رواية أنشودة الأقدار الجزء الثالث للكاتبة نورهان العشري الفصل الأربعون
لما لا يُغادرنا سوى أولئك الذين خبأناهم بين طيات الروح، و أسكناهم أعماق القلب؟ لما لا يكُن الأمر عادلًا ولو لمرة واحدة و كما سِرنا سويًا برحلة العشق الزائف نمشي سويًا برحلة النسيان المُضنية، المُدججة بجمرات الشوق، و الحنين، و نوبات الغضب التي تجتاحنا حين نعلم بأن الفُراق لم يكُن باختيارنا بل أُجبرنا قسرًا عليه، فمن اختار الرحيل بملء إرادته لا شيء يُغريه بالبقاء، و من أغتيلت مشاعره بتلك الطريقة لن يفلح في التخطي ولو مضى ألف عام، حتى و لو لفحته رياح النسيان فلن تنمحي الندبات ولا آثارها بل ستظل مطبوعة بمكان من تسببوا بها.
نورهان العشري.
تجمدت بمكانها حين شاهدت آخر شخص توقعت رؤيته في حياتها.
حسام!
طافت عينيه على ملامحها بشوق كبير لم يُحاوِل إخفاءه ليُجيبها بنبرة متلهفة
حمد لله على سلامتك يا فرح.
صدمتها كانت كبيرة للحد الذي جعلها لا تقوَ على إجابته لثوان قبل أن تسمعه يقول
صدمتك دي معناها انك مكنتيش تتوقعي انك تشوفيني تاني!
تحمحمت بخفوت قبل أن تتدارك صدمتها لتقول بنبرة جامدة
بصراحة اه. هو انت هنا بتعمل ايه؟
تجاهل جمودها و فظاظة نبرتها و قال بنبرة ودودة
طب مش ممكن نقعد تحت في الكافتيريا نشرب حاجه و نتكلم براحتنا؟ يعني وقفتنا دي مش لطيفة و كمان الحرس زمانهم خدوا التعليمات من سالم بيه وزمانهم طالعين.
باغتته إجابتها الجافة حين قالت
في الحقيقة هو لا مش ممكن اروح اقعد معاك في أي مكان، ولا هينفع بردو اقف معاك كدا، ولا بيني و بينك كلام يتقال و لو في حاجه محتاج تقولها اتفضل قولها.
«حسام» بنبرة مُعاتبة
من امتى و أنتِ صعبة في التعامُل كدا يا فرح؟
«فرح» بجمود
من زمان. طول عمري عاملة حدود مع الناس ومبتخطهاش.
«حسام» بنبرة مُشجبة
بس انا مش زي كل الناس. يعني اقصد إن كان ليا حاجه حلوة جواكِ، و دي تخليكِ تتعاملي معايا بطريقة غير!
«فرح» بتهكم.
لا الحقيقة الموضوع دا تحديدًا يخليني مينفعش اتعامل معاك بأي شكل من الأشكال. انا ست متجوزة و بحترم جوزي يا أستاذ حسام.
قاطعها باستفهام ساخر
بتحترميه ولا بتخافي منه يا فرح تفرق؟
«فرح» باندهاش
بخاف منه! و دا ليه؟
«حسام» بجفاء
يمكن عشان سلطته و نفوذه.
«فرح» بنبرة جافة و قد اغضبتها طريقته في الحديث عن زوجها بتلك الطريقة.
سالم شخص محترم جدًا، و عادل فوق ما تتخيل و عمره ما بيستخدم سلطته أو نفوذه غير لخدمة الناس، و تقدر تتأكد من دا بما انك في دايرته!
«حسام» باستنكار
خدمة الناس! يا فرح قولي كلام غير دا. قولي في قطع عيش الناس، في تصفية حساباته مع الناس لكن خدمة الناس دي بعيدة شويه، و لو قصدك على شويه الحاجات اللي عملهم للفلاحين فدا شيء طبيعي اي نائب بيعمله لما ينجح عشان يكسب الناس و بعد كدا انسي.
غضبت للحد الذي برقت عينيها و احمر أنفها و كذلك وجنتيها فجاءت لهجتها جافة غاضبة
انت ايه اللي انت بتقوله دا؟ سالم عمره ما يقطع عيش حد ولا يأذي حد؟
«حسام» بسخرية
دا على كدا بقى انا حالة خاصة؟ ولا نقول اني غالي عنده شويه فأمر رئيس مجلس الإدارة برفدي و بسببه مش عارف اشتغل في مجالي بالرغم من أن السي في بتاعي فوق الممتاز بس طبعًا قصاد كلمة الباشا فهو ولا له لازمة.
تعانقت الصدمة مع الغضب بداخل صدرها فقد كان حديثه يتنافى مع ذلك الرجُل الذي لطالما رأته مثاليًا للحد الذي جعله أعظم الرجال بعينيها، لكن الآن هذا الحديث يُلطِخ صحيفته البيضاء في عينيها، و لكن انتفض قلبها نافيًا عنه حقارة تلك الإتهامات لتسيطر على ملامحها حتى لا تسمح بذلك الرجُل أن يشعُر بأن حديثه و إفتراءه قد لاقى صدى داخلها لتقول بنبرة قوية جافة.
هو فعلًا اي حاجه قصاد كلمة الباشا ولا ليها اي لازمه بس دا عشان كلمته هي كلمة الحق دايمًا و دا انا متأكدة منه زي مانا متأكدة اني فرح محمود عمران، ولو كان عندك مشكله مع حد أو مشكلة في شغلك فروح حلها بعيد عننا.
صمتت لثوان قبل أن تقول بلهجة مُحذرة
و لو فعلًا مش عايز تشوف الوش التاني لسالم الوزان و تعرف يعني ايه ظلم وأذى ابعد عن طريقي.
اخترقت كلماتها صدره و بانت نتائجها على الفور فوق ملامحه ليقول بنبرة حانقة
بقى انا بقالي اسبوع بحاول اقابلك و اطمن عليكِ وفي الآخر تهدديني يا فرح!
«فرح» بنبرة حادة
تعبت نفسك عالفاضي يا حسام، و ياريت متتعبش نفسك تاني، و احمد ربنا أن سالم مش هنا كان الموضوع مش هيبقى تهديد و بس.
«حسام» بحنق.
طيب يافرح. افتكري كلامك دا كويس، و اعرفي اني كنت عايز اطمن عليكِ بس، و عمومًا حمد لله على سلامتك.
«فرح» باختصار قبل أن تُغلِق الباب
شكرًا.
استندت على الباب خلفها و كل خلية في داخلها تغلي من شدة الغضب. جرأته في المجيء إليها، و حديثه الحقير عن زوجها، و أيضًا نظراته التي تعلم أن بها الكثير والكثير فهي كانت حبيبته ذات يوم و تعرفه جيدًا. كل ما حدث أثار حنقها تلك الكلمات عن نزاهة زوجها ما يشغلها الآن فهي تعلمه جيدًا و تعلم مدى استقامته و عزته التي ليس لها حدود ولكن لما تفوه بتلك الكلمات وهو يعلم جيدًا أنها لن تستمع إليه؟ حتى ولو كان سالم اسوء شخصية على الإطلاق فهي حتمًا لن تتركه ولم تلتفت إلى الخلف أبدًا ف لماذا يفعل ذلك؟
أخذت الأسئلة تطِن برأسها كالذُباب إلى أن أصابها الصداع وقد عزمت في النهاية على التأكد من حقيقة الأمر حتى تنهي هذا الصراع الدامي الذي يدور في عقلها.
اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يمحق الحسنات ويضاعف السيئات ويحل النقمات ويغضبك، يارب الأرض والسموات، اللهم أغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم إني أستغفرك من كل ذنب أذنبته وتعمدته أو جهلته، وأستغفرك من كل الذنوب التي لا يعلمها غيرك، ولا يسعها إلا حلمك».
لم تتوقع أن تعود مرة أخرى إلى تلك الغرفة التي شهدت على أسوأ لحظات حياتها فهنا نزفت روحها و جسدها و ذرف القلب وجعه على هيئة دماء غمرت كل شيء حولها و قد كان هذا آخر شيء رأته قبل أن تُغادرها للأبد والآن عادت لها بملء إرادتها هربًا من وجع لم تستطِع وصفه و أبت عينيها ذرفه ف احتقنت بصدرها آلام الماضي و أنين الحاضر ليُصبِح الوجع لا يُطاق لتشعُر برغبة قوية في الصُراخ حتى تتقطع أحبالها الصوتية ولكن تلك كتمت صرخاتها ب وسادتها خوفًا على والدها الذي لم يكُن يحتاج لألم آخر حتى يسقُط كُليًا فيكفيها والدتها التي تبدلت من سيدة جميلة من يراها يكاد يُجزِم أنها لم تتخطى عقدها الثالث لتتحول لمُسِنة في السبعين من عمرها و لكن على الرغم من ذلك فقد احتضنت وجعها و لأول مرة تتذوق دفء عناقها و حنو كلماتها حين قالت.
حضني و بيتي وقلبي مفتوحينلك العمر كله يا ساندي.
قلبي مفطور يا ماما. حاسة هيقف من كتر الوجع.
«راندا» بلهفة
بعد الشر عنك يا بنتي. حصل ايه يا حبيبتي؟ قوليلي و ريحي قلبي.
رفعت رأسها تُطالعها بأسى و بنبرة محترقة أجابتها
زهق مني يا ماما. مقدرش يصبر عليا.
تناثر الدمع من مآقيها بغزارة لتنتفض وهي تقول بنبرة تتضور وجعًا.
كان سابني. كان سابني بوجعي و خوفي و جراحي. جاي بعد ما وجعي طاب على أيده و عرفت طعم الحب و الأمان جنبه يخوني!
التفتت إليها تقول بقهر
عُدي بيخونني يا ماما.
انتفضت «راندا» من فرط الأسى الذي يتبلور في كلمات ابنتها التي تراشقت في صدرها كأسهم نارية تحرق دون رحمة لتخرُج كلماتها مُثقلة بالندم و الحسرة
بتقولي ايه يا ساندي؟ عُدي لا يُمكِن يعمل كدا. دا كان أحن مننا عليكِ. أكيد في حاجه غلط.
شفته معاها. ياريتني ما روحت. ياريتني ما شفته.
اختتمت كلماتها و بلغ منها التعب مبلغه إضافة إلى ألم ضاري ينهش بشرايين القلب ف أخفضت رأسها تحتمي بصدر والدتها وهي تضم نفسها إليها كطفل صغير يرتعد خوفًا بعد أن شاهد أقسى كوابيسه يتجسد أمام ناظريه فشددت« راندا» من احتوائها لتقول بحنو
طب اهدي يا حبيبتي. اهدي و ارتاحي دلوقتي، ولما تصحي نتكلم و نفهم في ايه؟
أشفق جسدها عليها فاستسلم لغيبوبة النوم التي غمرتها لعدة ساعات و هاهي الآن تعود لأرض الواقع مرغمة فأخذت تُرفرِف برموشها لتتشكل صورة ضبابية لرجُل اغتال قلبها في الواقع و احتوى آلامها في المنام فقد كان هو بطل حُلمها في الساعات المُنصرِمة و لذلك ظنت أن وجوده جزء من ذلك الحُلم إلى أن بدأ الضباب ينقشِع ل تتوضح الرؤية شيئًا فشيئًا ل تصطدم بحقيقة وجوده جالسًا أمام مخدعها يُناظرها بجمود يُخفي خيبة أمل عظيمة تجلت في نبرته حين قال.
أخيرًا صحيتي!
انتفضت في نومتها و قد تناحرت دقات قلبها حتى آلمتها بينما تصارعت أنفاسها بحدة تجلت في نبرتها حين هتفت
انت ايه اللي جابك هنا؟
عودة لما قبل عدة ساعات
كانت تدور في الغرفة كمن مسه الجنون وهي تُمسِك هاتفها تحاول الإتصال به وهو لا يُجيب إلى أن أوشكت على ان يُصيبها أنهيار عصبي من فرط الغضب ولكنه بعد مرور نصف ساعة جاءها اتصال منه فأجابته وهي تصيح غاضبة
انت فين؟ بقالي ساعه بحاول اتصل بيك مابتردش.
«عُدي» باندهاش من لهجتها
كنت عند المُحاسِب يا طنط بنظبط سعر المُناقصة عشان نقدمه. مانا قولتلك الصبح اني خدت ملف المناقصة من سكرتيرة اللي اسمه معتز الصباح دا، و بإذن الله المناقصة هترسي علينا و عمو هيرجع يقف على رجليه من تاني.
صاحت «راندا» بقهر
ولا مناقصة ولا زفت. المهم ساندي.
هوى قلبه بين ضلوعه و صاح بنبرة مُتلهفة
مالها ساندي؟
«راندا» بنبرة مُشجبة.
باين عليها شافتك مع البنت دي جاتلي منهارة واللي طالع عليها بيخوني و شفته بعيني و حالتها متدمرة انا خايفة لا ترجع تنتكس تاني. المرة دي استحالة هتخف.
و كأن كلماتها خناجر مزعت قلبه الذي تألم لأجلها ولأجله
عودة للوقت الحالي
كانت لهجته جافة تحوي حين أجابها قائلًا
جيت عشان اسألك سؤال واحد.
هتفت بحرقة
ليك عين تسأل كمان؟
تجاهل استفهامها وغضبها وقال بلهجة مُعاتبة انشطر لها قلبها.
مفتكرتيش ليا حاجة واحدة حلوة بس تخليكِ تقولي عُدي ميعملش فيا كده؟
مفيش ذرة ثقة واحدة جواكِ ليا تخليكِ تقفي تسأليني ايه اللي شوفتيه دا؟
كانت عينيه حزينة مُتألمه تهتز جفونها من ثقل ما تحمله من عبرات بينما لهجته مُعاتبة غاضبة مُشجبة حين تابع
للدرجة دي أنا وحش في نظرك؟ هبقى في حضنك طول الليل و الصبح ابقى في حضن غيرك!
صمت لثوان وبدا كأنه يحاول البقاء ثابتًا قدر الإمكان ولكن عاندته نبرته المُهتزة مُثقله بحزنًا مُبرِح
طب محستيش وأنتِ في حضني انا قد ايه بحبك!
معقول حياتنا سوى طول الشهور اللي فاتت دي مسبتش جواكِ حاجة حلوة تشفع لي عندك؟ تقولك عُدي ميعملش كدا!
هتفت صارخة بنبرة محشوة بالوجع
انا شوفتك بعيني واخدها في حضنك!
صاح بقهر
شوفتيها وهي بتحضني. أيدي لمستها!
تفاجئت حين جذبها من رسغها لتلتصق به حد تلامُس أنوفهم ليقول بنبرة موقدة
كام مرة خدتك في حضني. شوفتيني حاضنها زي ما بحضنك؟
تراجعت بذاكرتها لذلك المشهد المؤلم لنتذكر بأن الفتاة هي من تعلقت برقبته بينما هو لم يُعانقها ولكنها من فرط صدمتها لم تقف عند تلك النقطة والآن لا تعرف بماذا تُجيبة لتأتيها كلماته المريرة حين قال
سكتي ليه؟ مش فاكرة ولا مركزتيش اصلًا؟ المهم ان عُدي وحش وخلاص.
لم تعرف بماذا تُجيبه فقط هُناك رغبة قويه تجتاحها لكي تندفع إلى داخل أحضانه و تصرُخ باكيه تتوسل له بألا يتركها أبدًا ولكنها وجدت نفسها تقول بنبرة مُحترقة من فرط الوجع
أيا كان انت سبتها تحضنك ودي في حد ذاتها خيانه.
اشتبكت نظراتهم لثوان بعد جملتها ليتراجع إلى الخلف يُعطيها ظهره لدقيقة يحاوِل تنظيم أنفاسه و تجاوز ذلك الألم الهائل بصدره قبل أن يلتفت إليها بنظرات جامدة تُشبه نبرته حين قال.
البنت دي اتفقت مع المحامي بتاع باباكي عشان يسلموه لواحد منافس له في السوق و بسببهم باباكي خسر كتير و كان في مناقصة مهمه لو مرسيتش على شركته كان هيعلن إفلاسه، و ممتك اضطرت تبيع مجوهراتها كلها عشان نجمع فلوس المناقصة دي، و عشان اعرف ارجع حق والدك و اخليه يكسبها اضطريت أمثل الحب على البنت دي لحد ما خلتها تجبلي ورق المناقصة اللي هيقدمه الراجل دا عشان نحط سعر اقل منه و نكسبها و باباكي يقدر يقف على رجليه من تاني، و فعلًا عملنا كدا و قدمنا الورق النهاردة.
توقف الزمن بها لثوان وهي تُطالعه و كأنه نبت له قرنان! فهل فعل ذلك من أجل أن يستعيد والدها ماله؟
طب وانت عملت كدا ليه؟ وانت مالك يكسب ولا يخسر!
هكذا استفهمت بغضب لا تعلم مصدره أو توجهاته فقد كان هناك الكثير مما يستحق الغصب أولها نفسها و آخرها غبائها
باختصار عشان دا والدك ومالوش غيرك، وانا جوزك و واجب عليا أساعده لما الاقيه في ضيقة.
هكذا تحدث بجفاء فشعرت بمدى غبائها و اندفاعها ليتعاظم الغضب و الحزن بصدرها فتهدلت أكتافها بوهن تجلى في نبرتها حين قالت
يعني انت مفيش بينك وبين البنت دي اي حاجه؟
«عُدي» بجفاء
لا، و احتمال كبير اني مشوفهاش مرة تانية أصلًا.
أخفضت رأسها لا تقو على النظر إليه ف جاءها صوته القاسي حين قال.
بالمناسبة والدك لسه تعبان و غلط عليه أي انفعال أو ضغط نفسي، و لما سمع صوتك ممتك قالتله اننا جايين نقعد معاهم فترة لحد ما نطمن عليه، فياريت قدامه نتعامل طبيعي.
شعرت أن لحديثه باقية و قد صدق ظنها ليُتابِع بجفاء
قدامه احنا زوجين بنحب بعض و من وراه اوعدك مش هضايقك ولا هتعرضلك، و بعد ما أن شاء الله نكسب المناقصة و نطمن على وضع الشركة اللي أنتِ عايزاه هعملهولك.
كمن انتُزِعت روحه بغتة كان هذا حالها، فقد سكن قلبها حين علِمت بأنه لم يخونها و استكانت روحها ب سلام لتجد نفسها في مواجهة أصعب مع غضبه و حزنه منها و من ظنها السيء به، وما أوشكت على الحديث معه فوجدته غادر الغرفة مُغلقًا الباب خلفه ل يُنهي نقاشهم دون السماح لها حتى بالإعتذار ليبدأ عذابها مُجددًا ولكن هذه المرة كان عذاب من نوعٍ آخر.
اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره.
ناجي الوزان دا يبقى أبوك اللي كان بين الحيا و الموت وانت مفكرتش تطمن عليه. مخوفتش عليا يا هارون؟
كان بارعًا في اللعب بالمشاعر و إثارة الذنب بالنفوس فعلى الرغم من أنه يعلم بحقيقة كذبه ولكنه شعر بالذنب حياله و بالشفقة أيضًا لذا قال بنبرة لينة
لا خوفت و لسه خايف. بس خايف عليك من نفسك، و من اللي هتوصلك ليه.
كانت ورقته الأخيرة و يجب عليه أن يُحسِن إستخدامها إضافة إلى كونه كان يعتبره جائزته الوحيدة في هذه الحياة لذا حاول الثبات و أستمالة مشاعره قدر الإمكان حين قال
نفسي اتكتب عليها الشقى في الدنيا دي، و أنا اتعودت على كدا خلاص. المهم انت و أخواتك متعيشوش اللي انا عيشته.
كاد أن ينفجر في وجهه فقد كان يعلم بمدى كذبه ولكنه حاول كظم غيظه قدر الإمكان ليقول بنبرة هادئة
و ياترى هتحمينا ازاي من انتقامك!
«ناجي» بغلظة
اني أسرع بيه، و انت هتساعدني!
لم يُعطيه الفُرصة للرد عليه فقد تابع بنبرة غاضبة حزينة
اوعى تكون مفكر اني معرفش قالولك ايه عني؟ ولا ازاي حاولوا يزرعوا الشك في قلبك من ناحيتي!
صمت لثوان قبل أن يُتابع بنبرة راجية
لكن أنا عارف انك مش هتخذلني زيهم. مش هتضحي بيا زيهم. عارف انك عوض عن صبري و معاناتي معاهم.
نجح في غمس جذوة الذنب بداخل قلبه فعلى الرغم من معرفته بحقيقته فقد شعر بالأسى حياله و بالذنب تجاه ما سيحدُث له وهو غير قادر على مساندته أو التخلي عنه
ناوي تاخد انتقامك من مين؟
هكذا تحدث «هارون» بجفاء فصاح «ناجي» بقهر.
منهم كلهم، و أولهم امك. بس ماتخفش مش هخلص عليها. انا بس هحرمها منك. اوعى تصدق دموعها. دي دموع تماسيح دفعت عمري تمن اني صدقتها. همت كذابه و ممثلة شاطرة اوعى تصدقها.
تحولت نبرته إلى التوسل حين قال
متعملش زي اخواتك و تتخلى عني يا هارون. متبقاش انت الخنجر اللي يقتلوني بيه.
يعرف كيف يُحرِك مشاعر البشر من حوله و كأنهم عرائس تربطها خيوط مُلتفة حول إصبعيه يحضحضها كيفما يشاء فقد جعل ذلك الضخم يشعُر بالعجز و الحزن ولا يعرف ما يُفترِض عليه فعله ليُتابع بنبرة متوسلة
انا راجع مصر كمان يومين عايز أشوفك عشان نكمل اللي بدأناه.
تجاهل كل ما يشعر به و كل تلك التخبطات التي تُحيط له ليقول بنبرة جافة.
متتصلش على شيرين تاني، ولا تقرب من اخواتي مهما حصل. كل اللي داير دا هما بره عنه. مش هسمح أن واحدة فيهم تتأذي بسببك أو بسبب اي حد.
نوبة غضب عاتية أصابته فاهتاج صوته حين قال
خايف على بنتي مني! معقول أنا هأذي بناتي؟
«هارون» بنبرة حازمة
محدش هيقدر يأذيهم طول مانا موجود، و بعدين انا خايف عليهم من اللي انت بتفكر فيه و ناوي عليه.
ابتلعت غصة الغضب بحلقة و قال بجفاء
موافق. عايز اوصل الاقيك مستنيني.
«هارون» بجفاء
حاضر.
اغلق الهاتف تزامناً مع انهيار «شيرين» التي هتفت بقهر
ناوي يعمل فينا ايه اكتر من كدا؟
احتواها «هارون» بين ذراعيه وهو يقول بلهجة حانية مُطمأنه
متخافيش مش هيقرب من اي حد فيكوا.
«شيرين» بأسى
طب والباقي! كل الناس اللي هنا دول عيلتنا و اهلنا. دول اللي حمونا منه. لولاهم كان زمان الدنيا خبطت فينا لما شبعت.
حاول تهدئتها قائلًا.
أهم حاجه عندي دلوقتي أنتِ و ماما و سما.
«شيرين» باندفاع
أنت ناوي تساعده يا هارون؟ ناوي تساعده يأذيهم؟
«هارون» بجفاء
أجلي الكلام دا دلوقتي و تعالي نروح نشوف ماما عشان متقلقش.
هوى قلبها بين قدميها فقالت بتوسل.
بالله عليك لا. اوعى تسمع كلامه أو تساعده. بلاش تغلط غلطتي. انا مشيت وراه وكنت زي الآلة اللي بيوجهها عشان تزرع بذور الشر في كل مكان، و في الآخر طلع كل كلامه كذب. كله افترى عليهم، و بالرغم من كل شيء لما ضحى بيا هما اللي خدوني في حضنهم. أرجوك فكر كويس. صدقني الراجل دا سيء فوق ما خيالك يصورلك.
كلماتها كان لها صدى كبير بداخله فأصبح بسببها مُشتت حائر لا يعلم بأي جهة عليه أن يقف و كيف يُنهي تلك الحرب بأقل الخسائر؟
سيبي كل حاجه لربنا.
كانت تلك الجملة التي استطاع إخراجها من فمه ليُسكتها أو ربما ليُسكت أصوات داخلية كُلًا يأخذه في طريق مختلف عن الآخر.
اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك.
علي قدر لهفتها لعودته على قدر خوفها من حدوث أي شجار بينه و بين شقيقها الذي ما أن رأت سيارته تتوقف أمام المزرعة حتى توجهت بسرعة إلى الخارج وهي تأمر الخدم بأخذ حقائبها إلى الأسفل و توجهت هي الأخرى لمقابلته فما أن دلف إلى داخل المنزل حتى هرولت تحتضنه فهتف مُحذرًا
بالراحة شويه. غلط عليكِ كدا.
لاول مرة لم تستمع ل تحذيراته و اندفعت لتستقر داخل أحضانه و اجتاحتها رغبة قوية في البكاء حاولت قمعها بشق الأنفُس لكي لا تُثير تساؤلاته و لكن هيهات فقد فاق الألم حدود قدرتها على الاحتمال لتخرج شهقاتها تشق جوفها من فرط قوتها ليُشدُد «سالم» على احتضانها فقد كان يشعُر من لهجتها بأن هناك خطب ما قد حدث لذلك تركها حتى تهدأ نوبة انهيارها و التي دامت لدقائق لم تكُن محسوبة ليقول بعدها بحنو.
ليه كل دا؟
اكتفت بإحتضانه بشدة بادلها إياها بصمت حتى قطعته قائلة بخفوت
قلقانه اوي عليكوا و مش عارفه اجيلكوا. عشان الدكتور مانعني من الحركة.
رفع «سالم» رأسها يتفرس في ملامحها و عينيها بتمعُن جعلها تشعُر بالتوتر الذي تجلى في نبرتها حين قالت
ما صدقت شوفتك، و بعدين هرمونات الحمل بقى شايفة شغلها معايا.
كانت تحاول تخفيف وطأة الأمر و اخفاء حقيقة تتجلى بوضوح أمام ناظريه
المهم بقيتي احسن دلوقتي؟
اومأت برأسها قبل أن تقول بخفوت
الحمد لله.
باغتها حين قال بجفاء
فين جوزك؟
ابتلعت ريقها قبل أن تقول بتوتر
ياسين. اااه. عنده. عنده شغل مهم، و قالي. قالي اعتذرلك عشان. عشان معرفش يستناك.
صدق ظنه و تأكدت شكوكه و قد تعاظم الغضب بصدره ولكنه نجح في تجاهله حين قال
طب اتصلي عليه و قوليله اني هنا و جاي عشان اخدك.
تخشب جسدها وعلى وجيب قلبها فكيف تهاتفه بعد ما حدث بينهم؟ و أيضًا لا تُريد أن ينشب شجار بينه وبين شقيقها والذي هو نتيجة حتمية لمواجهتهم ولكنها أمام نظرات «سالم» الفاحصة و لهجته التي لا تقبل الجدال قامت بمهاتفته لتعلو دقات قلبها مع دقات رنيم الهاتف التي طالت إلى أن انتهت بعدم الرد لتقول بلهجة مُتحشرجة
مبيردش.
«سالم» بصرامة
اتصلي تاني ممكن مسمعش.
إيماءة خافته من رأسها قبل أن تُعاود الاتصال مُجددًا و داخلها ترتجف من فرط الخوف لتُصدم حين سمعت تلك الرسالة التي تُفيد بأن الهاتف مُغلق فشعرت بالخزي من أن ترفع رأسها بعين شقيقها الذي كان الجمود يرتسم على ملامحه و كذلك نبرته حين قال
مابيردش بردو؟
رفعت رأسها تقول بخفوت و شفاة مُرتجفة
لا. الفون مقفول.
فجأة ارتسمت ابتسامة عريضة على ملامح «سالم» الذي قال بتسلية
حلو. يبقى نشوف طريقنا احنا بقى.
كانت لهجته خطرة و كلماته بثت الحيرة في قلبها ولكنه لم يُعطيها الفرصة للتفكير إذ قال بحنو
يالا يا حبيبتي عشان منتأخرش.
اطاعته و توجهت بأقدام مُثقلة بخيبات و أسى تبلور فوق ملامحها التي لاحظها «سالم» فقال بمرح يتنافى مع جمود نظراته
هتقدري تمشي ولا أشيل؟
باغتتها كلماته و أيضًا مزاحه فرغمًا عنها ارتسمت ابتسامة بسيطة على شفتيها قبل أن تقول
لا هقدر متقلقش.
امتدت يديه لتجذبها من خلف رأسها لتقربها منه ليضع قبلة دافئة فوق جبهتها وهو يقول بحنو
متعرفيش احنا محتاجين لوجودك معانا اليومين دول ازاي؟
«حلا» بلهفة و تأثر
انا دايمًا معاكوا و عمري ما اقدر ابعد عنكوا أبدًا يا أبية.
استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم و اتوب اليه.
بعد وقت قصير توقف السيارة أمام باب المشفى و ما هي إلا دقائق حتى تجمعوا ل مغادرة المشفى فذهبت «حلا» إلى سيارة «سليم» ما أن رأت وضعه فلم يُخبرها أحد بما حدث له خوفًا عليها فلم تستطِع أن تتركه ولو لحظة واحدة و قد أخذت« فرح» مكانها بجانبه في السيارة و بين أحضانها الصغير لتلتفت إليه تناظره بتمعُن فقد شعرت بأن هُناك خطب ما من مظهر «حلا» الباكي و أيضًا فقد كانت عينيه مُلبدة بغيوم الغضب السوداء و التي تُنذِر بهبوب عاصفة كبيرة لذا حاولت التخفيف من وطأة الموقف حين قالت بلهجة دافئة.
مش مصدقة أخيرًا سليم هيروح بيته.
باغتتها إجابته الخشنة حين قال
وهو سليم في الآخر له غير بيته! ما طبيعي أنه يروح بيته في النهاية.
صحت ظنونها ولكن كان هُناك استنكاراً داخلها لكونها تنال نصيبًا من غضبه دون أن تقترف أي ذنب ولكنها تجاهلته لتقول بنبرة ودودة
اكيد طبعًا بس انا كنت مستنية اللحظة اللي ندخل بيها البيت واحنا واخدينه في حضننا.
ذكرته كلماتها بما عانته في الفترة الماضية لذا هدأت لهجته قليلًا حين قال.
الحمد لله.
شعرت بأن هُناك خطب جلل و أنه لا فائدة من الجدال معه لذا التفتت الى الجهة الأخرى و قد انصاعت خلف رغبته في الصمت و أرجعت رأسها إلى الخلف مغمضة العينين و قد أهدته ما يُريد مغموسًا بنيران حارقة تفشت بقلبه فأطلق زفرة قوية وصلت إلى مسامعها لتعلم أن القادم لا يُبشِر بالخير.
وصلا أخيرًا إلى المزرعة فأوقف سيارته لتفتح عينيها و تقوم بفك حزام الأمان الخاص بها و تمد يدها لتفتح باب السيارة فأتاها صوته الآمر حين قال
استني.
اطاعته بصمت لتجده يترجل من السيارة و يلف باتجاهها و يقوم بفتح بابها ليمُد يديه يحمل «سليم» بيد و بالأخرى امسك كفها و هو يقول بنبرة خشنة
بالراحة و انتِ نازلة.
للحظة أرادت أن تضربه بشيء قوي فوق رأسه فمنذ دقائق كان يتعامل معها بجفاء و الان خائفاً عليها!
اطاعته بصمت و توجهت معه إلى الداخل فقد كان مظهرهما رائعًا وهو يحمل طفله بيد و بالأخرى يُمسِك بيد حبيبته و بالرغم من كل شيء فقد شعر بالسعادة كونهما سالمين بجواره ليقوم بالتشديد على يدها و كأنه يُخبرها بأنه يُشاطرها نفس شعورها بالسعادة كونه بجانبها هي و صغيرهما في بيتهم و أخيرًا.
يا ميت الف ويلكم.
هكذا صدح صوت «مروان» من خلفهم فانتفضت« فرح» مفزوعة لتجد يديه طريقها إلى خصرها يجذبها إليه ل يحتوي خوفها وهو يلتفت إلى «مروان» مُزمجرًا بغضب
انت يا غبي في ايه؟
تجاهل «مروان» حديث «سالم» و توجه ليأخذ الصغير من بين يديه وهو يقول بنفاذ صبر
بقولك ايه يا كبير استنى انت شويه. هو احنا راجعين من ميتم في ايه؟ ايه الغم اللي انتوا فيه دا؟
التفت يُناظِر الجميع و من بينهم «همت» و« سما» و «شيرين» و «سالم» و أخيرًا «طارق» و «هارون» ليقول بصياح
هو احنا لاقيين الواد دا في الشارع يا جماعه! دا ولي العهد ابن الباشا الكبير. يدخل البيت كدا!
التفت يُناظِر «سليم» قائلًا باستفزاز
مش كفاية ظلمتوه و سميتوه على اسم البائس دا! كمان منحتفلش بيه زي الناس!
تبادل الجميع النظرات ليهتف «سالم» بجفاء
انا مش فايقلك. اخلص هات اللي عندك.
و أيده «سليم» قائلًا بحنق
والله ولا حد فاضيله أنجز يا ابني في ايه؟
ناظره «مروان» قائلًا بسخط
بقولك ايه انت مش معزوم أخفى من وشي يالا.
تدخل« طارق» ساخطًا
معزوم على ايه يا ابني؟ ما تفهمنا
صاح «مروان» بنفاذ صبر.
ما تدوني فرصة ابلع ريقي يا عيلة غجر. ماهو لو كل واحد حط لسانه السبعة متر دا في بقه هعرف اقول في ايه؟
«همت» بنفاذ صبر
ادينا سكتنا. اتفضل قول.
صاح «مروان» قائلًا
عم مجاهد.
أتى مجاهد مُهرولًا
ايوا يا مروان بيه.
«مروان» باستفهام
كل حاجه جاهزة؟
«مجاهد» بلهفة
ايوا يا بيه.
«مروان» بصياح
طب يالا بينا.
كان الجميع يتبادل الأنظار بفضول سُرعان ما تحول إلى دهشة حين شاهدوا تلك الفرقة بالمزمار التي أخذت تعزف و ذلك الحصان الذي كان يرقص على أنغام المزمار يمتطيه رجلًا من الفرقة فانبهر الجميع بما يحدُث و كان أكثرهم «فرح» التي تركت يده وهي تندفع تجاهه لتقول بسعادة بالغة
الله يا مروان. ايه الاستقبال القمر دا؟
عشان تعرفي أن محدش بيخاف على مصلحتك قدي في البيت دا. كنتِ هتدخلي البيت بيه سوليطي موليطي ولا اكنك شحتاه ولا لقياه قدام باب جامع
«فرح» بحبور
ايوا عرفت. انا أصلًا بحبك اكتر واحد في العيلة دي.
برقت عيني «سالم» من حديثها و فرحتها فعض على شفتيه غيظًا من جملتها الأخيرة ليتفاجأ ب«جنة» التي تركت يد «سليم» و هرولت تجاه كُلًا من« فرح» و «مروان» الذي التفت إليهم وهو يقول بصياح
بت يا شيرين تعالي و هاتي المزغودة اللي جنبك دي معاكِ. متجبيش عمتي.
ثم التفت الى «حلا» قائلًا.
بت يا ام سحلول. تعالي أنتِ كمان، و انتِ يا بت يا لولي تعالي هنا جنبي.
ظهرت« سهام» و بجانبها كُلًا من «صفوت» و «نجمة» التي ما أن لمحها حتى صاح ساخرًا
النيزك بتاعنا اهو تعالي بس حاسبي لا تتفجري فينا.
تقدمت الفتيات منه وقد كان الجميع بحاجة إلى أي بهجة تمحي كآبة الأيام الماضية فتقدمت« امينة» وهي تُصفِق و بجانبها «همت» و اجتمعت النساء حول «مروان» الذي أخذ يتمايل وهو يحاول الرقص بالطريقة الصعيدية على انغام الفرقة التي اشتد عزفها و اندمج الجميع معهم ليتجمع الرجال بالخلف فكان أول من تحدث هو «هارون» الذي قال باندهاش
هو المتخلف دا قريبنا بجد؟
اجابه «سليم» بسخرية
المتخلف دا علاج مُضاد لكل انواع الاكتئاب و الزعل.
تدخل «طارق» موجهًا حديثه إلى «سالم» قائلًا بلهجة مدهوشة
شايف البنات بتتنطط ازاي؟ عاملين زي الأطفال ما صدقوا يلاقوا أي حاجه تفرحهم.
كان ينظر إلى ضحكاتها التي تُضيء وجهها و حركاتها العفوية الجميلة الى جانبها «حلا» التي تناست كل شيء و اندمجت معهم و بجانبها «سما» ثم« شيرين» و حتى تلك الفتاة «لبنى» التي كانت دائمًا خجوله متحفظة و إذا بها تندمج معهم في هذا الجو المُبهِج و أيضًا والدته وعمته ثم «سهام» و «نجمة». هل كان الجميع يختنق إلى درجة أن موقف بسيط مثل هذا يجعلهم يمرحون كالأطفال فرحون و كأنه يوم عيد!
زفر بقوة قبل أن يلتفت إلى الجميع ليقول بلهجة جافة
للأسف كلهم مظلومين معانا. كل اللي بيحصل دا مالهمش ذنب فيه.
شعر «هارون» بالذنب و الأسى تجاه هؤلاء الناس فبالرغم من كل شيء فقد جمع والدته وشقيقتاه معهم فهم بنظرهم ضحايا على الرغم من أن المُتسبب في كل هذا الدمار هو والدهم، لم يُلق اي لوم عليهم ولو بكلمة، فكيف يُمكنه تجاهل كل ما يحدُث أمام ناظريه و المُضي قدمًا بذلك الطريق؟!
رب اني لما انزلت الى من خير فقير.
دلف الرجال الى الداخل ماعدا «سالم» بينما النساء مازلن في الخارج يستمتعن بهذا الجو الرائع ليشعُر «هارون» نفسه غريبًا بينهم فقال بحرج
حمد لله على سلامتك يا سليم.
«سليم» بنبرة ودودة
الله يسلمك. شكرًا
كان الصمت يُخيم على المكان فشعر بأنه السبب في ذلك لذا قال بجمود
هطلع اشوف ماما و البنات.
قاطعه «صفوت» الذي قال بحسم.
اقعد يا هارون انت بقيت واحد مننا، و مينفعش حاجة تستخبى عليك.
«هارون» بجمود
مش معنى أن في بينا صلة دم اني واحد منكوا.
«طارق» بنبرة مُتزنة
مش موضوع دم على قد ما احنا مصلحتنا واحدة و حبايبنا مشتركين، ولا انت مش عايز مصلحة أمك و اخواتك.
«هارون» باستفهام
و ايه هي مصلحتهم؟
«طارق» بنبرة حاسمة لا تقبل الجدال
أنهم يرتاحوا من ناجي الوزان.
باغتته صراحته فقال باستنكار.
يرتاحوا من ابوهم!
«سليم» بتعقُل
للأسف يا هارون ابوهم سبب كل شيء سيء حصل لهم و لينا.
«هارون» باستفهام
ممكن اعرف ليه مخلصتوش عليه من بدري؟ متقوليش ان مجتش فرصة تتخلصوا منه!
تولى« صفوت» الإجابة حين قال يائسًا.
ولا واحد فينا كانت عنده الجرأة يعملها. انا برغم كل حاجه عمري ما هقدر اخلص عليه دا اخويا، و طارق و مروان لا يُمكِن يعملوا كدا عشان سما و شيرين. حتى سالم تخيلت أنه هيكون اقوى مني مقدرش يعملها، ولا كان هايسمح لحد من اخواته أنه يعملها.
اخفض رأسه بأسى تجلى في نبرته حين قال
احنا كل اللي كنا عايزينه منه أنه يمشي، يبعد، يسيبنا نعيش في سلام. مفيش حد فينا وحش. بالرغم من أنه سهل اوي أن الإنسان يبقى وحش.
ابتسامة ساخرة لونت ملامحه حين قال
أن الإنسان يبقى كويس في الدنيا دي بقى شيء صعب.
لأول مرة تلمع عينيه بالدمع أمامهم و تحشرج صوته حين قال.
كام مرة جتلنا فرصة نخلص منه و معملنهاش. كام مرة انا جتلي فرصة أأذيه و خالفت ضميري و معملتهاش. كان نفسي يفهم، يعرف أننا مش وحشين مياخدناش بذنب اللي قبلنا. بس هو السواد ملى قلبه وعمى عنيه. كل واحد فينا وجعه في اعز حاجة عنده، و بردو مش قادرين نتحمل انا أيدينا تكون غرقانه بدمه.
فجأة تحول حزنه الى يأس و حنق فهتف غاضبًا
انا عمري ما حسيت بالعجز في حياتي غير بسببه. الله يلعن ابو الأخ اللي بالشكل دا.
تدخل «سليم» يُحاول تهدئته قائلًا
ايه يا عمي وحد الله. دا ابتلاء وانت مؤمن و عارف ربنا، و الصبر على الابتلاء دا له ثواب عظيم. مش انا اللي هقولك يعني.
كانت أعين «طارق» مُنصبه على ذلك الذي يُراقِب ما يحدُث بأعيُن يلتمع بها الغضب و الحزن و الندم معًا و قد كان الأخير يحتل ملامحه فتأكد من أنهم على الطريق الصحيح لذا أضاف بنبرة مُشجِعة.
احنا عيلة واحدة يا عمي و طول عمرنا في ضهر بعض واللي يعادينا خسران. خسران عيلة و سند وعزوة، فمتزعلش على انسان اختار الخسارة.
في مكان آخر كان «سالم» يجلس أمام تلك المرأة التي ما أن رأته حتى التمعت أعينها و هي تُحيطه بنظرات سُرعان ما تحولت إلى حزينة حين قالت
لماذا تأخرت كل هذا الوقت في القدوم إلي؟
ارتفع أحد حاجبيه من إصرارها على التمثيل فقال بسخرية
مش كفاية كذب بقى و نتكلم بصراحة؟
عاندته قائلة
اعلم إلى ماذا تُشير بحديثك ولكني لا أريد الكذب صدقني لدي أسبابي.
«سالم» بخشونة
أسبابك لأيه بالظبط؟
«جوهرة» بوقاحة
حادثني بالأنكليزية.
ليه؟
تعمقت عينيها في خاصته وهي تقول بنبرة مُغوية
أعشق لكنتك وانت تُحاثني بها.
لم يكُن بحاجه لأي شيء يُثير غضبه أكثر لذا زفر بقوة قبل أن يقول بنبرة جافة
مين اللي سمم فرح؟
كانت أذكى من أن تُقحِم نفسها في أمرًا قد يُزيد من صعوبة وضعها و لأول مرة الحظ يخدمها لكونها ستخبره الحقيقة دون أن تضطر للكذب أو التزييف
نجيبة.
«سالم» بجفاء
مين تاني له علاقة بناجي؟
«جوهرة» بسخرية
عايز توصل لإيه؟ خلي أسئلتك مُباشرة.
«سالم» بجفاء
انا مش هسأل. أنتِ اللي هتحكيلي كل حاجه بنفسك.
«جوهرة» بتخابُث.
و ايه اللي هيجبرني اني اعمل كدا؟ و متقوليش انك هتعذبني والكلام دا؟ انا عارفه انك عمرك ما هتعمل كدا!
طافت عينيه عليها بغموض تجلى في نبرته حين قال
انا اكيد مش هعمل كدا. بس هسلمك ل ناس هيعملوا اللي ابشع من كدا.
دق الذُعر قلبها فقالت باستفهام
تقصد مين؟
تعرفي يا جوهرة أصعب حاجه في الدنيا أن الإنسان يعرف متأخر أنه اختار لنفسه الطريق الغلط، و الأصعب و أصعب أنه للأسف مش هيقدر يغير الطريق دا.
شظايا التهديد كانت تتناثر من بين كلماته لذا قالت بأنفاس مقطوعة
بلاش كلام بالألغاز و فهمني تقصد ايه؟
كان يُمارِس حرب الأعصاب التي يُجيدها ببراعة ليقول بنبرة جافة
لما ناجي كلمني عشان يقولي أنه السبب في اللي حصل لفرح. قولتله انا كمان اقدر أأذيك مانا عندي هارون وجوهرة. تخيلي رد عليا قالي ايه؟
هنا يكمُن خوفها فذلك القذر لن يتوانى عن التضحية بها عند أول منعطف لذا همست بنبرة خافتة
ايه؟
«سالم» بسخرية يُغلفها الجمود
قالي أنه ممكن يهد الدنيا عشان هارون إنما جوهرة ممكن ارميها ل كلابي يتعشوا بيها عادي. أنتِ حتى مش طرف في أي اتفاق هيدور ما بينا.
تعاظم الحنق بداخلها من ذلك القذر و هتفت بحنق
الحقير. بعد ما ضيع عمري و مستقبلي جنبه بيبيعني؟
«سالم» بنبرة زائفة التأثُر
للأسف هو كمان ضحى بيكِ عشان ينقذ نفسه.
«جوهرة» بذُعر
تقصد ايه؟
«سالم» بتخابُث.
طبعًا أنتِ عارفه أنه بيورد شحنات مخدرات لناس تقيله هنا في مصر من ضمنهم حجاج الوالي. بس اللي حصل أنه حب يلاعبهم، و بدل المخدرات ب دقيق و طبعًا حجاج اتجنن بس ناجي لعبها صح و مثل أنه ميعرفش حاجه خالص. دا حتى بعتله ألبرت عشان يتأكد إذا كانت المخدرات اتبدلت ولا لا؟ بس في الحقيقة هو ضحى بيكوا أنتِ وهو بعد ما عرف ب خيانتكوا له و اقنع حجاج ب انكوا خدعتوه و ضحكتوا عليه و انتوا اللي بدلتوا الشحنة و حجاج دلوقتي تاره بقى معاكوا خصوصًا ان ناجي وعده أنه يرجعله فلوس المخدرات لو قدر يخلصوا منكوا.
شهقت بفزع
بتقول ايه؟
أكمل مخططه قائلًا بخشونة
و طبعًا حجاج مش هيكدب خبر. يعني أنا دلوقتي ابسط حاجه اعملها عشان اريح دماغي اني يدوب افتح باب المزرعة و ارميكِ بره الا لو.
صاحت بلهفة
هقولك على كل حاجة بس توعدني انك تحميني.
«سالم» بفظاظة
سامعك.
اندفعت تُخرِج ما بجعبتها دفعة واحدة.
ناجي كان مجند نعمة و رامي لحسابه دول اللي كنت اعرف بيهم، ومكنش في أي تواصل بيني و بين نجيبة دي كان كل تواصلي مع رامي و فجأة اختفى و كان ناجي عايزني اقتل فرح عشان يقهرك و لانه عارف انه بعد كدا هيقدر يقضي عليك بسهولة، و بعدين عرف أن رامي اتحبس بتهمة السرقة فكلم نجيبة عشان تتواصل معايا و فعلًا قالتلي أن هي اللي هتنفذ مكان نعمة عشان نعمة جبانة، ولو وصل الموضوع للقتل احتمال كبير تيجي تقولك.
صمتت لثوان تسترد أنفاسها قبل أن تُتابع
نجيبة هي اللي أخدت مني السم اللي رامي اداهولي وقت ما…
صمتت تحاول البحث عن كلمات بداخلها لتتجاوز تلك النقطة ليُتابُع «سالم» بتهكم
وقت ما وصلك تقابلي ألبرت في اليخت بتاعه. كملي.
تفاجئت من معرفته بالأمر ف تحمحمت قبل أن تُكمل.
مكنش عايز نعمة تعرف اننا هننفذ كان عايز يوهمها أن هي اللي هتنفذ لما يجيلها الأمر عشان تبقى العين عليها هي، وبعد كدا نجيبة شافت في باسكت الزبالة اختبار حمل و لما سألت الخدامة عرفت أنه بتاع سهام، وعشان تكسب نقطة عند ناجي راحت قالتله. هي كانت عارفة انها سبب عقدته طول حياته و عشان كدا خطف بنتها منها و سابها مع نجيبة تربيها.
صمتت تحاول استرداد أنفاسها الهاربة قبل أن تقول بنبرة مُهتزة.
وعشان ناجي مكنش مرتاح من ناحية نعمة بسبب شكه في اللي حصل لرامي مبقاش يكلمني على التليفون اللي هي ادتهولي. كان بيكلمني من عند نجيبة و طلب مني اني أسقط سهام قولتله مش هقدر اكيد العيون كلها عليا. لازم يحصل دا بعيد عني، و عشان كدا نجيبة هي اللي نفذت و كانت قاصدة بالسم دا سهام مش فرح.
صمتت ل يحثها «سالم» على الحديث
كملي و بعدين؟
أكملت بنبرة نادمة.
لما العربية جت و جابت حاجات المطبخ كانت هي وسط الشغالين جوا و اخدت علبة لبن من غير ما حد ياخد باله وحطت فيها السم و حطتها في التلاجة على أساس أن محدش هيشرب منها غير سهام أو فرح و الاتنين عايزين يخلصوا منهم، و لما جت سهام تقول لنعمة عايزة تشرب كوبايه لبن نجيبة حطت اللبن في الكوباية قدام الكل و طبعًا محدش كان شك فيها ولا حد كان هيشك أنها قاصدة سهام، و أول ما سمعنا باللي حصل لفرح كلمت ناجي اللي خلاها تجيبلي التليفون و تهرب و تسيب البلد عشان ه يتعرف أنها اللي عملت كدا ماهي هي اللي حطت اللبن في الكوباية و الوحيدة الغريبة وسط الشغالين و على اول البلد كان رجالته مستنينها و معرفش حاجه بعد كدا.
أومأ «سالم» برأسه ليقول بنبرة جافة
طب انا بردو كلامك دا مستفدتش منه حاجه، و عشان كدا اعملي حسابك اني مش هضحي بسلامة عيلتي و اسيبك هنا بعد ما عرفت أن تجار المخدرات بيدوروا عليكِ، ف انا مُضطر اني افتح باب المزرعة واقولك مش عايز اشوف وشك هنا تاني.
انتفضت «جوهرة» في مكانها وهي تقول بذُعر.
لا ابوس ايدك متعملش فيا كده. حرام عليك. انا بنت و لوحدي و الكلب دا باعني و ضحى بيا. اكيد مش ه تخالف ضميرك و تعمل فيا كدا. أنت مش وحش زيه؟
ضاقت عينيه تُناظرها بغموض قبل أن يقول بتفكير
حتى لو شهامتي و ضميري يمنعوني اني اعمل كدا و ارميكِ في الشارع للي عايزين يقتلوكي لكن أنا واجبي تجاه عيلتي بردو يلزمني اني احافظ عليهم، و احميهم.
هتفت بلهفة.
طب بص. هقولك على حاجه كويسه. سيبني هنا لحد بالليل وانا همشي. بس على الاقل الليل هيداريني عن عنيهم، و هقدر اهرب منهم.
صمت لثوان يُفكِر في حديثها قبل أن يقول بجفاء
اعملي حسابك مش هيطلع النهار عليكِ هنا، وإلا أنا بنفسي اللي هسلمك ليهم.
اومأت بلهفة و بالفعل أتى المساء و أسدل ستائره على مزرعتهم لتجد باب القبو يُفتح و أحد الحرس يقول بلهجة جافة
يالا عشان تمشي.
كانت تُقدم خطوة و تؤخر الثانية لتقف أمامه تتوسل له بأعيُن تُطلِق سهام نافذة و بلهجة مُغوية حزينة حادثته
طب ممكن اطلب منك طلب، و أرجوك توافق؟
كانت أساليبها قاتلة لذا لم يستطِع المقاومة فقال بلهجة جافة
طلب ايه؟
مدت يدها تُمسِك بيده وهي تقول بنفس لهجتها
عايزة اعمل مكالمة تليفون ضروري قبل ما امشي.
ضيق الحارس عينيه و بدا أنه سيرفُض فتابعت تتقرب منه وهي تقول بتوسل قاتل.
ارجوك. انا هنا لوحدي و معرفش اي حاجه و هطلع امشي في الشارع لوحدي في وقت زي دا؟ يرضيك؟
لون العبث عيني الحارس قبل أن يتلفت حوله ليقول بنبرة وقحة
موافق، و لو حابة توصيلة كمان أنا معاكِ.
تجاهلت المغزى خلف حديثه فقد كانت على الاستعداد لفعل اي شيء حتى تحافظ على حياتها لذا قالت بلهفة و ونبرة توحي بأنها فهمت ما يرمي إليه
وانا كمان معاك.
تواقحت عينيه وهي تتلكأ فوق مفاتنها و قال بلهجة موقدة.
طب خدي التليفون دا اعملي مكالمتك و بعد عشر دقايق تخرجي من الباب اللي ورا هتلاقيه مفتوح و استني عند الشجر اللي بعد المزرعة وانا هجيلك.
اومأت بلهفة ف أعطاها الهاتف وخرج ل تقوم بمحادثة ألبرت فما أن أجاب حتى هتفت بلهفة
ألبرت. نحن في ورطة.
ألبرت بقلق
ماذا تقصدين؟
كانت أذكى من أن تخبره قبل أن يساعدها لذا قالت بلهفة.
لا وقت لدي للشرح. انا سأتدبر أمر سيارة لتوصلني إلى، وهذا أقصى ما يُمكنها التقدم بي لذا ابعث لي سيارة تأخذني من هناك و ما أن أصل حتى اخبرك بكل شيء.
ألبرت بجفاء
حسنًا متى ستخرجين؟
بعد عشر دقائق.
ألبرت بجمود
ما أن تصلي الى هناك ستجدين السيارة بانتظارك.
أغلقت الهاتف و بالفعل انطلقت مع ذلك الحارس بسيارته و قد كانت تترقب منه أي فعل قد يصدُر منه فهو حتمًا لن يُساعدها دون مُقابل لتجده بالفعل قد أوقف السيارة لجانب طريق مجهول فقالت له بريبة
وقفت هنا ليه؟
الحارس بوقاحة
أبدًا قولت نقعد شوية سوى، ولا الحلوة ليها رأي تاني؟
ابتلعت ريقها قبل تقول بلهجة مُغوية
ولا تاني ولا تالت. انا بس خايفة لا يعدي علينا دورية ونتكشف تبقى كارثة.
لا دورية ايه. دا مش طريق رئيسي المدقات دي مبيكونش عليها أي دوريات.
«جوهرة» باستفهام
انا مش فاهمه يعني احنا كدا بعيد عن الطريق الرئيسي انا مش عايزة اتأخر على الناس اللي مستنيني.
الحارس بسلاسة
لا مش بعيد ولا حاجه في أخر الطريق دا يمين هنطلع على الطريق الرئيسي و بعد كيلو هتلاقي الكمين. العربية اللي هتستناكي هتستناكي فين؟
ما أن أوشكت أن تجيبة حتى توجهت عينيها لشيء ما خلفه لتخرج منها صرخة مُرتعِبة فارتعب الحارس ليلتفت إلى الخلف لمعرفة ماذا هُناك وإذا بها تستغل الموقف و بلمح البصر تقوم بإخراج تلك القطعة الحديدية التي خبأتها بين ثيابها و تضربه بقوة أسفل رأسه و بنفس السرعة قامت بفتح باب السيارة و دفعته بقوة لتغلق الباب و تستقل مقعد السائق وحين استطاع الحارس التوازن هم بفتح الباب فإذا بها تغلق القفل ل تناظره بقرف و تقوم بإدارة السيارة و تنطلق إلى ذلك المكان الذي من المُفترض أن سيارة ألبرت تنتظرها هناك و بعد أن انطلقت بالسيارة حتى اندفعت سيارة أخرى خلفها وقامت بجذب الحارس إليها لمحاولة إسعافه فزفر «طارق» حانقًا وهو يهاتف «سالم» قائلًا بغضب.
ايوا يا سالم. كل شيء تمام بس بنت التيت بدل ما تقاومه و تحاول تهرب ضربته على دماغه و هربت بالعربية.
هب «سالم» من مكانه و صاح مُستفهمًا
طب وهو جراله ايه؟
التفت «طارق» إلى الحارس قبل أن يقول بسخط
الجرح كبير بس باين عليه سطحي. عمومًا احنا هناخده ع المستشفى دلوقتي عشان يخيطوه.
«سالم» بخشونة
طمني أول ما توصلوا.
«طارق» باستفهام
بقولك انت متأكد انه هنا في مصر؟
«سالم» بتأكيد
متقلقش صفوت اتأكد بنفسه دا حتى عرف هو فين و بيعمل ايه، و عشان كدا كان لازم ننفذ النهاردة.
«طارق» بتعب
يارب تظبط المرة دي يا سالم. احنا تعبنا.
«سالم» بهدوء
قول يارب.
يارب.
حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
بعد مرور ساعتين كانت قد وصلت إلى مكان «ألبرت» وما أن وصلت إليه حتى صاحت بلهفة
يجب أن نغادر من هنا بأقصى سرعة.
«ألبرت» بعدم فهم
لماذا؟
«جوهرة» باندفاع
لقد علم ناجي بأمر علاقتنا، و يُريد الانتقام. لا وقت للشرح هيا لنذهب و سأخبِرُك كل شيء في الطريق.
«ألبرت» بحنق.
عليك الصبر حتى أُدبر مكاناً آمنًا. لكي نستطيع المكوث به، فجميع الأماكن التي اعرفها هنا تخصه، و سوف يجدنا بسهولة.
هنا جاء من خلفهم صوت حاد كالسيف يحمل الوعيد بين طياته
حتى و إن ذهبت إلى باطن الأرض فسوف أجدك أيها الخائن.
تفاجأ الثنائي بوجوده ولكن سرعان ما تدارك «ألبرت» صدمته ليقوم بنزع سلاحه و توجيهه إلى رأس «ناجي» الذي كان يقف خلفه الكثير من الرجال المُدججين بالسلاح و فجأة…
التعليقات