التخطي إلى المحتوى

رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل السابع عشر

يقول ابن الفارض: زدني بفرطِ الحبِّ فيكَ تحيُّراً
وارحمْ حشًى بلظى هواكَ تسعَّراً
وإذا سألتكَ أنْ أراكَ حقيقة ً
فاسمَحْ، ولا تجعلْ جوابي: لن تَرَى
يا قلبُ! أنتَ وعدتَني في حُبّهمْ صبراً
فحاذرْ أنْ تضيقَ وتضجرا
إنّ الغَرامَ هوَ الحَياة، فَمُتْ بِهِ صَبّاً.
فحقّكَ أن تَموتَ، وتُعذَرَا.

شعور مقيت يصيبك حين ترى أحبتك والخطر يحيط بهم و الكارثة أنه يحيط بهم لأنهم رضوا به، حاول نصران إرجاع ابنه عما ينوي فعله خاصة وهو يراه هكذا مقدما على الموت دون خوف ويقول بألم:
فريد كان هيعيش ويكمل حياته مع اللي حبها، هو يستاهلها وهي تستاهله، هو مكانش عنده جنب محدش يعرف عنه حاجة، أنا اللي كنت هرتاح لو موتت، أنا اللي بقيت نار من اللي جرالي، فبقى حتى الكوي بالنار مبيأثرش فيا.

وعلى حين غرة أخرج السلاح الأبيض الذي حُفِر عليه اسم شقيقه، فتحه قائلا بنظرات متحدية لا تعرف الرجوع: وعلشان كده أنا هريحك خالص، مش أنت ادتها كلمة إني هبعد عن ابنها؟
طالعه نصران بذهول: لا يا عيسى
لم يهتز عيسى وهو يكمل بلا تردد: أنا همشي كلمتك، بس أنا هبعد عن الدنيا كلها.

و بنظرات تنطق بالوجع قرر أن تكون هذه أخر لحظاته، و كعادته ملك المفاجأة يجب أن تكون أخر لحظاته لا تُنسى أبدا، حتى في اختياره للموت، اختار أن يكون على يده هو، اختار ألا يحرق النار إلا نفسها، ولكن لم يكن يدري أن قوة عائق اختياره أقوى من الاختيار نفسه حيث فتح طاهر الباب وحلت الصدمة عليه مما يحدث، زجاج متناثر على الأرضية، وقميص شقيقه ملقى على الأريكة، عيسى يقف أمام والده عاري الجذع وبيده سلاح أبيض وسيفعل ما لا يُحمد عقباه، هرول طاهر نحو الداخل وبحركة مباغتة جذب السكين من يد عيسى هاتفا بانفعال: إيه يا عيسى ده أنت اتجننت؟

هنا فقط عادت الأنفاس لنصران، حين تيقن من خلو يد عيسى من تلك الأداة، أمر طاهر بعدم الاسترسال بقوله: بس يا طاهر.
لا مش بس، أنا عايز أعرف هو كان هيعمل إيه بالظبط!
لم يكن عيسى بحاجة لمن يشعل غضبه، كان غضبه بالفعل في قمته، لذلك جذب قميصه من على الأريكة وترك الغرفة بأكملها فحث نصران طاهر على اللحاق به وبالفعل هرول طاهر خلفه طالبا: استنى يا عيسى.

ارتدى عيسى ما بيده أثناء خروجه الذي بدا فيه تعثره في السير لما أصاب قدمه من الزجاج، ولم يرد على طاهر سوى بجملة: ارجع يا طاهر لأبوك.
لحق به فجذبه من ذراعه هاتفا بإصرار: لا اصبر، اصبر ولو مش عايز تتكلم أنا مش هتكلم بس متخرجش بحالتك دي، و رجلك مالها؟
دفعه عيسى قائلا بنفاذ صبر: ابعد عني بقى.

أكمل طريقه نحو الخارج وخاصة سيارته واعترض طاهر للمرة الثانية طريقه وهو يحاول بكل الطرق إرجاعه عما يفعل: أنت هتروح فين دلوقتي، احنا قرب الفجر، وأبوك جوا…
وكأنه لم يسمعه ركب السيارة متجاهلا كل شيء فصاح طاهر: يا بني آدم أبوك تعبان وكده هيتعب أكتر، انزل يا عيسى علشان خاطري، أو حتى قولي هتروح فين علشان أطمنه.

وكأن جملة والدك متعب إنذار ضرب قلب عيسى في مقتل ودفعه مجبرا ليقول إلى طاهر: قوله إني في بيت أمك.

قبل أن يستنكر عليه أي شيء، فر عيسى بالسيارة من هنا ولم يترك المجال لأي حديث سيكون طرف فيه، في نفس التوقيت كانت مريم مستلقية جوار والدتها التي غطت في نوم عميق ولكن على عكسها تماما فارقها النوم وتمكن منها أحداث اليوم بأكمله وكأنها أقسمت على ألا تغادر ذهنها وخاصة عند وقوفها أمام العميد الذي استجوبها أمام حسن ومن تشاجر معه: إيه اللي حصل؟

لن تقول إلا الصدق، كانت متوترة للغاية ولكن حاولت التحكم في توترها وبدأت في السرد: أنا كان عندي محاضرة حضرتك ومكنتش عارفة مكان المدرج ودخلت أسأل عندهم فالولد ده
وأشارت على الواقف جوار حسن متابعة: هو غلس عليا، و حسن زعقله…
وأنتِ تعرفي حسن منين؟
رد حسن على السؤال بدلا عنها: احنا جيران حضرتك.

هتف العميد بغضب وهو يطالعه بنظرات منزعجة: لما اتكلم معاك ابقى رد، أنت وهو حسابكم كبير مفكرين نفسكوا في سوق، وعايزين تجيبوا مصيبة للكلية؟

عاد إليها من جديد، فانكمش حاجبيها بضيق من الأمر برمته وأكملت من تلقاء نفسها: زي ما حسن قال لحضرتك هو جاري، وخرج يوديني المدرج اللي بسأل عنه ولقيت الدكتورة اعتذرت عن المحاضرة فنزلنا نشتري قهوة جه الولد ده وحاول يقل أدبه تاني ولما قولتله إنه مش محترم، وحسن جه يدافع عني ضرب حسن وحسن قام واتخانقوا.

رد رامي على ما تقوله بإنكار: لا محصلش، أنتِ كذابة، حسن هو اللي شتمني الأول علشان كده ضربته، وأنا معرفكيش أصلا علشان أغلس عليكِ.
أنا مش قولت مسمعش صوت.
هتف بها العميد بضجر وتبع قوله دقات ثابتة على الباب تبعها دخول أحد العمال الذي ذهب ناحيته وهمس له بشيء فقال: قوله يتفضل.

دخل طاهر بعد أن تم السماح له، لم يحضر إلى هنا إلا باتصال من مريم التي لم تجد حل إلا هذا، ما إن دخل حتى قال بنبرة رسمية: خير حضرتك في إيه؟، أنا طاهر نصران أخو حسن.
هتف الواقف أمامه باستياء شديد: أخو حضرتك يا أستاذ عاملي فيها حبيب، وواقف يتخانق تحت هو وزميله علشان البنت دي.
هتفت مريم مسرعة باعتراض: لا حضرتك مش ده اللي حصل وأنا فهمتك الوضع.

رد عليها العميد بضجر: اه صح، فهمتيني اللي حصل ثم أشار على رامي مكملا: وزمايل ده شهدوا معاه، وانتقل إلى حسن مضيفا: وزمايل ده شهدوا معاه.
تأفف طاهر بضيق من طريقة الواقف أمامه وهتف بصبر حاول جاهدا ألا ينفذ: من فضلك تهدى علشان أفهم، قوليلي يا مريم ايه اللي حصل؟
وضحت له مريم ما حدث وختمت بنبرة باكية: والله هو ده اللي حصل يا طاهر.
هنا فقط استطاع طاهر أن يجلس على أحد المقاعد ويقول: متعيطيش يا مريم.

ثم استدار ناحية العميد قائلا بأريحية: والله الموضوع واضح قدام حضرتك، واحد شاف جارته وبنت بلده بتتعاكس المفروض يعمل إيه؟، يسيبها ويقف يتفرج؟
رد عليه العميد بنبرة حازمة: زمايل رامي قالوا إنه مكلمش البنت وحسن هو اللي عمل مشكلة من الأول
اعترض حسن على ما يقال بحديثه: لا حضرتك إمام كمان قال إن رامي هو اللي بدأ.
وعلشان كل واحد فيكم صحابه قالوا كلمة، أنا هفصلكم أنتوا الاتنين.

استقام طاهر واقفا أمام العميد ورد على حديثه برفض: لا مش ده اللي هيحصل وإلا أنا اللي هعمل للكلية كلها مشكلة، مش في كاميرات مراقبة تحت؟، احنا نجيبها ونشوف مين فيهم اللي اعتدى على التاني بالضرب الأول، واللي بدأ هو اللي هيتحاسب.
أيدت مريم هذا بقولها: الولد ده هو اللي ضرب حسن الأول، وأنا قولت ده للدكتور من الأول.
رد رامي عليها بضجر: اسمي رامي يا ماما. بلا الولد ده، ما بلاش إحداث بقى.

جذب طاهر مريم لتعود إلى الخلف وتقدم هو أثناء رده عليه بابتسامة: ما شاء الله لسانك بيقول أخلاقك شكلها إيه، ما هو مش كل واحد اتعلم بقى متربي، في ناس التعليم مبيعملش حاجة مع قلة ربايتهم.
هتف العميد بغضب: من فضلك يا أستاذ.
بلا من فضلي بلا بتاع بقى، حضرتك ساكت و سايبه سايق فيها، ومتحامل على حسن وبما إن الموضوع وصل لكده، أنا عايز الكاميرات تتفرغ حالا علشان لو هو اللي بدأ بالضرب أنا عايز حق أخويا.

سمعوا دقات على الباب تبعها دخول موظف برفقته طالبة التي ما إن لمحها حسن حتى تأفف بانزعاج وهمس: ناقصاكي أنتِ كمان.
تقدمت باحترام حتى أصبحت أمام العميد وقالت بأدب: حضرتك أنا كنت تحت وقت اللي حصل، وقالولي أطلع هنا.
احكي اللي حصل.
حثها العميد على سرد ما حدث وظن حسن أنها ستدعي عليه ولكنها قالت: أنا معرفش إيه اللي حصل، مكنتش مركزة بس اتفاجأت برامي بيضرب حسن وبعدين خناقة قامت بينهم.

وجه طاهر السؤال لها برفق: يعني يا أنسة مين فيهم اللي ضرب التاني الأول.
رامي.
كان هذا قولها الذي رد عليه طاهر بجملة: طب كده خلاص الليلة خلصت بقى، احنا كده اللي لينا حق مش محقوقين.
استدار العميد ناحية رامي وألقى على مسامعه مالم يعجب الأخير تماما: ها يا رامي دلوقتي أكتر من حد شهد إن أنت اللي بدأت وضربت زميلك.
رد عليه مسرعا يدفع التهمة عن نفسه: مروة دي أصلا كانت ماش…

ربط طاهر الاسم سريعا بالفتاة التي أتى أقاربها قبل ذلك للتشاجر معهم واتهامهم بأن شقيقه يستغلها لذلك كان طاهر الأسرع في بتر عبارة رامي قائلا بتذمر: ما خلصنا بقى، هو كل ما حد هيقول كلمة ضدك يبقى متآمر عليك، ودول خارجية مكلفاه، ورانا مشاغل أهم منك يا محور الكون
ضحك حسن فنظر سريعا للأسفل ولمحه طاهر الذي وقف جواره وهمس وهو يربت على ظهره: بتضحك؟، ده أنا هروقك بس نخرج من هنا.

زادت ضحكات حسن التي أخذ يحاول جاهدا كتمها واقتربت مروة ناحية مريم وتمتمت بضجر: كل ده بسببك.
أنهت جملتها وغادرت المكان فتأففت مريم وأنهى العميد كل ما يحدث بقول: رامي لو جبنا تفريغ الكاميرات وطلعت أنت اللي بدأت هعملك مشكلة، أكتر من حد من زمايلكم قال إن اللي بدأ أنت، لو مش عايز تخسر السنة اعتذر ولم الليلة.

اعترض طاهر وعلا صوته وهو يقول: معلش هو رامي ده ابن أخو حضرتك؟، أصل ملاحظ إن مفيش أي إنصاف في الموضوع، مين اللي قال بقى إن احنا عايزين اعتذار؟..
جذب حسن وأشار على وجهه قائلا: مش شايف الواد جراله إيه؟، أقول لأبوه إيه دلوقتي؟
كتم حسن ضحكاته بصعوبة، و ابتسمت مريم في حين رد العميد: الاعتذار أفضل يا أستاذ طاهر، المشكلة لو كبرت هتضر الاتنين، وخصوصا إن حسن كمان ضربه.

يعني كان الأستاذ رامي يضربه وأخويا يشجعه ومريم تسقف ولا إيه يا أستاذ، والله عيب اللي بيحصل ده.
كان هذا رد طاهر والذي تراجع أمامه رامي وخاصة مع نظرات العميد المحذرة وهتف: معلش يا حسن.
رد طاهر بابتسامة بدلا عن شقيقه: مش حاسسها.
تنهد رامي بضجر وكرر اعتذاره: حقك عليا يا حسن، متزعلش.

لم يكن صادق في أي كلمة ولكن كان مضطرا وانتهى الأمر على ذلك ولكنه لم ينته بالنسبة له، نوى رد ما حدث، وخاصة وهو يرى حسن و مريم يخرجا بصحبة طاهر الذي لم يكن راض عن اعتذاره أبدا.
فاقت مريم من شرودها في تذكر ما حدث على دقات على الباب، انكمش حاجبيها ودق قلبها بخوف، من سيأتي قبل الفجر بأقل من ساعة، جذبت حجابها وخرجت مسرعة، ترددت في فتح الباب ولكنها سمعت صوت رفيدة يقول: أنا رفيدة.
رددت باستغراب: رفيدة!

سريعا ما فتحت الباب، لتجد أمامها بالفعل رفيدة ولكن على غير عادتها باهتة، للمرة الأولى تشعر وكأن تلك التي كانت مفعمة بالحياة أخرى ذابلة منطفئة.
رجحت أنه ربما استيقظت من نومها للتو وبالفعل بان هذا في صوت رفيدة التي قالت: أنا أسفة يا مريم، بس بابا بعتني مع حسن وقالي إنه عايز ملك دلوقتي حالا، والله أنا أصلا كنت نايمة وحسن كمان و مستغربة اللي بيحصل بس بابا قال منرجعش من غيرها.

طب استريحي يا رفيدة وأنا هصحيها.
لم تكد تكمل الجملة حتى وجدت رفيدة تتمدد على الأريكة وتقول بنبرة ناعسة: مريم أنا مش قادرة، بصي نزليله ملك وقوليله رفيدة هتبات عندنا للصبح، و هاتيلي بطانية.
رفعت مريم حاجبيها بدهشة وحثتها: طب قومي ادخلي نامي في الأوضة جنب شهد.
تبعتها إلى حيث غرفة شقيقتيها، وسعت مريم حتى تستيقظ شقيقتها وبالفعل فتحت ملك عينيها وسألت بصدمة: في إيه، في إيه يا رفيدة؟
قومي بس.

قالتها رفيدة فتركت ملك الفراش ونزلت لها وحينها نامت رفيدة مكانها جوار شهد وتدثرت قائلة: تصبحوا على خير بقى.
نظرت لها ملك بغير تصديق وقالت مريم لشقيقتها: عمو نصران عايزك دلوقتي ضروري، وحسن مستنيكي تحت.
ماذا حدث للتوقيت؟، هل نامت حتى غروب اليوم التالي!، شعرت ملك بالضجيج يضرب رأسها ونتج عن ذلك سؤالها: هي الساعة كام؟
ولم تتوقع أبدا رد شقيقتها التي قالت وهي ترفع كتفيها دليل على دهشتها هي الأخرى: الفجر.

كارثة!
هذا ما حدثت به ملك نفسها وهي على يقين أنه لن يطلبها في مثل هذا التوقيت إلا بسبب كارثة.

شجاعتها هذه المرة ليست ككل مرة، لا تعلم هل شجاعة أم تهور ولكنها حسمت أمرها، رحلت بيريهان مرغمة بعدما جلبت لابنة عمها ما طلبته، ولكنها كانت على يقين بأنها ستفعل كارثة، حاولت ندى التجرأ ووضع المنوم لهما في وجبة الغداء ولكنها لم تستطع، وفاتت وجبة العشاء أيضا، ونزلت لتجلس معهم بناءا على طلب والد زوجها الذي ما إن لمحها في الردهة حتى هلل: أهلا ببنتي اللي مخلفتهاش.

اغتصبت ابتسامة وهي تنضم لجلستهم وبدأ منصور حديثه يخبرها برفق: انا مش عايزك تزعلي يا ندى، وسيبك من أي حاجة اتقالت، جابر جوزك أنتِ، حافظي على جوزك يا بنتي.
قولها يا حاج.
كان هذا رد جابر الذي جعلها تحدث نفسها باشمئزاز منهما: ده أنت بجح أنت وأبوك.
حثها منصور بابتسامة: يلا قومي بقى قولي للبت جوا تعملنا كوبايتين قهوة، ومش عايزك تبقي زعلانة.

هزت رأسها وغادرت بصمت إلى المطبخ ولكنها سمعت أثناء سيرها صوت منصور يقول: أنا مش طايق اللي خلفوك، اتعدل مع البت علشان خلاص أنا لو منها بعد عملتك المهببة دي هتطفش، ليك عين تتكلم بعد فضيحتك وسط الخلق.
وفضيحتي دي مش أنت سببها؟
تركتهما لنقاشهما الحاد وذهبت إلى المطبخ، لمحت الخادمة فأخبرتها: اعملي اتنين قهوة للحاج وجاب…

قطعت جملتها حين وجدتها تصنعها بالفعل، كانت تضع الأكواب بحرص على الحامل المعدني، فقالت ندى: هاتيها أنا هخرجها.

أعطتها لها الخادمة وخرجت بها ندى من المطبخ، عادت إلى الردهة فلم تجد زوجها ووالده، غرفة المكتب مغلقة عليهما، شعرت أن كل شيء يدفعها لتنفيذ خطتها لذلك وضعت الحامل على الطاولة وأخرجت العلبة من جيبها، وضعت في الكوبين ما هي على يقين من أثره، كانت تتلفت حولها بحذر، وما إن انتهت حتى حملتها سريعا ودخلت بها لهما بعد أن دقت الباب، خطوات أتت واحدة تلو الأخرى حتى وصلت الآن لمبتغاها، لم يمر الكثير حتى أصبح زوجها ووالده في سبات عميق في غرفة المكتب وهي تقف أمامهما الآن وقد أغلقت الباب عليهم حتى لا يفسد خطتها أحد على الرغم من ذهاب المساعدين في المنزل قبل قليل للنوم، ولكن يجب الحذر هذه المرة في كل خطوة، على الرغم من نومهما ولكن تطالعهما بحذر وخوف، اقتربت من مرادها، وقفت أمام الخزنة التي حفظت أرقامها السرية عن ظهر قلب، وضغطت على الأرقام، ابتلعت ريقها وهي تراها تُفتح أمامها، استدارت خلفها بخوف تطالع زوجها الممدد على الأريكة ووالده الواقع على المقعد، ثم عادت تنظر أمامها من جديد، جذبت الأوراق بقلب وجل، أخذت تبحث بينهم حتى تعثر على ما يدين والدها، وأخيرا وجدتهم، تلألأت الدموع في عينيها وهي تطالعهم بغير تصديق، أخذت كل الأوراق التي تخص والدها، وتيقنت من عدم وجود أي شيء أخر، ثم أعادت كل شيء كما كان وأغلقت الخزنة من جديد.

قبضت على ما بيدها، قبضت على كنزها الثمين، كنزها الذي سيحررها من هنا.
وقفت أمام زوجها المستلقي، تطالعه بعيون دامعة وهي تنطق بحرقة: أنت الاختيار الغلط اللي عيشت سنين بندم عليه، أنا متهانتش غير في البيت ده، متوجعتش غير في البيت ده…

زاد نحيبها وهي تضيف بوجع: أول مره حد يمد إيده عليا فيها كانت في البيت ده، على إيدك أنت، استحملت منك كتير، استحملت قرفك وخيانتك على أمل تتغير لحد ما كرهت نفسي وكرهتك، ولما جبت أخري وعوزت أمشي ذلتني، منك لله يا جابر، بس اللوم مش عليك…

استدارت تطالع والده بنظرات حادة وهي تكمل: اللوم على اللي خلاك كده، أنت ناتج منصور، بتحاول تعمل كل حاجة تلفت بيها نظره، كل حاجة تقوله بيها أنا موجود حتى لو الحاجة دي غلط، هو اللي طلعك واحد حقير، أنا النهاردة بس حاسة إني هقدر أرجع أتنفس تاني علشان هبعد عن قرفكم.

قالت جملتها الأخيرة وبصقت عليهما، ثم هرولت من الغرفة هرولت ناحية الخارج، تحديدا سيارتها، كانت ترتدي ملابس الخروج وقد استعدت لكل شيء، وفرت بالسيارة سريعا من هنا وقد استطاعت الآن فقط التقاط أنفاسها.

لا يعلم ما حدث ولكنه على يقين من أن باسم أفسد كل شيء، عاد صديقه للاسكندرية ولا يستجيب لأي اتصال، فاضطر مجبرا الذهاب خلفه على الرغم من تأخر الوقت، سمع أذان الفجر فتنهد بغيظ من صديقه الذي أجبره بأفعاله على الذهاب خلفه في هذا التوقيت، لمح سيارة تسير أمامه فلفتت انتباهه، إنه يعرف هذه السيارة جيدا، إنها السيارة نفسها التي أخذ منها شاكر يوم حفل زفافه، سيارة محسن الذي رضخ لهم وفعل ما جعل شاكر يومها يذهب معه قبل بدء الحفل بدقائق وحينها فقط تمكنوا من شاكر وأخذوه إلى حيث المكان الذي رأى فيه ما لن ينساه، ابتسم بشير بتسلية وأسرع القيادة ليلحق بالسيارة وتوقف محسن بالفعل ونزل من السيارة يسأل بغضب: في إيه يا جدع أنت ماشي ورانا ليه؟

أطلت علا برأسها لترى ما يحدث، كانت هي ووالدتها داخل سيارة محسن العائد بهم إلى الاسكندرية بعد ذهاب شقيقها وزوجته، ما إن لمحت بشير الذي ينزل من السيارة حتى ثبتت نظراتها عليه وخاصة حين وجه حديثه لمحسن: أنت مجنون يا بني هو أنا جيت جنبك؟
لم تود قول أي شيء يكشف معرفتها به، وتابع محسن حديثه بضجر: أيوه أنت ماشي ورانا من بدري، و أنا ملاحظك.
يلا يا محسن خلاص.

هكذا هتفت علا فانتبه لها بشير، ابتسم واستدار يربت على كتف محسن قائلا: يلا اسمع كلامها واتكل على الله علشان متزعلش.
هتفت كوثر من الداخل: أنا معرفش البلاوي دي بتتحدف علينا منين بس!
ردعتها ابنتها بقولها: بس يا ماما.
لم يرض محسن بالذهاب و لكن قبل أن يقول شيء همس له بشير: روح، علشان اللي معاك ميعرفوش إن أنت اللي جرجرت ابنهم ليلة فرحه علشان ناخده ونبوظها على دماغه.

بان الذهول عليه فابتسم بشير متابعا وهو يطالعه: بشير صاحب عيسى، وواحد من اللي روقوا على صاحبك ليلتها.
انكمش حاجبي علا وهي ترى حديثهما الخافت فنزلت من السيارة وهتفت بانزعاج: ممكن يلا، علشان الجو برد ومش نافعة الوقفة دي يا محسن.

مشى معها محسن وخاصة بعد حديث بشير الذي أجبره على التراجع، ركب محسن السيارة وقبل أن تركب هي استدارت تطالع بشير الذي قال لها بابتسامة غامزا: لا مسيطرة، قولتيله ممكن يلا، سمع الكلام علطول.
طالعته بإنزعاج وركبت السيارة حين سمعت محسن الذي حثها على الركوب. وركب بشير سيارته هو الأخر وحين مر من جوارهم هتف ضاحكا: أصل سكتنا واحدة.

حاولت علا إخفاء ضحكة من الظهور، وخاصة حين سألتها أمها التي تجلس جوارها في الخلف: بتضحكي على إيه يا بت.
تأففت علا بغيظ وردت عليها: هضحك على إيه يا ماما، هو في حاجة تضحك في اللي أحنا فيه؟، علشان قولتلك نستنى ونرجع الصبح، قولتيلي لا طالما شاكر مشي منامش غير في فرشتي.
وكزتها والدتها وهي تردف بغضب: طب اتكتمي بقى.

بالفعل صمتت ونظرت جوارها تتصنع أنها تتابع الطريق، ولكنها كانت تتابع سيارة بعينها، وكأن داخلها يتحدث وتسمعه: قليل الذوق بس شخصية وقم…
قبل أن تسترسل في الحديث ردعت نفسها سريعا عن هذا التفكير وخاصة حين وقعت عيناها على محسن فمطت شفتيها بقلة حيلة وهي تقول لنفسها: فوقي يا اختي وخليكِ في الشخصية اللي قاعد قصادك وأخوكِ ملبسهولك.

ذكر هذا جعلها تضع كفها على وجنتها بحزن وشردت تماما في معالم الطريق لعلها تنسى ما تفكر به.
افتح يا عيسى طيب.
قالها طاهر للمرة التي سأم من عدها حيث وقف أمام باب منزل والدته ينادي ولكن الرد واحد: قولتلك امشي يا طاهر، وقول لأبوك يتطمن.

كيف يقول هذا لوالده الذي أخبره ألا يتركه لحظة واحدة خوفا عليه، وصلت سيارة حسن الذي اصطحب ملك إلى هنا، ملك التي قابلت نصران لحظات فشعرت بأن الأمر عظيم خاصة وهو يستجديها: روحيله يا ملك، خليكِ معاه.
لم تعرف حتى ماذا حدث، ولكنها كانت على يقين من أنه أصابته نوبة ولكن من الواضح أنها أكثر شراسة هذه المرة، نزلت من السيارة وهمست تستأذن طاهر: ممكن تمشي وتاخد حسن.

رفض طاهر طلبها قائلا بنفس النبرة المنخفضة: مش همشي واسيبك، هو مش هيفتح خلاص.
طب استناني على أول الطريق لو مفتحش أنا هجيلك.
قالت هذا فتأفف طاهر بضجر لا يريد تركها وحدها في هذا التوقيت، وافق على مضض وتحرك ناحية حسن وما إن تأكدت من ابتعادهما حتى دقت الباب، مرة والثانية وفي الثالثة رد بانفعال من الداخل: قولت مش هفتح يا طاهر، ولو حد فيكوا راح جاب نسخة من المفتاح وفتح الليلة دي مش هتعدي.

هتفت بما جمده: أنا ملك يا عيسى.
صمت تام حل على الأجواء قطعته هي بقولها: مش هتفتحلي أنا برضو؟
روحي.
كان هذا رده عليها وأضاف: خدها يا طاهر وروح
فأخبرته بنبرة حزينة: مفيش طاهر، أنا قولتله امشي، عيسى هيفتحلي، مش أنت هتفتحلي صح؟
لم تسمع منه رد وانتظرت دقائق ولم يفتح أيضا فهتفت: الدنيا بتشتي على فكرة وأنا بردانة، وكمان الدنيا ضلمة، وأنا مبحبش الحاجتين دول مع بعض بيقبضوني.

يذكروها بالليلة التي خسرت فيها جزء من روحها، أمام رفضه وعدم استجابته تلألأت الدموع في عينيها وقالت: ماشي يا سيدي شكرا، أنا همشي يا عيسى.
فتح الباب، كانت أنفاسه متسارعة وكأنه في سباق، عروقه بارزة توحي بأنه خرج من معركة للتو، كانت تسير راحلة فاستوقفها حين جذب ذراعها قائلا: أنا فتحت على فكرة.
واجهته بعينيها وهي ترد: لو مكنتش قولتلك إن طاهر مشي مكنتش فتحت.
وأنا مش أهبل علشان أصدق إنهم مشيوا وسابوكي.

لمح لها بأنه يعلم أن شقيقه بالتأكيد ينتظرها في مكان ما، ولكنها تجاهلت التلميح وسألته: عايزني امشي؟
جذبها إلى الداخل وهو يرد على سؤالها بقوله: المفروض كان يتسأل السؤال ده قبل ما افتح الباب.
أغلق الباب ووقف أمامها في الردهة يسألها بنظرات حادة: جاية ليه؟

نزلت عيناها إلى قدمه المصابة والتي قام بربطها حين وصل إلى هنا بعد أن تفحصها جيدا، وقبل أن تسأل هي ماذا حدث أكمل هو: جاية علشان الحاج قالك إني كنت هريحكم مني خالص، كنت هروح للي ارتاحوا وأخلص، أول مرة جينا البيت ده كنت جايبك من الماية علشان حاولتي تنتحري، والمرة دي أنا اللي كنت هعملها.

لم تصدق ما تسمع وهتفت بعينين جاحظتين: أنت بتقول إيه؟، أنت عارف أنت لو عملت كده فعلا مش هتبقى بتنهي نفسك بس، أنت هتبقى بتقتلني وبتقتل أبوك.
ضحك باستهزاء وتحرك للجلوس على الأريكة وهو يسألها: ومقولتيش ده لنفسك ليه قبل كده؟، ولا هتقولي لنفسك ازاي، وأنتِ عامية نفسك عن الحقيقة وبتنصحي غيرك يشوفها.
ذهبت لتصبح أمامه لتسأله باستنكار: أنا عامية نفسي عن الحقيقة؟

استقام واقفا وهو يرد عليها مؤكدا: آه عامية نفسك، شوفي كده كام مرة قولتلك فيها ندى كانت فترة وعدت، قصادهم بقى كام مرة تشكيك فيا وتصديق أي كلمة تتقال.
انفعلت هي الأخرى وسألته: كنت عايزني أعمل إيه وهو بيقولي إنك عرفت اللعبة دي علشانها وجايبني في نفس المكان اللي كنتوا بتيجوا فيه مع بعض؟

صاح بغضب شديد وهو يشير على جانب رأسها: كنت عايزك تشغلي ده، كنت عايزك تعرفي إن اللي قدامك ده مش هيعمل كده إلا لو كنتي تهميه، مش هيخبي عليكِ لما تسأليه عرفت اللعبة منين ويقولك من صاحبه إلا لو كان مش عايزك تضايقي، أنا مش مجبر أخبي…

عيناه الصافيتان ملكتا الإجبار الذي دفعها للنظر لهما وهو يكمل: لو عايز افتكرها كنت هروح لوحدي من غيرك، أنا خدتك علشان شوفت فرحتك وأنتِ بتتفرجي على الفيديو وحماسك إنك تجربي، عملت حاجة المفروض تكون دليل كبير بالنسبالك إني معاكِ أنتِ مش هي، لكن مع أول كلمة اتقالتلك رميتي الجزمة.
نزلت دموعها وأكمل هو بألم: وسمعتيني كلام زي الزفت…
كرر مقلدا نبرتها: كان إنجاز نفسي أحققه وحققته بسببك وندمت عليه بسببك…

سألها مبتسما بسخرية: مش ده كلامك؟
هزت رأسها ترد عليه: اه كلامي، بس قولته علشان حسيت اني استبن مكانها، وده إحساس وحش أوي على واحدة، وأنت محاولتش حتى تفهمني، أنا حتى لما سألتك رديت بجملة واحدة: اه كنت باجي مع ندى.
الحديث في هذا لن ينفع وخاصة في حالته هذه لذلك أنهت كل هذا وهي تمسح دموعها وتقول: ما علينا من الموضوع ده، أنا الغلطانة حقك عليا.

هز رأسه بإهمال وعاد للأريكة يتمدد عليها بينما تكرر في أذنها هي صوت طبيب الصحة النفسية الذي سمعت له من قبل مقطع مصور يتناول فيه مضاعفات اضطراب زوجها، تسمعه الآن يقول: من مضاعفات الاضطراب إيقاع الأذى بالنفس، الحالة لو تم إهمالها مش بعيد تحاول تأذي نفسها أو تنتحر.

ذهبت لتجلس على المقعد المجاور بعدما فاقت من شرودها، تنهدت بهدوء قبل أن تلقي على مسامعه: ما تيجي نروح لدكتور نفسي، أكيد هنكون أحسن، أنا حاسة إني محتاجة أروح، وأنت كم…
كان رده صارما حين قاطعها وقد استدار يتطلع لها: عايزة تروحي لدكتور نفسي أنتِ مش صغيرة، الطريق قدامك روحي، أما عني بقى فبلاش كلام في الحوار ده علشان متزعليش.
صاحت بضجر: أنت لو فضلت تتعامل بالطريقة دي أنا همشي.

أشار لها على الباب قائلا: الباب يفوت جمل، وهتلاقي طاهر لسه واقف مستنيكي.
تركت مكانها بانزعاج وقررت بالفعل الرحيل، ولكن تردد في أذنها صوت والده وهو يرجوها ألا تتركه، تدري أن طريقته هذه هي ناتج اضطرابه الانفجاري، وقفت مكانها واستدارت تخبره بنبرة لم يتحمل أمامها: أنا زعلانة منك يا عيسى.
ترك مكانه وذهب لها، وقف أمامها وهتف بحزن: وأنا زعلان من الدنيا كلها.

جملة واحدة جعلت عينيها تلمع بالدموع أكثر وهي تقول له: حقك عليا بالنيابة عنها كلها، أنا عايزاك كويس، أنا بحبك.
تصريحها هذه المرة لم يكن ككل مرة، وكأنه يسمع اعترافها للمرة الأولى وتاه فيها وهي تكمل بابتسامة: بحب عيسى اللي وقف جنبي وبيساعدني أبقى أحسن، بحب الانسان اللي حكالي عن حاجات مش حاكيها لحد.

قصدت ذلك اليوم حين قص عليها حكاية قسمت ووالدها وتابعت بنبرة صادقة سلبته: بحب اللي علمني أدافع عن نفسي، اللي بسببه قدرت أوري لشاكر إني مش خايفة منه، بحب عيسى اللي علطول بيعلمني حاجات جديدة، علطول خايف عليا وكأني هتوه منه…

ضحكت وهي تسرد له بقية ما لديها أمام نظراته الساهمة: بحب عيسى اللي علطول فخور بيا وفرحان بأي حاجة صغيرة بنجح فيها حتى لو كل اللي حواليا مش حاسين بيها، بحب اللي جابلي فناجين الأميرة والوحش والشمعدان، ابتسم بتأثر وألقت هي على مسامعه المزيد: واللي اختار أرق عروسة وادهالي وقالي علشان حسيتها شبهك، واللي جابلي ال note اللي كانت أول شيء يعرف هي والقلم إني قلبي دق ليك، عيسى اللي صبر عليا وطمني وقالي متخافيش مش تقرب منك طول ما أنتِ مش عايزة…

زادت دموعها ودق قلبها أكثر وهي تشير على السوار الذي توسطه لعبة على شكل قطة صغيرة وتخبره: الشخص اللي احترم خوفي، واللي لبسني الانسيال ده وقالي علشان أنتِ زي القطط.

أشارت على نفسها تبرر ما يحزنه: بس أنا بخاف، ولسه لحد دلوقتي مش قادرة أعدي حاجات كتير، ببقى عايزة اتطمن بوجودك، ببقى عايزة أسمع كلامك، كان نفسي أسمعك بتقولي أنا فعلا كنت باجي هنا مع ندى بس أنا النهاردة جيت علشانك ولعبت علشانك، بس أنت قولت إنك جيت معاها بس وده زعلني أوي.
سألها بابتسامة: تصدقي بالله
ردت عليه مسرعة: لا إله إلا الله
أكمل ما أراد قوله: أنا متربتش إني زعلتك.
ضحكت فسألها غامزا: بتضحكي ها؟

توقفت عن الضحك وهي تسمعه يقول مشيرا على عينيها: أنتِ اتصرفي في دول…
ابتسمت واقترب هو يقبل عينها برقة، شعرت بدقات قلبها تتسارع وابتعد هو سائلا: خايفة؟
وللمرة الأولى تهز رأسها نافية تخبره أنها غير خائفة، ذهبت إلى الغرفة الداخلية ولحق هو بها يسألها وكأنه لم يفهم إشارتها بالخارج: متأكدة إنك مش خايفة؟
ابتسمت وهي تجاوبه: أنا متطمنة علشان معاك.

أسرتها عيناه حين توقف أمامها تماما وسألها للمرة الثالثة: أبعد؟
دقات قلبها العالية طالبته بالبعد رأفة بها ولكنها تمسكت به وللمرة الأولى تخبره وهي تنظر في عينيه: متبعدش.
توقف عن التصديق، يريد أن يتيقن من أنها جادة لذلك كرر سؤاله: ملك متعمليش حاجة علشان ترضي حد، لو مش قد الخطوة دي لسه أنا مفيش حاجة تهمني غير…
قاطعته تخبره بابتسامة: أنا مش خايفة يا عيسى.

رد على جملتها بقوله: وأنا بحبك أوي، بس اللي بتقوليه ده هيخليني أتقدم خطوة ممكن تكوني مش هتقدري عليها، أبعد يا ملك؟
كان هذا سؤاله للمرة الرابعة بعينين تتشوق للإجابة، لتصريح واحد فقط منها بعد كل ما عاشاه سويا طال صمتها، فابتسم وقال قبل أن يغادر الغرفة: ولا يهمك.
ولكن أتى التصريح حين أوقفته، اختبئت به وأعطته الجواب الذي أراده بقولها: متبعدش.

وكأنه في عالم أخر، كانت هي السبب هذه المرة، هي من سلبته بكلماتها ونظراتها، هي من أخبرته أنها ليست خائفة وأعطته تصريحها للمرة الأولى ليسيرا خطوة أخرى في علاقتهما، تأكد قبل أي شيء أن الخيار خيارها هي ليدرك من جديد أن بعض الليالي لا تُمحى أبدا وستكون هذه الليلة واحدة منهما، وبعض الأقوال يصعب على العقل نسيانها، بعض الأقوال تدفعنا لاتخاذ خطوة أخرى، تخط بداية فصول جديدة في حياتنا، هناك أقوال لا تُنسى أبدا وقولها لا تبتعد مهما سمع من أقول غيره لن ينساه أبدا.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *