التخطي إلى المحتوى

مرّت الأيام ببطء، لكنها لم تكن كالسابق، جين بدأت تستعيد شيئًا من نفسها، شيئًا صغيرًا، لكنه مهم.

كانت تستيقظ كل صباح، ترتدي ملابسها، تخرج دون أن تخبر أحدًا إلى أين تذهب

لم تكن بحاجة إلى تفسير، ولم يكن آدم يسأل.

لكنها كانت تشعر بنظراته، تشعر بذلك الثقل في الجو عندما تعود، وكأنه ينتظر منها أن تتوقف، أن تعود إلى الجمود.

لكنه لم يقل شيئًا.

في إحدى الليالي، عندما دخلت إلى الشقة، كانت راما على الأريكة، مسترخية كما لو أن كل شيء يسير وفق مخطط وضعته مسبقًا.

رفعت عينيها نحو جين، ابتسمت نصف ابتسامة، وكأنها تعرف أكثر مما يجب.

“إنتِ بتدوري على شغل، صح؟”

جين لم تتفاجأ. لم تحاول حتى الإنكار.

“آه.”

“هتلاقي؟”

“أكيد.”

لم تكن كلماتها لطيفة، لكنها لم تكن قاسية أيضًا. كانت فقط… راما.

في الصباح التالي، جين تلقت اتصالًا.

الشركة التي قدمت إليها الأسبوع الماضي أرادت إجراء مقابلة ثانية.

عندما وضعت الهاتف، أخذت نفسًا عميقًا، شعرت بشيء يشبه القلق، لكنه كان أفضل من الفراغ.

ذلك المساء، عندما عادت، كان آدم في المطبخ، يحضر قهوته، لكنه توقف عندما رأى تعبيرها.

“إيه؟”

“اتصلوا بيا.”

رفع حاجبه. “مين؟”

“الشركة.”

آدم لم يرد فورًا، فقط نظر إليها للحظة طويلة، ثم أومأ برأسه ببطء.

“كويس.”

لكن نبرته لم تكن سعيدة، ولم تكن غاضبة.

كانت فقط… حذرة

لم تنم جين جيدًا تلك الليلة

تقلبت في فراشها، أفكارها تتشابك مع ظلال السقف،كانت المقابلة غدًا، وكان عليها أن تكون مستعدة، لكنها لم تكن متأكدة مما يعنيه ذلك بعد الآن.

قبل أشهر فقط، كانت ستدخل إلى تلك الغرفة بثقة، ستتحدث عن خبرتها، عن مهاراتها، عن كيف أنها ستكون إضافة رائعة للفريق.

لكن الآن؟

الآن، كانت شخصًا يحاول إعادة بناء شيء تهدم دون أن تدرك متى أو كيف حدث ذلك.

في الصباح، استيقظت مبكرًا، ارتدت ملابسها بعناية أكثر من المعتاد، وقفت أمام المرآة، تحدق في انعكاسها.

كان هناك شيء جديد في نظرتها،شيء لم يكن موجودًا قبل أسابيع.

ليس القوة تمامًا، ولكن إرادة خافتة، كأنها شرارة صغيرة وسط رماد كثيف.

عندما خرجت من الغرفة، كانت راما جالسة في الصالة، ترتشف قهوتها بهدوء.

رفعت عينيها نحو جين، تأملتها للحظة، ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة، شبه مسلية.

“طالعة بدري النهاردة.”

لم ترد جين، لكنها رأت اللمعان في عيني راما، وكأنها كانت تتوقع هذا اليوم منذ زمن.

وصلت جين إلى الشركة، جلست في غرفة الانتظار، يداها مشدودتان على حقيبتها.

المكان مألوف، لكنه بدا غريبًا في نفس الوقت،كانت تسمع همسات الموظفين، رنين الهواتف، خطوات الأحذية الرسمية على الأرضية اللامعة.

كان هذا عالمها القديم.

لكنها لم تكن متأكدة إن كان لا يزال يناسبها.

عندما نادوا اسمها، وقفت، أخذت نفسًا عميقًا، ثم سارت إلى الداخل.

المقابلة لم تكن صعبة، الأسئلة كانت مألوفة، والإجابات كانت تخرج منها بشكل آلي تقريبًا.

لكن في منتصف الحديث، سألها المدير سؤالًا جعلها تتوقف للحظة.

“أين ترين نفسك بعد خمس سنوات؟”

كان سؤالًا بسيطًا، سؤالًا سمعته من قبل عشرات المرات.

لكن هذه المرة، لم تعرف الإجابة فورًا.

خمس سنوات؟

في شركة؟ في شقة صغيرة مثل التي تعيش فيها الآن؟ في حياة تشعر فيها أنها مجرد ظل؟

ضغطت على أصابعها قليلًا، ثم ابتسمت.

“أرى نفسي في مكان يجعلني أشعر أنني حية.”

المدير رفع حاجبه قليلاً، وكأنه لم يكن يتوقع هذه الإجابة لكنه لم يعترض.

“إجابة مثيرة للاهتمام.”

عندما عادت إلى الشقة، كان آدم في الصالة، جالسًا على الأريكة، هاتفه في يده، لكنه لم يكن يركز على الشاشة.

نظر إليها عندما دخلت، لم يقل شيئًا في البداية، ثم سأل بهدوء:

“إزاي كانت المقابلة؟”

جلست على الكرسي المقابل له، تنهدت، ثم رفعت كتفيها قليلًا.

“ماعرفش.”

“متعرفيش؟”

“عملت اللي عليا.”

آدم أومأ ببطء، كأنه كان يتوقع هذه الإجابة،ثم قال بصوت منخفض:

“لو ماخدتيش الشغل، هتعملي إيه؟”

نظرت إليه للحظة، ثم اجابت ببرود

“هدور على غيره.”

نظر إليها طويلًا، كأنه كان يحاول أن يفهم شيئًا لم يكن واضحًا من قبل، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة، شبه مستسلمة.

“كويس.”

مرت ثلاثة أيام دون أن تسمع جين أي ردٍّ بشأن المقابلة،في اليوم الرابع، وصلها بريد إلكتروني مختصر:

“نشكرك على وقتك. للأسف، اخترنا مرشحًا آخر لهذه الفرصة نتمنى لك التوفيق في مسيرتك المهنية.”

ظلت تحدق في الشاشة لثوانٍ، تقرأ الكلمات مرة بعد مرة، كأن عقلها يرفض استيعابها.

لم تكن غاضبة، لم تكن محبطة تمامًا… فقط شعرت بالفراغ مجددًا.

فقدان شيء لم تحصل عليه أصلاً له نوع مختلف من الخيبة.

وضعت الهاتف جانبًا، قامت بتحضير القهوة، ثم جلست على الطاولة تحدق في السائل الداكن داخل الفنجان.

شعرت أن الدائرة تعود للإغلاق عليها مجددًا.

هل ستبقى هنا؟ هل ستستسلم لهذه الحياة التي تُدفع إليها ببطء؟

لا.

لم تنهض من السرير كل صباح، لم تغسل وجهها، لم تخرج من تلك الشقة لمجرد أن تقف عند أول عثرة وتتراجع.

كان عليها أن تحاول مجددًا.

في اليوم التالي، بدأت تبحث عن وظائف أخرى.

لكن شيئًا ما تغير هذه المرة.

لم تكن تبحث عن مجرد وظيفة فقط، بل عن شيء يشعرها بأنها تتنفس.

في المساء، بينما كانت تجلس على الأريكة تتصفح هاتفها، دخلت راما وجلست على الكرسي المقابل، متشابكة الذراعين، وعيناها تراقبان جين باهتمام.

“شكلك مركزة أوي.”

لم ترفع جين عينيها عن الشاشة وهي تجيب ببرود:

“بدور على شغل.”

راما ابتسمت ابتسامة صغيرة، وكأنها كانت تتوقع هذه الإجابة.

“وليه كل ده؟ الحياة هنا مش وحشة.”

جين لم ترد مباشرة. لكنها رفعت عينيها في النهاية، نظرت إلى راما للحظات، ثم قالت بصوت هادئ لكنه حازم:

“مش كل الناس بتحب تكون تابعة.”

في اليوم التالي، خرجت مجددًا، أجرت مقابلة أخرى، ثم مقابلة ثالثة

لم يكن الأمر سهلاً. لكنها لم تتوقف.

وفي إحدى الليالي، عندما عادت إلى الشقة، وجدت آدم في المطبخ، يعد القهوة.

لم تكن قد تحدثت معه كثيرًا في الأيام الماضية، لكن عندما نظر إليها، لم يسألها عن أين كانت.

بدلاً من ذلك، دفع فنجان قهوة نحوها.

“شكلك تعبانة.”

أخذت الفنجان، ارتشفت رشفة بطيئة، ثم تنهدت.

“شوية.”

ظل ينظر إليها للحظة، ثم قال بصوت خافت:

“هتفضلي تحاولي؟”

لم ترفع عينيها عن القهوة وهي تهمس:

“مش ناوية أوقف.”

أومأ ببطء، ثم ارتشف قهوته بصمت.

في تلك اللحظة، شعرت جين أنها، ولو للحظة صغيرة، لم تكن وحدها تمامًا

شعرت انه يهتم بها، شعرت انه لو اولاها بعض الاهتمام ربما لكانت توقفت عن كل ذلك

راما كانت تجلس بغضب، ليس كل شخص يحب أن يكون تابع

لقد فكرت كثيرا فى تلك الكلمه واقسمت ان لا تتوقف حتى تفسد كل خطط جين حتى تعود منكسره مره اخرى

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *