التخطي إلى المحتوى

 رواية قلب اخضر الجزء الثاني الفصل الخامس والسادس بقلم رباب عبدالصمد  (حصريه وجديده في مدونة الشروق للروايات)


رواية قلب اخضر الجزء الثاني الفصل الخامس والسادس بقلم رباب عبدالصمد  (حصريه وجديده في مدونة الشروق للروايات)

البارت الخامس من رواية القلب اخضر

بقلم رباب عبدالصمد 

 قطع الصمت هو وقال بصوت هادىء / هل لى ان اعرف ما الذى اوصلك لتلك الحالة فقد تركتك وانتى فى احسن حال 

 بدات تتجمع الدموع فى مقلتيها مرة اخرى اقترب بكرسيه منها ومال عليها وقال / ارجوكى لا تبكى فانا لا احب ان ارى دموع اى انثى وقلت لكى احكى ولم اقل ابكى 

 نظرت له ومدت يدها ومسحت دموعها قبل ان تنهمر وقالت / لقد اصبحت كارهة لنفسى فانا من اهدرت كرامتى بيدى وتحسست بطنى فتعجبت فكم هو حلم كل انثى ان تصبح ام اما انا فاشعر بكل كراهية لما احمل فى احشائى فكرهت نفسى اكثر فحتى هذا الشعور حرمت منه 

 انتظر عليها حتى تهدا ثم قال / لا اصدقك فى هذا وانا متاكد انك تعشقينه وتحنين عليه وما كانت لمستك هذه الا للاطمئنان عليه ولكنك خلطتى وجوده بظروفك فهو ليس له ذنب وكيف يكون كذلك وقد يكون هو سندك فى الحياة ؟ وكيف تكرهين من سيكون السبب فى براءتك 

 سكتت ولم تجيب ولكنها بعد لحظة قالت / ولكن ما صنعه اباه بى هدم عندى اى شعور باى حب من اى نوع 

 ايوب / حياتك السابقة قبل زواجك من والده هى السبب ولكنه هو سبب اضيف اليهم ولكنه اشعل فتيل الكره او الحنين الى الحب حيثما تحبى ان توصفينه 

 نظرت له وانتظرت ان يكمل فكم اصبحت تحب طريقته فى تحليل شخصيتها فهو حقا يقف عند مناطق ضعفها التى تخشى هى ان تظهرها ويلقى هو عليها الضوء بل ويعطى لها الحلول 

 بينما استطرد هو قائلا / انتى كنتى ولازلتى جائعة للعاطفة من اى نوع وفى اى صورة ولكن للاسف هذا ابشع احساس ممكن لانسان ان يعيشه لانه يكون اول الناس عرضة للانهرام النفسى ويظل طيلة حياته فى حرب نفسية مع ذاته ومع الاخرين قد تنتهى تلك الحرب اما لصالحه او ضده وفى الحالتين اما ان تجنى مكاسب ضئيلة او تجنى خساير 

 ولكن مكاسبه فى تلك الاحيان لا تكون الا مكاسب هشة لمدة قصيرة فقط تشبه فى وصفها بالفرحة الهشة التى نكون فيها نبتسم ونحن من داخلنا فى منتهى الحزن وكل هذا يرجع الى ان مثل هذا الانسان يظل دوما فى حالة جياع للعاطفة لانه منذ صغره لم يرى العاطفة فيظل يبحث حوله عن اى احساس حلو فيتحرك اتجاهه 

 ولم تكمن مشكلة مثل هذا الانسان فى تعبه النفسى بسبب بحثه عن العواطف والحنان انما تكمن فى احتياجه الشديد لان هذا يجعله قد يذهب للشخص الخطا وفى الوقت الخطا وهنا يتحول احتياجه لحوجه وهذا ابشع درجات التعب النفسى ان تصل الى الحوجة فى المشاعر لانها تكسر النفس ووالكرامة وتطمس النور لانه خرج من قلب مليء بالعواطف لقلب لا يعرف العواطف والعجيب انه لم يكف عند هذا بل يظل يوهم نفسه انه هو الخطا ومن امامه هو الصح فينغمس اكثر فى حوجته لعواطفه حتى يفيق على كسرة موجعه وهذا ما حدث معكى 

 انتبهت عند تلك الكلمة وانتظرت بلهفة ان يكمل 

 الثائر / انتى كنتى تبحثين عن العواطف والحنان والاكثر منهم الحب ولما وقعت انظارك على زوجك السابق وهو يتعامل مع اخته بحنان انصهرتى فى حنانه وجماله وبنيتى لنفسك نسج من خيال ان هذا هو الشخص المرجو وعندما تحقق ما تمنيتى ولم تجدى منه اى حنان كما كنتى تنسجين بخيالك حوجتى نفسك له اكثر فتنازلتى عن اشياء كثيره لاجله ولم تشعرين انكى بهذا قد ذهبتى لمن يلبى رغبتك فى الحب وليس لمن تلبى انتى ايضا رغبته فى الحب

 فالحب يعنى ان ينسى بكى الدنيا وما حولها فتكفيه وعندما لم تجدى ما نسجتيه فجعتى 

 ولكن هذا شىء وحنانك على طفلك شىء اخر فحب الام هو الحب الوحيد الذى لا يحتاج الى مقابل والابن ايضا هو الانسان الوحيد الذى من حقه ان يطلب كل الحب والحنان دون ان يعطى مقابل 

 صمت للحظة وهو يراها قد تاثرت وبدات تتحسس بطنها ثم قال / هل تريدين ان يجوع طفلك للحنان وانتى موجودة ؟ هل تودين ان يقاسى طقلك ما قاسيتيه انتى ؟

 ردت بسرعة وبلهفة نافيه / لا . لا اريده ان يشعر بما شعرت 

 ايوب / اذن اعطيه كل حنانك وبكل ترحاب 

 اومات براسها بنعم ولكنها قالت / لقد بذلت كل ما 

فى طاقتى لاحافظ على ابيه ولكنه رفض قلبى 

صمت لبرهه وتمعن النظر فيها وقال :سأقول لكى شيئا وعليكى ان تثقى فيه وتتعقليه لتنجحى فى حياتك

انتبهت له وانصتت دون أن تتكلم فقد أصبحت تستصيغ كلامه لانها تشعر انه يغوص فى أعماقها

ايوب :لقد خلق الله كل شىء فى الكون مؤخرا لخدمة الإنسان ولهذا فكل شىء فى الكون أما أن يؤثر فى الانسان أو يؤثر الإنسان فيه والطبيعة تؤثر فينا نحن رجالا ونساء فهل عندك علم بأن حركة النجوم والكواكب وحتى الجاذبية الأرضية تؤثر فى الانسان فقامت ناس إلى أنماط فمثلا هناك الرجل الشرقى أو الشمالى الغربى وهكذا ولكن منهم صفاته الخاصة وافضل شىء أن تعلم الأنثى صفات رجلها حتى تتكيف معه والعكس كذلك فيتعلم الرجل صفات زوجته فيتكون معها ويتجنب ما يثير بغضها فهناك مثلا انثى حالمة تحب الحنان والاحتضان وهناك انثى نارية  تلك المغرورة المحبة لأن تكون الأقوى ودوما ما تكون عنيدة وكل واحدة لهاصفاتها التى تميزها أما فى حالتك تلك فانتى امرأة حالمة هادئة ولكن زوجك جنوبي شرقى وهذا ما لاحظته من وصفك له وان كنتى عرفتى صفاته لكيفتى نفسك معه أو العكس أن عرف هو صفاتك لكان تركك فى هدوء قبل أن يتجرأ على عذابك

ليلى :    لا أفهم شىء

ايوب : زوجك من أهم صفاته الكبرياء والغرور ويتألف أكثر مع المرأة العنيدة التى لا تتساهل معه ابدا فى شىء بل تعطيه كل شىء بالتقطير حتى فى العواطف فإن كنتى لم تتكلفى من البداية وتدللتى عليه وكتاباته لدار هو تحت أقدامك ورهن اشارتك

بينما هناك نوع من الرجال يعشقون المرأة الهادئة التى تكرس حياتها له فقط فهذا شىء يشعرها برجولته فيعطيها هو الحنان والاحتضان بكل رضا وسرور  

نعم هذا وصف زوجى حقا ولكنى مع ذلك بذلت كل جهدى لاسعاده فلما انشرنى 

 

 ايوب / انكى دوما ما تعودين لنفس نقطة البداية 

 ليلى / كيف 

 ايوب / لانى سبق وقلت لكى انه من الاساس لم يحبك ولكنك توهمتى ذلك او اردت ان تتوهمى ذلك بارادتك ولكن الحب غير هذا ولا يختلف فى تعبيراته اثنين فالصدق بين فى كل حالاته 

 ليلى / ماذا تقصد بهذا 

 ايوب / اذا ميز الرجل المراة بين جميع النساء فذلك هو الحب 

 اذا اصبح النساء جميعا لا يغنين الرجل ما تغنيه امراة واحدة فهذا هو الحب 

 اذا ميز الرجل المراة لا لانها اجمل النساء ولا لانها اذكاهن ولا لانها اولى النساء بالحب ولكن لانها هى بمحاسنها وعيوبها فهذا هو الحب فالرجل حين يحب المراة

 فانما يريدها هى دون غيرها فلا يريد ما هى اجمل منها لانه يحسها هى لانها هى لا لانها امراة لا فارق بينها وبين سائر النساء 

 ولهذا نفسر بعض الحالات التى قد نجد ان رجل فى قمة جماله ورقيه واناقته ويذوب حبا فى امراة لاترتقى له لا فى جمال ولا فى اناقه ولكنه حب فيها ما بداخلها ولمس فيها ما لم يلمسه غيره فصار عبدا لها 

 اما اى امراة مجهوله بالنسبة للرجل فتغنى عن اى امراة مجهوله اخرى فيعيش مع هذه لحظات جميلة ومع الاخرى ايضا كذلك لانه لم يعرف فى اى منهم صفة تنكرها او تميزها عن غيرها اما التى احبها وتشخصت امامه وفى وجدانه فقد حفظ كل شىء فيها حتى عدد انفاسها فكيف لقلبه قبل عينه ان يرى غيرها وهذا لم يحدث مع زوجك

 * وقد يميز الرجل بين امراتين فى ان واحد لكن لابد من اختلاف بين الحبين فى النوع او الدرجة او الرجاء والا ما احبها القلب ان لم يكن هناك اختلاف فيكون احد الحبين خالصا للروح والوجدان ويكون الاخر مستغرقا شاملا للروحين والجسدين 

 او يكون احد الحبين مقبلا صاعدا والاخر فى الادبار 

 اما ان يجتمع حبان قويان من نوع واحد فى ان واحد فذلك ازدواج غير معهود فى الانسانية  لان العاطفة لا تقف ابدا ولا تعرف الحدود اما اذا بلغت العاطفة مداها فجبت ما سواها واذا بلغ حب الرجل لانثاه مبلغه جب ما سواها من نساء وهذا ايضا لم يحدث مع زوجك 

 ليلى / ولكن كيف للرجل ان يحاسب المراة حساب الملائكة وهى نفسها لا تستبعد خيانته ؟ هل هذا عدل الحب ؟

 ايوب / هنا ايضا عدنا لنقطة البداية عندما قلت لكى ان اصدق احساس للمراة شكها فيمن احبته بفؤادها لان شكها ما هو الا يقين ولكن ينقصه البينه

 فليس هناك اى فرق بين خيانة الضمير وبين خيانة الواقع الا بالتنفيذ فكلاهما خيانة وكما هو الفرق بين قبلة الرجل لاى امراة وبين قبلة من عشقها فالرجل قد يقبل اكثر من فتاه كما الممثل الذى يقبل المراة على المسرح ولكن مذاقها ونشوتها تختلف اختلافا كليا عندما يقبل زوجته التى عشقها 

 وليس من العجيب ان راينا ان القبلة بين اى رجل وامراة قد تجلب بكثير من الامراض فى حين ان قبلة الرجل لزوجته غذاء 

 ليلى بتعجب / غذاء 

 ايوب بابتسامة / نعم وما العجب فى ذلك فهى غذاء روحانى للقلب وغذاء يطفى جوع الشهوة والاشتياق وغذاء مشبع كما الغذاء العادى 

 تحول الحديث بينهم لحديث ارتجالى فقالت 

 ليلى / عندك حق ولهذا لم يجعلها الله من مسببات الافطار فى رمضان 

 ايوب / نعم فالله دوما يحس الرجل لحب انثاه ودوما ما يحسه على بس الحنان والامان لها 

 ليلى باسف / ولكنى تعجبت لما لم يرق قلبه لدموعى يوما 

 ايوب / ان عشقك لكان راى دموع قلبك قبل عينك واتعجب منكى فلماذا اذن تشتكى والحقيقة جلية امام عينيكى 

 ليلى / هذا لانه كان اعمى البصيرة فهل كان اعمى البصر ايضا ؟

 الثار / هناك من لا تؤلمه دموع المراة 

 ليلى / وماذا عنك ؟

 توتر هو من مباغتتها له بالسؤال لانه هو نفسه كان فى حاجة لان يساله لنفسه هل تاثر بدموعها  وهل شعر نحوها بشعور مختلف ولهذا وجد السعادة فى الاجابة فقال / لا تهزنى دموع المراة الا ان كانت تخصنى اما دون ذلك فاراها دموع باردة 

 ليلى / وكيف تكون دموع المراة باردة 

 الفهد الثار / ان كانت مزيفة 

 ليلى / انا تؤلمنى دموع المراة لانها دوما ما يكون منبعها القلب 

 ايوب / دموع الرجل تؤلمنى اكثر 

 ليلى / ولكن المراة اضعف 

 ايوب / ربما هذا ما يؤلمنى فى دموع الرجل 

 ليلى / لا افهمك

 ايوب / دموع الرجل تعبر عن ضعفها وهذا امر طبيعى فهو سلاحها الوحيد  اما دموع الرجل تحمل دوما دفقا من العواطف مع دماء كرامة جريحة 

 ليلى / الرجال لا يبكون بدموع باردة فى رايك اذن 

 ايوب/ لا يبكى البرجل الا بدموع حارة فهو لا يربح شيا بالبكاء بل عى  العكس يخسر الكثير باعلان ضعفه ولكن على العكس من المراة التى تربح دوما بضعفها لا بقوتها 

 ليلى / ولماذا اذن لم اربح انا وقد بكيت حسرة ولوعة وندما واشتياقا ايضا 

 ابتسم وقال / ومن يعلم فيمكن ان تكون كل دموعك تلك مقدمات لدموع فرحة تاتيكى ان وجدتى من يحبك حقا 

 نظرت له مليا ونظر لها فما كان منها الا ان اطرقت راسها لاسفل وما كان منه الا ان تنحنح وقام وجلب صينية العشاء ووضعها امامها 

 ليلى / الم يحن الوقت لتاكل معى ام انك لا تجوع ابدا ؟

 ايوب مد يده وامسك ملعقة وغمسها بالعسل ثم قربها اليها 

 ليلى بخجل / هذا كثيرا جدا

 ايوب / لا تقولى كثير على اى شىء اعطيه لكى فانتى تحتاجين الى غذاء كثير 

 فتحت فمها وابتلعت العسل ولم تعرف ان وجهها اضاء فجاة وكانه اكتسب لون العسل 

 ايوب ايضا لم يعرف ما سر السعادة التى شعر بها وهويجدها تتغذى على يده 

 قالت هامسة / لم تجيبنى بعد الم يحن الوقت لتاكل معى ؟

 رد عليها  وهو لا يزال قريبا منها هامسا مثلها / ومن قال انى لم اكل بعد فكونى اغذيكى فكانى اكلت الدنيا وما فيها 

 توترت وارتجفت وزاغ بصرها بين النظر الى الارض تارة وبين النظر فى عينيه تارة اخرى ثم ابتسمت ابتسامة عذب وقالت / انك نبع حنان 

 الفهد / على ابنتى فقط 

 مر الوقت بينهم سريعا واخيرا نظر لساعته فوجد انه حان وقت توزيع وردية منتصف الليل فقال لها اتركك الان لتستريحى وساذهب انا لتوزيع وردية منتصف الليل 

 ليلى بصوت حانى / اشعر انك تغمر نفسك فى العمل لانى قد شغلت غرفتك 

 ايوب بدهشة / اطلاقا بل هى هذه حياتى اليومية بل وانا معكى قد ساعدتينى لاخذ قسطا من الراخة 

 ليلى / اى راحة تلك وانت تقضيها بين غسل ملابسى واحضار طعامى وهندمة سريرى 

 ااقترب منها مرة اخرى وقال  / ان كنتى رايت ان هذا تعب فهو بالنسبة لى الذ تعب فهل يتعب الرجل من خدمة ابنته 

 ابتسمت له وابتسم لها ابتسامة حانية وتركها وخرج 

 ظلت ليلى طوال ليلها تتخيل كلامه معها وتحليله لكل كلمة قالتها وكل موقف واجهته فوجدت انه قد بدد لديها كثيرا من الشعور بالنقم على حياتها 

 بينما هو دخل لغرفة القيادة وبدا ينظر لابرة البوصله ليحسب مقدار انحرافها ويعدل من مسار السفينه ان كان فى حاجة اليه ومع هذا التركيز وجد نفسه يبتسم ابتسامة ملات وجهه دون ان يشعر بان هناك اثنين من مساعديه قد راقبوا تلك الابتسامة وهذا التغيير الطارىء علي ربان سفينتهم وهم لم يعتادوا منه على ذلك

 مساعد الربان الاول /  لم اعتاد على تلك الابتسامة من فهدنا الثائر فهلا خالفت عاداتك وجديتك وقررت ان تعيش مثل اى انسان 

 تنبه ايوب لهم فقد كان فى عالم اخر ثم ارتسمت مرة اخرى الجديه على ملامحه مما جعل مساعد الربان الثانى يقول / الا تركته يهنأ بابتسامته ولو لدقيقة حتى نستطيع تذكر ملامحه وهو مبتسم فيما بعد 

 ايوب بوجه صارم / كفا عن هذا المزاح واسمعانى جيدا فقد احتاج الى مساعدتكم هذه الفترة ولكنى فى نفس الوقت لا أأمن ذلك 

 مساعد الربان الاول بفرحة / احقأ هل حان لى ان امارس مهنتى ولو لدقيقة 

 ايوب / قلت انا افكر ولا زلت لا أأمن 

 مساعد الربان الثانى / لما لا تامنا فنحن نقود سفن اخرى بانفسنا 

 ايوب / لكنكما كنتما تعتمدان على القائد الاليكترونى اكثر مما تعتمدون على انفسكم 

 مساعد الربان الاول / وما العيب فى ذلك ام من اللازم ان نجهد انفسنا 

 ايوب / ايها الربان الصغير فى يدك ارواح اناس من خلفهم اناس اخرون ينتظرونهم هل لا يشعرك هذا بالاضطراب والاحساس بالمسئولية التى تجعلك لا تعتمد على غيرك فى العمل 

 مساعد الربان الثانى / ولكنك تعطى الامور اكبر من حجمها 

 ايوب يجوز ومع ذلك نحن فيها ابدأ انت اولا واشار للمساعد الاول لياخذ مكانه 

 بينما اخذ هو يراقبه 

 ظل معهم قرابة الساعة حتى صرخ فيه وقال / الم اقل لك ان تركز امامك وراقب البحر امامك بعدسات المنظار 

 مساعد الربان الاول وقد ارتعدت اوصاله وارتبك فى قيادته وقال / ما عساك لكل هذه العصبيه فلم يحدث اى شىء 

 ايوب / لما لم تتابع اشارات البوصلة او القائد الاليكترونى لتعرف انك لم تحسب الانحراف جيدا وانك نتيجة لهذا قد تصطدم بشعاب مرجانية على مقربه كم عقدة 

 توتر الربان الاول وقال ولكن صافرة الانذار لم تعطى اى اشارة 

 الفهد الثائر وقد بدات تظهر ثورته / ايها الاحمق قلت لك لا تعتمد على الاليكترونيات فانا من اطفاتها لاختبرك 

 دخل مستقبل اشارات الرادار وقد امتقع وجهه وقال / هناك اشارات بان سفينة الربان جوزيف تعرضت لقرصنه وهناك اشارات للمساعدة 

 ازاحه ايوب من امامه وتوجه للرادار واللاسلكى واخذ يتحرك بينهم وبين مرسل الاشارات من اليابسة وبدا عليه بداية الثورة ولخذ يتابع ولكن ما هى الا دقائق الا ودفن وجهه بين كفيه ثم اتبعها بان مرر اصابعه بين خصلات شعره ليفهم من حوله ان الله قد نجى سفينة الربان الاخير 

 اخذ ايوب نفس عميق واتبعه بتنهيدة قوية ووقف ناظرا لهم للحظات وهو يحدق فيهم ولا يزال الصمت يعم المكان ثم صاح فيهم فجاة وقال / فيما يبدو اننى كنت احمق حين كنت اريحكم جميعا واقوم انا باعمالكم فهذا جعلكم غير مبالين بخطورة عملكم ولكنى كنت افعل ذلك لكى تنعموا بحياة طيبة بين عائلاتكم 

 تدخل مراقب الرادار لانه وجد ان زملاءه كم يودون مثله ان يسالوه نفس السؤال فقال / كلنا نعلم انك تكاد تقوم بعمل كل فرد فى طاقمك ولا تعتمد على اى فرد الا فى حالات انشغالك وحتى فى هذه الحالات النادرة لا تعتمد عليا اعتمادا كليا فلماذا كل هذا الارهاق لنفسك ؟ ولماذا تثنينا عنك ؟

 جلس ايوب مكانه صامتا للحظات وقال باسف  / اردت ان ينعم كلا منكم بحياة عائلية طبيعية فانا اكثر منكم خبرة واعرف ما الامراض التى يصاب بها طاقم عمل السفن لان كل عملهم يعتمدعلى التركيز البصرى فمنهم من يصاب العصب البصرى فيكون من نتيجته رعشة جفونه او ضعف بصره كما انكم تعيشون حياة بعيدة كل البعد عن الحياة وهذا من شانه ان يجلب لكم الرتابة والملل وعدم التاقلم مع الناس او الحياة عموما فتصبحون فى حالة تبلد مع زوجاتكم واولادكم فيتكون النهاية فشل حياتكم ولكن ان انشغلتم عن عملكم بالرفاهية مع بعضكم البعض او مع الركاب والاشتراك معهم فى الهوايات المختلفة فهذا من شانه ن يبعث فيكم حب لحياة وحب التعامل مع الناس كما تنعمون بالراحة فتتفرغون لاولادكم فى اجازاتكم ولكن يبدوا اننى اسات التصرف حتى اصبح احدم لا يستامن على القيادة بمفرده 

 تاثر به الربابنه ونظروا الى حالهم فاقتربوا منه وحاوطوه فشعروا كم ضحى بنفسه لاجلهم واخذوا يشكرونه ولكنهم فى نفس الوقت تنبهوا لحقيقة قد وضعها هو امامهم فماذا يكون مصيرهم ان انهكوا فى العمل حتى صاروا منعزلين

………………

البارت السادس منرواية القلب اخضر

فى الصعيد 

 علي لفريدة / الم ترد ليلى على رسالتى بحاجتنا لافراد عمل 

 فريدة / لا انها لم تشاهد الرسالة من الاساس 

 علي / ولكنى حاولت الاتصال بها وهاتفها مغلق وكنت اود ان اطمان عليها ايضا 

 فريدة / لا داعى للقلق فهى مستقرة مع طارق 

 علي بلهفة / هل حادثتيها ؟

 فريدة / لا فلم يحالفنى الحظ فقد هاتفت طارق اخى وقال لى انه توا ما عاد الى منزله ووجدها نائمة وقال ان كنت اريدها كان سيوقظها ولكنى رفضت وقلت له لا فربما ارهقت نفسها فى تنظيف المنزل ولكنى استشعرت سعادته وعلمت انهم فى احسن حال فلم ارد ان اكون عزول 

 تنفس علي الصعداء وقال / الحمد لله لقد اطمان قلبى عليها الان 

…….

 مر الوقت طويلا على ليلى وهى حبيسة الغرفة ولم يعود ايوب بعد فبدات تتحرك ببطء وارتدت ملابسها وخرجت واخذت تتمشى وهى تتامل الركاب تارة وتتامل البحر تارة حتى لمحت من بعيد السيدة ايزابيل وهى بصحبة السيد البيرت ويبدوا انهم قد انسجموا معا فتوجهت ناحيتهم وهى فى طريقها التقت بحمزة فاستقبلها بابتسامته الجذابة 

 ابتسمت هى ايضا له مما شجعه ان يسالها عن حالها ؟

 ليلى / الحمد لله فى احسن حال

 حمزة وهو يشير لها على الجلوس بجوار سور السفينه / ما رايك فى ان ناخذ قسطا من اشعة الشمس الدافئة فى هذا الركن الهادىء 

 اومات براسها موافقة ومشت معه 

 حمزة / مالى اراكى دوما حزينة ؟

 ليلى بتلعثم / لما اخذت هذا الطابع عنى كل ما فى الموضوع اننى لا أأتلف على الاخرين بسرعة 

 حمزة / انا ايضا مثلك ولكنى أأتلف الوجوه الصافية 

 توترت من كلمته ونظرت امامها للمياة 

 حمزة محاولا التغلغل بداخلها / ما رايك ان نعقد معا جلسة صراحة 

 انتبهت لكلمته ونظرت له وقالت / ماذا تعنى بكلمة جلسة الصراحة ؟

 حمزة / معظمنا هنا على سطح تلك السفينة وبداخلنا  سبب للجوء لتلك الرحلة عكس ما نعترف به كما ان الكثير منا ايضا يصعد على تلك السفينه باسم مستعار وبشخصية مستعارة مخالفة لتلك المدونه فى بطاقة جواز سفره 

 ليلى / وهل انت ممن تخبىء سبب وجودك الحقيقى وشخصيتك فى مثل تلك الرحلة ؟

 حمزة / نعم 

 تعجبت ليلى من صراحته مما جعلها تعاود سؤاله / ولما اذن تخبئه فكل فرد هنا لا يعرف الاخر ولا داعى لكى تخفى سرا او تخفى حقيقتك 

 حمزة / هذا حقا ولكنى لم اود ن اتحدث عما بداخلى لاننى اردت ان انساه ولكنى عندما رايتك ورايت فيكى ملامح البنت العربية حتى قبل ان تعرفى لنا نفسك شعرت بحنين لان اتكلم معكى لافضفض عما بداخلى 

 ليلى / كلى اذان صاغية لك 

 حمزة / ليس قبل ان نتفق على جلسة الصراحة حتى تكون الصراحة متبادلة بيننا والا فما داعى لها من الاساس 

 صمتت ليلى للحظة وترددت واخيرا استجمعت قواها واعلنت الموافقة 

 اتسعت ابتسامة حمزة ثم قال / اذن فسابدا انا 

 حمزة / اسمى حمزة الالفى سورى الجنسية ودكتور جامعى فى كلية الاداب قسم التاريخ الاسلامى وكاتب سياسى ومناضل ومجاهد بقلمى وصوتى ضد اى انسان يحاول ان يسلب منا حريتنا او يطمس ابتسامتنا ولى مؤلفاتى الكثيرة فى هذا الصدد مما جعلنى مطلوب سياسيا من الحكومة السورية وكذلك من الجيش السورى المضاد 

 ليلى بتعجب / مطلوب من كلاهما ؟ كيف هذا ؟ ولماذا ؟

 حمزة / لانى هاجمت جيش بلادى وكذلك الجيش المضاد لهم لانى رايت ان كلاهما شعب واحد وعرق واحد وكان لزاما عليهم قبل ان يحاولوا تقسيم السلطة بينهم كان من الاولى التكاتف لمواجه من حاول تفتيتنا من الداخل 

 ليلى / اذنانت لم يعجبك نهج ايا منهم 

 حمزة باسف / بالطبع فكيف يعجبنى صراع شقيقين فى منزل واحد على تقسيم غرفهم مثلا اليس من الواجب ان نتكاتف لنحارب من اوقعوا بيننا اولا ؟

 ليلى /عندك الف حق 

 حمزة / وكان نتيجة هذا الصراع موت من احببتها طيلة حياتى ثمنا لغدرهم فهى كانت تسير فى الشارع ولا تعرف من هو من افراد جيش بلادها او من هو من افراد الجيش المقابل ولا تعرف علام يقتتلان فاصيبت برصاصة قاتلة اودت بحياتها وانا من دفعت ثمن حرمانى منها بان هاجمتهم هجوما عنيفا فى كل مؤلفاتى حتى صار بى الامر ان لجات الى البلاد الاجنبية لجوءا سياسيا 

 ليلى / الى هذا الحد ضاقت بك الدنيا 

 حمزة / واكثر مما تتخيلين فهل جربتى ان تعيشين بدون اهلك اوصدقاءك واخوتك وتلامذتك وتجبرى ان تعيشى بين غرباء وكانك قد انخلعتى من جلدك لتعيشى بجلد مزيف بين اناس مزيفين لا ينتمون اليك فى شىء لا فى دين اولغة اوعرق وتجدى نفسك مجبرة على التعامل معهم وقد تشعرين انهم السبب فما الت اليه بلادك ولكنك مضطرة حتى تجدين نفسك فى النهاية مضطرة على كل شىء وفى كل شىء 

 هل جربتى ان ياتيك حنين لرؤيا اشقاءك وان ترتمى فى احضانهم لتشعرى بين ايديهم بالامان  هلى شعرتى قبل ذلك بالحنين لان تشتمى رائحتهم حتى تستكين انفاسك ومع ذلك تجبرى على تخيلك لهم وعما يفعلون وكانهم كانوا اناس فى الماضى وانتهوا 

 تذكرت هى حنينها الى احضان شقيقها علي فان كان موجود معه الان لما شعرت بتلك الغربة الموحشة فدمعت عيناها مما جعل حمزة يشعر انه لمس عندها وتر الحزن الدفين بداخلها فاشفق عليها فقد شعر بالذنب لانه هو من فجر هذا الحنين 

 فحاول ان يغير من مسحة الحزن التى تركها على ملامحها وليساعد هو نفسه ايضا على النسيان فقال مناغشا لها / ومع ذلك ترينى اضحك والعب واعزف على العود واغنى ايضا واكتب شعرا 

 نظرت له وابتسمت وقالت / هل حقا انك تعزف على العود ؟

 حمزة / لا امزح هههه بالطبع انا ماهر فى العزف عليه وساسمعك معزوفة من الحان فريد ملك العود 

 كادت ان تكمل كلامها ولكنها شعرت بدوار البحر اول ما ركزت على حركت المياة وانتابها الشعور بالدوخة مما جعل ملامح وجهها يكسوها الشحوب 

 حمزة / ماذا اصابك 

 ليلى / اصبت بدوار البحر واشعر بحاجتى للتقيوء 

 حمزة / لا تنظرى الى المياه بتركيز وحاولى ان تشغلى عقلك باى شىء 

 ليلى اخذت تقاوم وتمسك بطنها ولما اخذ التعب منها مداه قررت ان تعود لغرفتها وما ان بدات تقوم من مكانها حتى قال لها حمزة / هل لى ان اساعدك

 ليلى / اشكرك 

 حمزة / اذن سانتظرك لنكمل جلسة صراحتنا 

 ليلى / بالطبع ولكن فيما بعد فانا اشعر بانى بحاجة الى الاسترخاء على السرير وهمت ان تتحرك فوجدت ايوب يمد يده اليها يسندها 

 نظرت له وقد انتابها شعور بالراحة انه اصبح جوارها 

 ايوب وهو يسندها / لقد اخذ الاعتذار منى مداه 

 ليلى / لا تعتذر فيكفينى انى اجدك جوارى وقت احتياجى لك 

 ايوب باستغراب  / اكنتى فى حاجة الى ؟

 ليلى وهى تتحرك جواره بتثاقل / نعم فقد اصبحت افتقد الشعور باى امان مادمت ليس بجوارى 

 كان قد وصلا الى الغرة ففتحها وهو يقول / هذا ما اشعر به انا ايضا فقد اصبحت اشعر انى لى بنتا اخاف عليها ومسئول عنها  

 لم يكمل عبارته اذ تركته على عجل واندفعت نحو الحمام ولكنه اندفع خلفها ووقف معها ولم يتركها واخذ يرفعها حتى لا تزيد من تقيؤها واخذ ينهاها وكان صوته حقا مملوء بالقلق والخوف عليها 

 ما ان انتهت الا اخذ يمسح على وجهها بالماء ولكن وجهها ازداد شحوبا وقالت له بصوت ضعيف ارجوك اوصلنى الى السرير بسرعة 

 لم ينتظرها لتكمل عبارتها فحملها للسرير ودثرها فلاحظت هى توتره عليها فحاولت تهداته فقالت / لا تقلق ساهدا حالا 

 اخذ يتحسس جبينها ونظر الى يدها فوجدها ترتجف فبسرعة نادى عبر اللاسلكى الذى يحمله على طبيب السفينة الذى لم يغيب سوى دقيقتين 

 انتهى الطبيب من الكشف عليها وقال لايوب / انها فى حاجة كما قلت لك الى غذاء ولكن عليك ان تعطيها وجباتها متقطعة على شكل وجبات صغيرة حتى تستوعبها معدتها 

 ايوب / سانفذ كل ما تقول واظن ان اليوم هو ميعاد نقل الدم اليها اليس كذلك ؟

 اوما الطبيب بنعم بينما قالت هى باستحياء / لا ارجوك فقد ارهق بسببى المرة السابقة ثم انه يغمس نفسع فى عمله غمسا واظنه لا يعوض ما يعطينى اياه فهو ايضا لا يتغذى 

 لاحظ الطبيب انها هى ايضا خائفة عليه فابتسم لهما وقال انتم وشانكما ولكن ان لم يتبرع هو لكى فلا بد ان يتبرع لكى غيره فانتى فى حاجة ضروريه اله 

 ايوب لم يستمع الى الحوار الدائر بينهم وكان الموضوع لا يخصه وبدا برفع اكمام حلته الرسمية واعطى ذراعه للطبيب واعلن انه جاهز 

 ابتسم الطبيب لليلى وقال / لا احد يجروء ان يجادل الفهد فى رايه والا لا استبعد ان يلقينى فى مياة المحيط للقرش دون اى شعور بالذنب 

 مرت الوقت سريعا وانتهى من التبرع لها ولكنها وجدته طيلة الوقت شاردا فترددت ان تساله ولكنها شجعت من نفسها وسالته / ما لى اراك شاردا هكذا 

 انتبه اليها ولاحظ انها بدات تعتدل فى جلستها فاعانها وهو لا يزال صامتا لا يجيبها 

 وجدته تحرك مبتعدا بدا يصنع له فنجانا من القهوة ثم تركها وخرج الى الشرفة ومعه فنجانه ووقف ساكنا 

 تركته قليلا يقف مع نفسه ثم تحركت نحوه ووقفت خلفه فوجدته لازال شاردا فتنحنحت فوجدته انتبه اليها على الفور وقال لها بلهفة / لما قمتى من فراشك انتى لازلتى مرهقة 

 لهفته وخوفه عليها كانوا واضحين فى نبرات صوتهوهذا اسعدها كثيرا ولكنها لم تبين ذلك واقتربت منه فوجدته يسحب كرسى لها واجلسها برفق وابتسم لها وقال / كيف حال ابنى ؟

 ارتعدت اوصالها وتوترت فور سماعها لتلك الكلمة ولم تعرف بما تجيبه 

 اتسعت هو ابتسامته وقال لها / هل تدرين اننى اشتركت معك فى تغذيته فصار منى انا ايضا فان كنتى انتى تغذينه بطعامك وانفاسك فانا اغذيه بدمى 

 ابتسمت له وقد فهمت معنى كلمته وقالت بهدوء / عندك حق ولهذا اعجز انا وابنك عن شكرك فقد عوضتنى عن حنان اخى علي فانا اراه فيك 

 نظر لها وابتسم ولم يعلق ولكنه اخذ نفس عميق وهو ينظر الى السماء واقترب من سر الشرفة واسند عليه بمرفقيه حتى اصبح موليا لها ظهره وعاد لشروده مرة اخرى 

 ليلى بكل هدوء / اراك مشغول البال هذا المساء فهل حدث شىء ؟

 نظر لها وظل صامتا لبرهه وهو على نفس وضعه ثم قال / كيف يكون حالك ان كنتى تعملين بكل طاقتك حتى انكى تحاملتى على نفسك وقمتى بعمل من حولك لتريحيه واكتشفتى فى النهاية انك اخطاتى اكبر خطا اذ انكى جعلتيهم يعتمدون عليكى فى كل شىء ولكنكى فجاة صدمتى بانهم لم يعودوا قادرين على القيام بعملهم لانهم نسوه او لانهم لا يقومون به بنفس الكفاءة كما كنتى انتى تقومين بها فماذا سيكون رد فعلك اتلومينهم ام تلومين نفسك ؟

 لم ترد عليه بسرعة ولكنها اجابت باجابة اخرى فقالت له نفس الاقتراح الذى اقتره عليها حمزة فقالت / ما رايك فى جلسة صراحة ؟

 نظر لها من جانبى كتفه وقال / ماذا ؟ جلسة صراحة ؟ اعتقد انى حكيت لكى عن نفسى قبل ان تطلبى منى تلك الصراحة 

 قالت هى بتصميم / انت حكيت ما اردت ان تحكيه لانسانه غريبة ولكن ما اريده الان منك ان تحكى لى عما كان خلف ما حكيته واعتقد انى اصبحت قريبة لتستطيع ان تميز ان كنت على قدر من الثقة ام لا 

 اعتدل فى وقفته فاصبح مقابلا لها وابتسم وقال بالطبع اصبحت اميز ثقتى فيكى فدمى اصبح يختلط بدمك واصبح ما فى احشاءك ابنى وانتى ايضا ابنتى فهل لى بعد ذلك الا اثق فيكى ؟

 ابتسمت خجلا منه وقالت / اذن اخرج ما يؤرقك واشركنى معك فيه 

 اقترب منها وجلس الى جوارها واتشف من فنجانه وصمت لبرهة ثم بدا يسترسل فى الكلام قائلا / اتعرفين ماذا تعنى حياة البحر ؟ هى حياة جميلة ولكن هذا ما يكون فى بدايتها فتجدين نفسك تنجذبين اليها والى هدؤها حتى تجدين نفسك قد ادمنتيها 

 اندهشت وقالت / ادمنتها ؟

 نظر لها وقال / نعم  ادمنتيها ولا تستصيغين الحياة على اليابسة فقد اصبح كامل جسدك متاقلم مع تلك الحياة فاصبحت حواسك منسجمه معها فعينك مثلا لا تطيق ان تنظر الى اليابسة والى زحامها بعدما تاقلمت على اللون الازرق والهدوء الصاخب واصبحت اذنيكى لا تستصيغ الاصوات الا صوت الامواج حتى جلد جسدك اصبح مدمنا ملوحة المياة فتجدى نفسك اصبحتى كما الاسماك لا تالفى الا البحر 

 حتى عقلك لا يستصيغ الا فى التفكير فى المخاطر التى قد تواجهينها بين اللحظة والاخرى ولا يستصيغ حياة السكينة والرتابة التى يجدها على اليابسة 

 ولهذا معظم البحارة لا يتزوجون فقد عشقوا الوحدة ولا ينجحون فى الزواج اذ انهم لم يستصيغوا ان هناك من تشاركهم الحياه كما ان احساسهم بالخطر دوما لا يشجعهم على الاقبال على الزواج حتى لا يتركون خلفهم زوجة مترملة واطفال يتشردون وحتى ان لم يمت فهو لا يستطيع ان يعطيهم الحنان والدفء الذين يحتاجون اليه لانه هو نفسه يصبح فى حاجة اليه كما ان زوجاتهم انفسهن قد لايحتملن تلك الحياة التى لا يرين فيها شريك حياتهن الا بضعة ايام كل عدة شهور ولهن عذرهن فى ذلك فالانثى بطبعها انسان ضعيف وتحتاج الى الرجل لتستند عليه ولكنها فى تلك الحالة تجد نفسها مجبرة على ان تقوم بواجباتها وواجباته معا فتجد فى النهاية انها اثقلت نفسها بما لا تطيقه ثم انها فى حاجة الى العطف والحنان فمن اين ستاخذهم ان لم تاخذهم من شريك حياتها 

 وهنا تفقد الحياة الزوجية معناها وهو المشاركة فاين الزوج البحار من تلك المشاركة اذن 

 اخذت تنظر اليه وتركز فى كل حرف يقوله ووجدت نفسها تنظر له بعين الشفقة فهى كانت تعتقد انه سعيد كل السعادة بمرتبته تلك ولكنها صدمت عندما راته وامثاله من اتعس الناس فحقا ما اتعس من يعيش وحيدا 

 بينما تابع هو وقال / كنت فى بداية حياتى فخورا جدا  بكونى مساعد ربان وكنت اتدرب على يد ربان كبير مخضرم من المكسيك وجلست معه ذات مرة انا وجميع المساعدين ووجدته يقرا بعض الرسائل التى تم ارسالها له وقد تجهم وجهه وعندها انفتح باب المناقشة فى حياة الربان الخاصة وهو كان غير متزوج وكان قد مر على حياته البحرية كربان اكثر من 35 عاما فكان يحثنا على عدم الانجراف فى تلك الحياة وان نستقيل منها مبكرا ولما لانى كنت شاب انفعل بحماس الشباب ناقشته وجادلتله فى ان حياتنا البحرية لا تتعارض ابدا مع حياتنا على اليابسة ومن ثم من السهل علينا ان نتزوج ونعيش حياة طبيعية ولكنه نظر لى مليا نظرة حفرت فى عقلى ولا انساها ابدا وقال لى انت بالاخص تشبهنى تماما ولهذا انت اولى الناس بنصيحتى 

 يومها تعجبت وسالته لماذا فاجابنى اجابة افجعتنى 

 ليلى بتركيز / ماذا قال لك ؟

 ايوب / قال لى انه يشعر بان حياته قد اوشكت على الانتهاء واننا قريبا سنلقيه فى البحر فيصير طعاما للقروش ولا يدرى به احدا فحتى فى موته لن يشعر به احد 

 ليلى وقد اقشعر بدنها سالت فى خوف واضطراب / وهل كل من يموت على ظهر السفينه تلقون به فى قاع البحر 

 نظر لها ايوب وقد استشعر انه اخافها فقال مهدئا لها / هذه اتفاقات دولية للدول الغير مسلمة وحتى فى شريعتنا ففيها اراء 

 ليلى وقد بدات تنهار من الخوف / وهل فى شريعتنا ما يقر اننا نلقى فى البحر 

 ايوب / نعم فى اراء جميع الائمة انه ينظر للميت ان كان اقرب منه لليابسة ولن يضار جسده من البقاء لبضعة ايام فعلينا تكفينه والانتظار لدفنه فى ارضه اما ان كان بعيدا عن اليابسة وقد يضار جسده فلابد من الاقدام على ذلك 

 مع التطور اوجدوا ثلاجات الموتى ولكن حتى هذه لها مواعيد لا يجب علينا ان نتعداها اى اننا اذا وجدنا ان وضع الميت فى الثلاجة قد يطول حتى نصل الى بلده فاما ان ندفنه فى اى ارض يابسة قريبة او يكون مصيره كالسابق 

 ليلى لم تستوعب ما سمعته اذنيها وجحظت عيناها وبدات تتوتر وبتلقائية وضعت يدها على بطنها وبدات دموعها تنزل فى صمت فلاحظ هو ذلك فصمت للحظة ولكنه وجد ان ارتعادة جسدها فى ازدياد فاقترب منها وقد تاثر بحالتها وندم انه قص عليها اسرار مهنته فتلك الحالات لا يجب ان يعرف بها الركاب حتى لا يتاثرون فجثى امامها وامسك كفها المرتعش واخذ يفرك فيه لعله يبعث فيها الدفء والاطمئنان ولكنه وجدها على نفس حالها صامته لا تتحرك فهزها لتستجيب له فنظرت له وهى لا تزال شاردة وقالت بدموع / هل تعتقد ان مصيرى سيكون طعام للقروش

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *