التخطي إلى المحتوى

 

رواية عزلاء أمام سطوة ماله الفصل السادس وخمسون والسابع وخمسون والثامن وخمسون والتاسع وخمسون والستون وألواحد وستون والثانى وستون الأخير  بقلم مريم غريب 


رواية عزلاء أمام سطوة ماله الفصل السادس وخمسون والسابع وخمسون والثامن وخمسون والتاسع وخمسون والستون وألواحد وستون والثانى وستون الأخير  بقلم مريم غريب 

( 56 )

_ خروج ! _

يخرج “عثمان” من الغرفة و هو يغلي من الغضب و يلعن كل شئ أمامه …

تصطاده “صفية” و هي تصعد الدرج :

-عثمان عثمان ! .. قالتها و هي تهرول صوبه

توقف “عثمان” و هو يتأفف بضيق شديد ، لتأتي أخته بسرعة و تقول بإبتسامة :

-مساء الخير يا عثمان.

إلتفت “عثمان” لها و رد بإقتضاب :

-أهلا يا صافي.

صفية بإستغراب :

-مالك يا عثمان ؟ شكلك مضايق كده ليه ؟!

عثمان بإنفعال :

-إنتي مالك مضايق و لا مش مضايق . إنجزي إنتي و قولي عايزه مني إيه ؟؟؟

أجفلت “صفية” و قالت بشئ من الإرتباك :

-طيب خلاص من غير عصبية . أنا مش قصدي اتدخل فيك !

تنفس “عثمان” بعمق ، ثم قال بعد أن هدأ نفسه :

-و لا يهمك يا حبيبتي . أنا إللي آسف إني إتعصبت عليكي . قوليلي بقي كنتي عايزه إيه ؟

توردت “صفية” خجلا و أخفضت رأسها و هي تقول بتلعثم :

-كنت . كنت عايزه أكلمك في موضوع كده !

عثمان بترقب :

-موضوع إيه إتكلمي ؟؟

صفية بتوتر :

-صالح كان كلمني إنهاردة في موضوع جوازنا.

عثمان بعدم فهم :

-يعني إيه ؟ ماله موضوع جوازكوا ؟!

صفية بتردد :

-صالح عايز الجواز يتم خلال الشهر الجاي بالكتير !

عثمان بإستنكار ممزوج بالحدة :

-نعم ! جواز إيه إللي يتم خلال شهر ده ؟ هو بيستهبل ؟ بابا لسا مافتش علي شهرين و سيادته عايز يتجوز ؟؟؟

صفية ببراءة :

-و الله أنا قولتله كده و قولتله ماينفعش عشان مامي كمان

بس هو قالي إننا مش ضروري نعمل فرح كبير ممكن تبقي حفلة عائلية بس .. ثم تنهدت بحزن و قالت :

-و بعد ده كله قولتله عثمان هو إللي هيقرر حاجة زي دي . يا يوافق يا مايوافقش .. القرار ليك يا عثمان و أنا هرضي بيه أيا كان.

نظر لها “عثمان” مليا … ثم قال بعد تفكير :

-طيب يا صافي . أنا حاسس إنك ميالة للحل ده .. أنا موافق عشانك إنتي

بس لازم نسأل ماما الأول.

صفية بفرحة :

-يعني إنت موافق بجد يا عثمان ؟؟؟

عثمان بإبتسامة :

-أيوه يا حبيبتي . موافق . مبروك يا صافي.

ضحكت “صفية” بسرور شديد و قفزت عليه لتضمه بقوة و هي تهدل :

-الله يبارك فيك يا حبيبي . الله يبارك فيك . ربنا يخليك ليا يا عثمان يآااا رب.

ضحك عثمان بدوره و قال :

-ماشي يا ستي . و الله لو أعرف إن جوازك من صالح هيخليكي مبسوطة كده كنت جوزتك من زمان ده أنا كنت فاكرك مش مستلطفاه و كنت متوقع تفركشوا في أي لحظة !

إبتعدت “صفية” عنه و قالت بإستياء :

-نفركش إيه يا عثمان ؟ إحنا بنحب بعض.

-أوك . عموما مبروك بردو.

-الله يبارك فيك . بس مش هتقولي إنت بقي إيه إللي مضايقك ؟!

عاد “عثمان” للتجهم من جديد ..

صفية بقلق :

-يا عثمان بليز قولي إنت شكلك مش طبيعي خالص !

زفر “عثمان” بكدر و تمتم بخفوت :

-أنا ضربت سمر !

شهقت “صفية” و قالت بصدمة :

-يانهار إسود . إنت إتجننت يا عثمان ؟ دي حامل إزاي تمد إيدك عليها ؟؟!!

عثمان بضيق :

-أنا ماضربتهاش جامد . هو كان ألم بس

أعمل إيه إستفزتني !

صفية بحنق :

-حرام عليك يا عثمان . البنت رقيقة جدا و شكلها مؤدبة ليه تضربها ؟ ماتعرفش تتفاهم معاها بطريقة تانية ؟؟

عثمان بنفاذ صبر :

-خلاص بقي يا صفية أنا مش ناقصك.

لوت “صفية” ثغرها بعدم رضا ، لكنها قالت بصوت هادئ و حازم في آن :

-طيب خلاص . بس لازم تروح تصالحها دلوقتي.

تململ “عثمان” و هو يقول بتذمر :

-هي الغلطانة مش أنا.

صفية بصرامة :

-هتروح تصالحها دلوقتي يا عثمان . ماتنساش إنها حامل و نفسيتها أكيد وحشة بالذات في الشهور الأولي . ماينفعش تزعلها.

عثمان بإنزعاج :

-أوك خلاص . هروح أصالحها.

صفية بإبتسامة :

-أيوه كده.

في هذه اللحظة ، إنضما كلا من “هالة” و “مراد” لهما ..

عثمان بذهول :

-مرآااد ! مش معقوول !!

أقبل “مراد” علي صديقه و هو يمسك بيد “هالة” بقوة بينما الأخيرة تبتسم بغبطة شديدة ..

-صاحبي يا صاحبي صديق السوء رجعلك تاني .. قالها “مراد” مبتسما ، ثم إحتضن “عثمان” دون أن يترك يد “هالة”

عثمان بدهشة :

-إيه يابني إللي رجعك ؟ مش قلت خلاص هتستقر هناك ؟!

نظر “مراد” إلي “هالة” بحب و قال :

-بصراحة أنا ماكنتش قادر أمشي . و رجعت مخصوص عشان هالة. 

عثمان بإستغراب :

-رجعت مخصوص عشان هالة ؟ أنا مش فاهم حاجة !

نقل “مراد” نظره إليه و أجابه بثقة :

-أنا و هالة بنحب بعض يا عثمان و أنا رجعت عشان أتجوزها و أخدها معايا و أنا مسافر.

نظر “عثمان” له و ضرب كفيه ببعضهما و هو يقول بتعجب :

-لا حول و لا قوة إلا بالله . إيه حكاية الجواز معاكوا إنهاردة أنا عايز أفهم ؟ كلوا دلوقتي بقي عايز يتجوز ؟!

ضحك “مراد” بخفة و قال :

-أعمل إيه حبيتها . لما سافرت إكتشفت إني مش قادر أعيش منغيرها . المهم دلوقتي قولي أنكل رفعت فين عشان أطلبها منه و نخلص الموضوع بسرعة أنا نازل إسبوع بس و ماينفعش أتأخر علي الشغل.

عثمان بإبتسامة :

-أنكل رفعت يا سيدي هتلاقيه دلوقتي في الشركة طير عليه بسرعة قبل ما يختفي في أي حتة و ماتقدرش توصله.

مراد بغمزة :

-لأ ماتقلقش . أنا مش هاسيبه إنهاردة قبل ما يوافق يجوزني هالة بكره بالكتير.

عثمان ضاحكا بمرح :

-ماشي ياسيدي . ربنا معاك .. ثم نظر إلي “هالة” و تابع بصدق :

-مبروك يا هالة.

هالة برقتها المعهودة :

-الله يبارك فيك يا عثمان . ميرسي.

و ذهبا الثنائي المرح ، لتقول “صفية” بتذكير :

-عثمان . مش هتروح تصالح سمر !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

كانت تضع “ملك” النائمة في الفراش … عندما دخل عليها محمحما بشئ من التوتر

إستدارت “سمر” إليه و رمقته بإزدراء شديد ، ثم مشت صوب الحمام ..

ألمته هذه النظرة ، فأعترض طريقها بسرعة و أمسك بذراعها ..

-علي فكرة أنا ماكنتش ناوي أمد إيدي عليكي ! .. غمغم “عثمان” متحاشيا النظر في عيناها ، و أكمل :

-إنتي أستفزتيني يا سمر . رغم إني قولتلك قبل كده إن أمي أغلي حاجة في حياتي إتجاهلتي ده و إهانتيها قدامي . أمي أغلي عندي من نفسي يا سمر ربنا فوق و هي تحت

أنا عمري ما زعلتها و لا حتي أبويا زعلها لأن أصلا مافيش زيها في الدنيا دي كلها . هي ست كلها رقة و حنان . ملاك و كل الناس بيحبوها و هي كمان عمرها ما كرهت حد .. ماتستاهلش أبدا الكلام إللي قولتيه عليها يا سمر.

شدت “سمر” ذرعها من يده و قالت بجمود :

-أنا ما أهانتش أمك . ماقولتش عليها حاجة وحشة

يمكن قللت منها منغير قصد بس إنت إللي كان عندك إستعداد تتصرف معايا بالهمجية دي

ما ده مش جديد عليك . إنت عملت أكتر من كده و كسرتني . و رغم ده كله أنا ما سألتكش لحد دلوقتي إنت عملت كده ليه.

عثمان مقطبا بخزي :

-أنا بعترف إني غلط فيكي كتير . و آذيتك . بس أنا دلوقتي عايز أعوضك و إنتي مش مدياني فرصة !

سمر بسخرية :

-هتعوضني عن إيه ؟ هو إنت دوست علي رجلي و كلمة آسف هتغفرلك عندي ؟ لازم تعرف إنك إنت السبب في تدمير حياتي . إنت إللي ساومتني و أجبرتني علي الغلط . كنت عارف إني محتاجة فلوسك عشان أختي مش عشاني .  كنت عارف و متأكد إني هركعلك و هوافق علي كل شروطك

و عشان تبعد الذنب عن نفسك كنت كل شوية بتفكرني إنك ماضربتنيش علي إيدي . ماغصبتنيش . صح إنت عندك حق . أنا عملت معاك كل حاجة برضايا . إنت ماغصبتش عليا أي حاجة . عشان كده أتوقع منك دلوقتي إنك ماتغصبنيش علي العيشة معاك . أرجوك طلقني !

و نطقت أخر كلمة بصعوبة شديدة ..

ليمسك كفاه الضخمتان بأعلي ذراعها فتطوقهما تماما .. هزها “عثمان” بيده قائلا بعصبية :

-مش هطلقك يا سمر . مش ممكن . إنتي مراتي و حامل في إبني أو بنتي . مستحيل أتخلي عنكوا.

سمر بنشيج مكتوم :

-أوعدك إني مش همس إبنك أو بنتك . هحافظ علي الحمل و لما أولد أنا مستعدة أتناز آا ..

-إسكتي ! .. قاطعها و هو يهزها من جديد ، و كانت كفاه ترتجفان و تبعثان ذلك الإرتجاف عميقا في عظامها

أكمل بصرامة :

-مش هطلقك يا سمر . إنتي و إللي في بطنك ملكي . ملكي أنا .. عمرك ما هتقدري تنكري ده أو تبعدي عني . أنا حقيقة و أمر واقع في حياتك . خليكي فاهمة كده كويس.

ثم تركها ، بل ترك لها الغرفة مجددا و خرج

أما هي ، فإنفجرت بالبكاء ثانيةً …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

بعد يومان ..

في الصباح .. ينزل “عثمان” من غرفته ليذهب إلي عمله ، فيقابل شقيقته و إبنة عمه في وسط الدرج

عثمان بإبتسامة :

-صباح الخير يا هوانم !

هالة / صفية :

-صبـاح النوور يا عثمان.

-إيه علي فين العزم بدري كده ؟

صفية بحماسة :

-أنا و هالة رايحين Deep Mole نجيب شوية حاجات ليا عشان فرحي و ليها عشان خطوبتها و فرحها إللي هيتعملوا في وقت واحد ماعرفش إزاي دي !

عثمان بتفهم :

-إممم . مفهوم ربنا معاكوا .. و جاءته فكرة ، ليطلب منهما :

-طيب ممكن تاخدوا سمر معاكوا ؟ هي من ساعة ما جت هنا ماخرجتش خالص و أنا مش فاضي اليومين دول و مش هآمن عليها إلا معاكوا !

هالة برحابة :

-Sure يا عثمان . هناخدها معانا طبعا و ماتقلقش هتتبسط و هنخرجها من مود الحمل و الإكتئاب إللي هي فيه.

صفية بإثارة شديدة :

-أحلي حاجة إن العيلة بتزيد و الروتين إللي إحنا عايشين بيتغير . الواحد كان زهق و الله و سمر هي و أختها عملوا جو لطيف أووي في البيت . إطمن يا عثمان مراتك في إيد أمينة.

عثمان بإمتنان :

-شكرا ليكوا . أنا متأكد إنكوا هتحافظوا عليها .. ثم أخرج چزدانه من جيب سترته و سحب إحدي الكروت

-خدي يا صافي . الـATM دي و معاها الباسوورد . خليها معاكي و هاتي لسمر كل إللي هي عايزاه مع إنها مش هتعوز حاجة . بس خليها معاكي يمكن تحتاج حاجة !

أخذت “صفية” بطاقة الائتمان منه و قالت بإعجاب :

-ربنا يخليك ليها يا عثمان . أنا بجد مبسوطة إنها قدرت تخليك تحب و تبقي الشخص الحنين إللي واقف قدامي ده.

و ذهبت الفتاتان عند “سمر” .. دقت “صفية” الباب و دخلت تتبعها “هالة”

وجدتا “سمر” تهتم بشقيقتها كالعادة ..

صفية بإبتسامة :

-صباح الخير يا سمسمة !

سمر بإبتسامة شاحبة :

-صباح النور يا صافي . إزيك يا هالة ؟

هالة بود و رقة :

-الحمدلله يا سمر كويسة . إنتي إيه إخبارك و لوكا القمر عاملة إيه ؟!

-أهو كويسين . إيه جايين بدري كده عايزين حاجة ؟ أخوكي و إبن عمك لسا نازل دلوقتي حالا لو كنتوا جاينله !

صفية مصححة :

-لأ يا سمسمة إحنا جاينلك إنتي.

سمر بإستغراب :

-جاينلي أنا ؟ خير ؟!

و عرضت عليها “صفية” مرافقتها هي و “هالة” إلي السوق التجاري و شرحت لها الأمر ..

-و أنا إستأذنت عثمان و هو وافق .. قالتها “صفية” بإبتسامة عريضة

هالة مكملة :

-بجد وجودك معانا هيبسطنا جدا و هنقدر نتعرف علي بعض أكتر.

صمتت “سمر” لثوان ، ثم قالت بتهذيب :

-أنا طبعا بشكركوا علي الدعوة . بس آسفة مش هقدر أجي معاكوا !

صفية بإحباط :

-ليـــــــــه يا سمر ؟

سمر بلطف :

-و مين ياخد باله من ملك ؟ و أنا مش هقدر أسيبها مع أي حد هنا بردو . لازم تبقي جمبي دايما.

صفية بسهولة :

-خلاص هناخد تانيا معانا تخلي بالها منها و تبقي جمبك زي ما إنتي عايزة.

هالة برجاء :

-يلا بقي يا سمر بليييز . إحنا محتاجينك معانا !

سمر بعد تفكير :

-خلاص . ماشي !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

ذهبن ثلاثتهن إلي أحد أضخم الأسواق التجارية بالمدينة كلها ..

إقترحت “صفية” في البادئ :

-إيه رأيكوا نبتدي بالـBeauty Center ؟ أنا محتاجة أعمل look جديد لشعري عشان الفرح . و بعدين لما نخلص نروح نتغدا و نكمل لف علي المحلات . بس سمر طبعا مش هتلف معانا عشان البيبي هنسيبها في الكاڤيتيريا و لحد ما نخلص و نرجعلها.

هالة بتبرم :

-لأ إحنا ناكل الأول . أنا مافطرتش يا صافي !

وبختها “صفية” :

-يا بت إنتي دايما الأكل علي راس القايمة عندك ! إهدي شوية هناكل ياختي بس إصبري .. يلا بينا.

و بالفعل توجهن إلي مركز التجميل ، فأجلستهن المسؤولة في قاعة الإنتظار ريثما تحضر لهن ثلاثة أماكن ..

بعد قليل دوي جرس الإشعار بهاتف “صفية” ففتحته لتجد رسالة من أخيها ..

عثمان :

إيه يا صافي إنتوا فين كده ؟

صفية :

إحنا وصلنا المول أهو في الكوافير يا عثمان.

عثمان :

سمر عاملة إيه ؟؟؟

صفية :

أهي قاعدة جمبي

كويسة.

و إنتظرت رده … لكنه صمت علي هذا ، فغادرت المحادثة ..

و إذا بالهاتف يعلن عن وصول رسالة جديدة

تنهدت “صفية” و فتحت رسالة أخري منه :

طيب صوريهالي منغير ما تاخد بالها

عايز أشوفها !

كتبت “صفية” بإستنكار :

و أنا هصورهالك منغير ما تاخد بالها إزاي يا عثمان ؟

دي قاعدة جمبي.

يرد “عثمان” بسرعة :

إخلصي يا صفية

دلوقتي.

تأففت “صفية” بضيق و نظرت من جانب عينها إلي “سمر” وجدتها شاردة بعمق ، هذه فرصتها إذن

رفعت هاتفهها ببطء حتي لا تلاحظها ، و عوجته بطريقة بلها ، و راحت تلتقط عدة صور ..

-بتعملي إيه يا صافي ؟! .. قالتها “هالة” بإستغراب ، لتلفت “صفية” لها و تغمغم بغضب :

-وطي صوتك يا غبية . مابعملش حاجة خليكي في إللي إنتي فيه .. و أشارت إلي مجلة الموضة الكامنة بين يديها

بعثت “صفية” بالصور إلي أخيها و هي تتمتم بتعجب :

-أخويا إتجنن و الله … !!!!!

يتبـــــع …

( 57 )

_هروب ! _

بعد برهة من الزمن …

جاءت المسؤولة عن المكان و تحدثت بصوت رسمي رقيق :

-إتفضلوا معايا الأماكن جهزت خلاص !

صفية بحماسة :

-أوك جايين .. و لكن “سمر” لم تقوم و ظلت علي شرودها ، فلكزتها “صفية” بخفة في كتفها و قالت :

-سمر . إيه سرحانة في إيه ؟!

أفاقت “سمر” من شرودها و نظرت لها قائلة :

-هه ! لأ و لا حاجة

مش سرحانة في حاجة.

صفية بإبتسامة :

-طيب يلا عشان أماكنا جهزت.

سمر بإستغراب :

-أماكن إيه ؟

-أماكنا يا سمر . أومال هنعمل Hairstyle و Make_Up فين غير جوا ؟ إحنا في Beauty Center يا حبيبتي !

-لأ لأ آسفة مش عايزة .. قالتها “سمر” برفض قاطع

صفية بدهشة :

-مش عايزة إيه بس يا سمر ؟ قومي معانا لازم تعملي إللي إحنا هنعمله و لا إنتي جاية معانا ضيف شرف ؟

أجابتها “سمر” مبتسمة :

-بالظبط كده . أنا ماحبتش أزعلكوا عشان ألحيتوا عليا و كمان حبيت أمشي ملك شوية لكن أكتر من كده مش هقدر أعمل حاجة.

صفية بقنوط :

-ليه كده بس ؟؟؟

سمر بلطف :

-معلش . خليني علي راحتي من فضلك.

تنهدت “صفية” بإستسلام و قالت :

-أوك . إللي إنتي عايزاه . بس هتقعدي تستنينا فين ؟

سمر و هي تمسح علي شعر “ملك” بحنان :

-هاخد لوكا أشربها حاجة تحت في الكاڤيتيريا.

-أوك يا حبيبتي . طيب حيث كده بقي إتفضلي دي .. و فتحت حقيبتها و أعطتها نفس البطاقة التي أخذتها من “عثمان”

سمر بإستفهام :

-إيه دي ؟!

-دي ياستي الـATM بتاعة جوزك . إدهالي عشان لو إحتاجتي حاجة تاخديها و تسحبي منها المبلغ إللي إنتي عايزاه.

سمر بإباء :

-لأ شكرا مش عايزاها رجعيها في شنطتك لو سمحتي.

صفية بتبرم :

-الله بقي ! كل حاجة مش عايزة ؟ طيب أقول إيه أنا لعثمان ؟؟

سمر بهدوء :

-ماتقوليش حاجة خالص و بعدين أنا مش بعرف أستخدم البتاعة دي

و إن كان علي الفلوس أنا معايا فلوس ماتقلقيش.

صفية بعدم رضا :

-عثمان مش هيعجبه الكلام ده أبدا يا سمر . بس إللي يريحك .. هتاخدي تانيا معاكي ؟

و كأنها لم تحسب حساب في خطتها لتلك الشقراء الجالسة بجانبها ..

نظرت لها شزرا و قالت :

-طبعا هتيجي معايا.

أومأت “صفية” :

-تمام . عموما بردو إحنا مش هنتأخر هنا

مسافة ما أخلص أنا و هالة هتلاقينا قصادك.

سمر متقنة نبرتها و ملامحها التمثيلية :

-براحتكوا . خدوا وقتكوا و أنا مستنياكوا !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في مؤسسة ( البحيري الكبري ) التابعة للعائلة … يجلس “عثمان” مسترخيا في كرسي مكتبه حاليا و مكتب والده سابقا

كان ممسكا بهاتفهه ، يقلب بالصور التي بعثتها له أخته ..

ظل يتأملها طويلا .. وجهها الساكن ، نظراتها الشاردة ، هناك لغزا ما مسطورا علي ملامحها ، لكنها تظل جميلة دائما

كما عرفها ، من الخارج و الداخل .. بريئة و ساذجة و ضعيفة ، لا تملك شيئا من نفسها ، و لا تريد شيئا لا منه و لا من الحياة

جل ما تريده هو الصلاح و لأشخاص غيرها ، إنها تركيبة عجيبة و فريدة من نوعها .. و هنا يكمن سر جمالها و حبه لها ..

يدخل “رفعت البحيري” عليه فجأة و هو يهتف بحنق :

-يابني إنت فين ؟ من الصبح بطلبك و بسأل عليك . ماجتليش ليـــه ؟؟؟

عثمان بشرود :

-هو أنا إزاي حبيتها أووي كده ؟؟؟!!!

رفعت بإستغراب :

-نعم ياحبيبي !

و هنا إنتفض “عثمان” منتبها لحضور عمه ..

-عمي ! .. قالها “عثمان” بإرتباك ، و تابع :

-خير في حاجة ؟

رفعت و هو يقترب ليجلس قبالته :

-يابني أنا مستنيك من الصبح في مكتبي عشان نرتب و ننسق مع بعض لإجتماع مجلس الإدارة بتاع إنهاردة . ماجتش ليه ؟؟

عثمان بآسف :

-معلش يا عمي Sorry كنت مشغول في حاجة كده .. ثم قال بجدية :

-عموما ماتقلقش أنا محضر للآجتماع كويس و خطتي للسنة الجديدة جاهزة هنقعد بس أنا و إنت قبل الإجتماع بربع ساعة نتناقش في الخطوط العريضة قبل ما ندخل نشرح التفاصيل للأعضاء.

-طيب خلاص . طالما عامل حسابك مافيش مشكلة .. ثم صاح مستذكرا :

-صحيح عرفت إللي حصل لرشاد الحداد !

عثمان بإهتمام :

-لأ . إيه إللي حصله ؟؟؟

ضحك “رفعت” و أجابه :

-مش خسر في الإنتخابات و طلع من دايرته قفاه يقمر عيش.

شارك “عثمان” عمه الضحك و قال بعدم تصديق :

-لأ مش ممكن . إللي أعرفه إنه صرف كتـيييير أووي و نزل بحملات تقيلة عشان يفوز . معقول يخسر ؟ حصلت إزاي دي ؟!

-ماتنساش إن كان قدامه منافسين عتاولة بردو

و كلهم عملوا زيه و أكتر منه و في الأخر العطا رسي علي إللي كلف أكتر.

عثمان بتشفي :

-يعني كده خسر المبالغ الخوزعبلاية إللي دفعها الدور ده و كمان خسر كرسيه في مجلس الشعب . آااه يا رشاد يا حداد . ضربة أخيرة و كانت قاضية .. قلبي عنده و الله

مش واجب بردو نبعتله ورد يا عمي و معاه كارت صغير كده نكتب عليه يجعلها أخر الأحزان !

إنفجرا الإثنان في الضحك ، ليقول “رفعت” :

-مافيش فايدة لسا تفكيرك شيطاني يابن أخويا . بس إوعي تعملها بجد إحنا مش ناقصين و ماصدقنا حكايتنا مع العيلة دي خلصت.

إبتسم “عثمان” بإزدراء و قال :

-حقيقي شخصية من أو×× الشخصيات إللي قابلتها في حياتي . كنت أتمني آذيه أكتر من كده و حلال فيه كل حاجة . بس زي ما قلت .. حكايتنا معاه خلصت و أنا قرفان من سيرته أصلا !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في كاڤيتيريا المول الضخمة ..

تجلس “سمر” هي و شقيقتها و هذه المربية اللعينة إلي طاولة في الوسط

كانت “سمر” تنتظر فرصتها بصبر نافذ .. لم تستطع منع قدمها عن النقر علي الأرض بلا توقف ، بينما كانت “تانيا” تلاطف “ملك” و تضع لها أنبوبة شفط العصير بفمها الصغير لكي تشربه بسهولة

مرت الدقائق و العصبية لدي “سمر” تتزايد أكثر في كل لحظة ، فكرت في حيلة ما لتهرب من تلك الرقيبة دون أن يساورها الشك تجاهها

فكرت ، و فكرت ، و فكرت … إلي أن وقعت عيناها علي أحد الأبواب هناك في الزاوية البعيدة

إنه حمام السيدات ، و حيث أن “تانيا” موجهة له ظهرها و هي جالسة ، فمؤكد لن تلاحظ تحركاتها ..

-إنتي لو سمحتي . إديني أختي ! .. قالتها “سمر” بصلابة و هي تمد ذراعيها صوب “تانيا” لتأخذ “ملك”

تساءلت “تانيا” بحيرة :

-في هاجة مدام سمر ؟

سمر بوجوم :

-معايا غيارات لملك في الشنطة هاخدها في الحمام و أغيرلها.

تانيا بإستغراب :

-بس I Think هي نضيفة . مش فيها هاجة !

سمر بصرامة ممزوجة بالحدة :

-أحب أتأكد بنفسي بردو . و بعدين إنتي ماتجادلنيش أنا حرة أصلا أعمل في أختي إللي أنا عايزاه مايخصكيش.

تانيا بإرتباك :

-I’m Sorry مدام سمر . أنا مش يقصد هاجة . أوك as you like . إتفضلي هضرتك.

و ناولتها الصغيرة … أخذت “سمر” أختها و مضت إلي الحمام مباشرةً

قبل أن تدخل حانت منها إلتفاتة نحو “تانيا” .. وجدتها علي وضعها لم تحاول حتي رؤية أين ذهبت هي و الصغيرة

في هذه اللحظة بدأت “سمر” في الركض ، هرولت بخطوات متعرجة فالكسر في كاحلها لم يشفي تماما بعد ..

تجاهلت الألم الذي شعرت به في أطرافها و واصلت الركض ، كانت هذه فرصتها الوحيدة للفرار منه و هو دون أن يدري قدمها لها علي طبق من فضة

حتما أنه عندما يكتشف الأمر سيود أن يصفع نفسه لفعله هذا ..

كان الناس ينظرون إلي “سمر” بإستغراب و هي تركض بهذا الشكل و بعضهم من شك في أمرها و لولا التشابه الكبير بينها و بين “ملك” لأجزموا أنها قامت بإختطافها

تجاهلت “سمر” الناس أيضا و إندفعت نحو هذا المصعد ما أن رأته ، كان يهم بالنزول ، لكنها لحقته و حشرت نفسها بين الركاب و هي تسمع همهماتهم المنزعجة و لكنها لم تآبه ..

هبط المصعد للطابق الأرضي ، فعادت تعدو بسرعة مرة أخري .. خرچت من المول أخيـــــــــــرا و هي تلهث من شدة المجهود الذي بذلته

أوقفت سيارة أجرة و إستقلت بها للحال و هي تقول للسائق :

-إمشي علطول ياسطي لو سمحت ! .. ثم أخرجت هاتفهها و قلبها يخفق وجلا

ضربت رقم أخيها الذي تحفظه عن ظهر قلب و وضعت السماعة علي أذنها … ليأتي صوته بعد لحظات :

-ألو !

سمر بتلهف :

-فـآاادي أنا سمر

أرجوك ماتقفلش إستتي !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

عند “صفية” و “هالة” … بعد أكثر من ساعتان ، تنتهي أخيرا وصلة التجميل التي قامتا بها

دفعت “صفية” الحساب ، ثم ذهبت هي و هالة إلي الكاڤيتيريا لينضما إلي “سمر” و يقمن بطلب الغداء ..

-يآااااه أخيرا هناكل ! .. قالتها “هالة” بحبور شديد ، لتضحك “صفية” و ترد :

-يا طفسة . حاسبي علي نفسك بعد الجواز لو مشيتي علي كده هتبقي شبه البلونة و جوزك هيطفش منك.

هالة بغرور مصطنع :

-مين ده إللي يطفش مني يابنتي ؟ دودي حبيبي بيموت فيا أصلا و أنا عجباه في كل حالاتي.

صفية بضحك :

-طيب ياختي . إمشي قدامي بقي

زمان سمر زهقت من القاعدة مع تانيا.

و صلتا إلي حيث تجلس “تانيا” وحدها ، لتتساءل “صفية” بإستغراب :

-الله ! أومال فين سمر و ملك يا تانيا ؟!

تلتفت “تانيا” إليها و تجيب ببراءة :

-مش آرفة مس صافي . مدام سمر قالتلي رايهة الهمام مع ملك و لسا مش جت . بقالها نص ساعة . أنا إفتكرت هي راهتلك !

صفية بفزعة :

-لأ ماجتش . و بتقولي بقالها نص ساعة ؟ يانهار إسووود . ده عثمان منبه عليا عنيا ماتغفلش عنها.

هالة بتوتر حاولت إخفائه سدي :

-إهدي شوية يا صافي هندور عليها هتكون راحت فين يعني ؟ تعالي نشوفها في الحمام كده !

و فتشتا عليها في جميع الحمامات الموجودة بالمول و لكنها لم تكن موجودة ..

قلبت “صفية” و “هالة” المول كله بحثا عنها ، و أيضا لا أثر لها … و في الأخير أبلغت “صفية” أمن المول فقاموا بمساعدتها و البحث معها

إستغرق الأمر ثلاث ساعات كاملة دون أي نتيجة …

هالة و هي تتلفت حولها بتوجس :

-و بعدين يا صافي ؟ . بقالها 3 ساعات و قلبنا عليها المول كله !!

صفية بعصبية :

-إسكتي شوية بقي يا هالة . أنا مش ناقصاكي دلوقتي .. ثم قالت بتردد ممزوج بالخوف :

-كده . كده مافيش غير عثمان . ربنا يستر بقي !

و سحبت هاتفهها من الحقيبة بأصابع مترددة ، ثم طلبت رقم شقيقها …. !!!!!!!

يتبـــــــع …

( 58 )

_ خيبة أمل ! _

في إحدي المقاهي المطلة علي البحر … تجلس “سمر” هي و “ملك” إلي طاولة صغيرة في إنتظار قدوم أخيها

لقد حرصت علي ملاقاته في مكان عام حتي تجبره علي إلتزام الهدوء ، رغم أنها تعلم أن ذلك لا يهمه في جميع الأحوال

لكنها تعلم أيضا أنه شقيقها أولا و أخيرا ، تعلم أنه سيأتي و هو لا يضمر لها أي شر ، تعلم أنه لن يؤذها أبدا .. لأنها أخته من لحمه و دمه و هو يعرفها جيدا و دائما يثق بها

فقط ما حدث خلال الفترة الأخيرة كان من شأنه هدم علاقتهما الأخوية الطيبة ، و لهذا السبب هي هنا الآن ، تچلس و تنتظره لتشرح له كل شئ

لتقول له أن ما من أحد علي وجه هذه الأرض يغنيها عنه ، هو الأهم بالنسبة لها ، هو إختصار كل شئ تحيا به و من أجله …

كانت الشمس تتوهج مشعة و قرصها يتوسط السماء ، عندما ظهر “فادي” من بعيد

تعلقت أنظار “سمر” به فورا ، بينما تسمر “فادي” بمكانه كالتمثال عندما رأها ..

كانت عيناه غائرتان و تحيط بهما هالات بنفسجية اللون ، و كما قالت لها “زينب” لحيته نمت بشكل ملحوظ جدا ، و شعره مبعثر في كل الإتجهات

بإختصار حالته يرثي لها ..

لاح علي ثغره طيف إبتسامة ساخرة و هو يمشي صوبها بثبات ، ألمتها نظرته إليها و لم تحاول إخفاء العذاب في عينيها … جلس “فادي” قبالتها دون أن يفه بحرف

شعر أن نظراته تزعجها فأكثر منها ، و مد يديه نحو “ملك” منتظرا أن تعطيه إياها

تنهدت “سمر” بحرارة و ناولته الصغيرة عبر الطاولة … قبلها “فادي” و ضمها بشوق لدقيقة كاملة ، ثم أجلسها علي قدمه و راح يمسح علي شعرها بحنان ..

طال الأمر و لم تعد تطيق “سمر” صبرا ، ليخرج صوتها مبحوحا متقطعا :

-فادي !

لم يرد عليها و لم يرفع وجهه حتي ، تجاهلها كليا و واصل الإهتمام بأخته الصغيرة ..

سمر بصوت كالأنين :

-فادي .أرجوك . ماتعملش فيا كده

رد عليا أرجووك !

و هنا نظر لها .. ثم قال بعد صمت :

-عايزاني أرد أقولك إيه ؟! .. كان صوته قاس

سمر بنبرة معذبة :

-رد . قولي أي حاجة .. إللي علي بالك قوله بس ماتسكتش كده.

فادي بسخرية مريرة :

-خليني ساكت كده أحسن . لو إتكلمت مش هيبقي في مصلحتك و الجرح هيتفتح من تاني و هينزف أكتر و مش هقدر أمسك نفسي

أنا عامل حساب لبابا و ماما بس . لولا هما كنت قتلتك بإيديا و إرتحت و مشيت و أنا رافع راسي و و لا ميت عثمان البحيري بتاعك ده كان حاشني عنك . إوعي تكوني فاكرة إنه حاميكي مني . لو كنت عايز أقسم بالله كنت قتلتك و في يومها يا سمر.

تقلص وجهها بألم شديد أمام هذا التأكيد ، بينما أكمل هو بعدم إهتمام :

-أنا وافقت أجي دلوقتي عشان ملك بس . كانت وحشاني و نفسي أشوفها.

-و أنا ! .. همست “سمر” بمرارة

-أنا ماوحشتكش يا فادي ؟

فادي بقسوة :

-لأ . و مش عايز أشوفك تاني أبدا.

سمر بدموع :

-حرام عليك . أنا أختك و ماليش غيرك.

قطب “فادي” حاجباه و رد بإستنكار :

-أختي ؟ هي فين أختي دي ؟ أختي غابت عني . أختي ماتت . ماتت لحظة ما وافقت تبيع نفسها و شرفها

أنا نفسي أفهم . قلبك طاوعك إزاي ؟ قدرتي تعملي كده إزآاااي ؟ أنا كل يوم بسأل نفسي السؤال ده و مش قادر أوصل لإجابة !!!

سمر بصوت ممزق من البكاء :

-قلبي طاوعني و قدرت أعمل كده عشانكوا . إنت و ملك أغلي عندي من نفسي ماليش غيركوا في الدنيا . و علي إيدك ماكناش  نملك أي حاجة و ملك كانت هتموت مننا

ضحيت بنفسي عشان هي تعيش . ماكنتش عايزة حاجة أصلا و لا كنت حطة جواز و لا إرتباط في دماغي . بس لما ظهر البني آدم ده في حياتي و قدملي الحل لكل الأزمات بشرط أسلمه نفسي .. قولتله لأ في الأول . سيبته و مشيت

بس لما شوفت حالتنا و لما كل الأبواب إتقفلت في وشي . ضعفت و رجعتله .. و إختتق صوتها في العبارة الأخيرة

فادي بغضب :

-و كانت فين كرامتك ؟ كان فين حيائك ؟ منظرك كان عامل إزاي قدام نفسك و إنتي رايحله و عارفة إنك هتعملي كل إللي هيطلبه منك ؟ هان عليكي شرفك ترخصيه كده ؟ تفرفي إيه إنتي دلوقتي عن أي واحدة بتقف في الشوارع بالليل عشان تستلقط الزبون إللي هيدفعلها أكتر ؟!

-بــــس بـــــــس ! .. غمغمت “سمر” بحرقة و هي تسد أذنيها بيداها لكي لا تسمع ما يقوله

رمقها بخيبة أمل شديدة ، لتقول و هي تنشج و تغص بصوتها :

-أنا أقدر أستحمل الكلام ده من كل الناس . لكن إنت لأ

إنت ماينفعش تقولي كده.

فادي بسخرية :

-ما أنا بردو من الناس . زيي زيهم لو كنت شوفت واحدة زيك عملت إللي إنتي عملتيه كنت هضم صوتي لصوتهم . الحقيقة مش بتداري.

سمر بإنكسار :

-بس إنت أخويا . لازم تحميني و تخاف عليا مش حد تاني . دلوقتي كرامتك بقت محفوظة أنا متجوزة !

فادي بغضب شديد :

-جواز إيه إللي بتتكلمي عنه ؟ إنتي مصدقة نفسك ؟ ده أنا لحد إنهاردة بمشي موطي راسي في الأرض . أنا إللي كنت بحط صباعي في عين التخين عيني بقت مكسورة دلوقتي . أي حد لو جه شتمني أو سمعني كلام و×× و لا هقدر أرد و لا أعمل حاجة . ماليش عين . راسي بقت في الطين خلاص و كله بسببك . و أنا بعدي في كل حتة بسمع كلام الناس بودني ببقي بتمني الأرض تتشق و تبلعني .. يا ريتني كنت مت يا سمر قبل الفضيحة دي . علي الأقل الناس كانوا هيقولوا أخوها مات و ليها حق تعمل أكتر من كده.

كرهت “سمر” نفسها أكثر بكثير الآن و ردت ببكاء :

-بعد الشر عليك يا حبيبي . يا ريتني أنا إللي كنت مت قبل ما أشوفك أو أسمع منك كل الكلام ده.

فادي بصوت مجروح :

-يا ريت . يا ريتك كنتي موتي و ريحتيني !

إعتصر اللظي قلبها ، لتخفض رأسها و تجهش بالبكاء أكثر ..

-عموما أنا مابقاش ليا قعاد هنا .. قالها “فادي” بجمود ، لتعاود “سمر” النظر إليه فورا و تسأله :

-قصدك إيه ؟ هتروح فين ؟؟؟

-شغلي في البحر الأحمر . هستقر هناك قريب لما ألاقي مكان مناسب .. ثم قال بصرامة :

-هاخد ملك معايا . إعملي حسابك علي كده في أي وقت.

إنتفضت “سمر” بذعر و قالت :

-تاخد ملك إزاي ؟ لأ .. مش هديهالك . ده أنا عملت كل ده عشانها . ملك دي بنتي مش أختي محدش يقدر ياخدها مني.

فادي بصرامة أشد :

-و أنا إستحالة أسيبهالك يا سمر . إستحالة أسيبك تربيها و تطلعيها زيك . مش هسمحلك تبوظيها زي ما عملتي مع نفسك . أنا إللي هربيها أنا إللي هعلمها إزاي تحافظ علي نفسها و تتمسك بأخلاقها و ماتقبلش بالغلط حتي لو سيف إتحط علي رقبتها.

قامت “سمر” من مكانها و مشت ناحيته و أخذت منه “ملك” ثم قالت و قد غدت نبرتها عدائية الآن :

-ملك بتاعتي أنا يا فادي . مش هتاخدها و تبعدها عني . لازم أموت بجد عشان تعمل كده.

إبتسم “فادي” بإستهزاء ، و نهض هو الأخر و قال ببرود :

-أنا ضيعت معاكي وقت كتير في كلام مالوش لازمة . بس أخر كلمتين هما إللي جيت مخصوص عشان أسمعهملك . ملك هتيجي معايا البحر الأحمر حتي لو دخلتي أبو الرجال بتاعك في الموضوع .. بردو هاخدها و محدش هيقدر يمنعني.

ثم إنحني قليلا ليقبل رأس “ملك” و بعدها ذهب ، بينما وقفت “سمر” تحدق في إثره الفارغ مصعوقة

هل يمكن أن يأخذ منها “ملك” ؟ .. “ملك” التي فضلتها عنها و ألقت بنفسها في الجحيم لأجل ففط أن تعيش ؟

لا … أي شئ ، كل شئ إلا “ملك” .. إحتضتنت “سمر” الطفلة بقوة و تمتمت بتصميم :

-لأ .. محدش هياخدها مني . أبدا !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في مؤسسة ( البحيري الكبري ) … أخيرا ينتهي الإجتماع الذي إستمر قرابة ساعتان و نصف

يخرج “عثمان” مع عمه من غرفة الإجتماعات مبتسما بإعتداد ، بينما يمشي “رفعت” منتفخ الصدر فخورا بمهارات إبن أخيه التي لاقت إستحسان جميع أعضاء مجلس الإدارة ..

-براڤو يا عثمان Good job بجد .. قالها “رفعت” بإعجاب و هو يربت علي كتفه بلطف

عثمان بتفاخر :

-شكرا يا عمي . أنا ماعملتش حاجة.

ضحك “رفعت” و قال :

-ياسيدي علي التواضع . ربنا يزيدك يابني.

عثمان بإبتسامة خبيثة :

-أول مرة حد يقولي إني متواضع !

-ما أنا بقولهالك برو عتب كده يعني ماتاخدهاش بجد.

إنفجر “عثمان” ضاحكا و قال :

-برو عتب يا عمي ؟ مآااشي . بس بردو أنا ماعملتش حاجة كبيرة أنا وعدت بابا الله يرحمه إني هحافظ علي شقاه و أديني بوفي بوعدي مش أكتر.

رفعت بحرن :

-الله يرحمه . بس ده بردو مايمنعش إنك شاطر و أد المسؤولية.

عثمان بإبتسامة :

-شكرا يا عمي .. ثم شعر في هذه اللحظة بإهتزاز الهاتف في جيب سرواله

مد يده و أخرجه ، ثم رد علي أخته :

-ألو . إيه يا صافي ؟!

جاء صوت “صفية” مرتعشا عصبيا :

-إيه إنت يا أخي ؟ فينك من بدري بتصل بيك من الصبح !!

عثمان بأسف :

-معلش كنت في Meeting مهم . في حاجة و لا إيه ؟

صفية بتوتر :

-بصراحة أه في !

عثمان بقلق :

-في إيه يا صفية ؟ إيه إللي حصل ؟ .. ثم قطب فجأة و صاح برعب :

-سمر جرالها حاجة ؟؟؟

صفية بتردد :

-آا آ . مـ مش . مش بالظبط كـ كده.

عثمان بإنفعال :

-إتكلمي يا صفية إيه إللي حصل ؟؟؟؟؟

صفية بخوف شديد :

-عثمان سمر إختفت . مش لاقينها … !!!!!!

يتبـــــع …

( 59 )

_ مفقودة ! _

يقود “عثمان” سيارته بسرعة جنونية بإتجاه بيت “سمر” …

ما زالت أخته معه علي الخط ، و مازال يبوخها بعنف شديد :

-إزآااااي تختفي ؟ إزآاااي و إنتي معاها ؟ ده أنا موصيكي عليها بدل المرة عشرة يا صفية !

صفية بنبرة باكية :

-و الله يا عثمان ما قصرت

كانت معايا و بعدين مارضيتش تدخل معانا الكوافير

فسيبتها مع تانيا لحد ما نخلص بس طلعت مالاقتهاش.

عثمان صائحا بغضب :

-أنا قولتلك عينك ماتغفلش عنها

نبهت عليكي ماتتواربش عنك لحظة.

صفية بنشيج مخنوق :

-بليز يا عثمان كفاية . و الله ما كان قصدي ماكنتش متخيلة إنها ممكن تسيبني و تمشي كانت بتتصرف طبيعي خالص !

عثمان بسخرية لاذعة :

-خدعتك يا ماما عشان تهرب منك و إنتي زي الهبلة صدقتيها .. ثم أكمل بحنق شديد :

-عارفة يا صفية لو مالاقتهاش ؟ أقسم بالله ماهسامحك طول عمري.

و لم ينتظر ليسمع ردها ، أغلق الخط بوجهها فورا

ثم أكمل طريقه مزودا من سرعة السيارة حتي بلغت مئة و ستون كيلومترا في الساعة ..

يصل “عثمان” أخيرا و بمعجزة بعد أن كاد يفعل أكثر من حادث في الطريق

يصعد أولا إلي شقة الجارة “زينب” … يدق علي الباب بقوة و عصبية ، لتفتح السيدة بعد لحظات و هي تطلق زعقات منزعجة إنقطعت كلها عندما رأته يقف أمامها ..

-إنت ! .. قالتها “زينب” بدهشة سرعان ما تحولت إلي الذعر :

-إيه إللي جابك ؟ سمر حصلها حاجة ؟؟؟

عثمان بحدة :

-إنتي بتسأليني ياست إنتي ؟ ماتفكريش تعمليهم عليا أنا عارف إنها عندك.

زينب بإستنكار :

-مين دي إللي عندي ؟ أنا بقالي يومين ماعرفش حاجة عن سمر .. ثم أمسكت بياقتي قميصه و زمجرت :

-وديتها فين ؟ عملت فيها إيـــــه إنطق !

خلص “عثمان” نفسه منها بسهولة و هو يصيح بإنفعال :

-بقولك إيه الحركات دي مش هتخيل عليا . إنطقي إنتي و قوليلي سمر فين ؟ أنا مش همشي من هنا إلا و هي معايا.

صرخت “زينب” بوجهه :

-قولتلك ماعرفش عنها حاجة بقالي يومين

إزاي جاي تدور عليها هنا ؟ مش كانت في بيتك ؟ خرجت إزآااااي

إنت أكيييد عملت فيها حاجة.

إزاحها “عثمان” من طريقه و ولج لداخل الشقة ، أخذ يبحث عنها في كل مكان و هو ينادي بإلحاح ممزوج بالحدة :

-سمـــر . سمـــر. سمـــر !

لكنه لم يعثر عليها … إتجه للخارج و كاد أن يصعد لشقتها هي ، فأستوقفته “زينب” :

-تعالي هنا محدش فوق . فادي لسا ماشي من شوية سافر لشغله.

أطبق “عثمان” أجفانه بغضب شديد ، ثم غمغم بوحشية :

-و رحمة أبويا لو عرفت إنك عارفة هي فين و بتنيميني ما هرحمك يا ست إنتي . سمر مراتي و حامل في إبني

هالاقيها يعني هالاقيها بس لو إكتشفت إن ليكي علاقة بهروبها مني أو مخبياها أو عارفة طريقها مش هتلحقي حتي تندمي علي إللي عملتيه.

ثم إستدار مغادرا ، لتتبعه “زينب” و تطل عليه عبر سور الدرج و هي تهتف بعدائية :

-أنا إللي هاوديك في ستين داهية لو سمر مارجعتش . أقسم بالله هدخل فيك السجن لو البت جرالها حاجة . إوعي تكون فاكرني مصدقة الفيلم إللي جيت تعمله عليا . ده أنا أكلك بسناني لو مسيت سمر بحاجة وحشة . سامعني يابن الأكابر ؟؟؟

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

أمام محل الجزارة … يقف المعلم “رجب” بجانب زوجته “نعيمة” يشاهدان “عثمان” و هو يخرج من منزل السيدة “زينب” و قد بدا للبعيد قبل القريب منه إنه في أقصي مراحل غضبه

ظلت نظراتهم تترصده حتي ركب سيارته و إنصرف من المنطقة كلها ..

تميل “نعيمة” صوب زوجها و تتمتم بتساؤل :

-تفتكر الباشا ده جاي ليه الساعة دي يابو خميس ؟

رجب بصوته الخشن :

-علمي علمك يا نعيمة . و عموما إحنا مالنا ؟ ما يجي و لا مايجيش حاجة ماتخصناش.

نعيمة بتأييد شديد :

-أيوه طبعا ماتخصناش إلهي لا يرجعه لا هو و لا إللي تتشك في قلبها مراته . إحنا ما صدقنا الواد خميس قدر يطلعها من دماغه شوية و إقتنع ببنت خالته.

رجب بسخرية :

-و أنا إللي  كنت دايما أسأل نفسي يا نعيمة ليه البت سمر ماكانتش عجباكي و كنتي بترفضيها علطول

أتاريكي كنتي راسمة علي جواز بنت أختك من إبني !

نعيمة بضحكة ماكرة :

-بصراحة أه يا حبيبي و أنا كنت هلاقي لإبني أحسن من بنت أختي فين ؟ هي أولى يا بابا و كمان متربية و أشرف من الشرف مش زي الصايعة العايبة التانية دي.

رجب بضيق :

-طيب خلاص إسكتي . ربنا يسهلها ماتشمتيش فيها و كفاية بقي أهيه راحت لحالها.

إبتسمت “نعيمة” بظفر و قالت :

-إلهي لا يعودها !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

مرت الأيام ثقيلة ، كئيبة علي “عثمان” … ستة أشهر منصرمة لا يعرف عنها شئ

إختفت كما تختفي قطعة السكر في الماء

كان يبحث عنها كل يوم ، كل ساعة دون كلل أو ملل ، يكاد أن يصاب بالجنون .. أين ذهبت ؟ لقد قلب الدنيا رأسا علي عقب دون أن يأتي بنتيجة !

لدرجة أنه صعد الأمر للجهات العلية بالبلد ، فكان من دواعي سرورهم أن يقدموا لرجل أعمال بحجمه أي خدمة يطلبها

و لكن للآسف كان الفشل حليفهم جميعا في كل مرة … و لما شعر “عثمان” باليأس ، راح يحاول الإتصال بهاتفها المغلق علي الدوام

ترك لها عشرات الرسائل الكتابية و الصوتية

كان يرجوها دائما بصوت معذب : ” أرجوكي يا سمر . إرجعي . أنا بجد هموت من القلق عليكي “

“سمر .. فاتوا أربع شهور . أنا مش عارف عنك أي حاجة . هتجنن ! “

“سمر . طيب بلاش ترجعي . ردي عليا بس . طمنيني عليكي أرجوووكي “

كان يعلم أنها لا تستطيع السفر إلي خارج البلاد ، لأنها لا تملك جواز سفر بجانب المال و تكاليف أي رحلة

و لكنه إتخذ كل الإحتياطات و تم وضع صورة لـ”سمر” بجميع نوافذ المطارات سواء بالإسكندرية أو أي محافظة أخري بها ميناء جوي

حتي أكشاك المرور الصحراوية ، لديهم إسمها فإذا مرت بأي من هذا سيصل لها بسهولة .. و لكنه حتي الآن لم يصل و لا يدري ماذا حل بها ، التفكير أرق نومه ليلة بعد ليلة ، لم يعد يحيا حياة طبيعية مثل البشر

و لكن ما أراح قلبه قليلا أن الأخبار السيئة أيضا لم تصله ، هذا يعني أنها بخير ، لكنها لا تريد أن تعود إليه …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في مركز العناية بالحيوان … تقف “صفية” أمام السرير الذي يحمل الأسد المخدر

كانت تفحصه بإهتمام و هي ترتدي المعطف الطبي و القفازات البلاستيكية في يديها ، بينما وقف “صالح” ورائها و قلبه يرف في صدره بقلق ..

-أنا نفسي أفهم إمتي ربنا هيتوب عليكي من الشغلانة الزفت إللي كلها خطر دي ؟! .. قالها “صالح” بتبرم

صفية بنصف تركيز :

-قولتلك 100 مرة ده شغلي و أنا بحبه . و بعدين ماتنكرش إن مشكلتك مع عنتر بالذات.

صالح معترفا بغيظ :

-و إنتي شايفة غير كده يعني ؟ مش سيادته كان سبب الحادثة إللي عملتها و كنت هموت فيها ؟؟

-بعد الشر عليك يا حبيبي.

-ما لو ماكنتيش طلبتي مني يومها أنزل أجبهولك من المستشفي ماكنتش عملت الحادثة و كنا إتجوزنا من زمان بدل التأجيل إللي كل شوية يحصل ده.

و هنا صاحت “صفية” بإنفعال و هي تلتفت له :

-خلاص بقي يا صالح . أنا زهقت كل شوية تفتح الموضوع و كل مرة بقولك مش هتجوز و أخويا عنده مشاكل المرة دي بقي أنا إللي بقولك عايز نسيب بعض أنا ماعنديش مانع أنا أصلا تعبت خلاص . تعـــــــــــبت !

نظر لها “صالح” بصدمة و قال :

-صافي ! إيه إللي بتقوليه ده ؟؟؟

صفية بعصبية :

-إللي سمعته . لو مضايق من تأجيل الجواز أنا مستعدة أريحك و دلوقتي حالا و كل واحد يروح لحاله.

و شرعت في إخراج خاتم الخطبة من إصبعها ، ليقبض علي يدها و يقول بحدة :

-إيه إللي بتعمليه ده ؟ إنتي إتجننتي ؟ أنا كنت قلت إيه لكل ده ؟!

صفية بدموع :

-إنت أناني يا صالح . مش بتفكر غير في نفسك مش مهم عندك أنا . حاسة بإيه . مالي . كل إللي همك إيه إللي يرضيك و بس.

شدها “صالح” إلي حضنه و قال بلطف :

-طيب مالك يا صافي ؟ حاسة بإيه ؟ و إيه إللي يرضيكي ؟ قوليلي إنتي عايزه إيه و أنا أنفذهولك فورا.

دفنت “صفية” رأسها في صدره و غمغمت ببكاء :

-أنا عايزاك تفهمني . نفسي تفهمني و تقدر مشاعري أكتر من كده . أنا مش من حجر يا صالح.

صالح بحيرة :

-و إيه بس إللي مضايقك أوي كده ؟؟!!

-عثمان يا صالح . عثمان زعلان مني و مقاطعني من يوم ما إختفت سمر .. ده خلف إنه عمره ما هيسامحني لو ماقدرش يوصلها.

و إزدادت وتيرة بكائها ، ليمسح “صالح” علي شعرها بحنان و يقول :

-هيلاقيها يا حبيبتي . إن شاء الله هيلاقيها و هيرجع يكلمك تاني و هنتجوز بقي . و الله العظيم أنا إللي تعبت حاسس إني قربت إتجوز علي روحي.

إتفلتت منها ضحكة رغما عنها ، لتضربه بخفة في كتفه فيبتسم بدوره و يشد علي عناقها بسعادة ..

سمعا في اللحظة التالية صوت زئير الأسد … إنتفض “صالح” و هو يقول بذعر :

-يانهار إسوود . ده صحي

إجرري يا صافي !

صفية بضحك هستيري :

-إستني . يابني إثبت ما هو مربوط قدامك أهو.

صالح بتوجس :

-يعني هو مش هيعرف يفك نفسه ؟ لأ لو إنتي مستبيعة يا حبيبتي أنا هطلع و هستناكي برا . عيشي اللحظة معاه براحتك بقي.

و مشي صوب باب الخروج ، لتقهقه “صفية” قائلة بمرح :

-يا جبان !

أتاها صوت “صالح” من الخارج :

-أيوه أنا جبان عايزة حاجة ؟

ضحكت صفية و راحت تباشر عملها في نفس الوقت …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في قصر آل”بحيري” …

يجلس “عثمان” عند أمه بغرفتها ، تتألم “فريال” لرؤيته علي حزينا هكذا .. فتكتب ورقة و تعطيها إليه :

” يا حبيبي مش كده . عشان خاطري أخرج من إللي إنت فيه ده”

يبتسم “عثمان” بمرارة و يرد :

-أخرج إزاي يا ماما . أنا مش عارف عنها أي حاجة .. فص ملح و داب . مش عارف إذا كانت لسا حامل و لا لأ . و فاضل كام يوم علي شهر ولادتها . يعني ممكن تولد و أنا مش معاها . ممكن ما أشوفش إبني أو بنتي زي كل أب بعد الولادة علطول !

تنهدت “فريال” بآسي و كتبت ورقة أخري :

-طيب إنت ماتعرفش لو كان ليها قرايب معارف أي حاجة

ممكن تكون عند حد منهم ؟!

هز “عثمان” رأسه سلبا و قال بكآبة :

-للآسف مالهاش قرايب خالص . و كل المعارف إللي ممكن تكون راحت لهم دورت عليها عندهم . مالهاش أثر .. ثم أكمل بندم :

-أنا السبب يا ماما . أنا ظلمتها أووي و آذيتها كتير .. ليها حق تكرهني و تهرب مني . ليها حق ماتحسش بالأمان معايا.

كتبت “فريال” من جديد :

-أنت فعلا غلطان و أنا إتصدمت فيك بعد إللي سمعته منك . ماكنتش إتخيل إن جواك شر للدرجة دي . بس إللي هون عليا شوية لما إعترفتلي إنك بتحبها و ندمان .. كان نفسي ماتعملش كده يا عثمان . يا كنت تساعدها أو كنت تسيبها تروح لحالها . وجعتني أوي حتة إنك إستغليت حاجتها و ضعفها . حسيت للحظة إنك مش إبني و لا إبن يحيى البحيري . حسيت إنك واحد تاتي غير إبني عثمان إللي ربيته علي الحب و الطيبة !

أطلق “عثمان” زفرة نائحة ، ثم قال :

-حظها رماها في طريقي . أو الصدفة ماعرفش .. كنت لسا مطلق چيچي . شوفتها تاني يوم الصبح علطول . كانت محجبة و لبسها حاجة كده شبه الخيمة . جسمها ماكنش باين خالص . إستفزتني . كنت عايز أوي أعرف إيه إللي تحت الهدوم الواسعة دي مخبياه ؟ وشها كمان إستفزني أكتر . في براءة مش طبيعية . مش متكلفة و لا بلاستيك . و إللي خلاني أحطها في دماغي أكتر تجهالها ليا و تقليلها مني . سمر منغير ما تحس حولت الشيطان إللي جوايا ليها هي بعد ما كنت مسلطه علي چيچي عشان إنتقم .. بس إنتقمت منها هي.

دق باب الغرفة في هذه اللحظة ، و دخلت الخادمة و قالت بإبتسامة :

-عثمان بيه . في واحد تحت عند البوابة إسمه فادي طالب يقابل حضرتك … !!!!!

يتبــــــــع …

( 60 )

_ حنين ! _

تستوي “فريال” جالسة علي سريرها و هي تنظر لإبنها بقلق ..

بينما يقف “عثمان” و يسأل الخادمة بعدم تصديق :

-إسمه فادي متأكدة ؟!

الخادمة بتأكيد :

-أيوه حضرتك إسمه فادي حفظي بيقول إنه أخو سمر هانم !

رفع “عثمان” حاجباه بدهشة ، ثم نظر إلي أمه ليجد التوتر و الخوف يسطران قسمات وجهها ، و قرأ في عيناها ما لم تكن تستطيع أن تقوله بلسانها ..

إبتسم لها “عثمان” و أمسك بيدها و شد عليها مطمئـِا و هو يقول :

-أنا هنزل أقابله . ماتقلقيش يا ماما .. أنا في بيتي.

و فك أصابعها المطبقة علي كفه بلطف ، ثم نزل ليقابل “فادي” ..

وقف ينتظره عند مدخل البهو … دقيقة و أتاه “فادي” بمظهره الغاضب ، حيث عمد أن يبين له أنه جاء إلي هنا مرة أخري و لكن علي مضض شديد

-أهلا يا فادي ! .. قالها “عثمان” بصوت ثابت النبرات ، و تابع :

-خطوة عزيزة.

إبتسم “فادي” بإستخفاف و قال بتهكم :

-الله يعز مقدارك يا باشا . متشكر . بس أنا مش جاي أضايف أنا جاي أخد أختي.

عثمان بنفس الثبات :

-أختك مين بالظبط ؟ سمر و لا ملك ؟؟

فادي بصرامة :

-أنا ماعنديش غير أخت واحدة دلوقتي يا عثمان بيه . ملك . أنا جاي أخد ملك.

عثمان بإبتسامة ساخرة :

-أهو دلوقتي يا فادي مابقاش عندك أخوات خالص . لا سمر و لا ملك.

فادي بحدة :

-يعني إيه ؟ إنت فاكر إنك تقدر تمنعني عن أختي الصغيرة ؟ أنا هاخدها غصب عنك إنت ماتقدرش تمنعني.

عثمان بهدوء مستفز :

-يا فادي إفهم . بقولك ماعادش في سمر و لا ملك . البيت قدامك أهو . لو لاقيت إللي بدور عليه خده.

صمت “فادي” قليلا يستوعب كلماته … إستتتج في بادئ الأمر الإستهزاء و التحد الواضح بنبرة صوته ، فعاد و قال بحدة أكبر :

-أنا غيبت طول الفترة إللي فاتت و إشتغلت بإيدي و سناني منغير يوم واحد أجازة عشان أوفر بيت و مصاريف تكفي أختي مش همشي من هنا إلا بيها . أنا مش جاي أهزر المرة دي.

عثمان بجدية ممزوجة بالبرود :

-و لا أنا و الله بهزر . و زي ما بقولك سمر و ملك بقالهم فوق الـ6 شهور برا بيتي . ماعرفش عنهم حاجة.

ضم “فادي” حاجباه و قال بصدمة :

-بقالهم 6 شهور ! إخوآااتي !!! .. ثم إنقض علي “عثمان” و أمسك بتلابيبه صارخا بوحشية :

-وديتهم فيــــــــــــن ؟ يابن الـ××× . هقتلك . عملت فيهم إيـــــــــــــه ؟؟؟

ضحك “عثمان” بسخرية و هدئه قائلا :

-إهدا بس . إخواتك ؟ مش لسا قايل إن مابقاش عندك غير أخت واحدة ؟!

زمجر “فادي” بشراسة و هو يجتذبه من ثيابه بعنف :

-أقسم بالله لو ما نطقت و قولتلي هما فين هطلع روحك في إيدي.

تنهد “عثمان” و أزال يداه عنه بحزم و هو يقول بجدية تامة :

-فادي . سمر أخدت ملك و هربت مني . بقالها 6 شهور مختفية . صدقني أنا ماعرفش عنها حاجة و كل يوم بدور عليها . بس مالهاش آثر.

بـُهت “فادي” لسماع هذا ، و إبتلع ريقه بصعوبة ..

-يعني إيه ؟ .. تمتم بجزع ، و أكمل :

-الإتنين راحوا مني ؟ .. إخواتي ضاعوا . بقيت لوخدي خالص ؟؟؟!!!

وضع “عثمان” يده علي كتفه و طمئنه بثقة :

-إطمن يا فادي . سمر ماخرجتش من إسكندرية . لسا هنا

إوعدك هوصلها في أقرب وقت . و هترجعلك تاني هي و ملك.

رمقه “فادي” بنظرة منفرة ، و نفض يده التي كانت علي كتفه و قال بحقد شديد :

-إنت السبب . إنت إللي عملت فينا كل ده . كنا عايشين كويس و ببساطة . دمرت حياتنا .. ثم غدت نبرته خشنة مستعرة الآن :

-أنا دلوقتي ماعنديش حاجة أخسرها . لو إخواتي مارجعوش مش هاسيبك تتهني بحياتك ثانية واحدة . و لو كنت وسط ألف راجل بيحميك . هقتــلك !

ثم إستدار مغادرا …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في مكان أخر … تحديدا داخل بيت متواضع بحي “العجمي” الشهير

تنهتي “نجلاء” من إعداد وجبة طعام هذه الطفلة الواقفة عند قدميها ، تتمسك ببنطالها المنزلي بكلتا قبضتيها الصغيرتان

تهدل الصغيرة بصوت لذيذ للغاية :

-نلأ ( نجلاء ) مـم ( أكل ) !

تضحك “نجلاء” بمرح شديد و ترد عليها :

-عيون نجلاء يا قلبي . خلاص المم خلص يا روحي

تعالي نروح ناكله عند أختك بقي.

و إنحنت و حملتها ، ثم توجهت للخارج حيث تجلس ضيفتها بالصالة أمام التلفاز و لكن كعادتها شاردة في عالم أخر ..

-سـمـر ! .. هتفت “نجلاء” بوساطة و هي تجلس في كرسي محاذي لـ”سمر” ثم تأخذ “ملك” في حجرها

بينما أفاقت “سمر” من شرودها ..

-في حاجة يا نجلاء ؟ .. قالتها بتساؤل

تنهدت “نجلاء” و قالت بحزن :

-يابنتي إنتي كل شوية تسرحي كده ؟ الهموم إللي إنتي شايلاها دي مش كويسة عليكي و لا علي ده ! .. و أومأت بذقنها نحو بطنها الممتلئ

سمر بإبتسامة مريرة و هي تضع يده علي بطنها ذات التسعة أشهر :

-طيب قولي الهموم مش كويسة عليا أنا . لكن ده من الأول خالص و هو قافش في الدنيا . أكتر من مرة إتعرض للموت و فضل سليم . زي ما يكون بيعاند . عايز يعيش .. عايز يعيش عشان يكمل عذابي بعد أبوه.

رمقتها “نجلاء” بتأثر و قالت :

-يا سمر هو في الأول و الأخر إبنك . حتي لو كان أبوه مين . مش مصدقة إنه ممكن يهون عليكي !

صمت قصير .. و إعترفت “سمر” بآسي :

-ما هو للآسف ماهانش عليا . رغم إن كانت قدامي فرصة أخلص منه بعد ما هربت من أبوه علطول . بس في حاجة قوية جوايا . زي صوت عالي منعني و قالي لأ .. ثم أكملت بتردد :

-مقدرتش . كنت خايفة عليه زي خوفي علي ملك .. فضلت أفكر أعمل إيه و أروح فين ؟ قلت مستحيل أرجعله . و بعد ما أخويا رماني مابقاش ليا مكان أروحله . مش عارفة إزاي خطرتي علي بالي يا نجلاء ! و فعلا محدش ممكن يفكر إني هنا عندك.

نجلاء بإبتسامة :

-طيب إنتي عارفة إن دي أحسن حاجة عملتيها في كل ده يا سمر ؟ إنتي و لوكا جيتوا مليتوا عليا البيت بعد ما كان فاضي عليا.

سمر بحرج :

-ملينا عليكي البيت إيه بس ؟ أنا حاسة إننا تقلنا عليكي و الله 6 شهور كتير أووي.

تلاشت إبتسامة “نجلاء” و عاتبتها :

-أخس عليكي . و الله لو قولتي كده تاني هزعل منك

ده أنا نفسي تقعدي معايا إنتي لوكا علطول.

سمر بضحك :

-علطول ! لأ يا حبيبتي إطمني مش هنطول عليكي أوي

البيه الصغير يشرف بس و هاخده هو و الأبلة دي و نشوفلنا مكان نقعد فيه و بالمرة أدور علي شغل.

نجلاء بإستنكار :

-إيه يابنتي إللي بتقوليه ده ؟ إنتي فاكراني ممكن أسمحلك بكده ؟ مش هتمشي يا سمر طول ما أنا عارفة إن مالكيش مكان تروحيله.

سمر بإبتسامة :

-ماتقلقيش عليا يا نجلاء . أنا هعرف أتصرف.

نجلاء بإصرار :

-مش هتمشي يا سمر . إلا إذا كنتي عايزة ترجعي لبيت جوزك مش هعارضك !

و هنا تحولت “سمر” تماما و صاحت بحدة :

-أرجعله ؟ مستحيل أرجعله . أنا لو بموت مش هرجعله.

نجلاء بحيرة :

-ليه بس يابنتي ؟ إنتي مش بتحبيه ؟ طيب بلاش الحب . حتي عشان إبنك إللي مالوش ذنب في حاجة ده.

سمر بصرامة :

-مش هرجعله يا نجلاء . كفاية ذل كفاية مهانة بقي . أنا كده مرتاحة .. طول ما انا بعيدة عنه مرتاحة !

تآففت “نجلاء” بسأم و قالت :

-مرتاحة إيه بس يا شيخة إنتي هتعمليهم عليا ؟ ما أنا بسمعك كل يوم و إنتي بتحلمي بيه.

جحظت عينا “سمر” بصدمة ، و أحمـّرت وجنتاها بشدة و هي تسألها بعدم تصديق :

-أنا بتكلم و أنا و نايمة ؟؟؟

نجلاء بإبتسامة خبيثة :

-أيوه ياختي . طول الليل مابسمعش غير نغمة واحدة بس

عثمان عثمان عثمان.

عضت “سمر” علي شفتها السفلي بقوة ، و قالت بغضب :

-لأ . لأ أكيد دي بتبقي كوابيس !

نجلاء بمكر :

-كوابيس إيه دي إللي بتنادي عليه فيها بالحرارة دي يا سمر ؟ إعترفي إنه وحشك و إنك بتحبيه.

سمر بغيظ شديد :

-لأ لأ لأ . مش بحبه

أنا بكرهه سامعة !

ثم تحاملت علي نفسها و قامت بصعوبة لتذهب إلي الغرفة و تنال قسطا من الراحة

بينما نظرت “نجلاء” إلي “ملك” و سألتها و هي تطعهما أخر ملعقة بالصحن :

-هنعمل إيه دلوقتي بقي يا ست لوكا ؟ هه ؟ قوليلي !

غمغمت “ملك” بكلمات غير مفهومة ، لتوافقها “نجلاء” قائلة :

-تصدقي صح . هو مافيش غير كده . قشطة علي أفكارك يا لووووكآاا.

و راحت تدغدغها و تشاركها المرح و الضحك …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

صباح اليوم التالي … يقرر “عثمان” المرور اليوم علي مؤسسته الخاصة المنفصلة عن بقية مجموعات عائلته

يصل إلي مقر ( البحيري للتسويق و التجارة ) في تمام التاسعة ، يلقي تحية الصباح بفتور علي سكرتيرته ، ثم يلج إلي مكتبه

يتنهد بثقل و هو يفكر .. مر يوم أخر دون أن يسمع عنها خبر ، إلي متي ؟ لقد أوشك موعد الولادة

هل ممكن ألا يري طفله ؟؟؟

-روحتي فين بس يا سمر ؟! .. تمتم “عثمان” لنفسه بيأس ، ثم مضي بإستسلام لمباشرة عمله

يدق باب مكتبه بعد قليل ، لتقف السكرتيرة مكانها بتردد ..

يتطلع إليها “عثمان” و يقول بإستغراب :

-نجلاء ! في حاجة و لا إيه ؟

نجلاء بشئ من التوتر :

-حـ حضرتك فاضي دقيقتين ؟!

-دقيقتين ؟ فاضي يا نجلاء . تعالي.

دخلت “نجلاء” و هي تحمحم بتوتر أشد .. وقفت أمامه ، فرفع حاجبه في إنتظار ما ستقوله ..

نجلاء بإرتباك :

-مبدئيا كده حضرتك لازم تعرف إني عملت كل ده بقصد الخير مش الشر.

عثمان بعدم فهم :

-بتقولي إيه ؟ نجلاء وضحي كلامك من فضلك أنا مش فاهم حاجة !

قطبت “نجلاء” حاجباها و قالت برجاء :

-هقولك يافندم . بس بليز لازم توعدني إنك مش هترفدني.

عثمان بدهشة :

-أرفدك ليه يا نجلاء ؟ إنتي عملتي إيه بالظبط ؟ في مصيبة حصلت في الشغل ؟؟؟

نجلاء بإسراع :

-لأ حضرتك الشغل كله تمام.

عثمان بنفاذ صبر :

-أومال في إيه إنطقي بقي . أنا مش فاضيلك.

-حاضر . حاضر يافندم .. ثم صمتت للحظات لتستجمع شجاعتها ، و صاحت فجأة :

-سمر عندي يا Boss !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

في منزل “نجلاء” …

تستيقظ “سمر” من نومها العميق ، عندما شعرت بهذا الآلم الحاد يكاد يمزق أسفل معدتها .. تآوهت بصوت مخنوق و هي تمسك ببطنها

لحسن الحظ كانت “ملك” نائمة ، فالألم يزداد و هي لن تستطع أبدا الإهتمام بها الآن ..

نهضت “سمر” بعد عناء شديد من السرير ، توجهت نحو الهاتف و رفعت السماعة

ضربت رقم “زينب” بأصابع مرتعشة و هي تحارب دوار و صراخ قوي حبسته في صدرها ، ثوان و جاء صوت الطرف الآخر ..

-السلام عليكم !

سمر بصوت متقطع بالكاد مسموع :

-مـ . مـ ـا مـ ـا ز يـ ـ ـنـ ـب.

زينب بذعر :

-سمر ! إيه يا حبيبتي مالك ؟ الطلق جه و لا إيه ؟؟؟

سمر بتأوه خافت :

-آااه شـ ـكله كده !

زينب بحنان :

-طيب يا حبيبتي أنا جايالك أهو علطول.

سمر باكية من شدة الآلم :

-لأ . ممـ ـكن تكـ ـوني متـ ـرقبة.

زينب بعصبية :

-إحنا في إيه و لا في إيه دلوقتي ؟ قلت جايالك مسافة السكة أهو.

سمر بوهن :

-يا ما مـ ـا زيـ نـب . بـ ـلآاش .. و بترت عبارتها فجأة لتصرخ بأعلي صوتها و قد إنهار صمودها تماما :

-آااااااااااااااااااااااااااااااه !

إنتفضت “ملك” في هذه اللحظة و إستيقظت فزعة ، بينما تهاوت “سمر” علي أقرب مقعد مواصلة صراخها مع توالي الركلات التي راح طفلها يسددها أسفل معدتها بلا رحمة ….. !!!!!!!

يتبـــــع …

( 61 )

_ و عاد ! _

صعقته الصدمة عندما إعترفت “نجلاء” له بذلك …

هب من مكانه بعنف ، و توجه نحوها بسرعة

سألها “عثمان” بصوت يدوي كالرعد القاصف و عيناه تومضان كالبرق الخاطف :

-بقي إنتي إللي مخبياها مني طول الفترة دي ؟ مخبياها فين يا نجلاء ؟ نهارك إسووود.

تنكمش “نجلاء” علي نفسها و هي تقول بخوف :

-يا Boss سمر لجأتلي و وثقت فيا . كنت هعمل إيه يعني ؟

لازم كنت أساعدها . و بعدين ما أنا جيت أقولك أهو لما شوفت معاد ولادتها قرب و هي لسا علي عنادها قلت لازم أقولك بقي !

حدق فيها غاضبا و رد مزمجرا :

-ماشي يا نجلاء . حسابك معايا بعدين

و دلوقتي قوليلي مكان المقر السري للخيانة.

نظرت له بإستغراب ، فصاح بها :

-قوليلي زفت عنوانك إيــــــــه ؟؟؟

نجلاء بتلعثم :

-حـ حاضر يافندم . العنوان 9 شارع ******* الدور الرابع شقة 8 !

لم يفوت “عثمان” ثانية أخري ، بالكاد أخذ هاتفهه و سلسلة مفاتيحه و غادر شركته بسرعة رهيبة …

كان يصعد المنحدر بالسيارة عندما أصبح الطريق أكثر إكتظاظا في وسط المدينة

بدا نافذ الصبر و هو يقود عاجزا عن إختراق الطريق بجنون كي يصل إليها بسرعة ، إذ كان مضطربا متوترا ، قلبه يرف في صدره كالطائر الطنان

يتحرق شوقا للقائها ، بعد كل هذه المدة .. يعثر عليها أخيرا ، حبيبته ، تلك التي نبض قلبه و لأول مرة معها و لأجلها ، و رغم ذلك أذاقها مرارة العذاب و الذل و القهر ..

تري كيف هي الآن ؟ .. كيف صار شكلها و بعد تسعة أشهر من الحمل ؟؟؟

سيعرف بعد لحظات .. فقد وصل أخيرا عند البناية التي تقطن بها “نجلاء” و هو ينطلق راكضا في هذه اللحظة للداخل صوب المصعد …

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

عند “سمر” …

وصلت “زينب” قبل دقائق قليلة ، لتجد هذه المسكينة تعاني آلم المخاض وحدها ، حتي أنها لم تقدر أن تقوم لتفتح لها باب الشقة

فإضطر البواب أن يكسره ليدخلها ..

-آاااااه . مش قآادرة يا ماما زينب همووووت ! .. هكذا كانت “سمر” تصرخ بقوة و هي تتلوي بإستمرار فوق الكرسي و جسدها كله ينضح عرقا

زينب و هي تمسح علي شعرها بحنان :

-معلش يا حبيبتي إمسكي نفسك شوية الإسعاف في الطريق.

سمر ببكاء :

-مش قادرة . أنا هموت يا ماما

مش هقدر أكمل همووت.

زينب بجزع :

-بعد الشر عليك يابنتي ماتقوليش كده إن شاء الله هتقومي بالسلامة .. ثم نظرت إلي البواب و قالت بإنفعال :

-إطلب الإسعاف تاني يابو حسين إستعجلهم البت علي أخرها.

البواب بلهجة إسكندرانية :

-و أني هنعمل إيه بس يا إست زينب ؟ طلبتهم 3 مرات لحد دلوقت . ربنا يسلمها بعون الله.

و هنا ظهر “عثمان” علي عتبة الباب ..

تجمد بمكانه لوهلة ، لقد كانت هي هذه المرة .. إستطاع أن يراها حقا ، لم تكن أوهام و لا هلاوس ، لم يكن يتخيلها كما في الليالي السابقة

أنها أمامه علي بعد خطوات … يالجمال هذه اللحظة ، كم هي لذيذة لحظة اللقاء بعد طول غياب

و لكن سرعان ما تحولت اللذة إلي الألم عندما لاحظ حدة عنائها و سمع صوت آهاتها .. إندفع “عثمان” صوب زوجته متجاهلا وجود أحدا غيره و غيرها بالمكان

كوب وجهها بكفيه و هو يقول بلطف شديد :

-سمر . حبيبتي

مالك ؟؟؟

و بينما كانت “زينب” مصدومة من إنضمامه المفاجئ ، فتحت “سمر” عيناها الذابلتين و نظرت إليه غير مصدقة ..

–إنت ! .. قالتها “سمر” بصوت هامس ذاهل

عثمان و هو يجفف العرق عن وجهها بكفه :

-إطمني يا سمر . هتبقي كويسة

أنا جمبك مش هاسيبك.

تفقد “سمر” و عيها بعد ذلك مباشرةً ، لتصيح “زينب” بذعر :

-يا لهوي ! البت هتروح مني . جرالها إيه ؟

مابتنطقش ليــــه ؟؟؟ و الإسعاف ولاد الـ××× إتأخروا.

أخيرا يلاحظ “عثمان” وجود “زينب” و ينتبه لكلامها ..

-أنا شوفت مستشفي قريبة من هنا و أنا جاي .. قالها “عثمان” بتوتر و هو ينحني ليحمل “سمر” بحذر

-هاوديها حالا !

ثم إتجه بها للخارج مسرعا ، و لحقت “زينب” به أيضا و هي تحمل “ملك” بدورها …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

كانت الولادة متعثرة للغاية … لولا أنه جلبها إلي هذه المشفي التخصصي ، لكان وضعها أكثر صعوبة

يخرج الطبيب من غرفة العمليات بعد قضاء ثلاث ساعات كاملة ، لينطلق “عثمان” صوبه و يسأله بتلهف :

-دكتور . طمني من فضلك

سمر عاملة إيه ؟؟؟

الطبيب مبتسما بإنهاك :

-الحقيقة مدام حضرتك من أصعب الحالات إللي مرت عليا

البيبي كان في خطر هو و هي لإنه كان هينزل برجليه . طبعا إحنا عملنا محاولات كتير عشان تولد طبيعي بس للآسف حالتها ماسمحتش خالص فإضطرينا للجراحة.

عثمان بقلق :

-يعني إيه ؟ هي كويسة و لا لأ ؟؟؟!!!

الطبيب بصوته الهادئ :

-إطمن يافندم هي دلوقتي بخير و إبنك كمان كويس أوي.

عثمان براحة غامرة :

-الحمدلله.

-ممكن نشوفها يا دكتور ؟ .. هكذا جاء صوت “زينب” متسائلا من خلف “عثمان”

الطبيب بلباقة :

-حاليا هيكون صعب شوية يا هانم لإنها لسا تحت تأثير المخدر . كمان شوية هتفوق و هنكون نقلناها في أوضة وقتها تقدري تشوفيها.

يمد “عثمان” يده إلي الطبيب و يصافحه و هو يقول بإمتنان :

-أنا متشكر أووي يا دكتور

بجد شكرا علي تعبك.

الطبيب بإبتسامة :

-لا شكر علي واجب يافندم . ده شغلي و بعدين أنا ماعملتش حاجة أنا كنت مجرد آداة في إيد رينا . أشكره هو.

عثمان بسعادة :

-الشكر لله طبعا.

و إستأذن الطبيب ليذهب و يتابع جدول عمله ، بينما مضي “عثمان” إلي الرواق الفارغ و أخرج هاتفهه ليجري بعض المكالمات ..

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

كانت نائمة علي السرير الأبيض ، في رداء طبي مشبع برائحة البينج ..

عندما بدأت في إستعادة وعيها ، سمعت صوت طنين جهاز رسم القلب قرب أذنها .. أملت أن يكون هذا يعني أنها حية ، و لكن إحتمال موتها أصبح بعيدا الآن

فهي تشعر بالألم و الإنهاك ، لا يمكن أن يكون الموت مؤلما هكذا ..

شعرت “سمر” بضغط علي يدها اليسري ، فحاولت رفعها لكنها عجزت … لتسمع في هذه اللحظة صوته الذي لا يخطئه السمع أبدا :

-سمر . حبيبتي إنتي فوقتي ؟!

جاهدت “سمر” لتزيح أجفانها عن عينيها و تري لو كان هذا حقيقة أم خيال ..

نجحت بالفعل و رفرفت عيناها يمنة و يسرة حتي إستقرت عليه .. حملقت فيه بصدمة ، كان وجهه علي مقربة شديدة من وجهها ، مستندا بذقنه علي حافة وسادتها

إذن فهو كان أخر من رأته قبل أن تفقد الوعي ، لم يكن حلما

إرتعدت “سمر” في هذه اللحظة عندما تذكرت طفلها ، أمسكت ببطنها الفارغة الآن و صرخت بصوت مختنق :

-إبنـــــي . فيــــن إبنـي ؟ خته مني

وديته فيــــن ؟؟؟

أمسك “عثمان” بكفيها و رفعهما حذو رأسها حتي لا توذي منطقة الخياطة ، و قال يهدئها :

-إهدي يا سمر . الولد كويس و أنا ماختوش في حتة

هو في الحضانة و جارتك إللي إسمها زينب دي راحت تطمن عليه.

تهدأ حركة “سمر” الآن ، و تشيح بوجهها عنه و عيناها تذرفان الدموع ..

-حمدلله علي سلامتك ! .. تمتم “عثمان” بصوت خافت ، و تابع :

-كنت هموت من الخوف عليكي . كده يا سمر تبعدي كل المدة دي ؟ عملتي كده ليه ؟ أنا كنت وحش معاكي في الفترة الأخيرة ؟!

سمر بصوت متحشرج ضعيف :

-إنت جاي تمثل عليا تاني ؟ أنا المرة دي ماعنديش حاجة أديهالك . ماعنديش حاجة غير إبني و ده بتاعي أنا إنت أصلا ماكنتش عاوزه و إدتني حبوب منع الحمل عشان تضمن إنه مش هيجي . بس أهو جه و أنا عايزاه.

عثمان بحنان :

-و أنا كمان عايزه . و عايزك بردو

عايزكوا إنتوا الإتنين يا سمر.

سمر بدموع :

-و أنا مش عايزاك . إنت خسرتني كل حاجة

نفسي و كرامتي و حياتي .. و أخرهم أخويا . إنت أسوأ حاجة حصلتلي !

و هنا إنفتح باب الغرفة ، ليدخل “فادي” بشئ من التردد

لم تصدق “سمر” عيناها في بادئ الأمر ، و رفعت رأسها عن الوسادة و هي ترمقه بفم مفتوح …

إبتسم “عثمان” بإنتصار ، بينما مضي “فادي” نحو أخته قاطبا حاجبيه بتحفظ

لم تستطع “سمر” التأكد من أنه ماثلا أمامها حقا ، إلا عندما تحدث ..

فادي بإقتضاب و هو يتهرب من النظر في عينيها :

-حمدلله علي سلامتك !

تفيض دموعها أنهارا عند نطقه بها ، و كأنه كان مغتربا عنها لزمن طوييييل و عاد لتوه ..

رق قلب “فادي” حين رآها هكذا ، و جلس في وضع الركوع أمام سريرها .. مسح علي شعرها الحريري بكفه ، و قبل جبينها و هو يقول بصوت مختلج :

-حمدلله علي سلامتك يا حبيبتي . بس بقي ماتعيطيش

أنا بكره العياط.

و مسح دمعة كادت تفر من جانب عينه ..

-طيب أسيبكوا مع بعض شوية .. قالها “عثمان” و هو يقوم من مكانه

-عن إذنكوا !

و خرج … لتدقق “سمر” النظر في وجه أخيها من خلال الدموع المتراقصة بعيناها

نطقت بنبرة ممزقة :

-فادي ! .. إنتي هنا بجد ؟؟؟

فادي بدموع :

-أيوه يا سمر . أنا هنا.

سمر بصوت كالأنين :

-يعني سامحتني ؟!

أومأ “فادي” و أجابها بإبتسامة حزينة :

-إحنا مالناش غير بعض . و أنا مستحيل أتخلي عنك

إنتي أختي.

أجهشت “سمر” بالبكاء و دفنت وجهها في صدره ، ليربت علي كتفها هامسا بلطف :

-بس يا حبيبتي . كله هيبقي تمام

بإذن الله !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

في الخارج …

يقف “عثمان” أمام الغرفة مسندا رأسه إلي الجدار .. تصل “صفية” مع “صالح” في هذا الوقت ، و نادت عليه عندما لمحته :

-عثمان !

إعتدل “عثمان” في وقفته ، و إستدار نحوهما و هو لا يزال واقفا بمكانه ..

-جبتي الهدوم ؟ .. قالها “عثمان” بتساؤل حين وصلا عنده

صفية و هي تشير للحقائب التي بيديها و بيدي “صالح” :

-جبت كل حاجة يا عثمان . غيار و طقم و بطنية صغيرة و Powder و lotion ( كريم للجلد ) كل حاجة موجودة ماتقلقش .. ثم قالت بحماسة شديدة :

-بس هو فين حبيب قلب عمتو ؟ همووت و أشوفه !

عثمان بإبتسامة :

-في الحضـَّانة . روحي لبسيه الحاجات دي و جهزيه كده عشان هنمشي كمان شوية.

صفية بإبتسامة عريضة :

-أووك .. و إلتفتت لتذهب حيث أرشدها ، لكنها إلتفتت إليه فجأة و صاحت بإستذكار :

-أه عثمان . مامي جاية دلوقتي مع أنكل رفعت.

عثمان بإستنكار :

-جاية إزاي يعني و هي تعبانة ؟!

هزت “صفية” كتفاها و قالت :

-هي إللي أصرت لما قولتلها . ماقدرتش تصبر عشان تشوف البيبي . صحيح إنت قررت تسميه إيه ؟؟

عثمان بثقة :

-يحيى طبعا.

صالح مهنئا :

-مبروك يابو يحيى !

عثمان بإبتسامة :

-الله يبارك فيك يا صالح . عقبالك.

صالح و هو ينظر إلي “صفية” :

-أمين يسمع من بؤك ربنا.

عضت “صفية” علي شفتها بخجل و قالت بإرتباك :

-طيب أنا هروح أشوف يحيى بقي و أجهزه زي ما قال عثمان . تيجي معايا يا صالح ؟!

تنهد “صالح” و قال :

-يلا بينا.

و ذهبا … ليخرج “فادي” بعد لحظات و يهم بالمغادرة ، فإستوقفه “عثمان” :

-فادي !

إستدار “فادي” إليه بوجه خال من التعابير ، بينما إقترب منه “عثمان” و قال بتهذيب :

-شكرا إنك جيت.

فادي بصوت جاف :

-أنا جيت عشان أختي.

-أنا عارف . بردو شكرا.

رمقه “فادي” من علو و قال :

-أنا عارف سمر كويس . و عارف إنها أطهر مخلوقة علي وجه الأرض لولا بس تصرفها خانها في لحظة يأس عمرها ما كانت سلمتلك.

عثمان بجدية :

-فادي سمر دلوقتي بقت مراتي و أم إبني

مش ممكن أجرحها أو أسمح لحد يقول عليها نص كلمة . الماضي كله إدفن و مش هيصحي تاني . أوعدك.

أومأ “فادي” بوجوم ، ثم قال :

-خلي بالك من إخواتي !

عثمان بإبتسامة :

-إطمن . و وقت ما تحب تشوفهم أهلا بيك دايما.

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في سيارة “رفعت البحيري” … جلست “فريال” بجانبه و آثرت الصمت من بداية الطريق

بينما لم يستطع “رفعت” مقاومة نفسه أكثر من ذلك ، كما أن هذه فرصة لا تعوض و هي معه الآن وحدها ، لا يمكن لأحد أن يقاطع حديثه معها ..

-فريال ! .. قالها “رفعت” بصوت مهزوز ، لتنقبض “فريال” و تتوتر خاشية ما يريد قوله

رفعت بنبرة معذبة :

-أرجوكي كفاية تعامليني المعاملة دي . أنا غلط في حقك قبل كده و غلط في حق أخويا كتير و كنت أعمي لما إستمريت في حبـ .. لما إستمريت في تفكيري الغلط

بس أنا ندمان . و إنتي لازم تعرفي إن مهما بلغ حجم الخلاف بيني و بين أخويا إستحالة آذيه . ده أخويا يا فريال . أنا كنت بغير منه و يمكن بحقد عليه كمان . لكن عمري ما فكرت آذيه و لا عمري أتمنيتله الشر . كان نفسي أبقي زيه بس . كان نفسي يبقي عندي زي إللي عنده

لكن عمري و الله ما كرهته و لا أتمنيت يحصله حاجة وحشة . أنا ماكنش ليا غيره و بعده بقيت منغير ضهر . شيلت مسؤولية بيته و بيتي بعد ما راح . أنا بحب أخويا يا فريال . لازم تفهمي ده كويس.

كانت دموعها تسيل أثناء حديثه ، لتضغط علي شفتاها عندما فرغ ، و تجفف خديها بمنديل

ثم تدير وجهها إليه و تبتسم بخفة و هي تومئ يرأسها بلطف ..

أطلق “رفعت” زفرة راحة ، و بادلها الإبتسامة و هو يقول :

-أنا من الصبح حاسس إنه معانا يا فريال . حاسس إنه رجع !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

في غرفة “سمر” …

الجميع يلتف حولها في سعادة واضحة .. “عثمان” و “زينب” و “صالح” و “صفية” الطفل آسرهم جميعا و حولهم إلي أشخاص مختلفون

فقد تصرف “عثمان” برقة و وداعة بالغة و هو يضع الصغير بين ذراعي أمه. . حتي “سمر” لم تقو علي إخفاء فرحتها بإبنها

فضمته إلي صدرها بحب ، و قلبت رأسه بحنان ..

صحيح آنه طفل حديث الولادة ، لكنه جميل .. ملامحه تشي بجماله الآخاذ ، بشرة بيضاء ملساء ، وجنتان متوردتان ، و شعر غزير حالك اللون و ناعم كالحرير

حتي عيناه عندما فتحها قليلا ، إستطاعت أن تتبين لونهما .. بحر رمادي غامق كبحر الأسكندرية في نهار شتوي ماطر

إنه جميل للغاية ، بل فائق الجمال ..

-أيوه يا أنكل ! .. كان هذا صوت “صفية” و هي تتحدث عبر الهاتف إلي عمها

-طلعت الدور السابع ؟ الأوضة إللي في الوش بقي . أيوه رقم 410 . أوك . باي .. ثم نظرت إلي أخيها و قالت بسعادة :

-مامي وصلت.

دقيقة و كان الباب ينفتح من جديد … لتدخل “فريال” مستتدة إلي ذراع “رفعت”

كانت تبحث عن شئ معين ، و كأنها لا تري غيره بالمكان .. و إستقر بصرها عليه

أسرع “عثمان” و أخذ الطفل من “سمر” بعد أن حصل علي الإذن منها ، ذهب به إلي أمه التي تهاوت علي كرسي قام “صالح” بإحضاره لها عندما لاحظ إرتجاف ساقاها ..

إحتوت “فريال” حفيدها بين ذراعيها .. تطلعت في وجهه مشدوهة ، بينما أجاب “عثمان” عن سؤالها الصامت :

-يحيى يا ماما !

قالها “عثمان” فلم تشعر “فريال” بطوفان الدموع الذي أخذ يتدفق من مآقيها

كما لم تشعر بتحرك لسانها الثقيل الهامد منذ مدة طويلة ، منذ رحيله ، و كأنه أخذ صوتها معه و أعاده لها عندما عاد هو الآن ..

-يـ .. يـ …يـحـ .. ـيـ .. يـ..حـ.. ـيـ..ـي !

تبادل الجميع نظرات الذهول و الفرح ، و جثت “صفية” أمام  والدتها و هي تقول بإبتسامة ممزوجة بدموعها :

-مامي إنتي بتتكلمي ؟؟؟ .. و إلتفتت إلي “عثمان” صارخة بفرحة :

-عثمآاااان . مامي بتتكلم !

إبتسم “عثمان” بشدة ، و إنحني ليقبل رأس أمه

بينما رددت “فريال” ثانيةً و هي لا تكف عن النظر و التفرس في ملامحه :

-يـ..ـ..حـ.ـيـ.ـى !

يتبــــــــع …

( 62 ) و الأخير

_ وعد ! _

لم يطول مكوث “سمر” بالمشفي … و بناء علي طلب “عثمان” و إلحاحه كتب لها الطبيب تصريحا بالخروج ، لكنه شدد علي وجوب الإعتناء بها و عدم قيامها بأي مجهود لمدة إسبوع علي الأقل

من جهة أخري كلف “عثمان” أخته بالذهاب للسوق التجاري لإستكمال تجميع بقية ملابس إبنه ، رحبت “صفية” بطلبه و إصطحبت “صالح” معها كما فعلت بالمرة السابقة

إشترت أشياء كثيرة جدا ، ضاع النهار كله في التسوق و إنتهي عندما شعرت “صفية” بالتعب و أشفقت علي حالة “صالح” أيضا فهو لا يزال في طور النقاهة

لم يسترجع قوته كاملة بعد ، لذا لا يجب أن تحمله فوق طاقته خاصة و أنه لم يبدي تبرما أو إنزعاجا حتي الآن مخافة أن يغضبها

إبتسمت “صفية” له بحب ، و شبكت يدها بيده ، ثم إنطلقا عائدان إلي البيت ..

البيت الذي بدا مبهج لأول مرة منذ أشهر عديدة ، و السبب إنضمام فرد جديد لعائلة “البحيري” و ليس أي فرد ، إنه النسخة المصغرة من جده … “يحيى” الصغير

الملاك الذي جلب معه السعادة و المودة و الحب للجميع ، و الشفاء إلي جدته

لم تتركه “فريال” أبدا منذ خروجهم من المشفي ، كانت مسحورة به و أبت أن يفارقها و لو لثانية واحدة .. و هذا أمر أغضب “سمر” للغاية …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

و في إحدي الليالي …

تستقبل “سمر” زوجها فور دخوله من باب الغرفة بعبارة حادة :

-لو سمحت تروح دلوقتي حالا و تجبلي إبني !

رمقها “عثمان” بنفاذ صبر ، ثم نظر إلي “تانيا” و قال :

-بليز يا مس تانيا !

خدي ملك لأوضتها عشان تنام . it’s late ( الوقت إتأخر ).

قامت “تانيا” التي كانت تجلس بـ”ملك” علي مقربة من أختها و أخذتها لتوصلها إلي مخدعها كما أمر “عثمان” ..

و بينما توجه هو صوب غرفة الملابس ، إستشاطت “سمر” غيظا لأنه عمد أن يتجاهلها

تحاملت علي نفسها و نهضت لتتبعه و هي تزمجر بغضب :

-إنت بتتجاهل كلامي و عامل مش سامعني ؟

بقولك عايزة إبني . عايزاه دلوقتي هاتهووولي.

يضع “عثمان” البيچامة التي أخرجها من خزانته علي الكرسي ، ثم يلتفت إليها و يقول بصوت هادئ :

-إيه يا حبيبتي ؟ مالك بس ؟ كل يوم لازم تسمعيني الإسطوانة دي ! تقوليلي فين إبني أقولك عند أمي

هي لعبة و لا سيناريو مقرر كل ليلة يا سمر ؟!

سمر بحدة :

-مش لازم يكون عند مامتك علي فكرة . ده إبني أنا و لازم يكون معايا أنا ده من يوم ما إتولد ماشفتوش إلا كام مرة يتعدوا علي الصوابع . في شرع مين إللي بيحصل ده ؟؟!!

تنهد “عثمان” بصبر ، ثم قال بلطف :

-يا حبيبتي ماما فرحانة بيه . مش قادرة تسيبه ده هو إللي شفاها بإذن ربنا طبعا و حاسة إنه بيعوضها غياب بابا

مقدرش أبعده عنها طالما بقت كويسة بسببه و هي مش هتاكله يعني يا سمر.

سمر بعصبية :

-ماتقدرش تبعده عنها بس تقدر تبعده عني ؟ أنا أمه و هو من حقي أنا . أنا إللي تعبت فيه و شوفت العذاب و الذل . مش من حق أي حد بعد ده كله يجي ياخده مني علي الجاهز !

إقترب “عثمان” منها و جذبها نحوه من كلتا ذراعيها قائلا بغلظة :

-سمر ! لما تتكلمي عن أمي تتكلمي بأدب

و بعدين محدش منعك عن إبنك تقدري تروحي تقعدي معاهم هما الإتنين لكن حتة إنك عايزاه ليكي لوحدك محدش يشاركك فيه دي مش هتنفع . يحيى مش إبنك لوحدك هو إبني أنا كمان و كل إللي في البيت أهله ليهم فيه بردو و أولهم أمي سامعة ؟؟؟

أطرقت “سمر” رأسها بإنكسار و أخذت تنتحب بمرارة ..

تآفف “عثمان” بضيق و ضم رأسها إلي صدره و هو يقول بغيظ :

-أنا مش عارف ليه مصرة دايما تبوظي إللي بينا ؟

كل لحظة لازم تعديها بنكد يا سمر . أنا بحاول أصلح و إنتي بتهدمي !!!

سمر بصوت مكتوم علي صدره :

-من فضلك هاتلي إبني . أنا عايزاه .. ثم قالت نائحة و هي تتلمس ثديها المحتقن باللبن :

-عايزه أرضعه !

مسح “عثمان” دموعها عن خيدها الملتهبين بأصابعه الباردة ، ثم قال بحنان :

-حاضر يا سمر . حاضر

هاروح أجبهولك دلوقتي.

و بالفعل ذهب و أحضره لها بعد أن إستأذن من أمه بطريقة لطيفة مهذبة ..

تناولت “سمر” طفلها من “عثمان” و ضمته في حضنها بشوق كبير

راحت تداعبه و تلاطفه قليلا .. ثم أخذته و جلست بعيدا عن أعين والده لترضعه في شئ من الخصوصية المتعلقة بها و به

إبتسم “عثمان” بسعادة و هو يراقبهما من مكانه ، أخيرا أصبح لديه أسرة خاصة به .. أجمل زوجة و أجمل طفل في العالم ، يا له من كرم إلهي كبير لا يستحقه ..

-بس إحترت معاكي يا سمر .. تمتم “عثمان” لنفسه و هو يرمقها بآسي ، لكنه تابع بإصرار :

-و لو . بردو مسيري إخليكي تنسي . و مسيرك تحسي و تشوفي إنك غيرتيني بجد !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

صباح يوم جديد … تحتل “صالح” نوبة خلل عقلي من العيار الثقيل ، ليذهب إلي غرفة “صفية” بدون تفكير و يقتحمها دون إستئذان

كانت مستغرقة في النوم عندما شعرت بشخص يمسك بيدها و يقتلعها من سريرها بالقوة

فتحت “صفية” عيناها بذعر ، لتكتشف أنه “صالح” …

-صالح إنت بتعمل إيه ؟! .. صاحت “صفية” بصدمة

صالح بخشونة و هو يجرها خلفه بعنف :

-تعـآااالي . إنهاردة أجازتهم

و رحمة أمي لأقطع عرق و أسيح دم إنهاردة . يا أنا يا إنتوا !

صفية بذهول :

-أنا مش فاهمة حاجة في إيه يا صالح ؟؟؟!!!

صالح بصرامة :

-هتفهمي دلوقتي كل حاجة.

و ها هم الآن أمام حجرة المكتب بالطابق السفلي … يدفع “صالح” الباب بقوة و يدخل و هو ممسكا بـ”صفية” بهذا الشكل الهمجي ..

ينظرا لهما كلا من “رفعت” و “عثمان” بدهشة شديدة ، فيبادر “صالح” :

-من الأخر كده محدش فيكوا هيتحرك من هنا قبل ما أعرف راسي من رجلي.

تنظر “صفية” له بخوف و تستنجد بأخيها :

-إلحقني يا عثمان . صالح إتجنن !

-سيبها يا صالح إيه إللي إنت بتعمله ده ؟ .. قالها “عثمان” بحدة و هو لا يزال جالسا بمكانه قبالة عمه

صالح بإنفعال :

-مش هسيبها . مش كل حاجة تمشي بمازجكوا و لا بمزاجك إنت بالذات ياسي عثمان.

عثمان بحدة أكبر :

-لأ إنت إتجننت فعلا . إنت شارب إيه عالصبح ياض ؟

و هنا تدخل “رفعت” بحزم :

-صآالح . سيب بنت عمك ماسكها كده ليه و بتعمل كده ليه ؟؟

صالح بغيظ :

-أنا خلاص جبت أخري . بقالنا 4 سنين مخطوبين و كل شوية الفرح يتأجل . أخوها إتجوز و خلف و أختي إتجوزت و سافرت و الدنيا معاهم كانت جميلة لكن بتيجي لحد عندي أنا و بتقفل . إسمعوني كويس أنا مش هفوت إنهاردة علي خير لو محدش حددلي معاد فرحي أديني بقولكوا أهووو !

نظر “عثمان” إلي عمه و قال بدهشة :

-لا حول و لا قوة إلا بالله . الواد حالته بقت صعبة أوي يا عمي !

رفعت موافقا بإبتسامة ملتوية :

-عندك حق . محتاج يتعالج.

-إنت بتتريقوا ؟! .. تساءل “صالح” و هو يغلي من الغيظ ، و أكمل بتهديد :

-طيب و الله لو عدا الشهر ده و هي مش مراتي هغتصبها و إنتوا حرين بقي.

عثمان صائحا بغضب :

-إحترم نفسك يابني إنت . إيه القرف إللي بتقوله ده ؟

رفعت بصرامة :

-خلآاااص . خلاص إنت و هو بطلوا كفاية .. ثم قال بجدية :

-أنا شايف إن أوضاعنا إستقرت في الفترة الأخيرة و فعلا فرح صالح و صافي مش هيضر لو إتعمل في نص الشهر

إنت إيه رأيك يا عثمان ؟ عندك إعتراض علي حاجة ؟!

عثمان بعد تفكير :

-ماعنديش بس نسأل ماما بردو

و كمان نسأل صافي جايز تكون غيرت رأيها و لا حاجة !

صالح و هو ينظر لها مستهجانا :

-نــــعـــم ! مين دي إللي غيرت رأيها ياخويا ؟؟؟

صفية مؤنبة أخيها بتلعثم :

-غـ غيرت رأيي إيه بس يا عثمان ! آ أنا موافقة طبعا.

عثمان بسخرية :

-أوك يا حبيبتي . مبروك عليكي أبو الشباب إللي واقف جمبك . أخرت صبرك يا صفية أهطل فرع في العيلة .. و إنفجر ضاحكا

حدجه “صالح” بنظرات حانقه ، لتمسك “صفية” بذراعه و ترد بإستنكار ممزوج بالإرتباك :

-ده أحسن فرع في العيلة . مالكش دعوة إنت يا عثمان

أنا بحب صالح و بموت فيه إطلع منها إنت.

عثمان بضحك :

-بقي كده ؟ مآاااشي ياستي . ربنا يهنيكوا هو الواحد هيعوز إيه غير كده يعني ؟

عن إذنكوا أما أطلع أبلغ ماما بالخبر السعيد ده !

و قام ، ليقول و هو يمر بمحاذاة “صالح” :

-مبروووك يا صلَّوحي .. و ضربه بخفة علي كتفه و هو يطلق مزيدا من الضحكات المجلجلة

صالح بحنق :

-عجبك كده ؟

صفية و تربت علي صدره بلطف :

-معلش يا حبيبي . يعني إنت ماتعرفش عثمان ؟ هو بيهزر معاك.

صالح بتبرم :

-هزار بارد زيه.

صفية بنعومة :

-خلاص بقي إنسي يا حبيبي .. ثم تحولت لهجتها للخوف مرة أخري :

-بس أنا بقي إللي مش هقدر أنسي شكلك من شوية و إنت مجرجرني من أوضتي لحد هنا . إنت خوفتني أووي يا صالح !

صالح بأسف :

-أنا آسف يا حبيبتي بس Really أنا كنت متعصب أوي و علي أخري . حسيت إني هنفجر !

صفية بحب :

-بعد الشر عليك يا قلبي.

صالح بغمزة :

-خايفة عليا ؟

صفية و هي تعض علي شفتها بخجل :

-طبعا . مش حبيبي و هتبقي جوزي قريب ؟!

صالح متمتما برومانسية :

-بحبك يا صافي .. و كاد أن يضمها بين ذراعيه ، ليصيح “رفعت” من مكانه بحدة :

-هو أنا خيال قاعد قدامكوا و لا إيه يعني مش فاهم ؟؟!!

دلو ماء بارد سقط علي رأسيهما ، ليفيقا من الحلم الوردي الذي كان يلفهما بقوة .. تفر “صفية” راكضة فورا ، بينما يحدق “صالح” بوالده بسأم شديد

صالح بضيق :

-أقسم بالله إنتوا عالم فصيلة و مستقصدني كلكوا متفقين عليا و الله و من زمان أنا عارف . حسبي الله و نعم الوكيل .

ثم لحق بـ”صفية” ..

ليضرب “رفعت” كفا بكف و يقول :

-ربنا يشفيك يابني !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

و أخيـــــــــــــــــرا …

يقام حفل زفــاف “صالح” و “صفية” بمنتصف الشهر كما قرر “رفعت” .. البيت كله في حالة طوارئ منذ الصباح ، الجميع مشغول بالتجهيزات و التحضيرات

خبيرة التجميل عند “صفية” من بداية النهار ، تعمل عليها وحدها ، أما “صالح” فذهب لصالون رجالي شهير بالمدينة و سيعود عند غروب الشمس

وصلت “هالة” من السفر مع “مراد” باكرا بعد أن إتفقا أن يعودا في نفس اليوم لكثرة مشغوليات “مراد” بشركته الجديدة التي إفتتحها منذ شهران

أظهر الزوجان حبهما و أعجابهما بـ”يحيى” عندما قابلاه ، فقد نجح كالعادة بنثر سحره عليهما أيضا .. علي الطرف الآخر ، ينشب عراك جديد بين “عثمان” و “سمر” بسبب رفضها حضور الفرح ..

-هتحضري غصب عنك ده فرح أختي ! .. زمجر “عثمان” بغضب

ردت “سمر” بتحد :

-مش هحضر ماليش دعوة

هو بالعافية ؟!

عثمان بعصبية :

-أه بالعافية و وريني كلمتك هتمشي إزاي يا سمر ؟ أنا عايزك تجيبي أخرك معايا إنهاردة أنا خلاص زهقت منك و أعصابي فلتت.

يدق باب الغرفة في هذه اللحظة … لتدخل “فريال” حاملة “يحيى” الصغير بيد و حقيبة صغيرة باليد الأخري ..

-في إيه يا عثمان صوتكوا عالي كده ليه ؟؟؟ .. قالتها “فريال” بتساؤل و هي تنقل نظرها بين إبنها و زوجته بتوجس

زفر “عثمان” أنفاسه بغضب و أجابها بإقتضاب :

-مافيش حاجة يا ماما . مشكلة صغيرة بنحلها.

فريال بإستنكار :

-مشكلة صغيرة تتحل بالصوت العالي ده !!

صمت “عثمان” عابسا بتبرم ، لتأمره أمه بصوتها الرقيق :

-سيبني شوية مع مراتك يا عثمان . روح شوف الضيوف إللي وصلوا.

إنصاع “عثمان” لكلام أمه و خرج و هو يضم قبضتاه بغضب شديد ..

إقتربت “فريال” من “سمر” و لمست ذراعها بخفة و هي تقول بود :

-تعالي يا حبيبتي . تعالي نقعد نتكلم شوية.

و بعد أن جلست “سمر” أمامها ..

فريال بنبرتها المخملية الموسيقية :

-و بعدين يا سمر ! مش ناوية تسامحي يا حبيبتي ؟ مش ناوية تنسي و تعيشي حياتك و تسعدي إبنك و جوزك ؟!

نظرت لها “سمر” بعنين ملؤتهما الدموع و قالت :

-حضرتك عايزاني أنسي إيه ؟ و أنسي بسهولة ؟ أنا عارفة إن الغلط مني أنا . أنا أكتر واحدة غلطانة . بس أنا بردو ماسمحتش نفسي . يبقي هسامحه هو إزاي ؟؟!!

فريال بتأثر :

-يا حبيبتي الدنيا أقصر من إننا نعيشها في الخلافات و الزعل . الإنسان بيروح بسرعة . و أنا معاكي إن إنتوا الإتنين غلطوا . بس ربنا بيغفر و بيسامح

هو ندم و إنتي لازم تسامحيه و تبدأوا من جديد مش عشانكوا بس . عشان يحيى الصغير . لازم يكبر يلاقي أمه و أبوه علي وفاق مع بعض . إنتوا لو فضلتوا كده هيضيع منكوا . هيطلع بني آدم غير سوي و هتندموا أكتر و بالأخص إنتي يا سمر.

سالت دموع “سمر” في صمت ، لتتنهد “فريال” و تكمل :

-بصي يا حبيبتي . أنا مش هقولك إنسي كل حاجة و إتعاملي مع عثمان عادي كأنكوا لسا عارفين بعض .. بس هقولك أديله و أدي نفسك فرصة . أنا متأكدة إنه بيحبك

أنا أكتر واحدة أحس بعثمان . و الله بيحبك . و إحساسي بيقولي إن إنتي كمان بتحبيه بس مش قادرة تعترفي لا بلسانك و لا بقلبك.

سمر بصوت مهزوز :

-أنا بحب إبني . ده إللي أنا متأكدة منه.

فريال بإبتسامة :

-يبقي إحساسي في محله . إللي بيحب حد بيحب كل حاجة منه.

أشاحت “سمر” بوجهها للجهة الأخري و لم ترد … لتتسع إبتسامة “فريال” و هي تفتح الحقيبة الأنيقة و تسحب منها فستان أبيض غاية في الجمال و الروعة ..

إجتذب صوت الحفيف إنتباه “سمر” فنظرت لتجد هذا أمامها … تسمرت عيناها عليه مآخوذة بجماله

قاطعت “فريال” تأملها :

-أنا عارفة إنك ماعملتيش فرح و لا لبستي عروسة . عشان كده إختارتلك ده بنفسي و يا رب ذوقي يعجبك.

سمر بإعجاب لم تستطع إخفائه :

-جميل أوي !

فريال بسرور :

-الحمدلله . هو مش زي فستان العرايس كبير و مبهرج

بس سواريه حلو و هيليق علي جسمك و طبعا مانستش إنك محجبة .. ثم قالت برجاء :

-عشان خاطري ألبسيه الليلة دي يا سمر . بليز !

إنه لمن العسير أن يرفض المرء طلب لإمرأة كهذه ، فما باله إذا توسلت إليه ..

-حاضر .. هكذا رافقت “سمر” بسهولة ، لتنفرج أسارير “فريال”أكثر و هي تقول :

-تمام يا حبيبتي . أنا هاسيبك دلوقتي بقي عشان تلبسي و هاخد يحيى معايا . و كمان هبعتلك نورا الـMake_Up Artist بتاعتي عشان تعملك مكياچك إن شاء الله هتطلعي زي القمر !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

كان “صالح” يقف هناك أسفل الدرج في إنتظار “صفية” …

كان يرتدي حلة الزفاف السوداء و بدا فيها كالأمير ، بدا أيضا نافذ الصبر إلي درجة كبيرة .. و لم يهدأ باله إلا حين رآها أخيرا ..

ظهرت “صفية” في فستانها الأبيض الكبير الذي صمم علي يد أمهر و أشهر مصممي الأزياء بالعالم ، كانت فاتنة ساحرة ، تخطف القلوب قبل الأنظار

بدت كالملاك و شعرها مرفوع للخلف بحيث ظهر وجهها المستدير الجميل بكامله ، زينتها دقيقة و خفيفة فزادتها جمالا ، بدت كالأميرة بدورها و هي تهبط أخر درجات السلم و تضع يدها في يد “صالح” الممدودة لها ..

-أوف ! إيه الجمال ده يا صافي ؟! .. قالها “صالح” مبهور الأنفاس ، لتتورد “صفية” خجلا و تقول بخفوت :

-شكرا . إنت كمان حلو أوي.

صالح بعدم تصديق :

-أنا حاسس إني بحلم . مش قادر أصدق إن أخيرا فرحنا الليلة دي !

يأتي “رفعت” في هذه اللحظة و يضع يده علي كتف إبنه قائلا بسعادة :

-يلا يا صالح . إستني برا مع الضيوف لحد ما أجبهالك أنا و عثمان.

و أشار نحو “عثمان” الذي وقف خلفه مباشرةً ..

نظرت “صفية” نحو أخيها المبتسم لها بفرح ، فأدمعت عيناها عندما تذكرت والدها … إقترب “عثمان” منها و كوب وجهها بكفيه و هو يقول بحنان :

-لأ يا حبيبتي . إوعي تعيطي إنهاردة بالذات

الكل فرحان يا صافي . ماينفعش دموع خالص !

إبتسمت “صفية” بشدة ، ليبادلها “عثمان” الإبتسامة و يطبع قبلة حانية علي جبهتها … علق يدها بذراعه ، و فعل “رفعت” مثله ، أما “صالح” فخرج لينتظرهم مع الضيوف كما قال له والده ..

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

إنفجر الحشد مصفقا حين خرجت العروس برفقة أخيها و عمها .. و تدلت الزهور البيضاء و إنهالت فوق رأسها

أضأت وجه “صالح” إبتسامة عريضة جذلي و هو يستلم عروسه و يضع يدها في يده ، و يسيرا إلي حلبة الرقص ليؤديا معا الرقصة الأولي ..

أحس “عثمان” أنه أتم دوره حتي الآن و لكن تنقصه زوجته ..”سمر” ..

إستدر عائدا إلي البيت ليصعد و يحضرها ، لكنه تفاجئ بها تقبل عليه برفقة أمه

تجمد بمكانه يقيسها بعيناها من أعلي إلي أسفل ، فالبطبع لم يفوته مظهرها و لباسها .. كانت أنيقة جدا في الأبيض ، مبهرة ، شديدة الحسن

إحمرار خديها واضح أيضا ، و إستطاع أن يتبين توترها و عصبيتها … تلك الجميلة الساذجة الرائعة ، كيف إستحل دموعها يوما ؟ كيف جرحها ؟ كل هذه الرقة و هذا الجمال كاد أن يضيعه من يده للأبد بسبب غروره و تعاليه

يا له من غبي !

أوصلتها “فريال” له في هذه اللحظة … أمسكت بيد “سمر” و وضعتها في يده و هي تقول مبتسمة :

-إنهاردة فرحتي بقت كاملة فعلا . بيحيى الصغير أولا و بعدين صافي و إنت و مراتك يا عثمان

إوعدني إنك هتحافظ عليها و علي إبنك . إوعدني إنك مش هتخذلها تاني أبدا !

نظر “عثمان” إلي أمه ، ثم نظر إلي زوجته و قال بإبتسامة واثقة :

-أوعدك يا ماما.

تنهدت “فريال” براحة غامرة ، ثم ضمت “يحيى” الصغير إلي صدرها و قالت :

-أنا هاخد يحيى حبيبي و نروح نقعد هناك . و إنت يا عثمان خد سمر و أرقصوا زي صافي و صالح يلا !

و أثناء الرقصة ..

عثمان و هو يطوق خصر “سمر” بقوة :

-إنتي ساكتة ليه ؟

سمر بإرتباك شديدة بسبب نظراته المتأهبة لأقل تصرف لها :

-و هتكلم أقول إيه يعني ؟!

ضمها “عثمان” إليه أكثر و غمس نظرته اللماعة في عينيها ، ثم قال هامسا :

-قولي أي حاجة . سمعيني صوتك بس

إنتي عارفة إن شكلك حلو أووي ؟ و إنتي لابسة الأبيض أحلي من صافي . دي أكيد فكرة ماما صح ؟

أومأت “سمر” بصمت ، فضحك و عانقها و هو يقول :

-آااه مش عارف لولا ماما دي كنت عملت إيه ؟؟؟

جحظت عيناها بصدمة لفعلته و حاولت أن تفك يده من حولها ، لكن ذراعاه كتفتا يديها تماما فلم تستطع تحركيهما حتي ..

-عـ .. عثمان ! ممكن تشيل إيدك ؟ إحنا وسط الناس !!

عثمان بنصف عين :

-مشكلتك إننا وسط الناس يعني . أووك تعالي ياستي.

و سحبها معه بعيدا عن الحضور ، ليستقرا خلف شجرة كبيرة وسط الحديقة ..

-همم كنا بنقول إيه بقي ؟! .. سألها “عثمان” و هو يضع يديه حذو رأسها محاصرا إياها من الجهتين

سمر بتوتر شديد :

-إنت مجنون ؟ الناس يقولوا علينا إيه و هما شايفينك مجرجرني كده لحد هنا ؟؟؟

عثمان بعدم إهتمام :

-يقولوا إللي يقولوه يا حبيبتي إنتي مراتي.

سمر بتماسك :

-بس أنا لسا ماسمحتكش.

عثمان بضيق :

-يعني أعملك إيه يعني يا سمر ؟ أخدك قدام الناس و أوطي علي رجلك أبوسها ؟؟!!

نظرت له بحزن و قالت :

-إنت عملت فيا حاجات وحشة كتير ! .. و إنهمرت الدموع من عيناها

جذبها “عثمان” نحوه و قال بأسف :

-أنا عارف . بس ندمان و الله

صدقيني دلوقتي أنا عايز أعوضك بجد و أعيش معاكي في هدوء إنتي و إبني . يا سمر إنتي مراتي . إفهمي مستحيل أهينك تاني بأي شكل من الأشكال.

الدموع تنهمر أكثر من عيني “سمر” و هو يعانقها بشغف و حنان ، و أكمل :

-سامحيني لإني إستغليتك من الأول و كنت وحش معاكي . سامحيني يا سمر و إنسي كل حاجة وحشة عملتها فيكي

إنسي عشان يحيى قبل ما يكون عشاني أنا و إنتي.

أرخت “سمر” رأسها علي كتفه ، و راحت تسمع نبض قلبه بوضوح ، ثم قالت بنبرة مرتعشة :

-مش هسامحك و لا هنسي .. إلا بعد ما توعدني بحاجة !

عثمان بإسراع :

-أي حاجة . إطلبي يا سمر كل إللي إنتي عايزاه هيبقي ملكك.

-قولتلك ده وعد مش طلب.

-طيب .. عايزاني أوعدك بإيه ؟!

سمر و قد رفعت وجهها لتنظر بقوة في عينيه :

-تصلي . إوعدني إنك هتبدأ تصلي و إنك عمرك ما هتبطل أبدا.

عثمان بإستغراب :

-إشمعنا الصلاة بالذات يا سمر ؟

سمر بإبتسامة خفيفة :

-الصلاة هتقربك من ربنا . و طول ما هتكون قريب من ربنا عمرك ما هتظلم حد و لا هتظلمني.

نظر لها بحب ، و إنحني ليعانقها ، فعانقته و لم تصدق مدي سعادتها ..

همس “عثمان” بأذنها :

-أوعدك هصلي . من الليلة

أوعدك مش هاسيبك أبدا و لا هاوصلك لمرحلة الضعف زي ما عملت قبل كده و ضيعتك . أوعدك يا سمر.

و صمتا عند هذا الحد ، و راحا يعانقان بعضهما البعض .. و بعد عدة دقائق لم تحسبها “سمر” إبتعدت عنه قليلا و سألته :

-طيب و ملك ؟

عثمان بدهشة :

-ملك ؟ مالها ؟!

سمر بشك :

-عمرك ما هتفرق بينها و بين يحيى ؟ إنت عارف إنها مهمة بالنسبة لي.

عثمان بإبتسامة :

-فاكرة لما قولتلك قبل كده إني بعتبرها زي بنتي ؟

إطمني . أنا كمان بحبها و عمري ما هفرق في المعاملة بينها و بين إبني .. ثم رفع حاجبه و سألها :

-همم ! عايزة تقولي حاجة تاني ؟؟

كانت ستقول شيئا أخر … لكنه وضع يده علي صدرها ، فوق قلبها مباشرةً ، فوجدت لسانها ينطق من تلقاء نفسه :

-بحبك !

إبتسم “عثمان” و تولت قبلته الحارة التعبير عن المشاعر التي عجزت شفتاه عن تحويلها إلي كلمات …

تمـــــــــت

#عزلا_أمام_سطوة_ماله

#مريم_غريب

لمتابعة  الرواية الجديدة زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *