الفصل الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
“اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.”
الأب: يلا يا محمد يا حبيبي الأذان أذن، قوم اتوضى ويلا عشان نلحق الفجر جماعة
نظر لوالده بابتسامة ناعسة وهو يجيبه
محمد: حاضر يا بابا على بس على متصحي “حور” هكون اتوضيت وننزل على طول بأمر الله
ينهض تاركا والده في طريقه لإيقاظ أخته الصغيرة، حتى تتجهز لأداء صلاة الفجر وتتجهز للذهاب لجامعتها فهي شابة حسنة الخلق والخُلق، تتميز بجمال ساحر يجذب الأنظار نحوها; ولكن جمالها هذا تخفيه بعناية بحجابها الساتر ولبسها الفضفاض، فكانت ككريستالة بالغة الجمال حفظت لمن يستحقها، لتسمع نداء والدها الحبيب يدعوها للاستيقاظ بهدوء، لتجيبه بعد عدة مرات من يقظة النوم،
حور: حاضر يا بابا هصحى اهه، معلش بس نمت متأخرة
نظر لها والدها بابتسامة وحنية فهي تشبه والدتها كثيرا، بشعرها الأسود الطويل وعينيها السوداء التي تجعل من ينظر إليها يرى لمعة فيهما، لمعة مميزة تنبع بالحنان، وبشرتها البيضاء، فكانت جوهرته التي حافظ عليها منذ وفاة رفيقة دربه، وحبيبته الوحيدة، فقد تركتها له وهي لازالت بعمر العاشرة، وأخيها بعمر السادسة عشر،
الأب: طيب يا حبيبتي اصحي يلا عشان تلحقي تصلي وتراجعي شوية قبل امتحانك
وعند ذكر كلمة امتحان، تنتفض متذكرة أن امتحانات الترم الأول بدأت منذ يومين، ولديها امتحان شديد الصعوبة لذا تأخرت بالنوم، لتنهض راكضة حتى تتوضأ وتعود لكتبها فهي في عامها الأخير بكلية التجارة
حور: خلاص يا بابا انزلوا انتم وانا خلاص صحيت
تركاها واتجه كلامها للمسجد لأداء صلاة الفجر، فكان الإمام قد نادى بإقامة الصلاة، لتصلى فرضها، وهي تدعوا ربها أن يوفقها في امتحاناتها، وتعود منكبة على كتابها الذي لا تعلم كم عدد المرات التي قد قرأته بها، فهذه المادة تمثل لها ثقلا يكاد يعصر قلبها،
بعد مدة قليلة عاد والدها وأخيها ومعهم طعام الإفطار فهم يعلمون شدة توترها من هذه المادة، فلم يشاؤوا أن يزيدوا من توترها بتحضير الطعام، سويعات قليلة وكانت الشمس تشرق بنورها الساطع في الأجواء، ارتدت ثيابها وهمت في المغادرة ليقابلها أخيها يخبرها أنه سيوصلها أثناء ذهابه لعمله،
بابتسامة مليئة بحب أخوي: ثوان يا حور أنا هوصلك للجامعة وان رايح الشغل خلاص جهزت
تنظر نحوه بعاطفة أخوية فهي تعلم داخلها سبب عرضه هذا، وهو رؤيته لها قلقة من اختبار هذه المادة، فأراد أن يبث الطمأنينة داخلها
حور: حاضر يا أبيه أنا منتظراك أهه بس بسرعة عشان عاوزة أوصل بدري
محمد: خلاص يا ستي أنا جاهز يلا بينا
ودعا والدهما وكانت دعواته تلازمها، راجيا من الله لهم النجاح في حياتهم، نظر في أثرهم بتنهيدة تحمل بين طياتها الكثير من الألم، ليجلس بهدوء وهو يمسك بإطار به صورة زوجته الراحلة، اغرورقت عينيه بالدموع وهو يستعيد ذكرى وفاتها وهي توصيه على صغارها، تنساب دمعة من ركن عينيه لم يدرك وجودها إلا عندما سالت على صفحات وجهه،
-الحمل تقيل أوي عليا، وخلاص مبقتش قادر اكتم جوايا أكتر من كدة، الذنب كل يوم بياكل في قلبي وانا مبقتش قادر اشيله، سيبتيني لوحدي شايل هم فوق كتافي لحد اليوم ده انا خايف عليهم، وخايف من يوم الحقيقة…
★——★
كانت تسير لجواره والأمان يغزوا خلايا قلبها، تشعر وكأنها تستطيع مواجهة الحياة بكل ما أوتيت من الصعاب مادام أخيها لجوارها،
بدأ حديثه معها مشجعا إياها على أداء اختبار اليوم، يعلم جيدا أن صغيرته ذكية ولكنها تحتاج لدعمه حتى ولو قليلا، ليبدأ حديثه يسترعي به انتباهها
محمد: حور يا حبيبتي انت عارفة كويس إن ربنا سبحانه وتعالي قال لنا “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” انا عارف إنك خايفة ومتوترة بس لازم تكوني واثقة من نفسك، إنتِ ذاكرتي واجتهدتي يبقي انسي القلق ده خالص وبإذن الله ربنا معاك
ابتسامة صغيرة شقت ثغرها، رغم بساطة كلماته المشجعة لها إلا أنها بثت الطمأنينة داخلها، وهذا ما كانت تريده، فأخيها دوما كان صديقها المقرب الذي تلجأ له في كل شيء، والذي دوما كان ونعم السند لها،
حور: عارفة والله يا أبيه بس فعلا المادة دي صعبة، رغم اني ذاكرتها أكتر من مرة لكن قلقانة منها، ومش هرتاح غير لما أحل الامتحان واخرج بأمر الله، ساعتها فعلا الغمة هتُزال
محمد: ياه للدرجة دي المادة دي مخوفاكي، لا كدة إنتِ مش حور اللي انا عارفها، بصي يا حور انتِ إهدي كدة بس وبأمر الله هتحلي كويس جدا وهتطلعي عشان تعزميني على حاجة حلوة وتقولي أخويا حبيبي هو اللي حفزني
إرتفعت ضحكتها على حديثه لتجيبه،
حور: يعني انا اللي أعزمك كمان طب أنا بإذن الله هحل كويس وهعزمك وانتَ اللي هتدفع، أمال إيه ده أنا أخويا بشمهندس قد الدنيا واتوظف في أكبر شركة هندسة في البلد، وهو اللي يعزمني بقي
ضربة بسيطة على رأسها من الخلف وهو يخبرها،
محمد: بس خلاص إيه هتسيحي لي واحنا في الشارع حِلي انتِ بس وأنا هعزمك، وبعدين بلاش قرّ ده أنا متعين بقالي شهرين بس
حور: خلاص يا عم مش هقر هحسدك بس،
تصمت هينة وهي تتنهد بابتسامة،
– بس بجد شكرا يا أبيه أنا عارفة حضرتك عملت الحوار ده ليه، عشان تخفف من توتري بجد شكرا انا مش عارفة من غيرك كنت هعمل ايه ربنا يخليك ليا يارب
– يربت على رأسها بحنية
محمد: ويخليك ليا يا حور، يلا المهم احنا وصلنا اهه، هسيبك تدخلي بقي وانا هتوكل على الله عشان متأخرش يلا في حفظ الله
ودعته وهي تدخل من بوابة الجامعة تنظر لمكانها المفضل الذي تجلس فيه هي وصديقاتها، لتجد إحداهما تجلس هناك ولجوارها هذا الشاب الذي جعلها تتنهد بسأم من هذا الأمر، فهي لا تحب العلاقات بين الشباب والفتيات، اتجهت نحوها بعدما أشارت لها
حور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردوا السلام عليها ليلحظ أن وجوده ليس مرغوبا به في حضرتها، فيستأذنهم للمغادرة على موعد لمقابلة صديقته
تنظر لها صديقتها بضيق قليلا لطريقتها وهي تعنفها
-ليه كدة يا “حور” انت أحرجتيه
تنظر نحوها بنظرات نارية رافضة لما تفعله والذي ستكون له عواقب سيئة
حور: أحرجته! انت اتجننتِ خالص يا “رهف” واقفة معاه في وسط الجامعة، ده غير إنه حرام انتِ مفكرتيش لو حد شافك هيقول عليكِ إيه
تجيبها بنزق فهما قد تحدثوا في هذا الأمر مرارا، تعلم صدق حديثها وخوفها عليها، لكنها بحاجة له فهو يساعدها في مذاكرتها وهي تعده صديقا لا أكثر
رهف: يوه يا حور قلت لك قبل كدة دي صداقة عادية، وبعدين “شريف” بيساعدني في المذاكرة وبس، وانا فهمتك ده بدل المرة عشرة
تتنهد بيأس منها ومن حديثها معها الذي يتحول كل مرة لشجار،
حور: انت حرة يا “رهف” بس أنا حذرتك كتير وقلت لك إن الموضوع ده غلط، انت ممكن معتبرة الموضوع بالنسبة لك صداقة; لكن بالنسبة له ممكن ميكونش صداقة، وبعدين موضوع المذاكرة ده أنا عرضت عليكي كذا مرة إني أساعدك وانتِ اللي مش راضية
رهف: بالله عليكِ خلاص متفتحيش سيرة الموضوع ده تاني، المهم ذاكرتي المادة الزفت دي ولا إيه وضعك
حور : الحمد لله ذاكرتها وربنا يستر،
تنظر حولها كمن تنتظر شخصا ما، لتهم بسؤالها،
– هي روح مجاتش لسة ولا إيه؟
تجيبها “رهف ” بهدوء: لا لسة مجاتش، وبعدين إنتِ قلقانة عليها ليه، دلوقت والدتها هتوصلها وهي رايحة المستشفى
دقائق قليلة وكانت تترجل من سيارة والدتها السوداء، فتاة جميلة بوجه مستدير، وعيون بلون العسل، وترتدي حجابا فضفاضا يستر بدنها،
ليدركا حضور ضلعهما الثالث، لتؤشر لهما وهي تودع والدتها; ولكنها سبقتها في النزول حتى تلقي التحية على صديقات طفلتها التي تحبهم وتعزهم لحبهم لابنتها، خاصة صاحبة الحجاب التي لا تدرك لما تحب هذه الفتاة وتحب رؤية وجها، وكذلك الفتاة الأخرى رغم عدم ارتدائها للحجاب إلا أنها فتاة طيبة القب، وصلا إليهما ليبادرا بالسلام
“روح” بابتسامة صادقة لرؤيتها إياهم: صباح العسل على عيون الحلوين
“رهف “بابتسامة: صباح العسل يا فلة، صباح الخير يا دكتورة “حياة”
حور: صباح النور يا “روح” توجه رأسها ناحية هذه الطبيبة التي تحبها كثيرا، فهي طيبة القلب وتحبها كابنتها، لا تدرى أي حب; ولكن قلبها يشعر بالحنين إليها
-ازي حضرتك يا دكتورة “حياة”
ابتسامة تشكلت على وجها بحنية لهذه الفتاة،
حياة: الحمد لله كويسة يا حبايبي، طمنوني عملتوا ايه في مادة النهاردة كويس ولا زي الثالوث بتاعكم خايفة وقلقانة
رهف: والله يا طنط زي الثالوث بتاعنا، المادة دي فعلا صعبة
“حور” بإيماءة مؤكدة: فعلا مادة صعبة أنا ذاكرتها أكثر من 3مرات وبرده حاسة إني هبلة ومش فاهمة حاجة
تنظر “روح” لوالدتها: شفتي بقي عندي حق أعيط، ده إجماع تاريخي بصعوبة المادة دي، يا رب سهلها علينا يا رب
تنظر نحوهم بشفقة “حياة” طب اهدوا بس كدة وإن شاء الله خير القلق والتوتر اللي انتوا فيه ده مش كويس، طالما اجتهدتوا وذاكرتوا كويس سيبوها لله، يلا هسيبكم أنا عشان اتأخرت وهطمن عليكم لما تخلصوا، مع السلامة
تتركهم برفقة بعضهم البعض وتغادر لعملها كطبيبة في مشفى كبير يخص عائلتها، فهي تنتمي لعائلة ” الزيان” إحدى العائلات العريقة بالبلد، يمتلكون عدة شركات إستثمارية وهذه المشفى تخص زوجها وأخيه الأكبر مناصفة وهي من تتولى إدارتها
التعليقات