صمت ملى المكان بعد اللي قالته، كان بيرمقها بنظرات هادية متفحصة عكس اللي اتوقعته، اتوقعت يثور، اتوقعت يتعصب ويهددها، حتى اتوقعت يرفع إيده عليها، ولكن العكس تمامًا بل فضل على وضعه وكإنها مقالتش حاجة، ارتجفت إيديها المتمسكة بالشنطة وهي مستنية العاصفة اللي بعد الهدوء ده كله تخرج في أي لحظة.
أما هو فبعد صمت طويل قال بنبرة غريبة عليها_لـيش؟!
رفعت عيونها بحدقتيها المهتزة ليه، مكانتش قادرة تبص في وشه، من خوفها منه من ناحية
ومن خوفها من مشاعرها من وقت ما شافته من ناحية تانية
واللي عصبها اكتر هدوئه الغريب اللي متعودتش عليه فيه فخلاها في موقف محرج، وبإنفعال قالت_هو إيه اللي ليه؟!
بقولك هتطلقني يا عامر، هتطلقني وتسيبني أمشي من المكان ده
وننسى كل حاجة
أنتَ تنسى إنك كنت تعرف واحدة اسمها يقين، تنسى كل اللي حصل طول الفترة اللي فاتت، وأنا هنسى كل اللي فات، همحي أي حاجة سمعتها أو عرفتها عنك
هبدأ من جديد يا عامر
بعيد عن يوسف وذكرياته وكدبه
وبعيد عنك…
قالت جملتها الأخيرة وهي بتتنهد بضعف، كان بيسمع كلامها وعلى وشه برود غريب وكإن كل اللي قالته ده مكانش مأثر فيه.
فسأل بحذر_وإلا؟
بلهجة قوية حاولت تستمدها ردت_وإلا زي ما قولتلك
هحكي لوكيل النيابة كل حاجة، ازاي اتخطفت وازاي هددتني
هحكي عن تهريبك للسلاح
هحكي عن كل حاجة وعليا وعلى أعدائي يا عامر، مبقاش فيه حاجة أخسرها أكتر من اللي خسرته!
اتنفضت بهلع لما لقته وقف مرة واحدة، بلعت ريقها بإرتباك وهي متحفزة لأقل رد فعل ممكن ياخده ضدها
هي عارفة إنها أشعلت فتيله بكلامها، عارفة إن عامر مبيتهددش، مبيجيش معاه العند، عارفة إنه لو مش عايز يطلقها مش هيطلقها وتهديدها ده تبله وتشرب مايته
ولكن هل هي نفسها هتقدر تغدر بيه؟!
لما شاف انتفاضها والذعر اللي ظهر على ملامحها ابتسم وقال ببرود_خـايفة؟!
ضمت قبضتها وبإنفعال وعصبية ردت_أنا مش خايفة منك!
أصدر صوت دلالة على الرفض وهو محافظ على ابتسامته ونظراته الماكرة وقال_مش خايفة مني أنا
خايفة منك أنتِ
بصتله بتعجب وهي بتحاول تفهم كلامه، قرب منها خطوة، وبإصبعه شاور على صدرها تحديدًا موضع قلبها وقال بنبرة عميقة_خايفة من هذا..
وكإنه ضغط على جرحها في الوقت ده، اتصدمت من معرفته بتخبطها اللي هي حاساه، إنهارت كل مقاومتها، ارتعشت أناملها واتملت عيونها بالدموع اللي كانت بتحاول تمنع هطولهم، وحاشت بنظرها عنه وهي بتقول بجمود مصطنع_أنا مش فاهمة أنتَ بتتكلم عن إيه..
ارتجفت لما مد إيده ولمس أطراف دقنها واجبرها تبصله، وكإنه كان مستني دليل على كلامه، لما شاف نظرتها اللي مليانة مشاعر وصلتله
مليانة حب وضعف!
وشاف الدموع اللي مالية عيونها وكإنه ضغط على حاجة بتحاول تهرب منها، ملس بإصبعه على خدودها بحنان وهو بيقول_أنتِ خايفة من حالك يا يقين
خايفة من مشاعرك اللي بتتحرك ناحيتي
رفعت إيديها وسندتها على دراعه عشان تبعد عنه ولكنه كان متمسك بيها، وأشاحت بنظرها وهي بتقول بإرتباك ونبرة مرتعشة_عـامر..
ولكنه مرحمش ضعفها بل كمل_خايفة من قلبك اللي بيدق أول ما أكون جنبك
خايفة من عيونك اللي بتدور عليا في كل مكان، مستنكرة كيف حبيتي المهرب الحقير اللي كنتي بتقولي إنه دمر حياتك
كيف اتخليتي عن مبادئك ومشاعرك خانتك وأنتِ مش قادرة تسيطري عليها!
نزلت دموعها في الوقت ده وارتجفت شفايفها بعنف، واتوسلته بضعف_كـفاية
اتهدلت أنفاسه هو كمان وكإنه كان في صراع، هو كان في نفس صراعها، مستنكر مشاعره دي ومش مستوعبها برضه من أول يوم وهو عمر الحب ما دق بابه
أو يمكن مكانش عنده الرفاهية إنه يحب فمستغرب المشاعر دي
احتوى وشها بين إيديه الاتنين فاتمسكت هي بدراعه الاتنين أكتر، سند جبهته على جبهتها فغمضت هي دموعها بضعف وأنفاسه الساخنة بتخبط وشها كإنه بيصفعها، نزلت دموعها أكتر، أما هو كان بينهج من فرط المشاعر اللي حاسس بيه، مشتاقلها بشدة ومكانش فيه غيرها في باله طول اليومين دول
وبعد صمت قال بصوت ضعيف_أنتِ بتحبيني يا يقين
شهقت بألم لما ضرب الحقيقة في وشها، وبمجرد ما نهى كلامه هو وأدرك إن هما الاتنين وصلوا لمرحلة مش قادرين يكبتوا جماح مشاعرهم، مال ملتقط شفتيها في قبلة جموحة بتثبت المشاعر اللي بينهم هما الاتنين، كانت دموعها ما زالت بتنزل من فرط اللي حاسة بيه، عقلها رافض اللي بيحصل لكن قلبها راضي
راضي بشكل غريب بل واستكان وكإنه لقى ملاذه!
مكانش متخيل إنه ممكن ياخد رد فعل زي ده، ممكن شافها إنها تبقى قبلة وداع!
هو نفسه خايف عليها وخايف إنها تكون جنبه، شايف إنها مش شبهه، شايف إنها أنقى من كده!
سند جبهته على جبهتها وهما بيتنفسوا بعنف، أما هي فبكت وهي بتقول_مينفعش
مينفعش يا عامر صدقني
إحنا مش شبه بعض
كان ما زال صامت وهو مغمض عيونه وكإنه مش عايز اللحظة دي تعدي بالسرعة دي، أما هي فضغطت على جفونها بعنف وهي بتكمل_عمر ما هيبقى لينا مستقبل مع بعض
عمر ما جوازتنا الغريبة دي هتكمل رغم اللي قولته
عمري ما هعتبر نفسي مراتك بل بالعكس هحس إني بخون نفسي
بعدته عنها فبصلها بنظرات عميقة مليانة حب وحنان أول مرة يظهرهم من غير ما يخاف، فاتكلمت بنبرة متهدلة مليانة توسل وضعف_بالله عليك يا عامر
ارحمني من اللي حاسة بيه
سيبني أمشي بالله عليك
مد إيده ومسح دموعها بحنان وهو بيبصلها بعجز، فاتشبثت هي بإيده وقالت_مش هستسلم للي حاسة بيه، مش هسيب مشاعري تسيطر عليا
نزلت إيده ومسحت دموعها بإيديها بعنف وهي بتحاول تتمالك نفسها، ورفعت عيونها الحمرا ليه وبنبرة قوية قالت_أنا آسفة يا عامر بس مش هتنازل عن اللي قولته
يا تطلقني يا هقول لوكيل النيابة على كل حاجة
تراجع خطوتين لورا وفضل باصصلها بصمت، كإنه بيتحداها إنها تعمل كده، حست هي بغصة عنيفة بتضرب صدرها من عجزها
فاتفتح الباب ودخل وكيل النيابة في الوقت ده، قعد على كرسيه وراقب نظراتهم الغريبة لبعض، وفي الآخر اتنحنح وقال_مدام يقين
قولتيلي إن فيه حاجة مهمة تخص عامر حابة تقوليهالي
اهتز بدنها في الوقت ده وهي مسلطة نظرها عليه وسامعة كلام وكيل النيابة، أما عامر فكان ساكن بشكل غريب، بيراقبها بصمت ومستني اللي هتقوله بل وكان بيشجعها بنظراته كمان، ضمت قبضتها وضغطت على شفايفها، فحثها وكيل النيابة وقال_مدام يقين
تقدري تتكلمي براحتك، مفيش حاجة تخافي منها
اتلفتت لوكيل النيابة في الوقت ده وفضلت بصاله بصمت، جواها صراع عنيف بيدور، خناقة بين عقلها وقلبها، مش قادرة تتكلم وفنفس الوقت شايفة إن ده تحدي لمشاعرها ليه
شايفة إن دي الحاجة الوحيدة اللي هتثبت إن المشاعر دي مش حقيقية
بطرف عينها بصت لعامر، ولكن في النهاية لقت قلبها بيصرخ بحبه
مش قادرة تساعد مش أذاه
بالعكس هي عايزاه يخرج، مش قادرة تشوفه بيتألم ومش قادرة تطعنه هي كمان
رفعت عيونها المليانة دموع لوكيل النيابة تأهبًا لإنها تتكلم، ووكيل النيابة نفسه عرف إن الموضوع كبير بعد النظرات اللي دار بينهم، ولكن في النهاية خرج صوتها في الوقت ده_معنديش حاجة أقولها..
وبس ختمت جملتها وخرجت من المكتب وهي بتفتح الباب بعنف لدرجة إنه خبط في الحيطة، تابعها عامر بعيونه اللي مليانة حزن وألم، لوهلة مكانش عنده شك فيها
عارف إنه مش هتعمل كده
يقين عمرها ما تكون إنسانة مؤذية
دخل حمد في الوقت ده وهو حاسس بالتعجب من خروج يقين اللي يشبه العاصفة، فقرب من عامر بتساؤل_أخوي؟
بصله عامر وبجمود رد_خذها لأي مكان عاوزة تروحه وخليك معاها، هي في أمانتك
هز حمد راسه وخرج وهو بيجري ورا يقين، أما وكيل النيابة فشبك إيديه ببعض وهو بيقول_الظاهر المدام كان عندها كلام كتير هتقوله، بس خافت منك يا عامر
بصله عامر وابتسم باستفزاز_لو كانت عاوزة تقول حاجة كانت قالتها
حرم عامر الزيات ما بتهاب شي
أي فرد في الزيات من أكبره لأصغره ما بيهاب شي يا باشا.
استفز وكيل النيابة جملة عامر اللي كانت مليانة قوة وتحدي، فضغط على زر قدامه دخل منه اتنين عساكر بسرعة، شاورلهم ياخدوا عامر وبالفعل اتحركوا معاه لحد ما خدوه في زنزانته اللي قاعد فيها لوحده، اتحرك لجوا وفضل يلف حوالين نفسه وهو بيزفر بعجز، هو مستني إيه
بعد كل اللي عاشته يقين لازم ترفض اللي حاسة بيه، هو شايف الحب في عينيها اللي بيتبني يوم ورا يوم وكان بينكر ده
حتى هو نفسه كان بينكر مشاعره ليها
افتكر في الوقت ده قبلتهم اللي كانت مليانة مشاعر جياشة ممزوجة بدموعها، فاتجه للحائط ولكمه بقبضته وهو بيزمجر بقهر
وبعدين اتحرك وقعد على السرير وهو شارد قدامه، مش هيسيب يقين
مش هيسمح إن ده يحصل…
****
نزل حمد يجري ورا يقين اللي لقاها اختفت عن عيونه، ركب العربية واتحرك وهو بيدور في الطريق لحد ما شافها واقفة والظاهر مستنية تاكسي، كانت دموعها مغرقة عيونها بتمسحهم من حين لآخر بعنف، مش قابلة كل اللي حساه، ورافضة الفكرة اللي في دماغها ولكنها هتنفذها، لازم تمشي من هنا
لازم تبعد عن عامر وأي حاجة تخصه
وقف حمد قدامها بالعربية ونزل الشباك وهو بيقول_تعالي يا مرت أخوي
أشاحت بنظرها عنه وهي بتقول بحدة_مش عايزة، أنا مش راجعة البيت ولا هفضل في العريش أصلًا
تقدر تمشي أنتِ
ولكن بإصرار قال حمد_ما أقدر أتركك يا مرت أخوي، اركبي وهاخذك لأي مكان عاوزة تروحيه ما تقلقي
بصتله يقين بطرف عينها بتفكير أما هو كان بيتوسلها بنظراته، وفي النهاية زفرت بضيق وركبت في الكرسي اللي ورا
اتحرك حمد وهو بيبصلها من المراية اللي قدامه وشايف الألم اللي ظاهر على ملامحها ولكنه فضل ميتدخلش وقال_لوين يا مرت أخوي؟
ردت وهي شاردة في الطريق_اطلع على مصر الجديدة
لاحظت صمته فبصتله تراقب ملامحه اللي باين عليها التردد من المراية، فاتهكمت ملامحها وقالت ساخرة_إيه؟
مش قولت مش هتعترض ولا غيرت رأيك؟!
اتنهد حمد بعجز ورد في النهاية_اللي تشوفيه يا مرت أخوي
وبالفعل بعد مرور أقل ٥ ساعات تقريبا كانوا وصلوا القاهرة
كانت طول الطريق صامتة تمامًا، ساندة راسها على الزجاج وسارحة في الفراغ، والحقيقة كانت بتراجع كل ذكرياتها مع عامر
فيه غصة متحكمة في قلبها، بتتألم من فكرة إنها مش هتبقى موجودة في حياته تاني
حتى جواد، زعلانة إنها هتسيبه بعد ما اتعلقت بيه واتعلق بيها واعتبرها أمه فعلًا
هي عارفة إنها أنانية بتصرفها ده
بس لازم تنجو
لازم تنجو بقلبها!
قدرت تميز شوارع القاهرة اللي اتعودت عليها واشتاقتلها، كان بقالها مدة كبيرة مبتتمشاش فيها زي ما كانت بتحب
فتحت زجاج العربية وطلعت راسها برا وهي بتشم الهواء بعمق
وبعدين قالت لحمد_خدني على شقتي
شافت التردد اللي ظاهر عليه، مكانش عاجبه الحال اللي وصلت ليه هي وعامر وهو مدرك كويس هي غالية عنده قد إيه، فبصتله يقين وقالت بسخرية_أكيد عارف هي فين، ما أنتوا دخلتوها قبل كده وجيبتوا صوري وورقي عشان كتب الكتاب!
مردش عليها حمد بل غير اتجاهه لمكان شقتها فعلا فابتسمت يقين وأشاحت بنظرها عنه بسخرية.
وصلوا للعمارة اللي فيها شقتها، نزلت من العربية وهي بتقفل الباب بعنف وكإنها بتودع كل ذكرياتها في الوقت ده
متأملة إنها مش هترجع تاني
إنها مش هتشوف عامر تاني رغم الوجع اللي حاسة بيه
دخلت العمارة أما حمد ففضل واقف مكانه يتابعها، طلعت لفوق لشقتها، وقفت قدام الباب وهي بتبصله بمشاعر مختلطة بعد أيام طويلة من الغياب
لأول مرة تحس إن ده مش مكانها
بعد الكدبة اللي عاشتها مع يوسف ده مبقاش مكانها فعلًا
اتنهدت بقلة حيلة وطلعت مفتاحها من الشنطة، حاولت تفتح الباب ولكنه مكانش بيتفتح!
عقدت حواجبها بتعجب، المفتاح مكانش بيدخل في الباب أصلًا، ولكنها كانت بتعافر وهي بتحاول تفتح الباب ودموعها نزلت غصب عنها
كل الأماكن رفضاها حتى شقتها!
_مدام يقين!
انتفضت بفزع على الصوت اللي وراها، واللي اكتشفت إنه البواب، حطت إيديها على صدرها وهي بتتنفس براحة عشان تتمالك نفسها، فاتكلم البواب_حمدلله على سلامتك يا مدام يقين
طولتي في الغيبة
اتكلمت بصوت حاولت يكون طبيعي_الله يسلمك يا عم ابراهيم
بحاول أفتح الباب مش راضي
عقد حواجبه وقال_أنتِ معرفتيش؟!
قربت منه وهي بتبصله بتعجب وسألت_عرفت إيه؟!
رد_مدام إكرام حماة حضرتك من فترة جابت نجار وفتحت الباب وبعتت شنطة هدوم وحاجات حضرتك لبيت أهلك وبعدين غيرت الكالون بتاع الباب
اتجمدت يقين مكانها وزاغت عيونها بالدموع، حست بالعجز في الوقت ده، سابته واتحركت على تحت من غير ما ترد عليه تحت نظراته المتعجبة خصوصًا من ملابسها اللي أول مرة يشوفها عليها وبالذات في نواحي القاهرة،
كانت ساندة بإيديها على السلم وهي نازلة في حين حاسة بإنها هتفقد توازنها، نزلت دموعها بغزارة على وشها وارتفع صدرها من أنفاسها السريعة
خرجت من البيت وهي حاسة بالتوهان، مش عارفة ممكن تروح فين، متقدرش ترجع لبيت أهلها وهي عارفة إنهم استحالة يتقبلوها وكانت متوقعة تصرف أهل يوسف ولكن لوهلة كان عندها أمل إن ميحصلش دا!
نزل حمد من العربية بسرعة وجري عليها وهو بيقول بقلق_مرت أخوي
وش فيك؟!
اتعمد إنه يسيب مساحة بينهم وميلمسهاش عشان يراعي حرمة رب عمله ولكن كان ظاهر عليه القلق والخوف، سندت يقين على العربية ونزلت راسها في الأرض وهي بتضغط على جفونها وبتقول_اتطردت من الشقة
اهلي اتبروا مني
خسرت شغلي
مبقاش فيه مكان أروحه!
حس حمد بالأسى عليها فاتنحنح وهو بيقول بتردد_تحبي نرجع الدار؟!
رفعت جسمها مرة واحدة ومسحت دموعها وهي بتقول قبل ما تدخل العربية_خدني لمدينة نصر
حس حمد بالضيق، هو كل الوقت ده بيسايرها زي ما قاله عامر ولكن هو مش عايز كل اللي بيحصل ده، هو شايف إن مكانها جنب عامر، هي الوحيدة اللي قادرة تهون على رب عمله حاجات كتير ومش مدركة ده
وفي النهاية اتحرك بالفعل للمكان اللي قالتله عليه.
دخلت أحد العماير وطلع وراها حمد، فاتلفتت وبصتله برفعة حاجب بتساؤل، فوقف هو ونكس راسه في الأرض وقال_اعذريني يا مرت أخوي، لازم اتطمن عليكي الأول
زفرت بنفاذ صبر وهي عارفة ومدركة إنه استحالة يسيبها ويمشي كالعادة، فطلعت لشقة من الشقق، دقت على جرس الباب لحد ما خرجت منها مها صديقتها واللي كانت شغالة معاها في نفس الجريدة وكمان ساعدتها في سفرية العريش
اللي أول ما شافتها شهقت بصدمة وهتفت_يـقيـن!
بدون تردد ضمتها يقين وفضلت تبكي من غير ما تتكلم، هي كانت محتاجة بس كتف تسند راسها عليه، محتاجة حد يضمها ويسمعها، الوحدة قتلتها طول الفترة اللي فاتت.
كانت مها ضماها وهو بتربت على ظهرها في حين بتقول_اهدي اهدي
مالك بس يا حبيبتي!
رفعت نظرها لحمد وملابسه الغريبة بتعجب، كانت عارفة حكاية جوازها من واحد من العريش، ولما اتطمن حمد على يقين سابها ونزل ولكن فضل قاعد في العربية قدام البيت عشان يفضل حارسها ومتطمن عليها زي ما عامر قاله
أما يقين فبعدت عن مها وهي بتمسح دموعها وبتقول_محتاجة ارتاح بس يا مها
أنا كل اللي محتاجاه إني أرتاح
ومش لاقية أي مكان أروحه، كل البيبان مقفولة في وشي يا مها، مش عارفة أروح فين!
قالتها بضعف ووجع، فربتت مها على كتفها بحنان ودفعتها بخفة عشان تدخل وهي بتقولي_تعالي بس
وأنا روحت فين؟!
دخلت يقين معاها لجوا وقفلت مها الباب بعد ما إتأكدت إن حمد مشي..
****
صحي جواد من نومه وهو بيدلك عيونه بقبضته الصغيرة في حين بيهتف_ماما يقين…
ولما ملقاش رد بص حواليه بتعجب واتحرك ناحية الحمام وهو بيخبط عليه وبيقول_ماما يقين أنتِ جوا؟!
مفيش أي أثر ولا صوت، ودي حاجة خلته يرتجف ودموعه تنزل على وشه وهو حاسس بالهلع والفزع، فخرج بسرعة ونزل وهو بيجري لحد ما وصل عند غرفة المجلس اللي كان فيها نساء العيلة وهما متجمعين، انتفضت عهود لما شافته بيبكي بالشكل ده وجريت عليه شالته وهي بتضمه وبتقول_وش فيك يا قلب عمتك؟!
بتبكي ليش؟!
من بين شهقاته_وين ماما يقين
كانت نايمة جنبي
وين راحت؟!
زفرت فاطمة بضيق لما شافت حفيدها في الوضع ده وخصوصًا عشان يقين، مكانش عاجبها نهائي تعلقه بيها وهي عارفة إن مسيرها تمشي من هنا، فطبطت عهود عليه وهي بتقول_ما تبكي، تلاقيها هنا ولا هنا يا عيوني
هز جواد راسه بالرفض وقال وهو بيبكي_لا هي تركتني ومشيت كيف أبوي
_يــوه ما كفاية عاد!
ما بقى غير المصراوية اللي نبكي عليها!
وكمان إيش ماما يقين هذي!
هتفت فاطمة بالجملة دي بعصبية شديدة وكإنه بتطلع كرهها ليقين فيه، فبكى جواد أكتر. من انفعال جدته عليه، ضمته عهود وهي بتهدهده وبتنهر والدتها_وش فيك ياما
جواد بعده صغير ما يدرى بشي!
فاتكلمت فاطمة بقوة_الصغير بكرا يكبر
ولازم يتعلم يصير راجل من دلوقت، وكمان أنا ساكتة على تعلقه بالمصراوية بس هذا كتير!
هزت عهود راسها بعدم استيعاب من اللي بتقوله، دخل عايد في الوقت ده اللي كان ظاهر عليه علامات قلة النوم والاجهاد، فقابلته عهود بلهفة_وينها يقين مرت أخوي يا أخوي؟
اتنهد عايد ورد_حمد كلمني وقال
راحت لعامر الصبح بدري، وبعدين خدها على مصر، قال عامر قاله ياخذها وين ما رايدة
بكى جواد أكتر وهو بيقول_ما قلت لك، ماما يقين تركتني كيف أبوي!
انفعلت فاطمة بعد الكلام اللي سمعته من عايد وهتفت_هربت
هذي الملعونة هربت لما عرفت إنها هتنكشف
أنا هعرفها كيف تسوي كذه، أنا متأكدة إنها هي اللي ورا اللي صار!
مسح عايد على وشه بنفاذ صبر من كلام أمه اللي مبتقولش غيره بقالها يومين، وشاور لعهود تاخد جواد وتخرج من هنا، وبالفعل اتحرك ولكن قامت معاها ليلى وهناء عشان يلعبوا معاه ويهدوه
ليلى اللي كانت حاسة بفرحة شديدة بعد ما عرفت إنها مشيت، كون إنها اتخلت عن عامر في الوقت الحرج ده هيخلي مكانتها تقل عنده، وبكده ممكن يكون عندها فرصة توصله..
اتكلمت بدرية مرات عمه غالب في الوقت ده_ما عرفتوا تطلعوا بشي من سعد؟!
هز عايد راسه بضيق وقال_لأ، ضامن حياته الكلب
عارف إننا مش هنقدر نقتله قبل ما نعرف مين اللي وراه، ومستنيينهم يظهروا عشان يلحقوه لإن الظاهر هو مهم قوي عندهم
رفعت فاطمة عيونها ليه وقالت باستنكار_وعامر هيظل في الحبس لحد ما هذا الكلب ينطق!
رد عايد_ما تقلقي المحامي هيدفع كفالة ونخلي سبيل عامر لحد ما التحقيق يخلص بس مستنيين الإجراءات تخلص، ووقتها عامر بنفسه اللي هيعرف اللي ورا الكلب هذا، هو اللي هيقدر عليه
قالها واتحرك علشان يمشي، ولكن وقفته فاطمة لما قالت باستهجان_ما عاجبني صالح اللي سارح وراكم هذا
هو هيظل من الرشايدة، يعني مش عشان ابنه محبوس هو كمان تاخذوه رفيق، ما تسوي كيف ما عامر سوى، هذولا كلوا بعقله حلاوة بس هيظلوا هما أس المصايب
هاودها عايد بنفاذ صبر وهو بيربت على كتفها وبيقول_ما تشيلي هم ياما
ما تشيلي هم
قالها وسابها وخرج وهو باله مشغول في عامر اللي الدنيا كلها مقلوبة عشان يحاولوا يخرجوه..
****
مرت أيام كانت فيهم يقين معتزلة الخروج
كان نايمة دايمًا في الغرفة اللي مها خلتها تبات فيها، ومن وقت للتاني كانت بتحاول مها تخرجها عن اللي هي فيه خصوصًا بعد ما يقين حكتلها على كل حاجة
هي كانت محتاجة تبوح لحد باللي متراكم جواها بقاله كتير
الحمل بقى فوق كتفها لوحدها، كانت محتاجة حد يشيله عنها وهي كانت متأكدة إن مها استحالة تطلع سرها لحد.
صوت خبط على الباب خلاها تتعدل بعد ما كان ضهرها ليه، دخلت مها اللي كانت رجعت من شغلها في الجريدة.
اتعدلت يقين لما شافتها وابتسمت بخفة، فقربت منها مها وقعدت على السرير وقالت_يا نهار أبيض!
أنتِ لسة نايمة على السرير زي ما أنتِ!
هزت يقين راسها بصمت، كانت ملامحها شاحبة وعيونها مورمة من البكاء المستمر، ضمت مها شفايفها بأسى وقالت_يقين يا حبيبتي
حاولي تفكي كده، مش قولتلك الصبح أخري شمي هوا شوية؟!
حبستك في البيت هتتعبك أكتر
رفعت يقين خصلاتها ورجعتهم لورا وهي بتقول_مش قادرة يا مها والله
مش عايزة أخرج في حتة أو أشوف حد، حاسة إن الناس كلها هتبقى عارفاني ونظراتهم مش هتعجبني
لكزتها مها وهي بتقول_يا عبيطة مين بس هيبقى فاكرك طول المدة دي!
وبعدين الأخبار اللي نزلت اتمسحت بعدها على طول من غير ما نعرف مين اللي عمل كده
سكنت عيون يقين ورددت بصوت هادي_عامر اللي مسحهم
سكتت مها وهي بتراقب ملامح يقين اللي اتبدلت أول ما افتكرته
افتكرته!
مفيش غيره على بالها طول الأيام دي، نفسها تعرف هو عامل إيه خاصة آخر مرة كان فيه كدمات في وشه، خايفة ليكون اتسجن بالفعل، بتقاوم على قد ما تقدر فضولها وقلقها عليه اللي بيكويها من جوا
فبحذر قالت مها_مش ناوية ترجعيله؟
انتفضت يقين من كلامها، فكملت مها_أنا شايفة إنك بتحبيه يا يقين، بغض النظر عن حوار التهريب ده
بس..
نهرتها يقين وهي بتقول_بس إيه يا مها؟
مفيش أكتر من كده، بقولك مهرب
مهرب أسلحة، حتى لو مجبر على وضع زي ده بس مش هقدر
مش أنا!
ربتت مها على رجليها بدعم، هي شايفة إن الوضع صعب فعلًا، ده غير إنه غير قانوني وهي شغلتهم إنهم يكشفوا الحقايق اللي زي دي
حست يقين إن المكان بيضيق بيها، فقررت تخرج تشم هوا زي ما مها قالتلها
وبالفعل كانت مها جابتلها ملابس مناسبة ليها، مهتمتش حتى تشوف شكلها في المراية
هي مدركة كويس إنها بقت تشبه الأموات
نزلت من البيت تحت أنظار مها الحزينة على حالتها، وخرجت تتمشي في الطريق وملاحظتش خالص عربية حمد اللي كانت قدام البيت.
فضلت تتمشي لمسافة لا بأس بها، سرحانة في الطريق، كان الجو ليل شوية ولكن مش متأخر أوي
اختارت مكان هادي شوية وراحت قعدت على الكرسي، دافسة إيديها الاتنين في جيب الجاكت عشان تقاوم برودة الجو الأيام دي
لوهلة حست بحد قعد جنبها، انتفضت وقامت واتوسعت عيونها بصدمة لما لقته هو اللي جنبها، وهتفت بعدم تصديق_عـامر!
رفع عيونه ليها وشاورلها تقعد، ولكنها رفضت بل فضلت تحدق فيه بصدمة
مشاعر غريبة ساورتها في الوقت ده
ولكن كان المتغلب عليها الاشتياق!
كانت بتتأمل ملامحه بشوق رهيب، دقنه اللي طولت وخصلاته اللي مش مهذبة زي الأول بس على العكس مظهره كان جذاب أكتر، ولكن نظراته كانت دافية وغريبة، قام وقف وهو بيتأمل المكان حواليه وهو ماطط شفايفه وقال_عجبتك قاعدة مصر؟
ولكنها ردت بسؤال_أنتَ هنا إزاي؟!
قرب منها ووقف قدامها وهو باصصلها من فوق وقال بسخرية_زعلتي ولا إيش؟
كنتي متأملة إني اتسجن وتخلصي مني مش كذه؟!
سكتت ومردتش عليه، بل فضلت تبصله بعمق وهي بتتأمله بعيونها اللي اتملت بالدموع، فكمل هو_ما تقلقي، لسة قدامك فرصة تروحي تعترفي عليا وتسجنيني، أنا خارج بكفالة بس لحد ما القضية تنتهي، يعني فيكي تكملي اللي ما عرفتي تكمليه
غمضت عيونها بضعف وهي شايفة نظرات اللوم اللي في عينيه، عضت على شفايفها وقررت تسيبه وتمشي وهي بتقول_أنا لازم امشي..
ولكنها بهتت لما جذبها من دراعها وأجبرها ترجع تبصله وقال بقوة_أنتِ هتمشي فعلًا
بس معايا، أنا تركتك براحتك هذولا اليومين عشان أتركك مع حالك تفكري، بس مكانك هيفضل جنبي يا يقين!
نفضت إيديها من إيده بعنف وقالت_أنتَ هتطلقني يا عامر
قولتلك مش هينفع نفضل مع بعض افهم بقى!
ولكنه احتوى وشها بين إيديه وهو بيبصلها بنظرات مليانة حنان وقال بإصرار_مش هطلقك يا يقين
أنتِ هتفضلي مرتي، شيلي الطلاق هذا من عقلك
واللي ما نافع بالنسبالك هنخليه ينفع!
دفعت إيديها عنه بعنف وهي بتبصله بألم، واتنهدت بغصة وهي بتقول_أنا تعبت يا عامر
تعبت منك!
مبقتش فاهماك!
كإن عندك وشين، واحد دافي وحنين وقريب مني، والتاني بارد وجامد وقاسي
وش يليق بعامر الزيات!
هزت راسها وهي بتقاوم دموعها تحت نظراته العاجزة وكملت_مبقتش عارفة أصدق أنهي فيهم!
ابتسم بزاوية شفايفه بسخرية، وقال بنبرة متهكمة_مش أنتِ كذه برضك؟!
بصتله بعدم فهم، فقرب خطوة منها وهو بيميل براسه وبيقول_أوقات بتبقى يقين
يقين مراتي، وأوقات بتبقي الصحفية يقين كيف دلوقت!
ظهر عليها الوجع من كلامه اللي مسها، فرفعت عيونها ليه بكبرياء وردت_متلومنيش يا عامر، لو كنت زي ما بتقول، فأنتَ السبب
أنتَ اللي خلتني مبقتش عارفة أنا مين!
قطع الفاصل بينهم لما قرب منها أكتر واحتوى كتفها بإيديه الاتنين وهو بيبص في عيونها المعذبة وقال_أنتِ مرتي
أنتِ يقين الزيات
هزت راسها بالرفض ودفعته عشان تمشي، ولكن اتجمدت لما شافت عدد من المسلحين واقفين قدامهم وهما موجهين الأسلحة ناحيتهم
شهقت بفزع وظهر الهلع على ملامحها واتجمدت عيون عامر بصدمة، وبدون تردد جذب يقين من دراعها وقفها في ضهره يحميها بجسده وهو بينقل عينه على الملثمين اللي قدامه….
التعليقات