التخطي إلى المحتوى

رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل الثامن والعشرون

تنهد سليم بملل شديد وهو يلقي هاتفه بجواره على ذلك المقعد الموضوع في الحديقة، يفكر ويفكر في حياته التي تعقدت بصورة غريبة، من ناحية شغله الذي أهمله ولهذا هو قد أخذ أجازة قصيرة المدى حتى يتحسن حال حياته، ومن ناحية أخرى حياته الشخصيه، عائلته تضغط تليه بصورة غريبة ليحكي لهم علاقته بتزيف موت مروان واتهام سفيان بقتل مروان، كل شيء يضغط عليه بطريقة خانقة للغاية، إيه يا وحش، مالك؟

قال مروان الذي جلس بجانبه يناظره بإهتمام فابتسم له سليم قائلًا، زهقان بس، متعودتش أسيب الشغل فترة طويلة، أنا بقا متعودتش أشتغل خالص…

قال مروان وهو يقهقه بسخرية على حاله فابتسم سليم له قائلًا بنفس النبرة الساخرة، لا تعايرني ولا أعايرك، المهم أهلى عايزين يعرفوا إيه دخلي بموتك والفيديو إللي شافوا، خلاص أقعد معاهم وفهمهم واحدة واحدة، قال مروان بهدوء، نظر له الآخر ببرود ساخر، من عيوني هقعدهم وأحكيلهم قصة فساد ابنهم، وإزاي كنت بساعد رائف في طريقه.

تنهد مروان بهدوء وربت على كتفه قائلًا، ياعم كلنا كنا طايشين، وعملنا حاجات وحشة كتير، بس دلوقتي بص علينا الحمدلله، حياتنا أحسن بكتير من زمان، تنهد سليم وهو يسرح بخياله في ماضيه الذي كان مشابه لماضي سفيان بصورة كبيرة، ولولا ما حدث معه لكان الآن مثل رائف بل وأسوء، تلك الخطة التي وضعها هو رائف لقتل مروان والحصول على أمواله هي ما جعلته يستيقظ من غفلته، سيقتل مروان لأجل النقود، سيقتل صديقه وأخيه من أجل ماذا؟

تنهيدة حارقة خرجت من فمه فابتسم مروان له، أنسى يا سليم، عيش الحاضر ومتفكرش في الماضي، وبعدين بص لنص الكوباية المليان، لولا ربنا ثم أنت أنا كان زماني ميت بجد، يعني إنتَ جيت حذرتني، وخططنا سوا إزاي أنقذ نفسي من رائف، هربتني أمريكا أينعم بعدين رائف عرف ومسكني، بس كل مرة كنت بتبقى في ضهري يا سليم، فسيبك من كلامهم وشوف إنت عملت إيه ليا ولإخواتي، إنتَ إخونا يا سليم، أخويا إللي بيكون موجود دايمًا علشان يساعدني، نظر له سليم بأعين لامعة وابتسامة امتنان مرسومة على فمه ثم أحتضنه وهو يربت على ظهره بخشونة، بقولك…

قال سليم بهدوء بعدما جلس مكانه مرة أخرى، همهم له مروان بتساؤل
أنا عايز أطلب إيد هايدي.

حين قال سليم جملته نظر له مروان بتفاجؤ فأخبره سليم بأن سفيان يعلم بأنه معجب بها، وحينها ارتسمت ابتسامة خبيثة على فم مروان وهو يقهقه بحماس، متقلقش يا سليم يا حبيبي، هخليه يوافق عليك، هو هيلاقي فين أحسن منك يعني، ومن ثم نهض جاذبًا سليم هو الأخر وأسرع لداخل المنزل مناديًا على سفيان، يا بني، لا إله إلا اللّه، أصبر بس، هنطلبها دلوقت إزاي يعني، هو إحنا فايقين، قال سليم بغضب وهو يكتم فم مروان فأبعده الآخر مبتسمًا بصفاقة، أسمع مني، الفرصة دي مهتتعوضش، هو عايز أختي وإنتَ عايز أخته، ثم قهقه بتسليه وهو يتخيل ملامح وجه سفيان حين يخبره بهذا، في إيه يا بني…

قال سفيان بتفاجؤ وهو ينظر لمروان الذي اقتحم غرفته هو وسليم، نظر سليم له ببرود ولكن التوتر كان حليفه في تلك اللحظة، أما مروان فابتسم بخبث وهو يكتف يديه أمام صدره واستند بجسده على الباب، لمح سفيان نظرات التسلية في أعينه فنظر له بهدوء وهو يعلم بأن ما سيخبره به سيجعله في حالة غضب ثائرة، مروان يبتسم فقط في حالة واحدة وهي إزعاج سفيان، عايزني أوافق على الفرح إللي هتعلمه…

قال مروان بتسلية، هو يعلم بأن سفيان سيرفض وبهذا لن يحدث حفل الزفاف، ولكن إذا وافق، سيجعله يوافق على طلب سليم، همهم سفيان بالقبول وهو يعد نفسه للطلب الذي سيخبره به مروان، لو عايزني أوافق فهطلب منك طلب صغنن قد كده، قال مروان بهدوء ونظر لسليم الذي فتح باب الغرفة يستعد للهروب، ضحك مروان بتسلية وراقب خروج سليم ببطء، من ثم أعاد نظره لسفيان الذي يراقبه بهدوء، وافق على طلب سليم، هو كان طلب هايدي منك، فوافق عليه، ده مش أمر ده طلب، قال مروان بهدوء مصطنع، وهكذا سيضرب عصفورين بحجر واحد، عدم زواج سفيان وعائشة، أو خطبة سليم وهايدي، راقب مروان أعين سفيان التي اشتعلت بغضب أهوج رغم هدوء ملامحه، هيا صفقة؟

قال سفيان ببرود، نظر له سليم بسخرية، إنتَ عارف إني بحب هايدي. فمتستعبطش، نظر له سفيان بغل وقد اشتعلت نظراته، الأحمق يلفظ اسم اخته على لسانه، قهقه مروان بتسلية فنظروا له بغضب ليكتم ضحكته وهو يتنحنح بجدية مصطنعة، ابتسم سفيان فجأة مما نظر له مروان بتفاجؤ، طب وأنا هلاقي زي سليم فين لهايدي، اامهم الفرح هيتعمل بكرة، وبعد كده يبقى نشوف موضوع سليم، قال سفيان بهدوء مصطنع وهو ينظر لهم بتوعد وتسلية، سيتزوج عائشة غدًا، وإذا كانت هايدي موافقة على سليم وتريده زوجًا لها سيجعله يرى النجوم وسط النهار، هو وهذا المروان الذي كان يريد أن يشمت به، صافح سفيان مروان ببرود فنظر له الآخر بسخط، حسنًا لقد نجحت خطته ولكنه كان يريد استفزازه، ولكن يبدو بأنه فشل في هذا…

وعلى هذا النحو تم الاتفاق فيما بينهم، وكانت الإستعدادات على أشد من الجمر، وأنتشر الخبر كانتشار النار في الهشيم، سفيان أمجد الدرملي ابن عائلة الدرملي سيتزوج من عائشة مختار الشافعي، ابنة رجل الأعمال المرحوم مختار الشافعي، أمر والد سفيان العم أمجد بذبح الذبائح وتوزيعها على الفقراء، وكذلك عمه، وبدأت النساء في التجمع في المكان المخصص لهن والغناء مع بعضهم البعض وكأن تلك الفتاة هي ابنتهم وهذا ما أشعر عائشة بالسعادة، تلك الأجواء الشاعرية التي تحيط بها من ناحية، ورهف والفتيات من ناحية أخرى، جلست وسط الفتيات بفستانها الأبيض البسيط ومن حولها أخواتها، رهف وهايدي وشيما وماريا بفساتين متشابه في اللون الأزرق النيلي مما أبرزهم وسط النساء، اشتعل الحماس وسط التجمع حينما قامت شيما بالغناء وهي وتساعدها باقي النساء في الترديد، قهقهت عائشة عليها ونهضت وهي تسند رهف هي وهايدي وجاوروا شيما وكذلك ماريا التي لا تفهم ماذا يقولون ولكن الأجواء سعيدة هنا، عند بيت أم فاروق.

هاي هاي
والشجرة طرحت برقوق
هاي هاي
وبعدين، بصي أصل أنا مش فاكراها أووي، قالت شيماء بمشاكسة فضحكت عائشة عليها، كانت تغني مقتطفات من كل أغنية وحين تنسى الأجزاء الباقية تنتقل لأغنية أخرى، يلا يلا، وأدحرج وأجري، يا رمان، وتعالى على حجري، يا رمان.
وفجأة أسكتتها إحدى النساء وهي تغني بدلاً منها وأخرى تصدر أصواتًا باستخدام الدف، وهكذا كانت الأجواء سعيدة فيما بينهم…
يا بنات…

قالت فتاة وهي تركض ناحيتهم فنظروا لها بتساؤل، لتشير نحو الخارج بحماس شديد، العريس بيرقص على الحصان.

أما في مكان الرجال، كان المكان مزدحم بشدة وهم يحيطون سفيان الذي يرقص على الحصان على أنغام المزمار، ويقف الآخرين وهم يصفقون بسعادة وصالح يصفر بتشجيع، خرج الفتيات في الشرفة ينظرون للأسفل بإنبهار شديد كانت تلك مرتهم الأولى في رؤية حصان يرقص بشموخ هكذا، سفيان يضحك بسعادة لعائلته وعائشة تنظر له بحب على حماسه المشتعل أمام أعنيها، موافقة مروان كانت مستحيلة نسبيًا، ولكنه يقف في الأسفل يصفق لسفيان وسليم يشاهده بتسليه، كان شكله رجوليًا في تلك العباءة التي يرتديها، أهداها له عمه كما سمعت ولم يخيب سفيان ظنه حينما ارتداها.

بعد فترة قصيرة هبط سفيان من على الحصان فتلقاه أصدقائه وهم يضحكون بتسلية، أما صالح فتوجه ناحية مكبر الصوت وقام بتشغيل تلك الأغنية التي يحبها لأنها تصف حالتهم معًا، علشان لازم نكون مع بعض
عشان شايلانا نفس الأرض
عشان بكرة اللي مستني
ومش عايز يفرق حد
نوبة واييه. آى وايتونري
بتيتوجور. اسيندوجور
ونوبة ونس انجري
صاحبي اللي كتفه في كتفي بيخليني متطمن
عارفه هايفضل جنبي مهما لقاني بتجنن.

ومش من دمي. ولا أخويا ولا عمي
لكنه إختار يكون جنبي
القمح اللي في دار الجار. قمحي
والفرح اللي في جار الدار. فرحي
عمك ياد راقد تعبان. قوم وإرويله أرضه
مين غيرك هيراعي الزرعة. ويحاجي على عرضه
علشان لازم نكون مع بعض
عشان شايلانا نفس الأرض
عشان بكرة اللي مستني
ومش عايز يفرق حد.

حين بدأت تلك الأغنيه توجه صالح بحماس ناحية سفيان من ثم جذب فرغلي وأدهم وداوود ومروان وكذلك سليم، جذبهم جميعًا وهم يحتضنون بعضهم البعض، يرددون الكلمات بسعادة وهم يقفزون على هيئة حلقة.
داوود أيضًا المتجمهر طوال الوقت كان يضحك معهم وهو يردد تلك الكلمات، كتف لكتف، ظهرٌ لظهر، أصدقاء جمعهم القدر، فجعلهم كالإخوه تمامًا، يخافون على بعض، يفرحون لفرح بعض ويريد كل واحد منهم حماية الآخر…

في الأعلى أدعت أعين عائشة بسعادة وهي تراقب ما يحدث بالأسفل، وشيما أخرجت هاتفها لتصوير ما يحدث بينهم، أما هايدي فجذبت رهف وعائشة جذبت شيما وكذلك ماريا واحتضوا بعض كذلك، يتمايلون يمينًا ويسارًا وهم يقهقون بفرح، كانت تلك لحظاتهم الثمينة، علاقتهم بم تبدأ منذ فترة طويلة، لكنها كانت قوية كالصخر، متينة كالفولاذ، كانوا أخوة أقرب من أصدقاء، وما الأخ إلا سند، ورب أخ لم تلده أمك،.

في تلك اللحظة التي يرقصون فيها سويًا، كان رائف كالليث الحبيس، يصرخ في سيارته متجهًا نحوهم، رمى بخطته عرض الحائط، عائشة ملكه، وستصبح كذلك، لم ينتظر رائف رجاله ولم يعلمهم بخطته، كان قد جن حين سمع الخبر، لن يسمح باتمام هذا الزواج، هو قد قرر اختطاف عائشة من وسط حفل زفافها، من ثم هو يعرف كيف يجعلها ملكًا له وحده، لم يخطط لكيفية اقتحام المنزل، لم يفكر في كيفية تنفيذ خطته، لم يفكر في أي شيء، غروره هيأ له بأنه سيفعل ما يريد دون مجهود، وحتمًا هذا الرجل فقد عقله، وصل لذلك المكان المزدحم مث ثم قام بإخفاء وجهه باستخدام الماسك الطبي، وكذلك ارتدى قبعة تخفي باقي وجهه فلم تظهر سوى عيناه السوداء كسواد قلبه، اقتحم صفوف الرجال بغل شديد، وراقب سفيان الذي يرقص على كتف أدهم الذي رفعه على حين غفلة منه، وأمام صالح يرقص هو الآخر على كتف فرغلي باستخدام سكين صغير مزيف، رجال كثيرون يحاوطونهم وعلى ظهرهم ذلك السلاح وهو يعلم بأن تلك الاحتياطات تخصه، ابتسم بخبث وأعينه الساخرة تنظر لهم باستخفاف، لقد دخل من باب المنزل، واقتحم الرجال وللسخرية لقد مر من أمام والد سفيان الذي نظر له بترحيب، لم يعترض أحد طريقه ولهذا غروره قد وصل عنان السماء، أخرج رائف سلاحه ببطء شديد وحين أراد توجيه ناحية سفيان لفت نظره عائشة في الأعلى بطلتها الملائكية الجميلة…

اشتعلت عيناه بالغضب الشديد، كانت ستكون ملكه لو لم يتدخل، تلك الضحكة كانت ستكون من نصيبه لو فقط وافقت عليه…
نظر لها فجأة وقد لاحت فكرة جهنمية في عقله، ما فائدة قتل سفيان…
هو لا يريد موته هو فقط يريده أن يشعر بالألم، ألم الفراق، ألم فقدان عائشة التي يظن بأنها لن تفارقه أبدًا، ولهذا هو أدخل سلاحه في مكانه بهدوء وانسحب من المكان بخفة متوجهًا نحوها…

نحو فتاته التي سيعيد تربيتها مرًة أخرى، وسيحرص هذه المرّة على كسرها للأبد…

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *