رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الثالث والثلاثون
أنتِ تنتمين لي وأكره أن تتحدثي عن أي شخص آخر بهذه الطريقة!
اتسعت عيناي محدقة إليه بشرود.
أنا أنتمي له؟! م. ما هذا فجأة؟! رجفة غريبة قد سرتْ في جسدي. بل أنني شعرت بالبرد واسرعت أفرك يداي بملامح غير مستوعبة!
صدى كلماته قد أسرني تماماً ومن الصعب تصديق ما وقع على أذني.
أنتمي له.
حسنا لما كل هذه الدهشة الآن؟ لا يجب أن يكون الإنتماء أمراً إيجابيا. كإنتماء شخص إلى عصابة سيئة أو إنتماء موظف إلى شركة مفلسة. يوجد الكثير من الفراغات السلبية التي قد أضع محلها كلمة إنتماء اليس كذلك؟
ومع ذلك همست بتشتت: هل قلت للتو. أنتمي لك؟ ما الذي تقصده بهذا؟
قطب حاجبيه ثم زفر بإنزعاج: لا تغيري الموضوع! أنت لم تجيبيني بعد.
لقد تجاهل سؤالي تماماً.
أجيبك عن ماذا! أنت تشتتني لم أعد أستطيع التركيز في أي شيء! كن واضحاً لترسى على موضوع واحد وإلا قفزت بنفسي من النافذة لأتخلص من حوارات متشعبة تفقدني بها عقلي!
لماذا توقفتِ عن زيارتي، لماذا رحلت من المنزل؟
أعتقد بأنني قلت بأنه لا يوجد ما أتحدث عنه. ولم يعد لك أي حق في الإنزعاج عندما.
بترت كلماتي وقد تمالكت نفسي عندما كدتُ اتحدث بشأن اعترافي.
اللعنة. على ألا أقحم أمر اعترافي له، يجب أن ينسى كلانا هذا الأمر!
لي كامل الحق في الإنزعاج عندما تتوقفين عن زيارتي طوال الأيام الماضية!
لا يوجد ما أفعله بزيارتك وأنا أدرك ان كل ما سنفعله هو الشجار والجدال العقيم.
أوه. يا له من سبب مبتذل!
أضاف بنفاذ صبر وبنبرة حادة: لنرى الآن ما الذي ستبررين به رحيلك، سأتجاهل توقفك عن زيارتي مؤقتا حتى أسمع تسويغا مناسباً.
عندما أنهى جملته المتوعدة في طياتها نظر كلانا للنافذة في الوقت آنه عندما شعرنا بأشعة الشمس قد حُجبت بطريقة ما.
الغيوم بدأت بالتراكم لتحجب جزءا كبيرا من أشعة الشمس! حسنا هذا واضح. ستمطر اليوم أيضاً.
تنهدت وتجاهلت الأمر ثم تداركت الموضوع وقلت: اسمع يا كريس. سأنهي هذه القضية السخيفة بجملة واحدة وحسب. أنا لن أعود ولن أتفوه بأسبابي. هذا كل شيء!
أتساءل لماذا غادرت في اليوم الذي خرجت فيه من المشفى تحديداً.
ثم ضاقت عينيه وهمس: هل هناك من أجبرك؟ أنا أعلم بأنك كنت متلهفة للقائي فلماذا غادرت إذاً!
اعترضت بسخط قد أفزعه: ما هذا؟ كف عن التحدث بهذه الطريقة وكأنك الشيء الوحيد الذي أتنفس له في هذا العالم!
رفع حاجبه الأيسر ثم ابتسم بهدوء: أنتِ من اعترفت لي ذلك اليوم.
اتسعت عيناي وقد عضيت على شفتاي بقوة دون شعور! أنا في أعلى مراحل الغضب الآن! أشعر بأنني سأرتكب فعلة فظيعة وقد لا أندم عليها، س. سحقا! إنه يغضبني!
زمجرت بغيض وانا اجلس على حافة السرير بقوة: لو كنت أعلم بأن هذا ما سيؤول إليه الحال لقتلت نفسي قبل أن أعترف لك! توقف عن استغلال الأمر لصالحك الأمر ليس ظريفا! اللعنة عليك ايها المغرور ستجبرني على اخضاعك لغسيل دماغ يريحني منك. أنتَ حقاً مجرد نكرة يظن نفسه ذو شأن عظيم!
كلاما يعلم بأنك تحبينني ولذلك من حقي أن أفهم سبب خروجك من المنزل! ودعك من توجيه هذه الالفاظ المسيئة لي فالأمر سيبدأ باستفزازي حقا. ليس وكأنه من المفترض ان تنتقي هذه الكلمات مع الشخص الذي تحبينه.
زفرت بنفاذ صبر: أفضل أن القي بنفسي من النافذة على أن أخوض في هذا الحوار المقرف.
ضحك بخفوت وردد: مقرف؟ لا بأس سأتجاوز هذا حاليا لأنني مشغول في البحث عن الإجابة التي أريدها.
أضاف بحزم مفاجئ: من أجبرك؟
أخذت شهيقاً وتكتفت ببرود: واصل تساؤلك هذا حتى الغد فلقد قلت ما لدي.
زم شفتيه بإمتعاض وحك وجنته مفكرا قبل أن يبتسم وهو يهمس: لا مشكلة لدي.
قالها وهو يجلس على الكرسي المجاور واضعا قدمه اليسرى على اليمنى وتمتم: لا أمانع ان يتأمل كلانا الآخر حتى ترفعي الراية البيضاء.
رمقته بغضب وأشحت بوجهي لأنظر إلى وشاحه الذي وضعه بجانبي فأخذته بسخط والقيته عليه ليلتقطه ببساطة: شكراً كنت أشعر بالبرد.
تيا: لازال شقيقه سام ووالده يحاولان تهدئته. إنه مستمر في محاولة الصعود إلى غرفة شارلوت وهو يرفض الإنصات إليهم بغضب.
كنت أقف بلا حيلة ولا أعلم ما إن كان على فعل شيء ما.
والدته تبدو متوترة قليلا ولكنها أخيرا تدخلت بحزم: إنها مع زوجها ولا شأن لك يا إيثان في أمورهما الخاصة.
نظر إليها نافيا بإستنكار وغيض: عن أي زواج تتحدثين؟ الذي بدأ بالإجبار؟ أو الذي لا زال مستمراً بغرابته! أي زواج هذا؟ لست أفهم لماذا أنتِ وأبي تصران على استمراريته. كل شيء غير مناسب! لا شيء في مكانه الصحيح، لا يجب أن.
ألا تظن ان ما حدث كافٍ بالنسبة للجميع؟
ما الذي تتحدثين عنه؟!
أتحدث عنا! أريد أن تنتهي كل أثار أفعال باتريشيا يا إيثان! وأريد لشارلوت ان تختار دون أن تشعر بالضغط! وأريدك ان تترك هذا الحذر الشديد الذي لا فائدة ترجو منه!
أخذتْ شهيقا قبل ان تقترب منه وترفع يديها لتضعها على كتفه مردفة بلطف: ألم تكن تخشى ردة فعل كريس عندما يكتشف أننا والديك؟ الم تكن حذر بشأن سام وشارلوت؟ انتهى كل شيء الآن! إنه يعلم بذلك وبالرغم من هذا متمسك بزواجه من شقيقتك!
ربما انتهى الأمر بالنسبة له بشأنكما ولكنه لا يزال يرغب في ال.
إن كنت ستتحدث عن نفسك فصدقني يا إيثان. كريس ربما قادر على الانتقام منك بمئة طريقة مختلفة منذ زمن ولكنه لم يفعل.! أفق. أنظر للأمر من زاوية أخرى! حاول أن تتعقل قليلاً.
قلب عينيه بنفاذ صبر ثم نظر إلى وامتعض بشدة.
أسرعت أخفض عيناي نحو الأرض بتوتر وضيق شديد، رمقني أخيه سام بشيء من التمعن قبل أن يقول: اتبعني يا مدلل أمي.
قالها وهو يمسكه من ذراعه بقوة، احتدت ملامح إيثان: ماذا تريد!
ولكنه تجاهله وهو يسحبه والآخر يقاومه حتى وصلا إلى الباب، التقط سام بيده الأخرى معطفين لهما وقال دون ان يستدير: أمي، أبي. سأبرحه ضرباً وأعود.
غضب إيثان وزمجر: ابتعد يا سام لست متفرغا لهرائك!
ولكن الأخير أغلق الباب وعم الصمت المكان!
رأيتهما من خلال النافذة يبتعدان والتقطت اذني صوتهما الخافت وهما يتشاجران.
نظرت إلى السيد مارك والسيدة ستيفاني بإرتباك شديد، أنا الآن وحدي بينهما، هل على قول أمر ما؟
بللت شفتاي وقبل ان افتح فاهيي لأتحدث اتسعت عيناي عندما قالت ستيفاني بوجه متورد وحماس: هل تعتقد أنهما يتحدثان برومانسية في الأعلى؟
أيدها مارك واضعا يده على كتفها يهمس بحماس مماثل: ما رأيك بإختلاس السمع؟
لا لن نفعل هذا. لنكتفي بتخيل الأمر فقط! أتظنهما. يعاتبان بعضهما بطريقة عاطفية؟
أو ربما يرجوها للعودة معه!
هو لن يفعل هذا! لا بد وأن شارلوت تبكي شوقاً الآن!
طرفت بعيني ببلاهة أحول بناظري بينهما بعدم استيعاب.
م. ما هذا؟
نظرا إلى بعضهما للحظة قبل أن تتساءل ستيفاني بحيرة وقلق: برأيك هل سيتشاجر سام مع إيثان حقاً؟
بعثر شعره الأسود مفكراً: سام لن يفعلها. لا أدري ولكنني أثق به.
ابتسمت دون شعور وحينها انتبه لي كلاهما.
ثواني حتى استوعبا أمر وجودي وأسرع مارك يقول بإرتباك: عذرا يا تيا لقد انشغل رأسنا بمشاكل أبنائنا الحمقى.
نفيت فوراً مبتسمة: لا بأس. كان على تنبيهكما مسبقاً. أعتذر على الجلبة التي احدثناها أنا وكريس.
وضعت ستيفاني يدها على خصرها بإنزعاج: الخطأ يقع على شارلوت أيضا، كيف تجرؤ على المغادرة دون إعلامه فجأة!
رفعت كتفاي بعدم فهم أو معرفة: أنا أيضا لا أدري كيف حدث هذا. أخبرني أنها رحلت دون سابق إنذار، لقد كان منزعجا كثيراً ولكنها نقطة إيجابية في حق شارلوت. سيد مارك، سيدة ستيفاني. كريس عليه أن يفهم ولو قليلا أنه لا يمكنه الإستمرار في استخدام هذا التسلط والغرور إلى الأبد!
عقدت ستيفاني حاجبيها: هل يوجد ما نفعله برأيك؟
فكرت قليلا متنهدة: ربما علينا أن نقف في صف شارلوت قليلاً. حسنا ربما سأكون أول ضحية لو اكتشف كريس أمر تحريضي هذا ولكن. ابنتكما قد ضاقت ذرعا وقد تنفجر وتقتله في أي لحظة.
ضحك مارك بخفوت واقترب واضعا يده على رأسي بإستخفاف: شارلوت لا تجرؤ على قتل حشرة. لن تفعل هذا مع زوجها لا تقلقي.
جاريته بسخرية: ولكنها امسكت بمجرم هارب من السجن.
ابعد يده وقد انتابته القشعريرة: بذكر هذا. إنني حذر منها بعد فعلتها هذه! من يدري ما قد تفعله بي!
ضحكتُ بخفوت فابتسمت ستيفاني وتمعنت النظر إلى حتى تساءلت مقتربة قليلاً: لديك لون عينان مذهل يا تيا. بالمناسبة أنت وكريس وإيثان عملتم معاً. لماذا لم يقع إبني في حب فتاة جميلة ولبقة مثلك؟
طرفت بعيني بتوتر وقد تورد وجهي بحُمرة طفيفة.
لا أحد من عائلته على علم بعلاقتنا السابقة، لذا سأحترم رغبته هذه واكتم الأمر. كما أنني الآن أشعر بالخجل لكلماتها اللطيفة هذه!
أشارا لي بعد ذلك بأن نجلس في غرفة الجلوس وقد احضرت لي ستيفاني عصيرا طازجاً، وبينما نحن نجلس سمعنا صوت من الأعلى فخمنت أن الحرب العالمية الثالثة على وشك ان تنشب بينهما!
وفي الجهة الأخرى لا أستطيع التوقف عن القلق بشأن إيثان وشقيقه. أرجو ان كل شيء على ما يرام بينهما.
بالإضافة إلى أنني أتساءل في نفسي. في حين قد يُحل سوء الفهم بين كريس وإيثان.
هل ستعود علاقتي به هذه المرة؟
شارلوت:
كنت أستمع إلى صوت المطر الذي بدأ ينهمر الآن فقط بينما لا يزال يجلس على الكرسي و يدندن لحناً بتململ.
هو لم يستسلم حتى الآن ومازال ينتظرني أن أتحدث!
أنا أيضا لن أستسلم.
شعرت بالمطر يزداد غزارة والرعد يصبح أقوى فأقوى. وكلانا يرفض التحدث فوقفت مبتعدة عن السرير واقتربت من النافذة متجاهلة وجوده تماما.
شارلوت ما رأيك أن أختطفك؟
قالها بهدوء فنظرت إليه باستخفاف: أيفترض أن أشعر بالخوف؟ أم أنك تلقي بإحدى طرائفك يا ترى؟
لست أحاول إخافتك أو إضحاكك.
ثم وقف ليعكس الكرسي ويجلس مرخيا ذراعيه على ظهر الكرسي هامسا محدقا إلي: متى كانت آخر قُبلة بيننا؟
أجفلت بشدة وأسرعت أنظر للنافذة مجددا مزمجرة بحزم: سأتجاهل ما سمعته.
ولكنه قال بنبرة مستفزة يتظاهر بالتفكير: آه تذكرت. قبل ان تعترفي لي بيوم واحد. إن لم أخطئ التقدير!
عضيت على شفتي محاولة تمالك نفسي وأمسكت بطرف النافذة بقوة حتى ابيضت يداي، ولكنه أكمل بنبرة تعمد جعلها لطيفة: كانت قبلة مختلفة تماما عن كل مرة. لو لم يقاطعنا دخولهم إلى الغرفة فمن يعلم لربما ك.
قاطعته بغضب: هذا يكفي! تذكر جيداً أنني أخبرتك بأنني لن أسمح بحدوث هذا مرة أخرى أبداً.
أتراهنين على ذلك؟
هاه!
الباب مغلق كما ترين، المفتاح مُلقى على الأرض في الخارج.
إلى أي مدى أنت متجاسر ووقح يا كريس! أنصت يا رجل الأعمال الناجح عمليا والفاشل في حياته الشخصية. أنا لن أتهاون معك فلا تتوقع ردة فعل لطيفة الآن لتلميحاتك المنحرفة لأنني على شفى حفرة من الجنون!
ابتسم بتبرم ثم أغمض عينيه وهو يسند ذقنه على مرفقيه وتمتم: أخبريني فقط يا شارلوت. من أجبرك؟
زفرت بإنزعاج: أرجوك كف عن سؤالي! لن تصل إلى أي نتيجة صدقني!
إيثان كان منفعلا جداً. أيكون من أرغمك على العودة؟
أشحت بوجهي بإنزعاج فتنهد: كما توقعت!
سواء كان إيثان أم لا. فوجودي هنا هو رغبة مني ولا شأن ل.
ولكنك ستعودين معي.
تبدو واثقا جداً.
بالطبع سأكون كذلك!
لويت شفتي بإمتعاض وابتعدت عن النافذة واتجهت للسرير وقلت بحدة: إلى متى سنبقى محتجزان في الغرفة؟!
رفع كتفيه بلامبالاة فقلت بغضب: لقد سئمت!
ضحك بخفوت اشعل شرارة صغيرة لبداية غضب قادم في الطريق وقد يكون سببا في فنائه، ومع ذلك تثاءب بتثاقل: بدأت أشعر بالنعاس.
رمقته بطرف عيني، لم أعلق فوقف ببطء ونظر للغرفة من حوله بنظرة مقيمة وقال: غرفة انثوية. لم أتوقع هذا!
لا أذكر بأنني أديت دور الصبيانية!
ولكنك شرسة.
ثم أشار بيده اليسرى كحركة القط بسخرية مردفاً: ألم أخبرك مسبقاً أنك قطة مستعدة للإفتراس.
لا يوجد ما أقوله. سأتجاهلك.
تكتفت وأطبقت فمي دون أن أنظر إليه، تحرك قليلاً ينظر للغرفة حتى تقدم نحو المرآة والرفوف الجانبية والتقط منها أحد البومات الصور.
عقدت حاجباي اترقب ما سيفعله، بكل بساطة قام بفتح الألبوم وتصفحه مستنداً على الحائط.
كيف يجرؤ على تصفحه دون استئذان!
قلت بحدة: اتركه مكانه من فضلك!
ولكنه تجاهلني مقلبا صفحاته حتى ابتسم معلقاً: هكذا كان يبدو مظهرك عندما زرتِ منزلنا وأُخذتِ إلى دور سينمائي حزين تفقدين به ذاكرتك.
أتُراك تحاول ان تبدو ظريفا؟
لم يعلق وإنما تصفح الباقي فوقفت بغيض واتجهت نحوه لأحاول انتزاعه ولكنه رفعه وقال بحيرة: إلى متى ستواصلين التظاهر بالغضب؟ ألا زلت مصرة على انكار سعادتك بوجودي؟
قلبت عيناي بنفاذ صبر وقد أشرت نحو الألبوم: أكمل ما كنت تفعله. هذا أفضل من سماع أسطوانة بعنوان شرح مفصل لكيفية الصبر على حوار مع عاشق لذاته
رسم ابتسامة جانبية هازئة بينما ابتعدت أنظر من حولي باحثة بعيناي.
أريد الخروج من الغرفة لأنني اكثر من تعلم أنني سأتصرف بحماقة لو بقيت مع كريس وحدي طويلاً! هذه المرة سيتجاوز الأمر الإعتراف. ربما أقول له اختطفني بالفعل وابعدني عن مشكلة إيثان معك! من يدري.
اتجهت إلى خزانتي وأخرجت منه كرة صوفية، هذه الحبال الطويلة ستفي بالغرض.
تابعني بعيناه بترقب بينما بحثت عن أي قرص صلب موجود في غرفتي، وجدت إثنان في أحد الأدراج فأخذت أحدهما وفتحته.
بل كسرته.
اخذت منه قطعة مغناطيسية وربطتهما بالحبل واتجهت للنافذة.
كل ما على فعله هو محاولة التقاط المفتاح.
أنا معجب بفكرتك. ولكن هذا شبه مستحيل، أراهن أنك ستجدينه بعد أن أغرق المطر ال.
لست بحاجة إلى سماع رأيك.
اخرجت الحبل ولكن أول ما حدث هو ضربة من الريح القوي لوجهي فأسرعت ادخل قليلاً ثم عاودت الكرة بصعوبة.
بعد دقيقتين.
كنت أجلس أمام باب الغرفة وقد أحضرت مشبك للشعر مفكرة في تقليد الأفلام التي أتابعها!
لعلي أستطيع فتح الباب عن طريقه!
فلا فائدة من إخبار أمي وأبي أو سام لأن لا بديل لمفتاح غرفتي.
انفجر ضاحكاً بإستخفاف حين رآني أُدخل المشبك في مقبض الباب فهمست بجمود: مضحك جداً.
تجاهلت ضحكه وتعليقاته الساخرة وحاولت فتح الباب بغضب متمتمة: كيف ينجحون في فتحه بحق الإله!
دعيني أخمن! يكون الباب مفتوحا منذ البداية فيأتي الممثل ويتظاهر بفتحه ثم يفلح في ذلك. الن تملي من المحاولة والإتيان بهذه الأفكار؟ ما الذي ستفعلينه لاحقاً؟ الخروج من سقف الغرفة بطريقة ما؟
زفرت بإنزعاج: أصمت أنت لم أكن أحدثك!
لا أدري كم مضى من الوقت وأنا أحاول دون إستسلام، كان قد ترك الألبوم واتجه ليجلس على الأرض المجاورة للباب خلفي على بعد مسافة كافية. حاولت مراراً وتكرارا بإصرار واندمجت في ذلك حتى أجفلت ليد تسحبني بقوة!
اسند ظهره للحائط وجلس على الأرض ويديه تحيطان بي ليلتصق ظهري بصدره!
شعرت بالإحراج والإرتباك الشديد وتسمرت في مكاني للحظة! هو يحاول حشري في زاوية الإستسلام والإذعان! لا يجب ان أسمح له بذلك.
أنا لن أصبح ضعيفة مع واثق من نفسه قد تجاهل اعترافي!
تظاهرت بالحزم أخفي توتري: ما الذي تفعله؟
لم يجب فحاولت الإبتعاد عنه بصعوبة: ابتعد عني وإلا ندمت يا كريس!
ولكنه أبى ذلك وظل يحيطني حتى أسند ذقنه على رأسي فشعرت بألم يعتصر معدتي بسبب التوتر والخجل الشديد!
همست بتلعثم وقد شعر لساني بالخدر: م. ما خطبك بحق الإله؟! قلت لك ابتعد. أ. أيها ال.
هل تشعرين بالخجل؟
كف عن هذا واذهب بغطرستك واستعلائك اللعين بعيدا عني.
ضحك بخفوت فشعرت بالضعف الشديد!
قربه هذا. يجعلني مشتتة! لن أبالغ لو شبهت الأمر بقطعة ثلج قد ذابت فوراً لمجرد تعرضها لحرارة شمعة!
عندما فشلت محاولاتي استسلمتُ وتوقفت عن المماطلة فهمس: لطيفة عندما تكونين مطيعة يا شارلوت.
حينها ساد الصمت في المكان سوى من صوت المطر والرعد في الخارج وبعض أطفال الحي اللذين يبدون سعيدين بهذا المطر وكذلك صراخ أوليائهم ومن الواضح انهم يحاولون ادخالهم.
الصوت واضح جداً لاسيما وأنني تركت النافذة مفتوحة.
أغمضت عيناي وهمست بإنزعاج يجوبه إرتباك: هل يمكنني الابتعاد الآن؟
أنتِ لا تريدين ذلك.
سأكون صريحة معك، أنا أكره استغلالك لمشاعري كثيراً ولا أجد الأمر ممتعاً!
ولكنني أحب رؤيتك هكذا!
هاه!
متوترة، خجلة ومرتبكة.
أضاف بنبرة غريبة: من الجميل أن يكون هناك شخص يكن لي مشاعر كالتي تحملينها.
ازدردت ريقي بصعوبة هامسة دون شعور: أدرك أنه لا مهرب بعد اعترافي. انت تعلم أنني صريحة وواضحة.
ليس دائماً.
ولكنني أفضل منك في هذه النقطة. أنا لا أعلم ما الذي جذبني إليك! لا أدري لماذا وكيف وقعت في حبك! شخصية وأسلوب سيء! متسلط ومغرور! أناني مستبد واستغلالي! ما الجيد فيك بحق الإله؟!
شعرت به يبتسم ليتمتم: اليس من المدهش أن تقعي في حبي بوجود كل هذه الخصال السيئة؟
بل جنون.
مؤكد.
تنهد بعمق وقال: لن أسألك السؤال ذاته مجدداً، ولن أقول من أجبرك وما شابه. ولكنني سأسألك سؤال آخر بدلاً منه.
صمت قليلاً ثم أضاف: الا تريدين العودة معي حقاً؟
زميت شفتاي بقوة ولم أجبه! وماذا عساي أقول؟
إنني أرتكب المزيد من الجرائم في حق نفسي بإذعاني السخيف هذا. الأمر أصعب مما تخيلت. صوته الهامس وقربه أوقعنني تحت تأثير الخدر، ليس هذا وحسب أنا أستنكر تصرفاته اللطيفة هذه!
أنا سعيدة بهذه اللحظات ولكن. أخشى أنني بهذه الطريقة اخلف بوعدي لإيثان. حسنا لم أعده بشيء ولكننا اتفقنا على ذلك.!
وعلى ذكره. لماذا لا أسمع صوته في الأسفل؟
لا زلت أنتظر إجابتك.
قالها متنهداً فأغمضت عيناي وارخيت ظهري على صدره.
بغض النظر عن عودتي معه أو لا.
أريد البقاء هكذا لفترة. لا اريد الإبتعاد عنه!
يكفي أنني اشتقت إليه كثيرا في الأيام السابقة.
كريس.
أصدر همهمة هادئة فقلت دون أن أفتح عيناي: كنت تسألني مداعبة شعرك في كل مرة. هل يمكنني طلب الأمر ذاته الآن؟
لم يجب وإنما اكتفى برفع يده اليمنى مداعباً شعري.
أشعر أنني طير يحلق فوق أعلى قمة جبلية، بل طفلة تركض في البساتين وتلتمس شعور السعادة لأول مرة.
ان يعانقني ويداعب شعري. هما أمران لم اتخيلهما أبداً، كل ما كنت أطلبه ان يعاملني بلطف فقط. ولكن ما يحدث الآن قد تجاوز أمنيتي!
لا أبالغ لو قلت أنني انسلخت تماما عن العالم الواقعي وبتُ أعيش الآن في عالم مُرصع بالأضواء فقط ولا شيء آخر دخيل، عالم ذو رائحة مميزة لا يمكن وصفها بالكلمات، عالم يحتويني وحدي بعيداً عن كل البشر وكأنه قد خُلق لي وحدي.
وكأن هذا العالم الوهمي هو واقع بكل تفاصيله بداخلي، نعم. أشعر أن روحي تتسع لعالم ضخم بحجم الكون بأكمله! ولكن هذا لا يأخذني للشعور بالوحدة في مساحته الشاسعة.
بل.
وكأنني أملكه!
ابتسمت نتيجة لهذه الخوالج العميقة ومع ذلك تساءلت في نفسي ما الذي يسيّره للتصرف بهذه الطريقة الآن؟ ليقنعني بالعودة فقط؟
أيعقل أن يفعل كريس هذا لأجل.
انتشلني من أفكاري صوت الرعد المدوي الذي علا بشكل مرعب فجأة ليتلوه صراخ أطفال الحي بذعر!
ابتعدت عنه قليلا هامسة بعدم تصديق: ك. كان قوي جداً!
نعم.
ثم قال بهدوء: الجو أصبح أكثر برودة.
انه يقول هذا وهو يرتدي قميصا سميكا أسفل معطفه الثقيل. بل وقد ارتدي وشاحه مسبقاً! حسنا هذا أفضل من تعرضه لتلك الحساسية مجدداً.
نظرت إلى النافذة المفتوحة وقررت إغلاقها، ابتعدت عنه وقد دفعته بقوة فقال بغيض: خرجت في الأمس من المشفى لذا كوني أكثر لطفا!
رمقته بطرف عيني ببرود: لقد دفعت صدرك. لا خصرك أو بطنك أياً يكن مكان الجرح.
قلتها وانا اتحرك لأغلق النافذة وقد القيت نظرة خاطفة على الأرض التي بللتها مياه الغيث وأدركت أنه من المستحيل إيجاد المفتاح سوى باستخدام غواصة ليلية أبحر فيها بحثاً عن المفتاح الوحيد لغرفتي.!
بعد ان اغلقت النافذة تركت الستائر مفتوحة ونظرت إلى كريس الذي يفرك كلتا يديه ببعضهما وينفخ فيهما ليدفئ نفسه.
ترددت قليلا حتى قررت ان اسحب الغطاء الموجود على سريري واقتربت منه لأرميه عليه.
امسكه بين يديه باستغراب قليلا ثم ابتسم دون أن يعلق.
لفه حو ل جسده في حين جلست بجانبه على بعد مسافة جيدة، ولكنني لم أكد أفعل حتى اقترب وقربني إليه واضعا يده على كتفي ولف الغطاء حولنا نحن الإثنان! لم يكن ينظر إلى وإنما إلى الأمام بصمت.
هذا الشخص.
أعتقد أنه ينتحل شخصية كريس! لا يمكن أن يكون هو!
همست بشك وحذر: إما أن الطبيب قد حقنك بمحلول غريب حولك إلى ما أنت عليه أو أنك تحاول النيل مني بطريقة ما! أو تم إرسالك إلى مختبر ما وإجراء بعض التجارب عليك، هذا كل ما يمكنني التفكير بشأنه لأنه من المحال ان تتصرف بهذه الطريقة!
ياللخيال الواسع.
لحظات حتى استرسل متمتماً: هذا غريب. لا أسمع صراخ شقيقك كالطفل المدلل!
من يتحدث هنا؟
الستِ مستنكرة للأمر؟
فكرت قليلا قبل أن أجيب على مضض: نعم. ربما خرج من المنزل ولهذا يعم الهدوء المكان!
إنه يجيد خلق أجواء درامية.
يكفي حديثا عن أخي بهذه الطريقة!
إذا لنتحدث عن دراستك.
ه. هاه!
متى ستستأنفينها؟
بضعة أسابيع. أعتقد أنه مجرد أسبوعان أو أسبوع ونصف، شيء من هذا القبيل.
أضفت بهدوء: ماذا عنك؟ متى ستعود للعمل!
بعد التخييم مباشرة.
ارتفع حاجباي أنظر إليه بحيرة: تخييم. لقد ذكر والدك هذا مسبقاً، هل حقا ستذهبون إلى التخييم؟
لن نطيل هناك، أسبوع على الأكثر، ربما خمسة أيام كحد أدنى. سيخبر ماكس والديك وشقيقيك بشأن الأمر.
ألا زلت تناديه بماكس؟ أخبرني من فضلك ما هو شعورك وأنت تنادي والدك بإسمه أمام ابنك؟ لماذا لو قام ذات يوم بنعتك بإسمك!
نظر بعينيه العسليتان إلى الفراغ وقال بحدة: هذا أمر يعنيني وحدي. ثم لماذا لا تريدين أن تفهمي! جعلني أعيش في وهم سخيف طوال هذه السنوات ثم يأتي بكل بساطة ويعترف بالأمر مضطراً!
أنت تعقد الأمور أكثر مما ينبغي!
ساد الصمت للحظة قبل أن أستوعب الأمر واقول ببلاهة: بالعودة الى ما ذكرته قبل قليل بشأن المخيم. من قال بأنني أرغب في الذهاب! حتى لو وافق والداي وسام فأنا لن.
لست بحاجة لسماع رأيك.
تيا:
ظهرت الحيرة والترقب على وجوهنا نحدق إليهما.!
سام وإيثان. كلاهما مبللان بالماء، إيثان نزع معطفه المبتل فوراً في حين ابعد سام شعره المبلل عن وجهه هامساً وهو يرتجف: اللعنة. سأتجمد! أشعر بأنني سأتحول إلى ماموث تاريخي على هذا الحال.
اسرعت ستيفاني تقف بقلق: ألم يكن بوسعكما الوقوف أسفل أحد المظلات بحق الإله! ماذا لو مرضتما الآن؟!
أشارت نحو الدرج: أسرعا ماذا تنتظران!
وقفت دون شعور أحدق إلى إيثان بقلق وإهتمام، نظر إلى بعينيه الخضراوان وقد تسمرت عيناه علي.
لا أرى تعبيرا واضحا!
ازدردت ريقي بصعوبة بالغة وللحظة شعرت برغبة عارمة فالذهاب إليه وتجفيف شعره أو حتى سؤاله ما إن كان على ما يرام.
يبدو ان النظرات المتبادلة بيننا قد طالت حتى انتبه الجميع لنا ونظروا إلينا باستغراب.
أسرعت أشيح بوجهي بتوتر وحينها تحرك إيثان فوراً ليصعد الدرج دون أي كلمة.
نظر والديه إليه وهو يصعد ليتساءل مارك بهدوء موجها حديثه إلى سام: ما الذي حدث بينكما؟
أجابه وهو ينزع معطفه وظل ممسكاً به: هرولنا قليلا تحت المطر، كان ذلك منعشاً بطريقة ما.
عقدت حاجباي وأعطيته إهتمامي كله مترقبة ما سيقوله، ولكنني اجفلت قليلا عندما نظر إلى بتمعن وقال: أيتها الصهباء. لنصعد نحن أيضاً.
هاه!
مهلاً.
لماذا شعرت بأنه أراد قول أمر آخر؟
أيعقل أنه لا يريد التحدث أمام والديه؟
جاريته وأومأت برأسي دون اعتراض فسبقني ليصعد وتبعته، ليبقى والديه يحدقان إلى بعضهما بعدم فهم.
بدأت اقلق بعض الشيء، ثم ما خطب عودة إيثان بهدوء على عكس ما توقعت؟
عندما صعدت اخبرني ان اتبعه إلى غرفته فاحترت أكثر، دخل الغرفة التي فاجأني الكم الهائل فيها من الصور المعلقة والملقاة على طاولة انتصفت الغرفة.
طرفت بعيني بدهشة وتساءلت في نفسي كيف يكون قادرا على العيش فيها! ليس الصور وحسب بل بعض الملابس أيضاً.
يا له من شاب فوضوي!
تمتم بهدوء: دعيني أسألك سؤالا ريثما يغير إيثان ملابسه لأنني بحاجة إلى فهم أمر ما.
أومأت بشيء من الحذر، عاود يبعد شعره الأسود عن وجهه قبل ان يحضر منشفة صغيرة ويجففه متسائلا: هناك أمر لطالما شعرت بالفضول نحوه، أتذكر جيداً ما حدث قبل مواعدة إيثان لتلك الكاترين الفاسدة، ذات مرة وقبل ثلاث سنوات تقريباً ذهبتُ لأخذه ثملا من حانة ما، اتملكين فكرة عما كان يقوله حينها؟
نفيت بتوجس فأضاف بجدية: لطالما أردت سؤال شارلوت بشأنك ولكنني تجاوزت الأمر مرارا وتكراراً، لقد سمعت اسمك من إيثان حين كان ثملاً. لقد كان في حالة يرثى لها، وقد يكون من الصعب تصديق هذا ولكنني رأيت أخي مثيرا للشفقة متفوها بكلام فارغ غير مفهوم. او هذا ما ظننته أنا في البداية!
فغرت فاهيي قليلا مفكرة بما قد يقوله!
قبل ثلاث سنوات؟!
حدث هذا على الأغلب بعد انفصالنا!
ماذا قال؟
ذكر اسمك ونعتك بالخائنة، ظل يشتم قليلا ثم بدى على وشك البكاء كالطفل الأبله! أنا لم أرى إيثان بتلك الحالة مسبقاً، كما فضلت الإحتفاظ بالأمر لنفسي. ولكن آن الوقت لأسألك عن علاقتك الحقيقية به! لماذا لم يذكر اسمك يوماً؟ هل تعتقدينني أحمق حتى اغفل عن النظرات التي تتبادلانها بأسرع من طرفة عين؟
م. أنا.
أنا أعلم ما حدث بشأن كريس وإيثان، كما أفهم سبب كريس وأخي في معاداة كل منهما للآخر. ولكنني لازلت أستنكر صمتك أنتِ وهو عن علاقتكما هذه!
أنا لا أدري. أنا حقا لا أعلم! ولكنه فضل الإحتفاظ بها واحترمت رغبته هذه! كما انه من الواضح انه قد يكون فعل هذا حتى لا يعلم والديك بأنه لي صلة بكريس ثم يتضح كل شيء.
تماماً. ولكن. لماذا لا زال لم يبح بهذا حتى الآن؟
نظرت للأرض مجيبة بأسى: لأننا انفصلنا وانتهى كل شيء.
تقولين انتهى؟
هل أخبرك بشيء؟
وضع يده على خصره بشيء من الإنزعاج وزفر: أخبرني بأنه لم يقرر السفر لأجل شارلوت. لديه سبب أخر، برأيك ما هو؟
عقدت حاجباي أحدق إليه بتشتت وضياع: لقد. فكرت قليلاً بالأمر، ظننت أنه سيفعل هذا ليرغمها على العودة.
حقاً؟ هل ظننته بهذا السخف؟ ليكن في علمك أنه قادر على إرغامها بالعودة بطريقة مختلفة تماماً عن هذا الهراء!
ما الذي تحاول قوله!
زفر بنفاذ صبر وهو ينظر من حوله ثم قال بسخرية: فكري بالأمر وحدك، ما حدث بيني وبين إيثان قبل قليل هو مجرد حوار عادي نفس فيه عن غضبه بشأن كريس، ولكنه لم يشعر بنفسه وهو يأخذ منعطفات أخرى في الحديث.
منعطفات. أخرى!
أشار إلي: هذا كل ما أردت قوله. وبالمناسبة على أن أخبرك بهذا الآن. إيثان لم يقم بإلغاء سفره وإنما تأجيله وحسب حتى بعد غد.
اتسعت عيناي بدهشة: أجله. إلى بعد غد! متى اتخذ هذا القرار!
في الأمس. أي قبل مجيئك أنتِ وكريس كما ترين. اليس هذا واضحاً كفاية الآن؟
أومأتُ دون شعور بوجه قد ارتخى تماماً.
قام بتأجيله. لم يلغيه!
لم يفعل هذا لأجل شارلوت، هو قادر على إرغامها بطريقة أخرى.
عاد ذلك البصيص ليعود مجدداً واشعل بي الأمل، ابتسمت وهمست: سام. شكرا جزيلاً لك.
أشار بيده بلامبالاة: فليكن.
أردف مستوعبا بحيرة: ألم يخرج هاذان الإثنان بعد! عبيدة الكبرياء تلك ومهووس الذات عليهما أن يتفاهما بعد قضاء كل هذا الوقت وحدهما وألا يخيبا أملنا.
ابتسمت متنهدة: أرجو هذا.
كان لا يزال يجفف شعره بالمنشفة وهو يتجاوزني ليخرج من الغرفة: سألقي نظرة عليهما. من يدري لربما قتلته شارلوت وتحاول جاهدة إخفاء جريمتها!
ضحكت على تعليقه وخرجت من الغرفة لأنزل الدرج.
إنني في انتظار اقتناص فرصة تسنح لي بالتحدث مع إيثان على إنفراد.
شارلوت:
كنت أسند رأسي على كتفه وقد أغمضت عيناي منذ زمن.
حتى أنني كدت أغفو لولا صوت طرقات على الباب تلاها صوت محتار: شارلوت؟ هل أنتما أحياء؟
سام!
وقفت فوراً مبتعدة عن كريس واتجهت للباب وقلت: سام أين هو إيثان؟
أجابني: عاد قبل قليل. بالمناسبة أردت أن أعلمك بالأمر، هو لم يقم بإلغاء السفر وإنما تأجيله لما بعد غد.
اتسعت عيناي بدهشة واقتربت من الباب أكثر واضعة يداي عليه بعدم استيعاب!
سيرحل!
بحق الإله لماذا هو مصر على السفر هكذا! ر. ربما لأن كريس قد ظهر ويخشى أنني سأعود معه! على ان اتفاهم معه.
سأكون عند كلمتي. لن أعود معه!
زميت شفتاي بقوة: سام تصرف من فضلك وأخرجنا من الغرفة.
هاه! ما الذي تقصدينه!
كان محتارا بشدة، تحرك كريس بملل واتجه إلى سريري ليجلس عليه واضعا قدما على الأخرى بملل وأسند كلتا يديه بجانبه.
شخص مجنون قد القى بالمفتاح من النافذة، الا يمكنك البحث عنه؟
أتى صوته مستنكرا ساخرا: هل أنتِ حمقاء؟ لا بد وأنك كذلك! المطر يزداد غزارة وإيجاده مستحيل!
ولكن. أنا بحاجة للحديث مع إيثان!
ماذا عن كسره؟
هل جننت!
علق كريس: لا تبدو فكرة سيئة. قومي بترميمه لاحقاً، أنا بحاجة للحديث مع والديك أسرعي واخرجينا من هنا.
اشتعلت غضبا ونظرت إليه بإنزعاج: مرحباً؟ ستتسلط وتجلس بكل ثقة بينما أنت السبب في حبسنا هنا؟ تصرف بدلا من التغطرس هكذا!
نفي برأسه بلا اكتراث: أنا مجرد شخص مسكين قد خرج من المشفى قبل ليلة فقط فما عساي أفعل.
نعم أنت قادر على رمي المفتاح والتصرف بهمجية ولكنك عاجز عن إصلاح ما قمت بإفساده!
سمعت صوت سام: هل أرحل؟
أسرعت اعود للباب فوراً: أ. مهلاً، إن كان إيجاد المفتاح سيكون صعباً ماذا عن كسر القفل!
سمعته يضحك بتبرم: هل نسيتِ أن أبي خشي علينا ذات مرة وغير جميع الأقفال إلى نوعية صعبة الكسر!
إنه محق. فعل أبي ذلك في فترة قد كثُرت فيها اقتحامات اللصوص للمنازل في حيّنا!
يبدو أنه لا حل أخر.
حسنا إذاً. قم بكسره، فليكن.
ابتعدي عن الباب.
حينها حاول سام كسره مرارا وتكرارا وهو يدفعه بقوة، كان ذلك صعباً جداً بسبب القفل وهذا ما جعله يستعين بأبي ليساعده.
لحظات حتى تعالى صوت كسر الباب في المنزل كله!
وقع الباب ووقع فوقه سام بينما أسرع أبي يتاوزن متمالكاً نفسه، طرف كريس بعينه بشيء من الدهشة قبل أن يتنهد ويقف مبتعدا عن السرير.
تأوه سام ممرراً يده على كتفه بألم ولكنه سرعان ما رأى كريس واقفا أمامه وقد مد يده متمتماً: ماذا تنتظر؟
أمسك سام بيده ليقف فابتسمت دون شعور لهذا.
ولكنني سرعان ما تذكرت أمر إيثان فأسرعت أمشي فوق الباب المكسور لأخرج من الغرفة.
علي التحدث مع إيثان بوضوح تام وبصراحة وأفهم ما يحاول فعله!
اتجهت إلى غرفته وطرقت الباب، أتى صوته ولكن بعيد قليلاً! عقدت حاجباي وقلت: هل يمكنني الدخول؟
لم يعلق.
فعاودت أسأله بنبرة راجية: إيثان.؟
اقترب صوته: انتظري.
لحظات كنت أنتظر فيها رأيت كريس وأبي ينزلان الدرج، ولكن كريس قد القى على نظرة خاطفة من فوق كتفه قبل أن يتوارى عن الأنظار.
وللحظة أكاد أجزم أنني رأيت في عينيه بريقاً خبيثاً.
علي ماذا ينوي هذه المرة! أنا أعلم جيداً أنه لن يتوقف عن ألاعيبه الصبيانية. يا الهي.
فُتح باب الغرفة لأرى إيثان الذي لم يكلف نفسه عناء قول كلمة وإنما عاد للغرفة فتبعته واغلقت الباب خلفي. جلست على سريره في حين اتجه إلى المرآة ورأيته يمسك بمجفف الشعر وحينها اتسعت عيناي بدهشة: مجفف الشعر هذا. إنه لي! هل أخذته من غرفتي دون استئذان!
لم يعلق فقلت بغيض: توقعت من سام تصرفا كهذا ولكن أنت! آه هذا كثير حقاً! والآن باب غرفتي مكسور وسيرى سام الأمر كفرصة مناسبة وربما تصبح غرفتي فارغة تماما لاحقا حتى من الأثاث.
لمحته يبتسم بهدوء فشعرت بالسعادة لتلطيف الجو قليلاً.
أغلق المجفف ووضع منشفة حول عنقه، ولكنه ظل واقفا أمام المرآة وهو يمسك بهاتفه ينظر إليه فقلت بهدوء: علمت بأنك أجلت سفرك. لماذا فعلت هذا؟
أتى جوابه بهدوء: الأمر لا يتعلق بك. لست أفعل هذا لأرغمك على الإبتعاد عنه وما شابه.
زميت شفتاي بأسى، تحرك ليجلس على السرير بجانبي وانحنى للأمام قليلا متسائلاً: هل تحبينه حقاً؟ هل أنتِ واثقة من مشاعرك تجاهه؟ أليست مؤقتة؟
ابتسمت بلا حيلة: للأسف. قد تظنني مجنونة يا إيثان ولكنه بات يأسر تفكيري في كل ثانية. بدأت أشعر بصعوبة بالتنفس بسببه.
لماذا أحببته!
لا أدري. حدث هذا فجأة بلا مبرر، ولكنني فهمت أمرا مهماً. لا يجب ان يكون لي أسبابا محددة لأقع في حبه.
لم يعلق فنظرت إليه لأجده يحدق إلى الفراغ حتى قال أخيراً: شارلوت. أنتِ تعلمين بأنني لطالما كنت أدللك كثيراً، ليس لأنك الفتاة الوحيدة وحسب. وإنما لشعوري بالمسؤولية الكبيرة! انت لن تتخيلي كم كنتُ قلقاً أن يكون زواجك منه مجرد حيلة ليعبث بك ويستغلك.
ابتسمت بلطف وأمسكت بيده: أردت أن أعتذر لك.
ارتفع حاجبيه بحيرة ونظر إلى بعينيه الخضراوان بإستفهام فقلت بشيء من الضيق: فكرت في مرات معدودة بأنك. عقبة أمام مشاعري، أنا حقا نادمة على طريقة تفكيري.
لا داع للإعتذار. فكرت في هذا أنا أيضاً.
ماذا تقصد؟
تساءلت بإستغراب فابتسم: فكرت بأنك عقبة كذلك، تمنيت لو كنتِ فتى. حينها لن أتورط بزواجك منه وما شابه.
ضحكت بخفوت: أنت مجنون.
استرسلت بجدية: لنعد إلى موضوعنا، لماذا لازلت مصرا على السفر! اعلم بأنك قلت للتو بأنك لم تفعل هذا لترغمني على العودة ولكن صدقني يا إيثان انا على استعداد للبقاء هنا و.
إنه أمر يخصني. أشعر بأنه على المغادرة.
ولكن!
وحينها اسرعت اتمتم بشك: هل الأمر متعلق بتيا؟
وقف متنهداً: لقد أخبرتك ما تريدين معرفته، كما أنه لم يعد هناك ما يجمعني بها. والآن توقفي عن الثرثرة لأنني سأنزل حالاً وارى ما يريده ذلك الجرو المدلل.
اتسعت عيناي بدهشة قبل ان انفجر ضاحكة!
كريس. جرو مدلل! هذا مهين ومضحك وكذلك لطيف!
يا الهي. لو سمع هذا فسيموت بغيضه وربما يتشاجر معه.
ابتسم إيثان ممررا يده في شعره قبل ان يسبقني ليخرج من الغرفة.
انا مرتاحة لأعرف انني لست سببا في رحيله ولكن لا زال على اقناعه ومنعه من السفر!
ليس قبل أن تنتهي إجازته ويعود للعمل.
خرجت أنا أيضا من الغرفة ونزلت حيث الجميع في غرفة الجلوس، كان كريس وتيا يجلسان بجانب بعضهما على الأريكة المقابلة للتي يجلس عليها سام وهو يتأوه ممررا يده على كتفه بألم وأمي تدلكها بشيء من القلق.
إيثان بلا شك في المطبخ، وتأكدت من ذلك وأنا أسمع صوت الثلاجة.
أبي يضع الحطب في المدفأة التي تتوسط غرفة الجلوس، وبينما هو يحمل الحطب تساءل بإهتمام: كيف هي صحتك الآن يا كريس؟ هل التأم الجرح؟ أم أنك لا زلت تعاني!
نفي كريس بهدوء: لا. انا بخير، كل شيء على ما يرام.
رفعت حاجبي أحدق إليه بتمعن، بطريقة ما. وبالرغم من هدوئه فهو يهز قدمه بحركة سريعة وللحظة شعرت به متوتر!
لا أدري إن كان هذا صحيح أم لا ولكن هذا ما استشعرته من حركاته.
نظرت أمي إليه ثم إلى وقالت بشيء من الحماس: أرجو أن سوء الفهم بينك وبين شارلوت قد تم حله!
رمقني بنظرة واثقة قبل ان يتمتم: نعم سيدة ستيفاني، لقد تفاهمنا، اعتذرتْ لي بشأن مغادرتها للمنزل فجأة.
اتسعت عيناي وفغرت فاهي ببلاهة!
متى اعتذرت بحق الإله!
اعترضت بغيض: كف عن تحوير كل شيء لصالحك لن أعتذر لك وأذكرك بأنك من أتى بنفسه يطلب العودة مني! ليس وكأنني كنت في انتظارك أو.
قاطعني أبي بملل: حسنا هي تقول هذا لأنه من الصعب أن تشرح لك موقفها.
أبي الأمر ليس كذلك! لم أقترف خطأ لأعتذر بشأنه!
علق سام متألما: سحقا لباب غرفتك أشعر بأن كتفي قد انخلع.
تنهدت بعمق: هذا أيضا ليس خطأي. هو من قام بإلقاء مفتاح باب الغرفة من النافذة!
قلتها أشير إلى كريس الذي بدى الإستغراب على وجهه وقال عاقدا حاجبيه: سيغضب أي شخص لو كان في مكاني.
أردف بنبرة إستياء أيقنت أنها مزيفة: لقد تغاضيت عن تجاهلك لي في المشفى، لم تقومي بزيارتي طوال الفترة الماضية وعندما عدت للمنزل لم تكوني موجودة. اليس من حقي ان اغضب؟
أجفلت بذعر عندما زمجرت أمي بحزم: هل هذا صحيح!
أومأت بتوتر: ن. نعم ولكن. أنا لي أسبابي! إنه ي.
عندما لمعت عيناه العسليتان بخبث وزفرت تيا بلا حيلة فقدت أعصابي لأقول بحدة: أمي. أبي! انتما لا تعلمان أنه قام بإهانة جوردن في المشفى! لقد ظل يقول كلمات مهينة قاسية ولم يبالي بمشاعره.
عقد أبي حاجبيه متمتما: جوردن!
أضاف يحدق إلى بعدم استيعاب: بغض النظر عن أمر جوردن، هل حقا توقفتِ عن زيارة زوجك في المشفى! هل هذا صحيح بحق الإله؟
أجبته بإمتعاض: نعم صحيح! لماذا تجاهلت أمر جوردن يا أبي؟
لا يوجد ما تبررين به فعلتك! عندما تتوقفين عن الإهتمام بزوجك وهو طريح الفراش في المشفى فهو أمر لا يغتفر لم نقم بتربيتك عليه يا شارلوت! الأمر لم يقتصر على مجيئك إلى هنا دون علمه. اليس هذا كثير جداً.
شعرت بالغضب الشديد مقابل عينان عسليتان تلمعان ببريق الإنتصار، بل وأشار لي بأنامله برقم ثلاثة فاستقبلت ما يعنيه فوراً، هو يشير إلى تفوقه بثلاث مرات جعلت أمي وأبي يقفان في صفه، هذا اللعين المستغل!، كدت أنقض عليه لولا صوت ساخر خلفي: أبي، أمي. يوجد ما قمتما بتربيتها عليه ايضاً، الصراحة والوضوح مع الذات. أي تجاهل الأشخاص اللذين قد يسببون ضيق مفاجئ في التنفس وترك الأمور المستفزة جانباً.
التفت انظر إلى إيثان الذي يمسك بقارورة ماء وينظر إلى كريس بإستخفاف يجوبه إنزعاج. في حين نظر الأخير اليه بجفاء وقد اختفى التعبير المستفز الذي كان يرمقني به.
ابتسمت لإيثان مؤيدة واضعة يدي على كتفه: تماماً. قمتُ بتطبيق هذا على أرض الواقع.
رفع يده هو أيضا يضعها على رأسي وقال: كان البرنامج الذي نتابعه قبل ساعة ممتع جداً، للأسف تمت مقاطعتنا وافساد اللحظة.
ما رأيك بمشاهدته على حاسوبك؟ يمكننا تشغيله عليه ثم توصيله بشاشة التلفاز بالأعلى!
يبدو هذا ممتعاً.
حدق إلينا سام ببلاهة، بينما ظهرت الحدة على وجه كريس الذي قال: اعتقد بأنه علينا المغادرة.
تدخلت أمي معترضة: مهلاً! لا زال المطر ينهمر. من الخطر القيادة في هذا الطقس!
بدى وكأنه تذكر الأمر وأسرع يلتفت برأسه نحو النافذة، المطر ينهمر بغزارة بل وتزداد غزارته في كل حين، اختفت الاصوات في الخارج ولا بد وأن الجميع اختبئوا في منازلهم.
أيدها أبي مفكراً: لما لا نتناول العشاء معاً؟ من الصعب ان تغادروا على أي حال.
المدهش في الأمر أن كريس لم يعترض إطلاقاً، شعرت به يريد الإطالة بغرض ان يتسبب في ثوران أعصابي ويمزقها واحدة تلو الأخرى. هو يستمتع برؤية أمي وأبي يوبخانني لأخطاء يقترفها هو فيما أدفع ثمنها أنا! كيف بحق السماء كنت مشتاقة إليه؟ أشتاق إليه في حين أنني أعلم جيداً أن ما أنتظره منه لا شيء سوى السخرية والتسلط.
متى سيحين الوقت الذي استعيد به عقلي واغض بصري عن كريس؟
في المساء كنت أعد العشاء مع أمي وتيا.
بينما الجميع مع أبي في غرفة الجلوس، كما أنه أخبرني بأنه سيصلح لي باب غرفتي في الغد.
إن كان المطر لا يزال ينهمر حتى الآن، ألا يعني هذا أنه من الصعب على تيا وكريس المغادرة اليوم؟
انا بين شعوري بالسعادة والإنزعاج منه.
لقد نجح كليا في جر أمي وأبي إليه ليقفا في صفه في كل كلمة يقولها! هذا المشعوذ أي نوع من التعاويذ ألقى عليهما!
الوحيد الذي يكاد ينفجر هو إيثان، حتى انه قال بأنه سيخرج لتناول العشاء ولكن والداي رفضا بسبب الطقس، ثم قال بأنه لا شهية له. ولكن هذا أمر من الصعب تجاوزه عندما يكون أمي وأبي مصران على أن نتناول العشاء معاً.
تيا تساعدنا وتبدو مستمتعة كثيراً، كما أنها تشعر بالحماس في حديثها مع أمي!
ربما تجد أن بناء علاقة جيدة معها سيحسن من علاقتها مع إيثان أيضاً، أو ربما قد قررت التقرب إليها لأنها ترى مستقبلاً يجمعها بأخي.
أشعر بالإستياء لأجلها! أريد ان تعود المياه إلى مجاريها بينهما ولكن.
إنه عنيد جداً!
التقطت أذني سؤال أمي الموجه لتيا: هكذا إذاً، توفي والدك بينما كنتِ صغيرة، لا بد وأن هذا كان صعب جداً، وهل هذا ما جعلك طاهية ممتازة إذاً؟
ابتسمت تيا: إنها مجرد خبرة متواضعة.
أردفت وهي تقطع الخضار: اعتدت ان اطهو الطعام لي ولكريس، إنه يستمتع بتناول ما أعده وهذا يسعدني كثيراً.
لا يمانع ان يثني على ما تفعله تيا، أعتقد أنني لو طهوت له شيئاً فلن يترك عيباُ واحداً إلا ويختلقه!
هذا مريب. أشعر بالغيرة لأتفه الأسباب!
أعترف بأنني متناقضة جداً بشأن كريس، فأنا بين الرغبة في البقاء معه وبين التخلص منه!
في الحقيقة أريد أن أبقى معه بينما يبادلني مشاعري.
ولكن. هل هذا بات يهمني حقاً؟ لماذا أشعر بأن مبادلته لمشاعري لم يعد أمراً ضرورياً؟ هل سأكتفي بما أكنه له فقط؟!
بعد ساعة كان الطعام جاهزاً، نجلس جميعنا على طاولة الطعام في المطبخ نتناول العشاء، وبالنسبة لإيثان فلقد أجبره أبي على الجلوس معنا.
كنت أجلس مقابل كريس وبجانبه تيا وسام، أما إيثان وأمي فهما يجلسان بجانبي وأبي يرأس الطاولة.
تساءلت أمي بشغف: متى سأراه مجدداً؟ إنه طفل لطيف جداً ومهذب!
أيدها سام مبتسماً بحماس: جيمي هذا بريء جداً بالفعل. لا أصدق أنه ظل ينادني بخالي، يا له من شعور مذهل لا يوصف.!
رسم كريس ابتسامة هادئة وبدى وكأنه كاد يعلق لولا تدخل إيثان وهو يأكل بملل: صحيح بأنه لطيف مهذب ولكنه يشعر بنقص شديد. ماذا لو انعكس هذا لاحقا على شخصيته؟
وكزتهُ بمرفقي بقوة ليصمت فرمقني بإنزعاج، القت أمي عليه نظرة متوعدة، أما كريس فألقى على إيثان نظرة حازمة قبل ان يقول بهدوء: سترونه قريباً بلا شك.
أضاف ينظر إلى أمي وأبي: بعد أيام قليلة ستكونون معنا في رحلة تخييم في أقصى شمال مدينتنا، أراد ماكس ان يدعوكم ولكن. ربما سبقته في ذلك.
تمتم أبي بإستغراب: تخييم؟
ابتسمت تيا: ستكون الأجواء أفضل من كل سنة بلا شك بتواجدكم. كلما كان العدد أكبر كلما كان هذا ممتعاً أكثر.
علقت بحيرة: هل اعتدتم على التخييم سنويا؟ هل تمضين الوقت معهم يا تيا؟
أجابتني: نعم. ولكنني واثقة بأن هذا العام سيكون الأفضل!
علق سام بإستغراب: هل قلت بأن المخيم في شمال مدينتكم؟
أومأ كريس: نعم، هناك تسقط الثلوج بكثافة ويكون الوقت مناسبا للتخييم.
هكذا إذاً!
أردف بتململ: أذكر أنني كنت في العشرون من عمري حين اصطحبنا أبي لأسوء مخيم في العالم في غرب إحدى المحافظات البعيدة وأفسده بإشعال النار في الكوخ.
انفجرت ضاحكة مؤيدة: إنه محق يا أبي! لقد افسدت علينا الأمر برمته وأحرقت الكوخ تماماً بعد مرور ليلة واحدة فقط!
ضحكت تيا بخفوت بينما زفرت أمي بإستياء: لا تذكراني! كنت أشعر بالحماس الشديد ولكنه دمّر اللحظات التي كان من الممكن ان احتفظ بها في ذاكرتي.
اتسعت عينا أبي: لا تنسي يا ستيفاني أنك من وضع علبة الزيت بالقرب من النوافذ القريبة من المدفأة فاشتعلت الستائر! هل أنا المُلام الوحيد هنا؟
علقت متذكرة: ص. صحيح!
نفي كريس مبتسماً: لا تقلقوا لن يكون هناك أي حرائق هذه المرة.
مرر سام يده على كتفه متألما وقال: أرجو ذلك. حسنا لقد قبلت الدعوة.
مرت لحظات كان الجميع يتحدث فيها حتى بتر أحاديثنا هذه انقطاع التيار الكهربائي فجأة وفي أقل من لحظة قد عاد مجدداً!
نظرنا إلى بعضنا لثواني ثم تنهدنا براحة.
علقت تيا بتوجس: من الجيد أنه قد عاد فوراً.
تساءلت امي: هل تخافين الظلام؟
أجابتها ممررة يدها في شعرها بتوتر: ليس تماماً.
وقف أبي بسرعة وأخرج من إحدى خزانات المطبخ بعض الشموع متمتماً: لنضعها بالقرب منا في حالة انقطاعه لفترة طويلة، الطقس يزداد سوءاً وربما لا يعود التيار بسرعة.
وهذا ما حدث!
انقطع مجدداً وهذه المرة لم يعد بسرعة مما أجبرنا على إشعال الشموع ووضعها في المطبخ وبقينا جالسون على طاولة الطعام.
المكان مظلم تماما سوى من هذه الشموع التي أسدت لنا خدمة النظر إلى بعضنا وحسب، كما لا نسمع أي شيء عدى المطر وزخاته القوية على النوافذ.
علق سام ضاحكا بسخرية: ألا يبدو الأمر وكأنها جلسة تحضير الأرواح؟
علق إيثان بإستهزاء: اليس هذا ما تتمناه أنت؟
بصراحة نعم!
علق أبي بخبث: ماذا عن استغلال هذا اللحظات؟
أيده سام بنبرة مماثلة: ماذا عن سرد بعض القصص المرعبة مثلاً؟
تلى جملته صوت عالي للرعد انتفضت تيا على إثره بوضوح!
نظر كريس إليها فأسرعت تخفض رأسها وتقرب كرسيها منه.
ارتفع حاجباي مفكرة في إن كانت تخشى معالم الشتاء كالرعد مثلاً!
لمحت إيثان الذي يحدق إليها بصمت وقد بادلته هي النظرات بدورها.
ومع ذلك قال سام بمكر: لدينا رائحة خوف هنا. يمكنني استنشاقها بوضوح!
نفيت تيا بسرعة: الأمر لا يتعلق بالأشباح وما شابه.
هكذا إذاً. هل يمكنك مشاركتنا موقف مرعب تثبتي من خلاله أنكِ لا تخشين الأشباح؟
قالها بتحدي ساخر فقالت متنهدة: لم أصادف موقفاً كهذا، ولكن.
فكرت قليلا قبل أن تسترسل: كريس مرّ ببعض التجارب الغريبة قليلاً.
اعتراني الفضول والإهتمام الشيد لأوجه إليه جُل حواسي، أسرع أبي يسأله بحيرة: هل هذا صحيح؟
لمعت عيناه العسليتان ببريق اصفر عكسته الشموع في هذا الظلام وهو يقول: الأمر بأنني اعتدت الجلوس لوقت طويل في منزلي المطل على الشاطئ وحدي.
تدخلت بحماس: إذاً؟
نظر إلى لثواني بترقب فطرفت بعيني ببطء، أعلم بأنني أتحدث بحماس ولكنني أحب هذه المواضيع كثيراً واشعر بالشغف نحوها!
قال أخيراً: لم يحدث أمراً محدداً، وإنما بعض الأشياء التي لفتت إنتباهي، نومي ثقيل جداً ولكنني في مرة قد استيقظت مبكراً وجدت حوض الإستحمام مملوء بماء ساخن بدى وكأن شخص ما قد ملأه قبل لحظات من استيقاظي فقط.
اتسعت عيناي وكذلك الجميع في حين قالت تيا: أخبرته أن يعود إلى منزل العائلة ولكنه لم يفعل.
أضافت بحيرة: كما أنه أخبرني ذات مرة بأنه لمح شخص يتأرجح على الأرجوحة المقابلة لمدخل منزله ولكن أسرع ليتأكد مما يراه ولم يجد شيئا وكانت الأرجوحة في حالة من السكون التام.
ارتفع حاجباي هامسة: شخص يتأرجح. ما هذا بحق الإله!
همس سام بحذر: ربما منزلك مسكون يا صاح!
ابتسم كريس: ليس بالشيء الكبير.
علق أبي مفكراً: إنه يذكرني بموقف قد ذكره أحد زملائي في العمل عندما اضطر هو وشخص آخر التأخر في المؤسسة لإنهاء بعض الأعمال.
نظرنا إليه فشبك يديه أسفل ذقنه مردفاً: كان كل واحد منهما يجلس على مكتبه الخاص، بجانب بعضهما. وبينما كانا منهمكان جداً دخل عليهما المدير التنفيذي وسألهما عن سبب تأخرهما وعن الوقت الذي سينهيان عملهما به وبدى هادئاً جدا على غير العادة وعندما غادر.
تكتف إيثان بإهتمام في حين عقدت حاجباي بإندماج وحذر، كريس بدى مهتما كذلك هو وتيا، أكمل أبي بصوت منخفض: ولكن هاذان الإثنان بعد بضع دقائق نظرا إلى بعضهما بإستيعاب متذكران أن المدير قد أخذ إجازة وسافر بها ولم يعد بعد.
شهقت تيا بدهشة وكذلك فعلت، عقد كريس حاجبيه للحظة قبل ان يقول: كان من الممكن النظر إلى الآت التصوير ليتأكدا من الأمر.
فرقع أبي بإصبعه بثقة وقال مبتسما: تماما. وهذا ما اقترحته عليهما ولكن المدهش في الأمر أن آلة التصوير أظهرتهما يتحدثان مع اللاشيء.
همست تيا بتوجس: يا الهي. كان شبح بالفعل!
علقت أمي متنهدة: بصراحة شعرت بالقلق على مارك عندما أخبرني بهذا الموقف. تساءلت حينها ماذا لو رأى في ليلة ما شبحاً فجأة. لهذا أحذره من التأخر في المؤسسة ولو فعلها فسأذهب لجلبه بنفسي.
ضحكت تيا بهدوء ثم نظرت إلى متسائلة: ماذا عنكِ؟!
ابتسمتُ واضعة كلتا يداي على الطاولة هامسة: لم أمر في تجربة مشابهة ولكنني سمعت أمورا غريبة من بعض الزملاء في الجامعة.
أردفتُ اتجاهل تحديق كريس التام والمتمعن: عندما كنا نذهب إلى بعض دروس المشرحة ظننت أن البعض يحاول إخافتي بشأنها، ولكنني فيما بعد أدركت قصة قد شهدها أحد الطلاب اللذين تخرجوا، سمعتُ بأنه وبينما كان لا يزال طالبا في السنة الثانية فقط، اضطر للعودة إلى المشرحة عندما نسي بعض حاجياته هناك، دخل دون رفاقه وأخذ ما يريده ولكنه للحظة لمح أحد أبواب ثلاجات المشرحة مفتوحاً قليلاً. استنكر الأمر ولكنه لم يبالي كثيرا وإنما أغلقها واراد ان يخرج، ولكنه سمع صوت الباب يُفتح مجدداً فظن أن مشكلة ما متعلقة في باب الثلاجة.
أضفت وقد شعرت بالقشعريرة متذكرة سرد الزملاء الأمر لي: ولكن في المرة الثانية عندما أغلق الباب أجفل مذهولا عندما فُتحت جميع الأبواب الأخرى بشكل مفاجئ، هرب من الغرفة وهو يصرخ وانتشر أمر ما حدث في الجامعة وظل الجميع في حالة من الرعب مؤقتاً حتى نسوا ما جرى. ولكن هذا الشخص لا يزال مصرا على حقيقة ما جرى ويقسم للجميع أن الأبواب فتحت أمامه في وقت واحد وبشكل مفاجئ.
عقدت تيا حاجبيها: هذا غريب جداً! بل مرعب!
علق سام بإشمئزاز: لهذا لا أفكر يوماً في بذل مجهود يتعلق بتخصص التمريض أو الطب.
تمتم إيثان: لا شيء مستحيل في هذا العالم. مع أنني لم أمر في أي تجربة مشابهة ولكنني أصدق أمور كهذه.
بعد جملته هذه عاد التيار الكهربائي ينير المكان أخيراً!
امتعض سام بأسى: لا! لماذا الآن لقد كنت مستمتعاً.
انتهت جلسة الأحاديث الممتعة والمرعبة هذه وجلسنا في غرفة الجلوس، تيا وأمي وأبي على الأريكة ذاتها، كريس وسام معاً في حين أجلس بجانب إيثان الذي أجبره أبي مجدداً وطلب منه الجلوس مؤقتا.
همست له بصوت منخفض: اجلس قليلا لأجل أمي وأبي فقط.
كان متكتفا وعلى وجهه تعبير منزعج وعندما همست له بذلك رمقني بطرف عينه ولم يعلق.
أراه يختلس النظرات نحو تيا في كل حين، كما أنني لمحتها تنظر إليه كذلك، بلا شك فالأمر يضايقها. إنها تنتظر فرصة تسنح لها بالحديث معه على الأغلب.
تيا:
من الصعب وصف هذه الأجواء الدافئة!
أجواء عائلية لم أشعر بها أبداً.
شارلوت محظوظة جداً، لديها شقيقان ووالدان. يمكنهم تعويضها عن أي نقص قد تشعر به يوماً، في حين أرى في كريس كل عائلتي. شقيق وأب وصديق مقرب.
ومع ذلك أعترف أن ما شعرت به اليوم جعلني أتمنى لو كنت مكان شارلوت.
بلا شك. أفضل وقت قد يمضيه المرء هو الوقت الذي يكون فيه بجانب عائلته، بل عندما تحتويه هذه العائلة من كل جانب. إنه ثراء بمعنى الكلمة!
أتساءل إن كان كريس يشعر بما أشعر به، إن كان يرى الآن والدا شارلوت على حقيقتهما اللطيفة.
بل وأنني لاحظت تحيزهما له مما يزعج شارلوت وإيثان كثيراً. انهما يفعلنا هذا بالرغم من انني حاولت تحريضهما لنصر شارلوت!
أعتقد بأن الأحلام التي رسمتها مع إيثان لربما ستكون أجمل ما قد أعيشه لو تحققت، حينها سيكون كل من سام وشارلوت بمثابة أشقائي، وسأحصل على والدان أستطيع اللجوء إليهما في الصعاب. في النهاية هذه الأجواء العائلية هي ما قد أستطيع الإحتماء بها من أعاصير هذه الحياة.
تنهدت بعمق شديد لفت إنتباه الجميع!
توترت قليلا ومع ذلك ابتسمت بهدوء، وبعدها أتى ذلك السؤال الذي أحرجني من السيدة ستيفاني: تيا عذرا على فظاظتي ولكن، فتاة بجمالك ولطافتك لماذا لا تزال غير متزوجة حتى الآن؟ إن كان السؤال يقتحم خصوصيتك فتجاهليه وحسب!
نفيت بسرعة: لا بأس.
ثم القيت نظرة إلى إيثان أخفيت خلفها حزني وضيقي، وقلت ابتسم أدفن مرارتي: شكرا على الإطراء سيدة ستيفاني. ولكن. ربما لم يحن الوقت بعد لأرتبط وهذا كل شيء.
رمقني كريس بنظرة هادئة وهو يتفحص ردة فعلي التي رسمت على وجهي قبل ان يبعد عينيه مجدداً، إنه يفهم ما أمر به. ولكن الوحيد الذي أريد منه أن يفهمني هو إيثان!
لوت ستيفاني شفتيها بإمتعاض: هذا حقاً مؤسف! أراهن على أنه يوجد من يتمنى مواعدتك ولكن ربما ت.
قاطعها صوت ساخر: من قد يرغب في مواعدتها بحق الإله.
لم يكن سواه! نظرت إليه بإنكسار تام ولكنني محيته ببراعة أؤيده مبتسمة: إنه محق لدي شخصية صعبة الفهم بعض الشيء وسيكون الأمر معقداً.
علق والده بغيض: ما الذي يدفعك للتحدث بوقاحة هكذا! كن أكثر تهذيبا ولطفا يا إيثان من فضلك.
قلّب عينيه بلا إكتراث فيما تساءلت ستيفاني بحيرة: ما الذي تخططين لفعله الآن؟ أقصد. ماذا بعد العمل، هل وضعته في أولوياتك فقط؟
أجبتها مفكرة: بصراحة هذا ما كنت اهتم به طوال السنوات الماضية. ولكنني أعترف أنني بدأت افكر بعمق في أمور أخرى.
أومأت برأسها تبتسم ثم نظرت إلى شارلوت وسام بحب قبل ان تنظر أخيرا إلى إيثان وتقول: شارلوت تزوجت من كريس بعد ان كان يبدو أمرا خيالياً بالنسبة لي، ولكن. بزواجها من ابن أعز اصدقائي لهو أمر يعطيني الأمان التام، إيثان أنت في الثامنة والعشرون وعليك أن تفكر في الأمر مليا أيضاً. اللحظة التي ننتظرها بفارغ الصبر انا وأبيك هي رؤية أحفادنا. لا يمكن مقارنتها بأي حدث آخر!
خفق قلبي بإستياء شديد لذلك الإقتراح! بينما هي تريد سعادته لا تعلم أنني أحترق هنا! هي لا تملك أدنى فكرة أنني تمنيت ذلك المكان بجانبه!
بدت شارلوت متوترة قليلا وهي تنظر إلى بشيء من القلق، ولكنني ابتسمت بصمت اشبك كلتا يداي بقوة.
علق إيثان بملل: محقة. ربما على التفكير بالأمر، لا سيما وأنني أعمل في مدينة بعيدة والبقاء هناك مملاً جداً.
زميت شفتاي بقوة شديدة أمنع نفسي من النظر إليه، فلو التقت عيناي بعينه لا أستبعد ان أذرف الدموع المستاءة أمامه فجأة.
ربما إيثان توقف عن حبي بالفعل.!
هو لا يعارض فكرة والدته حتى.
ابتسم مارك: وأنتِ يا تيا لا تؤجلي موضوع الزواج كثيراً! أنت فتاة طيبة القلب وأتوق لرؤيتك تصوغين عائلتك بنفسك.
أومأت على مضض حتى أتى تعليق هازئ آخر: عن أي عائلة تتحدث! أبي لا تحكم على المظاهر، أي نوع من العائلات قد تنشؤها يا ترى؟
أردف مبتسما بملل: أي قيم قد تغرسها في أبنائها مثلاً؟
رمقه كريس بحدة: ما الذي تحاول قوله!
ما يحاول قوله واضح جداً.
أشعر بأنه وجه طعنة قوية إلي! عقدت شارلوت حاجبيها بغيض: إيثان أنت تتمادى كثيراً!
ولكنه زمجر بحزم: أنا لا أتمادى وإنما أتحدث عن واقع! الحكم على المظاهر هو أكبر خطأ قد يقترفه المرء!
تدخل مارك: على رسلك! لا أدري عن طبيعة علاقتكما ولكن ما تقوله كثير جداً يا بني هذا يكفي!
أيدته ستيفاني بإنزعاج: إن كنت تراها بعكس ما نراها نحن فهو شأنك وحدك لا تقحمنا فيه!
نفي برأسه بإستهزاء شديد وقد لمعت عيناه الخضراوان بالإستخفاف: انتما مخدوعان تماماً. لنتخيل أنها أنشأت عائلتها الخاصة، مبارك لها وهنيئا على ذلك ولكن. ما نوع تلك القيم بحق الإله؟ الحث على الغدر بالآخرين مثلاً؟ التخلي عن المرء في حاجته؟ أو ربما التحيز إلى بعض الأشخاص ظلماً. فليكن، لكل عائلة مبادئها الخاصة.
دمعت عيناي دون شعور فأسرعت أطرق رأسي، شعرت بيد كريس على يدي وهو يقول بغضب: انتبه لفمك جيداً! لا تخبرني أنك الرجل الذي سينشئ عائلته مستخدما حكمته في غرس أفضل الفضائل فيها، دعني أخمن. ستربي أبناؤك على التخفي خلف قناع مزيف؟ أولم يكن هذا ما فعلته أنت منذ البداية! ستريهم الكذب؟ الطريقة الصحيحة والأنسب للخداع والاحتيال؟ لا عجب.
احتدت عيناه الخضراوان بغضب مماثل ومع ذلك بدى أنه حافظ على رباطة جأشه متمتما بجفاء: ماذا عن تعليمهم تشكيل فريق لا يقهر قائم على التخلص من الآخرين بتوريطهم في قضايا لا تعنيهم؟
ازدردت ريقي بصعوبة وتلى ذلك الدمعة التي سقطت على حجري وتلاها أخرى تلو الأخرى!
اللعنة. إنني أبكي بصمت ويجب ان اتمالك نفسي قبل أن ينتبه لي أحدهم!
وقفت شارلوت بغضب: إيثان توقف عن هذا من فضلك! كف عن تفريغ غضبك فيها! أنت قاسِ جداً أرجوك تعقل، ألم أخبرك مسبقا أن الجميع مخطئ في هذا الموضوع! ثم لماذا لازلت متعلق بشدة بمساوئ هذه العلاقة؟ ماذا عن تذكر الإيجابيات التي خضتها!
ولكنه كان بارد الأعصاب وهو يضع قدما على الأخرى بلا مبالاة! تدخلت والدته بقلق: ما الذي يحدث بحق الإله. ع. على كل حال لننسى الأمر رجاءً!
أيدها مارك وهو يلقي على إيثان نظرة خاطفة: هذا يكفي. لنغير الموضوع.
تدخل سام بهدوء: ماذا عن مشاهدة شيء ما؟
أيدته ستيفاني وحينها وضع أحد الأفلام على التلفاز، لم أجرؤ على رفع عيناي وانتظرت حتى تجف دموعي.
ابعد كريس يده عن يدي وقد همس لي بصوت منخفض: لا تبكي أمامهم لأجل هذا الوغد!
أومأت بصمت وبعدها حاولت ان أكون على طبيعتي.
كل شيء تحطم تماما أمام عيناي. كل شيء قد هُدم بقسوة.
من الواضح أن هذه العلاقة لن تعود إلى طبيعتها أبداً.
يا ترى.
هل حقا أستحق كل هذا!
هل تضحيتي لأجل كريس أتت بنتائج عكسية كما لم أتوقع!
انتفضت قليلا عندما وقف إيثان فجأة وقال بتبرم: سأصعد إلى غرفتي.
ولكن والده اعترض: مهلا، لا زال الوقت مبكراً!
نفي ممرا يده في شعره البني: أشعر بأن الهواء ثقيل لسبب ما وأرغب في الصعود إلى غرفتي.
زميت شفتاي أحاول أن أبتلع تلك الإهانة بصعوبة!
إنه يحاول اقناعه بأن يجلس قليلاً، أعلم أنه والده يريد ان تعود المياه إلى مجاريها بين ابنه وكريس ولكن.
في المقابل أنا انصت إلى كلمات قاسية جداً!
كريس أشعر به يحاول جاهدا أن يحافظ على أعصابه حتى لا ينفجر أيضاً.
أنا. بدأت أدرك أنني على شفى حفرة من التهور والجنون.
شارلوت:
هذه قسوة!
ان تتم معاملتها بهذه الطريقة لهي قسوة بالفعل وهذا كثير جداً، هي لا زالت تحبه ولكن هذا ما يجازيها به.
أبي يحاول اقناعه بأن يجلس قليلا ولكنه يرفض!
دون سابق إنذار وقفت تيا دون أن تنظر إلى أحدنا، نظر إليها كريس بإستنكار وترقب في حين قالت هي بنبرة غريبة تميل للهدوء: السيد مارك يريدك أن تجلس مع الجميع، أعلم أن الهواء ثقيل بوجودي، لذا لا بأس. يمكنك أن تجلس الآن.
هاه! ما الذي تقوله فجأة!
تحركتْ وقد لاحقها إيثان بنظراته بينما وقف كريس بصعوبة بسبب إصابته وتساءل بحزم: تيا، إلى أين تذهبين؟
ولكنها لم تجبه، اتجهت نحو الباب فاتجه كريس خلفها وكذلك فعلت.
فتحت بدورها الباب وحينها اندفع للوراء جراء الريح والمطر الذي بلل المدخل فوراً.
سحقا المطر ينهمر بغزارة ما الذي تحاول تيا فعله! أن تخرج في هذا الطقس؟
هل فقدت عقلها!
تبعها كريس بغضب: توقفي.
ولكنها لم تلتفت، امسك بذراعها فدفعته وخرجت وسط دهشتنا!
اسرع كريس خلفها ولكنني أمسكت بيده بحزم: هذا الطقس لا يناسبك أيها الأحمق! ماذا لو أنهكتك الحساسية مجدداً!
عقد حاجبيه بإنزعاج فأسرعت أقول: إيثان اتبعها بسرعة.
ولكنه رفع حاجبه الأيسر وظل واقفا ينظر إلى بشيء من الحزم، تدخل أبي بنبرة حادة: صحيح، أنت من بدأ هذا وعليك ان تنهي هذه المشكلة.
اقترب سام متنهدا: ما الذي تنتظره؟ ألا ترى سوء هذا الطقس بحق الإله؟ ثم الم يكن واضحا خوفها قبل قليل من الرعد بينما كنا على طاولة الطعام.
حسنا انا معجبة بدقة ملاحظة سام واستنتاجه السريع رغم أنها لم توضح هذا بعد.
نظرت أمي إلى إيثان بغضب: إلى متى ستظل واقفا هنا! أسرع واتبعها.
أغمض عينيه بإنزعاج شديد ثم فتحهما ينظر إلى كريس بحقد واضح! تبادلا النظرات حتى زفر كريس بنفاذ صبر: هل سيطول هذا؟!
تقدم إيثان ليأخذ معطفا معلقا عند الباب وهمس قبل أن يخرج بسخط: سحقاً.
التعليقات