رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل السابع والأربعون
شكرا لكل الناس اللي سألت عليا أنا الحمد لله بقيت بخير، كنت تعبانة و نزلت على الجروب، والأدمن وأكتر من بنت كتبوا هنا في كومنتات الواتباد إني مش كويسة، مأهملتش في الاعتذار زي ما كتير عمال يقول ويضرب بالكلام، مع إني كنت في حالة مينفعش أصلا معاها إني اعتذر، مشكورين اللي سألوا، واللي عاتبوا بذوق وأدب علشان مخدوش بالهم من الاعتذار، لكن اللي هان وشتم وقارن بكاتبات تانية، وقالي أسيب المجال ده، أنا مأجبرتش حد منهم يقرأ، وشخص واحد بس بيتابعني ويعاتبني لو اتأخرت بذوق أفضل من 100 يتابعوني ولو اتأخرت ينسوا أي حاجة ويشتموني وكأن اللي بتكتب الرواية دي مش بني آدمة، من بدايتي منتظمة معاكم ولما الفصول قلت لواحد في الأسبوع قولت كتير مرة واتنين وتلاته إن الفترة الأخيرة نفسيا مش كويسة ومضغوطة وبجاهد على قد ما اقدر كل أسبوع ينزل فصل، واعتذرت عن ده مليون مرة، هل المفروض كل مره أطلع أصدعكم وأقول معلش يا جماعة أنا مش كويسة الفترة دي واستحملوني؟
وبالنسبة للمقارنات بكاتبات تانية، في كاتبات بتنزل فصل كل شهر مش كل أسبوع، وأنا مذكرتش أمثلة قبل كده ولا قارنت، لكن علشان تعبت ونزلت اعتذار كمان في الجروب و كومنتات الواتباد ألاقي قصاد ده جلد وإهانة وعدم تقدير، ومحدش يقولي فضلا ده حبا في الرواية، اللي بيحب الرواية وصاحبتها بيعاتب بطريقة كويسة، إنما اللي بيهين ويشتم ده واحد بيتعامل معاملة إنه بياخد سلعة، بس أنا بقى مباخدش مقابل، أنا مفيش ولا كومنت من اللي شتموا رديت عليه، ومش هشوف بقيتهم علشان متعبش أكتر.
لكن مع احترامي للجميع أي حد هيتطاول بعد كده بان، وأي حد بيتضايق ويعاتب بالأدب ده على دماغي، وفي ناس منكم بتدخلي خاص و تعاتبني وهما يشهدوا أنا برد ازاي، لكن تشتمني ولا تقلل مني فلا أنا مبشتغلش عندك.
الفصل ده طويل بقالي أيام بكتب فيه، وربنا عالم كتبته ازاي، إن شاء الله يكون مرضي للناس اللي انتظرت، وشكرا مرة تانية للي سأل عني ومهتمش بحاجة قد ما اهتم بالانسانة اللي بيتابعها.
وقبل الفصل الكلام ده مش لأي حد اعترض باحترام، الكلام للناس اللي عارفة كويسة أوي إنها أهانت وتطاولت وقللت، وشكرا للكل في الآخر بس أنا مكنتش كويسة وحقيقي لما شوفت المكتوب بقيت مش كويسة أكتر، نرحم بعض شوية يا جماعة علشان مش دايما الانسان بيبقى مستعد لاستقبال أي كلام يتقال ولا حتى بيبقى مستعد ياخد ردة فعل عليه لأنه منهك، إن شاء الله الفصل يعجبكم، وأتمنى يومكم يكون كويس.
بسم الله الرحمن الرحيم.
ولدي نصحتك لما صوتي اتنبح.
ما تخافش من جني ولا من شبح.
وإن هب فيك عفريت قتيل اسأله.
ما دافعش ليه عن نفسه يوم ما اندبح؟
صلاح چاهين
جلست مع والدتها في غرفتها بعد نوم شقيقتها ورحيل الآخرى، تمددت شهد وطالعت وجه والدتها التي جلست جوارها على الفراش تحيك قطعة بيدها، رفعت هادية عينيها ولاحظت نظرات ابنتها فسألتها بهدوء: عايزة تقولي إيه يا شهد؟
لمعت عيناها بالعبرات كصغير تذكر سحب لعبته منه فبكى وصارحت والدتها بما داخلها: أنا زعلانة علشان خسرت المسابقة، وعلشان زعلت طاهر.
تنهدت هادية قبل أن تترك ما بيدها وتمسح على وجهها بتعب ثم ردت على ابنتها قائلة: أنا زعلانة يا شهد علشان أنتِ مش عارفة تنسي.
يعني إيه؟
سألت فجاوبتها والدتها بحزن: يعنى مش قادرة تحلي مشاكلك مع نفسك، مش عارفة تتصالحي معاها وتنسي أبوكي واللي فات، فهي كمان مش عارفة تتصالح معاكي ومخونة كل اللي حواليكي ومستنية الغدر منهم.
اعتدلت ثم ألقت نفسها في حضن والدتها وانخرطت في نوبة بكاء عميقة، تخرج فيها كل آلام روحها، أخذت هادية تمسح على خصلاتها وتطالبها برجاء: بس يا حبيبتي بس.
ثم رفعت وجهها تمسح دموعها وتسألها باستنكار: يا بت يا هبلة، بتعيطي ليه؟، ثم ابتسمت وأشارت على فؤادها مضيفة: أنتِ قلبك أبيض يا شهد، رغم إنك مجنونة ومطلعة عيني بس قلبك أبيض، واللي قلبه نضيف ده ربنا مبيضيعهوش، شوفي نجاكي كام مرة كده من طرق وحشة مشيتي ليها برجلك
هزت شهد رأسها تؤكد حقيقة هذا فردت والدتها تطمئنها: طب عايزة إيه تاني بقى؟، في حد ربنا يبقى واقف معاه وزعلان؟
ثم اقترحت عليها ما جعل شهد تطالعها باهتمام: في دكتور حلو أوي، أختك ملك قالتلي إنها بتروحله، علشان تعرف تعالج مشكلتها مع اللي حصل قبل كده، دكتور نفسي
ضحكت شهد وسألتها بغير تصديق: أنتِ اللي بتقولي كده يا ماما؟، أنا كنت مفكرة إني لو قولتلك حاجة زي دي هترفضي.
نفت هادية شيء كهذا وعلقت على قول ابنتها بأسى: أنا جايز عملت حاجات زمان غصب عني، وده جه عليا وعليكوا.
لكن دلوقتي كل حاجة اتغيرت، أنا لو عملت حاجة كنت بعملها علشان خايفة عليكوا يا شهد والله العظيم.
كانت ستبكي ولكنها قاومت هذه الرغبة بضحكة: مش هنتكلم في اللي فات بقى، أنا هجبلك من ملك عنوان الدكتور وروحيله، يمكن هو يقدر يساعدك ويعمل اللي أنا معرفتش أعمله.
تشبثت شهد بذراع والدتها طالبة وهي تزيل عبراتها: بس هتيجي معايا؟
احنضنتها أمها ووافقت على الفور على مطلب ابنتها التي طلبته بفؤاد صغيرة تخشى الذهاب إلى مكان جديد دون والدتها، ابنتها التي تدرك أن بصمات والدها ومعيشتها في منزل عمها فعلوا بها الكثير، فعلوا بها ما يصعب نسيانه، ولكنها على يقين أن صغيرتها أقوى مما عذبها، على يقين من أنها ستنتصر.
هل يأتي الخوف معه هو؟، سألت بيريهان نفسها هذا السؤال بعد أن استيقظت من سبات لا تتذكر متى استدرجها لتجد نفسها في سيارة زوجها، ظلام كاحل على طريق شبه مقطوع، تستفسر بذعر عما يحدث ويجيب بهدوء أنها رحلة وربما اعتذار عما بدر منه حين علم بذهابها عند ملك، حين تطاول عليها ورأت منه ما لم تشهد من قبل، لم تستطع منع نفسها من سؤاله وهي تدور بعينيها في كل مكان بقلق: طب هو فين المكان اللي هنروحه؟
وكانت الإجابة سؤال منه حين استدار لها يواجهها بنظراته التي طل فيها التودد: أنتِ خايفة مني؟
ابتلعت غصة مريرة في حلقها قبل أن تلقي على مسامعه قولها: أنت اللي وصلتنا لهنا.
فتساءل بغير تصديق: أنا اللي وصلتنا؟، يعني مش مرواحك عند ناس أنتِ أكتر واحدة عارفة هما عملوا فيا إيه وبيدبرولي إيه
وده يخليك تمد إيدك عليا وتعمل اللي عملته؟
سألته بعينين دامعتين، سكن العتاب في نظراتها وأوقف هو سيارته بعد أن طالعها، مسح على وجهه بتعب، المشاعر الطارئة هذه تكاد تفتك به، رأت بضع من حقيقته الآن ولكن لا يستطع هو رؤية هذا الألم في عينيها ولكنه قال: أنا مغلطتش، فقدت أعصابي وأي حد مكاني كان هيعمل كده.
مستنتهاش منك يا بيريهان، لما الانسانة الوحيدة النضيفة في حياتي تروح للي عايزين يغدروا بيا كان المفروض أحس بإيه؟
زاد نحيبها وتابع هو ما ألقاه على أذنيه قبل أذنيها ما صارح به نفسه ونفسها: لو مكنتيش فارقالي كنت هعرف أتعامل بطريقة تانية، كنت ممكن أقولك محصلش حاجة بس متعمليهاش تاني وأحط عيني عليكي علشان متلعبيش من ورايا بس للأسف
استدار لها يحيطها بنظراته وهو يخبرها: وجعتني أوي علشان بحبك، ويمكن دي تكون أصدق مرة أقولك فيها إني حبيتك يا بيري.
هزتها عبارته، ولكن وجعها كان كبيرا، كاد يقضي عليها وهي تصارحه: وأنا مصدقاك بس قلبي مش قادر يصدق إنها مش مظلومة، عينيها بتقول إن وجعها كبير وإن السبب فيه…
قاطعها معلقا بملل على كلماتها: قلبي، وعينيها، ووجعها، إيه يا بيري الجو ده.
دي كلمات لأغنية تامر عاشور الجديدة يا حياتي مش حوار بنتناقش فيه.
ثم تنهد وأضاف: قصره يا بيريهان، أنا بحبك.
بقى صامتا لحظات قبل أن يتابع بحزن: أنا مش عايز أخسر كل اللي حبتهم، كفاية أبويا وكمان علا
بان صدقه لها وهو يحتضن كفها طالبا برجاء: مش عايز أخسرك، ثقي فيا وصدقيني علشان خاطري
بلاش تيجي في اللحظة اللي الدنيا كلها ضدي فيها وتخذليني.
ثم وعدها: أوعدك هخلص كل حاجة، واخدك ونسافر، نبعد عن كل ده ونبتدي حياتنا، أنتِ مش عايزة تخلفي؟، أنا عايز يبقى عندي طفل منك يا بيري
بس أنت كنت رافض نخلف.
قالت ذلك بوجع ورد عليه هو بتبرير: كنت خايف يحصل حاجة وأسيبك، أنتِ شايفة وضعي، شايفة ظروفي، أنا عايز بس كل حاجة تهدى حواليا وأركز في طريقي وشغلي
تناول كفها يقبل باطنه وهو يطلب برجاء وقد أثرت عيناه بها: متسيبنيش يا بيري، هعملك كل اللي أنتِ عايزاه وهنستقر بس انسي علشان خاطري أي حاجة تانية.
هزت رأسها بالإيجاب ولكن داخلها شيء فُقِد، داخلها هذه المرة ليس على يقين كلي، كانت ندى الأذكى حين نصحتها بالمراقبة، هذا سيحسم كل شيء، سيجعلها تتيقن من شكوكها، إما أن يكون صادقا، أو تكون بالفعل محطة عابرة ونجح هو في الخداع.
الأماكن الجديدة مثيرة للفضول دائما، تدفعك لاستكشاف كل إنش بها، كذلك كانت ملك تفعل بعد أن وصلا إلى وجهتهما، تناول طعامه معها ومع أسرتها ثم استأذن أن يأخذها معه لأمر هام، ظنت أنه مكان قريب حتى غلبها النوم في السيارة، أيقظها بعد وصولهما، فأخذت تطالع المكان باستغراب، منعزل شيء ما، ولكنه يوحي بالهدوء، السماء الصافية و الخلاء من حولك وهذه الشجرة المميزة أضافوا للأجواء لمسة رائعة، يوجد جوار المنزل الذي اتجها له منزلان آخران، لمحت طفل من شرفة واحد منهما يشير لها فابتسمت، ثم استدارت تنظر حولها أثناء فتح عيسى الباب، وكأن المكان خلا من كل شيء إلا هذه المنازل البسيطة وما حولها من معالم، دلفت إلى الداخل وهي تتساءل: بيت مين ده يا عيسى؟
رفع كتفيه في إشارة لعدم معرفته وهو يذهب ناحية ذلك الركن المطل على الخارج وقد وُضِع مقعد في مقابله أريكة، جلس على المقعد متأملا الأجواء الخارجية هو يقول: مش عارف، بابا اللي اداني مفتاحه، بس أنا معرفش عنه حاجة ولا عمري سمعت عن البيت ده أصلا، بس لو بتاعه أكيد يبقى بيأجره.
طلت ملك على الردهة وهي تسمعه، كان كل شيء مرتب، يوحي بأن أحد نظم كل شيء هنا ليصلح المكان للتواجد فيه دون عناء، عادت إلى حيث يجلس عيسى من جديد وحدثته وهي تراه يطالع هاتفه: أنت بتكلم مين؟
بحاول أكلم بابا، بس مش عارف.
الإشارة في المكان صعبة للغاية فقرر أن يخرج عله يستطيع محادثة والده، أما هي فألقت حقيبتها بإهمال على الأريكة وأتت لتجلس ولكن كان حركتها مندفعة فاصطدمت رأسها بالجزء الصلب في الأريكة من الخلف وتأوهت هي عاليا، استدار باستغراب حين سمع صوت اصطدام شيء ما، و ما إن علم أن رأسها اصطدمت من يدها الموضوعة عليها تحرك ناحيتها يرى ما أصابها بينما صاحت هي: اه. دماغي.
كانت تبكي واستدارت تطالع الأريكة وهي تتحدث بانفعال: إيه الكنبة الزفت دي
زاد نحيبها وحاول هو بصعوبة منع ضحكته على هيئتها المنفعلة وهو يهدأها: معلش، أنتِ اللي شكلك رميتي نفسك جامد.
أخذ يمسح على رأسها وهي تبكي أثناء وقوفه، وأدار رأسه الناحية الآخرى مجاهدا في جمح ضحكاته على هيئتها، فلمحته وقالت من بين شهقاتها: هو أنت بتضحك؟
استدار لها وهتف بصراحة: والله صعبانة عليا، أنا عارف إنها بتبقى وحشة، معلش.
مسد على رأسها أكثر بضحك وهو يواسيها بينما أبعدت هي يده بغيظ فعلق محاولا التبرير وهو يطالعها برجاء: افهمي بس، أنا كنت بضحك على شكلك، مش علشان اتخبطتي، صدمتك خلتني عايز اضحك وبعدين ما انا ساكت أهو، اتعدلي أنتِ بقى علشان مضحكش بجد
أتى ليرى رأسها من تجديد ولكن هددته بقولها وهي تمسح عبراتها: والله لما تتخبط زيها هضحك عليك.
جعلته جملتها يضحك أكثر وهو يمسد على رأسها، رفعت رأسها على حين غرة تطالعه بتوعد ولكن نجح في وأد ضحكته، وما إن أبعدت عينيها، ابتسم ولم يشغله إلا اتصال والده وقد التقط هاتفه الإشارة أخيرا، فتناوله مسرعا للرد عليه.
الحديقة المحيطة بقصر ثروت حل عليها الصمت خلت من كل صوت في هذه الليلة المظلمة، عدا صوت أنفاس ندى التي جلست على أريكة بها وهي تحاول للمرة التي لا تعلم عددها الوصول لابنة عمها، قطع شرودها وصول من طلبت منه المساعدة هاتفيا، خمنت أنه كان في مناسبة هامة من ملابسه الرسمية عكس تلك الشبابية التي يرتديها في أغلب الأوقات، سأل باسم بعد أن جلس على المقعد الخشبي ببعد مسافة عنها: خير؟
استدارت تطالعه بهدوء قبل أن تقول: بابا وعمو ثروت مسافرين في شغل، المفروض هيرجعوا الصبح، بس أنا كنت محتاجة حد يساعدني أتصرف، أنا حاسة إن
بيري مش بخير.
مكلمتيش عيسى ليه؟
سأل بسخرية وهو ينظر لحذائه، فتنهدت بضيق قبل أن ترد: أنا متصلتش بيك على فكرة، أنت اللي كلمتني بالحجة اللي مدخلتش عليا بتاع إنك بتحاول توصل لبابا ومش بيرد.
كنت ممكن تسأل أي موظف في شركة عمو ثروت وتعرف إنهم مسافرين، فمتخلنيش أندم إني لما لقيت اتصال منك وعرفت إنك في القاهرة طلبت منك تيجي علشان محتاجة حد يقولي اتصرف ازاي
استدار يطالعها، وكأنه يقيم أقوالها، وبالفعل رد على ما تفوهت مردفا: نبرة الاستحقاقية اللي بتتكلمي بيها دي قلليها شوية.
أنا مش مضطر أعرف مشكلتك ولا أساعدك مع ذلك جيت.
وأنتِ محتاجاني يبقى تتكلمي كويس أو أقوم أروح.
هزت رأسها بغير تصديق، مستنكرة حديثه ثم أشارت له ناحية البوابة مرددة: شكرا يا باسم اتفضل مش عايزة حاجة.
مضطر للأسف أفضل موجود وأساعدك، أخلاقي متسمحليش حتى لو أنتِ م…
قاطعته هاتفة بضجر: وأنا مش عايزة مساعدتك.
مسحت على عنقها بتعب ولم تلتحم معه في حوار جديد، فضلت الصمت حتى يرحل هو ولكنه لم يفعلها فسألته بتعب وهي تطالعه: وبعدين يا باسم؟
مط شفتيه كدلالة لعدم معرفته وصارحها بقوله: مش عارف.
مشاعر متأججة في صدره تجاهه، على الرغم من كل شيء، على الرغم من بغضه لكل ما فعلته وتسببت به في تعاسة حياته ولكنه لا يستطيع ألا تجدد مشاعره لها في كل مرة يراها: أنا مش عارف جيت ليه أصلا، ولا عارف أنسى اللي فات، كل اللي عارفه إني بظلم نفسي.
أثار انفعالها وتجمعت العبرات في مقلتيها ولكنها لم تردعها عن مواجهته بغضب: مش قادر تنسى اللي فات ليه؟، أنت أكبر ظالم أصلا.
حقك المفروض يرجعلك ازاي تاني؟
بدأت تعدد له ما أصابها بانهيار: حياتي باظت، اتجوزت واحد جابلي عقد الدنيا كلها.
وهربت من بيته بمعجزة، حتى بابا مبقاش قادر يساعدني.
كل أحلامي واللي نفسي أحققه بخ خلاص، ده كله بالنسبالك مش كفاية علشان تنسى؟
هز رأسه نافيا بهدوء وعيناه لا تفارقها وهو يرد بابتسامة بان بها ألمه: كان ممكن يبقى كفاية لو قدرت أفرح فيكي.
بس للأسف أنا زعلت على اللي حصلك.
ثم أضاف يؤكد بمرارة: فهو مش كفاية لا يا ندى علشان أنسى إنك مختارتنيش
في وقت كان ممكن تختاريني فيه.
بعدت لما حبيتي عيسى، مع إني كنت حاسس إنك مشدودة ليا، فجأة لما ظهر لقيتك بتتخطبي.
ممكن أعدي دي قلوبنا مش بإيدينا
ولكن أظلمت عيناه حين تذكر فعلتها وذكرها معه: لكن لما سابك، وروحتي اتجوزتي أي جوازة والسلام علشان يبقى اسمك حياتك موقفتش على حد.
مفكرتيش تديني فرصة، مع إنك عارفة مشاعري ناحيتك.
ومع إنك مبتحبيش جابر، مكنتش استاهل فرصة؟
ده أنا جيتلك لحد عندك وطلبتها منك، قولتلك استني متتجوزيش، شهرين اتنين بس اديني فرصة ولو حسيتي إنك مش هتقدري متكمليش
هذه الذكريات السوداء جعلها هو تمر أمام عينيها من جديد، تذكرت طلبه، وهوانه عليها حين رفضت وأبلغته بأن جابر تقدم لخطبتها وستأخذ بنصيحة والدها وتتزوج منه، هو لا يُعوض.
ابتلعت غصة مريرة في حلقها قبل أن تدافع عن نفسها ولكن أتى مبررها ضعيف: مكنتش عايزاك ولا عايزاه، حبيت بعد كل الصراعات اللي حصلت دي، ابدأ حياة جديدة، مش حقي؟
ده لو كنتي ادتيني في القديمة فرصة أصلا، ده مش حقك، دي أنانية، مشاكلك هتتحل لما تعرفي إنك أنانية وتستحقي اللي حصلك تكفير عن أنانيتك دي.
قهره دفعه لقول هذا وطالعته هي بعينين دامعتين بان فيهما تأثرهما خاصة وهو يقول وقد داهمه الحنين فعبرت نظراته قبل قوله: بحب نفسي جدا بس معاكي بكتشف إني للأسف منصفتهاش.
وأنا صعب عليا أوي منصفش نفسي
استقام واقفا وهو يقول بإنكار: صعب عليا أصدق إني لسه في كل مرة بشوفك.
برجع باسم بتاع من كام سنة، قلبي بيرجع يقولي حياتك مش هتكمل غير وهي فيها، وعقلي يطلب مني أكون أناني مرة واحده بس من ناحيتك وأتخطاكي.
استقامت واقفة هي أيضا، اقتربت منه حتى وقفت أمامه وسألته بعبارات امتزجت بنحيبها: لو قولتلك إني مستعدة أديلك فرصة دلوقتي، هتسمع كلام قلبك ولا عقلك؟
عبراتها أوجعت فؤاده وحسه على القبول ولكن عقله أبى فابتسم بمرارة يرد على عرضها: مبقاش ينفع خلاص
أبعد عينيه عنها حتى لا يتأثر وأكمل: هكون أناني معاكي مرة واحده بس على الأقل، وهتجوز.
لو لمح الخذلان في عينيها الآن لتراجع ولكنه أكمل يقتلها بدم بارد: حتى إختياري هكون أناني فيه.
وأتمنى من كل قلبي إنه يوجعك يا ندى.
لم تفهم جملته الأخيرة ولم تستطع حتى الاستفسار عنها بسبب خروج كوثر التي سألت بقلق: عرفتي حاجة يا ندى؟
طالعت باسم باستغراب، تذكرت مجيئه إلى منزلهم ذات مرة قبل وفاة زوجها، في اليوم المشؤوم بالنسبة لها الذي عاد فيه ابنها للمنزل، وعلم عيسى بتواجده وأتى له، فاقت من شرودها وسألته: أنت عرفت ابني فين وجاي تبلغنا؟
يجهل باسم ما يُطرح عليه تماما وردت ندى بدلا عنه: باسم ميعرفش حاجة يا طنط…
واللي المفروض نقلق عليها بيري مش شاكر.
تقدري تقوليلي خدها وراح فين بعد خناقتهم دي وموبايلاتهم مقفولة ليه؟
أدرك باسم وجود خطب ما، ولم يفعل شيء سوى الإنصات، فقط ينصت باهتمام لحوارهما المتبادل عن اختفاء عدو منافسه وابنة عم من ذاق ويلات الحب على يدها.
نزلت رفيدة من غرفتها لترافق والده في زيارته لمريم وقد سمعت أنها مريضة ولكن لا تعلم ما حل بها، حدثها والدها للمرة الأولى بعد تجاهل طال زمنه بسبب مساعدتها لحسن في استدراجه لمريم: يلا يا رفيدة، عايز ارجع علطول.
خرجت والدتها من المطبخ وطلبت برجاء قبل خروجهما: معلش يا حاج ممكن تكلم حسن يسيب البيت هناك ويجي هنا.
أنا مش عارفة هو قاعد في الشقة التانية ليه
ارتبكت رفيدة بعد قول والدتها التي لا تعلم عن أمر الطرد شيء، تظن أن حسن يفعل هذا برغبته، وأتى رد نصران جافا: سيبيه على راحته
ما هو مينفعش يا حاج كده بقاله فوق ال…
قطع عبارتها دخول حسن بعد أن فتحت له تيسير، طالعه والده بحدة، أما عنه فكان ينظر للأرضية وأبدى أسفه من جديد بقوله: لو مش حابب وجودي أنا هرجع تاني…
ثم رفع رأسه يطالع والده ويكمل: أنا أسف
ألقى عليه نظرة مطولة ثم تخطاه دون رد وسحب ذراع رفيدة هاتفا بتجاهل: يلا يا بنتي، خلينا نروح نشوف البت.
ممكن اجي معاكم أشوفها؟
قال جملته من خلف والده وتحت نظرات والدته الفضولية وكان الرد عليه أن استدار نصران وحذره: أنا لو شوفتك هناك ولا بتحاول تكلمها هكسرلك رجلك.
طالعت رفيدة شقيقها بحزن، ثم خرجت رفقة والدها مجبرة على تركه وحيدا أمام أسئلة سهام التي لا تُحصى، وتريد تفسير لكل شيء الآن.
بالنسبة له خشية شيء أسوء من وضعه تعتبر حماقة، قرر أن يضرب بما قاله أبوه عرض الحائط ويهرب من أسئلة والدته ملاحقا لشقيقته ووالده، استطاع استغلال طريق آخر من جهة الأراضي الزراعية والوصول قبلهما، لمح شهد ووالدتها بالدكان، فصارت أكبر ظنونه أنها في الأعلى بمفردها الآن، بقى بعيد عن الأعين حتى استطاع التسلل خلسة والدلوف لمدخل المنزل دون أن يراه أحد، كانت مريم تتابع التلفاز وتقلب بين محطاته بملل حتى سمعت صوت الدق على الباب، فاستقامت واقفة بتعب، وردت بهدوء: حاضر جاية.
وضعت الوشاح على رأسها وما إن فتحت ورأته أمامها حتى شهقت بصدمة وكادت أن تغلق الباب من جديد في وجهه ولكن لم تستطع بسبب صده لفعلتها فسألت بنبرة هجومية: عايز إيه يا حسن؟
جاي اتطمن عليكي.
قال هذا بهدوء وهو يطالعها بقلق حقيقي جاهدت ألا يؤثر بها وهي تسأله: واتطمنت؟، امشي بقى، مفيش هنا حد، أنت ازاي طلعت هنا أصلا، أنا أمي تحت في المحل ولو ندهتلها هتعملك مشكلة.
رد عليها غير مهتما بكل ما تقول: مش مهم، المهم إني عملت اللي أنا عايزه.
كنت عايز أشوفك وشوفتك.
طالعته بغير تصديق قبل أن تسأله باستنكار: هو احنا مش هنخلص بقى؟
فعلق باستغراب وبراءة مثلهما جيدا: نخلص من إيه، هو أنا طلبت منك حاجة.
أنا كنت جاي اتطمن عليكي لا أكتر ولا أقل
نخلص في إني مش عايزة أشوفك تاني خالص، لو قالولك إني بموت متجيش.
وكان رده على قولها سؤاله بحزن: هيهون عليكي؟
بادلته الحزن أيضا، رأى العتاب في عينيها وهي تخبره: أنا هنت عليك قبل كده
وقبل أن تخذلها دموعها حثته: امشي يا بن الناس علشان أمي متعملكش مشكلة.
ومتوقفش حياتك عليا يا حسن، علشان لو كل حاجة اتصلحت مش هرجع برضو، خلصت خلاص.
ليست كلمات بل صفعات، خناجر سامة تطعنه بها الواحد تلو الآخر، لم تتحمل أكثر أمام نظراته، تخوض حرب نفسية قاسية مع نفسها لترد عليه هكذا ولكنه كان السبب في خسارة كل منهما للثاني، والآن يطالعها بهذه النظرات الحزينة التي كادت أن تجعلها تسامحه في لحظات ولكنها أغلقت الباب في وجهه ووقفت في الخلف تسترق السمع أملا في سماع أي شيء حتى ولو كان صوت خطواته، ولكنها سمعت صوت دقات من جديد وقبل أن تردعه هتف: افتحي بسرعة.
انكمش حاجبيها باستغراب، وفتحت بالفعل لتجده يقول وهو يطالع الدرج بقلق: أبويا طالع.
تساءلت بدون فهم: وأنا مالي؟
قالي لو جيت هنا هكسرلك رجلك.
لم ينتظر ردها بل دخل فحاولت إخراجه بانفعال وهي تحارب لكي يخرج ولكنه كان الأسرع في الاختباء أسفل الأريكة فصاحت بخوف وهي تسمع صوت والدتها في الخارج: اطلع من هنا بقولك، ولما أنت خايف منه جيت ليه، كنت احترم نفسك
مش هطلع، لو طلعت هيكسرها بجد.
قال هذا من أسفل الأريكة وردت هي بغيظ ونبرة باكية: لو أنت أبوك هيكسر رجلك، أنا ماما هتكسرني كلي.
لم يستجب لها، ووجدت والدتها تدخل برفقة شهد وفي الخلف رفيدة تتأبط ذراع والدها فابتسمت بارتباك وعين عليهم والاخرى على القابع أسفل الأريكة والخشية من افتضاح أمر ذلك الأحمق على بعد خطوات من الفتك بها.
لم يمر سوى ساعات، استراحا فيهم، شعرت ملك بالتأثير الإيجابي لهدوء الأجواء هنا، ولكن الخمول الذي أصابها هذا ينذرها ببوادر نزلة برد، استيقظت من نومها فوجدته يصفف شعره أمام المرآة فسألت بكسل: هي الساعة كام؟
جاوبها وهو يطالعها من خلال المرآة: نامي لسه بدري، النهار لسه مطلعش.
طالعت الساعة هي في هاتفها لتجدها الثانية فجرًا فسألت بقلق: أنت خارج؟
استدار لها يطمأنها بقوله: هجيب حاجة من برا بس وهاجي علطول، متخافيش من حاجة الدنيا هنا أمان، والناس اللي في البيت اللي جنبنا طلعوا عارفين الحاج، هما جم من كام ساعة وقالولي بكرا بالليل نبقى نخرج نقعد معاهم شوية، بابا قالي انهم معرفة قديمة، فالدنيا مش ساكتة هنا أوي زي ما أنتِ فاكرة.
حاجة إيه اللي هتجيبها الساعة اتنين الفجر.
سألته باستنكار وقد تجاهلت باقي حديثه فجلس جوارها موضحا بما جعلها تطالعه بانزعاج: هروح اقابل واحدة كنا بنحب بعض زمان بس شغلتيني عنها.
رفعت حاجبها بتوعد فضحك بمراوغة وهو يسألها: أقولك إيه طيب؟
حذرته بغيظ وهي تنتفض لتعتدل له: اسمع بقى، أنت خروجات الليل وآخره بتاعتك دي مبيجيش من وراها غير كل شر، أنت مش هتروح في مكان.
مسد على عنقه بهدوء قبل أن يعلق على ما قالته: طلب ماشي، إنما لوي دراع لا.
حاصرته في حركة جريئة لم يعدها منها، وتوعدته وهي تشير بسبابتها: سواء طلب أو لوي دراع، أنت مش هتخرج من هنا، واعملها يا عيسى بقى علشان أنا اتجننت خلاص وهروح خارجة ومش هتعرفلي سكة.
لم يحاول إبعادها بل اعتدل ليصبح مواجها لها وهو يرد عليها بضحك: لا جو هخرج ومش هتعرفوا طريقي ده، ابقي اعمليه مع عيالك في المستقبل، إنما أنا ارمي طوبتي.
فابتعدت وألقت على مسامعه عباراتها بغضب: براحتك أصلا، وأنا مالي، أنت بتتكلم معايا ليه أساسا؟..
مش أنا قولتلك متتكلمش معايا لحد ما تاخد قرار وتحدد هتعيش حياة مستقرة ولا لا، جايبني هنا ليه وبتحاول تتكلم معايا ليه؟
رفع حاجبيه بدهشة قبل أن يعقب باستنكار: لا حول ولا قوة إلا بالله، هو أنتِ حد جه جنبك دلوقتي…
إيه اللي مشقلبك كده؟
طفل يا حبيبي، طفل والبراءة بتطل من عينك وبتسأل في إيه، عمايلك اللي قالبة حالي، عمايلك اللي هتخليني ارتكب جريمة وأكره الرجالة كلهم.
رد على أسئلته بهذه الإجابات التهكمية والتي علق عليها بجذبه لمرفقها وهو يرد بابتسامة منبهًا: أهو ده غلط بقى، غلط موقعش فيه شكسبير رغم إنه عنده إخفاقات أكيد مع المرأة ولكن كتب عنها…
تاه في عينيها ونجحت نظراته للمرة التي لا تعرف عددها في أسرها من جديد وابتسمت وهو يلقي على مسامعها: المرأة كوكب يستنير به الرجل، ومن غيرها يبيت الرجل في الظلام.
أنهى قول شكسبير وأمام ابتسامتها هذه وشرودها به سأل: راجل محترم وبيفهم مش كده؟
وقبل أن ترد أكمل هو بلمسات حانية على وجهها: وفي راجل محترم زيه بالظبط اسمه برنارد شو.
تلهفت لسماع المزيد من الأقوال ولكن صدمها بقوله الذي لم يتناسب إطلاقا مع اللحظة هذه: برنارد شو قال: المرأة تترقب الرجل، كما يترقب العنكبوت الذبابة.
قطبت جبينها باستنكار وقبل أي ردة فعل أضاف هو بابتسامة: وأيد كلامه المحترم مونترلان وقال: المرأة هي الاشمئزاز، احتدت نظراتها وقبل أن يكمل العبارة حاولت دفعه ولكنه مال يدفن رأسه في عنقها يلقي على مسامعها عبارة الروائي الفرنسي مونترلان كاملة: المرأة هي الاشمئزاز، وفقدان النطق، والجهالة العنيدة.
وفشلت في إبعاده عنها ولكن لم تخفق في أن تقول بضجر تعقيبًا على ما تفوه به: وماسك كده ليه في المرأة، لما هي وحشة أوي كده
لم يتزحزح بل عبر عن رأيه بحرية وهو ما زال على وضعه: ما هو أنا في لحظات احتياجي للمرأة زي دلوقتي كده بتبنى وجهة نظر شكسبير، أما بقى في اللحظات اللي المرأة فيها بتتسبب في قلة مزاجي فأنا مؤيد وبشدة لوجهات نظر مونترلان و برنارد شو.
طب ابعد بقى علشان المرأة متخلصش منك دلوقتي، وتألف رأي فلسفي جديد عن قد إيه الرجال أوغاد، يتغنى بيه النساء من بعدها.
ضحك عاليا على قولها واعتدل لها أثناء رده عليها: لا أنا عارف إني وغد مش محتاجة تألفي أراء
رغما عنها ابتسمت وحثها وهو يربت على كفها: قومي البسي هاخدك معايا، علشان تعرفي كنت رايح فين.
سألته بنبرة معاتبة أحزنته: مكان حلو ولا هرجع زعلانة فوق زعلي؟
فهز رأسه نافيا قبل أن يعطيها وعدًا صدقته بكل جوارحها: هنسيكي نفسك.
صادق هو في قوله، هذا ما حدثت به نفسها، و استنكرت ما فعله العشق بها حين جعلها حتى في أشد لحظات حزنها منه، لا تسكن وتبرد نار روحها إلا بجواره هو.
نامت أخيرا، هذا ما همس به شاكر لنفسه، وهو يحمل زوجته من على الأريكة، المكان هنا جديد عليها وعليه، ولكنه الحل الآن، وضعها على الفراش، وكاد أن يرحل ولكن توقف، طالعها بحزن وهو يرى ملامحها الذابلة، نفى عن نفسه تهمة أن يكون هو من أطفأها، وأكد لنفسه أنه سينال كل شيء، مسح على خصلاتها بحنان كان إحدى نتائج حربه الداخلية التي دافع فيها فؤاده حين شن العقل حربه بعدما وصله ما طرأ على قلب صاحبه.
تركها وخرج ليقف أمام المنزل، وضع شريحة في هاتفه وطلب رقم المحامي وسريعا ما أتاه الرد وكأنه ينتظر: شاكر معايا؟
اه.
قالها بهدوء، وتنهد المحامي أخيرا براحة بعد أن أتاه اتصال منه وهرع يخبره: اسمع يا شاكر اللي أنت بتعمله ده غلط على الأقل دلوقتي، لو هروبك كان حل احنا كنا هنأيدك، لكن ليه تهرب واحنا قدامنا نكسب القضية دي.
ثم تابع ساردا له ما سيحدث بتخطيطه: أنت هتخرج، المحكمة هتبرأك مفيش أدلة كفاية، كان ممكن أقولك أنت صح لو أهل الواد اتكلموا، أو واحدة من بنات عمك شهدت ضدك، لكن أهل الواد قالوا إنهم ميعرفوش كان بينك وبينه خلافات ولا لا، يعني مفيش حاجة ضدك غير الموبايل وكلام علا وصدقني دول أمرهم سهل.
كنت مقتنع بالكلام ده، علشان كده كنت هادي، لحد ما عرفت إن الزفت طاهر هو اللي راح بنفسه وسلم اللي يثبت إن الموبايل بتاع فريد، الحركة دي معناها إن اللي جاي غدر.
حدثه شاكر بهذا فرد عليه المحامي يحاول إقناعه: مش مهم اللي عمله، احنا هنلعب على نقطة الخلافات بينك وبين علا، ونفترض إن هو فعلا عايز يلبسك، فاللي عمله مش كفاية، أنت موقفك أقوى، موقفه كان يبقى أقوى في حالة واحدة بس إنه يأكد وجود خلافات بينك وبين فريد.
أنصت شاكر له وأكمل محدثه: أنت هات بيري وارجع دلوقتي، أنت اتحددتلك ميعاد جلسة ولازم تبقى موجود، علشان متصعبش موقفك أكتر، أنا معاك وثروت باشا كمان نازل مصر النهاردة، ثق فيا واعمل اللي بقولك عليه بالظبط وأنا هطلعك منها، وأهم حاجة ترجع دلوقتي علشان لو حد شم خبر إنك مختفي هتبقى بتحطنا كلنا في موقف صعب.
تنهد شاكر بهدوء وهو يفكر في الأمر بجدية ثم قال بعد أن بدر لذهنه شيء ما: الحركة اللي عملها طاهر دي أنا متأكد إن عيسى ميعرفش عنها حاجة
طب وإيه المطلوب؟
رد شاكر على السؤال بضحكة ماكرة: توصلهاله، لو اللي عمله طاهر وصله، هيمنع أي حاجة تانية ممكن تحصل، ابن نصران عايز اللي بيني وبينه يفضل على الأرض، مش عايزني ورا الحديد، علشان كل واحد فينا يبقى طايل التاني. حاول توصلهاله ولو معرفتش قولي.
ثم استدار ليدخل المنزل من جديد وهو يختم: وأنا هظبط حاجة وارجع، بكرا بالكتير هتلاقيني في البيت.
أنهى المكالمة وجلس على أحد المقاعد قائلا لنفسه: حلو اللعب، بتمنالي المكسب من كل قلبي.
ثم تناول المشروب الذي وُضِع على الطاولة، وشربه جرعة واحدة وعقله لا يتوقف عن التفكير في كل طرق النجاة.
مر يوم حدث فيه الكثير، حتى وصلا الصديقان إلى تلك اللحظة، حل الظلام على هذه المنطقة الشعبية التي دخلاها للتو، وسأل عيسى صديقه: متأكد يا بشير إنه هنا.
هز بشير رأسه وهو يجاوبه: أيوه يا بني، أنا من يوم ما جالي البيت أصلا وأنا عيني عليه.
وبعد ما قولتلي اللي عمله، خليت واحد حبيي كان واخد باله منه، يدور لحد ما قالي إنه هنا
قطع حديثهما اعتراض أحد الشباب طريقهما سائلا بغلظة: داخلين لمين يا بهوات؟
هو الدخول هنا بإذن ولا إيه؟
سأل عيسى ساخرا وهمس بشير له: عيسى متطولش وتفتح صدرك الله يكرمك، المنطقة اديك شايف عاملة ازاي، والعيال اللي هنا دي أقل واحد فيهم شكله بيقولك إنهم شمامين، فلم الدور علشان نعرف نطول الواد، احنا مش جايين نتخانق مع دول، ولا تحب نضرب ونتخانق وغالبا هنطلع مطحونين واللي جايين ليه يهرب، ويبقى معملناش حاجة؟
أنهى حديثه وتأفف عيسى بانزعاج وهو يطالع الشاب، على عكس بشير الذي ابتسم مرغمًا وهو يخرج النقود ويعطيها للشاب قائلا: داخلين لواحد حبيبنا، وأنت حبيبنا برضو، مساء الفل عليك.
مسح الشاب على ذقنه قبل أن يتناولهم منه ويرد برضا: مساء الفل يا حبيبي، قولي عايزين مين وأنا هظبطكم.
ولكن احتدت لهجته وهو يكمل: بس خلي الباشا اللي معاك يفكها كده.
ولم يستطع عيسى الصمت على الرغم من محاولات بشير، رد بحدة: بقولك إيه، بلاش لك كتير، احنا عايزين خدمة واشترينا، وأنت قبضت، عايز فلوس تاني
أخرج عيسى من جيبه هو الآخر ثم وضعهم في كف الواقف أمامه وضغط عليه وهو يقول: هراضيك.
ثم أضاف مبديا ضيقه: لكن شغل اللت والعجن وجو أنا جامد مفيش مني ده مبياكلش معانا ومبيأكلش عيش.
هز الشاب رأسه موافقًا وهو يردف: وأنا قريت، قولولي عايزين مين.
طالع بشير و عيسى بعضهما قبل أن يخبراه بمن علما أنه هنا، ولكن يجهلا في أي شقة تحديدا، دفع الشاب ثمن ما قبضه، وأرشدهما، وأكملا هما طريقهما إلى حيث مدخل منزل بدا وكأنه سيسقط فوقهما للتو وعلق بشير على هذا ساخرا: مستحمل ازاي البيت ده، ولا هيئة الأثار تايهين عنه فين، أنا حاسس إنه هيقع على دماغنا
وأكد عيسى قوله بحديثه: حاسس؟، هو ناقص ينطق ويقولك إنه خطوة كمان وهيقع يا بابا.
وصلا أمام الباب، دق بشير بهدوء على الباب المتهالك منعا لإثارة شكوك من بالداخل، وبالفعل دقائق وفُتِح الباب، ما إن لمحهما محسن حتى حاول غلقه والهرب، ولكن تمكن بشير منه، قبض عليه ودفعه للداخل، ولحق عيسى به، وقام بإغلاق الباب وتصنع وكأنه يحدثه: أنا بالراحه عليك خالص أهو، لكن اللي فتحلنا الباب بقى
ابتسم بشر واستدار ليجد من لم يتوقعها هنا، والدة شاكر هنا!
لم يكن هناك وقت حتى لاستغرابه، هتف بضحكة واسعة وهو يرى شحوب وجهها: أهلا أهلا أهلا، الحاجة كوثر بنفسها هنا، وأنا أقول البيت مش مستحمل ليه
وأكمل بشير بدلا عنه وهو يدفع محسن على الأرضية: أتاريه شايل كتير ومحدش داري
أسرع محسن في الاعتدال و عيسى يسأل: وصاحبك هنا بقى ولا هو باعت أمه تعمل الواجب بداله وتباركلك على الشقة الجديدة يا.
سبه ثم ثنى ركبته وباغته بضربة موجعة، شهقت معها كوثر وصرخت: هو أنت إيه، عايز إيه تاني؟
ترك بشير يتصدى لمحسن وتخطاهما ليصبح أمامها وأكملت هي تهاجمه: أنا جاية هنا مخصوص علشان يوصلني بيك، ضيعت بنتي وخلتها قلبت على أخوها، ومش سايب ابني في حاله، عايز إيه مننا، جواك إيه تاني لسه مطلعش؟
كان رده عليها سؤال لم تتوقعه أبدا حيث قال: عارفة جان جاك روسو، ولا هتعرفيه منين صحيح، بس الراجل ده كتب حاجة حلوه جدا أنا ممكن أرد بيها على سؤالك
أنصتت له ببغض، وألقى هو على مسامعها قوله المقتبس بدهاء: إنني لا أحمل حقدًا لأحد، ولا أفكر في إيذاء أحد، لكنني حينما أرى الظلم يتزايد في هذا العالم
ضحك بتسلية وأكمل عبارته: أسلي نفسي بالتفكير في الجحيم الذي ينتظر هؤلاء الظالمين.
ثم مال على أذن من تستمع لقوله باستنكار وهمس: مجازا يعني أنتِ وابنك.
كيف لا تقتله، تمنت لو فعلتها الآن، لو قدرت عليه وأنهت حياته ولكن ليست كل الأماني مدركة فهو أمامها بضحكته الشامتة التي جاهدت أمامها لكي تقول بثبات: وأنا عندي اللي يخليك تسيبك مني ومن ابني، عندي حاجة أنت عايزها، وأنا عايزة ابني، واللي عايزه قصاد اللي أنا عايزاه يا عيسى.
تحدي واضح وصريح، في نبرتها وعينيها يوحي وبشدة بأنها لا تكذب، بأنها بالفعل لديها ما يهمه، قابل تحديها بابتسامة ولكن داخله كان يفكر في الثمين الذي تملكته وجعلها تظن أنه ربما يقبل التفاوض، حسنا إذا برهنت له الحياة حقيقة لم ينكرها يومًا ما وهي أنه ليس وحده من عنده مفاجآت، الأيام مليئة بالمفاجآت ومستعد ملكها أن يستقبلها بكل صدر رحب ولا يعترض، مستعد لاستقبال مفاجأة صاحبتها كوثر، والدة ألد أعدائه، ومن لا يتمنى له الراحة والنعيم، أمنياته له من كل قلبه جحيم، جحيم لا يُنسى أبدًا.
التعليقات