رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الحادي عشر 11 بقلم ياسمين عادل
رواية ليلة في منزل طير جارح الجزء الحادي عشر
رواية ليلة في منزل طير جارح البارت الحادي عشر
رواية ليلة في منزل طير جارح الحلقة الحادية عشر
“أحيانًا تدفعك الأقدار لترى من الفِخاخ فرص كُبرى؛ ويخيّل لك غبائك بأن عليك اقتناصها.”
____________________________________
كان ينظر من حين للآخر في المرآة ليراها، بعدما تأذت ساقها المصابة نتيجة الضغط المفاجئ والقوي عليها، بعد رفضها أن يحملها أحدهم أو أن يساندها في النزول. نظرت “رحيل” من النافذة بعينين مشتتتين، وهي تغادر المدينة كلها متجهة للعاصمة، بعدما وصلت أنباء عن تحرك قوى لتفتيش القصر وإتهام “هاشم” بخطفها وأمها، ثم نظرت لـ “مراد” الجالس بجوار السائق وسألته :
– إحنا كده هنروح على فين ياأستاذ؟.
أجابها بإقتضاب موجز :
– في بيت بيجهز دلوقتي عشان تقعدوا فيه.. هناك محدش هيعرف يوصلكم وهيكون أمان أكتر.
لم تتخلص “جليلة” من توترها، بل إنها مازالت قلقة من ردود الفعل التي سيلاقوها، وكيف ستتخلص وابنتها من كل هذا الحصار؟. ومع التفكير فيما مررن به وما يعانوه منذ سنوات وجدت صدرها يضيق عليها، كأن الأرض بكل ناسها ومساحتها لا تسعها هي وابنتها. أشاحت بوجهها بعيدًا عن “رحيل” لئلا ترى ذلك الحزن المُخيّم على وجهها هي أيضًا، فالأخيرة تحمل عبئًا يكفيها ويفيض، هي بالأساس تشعر بضيق الدنيا عليها وتحاول هي الأخرى أن لا تظهر ذلك، وكل ما يشغل بالها ماذا يخبئ لها مستقبلها الغامض المخيف؟.
***************************************
خرج آخر رجال الشرطة من القصر، بعدما فتشوا القصر تفتيشًا عميقًا مدروسًا، للبت في محضر الإختطاف الذي حرره “حمدي الطحان” والتأكد من صحتهِ أم عدمه، وكانت النتيجة سلبية مائة بالمائة.
كان “هاشم” جالسًا في البهو، ساقهِ اليسرى أعلى ساقهِ اليمنى، يحتشي قهوتهِ الغامقة متلذذًا بنكهة البُن العربي الأصيل ورائحتهِ المنعشة للرأس، فـ استمع لصوت العصا التي تصطك بالأرضية، حينما كان “حمدي” يقترب منه وهو يسأل بصوت صادح :
– وديتهم فين يا قليل الأصل؟.. خبيتهم ولا عملت إيه ياجبان؟.
تأفف “هاشم” وهو يضع قهوتهِ جانبًا، ثم نظر إليه ممتعضًا بعدما استنزف الأخير كل بقايا صبرهِ :
– وبعدين معاك؟.. أنا بقول إنك راجل كبير وعيب أوي أهزأك في بيتي، بس أكتر من كده هرد عليك رد مش هيعجبك أبدًا.
نهض “هاشم” وهو يتابع :
– أظن الشرطة فتشت وانت اتأكدت إن مفيش حد، ياريت بقى توريني جمال خطوتك البهية برا بيتي.
ثم أشار لضابط الشرطي الذي لحق بهم فيهما بعد وسأل :
– ولا إيه يا حضرت الظابط؟.
– مظبوط ياحج.. مفيش أي داعي لوجودنا هنا.. أنا هبلغ الدوريات والأقسام والمراكز بمواصفاتها للبحث عنها، وأول ما يكون في نتيجة هنبلغك على طول.
لم تنطلي تلك الخدعة على كلاهما، وعينا “حسين” تبرز من وجهه گالوحش الذي سينقضّ على خصمهِ؛ لكن أي حوار وسط وجود أفراد من رجال الشرطة لن يجدي نفعًا، وطالما إنه أخرجهمن من قصرهِ فالمسافة ليست ببعيدة، بل إن ذلك أفضل بالنسبة إليه وسيتيح له الفرصة لإيجادها بشكل أسهل وأسرع.
أمسك “حسين” برسغ والدهِ، وضغط عليه ضغطة واحدة ليقول :
– صح، وجودنا ماعدش ليه لزوم ياحج.. يلا بينا.
لم يُطور “حمدي” الحوار بينه وبين “هاشم” طويلًا، وفهم على الفور أن تلك رغبة ابنه أيضًا، فـ انسحب للمرة الثانية بدون أن يقوَ على فعل شئ، وبدون أن يحصل على إبنة أخيه وأمها، ليتضاعف شعورهِ بالخزي اللاحق به، خرج بدون أن يوجه كلمة أخرى يزيد بها من حماقة الموقف الذي وقع فيه، وكلما غضب أكثر كلما حمّل” رحيل” فاتورة غضبهِ التي ستدفع ثمنها غاليًا، خرج موصومًا وكل ما يريده هو وأدها حية، بينما خمس له “حسين” وهو يسير متعرجًا بجواره :
– كده أحسن ياحج.. خروجها من هنا هو اللي هيخلينا نعطر فيها بسهولة.. وانا بقى مبقاش ورايا غير إني أدور على الـ ×××× دي.
***************************************
أغلق “مراد” الباب من خلفهِ بعدما صعد بهم للشُقة المراد تسكينهم بها، ثم التفت إليهم ومدّ يده بنسخة المفتاح لـ “جليلة” قائلًا :
– ده نسخة من مفتاح البيت عشان تقفلوا ورايا بعد ما أنزل.
تناولته “جليلة” ممتنة لصنيعهم معهم :
– أنا مش عارفه أشكركم أزاي بس.
– لا شكر على واجب ياحجة.. المهم ترتاحوا دلوقتي وبعدين نتكلم.. أنا هعمل أوردر أكل هيجيبلكم خلال ساعة، وأي حاجه محتاجة ليها هتبعتي البواب يجيبهالك.
نظرت “رحيل” من حولها وهي تسأل :
– هو احنا فين هنا؟.
أجاب عليها “مراد” بإختصار :
– في مدينة الشيخ زايد.
– لأ مقصدش.. قصدي ده بيت مين؟.
أشار “مراد” لنفسه وهو يقول :
– بيتي وبيت هاشم.. الأتنين واحد ياهانم.
ثم أشار نحو قدمها :
– أنا رأيي ترتاحي لأن رجلك نزفت في الطريق، في علبة إسعافات في الحمام الكبير اللي برا.. ولو في حاجه كلميني هبعتلك أي ممرضة تغيرلك على الجرح.. هتلاقي رقمي على التليفون اللي معاكي.
ثم استعد للإنصراف :
– عن أذنكم.
صاحبته “جليلة” نحو الباب :
– أذنك معاك يابني.
استندت “رحيل” على عصاها ونهضت، مشت ببطء وبدون أن تضغط على قدمها كثيرًا، مستكشفة المكان الراقي من حولها، كان منزلًا عصريًا حديثًا، أثاثهِ راقي ومناظرهِ عصرية تواكب أحدث صيحات (الموضة والديكور)، أعجبها كل شئ هنا للغاية. تطلعت على أحد الغرف فكانت غرفة نوم فسيحة ملحق بها سرير عريض وفخم، وزاوية مخصصة لتبديل الملابس بها العديد من الخزانات المفتوحة (Dressing Room) ،أيضًا منضدة للزينة بالكرسي، ومجلس للجلوس في الجانب الآخر من الغرفة مكون من طاولة دائرية ومقعدين من الجلد الوثير.
جلست “رحيل” على طرف الفراش فـ غاصت فيه من شدة الإريحية التي تتمتع بها المرتبة، ورفعت ساقها على عليها لتحس ببعض الطمأنينة تتخلل صدرها القلق المتوتر، فدخلت إليها “جليلة” وهي تمسك بكأس من الماء :
– خدي اشربي شويه ميا يا رحيل، زمان ريقك نشف من المشوار.
امتنعت “رحيل” عن الشرب وقد بدا عليها الإرهاق الشديد :
– مش عايزة يا ماما.. مش عايزة حاجه غير إني أنام وبس.
فتحت لها “جليلة” الغطاء لكي تتدثر به :
– طب نامي شويه ياحببتي.. وانا هصحيكي لو العشا جه عشان تاكلي لقمة.
هزت “رحيل” رأسها بالنفي :
– متصحنيش ياماما.. خليني نايمة لحد ما أصحى لوحدي.. أنا الأيام اللي فاتت مكنتش بعرف أنام من كتر الخوف، بس انا هنا مرتاحة أكتر.
وأرخت رأسها على الوسادة الطرية الناعمة، فـ وضعت عليها “جليلة” الغطاء وهي تقول :
– نامي يا رحيل، تبات نار تصبح رماد إن شاء الله.
وتركتها تنفرد بالفراش وراحت تجلس هي على المقعد الجلدي، مازالت تفكر وتفكر، غير قادرة على تجاوز القلق المخيف المسيطر عليها، وهي ترى وحيدتها تعاني من مواجهة المؤامرات وتقف في مهبّ الريح، قد تسقط في أي لحظة، وقد تفقدها أثر لحظة تهور من عائلتها الظالمة، وبات القانون ورجاله غير كافيين على حمايتها وردع ذلك المجنون، عليها أن تفكر في حلّ أكثر واقعية، حلّ أكثر أمان لهن.
************************************
لم يكن متلهفًا كما كان الحال لديها، فـ منذ طلعت شمس يوم جديد وهي تنتظر لقاء طليقها على أحرّ من الجمر، كي يوافيها بآخر قراراته حول ابنتهم التي ما زالت بين يديهِ ويمنعها عنها. فجلست بأحد الأماكن العامة الهادئة التي اختارها هو، وقد وصلت إليه قبيل موعدهم بنصف ساعة تقريبًا، أما هو فقد خرج للطريق في الصباح بدون أن يتعجل أو يتسرع، فالأمر كله روتيني ولا يعنيهِ للإهتمام به، فقط مقابلة سيفرض فيها شروطهِ من جديد.
وصل “هاشم” للمطعم وأنفه تشتاق لرائحة الإفطار الصباحي في ذلك المكان الراقي، ومع دخوله كان المسؤول عن المكان يرحب به بحفاوةٍ :
– أهلًا وسهلًا يابشمهندس أهلًا.. أتفضل.
نزع “هاشم” نظارتهٍ الشمسية السوداء وهو يقول :
– تسلم يا چون.. خليهم يحضرولي الفطار بتاعي.. أنا قاعد هناك.
– حالًا.. أتفضل.
دخل “هاشم” نحوها وهي تنظر إليه بكراهيه شديدة لم تشعر بها من قبل، وأول ما سألته عنه هي وحيدتها الصغيرة :
– ليلى فين؟.. ليه مجتش معاك؟ .
وضع “هاشم” معطفهِ على ظهر المقعد ثم نظر إليها وهو يقول :
– لما نتكلم هبقى أشوف الموضوع ده.
لم تجد “كاميليا” سوى مواصلة تهديداتها التي لم تفي بالغرض معه في أي مرة :
– أنا كل ده مش عايزة أرفع عليك دعوى أتهمك فيها بخطف بنتي ياهاشم.
قطب “هاشم” جبينهِ مستنفرًا عدائيتها :
– دعوى مرة واحدة؟.. انا افتكرتك عرفتيني أكتر من كده ياكاميليا.. بس شكلك معرفتنيش خالص.
بدأ النادل يضع أطباق الإفطار المعتاد عليه “هاشم” هنا، فصمت كلاهما عن الحديث للحظات، أثناء تسديد “كاميليا” تلك النظرات الممتعضة لطليقها، والذي بادلها بنظرات أكثر هدوءًا، لا تتناسب أبدًا مع حقيقة ما يكنّه لها من شعور. انصرف النادل أثناء بدء “هاشم” في تناول الطعام، حينما كان يتحدث بفتور :
– اسمعيني كويس ياكاميليا، أنا مش هعيد الكلام مرتين.. انتي أم غير مؤهلة للإهتمام بطفلة في سن ليلى، انتي دلوقتي بقيتي ردّ سجون وعليكي قضية.. تفتكري في قاضي هيحكملك؟.
لم تهتم بالمكان الذي تتواجد فيه أو الناس المحيطين بها، وفجأة كانت تصيح بدون أدنى تماسك:
– إنت فاكرني مش عارفه إنك أنت اللي دبرت كل ده؟.. أنا فاهمة كويس انت بتحاول تعمل إيه، عشان كده رفعت قضية الحضانة بمجرد ما اتقبض عليا، بس انا مش هسيبلك بنتي مهما حصل ياهاشم.
مضغ الطعام وهو يشعر بالعيون التي توجهت نحوهم، فلم يعير للناس اهتمامًا، وتابع تناول إفطارهِ وهو يردف بـ :
– أهدي يا حببتي إحنا في مكان عام، الناس مش لازم تعرف إنك رد سجون وكمان شرشوحة!.. عيب.
كادت ترد على كلماته الجارحة لولا إنه استوقفها مستكملًا :
– انا لسه مخلصتش كلامي.. وبعدين أنا إنسان ديمقراطي وهخليكي تشوفي بنتك وتقضي معاها وقت، أنا مش ظالم عشان أحرم ليلى منك، بس كله بشروط.
ضربت على الطاولة وهي ترفض لهجتهِ المتعجرفة :
– مفيش قانون في الدنيا هينصفك ويقول الكلام الخايب ده.. ولو عايزها محاكم انا معنديش مانع ونفسي هيكون طويل معاك.
ارتشف “هاشم” رشفة من مشروب القهوة سريعة الذوبان، ثم ترك الفنجان وهو يسألها :
– وتفتكري دكتور رمزي هو كمان نفسه طويل وهيستناكي تخلصي حربك معايا؟!.
حاولت أن تتصنّع هذا الثبات المرتجف، بينما عيناها الباهتة صارت أكثر لمعانًا وشرودًا، في اللحظة التي تحولت أطرافها لكتلة من الجليد :
– قصدك إيه ؟.. وتعرف زمايلي منين؟.
مطّ “هاشم” شفتيه متعجبًا نعتهِ لها بزميل :
– اللي اعرفه إنك دكتورة جلدية.. إزاي زمايلك دول في عظام؟.
ثم ابتسم ابتسامة باهتة للغاية وهو يتابع :
– ولا الأقسام في الطب نفدّت على بعضها يا دكتورة؟.
مسح “هاشم” فمه بالمنديل وقد تبدلت ملامحهِ لأخرى، ملامح يحاول يواري ظلمتها الكاحلة وهو يردد :
-خـسارة.. الفطار النهاردة ماسخ وملهوش طعم.
ثم نهض عن مكانهِ وهو يسحب معطفهِ ليقول :
– لما تكوني مستعدة تواجهيني بالحقيقة إنا مستنيكي.. بس خلي بالك إني مش هستنى كتير، وللصبر حدود.
انتقل نحو باب الخروج وهو يشير لمسؤول المكان :
– الحساب عندي ياچون.
– اعتبره وصل يابشمهندس.
خرج أمام عينيها وهي عاجزة متجمدة في مكانها، حطّت الصدمة على مداركها گالحجر الصلد، وبقيت هكذا لبعض الوقت، تُرى ما الذي يعلمه؟ ولماذا بقى صامتًا طيلة هذه المدة؟.. وإلى أين وصلت معلوماته عن علاقتها بـ “رمزي” وما مدى صحة هذه المعلومات. بدأت “كاميليا” تصاب بالإرتباك، على الرغم من إنها على قناعة تامة إنها لم ترتكب أي خطأ، لم تخنهُ، لم تُقيم علاقة وهي إمرأة متزوجة، ولم تهب لقلبها حُب آخر بينما فراشها ينام عليه زوجًا لها، حتى وإن كان زوج لم تعد ترتضيه، لم تعد تشعر بدفئهِ أو حنانهِ، لم تجد فيه سلواها، وكل ما حظيت به منه مجرد أسم شهير في عالم الأعمال، أما عن الإنسان الذي يعيش بين ثناياه فهي لم تقابلهُ قط، ولو بمحض الصدفة.
أمسكت “كاميليا” بحقيبتها وخرجت في عجالة، لا تعلم إلى أين ستذهب وماذا ستفعل؟.. وكل ما يشغل بالها الآن هو الوصول لأصل المعلومات التي يمتلكها ومنذ متى وهو على علم بها؟ ؛ لكن الآن هي لحظة الإنفراد بنفسها، لكي ترتب أوراقها المتبعثرة، وتعود لمواجهتهِ بالحقيقة كاملة.
*************************************
زيارتهِ الأساسية كانت لها، ذهب لكي يطمئن على الأوضاع بعد نقلهم للعاصمة، ولكي يتأكد من إنها راضية عن المكان الذي وضعها فيه، مصطحبًا معه طبيب العائلة المفضل، والذي أتى بنفسهِ للإشراف على جرحها. دخل الطبيب إليها وبقى هو بالخارج، حيث استقبل الحارس الذي اشترى كل حوائج المنزل من أطعمة مجمدة وطازجة ومعلبات ولوازم أخرى سيحتاج إليها المنزل في ظل إقامتهم به. ثم خرج بعد مرور عشرون دقيقة تقريبًا برفقة “جليلة” وهو يتحدث إليها :
– طبعًا المجهود اللي عملته امبارح فتح غرزة من الغرزات وده اللي عمل النزيف، لكن الوضع مش مبالغ فيه متقلقيش.
أومأت “جليلة” رأسها بتفهم :
– فهمت يادكتور.
– أنا هكتب لها مضاد حيوي ومضاد للإلتهاب والتورم، مع المسكنات طبعًا.. وهتابع معاكوا بالتليفون لو في أي حاجه بلغوني.
تناول “هاشم” الوصفة العلاجية منه قائلًا :
– شكرًا يافريد.
– على إيه ياهاشم.. انت تؤمرني.
نهض الطبيب عن جلسته وهو يقول :
– خليك انا عارف طريقي.. هبقى أكلمك بعدين.
– مع السلامة.
ثم نظر “هاشم” إلى “جليلة” متسائلًا :
– ممكن تستأذني منها أطمن عليها؟.
– آه طبعًا.
واستبقته للداخل لحظات قبل أن تناديه :
– تعالى يابني.
دخل إليها “هاشم” والبسمة العريضة تزين محياه المعطى بلحية خفيفة منمقة:
– صباح الخير يا هانم.. يارب تكوني أحسن.
ابتسمت “رحيل” مجاملةً للطفهِ :
– الحمد لله، أنا مش هنسى وقفتك جمبي مهما حصل.. وان شاء الله موضوع القضية يتحل ومتتورطش مع عمي في مشاكل أكتر من كده.
– متفكريش كتير في الموضوع ده.. المهم سلامتك وبعدين نتكلم في أي حاجه تحبيها.
كانت “جليلة” تراقب اهتمامهِ الجميل بها، ورأسها تقلب في فكرة هي وليدة اللحظة، فكرة قد تقيهم من تقلب الأقدار والفواجع، حينما كانا يتبادلان الحوار، وسألته “رحيل” بفضول شديد :
– هو عمي.. عمل إيه لما ملقاش حد مننا هناك؟
وصف لها “هاشم” صعوبة الأمر بشكل أكثر جدية :
– الحقيقة عمك أتجنن خالص.. ده هددني في بيتي ومن غير ما يعمل أي حساب للشرطة، تصوري إنه قال بكل صراحة إنه عايز يقتلك؟.. أنا مش عارف إزاي هتقدري تكملي الحياة لوحدك بعد ما المحكمة تحكملك.. محدش منهم هيسيبك في حالك.
ساد الإرتباك بين كلتاهما، فالوضع أصبح شديد الصعوبة والحساسية معًا، والخوف من القادم هو سيد الموقف الآن. تحقق ما أراده “هاشم”، وزرع في قلوبهن الذعر الحقيقي، لئلا يفكرنّ في المغادرة أو التنازل عن حمايتهِ الغير مبررة لهن، وحينما تأكد إنه وصل لغرضهِ بكل نجاح؛ أشار للوصفة العلاجية التي في يده وهو يقول :
– أنا هطلب الروشته من الصيدلية عشان يجيبوها وأشوف المحامي وصل لأيه في قضيتك.. عن أذنكم.
خرج “هاشم” وفي أعقابهِ “جليلة” بدون تنتظر لحظة، ثم استوقفته بعيدًا عن الغرفة وهي تقول :
– استنى يا بشمهندس.
التفت إليها بإهتمام :
– مش بيقولولك يابشمهندس برضو ؟.
ابتسم “هاشم” مرحبًا بلقبهِ العزيز وهو يقول :
– آه بالظبط كده.. أؤمريني.
كانت متوترة، وما تفكر فيه هو الجنون بعينهِ، ولكن الحقيقة إنها بعد كل سمعته الآن وما سمعتهُ من “منال” منذ قليل من أخبار صادمة هو الذي دفعها لتلك الجرأة. لاحظ “هاشم” توترها الزائد، وحركة أصابعها المرتبكة وهي تفركهما معًا، فـ ازداد فضولهِ ليسألها بإهتمام أكبر :
– قلقتيني ياهانم.. في حاجه حصلت ضايقتكم ولا إيه؟.
ازدردت “جليلة” ريقها، واستجمعت شجاعتها المهدرة لتقول في جملة واحدة :
– أنا بعرض عليك إنك.. تتـجوز من بنتـي……
ألجمت الصدمة لسانهِ، وعيناه التي اتسعت فجأة عبرت عن حجم المفاجأة التي تلقاها للتو، إذ إنه لم يحسب أبدًا حسابًا گهذا، والآن بات محاصرًا أمام عرض خـطيـر……
**************************************
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ليلة في منزل طير جارح)
التعليقات