزاي بتوافقوا على نزلاء زي دول؟ ده مش هعدهالكوا، بس خلصوا الافتتاح النهاردة، ولينا كلام تاني. قولي رقم غرفة عاصم كام؟”
رد الموظف بخوف: “إحنا آسفين يا فندم بجد. رقم الغرفة 901.”
ركضت مي بعيدًا عن معتز، والأحداث التي مرّت بها معه تتكرر في ذهنها. بعد أن استفاقت سيلا، ذهبت لزيارتها، ووجدت رودينا فرصة لسفر أخيها الأكبر، وبعد محاولات عديدة، وافق معتز على ذهابها. أثناء خروجها، التقت مي، وصممت على أن ترافقها، ترددت بسبب خوفها من معتز بعد الهجوم الذي تعرضت له سابقًا، لكن رودي أصرّت وقالت لها إنها لن تتركها في الشارع بمفردها، وأكدت لها أنها ستكون معها.
داخل السيارة، كان معتز يجلس في المقدمة، وعيناه تراقبان عقارب الساعة بعصبية. تأخرهم أزعجه بشدة، وما إن لمح مي تقترب حتى تجمدت ملامحه للحظة. إنها هي، الفتاة التي كانت معهم يوم الحادث. نطق بغضب مكتوم: “ماتخلصوا بقى واركبوا، ولا هتفضلوا واقفين كده؟”
رودي استدارت إلى مي وأشارت إليها أن تسرع. مي، التي بدا عليها التوتر، تحركت بسرعة نحو السيارة وهي تهمس لنفسها عن إخوتها الذين لا يعرفون سوى الشجار. جلست في الخلف بصمت، لكن عينا معتز لم تتركها، التقاها عبر المرآة الأمامية وسأل بنبرة صارمة: “إنتو تعرفوا بعض من إمتى؟”
رودي، التي شعرت بتوتر الموقف، سارعت بالإجابة: “أنا ومي وسيلا نعرف بعض من أيام الجامعة.” لم يرد معتز، لكنه اكتفى بنظرة غريبة صاحبتها كلمات مشبعة بالسخرية: “ونِعمة المعرفة.”
عندما وصلوا إلى وجهتهم، التفت معتز إلى رودينا وقال ببرود: “انزلي، أنا في ورق مهم في الشركة هجيبه على سكة صحبتك.” فبادرت مي بالقول بسرعة: “لا، هنا كويس. مش محتاجة توصلني.” شكرته على عجل ودفعت باب السيارة لتنزل، لكن صوته أوقفها فجأة.
“استني عندك!” قالها بصوت جاف حمل تهديدًا مبطنًا أرعبها. اهتزت يدها على مقبض الباب، وتركت الباب فورًا. سمعت صوت قفله فأصابها الذعر.
التفتت إليه مي بخوف أقرب إلى البكاء، وقالت بتلعثم:
“حضرتك قفلت الباب ليه؟ أنا… أنا عايزة أنزل. نزلني لو سمحت! مش عايزة توصلني، شكراً.”
لكنه أجاب بغضب مكتوم، سرعان ما تصاعد إلى صراخ مدوٍ:
“بت! انتي اخرسي بقى لحد ما أزفتك وأوصلك! ما أسمعش صوتك خالص، فااااااهمة؟”
اهتزت من نبرة صوته المهينة، لكنها تماسكت وردت بانفعال:
“وأنت بتزعق لي كده ليه أصلاً؟ ما سمحلكش تكلمني بالطريقة دي! تعرفني منين أصلاً عشان تتكلم معايا كده؟ نزلني هنا لو سمحت!”
ضغط على المكابح فجأة، فتوقفت السيارة بعنف على جانب الطريق. التفت إليها بوجه متجهم ونظرة مشبعة بالغضب، وقال بسخرية:
“شوفي يا ست الكل، مش عشان سواد عيونك يعني أنا هوصلك! فوقي كده بقى، ها؟ ولا عايزة تتشقطي؟ ما انتو واخدين على كده!”
تجمدت ملامحها من الصدمة، والدم يغلي في عروقها. تمالكت نفسها بصعوبة وقالت:
“إنت مريض… بجد والله مريض! ومش فاهم أي حاجة!”
ثم أدارت وجهها بعيدًا عنه، محاولة تفادي نظراته الحاقدة. شعرت أن الهواء داخل السيارة أصبح خانقًا، واحتقنت عيناها بالدموع، لكنها أبت أن تظهر ضعفها أمامه.
اتسعت عينا مي بصدمة من كمّ الاتهامات التي ألقاها عليها. ردّت بحدة وقهر:
“إنت مريض… بجد والله مريض! ومش فاهم حاجة.”
ثم أدارت وجهها نحو النافذة، محاولة تفادي نظراته الحقيرة التي جعلتها تشعر بالاختناق.
لم يعلّق معتز، بل التفت للأمام وأعاد تشغيل السيارة، وكأن شيئًا لم يحدث. للحظات بدا وكأنه استعاد هدوءه المصطنع، ثم نطق بنبرة تحمل استهزاء:
“وتعرفوا البنت التالتة كمان!”
مي سمعت كلماته، لكنها لم ترد، مكتفية بالنظر إلى الخارج. شعر بالضيق من صمتها، فرفع صوته قليلاً وقال بحدة:
“بتكلم أنا على فكرة!”
نظر إليها عبر المرآة الأمامية، ينتظر إجابة. لكنها، دون أن تلتفت، تكتفت وقالت ببرود:
“مش ملزمة أجاوبك على فكرة… ابقى اسأل أختك.”
ضغط بأسنانه غيظًا، ثم تمتم بصوت منخفض، لكنه مسموع بما يكفي لتثير كلماته استفزازها:
“معرفة هباب وأشكال زبالة شمال… يومها مش معدّي لما أروحلها بس.”
مي شعرت بالغضب يتصاعد في صدرها، لكنها حاولت السيطرة على نفسها، مثبتة نظرها على النافذة لتجنب الانفجار. همست بغضب مكتوم:
“الأشكال الزبالة دي… إنت تعرفها آه يا زبالة!”
لم تدرك أن همسها كان مسموعًا بما يكفي ليصل إليه. فجأة، شعرت بباب السيارة يُفتح بعنف، ويد قوية تجذبها من ذراعها. قبل أن تستوعب ما يحدث، وجدته يهزها بشدة، وجهه غاضب وكلماته كالسياط:
“أنا الزبالة؟ يا زبالة؟! إنتِ وصاحبتك الشمال اللي بتتشقطوا مع رجالة عادي في الشارع!”
صرخت مي بألم، محاولة التخلص من قبضته:
“آه! أبعد عني! إنت إنسان مريض ومجنون… سيبني بقى!”
لكنه اقترب أكثر، وجهه مملوء بالغضب والاحتقار، وقال بفحيح:
“لو شوفتك تاني… مش هرحمك. سامعة؟”
تركها أخيرًا، ثم صعد إلى سيارته وأغلق الباب بقوة، منطلقًا بسرعة جنونية بعيدًا عنها.
مي وقفت مكانها، تشعر بالألم يشتعل في ذراعيها حيث أمسكها بعنف. انهمرت دموعها وهي تهمس لنفسها:
“حيوان… ومش طبيعي.”
نظرت حولها، ولاحظت أنها كانت قريبة من منزلها. هرولت بخطوات متعثرة، بالكاد تستطيع الوقوف من شدة الخوف والصدمة. ما إن وصلت إلى غرفتها حتى ألقت بجسدها على الفراش وانهارت في بكاء مرير.
دفنت وجهها في الوسادة، وهمست بين شهقاتها:
“ليه؟ ليه يقول علينا كده؟ ليه؟”
فاقت من أفكارها عندما شعرت بشلالات من الدموع الساخنة تنهمر على وجنتيها. كانت تلك أول مرة تسمع فيها أحدًا يتحدث عنها بهذه الطريقة السيئة. شعرت بالإهانة، والغضب يشتعل في صدرها. لم تستطع تقبل فكرة أن يمر ما حدث دون رد. همست لنفسها بصوت خافت لكنه مليء بالإصرار:
“لا… لا يمكن أسيبه متهني وأنا أحرق في دمي كده!”
مسحت دموعها بعنف، محاولة استعادة هدوئها، لكنها أدركت أن الغضب لن يهدأ بسهولة. قررت أن تفرغ طاقتها السلبية بأي طريقة. ركضت بلا هدف، وكأنها تهرب من ثقل الكلمات التي ما زالت تتردد في أذنيها.
مع كل خطوة، شعرت أن غضبها يتلاشى تدريجيًا، وتحل مكانه قوة جديدة، عزم على عدم السماح لأي شخص بتحطيمها مجددًا. عندما انتهت من الركض، كانت أنفاسها لاهثة، لكن عقلها أصبح أكثر صفاءً. عادت إلى الفندق مرهقة جسديًا، لكنها أكثر تصميماً على استعادة كرامتها وإعطائه درسًا لن ينساه.
مي دخلت إلى الغرفة لتجد سيلا جالسة على الفراش، وأمامها اللاب توب. كانت ملامحها متجمدة، وعيناها شاخصتين، وكأنها رأت شيئًا لا يُصدق. اقتربت منها وقالت بقلق:
“سيلا؟ في إيه؟ مالك؟ وشك أصفر كده ليه؟ انتي يا بنتي في إيه؟”
لكن سيلا لم ترد. كانت غارقة في صدمتها، لا تنبس ببنت شفة. شعرت مي بالذعر، فالتفتت تبحث عن همسة، ووجدتها نائمة في زاوية الغرفة. اقتربت منها وهزتها بخفة وهي تقول بصوت متوتر:
“همسة… اصحي! انتي كمان جاية تنامي هنا؟”
همسة فتحت عينيها بصعوبة، تتثاءب بسبب النوم:
“في إيه يا مي؟ بتصحيني بدري ليه؟ سيبيني أكمل نومي بقى.”
وكادت تغفو مرة أخرى، لكن مي جذبتها من ذراعها بعصبية قائلة:
“اختك مالها يا بنتي؟ أنا سيباكوا نايمين، قومي شوفيها! متنحة كده ومش بترد عليّ.”
نهضت همسة بفزع، وقد بدأت تشعر بالقلق من نبرة مي. قالت وهي تفرك عينيها:
“سيلا مالها؟ فيها إيه؟”
توجّهتا معًا نحو سيلا، حاولتا هزها لتفيق من صدمتها، لكن عينيها كانت ما زالت مثبتة على شاشة اللاب توب. نظرتا إلى الشاشة لتعرفا السبب، وبمجرد أن رأتا الخبر أمامهما، تجمدتا.
مي تمتمت بذهول، وقد بدأ عقلها يستوعب ببطء:
“ماتت… ده معناه إنهم…” ثم توقفت، لم تكمل الجملة، وكأن الكلمات خانتها.
همسة، التي لم تفهم بعد، نظرت بين أختها وسيلا بارتباك وقالت:
“في إيه يا مي؟ فهميني! مين اللي مات؟ وسيلا مالها؟ حد يرد عليّ!”
…
داخل مبنى الداخلية صباحًا
كان الهرج والمرج يعم المكان، بينما اللواء أيمن الجابري يقف غاضبًا يصيح بصوت يملؤه الانفعال:
“ده تهريج! إزاي ده يحصل؟ إزاي وهو عليه حراسة مشددة؟ إزاي ينتحر وكل ده وانتو نايمين؟!”
وجه حديثه لأحد الضباط قائلاً بغضب حاد:
“حضرتك متحول للتحقيق إنت والطقم اللي عندك لعدم المحافظة على السجناء! اتفضل!”
خرج الضابط من المكتب متوترًا، وسرعان ما أجرى مكالمة بصديقه، الذي أجاب فورًا:
“اللواء محسن، لازم أقابلك ضروري، الموضوع لا يحتمل التأخير!”
رد اللواء محسن بقلق:
“حاضر، هعدي عليك في مكتبك. موجود إمتى؟”
أجابه اللواء أيمن:
“دلوقتي لو ينفع، الموضوع كبير، منتظرك.”
أغلق الخط، ثم تحدث لنفسه بغضب مكتوم:
“أغبياء! لازم تبعد لحد ما الأمور تهدى. مش هيسيبوها في حالها.”
بعد نصف ساعة، وصل اللواء محسن، والد سيلا.
دخل المكتب بعد الترحاب المعتاد وقال:
“خير يا أيمن؟ قلقتني لما قلت الموضوع لا يحتمل التأخير! أوعى تقول سيلا حصل لها حاجة!” ووضع يده على قلبه، يظهر عليه القلق.
كان اللواء أيمن قد تحدث سابقًا مع محسن بشأن وضع حراسة على ابنته بعد مكالمة تهديد تلقتها. هدّأه قائلاً:
“اطمّن يا محسن، بنتك بخير. لكن للأسف القضية كبرت جدًا. الطبيب مات مقتول داخل السجن، والصبح لقينا جثة الممرضة مذبوحة ومرمية جنب النفايات بعد بلاغ باختفاءها!”
ارتعش وجه محسن من الصدمة وقال بصوت مختنق:
“إذن الدور على بنتي…!”
بدأ قلبه ينبض بسرعة، وأنفاسه تتقطع من الهلع. فزع اللواء أيمن وهو يرى حالته، وصرخ:
“محسن! محسن!”
نادى عسكريًا من الخارج:
“هات مية بسرعة!”
ظل يهوي عليه، فتح أزرار قميصه، وقدم له الماء ليشرب. بعد أن استعاد محسن بعض هدوئه، قال أيمن:
“اهدى، بنتك بخير وأنا أضمنلك إنها هتكون بأمان.”
نادى على العسكري مرة أخرى:
“هات ليمون بسرعة!”
عاد بعد لحظات، وبدأ أيمن يشرح الوضع بوضوح:
“اسمعني كويس، يا محسن. بنتك دخلت نفسها مع ناس خطر جدًا، الناس دي ما بيلعبوش. وراهم شخصيات تقيلة وأول حل عندهم لما الأمور تضيق عليهم هو القتل.”
تابع بجدية:
“بنتك تورطت بسبب آخر مقال نشرته، اللي فضحت فيه تفاصيل الجريمة بالكامل، بما في ذلك مكان الطبيب. حتى لو ما كتبتش اسمها، هم مش بالسذاجة إنهم ما يعرفوش توصلوا ليها. دي شبكة كبيرة جدًا، أطرافها في الخارج، ولما بيحسوا إنهم قربوا يتكشفوا، بيصفوا أي طرف داخلي.”
أضاف:
“بعد مكالمة التهديد، لازم سيلا تبعد عن الموضوع نهائي. للأسف، بموت الطبيب والممرضة، القضية تقريبًا انتهت. إلا إذا بنتك احتفظت بنسخة من الصور اللي كانت معاها. لو فكرت تلعب بيها ضدهم، مش هيسيبوها.”
رد محسن، وهو ما زال تحت وقع الصدمة:
“وفكرك، هي هتوافق تبعد؟ ولو أصرت على النبش وراهم؟ وهي لسه هنا؟”
ابتسم اللواء أيمن بثقة:
“لا تقلق، معاها ذئب الداخلية. مش هيديها فرصة تعمل أي حاجة. ولو فكرت مجرد تفكير، هنقدر نسيطر عليها.”
شكر محسن صديقه بامتنان:
“بجد، ما كنتش عارف أعمل إيه من غيرك.”
رد اللواء بابتسامة:
“احنا إخوات، ولا نسيت؟”
ضحك محسن وقال:
“أنسى إزاي؟ دي عشرة عمر.”
اختتم اللواء الحديث قائلاً:
“لسه كنت مع أحمد امبارح، كنا بنتكلم على أيام زمان.”
بعد قليل من الحديث عن الذكريات القديمة، استأذن محسن للعودة إلى البيت، حيث تنتظره المهمة الأصعب: إقناع زوجته بسفر سيلا إلى الخارج حفاظًا على حياتها.
…
داخل منزل محسن
بعد شد وجذب طويل بينه وبين نرمين، حاول محسن تهدئتها بينما كانت تصرّ بقلق:
“يعني حتى مش هشوفها وأسلم عليها؟”
أجابها محسن بحزم:
“لا طبعًا. همسه هترجع مع مي بعد ما يخلصوا الافتتاح النهارده، وهيوصلوا هنا بكرة الصبح إن شاء الله.”
لكن نرمين لم تكن قادرة على استيعاب الأمر:
“بس بنتي مش هتسكت، ولو رجعت مش هتنكش وراهم؟ أنا عارفة بنتي، يا محسن، سيلا مش بتسيب حاجة!”
تنهّد محسن وهو يتذكر كلمات صديقه اللواء أيمن، ثم قال محاولًا طمأنتها:
“متقلقيش، أيمن مطلع معاها أكفأ ظابط مخابرات على مستوى الداخلية كلها. هيعرف يتعامل معاها كويس.”
نرمين ما زالت قلقة:
“وأنت واثق إنه هيقدر يسيطر عليها؟”
أومأ محسن بثقة، ثم أضاف بتحذير:
“بس خلي بالك، أيمن نبهني على نقطة مهمة جدًا. لو اتكلمتي معاها النهارده، إياك تفتحي موضوع السفر أو أي حاجة من اللي قلناها.”
سألته بتوتر:
“ليه؟”
ردّ بهدوء لكنه كان جادًا:
“لأن لو نبهتيها، هتعمل أزمة كبيرة، ومش هنضمن هتعمل إيه. هي هتسافر فورًا بعد الافتتاح.”
تنهّدت نرمين مستسلمة وقالت:
“ماشي، مش هقولها حاجة. أهم حاجة إنها تبعد عن العصابة دي في أسرع وقت وتكون بأمان.”
نظر إليها محسن مطمئنًا، لكنه كان يعلم أن المهمة الحقيقية لم تبدأ بعد، والقلق على ابنته لم يفارقه لحظة.
في مكان آخر
كان الجو متوترًا داخل غرفة مظلمة، حيث جلس رجل يرتدي بدلة أنيقة وخلفه نافذة تطل على مدينة تغرق في الأضواء. صوت مكالمة مشحونة بالتوتر انبعث من الهاتف أمامه.
الرجل الأول (بغضب):
“ماذا فعلتم؟ هل حصلتم على الأدلة؟”
الرجل الآخر (بتوتر):
“سيدي، تم تصفية الطبيب والممرضة كما أمرتم، لكننا لم نجد أي أدلة بحوزتهما، ولم نعثر على أثر للصحفية حتى الآن. القضية تم إغلاقها، تمامًا كما حدث في السابق.”
الرجل الأول (بتهديد واضح):
“استمع جيدًا… إن ظهرت الصورة الخاصة بي في أي مكان، سأمحو وجودك عن وجه الأرض. أفهمت؟”
الرجل الآخر (بصوت مرتجف):
“لا تقلق، سيدي. لم يظهر أي أثر لأي صور حتى الآن، وإن وُجدت، سأتصرف فورًا.”
الرجل الأول:
“جيد. وداعًا.”
أنهى المكالمة بغضب، ثم ألقى الهاتف بقوة على الطاولة. عيناه توهجتا بشراسة، وهو يفكر في الخطوة التالية للحفاظ على سرّه مهما كلفه الأمر
…..
استفاق عاصم على صوت طرقات الباب. فتحه بسرعة، وابتسم عندما رأى معتز أمامه. قال بابتسامة واسعة وهو يحتضنه:
“حمدلله على السلامة، حبيبي! تعال هنا.”
معتز، الذي بدا عليه التعب الشديد، ردّ بصوت منخفض:
“آه، هلكان بجد وعاوز أنام، مش قادر.”
ضحك عاصم وهو يربت على ظهره:
“تعال ريح شوية، قدمنا يوم طويل جدًا اليوم، وأيضًا محضرلك مفاجأة هتعجبك جدًا.”
ابتسم عاصم بخبث، بينما أظهر معتز علامات القلق:
“مش مطمئن من مفاجأتك دي، حاسس وراها بلاوي… خير إن شاء الله؟”
ضحك عاصم وقال:
“لا، لما تريح شوية وبعدها نروح الفرع. هتكون الأمور أفضل!”
…
أخيرًا، تخلّت سيلا عن صمتها، وعينيها ممتلئتان بالدموع التي حاولت كبحها. قالت بصوت مخنوق:
“ليه؟ عملت إيه علشان تموت كده؟ عشان حاولت تظهر الحق؟ هل إحنا رخيصين كده؟”
همسة أرادت أن تواسيها، لكنها توقفت عندما أشارت مي لها بأن تتركها تكمل.
واصلت سيلا:
“هل ده جزاؤها؟ حاولت تكشف الحق وتُظهر الغلط، فكانت نهايتها كده؟ وأطفالها يتيموا؟ إحنا ما عندناش قيمة! بيقتلونا ويسرقونا عشان يعيشوا. شايفين الفرق؟ يختطفونا، يسرقونا، وأطفالنا يتخطفوا مننا كده!”
كانت كلماتها محملة بالحزن، بينما همسة اكتفت بالصمت عاجزة عن تقديم شئ.
همست سيلا بألم: “عايزين يعيشوا على حسابنا احنا. دمروا أولادنا وبناتنا، وبيستغلوا شبابنا. ليه كده؟ ليه رخاص؟”
انهارت في بكاء مرير، فاحتضنتها مي وهمسة، وبكوا جميعًا.
قالت سيلا وسط شهقاتها: “أنا السبب، مقالي هو اللي كشفهم. أنا اللي وضحت التفاصيل، وكمان لما كلمتني، قلت لها إني معاها، ولكنهم غدروا بيها.”
مي حاولت تهدئتها: “ده نصيبها، مش أنتِ السبب. هي شافت شيء غلط، وبلغت عنه. أنتِ قابلتيها بالصدفة، وكتبتِ عشان تثيري الرأي العام، لكن في ناس خانت الأمانة وبينفذوا اللي عايزينه.”
مسحت سيلا دموعها بثبات، وقالت: “لا، مش هكون ضعيفة. مش نصيبها كده. أنا هفضل وراهم لحد ما يوقعوا واحد ورا تاني زي الكلاب.”
مي، قلقًا: “ابعدي عنهم، هم مش قدك.”
سيلا هزت رأسها بنعم، لكن داخلها كان يعلن العصيان. كانت تعرف تمامًا أن ما تفكر فيه قد يكون خطيرًا، لكنها لم تعد قادرة على السكوت أو التراجع. كان هناك شعور قوي داخلها يدفعها للاستمرار، رغم تحذيرات مي.
مي: “أنا خايفة عليكِ، بلاش تأذي نفسك.”
همسة: “بقولكو إيه، فكّوا من جو الدراما ده، ياريتني ما جيت معاكم، أنتو الاثنين أوفر أوي.”
مي: “خليكي على جنب، يافنّانة، النهاردة هنسيبك، طول النهار إرسمي براحتك، عشان ورانا شغل أنا والأستاذة دي.”
همسة: “هتوحشوني أوي، متتأخروش عليا.”
مي: “بتتريق؟”
همسة: “ها، لا، أبداً.”
مي: “بقولكو إيه، عرفتوا شفت مين قبل ما أطلعلكم؟” وغيرت ملامح وجهها.
سيلا وهمسة: “مين؟”
مي: “أخو رودينا.”
سيلا: “أه مش ده اللي حميته إمبارح بكوباية المياه.”
مي: “لأ، ليه أخ تاني؟ سقيل وملزق في نفسه، مش عارفة على إيه. اتعاركت معاه تحت في الريسيبشن وطلعو أصحاب الفندق.”
سيلا: “أصحاب الفندق؟”
مي: “آه، عاوزين نزبطهم بمقالات، خلي السياحة تنضرب عندهم. ولاد اللي تيت دول.”
سيلا ضاحكة بمكر: حلو أوي بس إنتي دخلك إيه؟ أنا وليا عداوة معاه من زمان، هو اتصدر ليكي في حاجة؟”
سيلا: “اتنهدت بضيق. للأسف، آه. لكن محبتش أيامها، وقابلته النهاردة برده.”
سيلا شاركت مي مواقف قديمة وجديدة، مؤكدة أنها سترد الاعتبار لكل ما حدث. همسة، التي لم تفهم ما يدور، قررت أن تجهز أدوات الرسم وتبحث عن مكان هادئ للرسم استعدادًا للمسابقة.
مي قالت لسيلا إنهما بحاجة للتحقق من أصحاب الفندق أولاً ثم العمل على نشر مقالات تفضحهم. ضحكت سيلا ووافقتها على ذلك، بينما ضحكت الاثنتان ضحكة شريرة.
همسة دخلت عليهما، مستهزئةً من تصرفاتهما المجنونة. ثم ألقى الاثنان عليها المخدات، فركضت همسة إلى الباب وقالت: “يا مامي، اللحقيني!”، وأغلقت الباب خلفها.
…
عاصم كان واقفًا بكامل أناقته في بدلته السوداء، وقد وضع أفخر العطور ومرّ بشعره قبل أن يوجه حديثه إلى أخيه الذي بدأ يغلبه النعاس: “ارتاح شويّة، خلي تليفونك جنبك ومتتأخرش. هخلص شوية حاجات هناك، تكون ارتحت، سامعني؟”
رفع الأخ يده ليؤكد أنه سمعه، فابتسم عاصم وقال: “ماشي، سلام.”
لم يكاد عاصم يخرج حتى رن هاتفه، فاستقبل المكالمة قائلاً: “عاصم، تحت أمرك يا فندم.”
من الجهة الأخرى، سُمع صوت يقول: “أيوه يا عاصم، جاهز؟”
عاصم أجاب: “جاهز يا فندم.”
رد الصوت: “نفّذ النهاردة بعد ما تخلصوا الافتتاح على طول، مفيش وقت، أنت عارف.”
أجاب عاصم: “عارف يا فندم، متقلقش.”
ثم أغلق المكالمة وأجرى مكالمات أخرى، حيث قال في إحداها: “جهزوا لي طائرتي الخاصة، أريدها في مطار الغردقة الساعة… بدون تأخير. فاهم؟” ثم أغلق الخط وانتقل لمكالمة أخرى باللغة الألمانية قائلاً: “أهلاً سيدتي، سأحضر اليوم مع ضيف. أرجو تجهيز المكان قبل الحضور. إلى اللقاء.”
بعدها، توجه عاصم إلى مقر الشركة لمتابعة التجهيزات الخاصة بالحفل. كان الحفل يتضمن قطع الشريط الأحمر، ثم إلقاء كلمة، وبعد ذلك لقاء مع الصحفيين لالتقاط الصور وإجراء الحوار معهم. وفجأة…
يتبع
الفصل الخامس
جمر الجليد
توجه إلى مكتبه زافرًا بضيق، يحمل صورة بين يديه يتأملها بتهكم، قبل أن يستعيد تركيزه بعد مكالمة تطالبه بالتوجه فورًا إلى مبنى الداخلية.
دخل المبنى بثبات، يحيط به احترام الجميع، مكتفيًا بإيماءات سريعة حتى وصل الطابق الثاني. عند الباب، فتح الحارس له الطريق بخضوع، فدخل المكتب بخطوات واثقة.
أدى التحية العسكرية:
– “تمام يا فندم، حضرتك طلبتني؟”
دفع اللواء ملفًا باتجاهه:
– “دي مهمتك الجديدة. قبضنا على عنصر، لكن الباقيين هربوا. عندنا عنصر ثالث تورط معاهم، وهو في خطر لأنه ممكن يكون معاه صور للمتهمين. المطلوب حمايته من غير ما يعرف إنه تحت المراقبة. كل التفاصيل في الملف.”
– “تمام يا فندم. أي توجيهات تانية؟”
– “لا، تابعني بالجديد.”
أخذ عاصم الملف وغادر. ما إن فتحه ورأى الصورة حتى ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة:
– “حظك الأسود هو اللي جابك لي تاني… قربت المواجهة.”
….
بعد قليل، التقى عاصم بالمسؤول الذي سيتولى إدارة الشركة السياحية. استمر الحديث بينهما لبعض الوقت حتى قطعه اتصال من الأمن يُبلغه بوجود صحفيين من جريدة الأمل يرغبون بمقابلة صاحب الشركة.
أمر بحزم:
– “دخلهم قاعة الانتظار، ولا تسمح بدخول أي صحفي آخر، ولو اضطر الأمر، امنعهم من مغادرة المبنى.”
ثم وجه نظره نحو المسؤول قائلاً:
– “تقدر تتفضل دلوقتي، راجع اللي طلبته منك. وأول ما يوصل معتز والباقي، هننزل.”
رد أسامة باقتضاب:
– “تمام، بعد إذنك.” ثم غادر.
أمسك عاصم بهاتفه وأجرى اتصالاً بأخيه، لكن لم يجد إجابة. حاول مرة أخرى، دون جدوى، فنفخ بضيق:
– “وقتك يا معتز… قولتلك متتأخرش.”
انتظر قليلاً، واضطر للتوقف مجددًا حتى…
خرجت همسة تركض بابتسامتها، تحمل أدواتها وعلبة ألوانها، تبحث عن مكان هادئ تقضي فيه يومها بعيدًا عن الضوضاء التي أثقلتها منذ الصباح. ظلت تبحث حتى وجدت زاوية مثالية تلائم رغبتها.
ثبتت الحامل الخشبي، وضعت سكتش أبيض كبير أمامها، ووزعت أقلامها داخل كعكة شعرها المرتفعة. أخذت لحظة تتأمل المكان، تستوحي ما سترسمه، ثم بدأت تخطط بالقلم الرصاص، تضع أولى الخطوط بخفة. وضعت السماعات على أذنيها لتستمع إلى موسيقى هادئة، وانعزلت عن العالم من حولها، غارقة في تفاصيل لوحتها.
بقلم شروق مصطفى
لم تنتبه للعيون التي راقبتها منذ اللحظة التي وصلت فيها. كان يراقبها بصمت، وابتسامة خفيفة لا تفارق وجهه، يتابع حركاتها الدقيقة وكأنها لوحة حية. ظل مكانه حتى قطعه صوت هاتفه، فرد بهدوء:
– “خلاص، جاي دلوقتي.”
قبل أن يغادر، ألقى عليها نظرة أخيرة، وكأنها مشهد لن يتكرر. رحل بخطوات بطيئة حتى اختفى، متمنيًا أن يلتقي بها مجددًا.
…..
مي وسيلا خططتا بإحكام لما سيفعلانه مع هؤلاء المغرورين، وجهزتا أنفسهما بعناية، وأضافتا اللمسات الأخيرة على مظهريهما. قبل أن تغادرا، أعطت مي سيلا الكاميرا الخاصة بها، لكن الاتصال المفاجئ من والدة سيلا أوقفهما.
نظرت مي لسيلا باستغراب:
– “إيه ده؟ دي مامتك؟”
أجابت مي على المكالمة بابتسامة:
– “ألو، يا طنط! إحنا كويسين الحمد لله. سيلا جنبي، هأديهالك حالاً.”
أخذت سيلا الهاتف وقالت بلهفة:
– “ألو يا ماما، واحشتيني.”
بعد أن سمعت صوت والدتها، أجابت بتلقائية:
– “آه يا ماما، تليفوني وقع مني واتكسر، ونسيت تماماً. هكلمك من تليفون مي أو همسة. إحنا كلنا كويسين، متقلقيش.”
ثم أضافت بابتسامة دافئة:
– “حاضر يا ماما، هخلي بالي من نفسي. مع السلامة، وسلمي لي على بابا.”
بعد إنهاء المكالمة، نظرت مي لسيلا بحماس:
– “يلا بينا.”
دخلتا الفندق وتوجهتا نحو مكتب الاستقبال. سألت سيلا الموظفة بابتسامة:
– “لو سمحتي.”
أجابت الموظفة بلطف:
– “اتفضلي حضرتك، أقدر أساعدك في إيه؟”
سيلا بخبث خفي:
– “كنت حابة أعرف مين مدير الفندق هنا؟”
الموظفة باستغراب طفيف:
– “في مشكلة واجهت حضرتك؟ أقدر أساعدك أنا.”
سيلا بابتسامة ماكرة:
– “لا خالص، المكان عجبني جداً، والخدمة ممتازة. أنا صحفية وحابة أكتب عن نظافة المكان ومستوى الخدمة، وكنت محتاجة أعرف معلومات عن المدير.”
ردت الموظفة بحماس:
– “طبعاً، الأستاذ عاصم ومعتز الخولي هما المديرين، ولاد عم وشركاء في سلسلة شركات سياحية. لو حابة، ممكن أحدد لحضرتك ميعاد مع الأستاذ عاصم، هو موجود الأيام دي.”
سيلا بابتسامة واثقة:
– “أكيد، بس بعد ما أخلص شغلي اللي جيت عشانه. لما أرجع تاني أحدد معاد.”
سحبت مي خارج الفندق وقالت بخبث:
– “سمعتي؟ عندهم إيه؟ ظبطي كام صورة حلوة من اللي قلبك يحبهم.”
مي بتردد:
– “إنتِ بجد حتقابلي المدير وتحددي ميعاد معاه؟”
سيلا بضحكة خفيفة:
– “إنتِ هبلة يا بنتي؟! أقابل مين؟ أنا بقول كده عشان ما تشكش فينا بس. المهم، استني.”
أخرجت من حقيبتها بطاقة مدون عليها اسم الشركة وقالت:
– “تعالي نسأل على الشركة دي.”
أثار انتباههما تجمع كبير من النزلاء، فقالت سيلا بتعجب:
– “إيه ده؟ ليه الزحمة دي فجأة؟”
توجهتا إلى حارس البوابة وسألته سيلا:
– “لو سمحت، ممكن أعرف شركة A.M فين؟”
نظر الحارس للبطاقة وابتسم قائلاً:
– “هناك، الناحية التانية من الفندق.”
شكرتاه وتوجهتا إلى المكان. وجدا مبنى ضخمًا، وحاولتا الدخول، لكن الحارس أوقفهما قليلاً وتحدث مع سيده قبل أن يأذن لهما بالدخول. أشار لهما بالانتظار في الساحة القريبة لأن المدير مشغول.
…..
حاول عاصم الاتصال بأخيه معتز عدة مرات دون جدوى حتى تلقى مكالمة منه. قال معتز بصوت متهدج:
– “كنت في الحمام بأخد شاور عشان أفوق. خلاص جهزت، ودقايق وأكون عندك. كلمت وليد، هنقابله ونجي سوا.”
رد عاصم بهدوء:
– “تمام، اطلعوا على طول مكتبي. لازم نتكلم شوية.”
أنهى المكالمة معتز قائلاً:
– “ماشي، سلام.”
خرج معتز من الفندق والتقى بابن عمه وليد، وسأله:
– “فين أخوك؟ مجاش ليه؟”
أجاب وليد:
– “لسه قافل معاه، قال إنه في الشركة بيستقبل الوزراء.”
علق معتز وهو يشير بيده:
– “طيب، تمام. يلا بينا.”
وليد، ابن عمه الثاني البالغ من العمر سبعة وعشرين عامًا، شريك معهم أيضًا. يتميز بعيون زرقاء كلون السماء وشعر مائل إلى الذهبي، وشخصيته مرحة للغاية. يعشق عاصم ومعتز، فهم تربوا سويًا. أما أخوه الأكبر عامر، فهو متزوج من أخت عاصم، يبلغ من العمر ثلاثين عامًا، ولديه توأم في الثالثة من العمر.
اجتمع الجميع داخل الشركة وتوجهوا إلى مكتب عاصم، حيث انضم إليهم أسامة، المدير الإداري. بدأ الحديث عن ترتيبات الحفل.
وجه عاصم سؤاله لعامر وأسامة:
– “ها، الكل حضر تحت؟ تممتوا على كل حاجة؟”
رد عامر، ابن عمه، بثقة:
– “أنا رتبت كل حاجة بنفسي. الحفلة جاهزة، متقلقش.”
أضاف أسامة بابتسامة:
– “وأنا جهزت كل شيء تحت. الصحافة كمان حضرت.”
علّق معتز وهو ينظر للساعة:
– “طيب، يلا بينا ننزل. اتأخرنا عليهم.”
نهض الجميع متجهين نحو الساحة الكبرى لافتتاح الشركة الجديدة بموقعها الجديد.
الساحة كانت تحفة معمارية، تتميز بالرقي والتحضر. تضم عدة مكاتب بتصميم أنيق وشاشات عرض كبيرة تُبرز إنجازات الشركة وشركاتها التابعة منذ تأسيسها عام 1980 وحتى اليوم. على الشاشة، عُرضت صور لجدهم ووالدهم، ثم صور لكل افتتاح قامت به الشركة بعد ذلك، مع صور للشركاء والوكلاء داخليًا وخارجيًا.
المكان كان صرحًا عظيمًا يعكس تاريخهم وجهودهم، حيث زُودت المكاتب بشاشات صغيرة للترقيم، مما أضفى لمسة تقنية متقدمة على التصميم. افتتح الشركاء المكان وسط أجواء من الفخر والاحتفاء بإنجازاتهم.
كل شيء كان منظمًا كما يجب أن يكون. وصل عاصم إلى ساحة الانتظار حيث تواجد الصحفيون. كان قد أبلغ مسبقًا المحامي بإبلاغ صاحب جريدة “الأمل”، الأستاذ أحمد الأسيوطي، بضرورة تغطية الحدث، مع تأكيده على وجود صحفية بعينها لتغطية الافتتاح. لم يكن يعلم وقتها أن هذه الصحفية هي نفسها الفتاة التي تصادم معها قبل خمس سنوات في حادث غير متوقع.
اختيار عاصم لهذه الجريدة لم يكن صدفة، بل لأنه علم أن هذه الصحفية هي العنصر الثالث في قضيته، تلك التي أُوكل بحمايتها والحفاظ على حياتها. لكنه، في نفس الوقت، وجد الفرصة لاستغلال هذا الموقف لتكون تغطية الحدث حصرية لجريدتهم، مانعًا أي تدخل من صحفيين آخرين، ومشددًا على الأمن بمنع دخول أي جهة إعلامية بخلاف جريدة “الأمل”.
أكد عاصم على الأمن إبلاغه فور وصول الصحفيين، كما شدد على عدم السماح لهم بالخروج بمفردهم لأي سبب.
حين وصل إلى ساحة الانتظار، رأى الفتاة. كانت سيلا تجلس مع صديقتها مي، تتبادلان الحديث بينما تنتظران دورهما. نظر إليها بنظرة مكر، وكأن القدر يعيد نفسه. لكنها، عندما رفعت رأسها ورأته، اتسعت عيناها بدهشة وصدمتها لم تخفَ. نفس الحال بدا على مي، التي وقفت فورًا بجانب صديقتها، تحاول استيعاب ما يحدث.
أما عاصم، فقد تجاهل نار الصدمة التي أشعلها حضوره بالمكان، وواصل طريقه مع شركائه والوزراء لافتتاح المقر الجديد. قصوا الشريط الأحمر وسط تصفيق الجميع.
بينما كان الجميع منشغلين بالحدث، اقترب أحد رجال الأمن من عاصم وهمس في أذنه. أومأ عاصم برأسه وأجاب باقتضاب:
– “سأتولى الأمر بنفسي.”
استأذن من الحضور وتوجه مباشرة نحو سيلا، التي كانت تحاول التسلل للخارج وقفت أمام الباب، تحاول الحديث مع أحد أفراد الأمن، لكنه منعها.
اقترب عاصم بخطوات ثابتة حتى وقف أمامها مباشرة. رفعت رأسها لتنظر إليه، وقبل أن تنطق بكلمة، قال بلهجة هادئة ولكن صارمة:
– “رايحة فين؟ أظن إنه واضح إن محدش يخرج من هنا إلا بإذني؟.”
قالت بحدة:
– “أنا مش محتاجة إذن من حد.
اقترب عاصم من سيلا بخطوات ثابتة، خافضًا صوته ليضمن ألا يسمعه أحد، ثم ابتسم ابتسامة خبيثة وقال: “للأسف، وجودك هنا أصبح شغلي. ومش هسمح لك تخرجي من هنا.” وعندما شعر بأن الغضب بدأ يظهر في عينيها، قرر أن يضع حدًا لهذا الموقف، وأمر قائلاً: “تعالي نتكلم في مكتب فوق.”
سيلا، التي كانت في حالة من الغضب، ردت بعناد: “مش هتحرك من هنا، ولا عاملين معاك حوار. وهنطلع دلوقتي حالًا.”
عاصم، الذي لم يكن مستعدًا لمناقشة الموضوع، قال بهدوء بارد: “ومين قالك إنك طالعة أصلاً؟” ثم وجه إليها أمرًا صارمًا: “يلا يا سيلا، قدامي على المكتب حالًا.”
رفضت سيلا أن تنصاع لأوامره، ومع تصاعد غضبها حملها عاصم على كتفيه وكأنها لا تزن شيئا، مما جعلها في حالة من الذهول والدهشة. حاولت مقاومته بضربه وركله، لكن محاولاتها باءت بالفشل. دخل بها إلى المكتب، وألقاها على أقرب مقعد، ثم حاولت النهوض، لكنه أحاط بذراعيه حولها ليمنعها من الحركة.
هتفت بغضب: “أنا مش مجبرة على فكرة أكمل!”
قال بنبرة باردة كالجليد وعينيه تغلفهما نظرة حادة: أنا هنا اللي أقرر لو كنتي فاكرة أنك هتخرجي من هنا أكيد غلطانة هتنزلي تغطي الحفلة للأخر.
في تلك اللحظة، تدخلت مي، التي كانت تراقب المشهد من بعيد، محاولة تهدئة الوضع. قالت بأدب: “أستاذ عاصم، ممكن أتكلم؟”
عاصم لم ينظر إليها، بل رد بصوت منخفض لكنه صارم في مواجهه سيلا: “عايزة إيه أنطقي؟”
قالت مي بسرعة، وهي تشعر بثقل الموقف: “أنا هقوم بكتابة الحوار بما إننا كنا متفقين على كده من البداية. سيلا مش متخصصة في السياحة، وأنا هأخذ مكانها.”
قاطعها عاصم، غاضبًا، وقال بصوت حاد: “متدخليش تاني.”
بنبرة حازمة: “إنتِ مش هتطلعي من هنا إلا لما أكون راضي عن شغلك. فاهمة؟”
ظلت سيلا تتابع غضب عاصم بصمت، لم ترد فورًا، لكن نظراتها كانت مليئة بالتحدي والمكر. كانت تعلم جيدًا أنها في مواجهة شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، ومع ذلك كانت مستعدة لملاقاة التحدي بعزيمة.
عاصم، الذي أدرك أن المواجهة قد بدأت، ترك لها المجال لتكمل، لكنه لم يخفِ عن عينيها تلك اللمعة التي تكشف عن صراع أكبر بينهما.
قال عاصم بصرامة: “أنتِ مش طالعة من هنا غير لما أكون راضي عن شغلك. فاهمة؟”
سيلا، التي كانت تتوقع تصعيد الموقف، أخيرًا خرجت عن صمتها وقالت بموافقة، رغم أنها كانت تدرك تمامًا أن المعركة قد بدأت. عاصم، الذي توقع هذه الإجابة منها، تركها تواصل، ثم قام معتدلًا في وقفته وقال: “يلا على تحت.”
نزلوا جميعًا إلى الأسفل، وأخرجوا الكاميرات ليبدأوا بتصوير بعض الرؤساء مع الشركاء. في تلك الأثناء، توجه عاصم نحو معتز، الذي كان يراقب الموقف بنظرات مشوشة. عاصم، الذي فهم أن معتز يترقب الأمور، أشار إليه أن يصمت قائلاً: “هفهمك كل حاجة بعدين. سيبهم يشوفوا شغلهم الأول.”
معتز، الذي كان يشعر بقلق متزايد، قال بتردد: “نفسي أعرف بتخطط لإيه من البداية. أنا حاسس إنك بدبر لشيء، لكن ما توقعتش أنهم لدول.” وأشار بيده إلى الفتيات اللواتي كانت تبدو عليهن علامات الاهتمام الغريب.
عاصم أخذ نفسًا عميقًا، ثم أخرجه ببطء، وقال بابتسامة خفيفة: “الشغل عاوز كده! هقوله لأ هسيبك دلوقتي هطلع أقول كلمتي؟”
كانت هذه التقديمه التي قالها منظم الحفلة وهو يقف على منصة مرتفعة بدرجتين، أمامه مايك وطاولة. وفجأة، ساد الصمت في القاعة. كانت الأنظار تتوجه جميعها إلى أ/عاصم الخولي، رئيس إحدى الشركات الكبرى “A.m”، الذي كان يقترب من المنصة.
دقت لحظة التوتر في الجو، وأصبحت كل التفاصيل أكثر وضوحًا؛ الحضور ينتظرون الخطوة التالية منه، متسائلين عما سيقوله. كانت هناك هالة من القوة حول عاصم، الذي كان يبدو هادئًا رغم الجو المشحون بالترقب.
رفع عاصم يده بلطف، وأخذ المايك، ثم نظر للحضور بعينيه الثابتتين. ابتسم ابتسامة خفيفة قبل أن يبدأ بالكلام، وكأن اللحظة كانت ملكه وحده.
“مساء الخير جميعًا. شكرًا لحضوركم اليوم، ولمنظمي هذا الحدث الرائع. هذا اليوم يمثل بداية مرحلة جديدة لنا جميعًا. نحن هنا لنبني، لنتشارك الأفكار، ولنتطلع إلى المستقبل.”
كان صوته ثابتًا، مليئًا بالثقة، لكن بدا أن خلف تلك الكلمات توجد نية أكبر من مجرد الحديث الرسمي…
انسحب عاصم بخطوات واثقة، بينما كانت تصفيقات الحضور تملأ المكان وتوثق الكاميرات كل لحظة. ابتسم عاصم للحضور قبل أن يتوجه الوزراء إلى الحفل المقام في الفندق. بقي عاصم مع شركائه، معتز وعامر، لمراجعة تفاصيل الحدث، بينما انسحب وليد مع الوزراء غارقًا في أفكاره عن تلك الساحرة التي أسرته من النظرة الأولى، متمنيًا لقاءها مجددًا.
أشار عاصم إلى سيلا ومي للانضمام إليه لإجراء حوار سريع حول إنجازات الشركة، حيث شاركت مي التفاصيل بينما بقي معتز متحفظًا حتى أسكتته نظرة حازمة من عاصم. انتهى الحوار بتسجيل سيلا لما دار، قبل أن يتوجه عامر ومعتز إلى الحفل.
أوصى عاصم مي بتوثيق كل ما تراه هناك، وأجابته بثقة. رغم الموافقة، كان عاصم متيقنًا من أن شيئًا ما يُدبر. تابع الجميع إلى الحفل، لكنه ظل مراقبًا سيلا ومي.
همست سيلا لمي قائلة: “الموضوع جا لصالحنا، مش هو اللي جابنا مخصوص؟”
ضحكت مي وأجابتها:
“ضربنا عصفورين بحجر واحد.”
يتبع
تكملة الرواية من هنا اااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول 1من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني 2من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
التعليقات