رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل الثلاثون والأخير
انتشر الخبر في المنزل كانتشار النار في الهشيم، هروب رائف، وإصابة السيدة وردة، لم يصدق سفيان حين أخبره الحارس ما حدث وحين راجع الكاميرات علم ما حدث، لم يحزن على وردة بل صدقًا كان سيفعلها عوضًا عن رائف، شدّد داوود الحراسة على المنزل واستيفظ الجميع في حالة تأهب، كانوا يعلمون بأنه سيعود، وفي عودته يكمن دمارًا كبيرًا لحياتهم، جلست عائشة بجسد مرتجف من الخوف وسط الفتيات، لاحظوا حالتها جميعًا لكنهم صمتوا ولم يتكلموا، لم يكن هذا الوقت مناسبًا لطمئنة قلبها، لا أحد يشعر بالاطمئنان ليبث هذا الشعور في غيره، كانوا خائفين لأنهم يتعاملون مع مريض نفسي يريد قتلهم بأبشع الطرق، هو مروان صحي؟ وماريا فين؟
سألت عائشة فنفت رهف قائلة، لما روحت أصحيه سفيان قالي اسيبه، مروان لو صحي هيطربق الدنيا هنا، وماريا نايمة لسه، بجد أنا خايفه أوي وكله بسبب وردة ربنا ينتقم منها، زمت هايدي شفتيها بنزق قائلة، يلا أهي أخدت جزاتها، مامتها لسه مكلمة داوود، بيقولوا انها اتخبطت في راسها جامد فهيحصلها مضاعافات، حالتها حرجة، نظرت شيما لهم بهدوء، هي لا تشعر بالأسف عليها وقبل أن تتكلم استمعوا لصوت ضجّة عالية في الاسفل، نهضوا بقلق من مكانهم وتحركوا للخروج، ولأن عائشة لم تكن ترتدي ما يستر جسدها توجهت لتغيير ملابسها وهم نزلوا ليعلموا ماذا حدث، بعد دقائق قليلة بدلت بها ملابسها وحين استعدت لفتح الباب قام أحد ما بتكميم أنفها بقطعة قماش صغيرة ذات رائحة نفاذة، قاومت عائشة في البداية وحاولت أصدار أي ضجيج ولكنه كان أقوى منها فكتف جسدها جيدًا حتى خفتت مقاومتها وفقدت الوعي،.
نزل الفتيات ببطء من على السلالم وهم يساعدون رهف بعكازها، تحركوا نحو مصدر الصوت فتصنموا مكانهم حين لاحظوا حالة المكان من حولهم، جثث قابعة على الأرض والشرطة تحيط بالغرفة جيدًا، كان هناك ثلاث رجال ملثمين والدماء تحيط بهم فعلموا بأنهم ماتوا، نظرت شيما لسفيان الذي يقوم بعمل الاسعافات الأولية لفرغلي، وصالح الذي يصرخ في الهاتف بغضب، لم تتبين ما يقول بسبب سرعته في الحديث، أدهم وداوود لم يكونوا موجودين وسليم يحادث رجال الشرطة، يأمرهم بتكثيف الحراسة، هو إيه إللي حصل هنا؟
سألت رهف بخوف، فنظر لها سليم مطمئنًا، رجالة رائف كانوا فاكرينه لسه هنا، مش يعرفوا إنه هرب وإلا مكانوش هجموا عالبيت كده، رفع سفيان أنظاره بغل نحو سليم، بس هما مش أغبيا كده، يعني إيه يدخلوا البيت وهما عارفين إن عليه حراسة مشددة، نظر له سليم بتوتر قبل أن ينهض باستقامة وحين تحرك للخروج رنّ هاتف سفيان فنظر لسليم بغضب ثم فتح المكالمة، أهلًا أهلًا بالباشا حبيبي، عرفت إنك مهما حاولت وخططت برضوا مش هتعرف توقعني، قال رائف بصوته الخبيث وهو يضحك بهستيرية بثت الرعب في قلوب الفتيات فاحتضنوا بعضهم بينما انهارت رهف وهي تكتم أذنها، أما سليم فركض ليحدد مكان المكالمة وهو يشير لسفيان بأن يطيل الوقت، سب سفيان بغضب وهو يمسك هاتفه بقوة حتى ابيضت مفاصله، جبتك مرّة، وهجيبك ألف، وربي المرّة الجاية لهتكون موتك، وشوية الكلاب بتوعك مرمين تحت رجلي، مفكرينك هنا بس إللي مستنيهم كان موتهم، قهقه رائف قائلًا بمكر أخاف سفيان، كنت فاكرك أذكى من كده، يعني لو رجالتي خابين ينقذوني هيهجموا عالبيت ليه، وهيبقوا تلاتة ده حتى يبقوا أغبيا يعني، نظر سفيان للأمام وعقله يحاول ترجمة ما يسمعه منه، نظر للفتيات بلهفه فلم يجد عائشة معهم، عائشة،؟
همس بها سفيان بهلع فوصلت لمسامعه قهقهات رائف الجنونية، يلا مع السلامة بقا يا حبيبي، ده النهاردة ليلة فرحي، وأكيد إنت عارف العروسة، ضرب سفيان هاتفه أرضًا ثم نظر للأمام بصدمة وترنح في وقفته، ناداه سليم بصوت عالي وهو يهزه مستفسرًا عن حالته، دفعه سفيان بغضب وركض نحو الأعلى وهو ينادي عائشة بصراخ هز أرجاء المنزل الذي كان يحيطه الصمت أنذاك، نهضت هايدي بفزع وهي تراقب ما حدث فنظرت لسليم الذي كان ينظر لمكان سفيان بدهشة وعقله لم يكن يريد أن يترجم ما حدث، علمت هايدي أن شكها في مكانه الصحيح فانهارت بالبكاء وهي تركض وراء سفيان وسليم يتبعها بتثاقل زين خطواته، دخلت هايدي للغرفة ببطء فوجدت سفيان يجلس أرضًا بجمود يزين ملامحه والغرفة لم يكن بها أحد، نادت هايدي على عائشة بخوف وهي تبحث عنها في كل مكان، عائشة معاه صح؟
سألته هايدي بخوف فرفع أنظاره ناحيتها بجمود أخافها، كانت عيناه فارغة من كل معاني الحياة، قوم، قوم دور عليها يلا، سفيان عائشة محتاجاك دلوقتي أكتر من أي وقت تاني، يلا قوم علشان خاطري، قوم ليها يلا، قالت هايدي ببكاء وهي تهزه بخفة ولكنه لم يحرك ساكنًا، نظرت هايدي لسليم الذي كان يقف ينظر لها بعدم تصديق والخوف يزين ملامحه، سليم، مش وقت صدمة بالله عليكوا، عائشة محتاجاكوا يلااا، صرخت به هايدي بغضب فتحرك ناحية سفيان ثم سحبه من ياقة قميصه ليجعله يستقيم في وقفته، هزه بقوة وهو يصرخ به، الرجل كانت الصدمة تسيطر عليه، فأفاق مرّة واحدة وعيناه الزيتونيه تشع غضبًا بطريقة أخافت سليم نفسه، صرخ سفيان بغضب وهو يدفع سليم بعيدًا عنه، لم يعلم كيف أخذها رائف، كيف استطاع أخذها بعيدًا عنه، لقد شدد الحماية عليها، هناك سبعة رجال يقفون أسفل شرفتها هي فقط، ظل يدور حول نفسه بعدم تصديق وهو يضرب كل ما تقع عيناه عليه برجله، لم يتدخل سليم وتركه يفرغ كل غضبه حتى يستعيد نفسه مجددًا، ثم فجأة دخل مروان بشعره المشعث وملابسه الغير منظمة، نظر لهم بهدوء مخيف وعقله يعمل على برمجة ما يراه، سفيان في غرفة عائشة اخته، وحالته لا تبشر بالخير يبدو كرجلًا مسه جان!
وهايدي تبكي كمن فقدت كل عائلتها أمام عيناها وسليم يقف بقلة حيلة لا يعلم ماذا يفعل، نظر لهم بهدوء زائف قائلًا، أختي فين؟
نظر له سفيان بأعين حمراء من غضبه ولم يجيبه، لم يعلم بماذا يجيبه أساسًا، ابتسم مروان بشراسة فنظروا له باستغراب، وسفيان ينظر له ببرود ولكن عينيه تحوم حول مروان، حسنًا لا يوجد أحد يعلم بأن أخته اختطفت من عقر داره ويبتسم بهذه الطريقة، هو كده جاب أخره معايا، قال مروان بغل وهو يتجه للخروج من الغرفة، ذهب وراءه سفيان وكذلك سليم فقابلوا صالح وأدهم وداوود ينظرون لهم باستغراب، في إيه إنتوا اختفيتوا مرّة واحدة كده ليه؟
سأل صالح بهدوء فنظر له سفيان بغضب ثائر ولم يجيبه، لم يكن يريد تلفظ تلك الكلمات، رائف خطف عائشة.
قال سليم بهدوء مصطنع فنظروا له بصدمة ثم نظروا لمروان الهادئ بطريقة أخافتهم، لم يحاول أحد محادثته ولكن سفيان لم يكن في حالة تسمح له بالهدوء، أنا عارف إن إنت في فدماغك حاجة، فقولي إنك هتعرف مكانها وطمن قلبي، قال سفيان بغضب فنظر له مروان بهدوء، جهز العربيات والأسلحة، النهاردة هيبقى آخر يوم في عمر رائف، تعجبوا جميعًا من ثقته ولكن سليم كان يعلم بأن مروان دائمًا يكون له خطة بديلة، مش عرفنا نتتبع سير المكالمة.
قال سليم بهدوء فابتسم مروان بخبث، ومين قال إننا عاوزين نتتبع سير المكالمة، لو رائف ذكي فأنا أذكى منه مليون مرّة، ده إحنا حتى ولاد عم، إمبارح حطيت ليه جهاز تتبع في جسمه لو حالفنا الحظ ومعرفش هنقدر نجيبه، ولا لأ.
سأل داوود بترقب، عائشة أختي بتحب المجوهرات، في كل سلسلة وخاتم كبير لابساه في جهاز تتبع، وعائشة عمرها ما خلعت سلسلة ماما من رقبتها، فهنقدر بإذن اللّه نتتبع أثرها، قال مروان بابتسامة فنظروا له بفخر من ذكائه، لم يخطر على بال أحد حقن رائف بجهاز تتبع، لقد وثقوا من نجاح خطتهم ولكن مروان كان خائفًا من هروبه في أي لحظة فحقنه بجهاز تتبع أحضرته له ماريا، مروان.
نادى سفيان بهمس وهو يقف أمامه، يعلم مروان بأن سفيان في أشد لحظات غضبه وقد جرب إحدى نوباته فنظر له بتعجب من سيطرته على نفسه، مش وقته، عائشة محتاجانا دلوقتي، وعارف إنك مفشلتش في حمايتها، يلا نروح ليها دلوقتي وبعد كده ربنا يعدلها، قال مروان وهو يربت على كتفه بخشونة، ثم تحركوا نحو باب الخروج من المنزل، صالح خليك مع فرغلي هنا وخلي بالك من البنات، دول أمانة في رقبتك، وإنت يا أدهم روح المستشفي ليهم وحاول تقولهم عاللي حصل بالراحة، وخلي بالك من بابا وماما، قال سفيان وهو يجهز سلاحه ويضعه خلف ظهر فنظروا له وأومئ أدهم بالقبول وكذلك صالح، ثم تمنوا لهم التوفيق، نظر أدهم لأخيه بهدوء ثم احتضنه قائلًا، خلي بالك من نفسك، هستناك علشان نصلي الظهر سوا بإذن اللّه، قال أدهم بهدوء ولكن سفيان يعلم بأنه بعيد تمامًا عن هذا الشعور، أدهم خائف على أخيه، خائف على توأمه، فابتسم له سفيان بحنان ثم جذبه من خصلاته بقوة قائلًا بمزاح مصطنع، بقولك من دلوقتي أنا هكون الإمام، ماشي؟
ابتسم أدهم بخفة ثم ابتعد عنه قائلًا، يا سيدي ماشي بس متتأخرش، دلوقتي الساعة سبعة الصبح معاك خمس ساعات بالكتير وأشوفك قدام عيني بعد كده صدقني مش هيحصلك طيب، ابتسم له سفيان وتحرك ناحية السيارة التي تحمل مروان وداوود وسليم، لا يعلم ماذا يخبئ له القدر في جبعته، ولا يعلم إن كان سيكون حيًا ليرى مستقبله ولكن كل الذي يعلمه بأنه سينقذ زوجته عائشة من براثن هذا الكلب، حتى لو كلفه هذا حياته…
فتحت عائشة عينيها وهي تسعل بخفة، ثم نظرت حولها ببطء وهي تستعيد ما حدث معها، كانت تبدل ملابسها ثم فجأة هناك شخص هجم عليها، شهقت بصدمة حين تذكرت ما حدث معها، إذًا هي مخطوفة وبالطبع هناك شخص واحد فقط يتجرأ على فعل هذا، رائف…
وعلى ذكر سيرته فتح باب الغرفة الموجودة فيها، اعتدلت في جلستها بصعوبة بسبب جسدها المقيد، كانت ملقيّة أرضًا فواجهت صعوبة بالغة في الاعتدال، ولكن آخر شيء تود فعله أن تكون ضعيفة أمام عينيه، صحي النوم يا عيوشة…
قال رائف بهدوء وهو يتمطع بجسده أمامها، نظر لها بسخرية بسبب حالتها الساكنة وعينيها التي تنظر له بقوة يتعجب منها، مش خايفة مني ليه يا عيوشة؟
قال رائف بسخرية وهو يجلس القرفصاء أمامها، مد يده ليتلمس وجنتيها بأبعدت وجهها عنه، أنا عمري ما خفت منك يا رائف، أنا بخاف على إللي بحبهم بس، أظن في فرق كبير بين ده وده، حين استمع رائف لجملتها القوية ابتسم بعدم تصديق ثم سرعان ما تعالت ضحكاته الساخرة التي جعلت من معدتها في حالة انقلاب، حلوة يا عيوشة القوة إللي نزلت عليكِ فجأة دي، هنشوف بقا هتستمر لحد امتى، قال رائف وهو ينهض من مكانه وحين تحرك للخروج توقف فجأة وأعاد عيناه ناحيتها، لحد دلوقتي بصراحة في حاجة مش قادر أفهمها، أخدت أوراق الورث بتاعتك إنتِ وأختك ومجوهرات مامتك إللي في الخزنة إزاي؟
ابتسمت عائشة بمكر ثم أجابته، هما أساسًا مش كانوا في الخزنة، في حد هربهم من زمان، ولو عايز تعرف هو مين اسأل أمك، هي أدرى…
راقب رائف ابتسامتها المنتصرة ببرود ثم جذبها من فكها بقوة قائلًا، همم قصدك إن أمي هيا إللي كانت بتساعدكوا من تحت لتحت صح، يلا عالعموم أخدت جزاتها، اتسعت أعين عائشة بصدمة وقامت بالتحرك بقوة لتتحرر من بين يديه ولكن جسدها المقيد لم يساعدها، ابتسم رائف بمرح على حالتها، شش إهدي يا عيوشة، أنا أصلًا كنت شاكك فيها وشكي كان في محله وإللي عملته فيها مش هيجي حاجة في إللي هعمله في أختك، إزعلي عليها من دلوقتي، بصقت عائشة في وجهه بغل وهي تصرخ به، وإنت فكرك سفيان هيخليك تعرف تلمسها، ولا مروان متفكرش إن هما عبط يا رائف، أنا بجد مستغربة إنت مستحمل نفسك إزاي، فاكر نفسك راجل، إنت مش تيجي في سوق الرجالة نكلة يا زبالة.
نظر لها رائف بأعين مسودة من الغضب وأمسكها من شعرها بقوة قائلًا، أنا هعرفك دلوقتي أنا راجل ولا لأ، ثم جذبها وراءه وهي تصرخ بألم ونواقيس الخطر تدق في عقلها، جذبها لخارج الغرفة من شعرها وهي تسبه وتحاول تحرير نفسها، ولكن لم يسعفها جسدها، نظرت حولها بهلع فوجدت المكان مظلم ويبدو بيتًا مهجورًا في مكان ما، لم تتبين شيء سوى أصوات شاحنات ضخمة تمر كل فترة تقريبًا، فتح رائف باب غرفة أخرى وألقاها بداخلها بقوة فسقطت أرضًا وهي تحاول أن تزحف بجسدها للنجاة، ولكن هذا بلا فائدة، كيف تنجو الفزالة من براثن الأسد.
نظرت عائشة له بخوف، فوجدته يفتح قميصه يخبث أفزعها وعلى وجهه ترتسم أبشع ابتسامة قد يراها أحد، أنا وإنتِ لوحدنا هنا، وحوالين البيت في أكتر من 10 رجالة يحمونا لو. لو حد عرف يوصل لينا، يعني مفيش ليكِ مفر مني. يا عيوشة، قال رائف وهو يقترب منها فصرخت باستنجاد ليتعالى صوت قهقهاته الماكرة، نسى رائف بأن اللّه ثالثهم، نسى هذا وأعماه الغرور كما أعمى إبليس من قبله، ألقى رائف قميصه وأخرج سكينه ليقطع الحبال من على جسدها، كأنه يخبرها بأنها لن تستطيع النجاة في كلا الأحوال، نهضت عائشة من الأرض لتحاول الهروب فأمسكها من خمارها مجددًا لتصرخ بألم وهي تضرب قبضتيه، وحين فقدت الأمل في أن يتركها وحين لاحظت بأنه يذهب بها نحو السرير، رفعت قدميها لتضربه بغل أسفل معدته ثم جذبت السكين من يده مستغلة ألمه وانحناءه أرضًا ثم غرزتها في كتفه وهي تصرخ بهستيرية، فتحت عائشة باب الغرفة وركضت بسرعة حين لاحظت صوته الصارخ باسمها، صوته الخارج من الجحيم، بكت عائشة وهي تشعر بانسداد الطرق من حولها ثم اختبئت خلف العامود الكبير حين استمعت لصوته يقترب منها، فاكرة نفسك هتهربي مني، اطلعي من مكانك أحسنلك، خلينا حبايب، كتمت عائشة فمها بخوف وهي تقبض على السكين بقوة، لن تتوانى في قتله إذا كانت هذه هي فرصتها الوحيدة في النجاة، المكان المظلم لم يساعدها في تحديد مكانه ولكن فجأة عم الصمت المكان فخافت أكثر من هذا، نظرت حولها بيأس فوجدت باب غرفة بعيد نسبيًا عنها، لكن لو دخلت هذه الغرفة وأغلقت الباب على نفسها وإذا حدث أي هجوم قد تستطيع النجاة والدفاع عن نفسها، لكن الوصول هناك يحتاج مخاطرة كبيرة، وهي ستفعلها، ركزت عائشة بالسمع أكثر فوجدت خطوات خفيفة تقترب منها ببطء، فنظرت حولها ببطئ لتجد تلك الأنتيكة الثقيلة نسبيًا على طاولة قريبة منها، مدت يديها بخفة وحين أمسكتها وجدت رائف يحيط بها وهو يضحك بخبث، صرخت عائشة من الصدمة، ولكنها استغلت استمتاعه لتضربه بقوة على رأسه ثم ركضت بكامل قوتها نحو الغرفة، وحين اغلقت الباب وجدت جسد رائف يصطدم به بقوة، استندت عائشة بكامل ثقلها على الباب، استمعت لصوت سبابه الغاضب فتمكن الخوف منها، نظرت في الغرفة لتجد سرير صغير من الحديد قد تستطيع اسناده على الباب، لن يمنع رائف بالتأكيد ولكنه قد يعيق حركته، تحركت مسرعة نحو السرير وجرته بصعوبة فوجدت رائف يضرب الباب بجسده ليدخل، أسرعت عائشة وهي تدعو ربها أن يحميها من براثنه ثم حين أقتربت لاسناده فتح الباب ولكن لأن السرير كان قريبًا فلم يُفتح بشكل كامل، مد رائف يده وهو يصرخ بغل فصرخت عائشة وهي تبتعد عن مكانه ثم دفعت السرير نحو الباب فصرخ رائف بتألم بسبب يده المحجوزة، تحركت عائشة نحو الشباك بسرعة وقامت بفتحه وهي تسعل بسبب الغبار الكثير الذي كان عليه، نظرت للمسافة بخوف بالتأكيد قد تصاب بكسر من اصطدامها بالأرض، كان في الدور الأرضي لكنه عالي نسبيًا، نظرت لرائف فوجدته قد شارف على دخول الغرفة فرفعت نظرها بالدعاء وقفزت من الشباك وهي تكتم صرختها، تألمت عائشة بشدة وقد استلقت على الأرض تبكي بلا حول ولا قوة، ركزت بأنظارها فوجدت رائف ينظر لها بغضب من الأعلى ثم ابتعدت وبالتأكيد هو سيأتي لها إن لم تنهض، نهضت بألم وهي تحث نفسها بأنها يجب عليها النجاة واستغربت كيف لم يإتي رجال رائف على صوت اصطدامها بالأرض، لم تهتم حقًا وتحركت وهي تجر قدمها المصابة بألم، وتتحرك ببطء شديد نظرًا لضعفها الواضح، قبضت على السكين وهي تهيئ نفسها بأن أي شخص سيظهر أمامها ستطعنه دون شك، شهقت فجأة حين ظهر جسدًا ضخمًا يعطيها ظهره ومنحنيًا للأسفل يتحقق من شيء، أو شخص، لقد كان يتحقق من جثه، شجعت عائشة نفسها بأنه أحد رجال رائف ويجب عليها قتله ثم الهروب من البوابة الضخمة الموجودة على طول نظرها، اقتربت منه ببطء ورفعت السكين بنية طعنه لكنه فاجئها حين التفت بغتة فاختل توزانه ليسقط أرضًا وسقطت هيا فوقه بسبب امساكه لها، حاولت الهروب منه وقد هيء لها خوفها بأنه سيأخذها لرائف، كمم الشخص فمها ليمنعها من الصراخ، ثم فجأة اقترب من أذنها صارخًا بقوة وقد يئس من استعادتها للوعي، لقد كانت خائفة، عائشة، فوقي ده أنا، سفيان.
هزت عائشة رأسها بهستيرية شديدة وهي تبكي بعنف، لم تعد تستطيع التفرقة بين الواقع والوهم، عضت قبضته الموضوعة على فمها فأزالها وهو يلعن بخفة، ثم رفعت سكينها عاليًا لتطعنه ولكنه أمسك السكين بقوة ودفعه بعيدًا عنها ثم أحاط بوجنتيها بخفة ليطمئنها، عائش يا حبيبتي، ده أنا سفيان، نظرت له عائشة بتمعن بدءًا من عينيه الزيتونية الداكنة وملامح وجهه السمراء الفاتنة، فأنهارت بالبكاء وهي تحتضنه، أحاطها الآخر بقوة وهو يربت على حجابها الأشعث، وقد لمعت عيناه بخفة، كانت حالتها متدهورة، ووجهها مصاب وملابسها غير مرتبة، سفيان، كان، كان عايز، أنا هربت منه بس هو بيجري ورايا، أنا. خايفة.
قالت عائشة ببكاء وهي تحشر رأسها في رقبته، تبحث عن الأمان الذي فقدته قبل قليل، شش أنا هنا خلاص متقلقيش، احنا مسكنا الرجالة بتوعه، وهو في البيت، دلوقتِ أنا هاخدك وهتقعدي في العربية بتاعتنا لحد ما أجي ليكِ ماشي متخافيش، قال سفيان وهو يحدثها بحنان زعزع خوفها ولكنها هزت رأسها بالنفي قائلة، لأ تعالى معايا، يلا نمشي نروح بيتنا، أرجوك يلا، هو عايز يموتك، هيموتك ويحرمني منك تاني، نظر لها سفيان بألم ثم نهض من على الأرض وجذبها لتقف ثم مد لها بسلاح صغير، خلاص تعالي معايا، لو حسيتِ بالخطر أو حد قرب منك هتضربيه بالرصاص ماشي، أنا جهزتهولك خلاص، أومئت عائشة بخفة فقبلها سفيان على جبينها قائلًا، مش تخافي يا عائشة، وثقي في ربنا، ثم تحرك وهي تتبعه ببطء شديد ليتقابل مع مروان الذي ركض ناحية عائشة يحتضنها بقوة خنقتها، الحمد لله يا رب، الحمد لله، قال مروان بهمس وهو يقبل رأسها لتبكي عائشة وهي تشدد على أحضانه مرّة أخرى، مسكتوه؟
قال سفيان بهمس، فأنزل مروان عائشة ارضًا ولكنه لم يفلتها بل خبئها في حضنه وكأنه سيحميها، لأ، موتنا الرجالة بتوعه كلهم، سليم وداوود واقفين على باي البيت، مش هيقدر يهرب المرة دي، حين أنهى مروان جملته استمع لصوت مسدس وسليم يصرخ باسم داوود، فتحركوا بسرعة ناحية الصوت، وجدوا سليم يمسك بداوود المصاب وهم يختبئون من رصاصات طائشة بالتأكيد رائف هو مصدرها، مستخبي جوا البيت زي النسوان، سفيان تعالى شوف داوود وأنا ومروان هنهجم عليه جوه، قال سليم بغضب فتحرك سفيان مقتربًا من داوود الذي يقبض على فكه بألم، لقد تلقى رصاصتان في كتفه، هو يحتاج أن يذهب للمستشفى، سليم خده وروح بيه المستشفى، عائشة هتروح معاك، وابن إللي فوق، ده آخر يوم في عمره، قال سفيان بغضب وهو يربط كتف داوود بقطعة قماش شقها من قميصه، نظر له سليم بغضب ولكنه يعلم بأن هذا ما يجب عليه فعله، أولًا عائشة في خطر هنا، وثانيًا داوود يفقد الدم بسرعة وسيفقد وعيه بأي لحظة، هنعد لتلاتة هنضرب عليه أنا ومروان وأنتوا اجروا ناحية العربية برّة ماشي، قال سفيان جملته لينظر له مروان بتأكيد ونظر لعائشة الخائفة فطمئنها بأعينه ثم عدً بالتدريج ليبدأ الضرب ناحية المنزل وبالتحديد الشباك الصغير الذي يطلق رائف عليهم منه، تحرك سليم ناحية باب الخروج وهو يسند داوود وعائشة تسير وراءهم تراقب الطريق وهي تشهر سلاحها للأمام، حين وصلوا للسيارة فتح سليم الباب وأدخل داوود الذي يجز على اسنانه بألم، وحين تحرك ليفتح الباب لعائشة، وجدها تنظر للداخل بقلق، اقترب منها ليطمئنها ولكنها صرخت فجاة باسم سفيان وهي تركض للداخل مرّة أخرى، لقد كان هناك رجلًا يسير ببطء من الخلف ينوي الغدر بهم من ظهرهم، حين رأته عائشة تحركت للداخل مرّة أخرى ثم رفعت السلاح تطلق عدة طلقات طائشة جعلت الرجل يهرب للخلف مرّة أخرى، نظر لها سفيان بغضب ثم ضرب رصاص على الشباك كي سعيق رائف حتى تصل لهم عائشة بأمان، صرخ بها مروان بغضب بينما سفيان وقف حاجزًا بينهم، كان في حد وراكوا، واللّه العظيم أنا شفته، قالت عائشة بخوف وهي تشير لهم ناحية هروب الرجل فتنفس مروان بغضب ثم تحرك ليتتبع الطريق الذي أشارت عليه، احتضنها سفيان وأشار لسليم بالإنتظار، ثم فجأة استمعوا لصوت طلقات عديدة فنظروا بتمعن ناحية الصوت، عم الصمت المكان، فتحرك سفيان بخفة ناحيتهم تتبعه عائشة بخوف، ولكنه ما كاد يخطو خطوة واحدة ظهر أمامهم رائف وهو يمسك بمروان ويشهر السلاح على رأسه، والآن أي حركة خاطئة ستكلفهم حياة مروان، قهقه رائف بخبث وهو ينظر لملامحهم التي تنوعت بين الخوف والغضب، ومروان الذي يسبه بعنف ولكنه لن يخاطر بحياته الآن، لازال إخوته في حاجته، وكذلك ماريا، تحرك رائف بسرعة وهو يشهر سلاحه بتهديد، يدور حول نفسه لكي لا يأتي الغدر من ناحية سليم الذي صرخ بغضب، وذهب للأحتماء في السيارة.
هبدأ بمروان يا عيوشة، مش هسيبكوا صدقيني، هبدأ بمروان، وبعدين رهف وبعدين سفيان، هموتهم كلهم قدام عينك، قال رائف بهستيرية وهو يضحك بتلذذ وكأنه يتخيل مظهرها أنذاك، نظر مروان حوله فوجد أنهم قد اقتربوا من الخروج من البوابة، فرفع أنظاره لسفيان الذي ركز بأنظاره عليه هو الآخر، ثم فجأة أعاد رأسه للخلف لاكمًا رائف على أنفه فاستغل سفيان الوضع وأطلق نحوه عدّة طلقات، قبل أن ينتهى الرصاص من الخزينة، لم يصاب رائف سوى بطلقة في كتفه فصرخ بألم ورفع مسدسه ليطلق ناحية مروان وعائشة وكذلك سفيان الذي أحاط عائشة بجسده ليحميها، وعندما توقف الرصاص ألقى المسدس ناحيتهم وصرخ بغضب وهو يركض للهروب، ركض مروان وسليم ناحيته وكذلك سفيان ركض وراءه، لن يتركونه أبدًا، ولكنهم توقفوا فجاة هم الثلاثة وكذلك عائشة التي أتت خلفهم وتحتمي الآن وراء سفيان، توقفوا بسبب رائف الذي يقف الآن مواجهًا لهم على مفترق الطريق ويشهر سلاحًا في وجههم لم يعلموا من أين أحضره ولكنهم وقفوا وهم يعلمون بأنه لن يتواني في الإطلاق عليهم، كان مظهرهم كالتالي، طريق طويل في نهايته مفترق جعله هذا الطريق ينقسم لطريقين يمينًا ويسارًا، ورائف يقف في منتصف الطريقين يضحك بهستيرية، لقد فاز…
فاز رائف وسيقتلهم جميعًا الآن، لو مش هتكوني ليا فمش هتكوني لحد تاني يا عائش، قال رائف وهو يطلق ناحيتها بغل ولكن سفيان أحاط بها متلقيًا كل الرصاص بدلًا منها، تحت صراخ عائشة ومروان وسليم، قهقه مروان عليهم وتراجع للخلف، ثم قبل إن يعمر سلاحه ركض مروان وسليم ناحيته ولكنهم توقفوا فجأة حين ظهرت شاحنتين كبيرين يتقدموا في اتجاهين متضادين ومروان يقف بينهم، كانت هناك شاحنة تتمايل بطريقة غريبة وكأن سائقها ليس في وعيه، والآخرى سائقها يحاول التوقف بالشاحنة ولكنها تأبى الوقوف، تصنم رائف في مكانه وقد شعر بأنه قد أصابه الشلل، لم يساعده جسده في التحرك، وسمع صوت صراخ أحد السائقين عليه بالإبتعاد ولكنه فقط لا يستطيع تحريك جسده، وقف مروان وسليم يتابعون ما يحدث بدهشة وخوف، ورأوا السائقين يلقون بأنفسهم من الشاحنتان الذان يتجهوا بكامل سرعتهم نحو رائف.
ثم فجأة ارتطم الشاحمتين ببعض وقد دهس رائف بينهما وتناثرت أشلاءه حولهم بطريقة غريبة، لا إله إلاّ اللّه، قال مروان بصدمة وهو يضرب كف بالآخر بتعجب، بينما سليم أغمض عيناه بتقزز وهو يكمم فمه وقد شعر بأنه سيتقيأ، نهض السائق من الأرض وهو يولول ثم ذهب ليتشاجر مع السائق الآخر، ليخرج مروان هاتفه وحادث الشرطة والاسعاف، تحرك سليم ومروان للعودة وهم يتنهدون براحة أصابت صميمهم، فوجدوا عائشة تبكي وهي تحتضن سفيان الممدد أرضًا بطريقة غريبة ويحادثها ببطئ، ابتسم مروان بقلة حيلة بينما نظر له سليم بسخرية، واقتربوا منهم، سفيان، حبيبي مش تغمض عينك أرجوك، مروان كلم الاسعاف بسرعة، قالت عائشة بهلع وهي تربت على وجنة سفيان بخفة، سعل سفيان وهو يطلق أصوات أنين جعلت من بكاءها يزيد، شش، خلاص يا حبيبتي، قدر ربنا نافذ نافذ، لازم نرضى ون، ونستحمل، أعرفي إني بحبك يا عائشة، حبيتك من عشر سنين فاتوا وحبي ليكِ بيزيد مش بيقل، وآه يا غبي مش شايف إننا في لحظة رومانسية، قال سفيان نهاية جملته بغضب موجه لسليم الذي ضربه بقدمه بسخط، نظرت عائشة له بتعجب فأعاد سفيان وجهه ناحيتها بعدما أزال ملامح الغضب ورسم ملامح التألم مرة أخرى، إحنا كنا فين، آه، أنا بحبك يا عائشة، جلس مروان القرفصاء أمامه وجذب عائشة ناحيته قائلًا بسخرية، إنتَ كنت مشروع ممثل وفشل صح، يا غبي خضيت أختي، شش مش تخافي يا عائش ده بيضحك عليكِ، هو لابس واقي من الرصاص أصلًا، بيحس بوجع بسيط بس الرصاص مش بيعوره، نظرت عائشة لسفيان بسخط ثم ضربته بقبضتيها على صدره وهي تصرخ به تحت ضحكاته المستمتعة، يا، يا حقير بقا سايبني أعيط المدة دي كلها وإنت بتمثل إنك بتموت، آه على الغباء، قالت عائشة بغضب وهي تنهض فنهض سفيان وراءها، نظر لهم مروان وسليم بسخرية وتحركوا ناحية السيارة فوجدوا داوود يقف يدخن سيجارة وهو يمسك كتفه، تحركت عائشة بغضب وكل فترة تلتفت لسفيان تصرخ به بغضب وهو يضحك باستمتاع عليها، إنتَ فرحان بعياطي وبتستمتع بوجعي، طب.
طلقني يا سفيان، يلا طلقني حالاً وشوف واحدة تستحمل إللي بتعمله ده، قالت عائشة وهي تقف مكتفة يدها على صدرها بغضب فتوقف سفيان عن الضحك فجأة ناظرًا لها ببرود قائلًا، أ. إيه؟ طب أمشي من قدامي يا عائشة دلوقتِ.
نظرت له عائشة بخوف ونادت على مروان تستنجد به وحين نظرت له مرة أخرى ركضت ناحية السيارة، ابتسم سفيان بخفة وحك رقبته، قال أطلقها قال، ده احنا لسه بنسمي، ثم نظر للخلف بقوة وهو يستنشق الهواء، وقف سليم بجواره قائلًا بأن رائف قد مات، لقد استمع سفيان لصوت الاصطدام، ولكن سماعها بتلك النبرة الباردة من سليم فأصبح متيقن من وفاته، وأخيرًا انتهى الكابوس…
بعد مرور أسبوع على ما حدث، انتشر الخبر بسرعة البرق على التلفاز، فنادرًا ما يموت أحد مدهوسًا بين سيارتين، لا سيما مجرم هارب من العدالة، هرب رائف من جرائمه التي ارتكبها ليواجه العدالة الإلهيّة، لم تصدق عائشة طريقة موته البشعة ولكنها لم تتأسف عليه بل كادت تطلق عدّة زغاريد من فرحتها، لقد أخذ اللّه حقها وحق كل شخص سلب منه رائف حياته ودمرها، تولى الشباب متابعة القضية وعلموا بأن احد السائقين كان مخمورًا وقت الحادث، والأخر فقد السيطرة على خوفه، لم يجعل سفيان عائشة تحتك بالقضية ولو بالكلام فقط، لقد أبعد عنها كل شيء وعرفت بعدها بأن عمها كان سيعدم كونه شريكًا لرائف بجرائمه ولكن محاميه خفف الحكم ليكون سجنًا مدى الحياة، لا زال أمامها شوطٌ طويل للتخلص من الآثار السلبية التي تركها رائف في حياتها، تعلم بأن الطريق ليس سهل لا عليها ولا على أختها وأخيها، ولكنهم نجو الآن وسينجوا في المستقبل، قرروا جميعًا العودة للحي مجددًا وبالفعل سيتحركوا غدًا للعودة، اطمئنوا على داوود والذي كان يجلس الأن يلعب شطرنج مع أدهم وإن كان يشعر بالحزن بداخله على وردة أخته، فبعد عودتهم للمنزل عرفوا بأن وردة قد أصابها العمى بسبب تضرر الشبكية نظرًا لاصطدام رأسها في الأرض بقوة، جميعهم يشعرون بالأسف عليها خاصًة بسبب حالات البكاء الهستيرية التي تدخل بها وهي تصرخ بأنها لم تعد ترى وتظل تلطم وجهها حتى تفقد وعيها بسبب المخدر الذي تحقن به، حياتهم هادئة بطريقة رائعة الآن بعد مرور أسبوع واحد على وفاة كابوسهم اللعين، حياة تمنتها عائشة منذ زمن، وقد حصلت عليها الآن، ستعيش بسعادة مع عائلتها الصغير بإذن اللّه، وكذلك زوجها سفيان، وعلى ذكر سفيان كانت قد قاطعته طوال الأسبوع وهو لم يترك فعلًا واحدًا ليصالحها ولكنها ذات رأس يابسة وعنيدة كالماعز كما يقول لها، تنهدت عائشة وهي تبتسم على ملامحه الساخطة التي يوجهها لها، كانت تجلس في غرفتها وجميعهم بالأسفل يجهزون الحقائب وكذلك يودعون العائلة، نظرت باستغراب ناحية الشرفة بعدما استمعت لصوت طفيف قادم منها، اقتربت بخفة فوجدت حجارة صغيرة ترتطم بالزجاج فتحت عائشة باب الشرفة ودلفت للداخل ثم نظرت للأسفل وسرعان ما توسعت عينيها بعدم تصديق، كان سفيان يقف بالأسفل وينظر لها بمشاكسه، مش ناوية تصالحيني يا عائش، وربي لو ما صالحتيني لهفضحك دلوقتي، ابتسم عائشة بمكر وهي تنفي برأسها قائلة، توء، و أعلى ما في خيلك أركبه يا سفيان، ابتسم سفيان فجأة وغمزها قائلًا، اوعي تنسي إنك إنتِ إللي قولتي، ثم تحرك ناحية الحقيبة الكبيرة الموضوعة على الأرض وأخرج منها ميكرفون كبير الحجم وفجأة بدأ بالغناء بصوت عالي سبب الضجيج في أنحاء المنزل، ساكن في حي السيدة. وحبيبي ساكن في الحسين.
وعلشان أنول كل الرضا. يوماتي أروحلو مرتين
علشان حبيبي زي الغزال. يوماتي أهجر حيّنا
وكل واحد عني قال عني. عاشق وقلبو مش هنا
وأنا قلبي متحير ما بين. السيدة وسيدنا الحسين
أفوت على بيت الحبيب. أقول جريح يا أهل الهوى
وياريت يكون لي معاد. والحب يجمعنا سوى
والفرحة تبقى فرحتين. من السيدة لسيدنا الحسين.
قهقهت عائشة بعدم تصديق وهي تضرب كف بالآخر وسرعان ما تجمع الشباب والفتيات من حوله وهم يضحكون عليه، صفق الشباب له وصفّر صالح بتشجيع بينما صفقت هايدي وشيما له بمرح وكذلك رهف التي أخرجت هاتفها لتصور ما يحدث، وماريا تصفر هي الأخرى باستمتاع، عالعموم إنتِ مش من الحسين، إنتِ من الإسكندرية، وساكنة قلبي حاليًا، قال سفيان بمرح وصوته يصل لباقي الأرجاء فقهقهت عائشة بخجل، ما تحن يا جن بقا، أبو إللي يزعلك يا شيخة زعلك وحش، حين أنهى سفيان جملته وجد مروان يقترب منه فترك المايك وهو يلقي قبلة ناحية عائشة، وركض بسرعة ليركض مروان وراءه تحت ضحكات الشباب الخافتة، طب هو بيعمل في سفيان كده علشان عائشة، أومال لما يعرف إني عايز رهف هيعمل إيه؟
قال أدهم بصدمة وهو يلاحظ غيرة مروان اللانهائية على أخوته، لأ بسيطة هيقتلك إنتَ وأخوك.
قال صالح باستمتاع وهو يقترب منه، نظر له أدهم، بلاش إنتَ، قال أدهم بتهديد وهو يشير نحو شيما فابتلع صالح ريقه بخوف مصطنع وهو يرفع يده باستسلام، ثم نظروا ناحية الفتيات التي صرخوا بصدمة حين جاء سفيان يركض وراء مروان ممسكًا بخرطوم المياه وهو يقهقه بشر، ضحكن عليهم باستمتاع وانضم لهم الشباب ليمرحوا سويًا، ومن فوق وفي تلك الشرفة وقفت عائشة تنظر لما يحدث بمشاعر مختلطة، أهذا هو الجبر الذي يأتي بعد الصبر؟
أهذا هو اليسر بعد العسر؟
هل انتهى الامتحان؟
هي لا تعلم، ولن تفكر في المستقبل الآن هي ستعيش الحاضر وستستمتع بتلك اللحظات المسروقة من الزمن، ستضحك وستمرح، ستداوي نفسها وأختها وأخيها، عائشة ستبدأ في تلويين حياتها الكئيبة، ستكوّن العديد من الذكريات مع عائلتها التي حصلت عليها الآن، لقد رزقها الله عائلة، أصبحت تملك أربعة أخوات، رهف وهايدي والشيماء، وماريا وإن كانت لا تزال لا تفهم حديثها، أخوات يفرحون لفرحها ويحزنون لحزن مسها، وإذا اقترب أحد منها لن يتوانوا أبدًا في أخذ حقها، أصبحت تملك العديد من الأخوة الذين سيفعلون أي شيء لحمايتها، فبجانب مروان وسليم رزقها الله بأدهم وصالح وفرغلي وكذلك داوود، لقد أثبتوا جميعًا أنه بإمكانها الاعتماد عليهم، وفي الأخير هي كانت تملك سفيان منذ زمن بعيد، منذ أن تدخلت بتهور شديد لإنقاذ حياته، لإنقاذه من نفسه، هي تملكه زوجًا الآن، زوجًا سيحميها وسيفديها بحياته إذا تطلب الأمر، زوجًا ستخط معه أولى خطوات الحياة بعد التحرر، لقد أنقذ الوحش الجميلة كما أنقذته هي الآخرى.
لقد أنتهى الكابوس، أخيرًا.
تمت
التعليقات