رواية أنشودة الأقدار الجزء الثالث للكاتبة نورهان العشري الفصل الحادي والأربعون
هُناك أشياء لا تُمنح سوى مرة واحدة فقط، و هُناك أماكن أن غادروها سُكانها فلن تُعانِقهم جُدرانها مرة أخرى، ف قلوبنا عزيزة لا يُستهان بودِها و من خسِرها فلن يظفُر بامتلاكِها أبدًا. لاتسألني متى أصبحت قاسيًا هكذا؟ ولكنها أوجاع الروح لا يُمكِن تجاوزها و لا تمحوها كل عبارات الاعتذار حتى ولو فاق الندم الزُبى.
نورهان العشري.
كان الوضع على صفيح ساخن الجميع مُتأهِب و الأعين تبرقان من شدة الترقُب بينما الأسلحة متحفزة لإفراغ ما بجعبتها في أي لحظة لتحطيم ذلك الصمت الذي تخللته أنفاس مضطربة و دقات غير منتظمة تأهبًا لمعركة دامية.
اخترق ذلك الصمت كلمات «ناجي» المُحتقرة
متى وصلت لهذه الدرجة من الإنحطاط؟ ام انك كنت كذلك من البداية وانا لم الحظ!
«ألبرت» من بين أسنانه
أنا تلميذ جيد أيها المُعلِم.
«ناجي» بشراسة
نعم أؤيدك في ذلك، و لهذا أردت مُكافئتك.
قاطع حديثه رنين هاتفه مما جعله يندهش كونه لم يُخبِر أحد بوجوده في مصر و لكن المُدهِش أكثر هو أن المُتصِل آخر شخص توقعه و لكنه قام برفض المُكالمة فلم يكُن وقته و قد كان ذلك تزامُنًا مع مجيء «حجاج» و رجاله ليتقدم الأخير قائلًا بسخرية
لسه مصفتش حسابك مع الكلاب دول؟ دا انت بطيء اوي؟
أجابه «ناجي» بشر.
معقول اخلصهم كدا بسهولة مش لازم نلعب شويه؟ ولا ايه يا جوهرة!
كانت ترتعب وهي تقف خلف «ألبرت» الذي كان جسده مُتصلبًا من فرط الخوف و لكنه حاول الثبات قدر الإمكان ليقول «حجاج» بوقاحة
هي دي جوهرة؟ طب والله له حق يا ناجي البت جامدة بردو. تستحق يخونك عشانها.
«ناجي» بغل
و بردو يستحق اللي هعمله فيه عشان خاطرها. اصلها غاليه عليا اوى.
«حجاج» بوقاحة.
هسبهولك أنا تصفي حسابك معاه براحتك على ما ننبسط انا و القطة شويه.
ارتعبت «جوهرة» من ذلك الرجل المُقزز و صرخت بذُعر
احنا معملناش فيك حاجه، و ملناش دعوة بشحنة المخدرات والله هو اللي عمل كدا و بدلها، و عشان عرف علاقتي ب ألبرت حب ينتقم مننا و يسلمنا ليك.
التفت «حجاج» الى «ناجي» الذي اغتاظ من حديثها و نظرات «حجاج» اربكته فصاح ينهرها.
اخرسي يا بنت ال و ليكِ عين تكذبي كمان؟ طالعه زي امك. الا هو انا مقولتلكيش امك فاطمة ماتت ازاي؟
سقط قلب «جوهرة» حين سمعت كلماته فتابع بشر
دبحتها. عشان كلبه زيك كدا بالظبط. بعد ما صعبت عليا و اتجوزتها و قولت تربيلي ابني. اتفاجىء بيها بتحطله سم في الأكل. بس اطمني خدت جزائها زي ما انتُ كمان هتاخدي جزائك تمن خيانتك و كذبك
احتقن صدرها بنار الأسى فصاحت «جوهرة» بانفعال.
اه يا ابن ال، ربنا ينتقم منك. انا مبكذبش، و انت عارف كدا. انت اللي بدلت الشحنة عشان تضرب عصفورين بحجر واحد. تضحك عليه و تاخد فلوسه وتنتقم مننا.
أنهت حديثها ثم وجهت حديثها إلى «ألبرت» لتقول بالإنكليزية
أنه يتهمنا بأننا يدلنا شحنة المخدرات بالدقيق ليجعل مستر حجاج ينتقم مننا.
اهتاج «ألبرت» و صاح بانفعال.
ليس صحيحًا فأنا لم أكُن في القاهرة حينها لقد كنت في الدنمارك أُمرِر شُحنة الألماس التابعة له.
ثم وجه أنظاره إلى «حجاج» وهو يقول بتشفي
هل لازلت تتذكر إصرارك عليه لكي يتشارك معك في تجارة الألماس ولكنه كان يرفُض بحجة أنه ليس له علاقة بها هو فقط يُمرِرها؟ لقد كان يكذب و بإمكاني أن أثبت لك.
التفت «حجاج» إلى« ناجي» قائلًا بشراسة.
ايوا صحيح. يا راجل بقى بتستعبطني كل دا؟ دانا اللي فتحتلك الشغل هنا و كلت من ورايا الشهد تقوم تستخسر فيا لقمة طرية زي دي؟
اهتاج «ناجي» صارخًا بانفعال
مش وقته الكلام دا. انت هتسيبهم يلهوك عن الموضوع الأساسي. احنا هنا عشان شحنة المخدرات اللي هما بدلوها.
صاحت «جوهرة» قائلة بسخط
هو اللي بدلها. احنا منعرفش حد هنا ولا لينا مكان هنا كل حاجه تخصه يبقى هنوديها فين.
تدخل ألبرت قائلًا بجفاء
باستطاعتك التأكد من أنني لم افعلها. لقد خرجت المخدرات من ألمانيا و قد كان هو يُشرِف عليها بنفسه لإنني لم أكُن متواجدًا كما أخبرتك إذن هو من أبدلها، و لو افترضنا أنه تمت استبدالها هنا، ألن يكون لديك علم بذلك؟ أنت تملِك السوق بأكمله، و المورد الوحيد هنا. هل يُمكِن أن اوزعها في السوق دون أن تعلم؟
صمت «ألبرت» قبل أن يقول بتشفي و عينيه على «ناجي» الذي امتقعت ملامحه
تلك الشحنة تم استبدالها من ألمانيا، و لم تدخل البلاد كما اوهمك. لقد تلاعب بك لكي يأخذ النقود فهو ماهر في ذلك.
كانت كل الدلائل تُدينه لذا التفت «حجاج» اليه بشر تساقط من بين حروفها حين صاح غاضبًا
اه يا ابن ال بقى بتستغفلني و تلبسني العمة. طب وديني لدافنك هنا.
تراجع «ناجي» إلى الخلف و قد تفرقت اسلحة رجالة جزء موجه إلى كُلًا من «ألبرت» و «جوهرة» و الآخر موجه إلى «حجاج» و رجاله، و قد كانت الغلبة لهم لأن «ناجي» هو هدفهم الوحيد و قد أيقن الأخير ذلك ليقول بمُهادنة
حجاج. متسمعلوش. انا مش ناقصني فلوس عشان اخدعك أو اضحك عليك. دول بيضربونا في بعض.
«حجاج» بسخرية.
أنت مش ناقصك فلوس انت ناقصك أصل. يا راجل دا انت اللعنة اللي نزلت على عيلتك. محدش فلت منك. دايس ع الكل حتى عيالك. لكن انا بقى هكسب ثواب فيهم و اريحهم منك و من شرك.
تناثر أچاچ كلماته على ذلك الجرح داخله فتلك الجملة سبب ولادة ذلك الشيطان بداخله ليخرج صوته صارخًا حين قال
اخرس يا ابني ال انا ناجي الوزان خسارة في العيلة دي. دول كلهم كلاب محدش فيهم يستحق أنه يعرفني ولا يقرب مني. حقدهم مني هو اللي دمرني.
قهقهات ساخره خرجت من فم «حجاج» الذي قال بتهكم
لا يا شيخ! دا المرض اللي بتقنع نفسك بيه. ياخي دول بيقرفوا منك. حتى اخوك سيادة اللوا. انت نبت شيطاني بينهم…
لم يحتمل تلك الكلمات التي كانت بمثابة حقيقة سوداء يُحاوِل بشتى الطرُق الهروب منها ليقوم بانتزاع أحد أسلحة رجاله و يوجهها إلى «حجاج» و هو يقول بشر
كدا بقى انت اللي جنيت على نفسك، و طلبت اخرتك وانا هنولهالك.
لم يكد يُنهي جملته حتى انطلقت رصاصة من خلفه لتتوسط كتف «حجاج» و بعدها توالى الرصاص كالمطر من جميع الجهات إلى أن أتت واحدة من العدم نالت من خزان الوقود باليخت ليتفجر بقوة و تندلع نيرانه حتى بلغت السماء أمام تلك الاعيُن التي كانت تُراقِب ما حدث براحة للحد الذي جعل دموع الفرح تتساقط كانهار سقطت بعد ثلاثون عِجاف.
اللهم باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك.
أخيرًا انتهى الاحتفال وقد أضناها التعب لتستأذن من الجميع و تتقدم إلى الأعلى فأذا ب«مروان» يوقفها قائلًا بسماجة
بقولك يا أم سليم. ماتيجي اقولك على موضوع.
«فرح» بتعب
معلش يا مروان خلينا نأجل الموضوع شويه انا تعبانة وعايزة ارتاح.
أنهت جملتها و التفتت تنوي المُغادرة فصاح الآخر بانفعال
استني نأجل ايه. اقفي عندك. لا دي مواضيع متتأجلش. دي حياة أو موت.
جزعت من صياحه و تفشت وخزات القلق بصدرها من كلماته فقالت بلهفة
في ايه يا ابني انت؟ خضتني. موضوع ايه؟
باغتتها كلماته حين قال بسلاسة
بفكر اعمل بطارية أرانب في الجنينة اللي ورا ايه رأيك؟
بهتت ملامحها من كلماته فقالت بصدمة
نعم!
«مروان» بثرثرة.
ايوا يا بنتي. مشروع ارانب كدا صغير اجري وراهم انا و عم مجاهد. مانا هقولك على حاجه طول ما انتِ و أختك ورا العيلة دي اكيد هنفلس، فأنا قولت الحق نفسي و أأمن مستقبلي و أبدا في المشروع بتاعي من بدري ولا أنتِ ايه رأيك؟
«فرح» بحنق
انت متخلف يا مروان؟
رفع أحد حاجبيه قبل أن يقول بسخط
تصدقي انا غلطان عشان بشاركك مشاريعي المستقبلية. دانا كمان كنت ناوي اشاركك بس يلا ملكيش في الطيب نصيب.
زفرت «فرح» خانقة وقررت الصمت و الصعود إلى الأعلى ليوقفها «مروان» بلهفة
طب بقولك في مشروع تاني انقح.
التفتت قائلة بسخط
مروان ارحمني انا من وقت ما جيت من المستشفى قاعدة معاكوا لما حاسة اني خلاص هيغمي عليا. ارحمني بقى، و أجل مشاريعك دي لوقت تاني. أو روح قول لسما هي مش مراتك بردو.
«مروان» بسخط
سما مين يا ولية أنتِ. انا ناقص فقر. دي هتموت الكتاكيت مشلولين.
«فرح» باندهاش
كتاكيت ايه مش قولت ارانب!
«مروان» مُصححًا
لا ما هو دا المشروع الانقح اللي لسه كنت بقولك عليه من شويه.
نظرت إلى الصغير الذي كان يتململ في يدها ثم قالت بارهاق
معلش يا ابني قدرك يبقى المعتوه دا عمك.
«مروان» بسخرية
طب بقولك ايه ما تجيبي الواد دا أما اربيهولك و أنتِ اطلعي اتخمدي.
تعاظم الغضب بداخلها قبل أن تقول بحدة
امشي من وشي يا مروان.
لون الخُبث ملامحه لثوان قبل أن يسترجع ملامحه الساخطة قائلًا
جك مشش يا بعيدة. روحي أنا غلطان اني احتفلت بيكِ. لا وقال عايز اخد الزنان دا منك عشان اريحك.
تبلور الأسى فوق ملامحها وهي تقول بنبرة اشبة بالبُكاء
هو زنان بعقل. دانا بقالي تلت ايام منمتش.
«مروان» بتخابُث
طب جدعنه مني هاتيه و اطلعي ريحي ساعتين ولا حاجه، و أنا هقعد بيه انا و الست ستات اللي جوا دول.
رقت نبرتها حين قالت.
تصدق انا كنت فهماك غلط يا مارو. خلاص خليه معاك شويه بس خلي بالك منه.
«مروان» بمُزاح
لا متقلقيش انا مُجبر اخلي بالي منه، عشان محتاج رقبتي اليومين الجايين.
لم تُعلِق على مُزاحه بل أعطته الطفل بعد أن قبلته برفق فوق جبينه لتتوجه إلى الأعلى بينما تراجع «مروان» إلى الداخل لتقول« أمينة» بلهفة
ها طلعت؟
«مروان» بتفاخُر
عيب يا امونة هو انا اي حد ولا ايه؟
اندفعت «جنة» قائلة
لحظة بس. هو أنتِ عارفه هي طالعة فوق ليه يا ماما؟
«أمينة» بسلاسة
طبعًا عارفه.
التفتت «جنة» إلى« مروان» الذي كانت عينيه تدور في جميع الاتجاهات فصاحت به
هو انت يا ابني مش قايلي أن سالم عامل مفاجأة لفرح و محلفني مقولش لحد؟
و تدخلت« شيرين» أيضًا قائلة
ايوا وقالي انا كمان و حلفني مقولش لحد.
أيدها كُلًا من «طارق» و «سليم» قائلين
و كذلك احنا حلفنا متقولش لحد.
لم تستطِع «لبنى» الصمت فقالت بتقريع
طبعًا حضرتك قولت للكل و حلفتهم ميقولوش لحد؟
تابعت «نجمة» بسخط
وه دا جالي انا كمان أكده. السؤال هنا بجى مين الحد اللي المفروض مكنش يعرِف بالمفاچأة؟
إجابتها «حلا» ساخرة
تقريبًا يقصد عم مجاهد!
صاح «مروان» باندفاع.
لا طبعًا عم مجاهد ايه؟ دا صديقي و كاتم أسراري.
ناظر الجميع ثم توقفت عينيه على «هارون» ليقول بلهفة
اهو هارون البغل دا اللي مكنتش عايزه يعرف.
«هارون» بصدمة
نعم. انا. هو انا مش مطلع معاك كراتين و حاجات قد كدا أوضة سالم و قولتلي أصله عامل لفرح مفاجأة حتى قعدت تحقد عليها بالأمارة.
صاح «مروان» غاضبا.
بقولكوا ايه انا صدعت منكوا ايه يعني لما كلكوا تعرفوا و متقولوش لحد. ه تتشلوا! المهم دلوقتي الكبير ميعرفش حاجه و إلا هيعمل من فخادي بانية.
هو مين دا اللي هيعمل من فخادك بانية؟
كان هذا صوت» سما» الآتي من الخلف فتناسى «مروان» كل شيء وانبهر بهيئتها الساحرة فهتف مُغازلًا
مساء الدلع ع. اللي خد قلبي و خلع.
أخفضت رأسها خجلًا فتدخلت «همت» القادمة من الخارج لتنهره.
مساءك زي وشك يا قليل الحيا انت؟
تمتم «مروان» حانقًا
مساء الهباب عاللي معيشني في عذاب.
قهقه جميع الموجودين فاندفع «هارون» إلى والدته ليقودها إلى المقعد فتوجهت« همت» بجانب «لبنى» وهي تقول بحنو
قعدني هنا يا هارون.
تفاجئ كُلًا من «هارون» و« لبنى» من حديث« همت» التي تابعت وهي تربت بحنو على كتف« لبنى» قائلة.
انا مدينة بالشُكر للبنى اللي أنقذت حياتي، و اللي لولاها كان زماني ميتة
نطق الجميع في آن واحد و أولهم «هارون»
بعد الشر عنك يا ماما.
توقفت عينيه على تلك التي كانت مُنكمِشة على نفسها فهي فريسة لجميع الاعيُن التي تُطالعها الآن وخاصةً عينيه التان تُشبها عيني الصقر فحاولت تجاوز نظراته التي تبعث الرهبة في نفسها وهي تقول بحرج
انا معملتش حاجه يا طنط.
قاطعتها «همت» بجدية.
مفيش طنط دي. قوليلي ماما زي شيرين و سما أو قوليلي عمتو زي الباقي سيبك من الحيوان دا هو الوحيد اللي بيقولي يا همت.
كانت تُشير إلى «مروان» فضحك الجميع ما عدا «هارون» الذي انكمشت ملامحه بحيرة من هوية انتمائها لهم خاصةً و أن تلك التقارير التي وصلته عن العائلة لم تكُن تشملها لذا قال باستفهام
هي المفروض تقولك ايه اصلًا؟
هنا اشتبكت أنظار الجميع لثوان فتدارك «مروان» الأمر لألا يُحرِك تلك المسكينة التي وضعت أولى خطواتها في التعامل معهم بأريحية لذا قال باستفهام
بقولك ايه يا لولي ما تقوليلنا همت بتشكرك على ايه؟ أصلها غريبة شوية الست دي متعرفش ربنا اصلًا.
تدخل «طارق« بسخرية
طبعًا ما انت عايم في مية البطيخ. هتعرف منين؟ يا ابني لبنى أنقذت عمتك من ايد جوهرة بعد ما كانت عايزة تقتلها.
برقت عينيه للحظات قبل أن يلتفت إلى «لبنى» ليقول بتحسر
حسبي الله ونعم الوكيل يا شيخة.
تعالى قهقات الجميع و اندمجوا في أحاديث عابرة إلى أن جاء موعد العشاء فتقدم الجميع إلى غرفة السفرة و كانت هي آخر من يتوجه خلفهم لتستمع خلفها الى صوتًا عميق ذو نبرة خشنة جعلت حفنة من الوخزات تتفشى في سائر جسدها
دانا طلعت مدين بأعتذار و شُكر!
توقفت في مكانها ل تلتفت قائلة بعدم فهم مُتعمد
نعم!
ضيق عينيه و قد فطن الى ادعائها عدم الفهم دلالة على أنها لازالت غاضبة منه ليقول بصوتًا أجش و شبه ابتسامة مرحة مُرتسمة على ملامحه
بقول اني مدينلك باعتذار و شُكر.
نظراته أضرمت نيران الخجل في سائر جسدها حتى تلون خديها بلون التفاح الشهي لتحاول تجاوز ذلك الحرج قائلة بجفاء
لا مش مدينلي بحاجه. عن اذنك.
كانت تود الهرب تخشى شيء مجهول يُحيط بها كما تخشى ذلك الضخم الذي يملك عينان حادتان تشعُر و كأنهما تنفذان إلى الأعماق وقد كانت أعماقها مليئة بالندبات البشعة التي تجعلها تريد الهرب من كل شيء حولها ولكنه و لشيء ما لا يعرف كنهه أوقفها قائلًا بلهفة
لا معلش ماهو مش أنتِ اللي تقرري دا.
شعرت بالغضب منه فقالت بسخط
هو ايه اللي هقرره بالظبط؟
«هارون» بنبرة خطرة
إذا كنت مديونلك ولا لا؟
أرادت إنهاء النقاش باي طريقة ولكن هناك شعور خائن داخلها يود أن يعرف ماذا يرمي بكلماته لذا قالت باستفهام
و ممكن اعرف بقى مديونلي بأيه؟
ما قولتلك باعتذار و شكر.
هكذا تحدث بسلاسة فباغتته قائلة بهدوء
تمام اتفضل سدد دينك.
ليُباغتها هو الآخر حين قال ساخرًا
لا ماهو كفاية اوي اني اعترفت بيه.
أنهى جملته ليتجاوزها قاصدًا مغادرة الغرفة فتعاظم الحنق بداخلها فصاحت غاضبة
تصدق انك مُستفز.
التفت قائلًا بسخرية.
قصدك هِلف مُستفز!
قال جملته و التفت مُغادرًا الغرفة لترتسم ابتسامة عريضة على ملامحها من حديثه لتتفاجأ به حين عاد يُناظرها بعبث تجلى في نبرته حين قال
شوفتك على فكرة.
شهقة خافتة شقت جوفها حين سمعت كلماته قبل أن يُغادر وهو يبتسم على تلك الفتاة البريئة الغامضة التي تحمل سحرًا خاصًا في ملامحها و عينيها اللتين تشبهان جرتين من العسل الصافي إضافة إلى وجه صغير مُنمقة تفاصيلة فوق بشرة خمرية فقد شكل كل ذلك خليط جمالي من نوع خاص.
اللهم إني أسألك يا فارج الهم، و يا كاشف الغم، يا مجيب دعوة المضطرين، يا رحمن الدنيا، يا رحيم الآخرة، ارحمني برحمتك. اللّهم ارزقني الرّضى وراحة البال، اللهم لا تكسر لي ظهراً ولا تصعب لي حاجة ولا تعظّم عليّ أمراً، اللهم لا تحني لي قامة ولا تكشف لي ستراً ولا تفضح لي سرّاً.
بأقدام مُثقلة بالتعب توجهت إلى غرفتها لترتاح رغمًا عن ألم قلبها ل تحوله المُفاجيء معه وقد خشيت أن يأخذها بذنب ابن عمها إضافة إلى حديث ذلك الرجُل فقد اتعبها كل شيء لتُقرر اللجوء إلى غرفتها طلبًا للراحة فما أن فتحت باب الغرفة حتى تجمدت بمكانها حين شاهدت ذلك المظهر الخلاب ورود بكل مكان و روائح رائعة و لكن المُدهش تلك الصور الفوتوغرافية التي تعج بها الغرفة فتوجهت إلى أول صورة التي كانت تُشبه إمرأة عابسة الملامح مفطورة القلب ترتدي نظارة طبية لم تكُن بحاجتها يومًا لتتفاجيء بيد قوية تُعانق خصرها و لهجة خشنة تهمس بجانب أذنها.
دي كانت أول مرة شُفتك فيها. بنت قوية، شُجاعة، جريئة، و في نفس الوقت كانت طفلة مع اول كلمه اعجاب بتتكسف ووشها ب يحمر.
ابتسامة رائعة لونت ثغرها أضافة إلى نيران مُلتهِبة اجتاحت صدرها وهي تتذكر أول لقاء بينهم و تلك الجُملة التي غازلها بها
جنة اختك شبهك؟ حازم طلع بيفهم. اهي حاجه تشفع له.
ضمتها يديه إليه أكثر ليتوجه بها إلى الصورة الآخرى و التي كان يفصل بينها و بين الأولى خيط رفيع به قلوب حمراء و ما أن توقفا عند تلك الصورة التي تفاجئت بها فقد التقطت لها ذلك اليوم حين خرجت تتمشى في الحديقة التي كانت أمام بيتها بعد أن خلعت اقنعتها تاركة العنان لخصلاتها أن تشع حولها مثل الشمس وهي تُغمِض عينها بتعب ل يأتيها صوته العاشق حين قال.
الصورة دي اللي خلت قلبي يدق. بعد ما وقعت كل الأقنعة وظهرت لي حورية شبه الشمس في جمالها على الرغم من خوفها و تعبها الا أنها كانت مُبهرة لدرجة تخطف العين و القلب.
تناحرت دقات قلبها و انتابتها رعشة قوية حين اقتادتها يداه إلى صورة أخرى تشبه سابقتها و لكن تلك المرة كانت وهي تفتح عينيها لتسمع تنهيدة قوية لفحت بشرتها من الخلف و صوتًا أجش اخترق حدود قلبها حين قال.
الصورة دي جننتني. أول ما عيني جت عليها لقيت نفسي بقول هو في جمال كده؟ للحظات مقدرتش اشيل عيني من على عنيكِ، وكل اللي جه في بالي ازاي تفكري تداري الجمال دا كله؟
صاعقة برق ضربتها حين استشعرت دفء قبلته فوق كتفها قبل أن يُتابِع بنبرة موقدة
وقتها كنت هتجنن و أقف قدام العينين دي من غير ما يكون بينا أي حواجز. لو مكنتيش جيتي يومها كنت هجيلك.
التفتت ل تتقابل مع عينيه قائلة بنبرة خافتة
قصدك اجبرتني اني اجيلك.
«سالم» بخشونة
دي حقيقة. أول مرة في حياتي ابقى مُستمتع لما حد يجادلني. كنت بشتاق ل خناقنا و بكون في قمة سعادتي لما تقفي قدامي الند بالند.
صمت لثوان قبل أن يتبدل لون عينيه إلى قهوة داكنه احرقتها حرارة الشوق ليُتابع بنبرة موقدة
شغف قاتل كان بيتملكني لما كنتِ بتعانديني. كنت بحاول استفزك على قد ما اقدر. كان بالنسبالي مُتعة مدوقتش زيها أبدًا.
سحب رائحتها إلى داخله قبل أن يتقدم بها إلى صورة أخرى لها وهي تُغادر مسكنها برفقة «جنة» متوجهين للعيش في مزرعته ليقول بهسيس خطر
مقدرتش استنى توصلوا عشان اشوفك. خليت الحارس يصوركوا و يبعتلي بحجة اني عايز اتأكد انكوا خرجتوا.
همست بغنج
دا انت كنت واقع من زمان أوي بقى يا سيادة النائب!
قست يديه فوق خصرها قبل أن يقول بنبرة محرورة.
من أول لحظة شوفتك فيها. لكن محستش بدا غير لما قولتيلي مش هاخد رأيك بعين الاعتبار. وقتها صممت جوايا ان رأيي هيمشي على كل حاجه تخصك بعد كدا.
تحركت معه بخفة لتضيق عينيها حين رأت جاكيت بذلته مُعلق بطرف الخيط الذي يربط صورها و ما أن همت بالاستفهام جاءتها إجابته التي زعزعت ثباتها و أضرمت نيران الشغف بسائر جسدها
الجاكت دا اللي لبستهولك يوم ما كانت جنة في المستشفى.
تذكرت ذلك الجاكت الذي ألبسها إياه ذلك اليوم ليُتابع بنبرة تقطر عشقًا
أول مرة في حياتي كنت اجرب احساس الغيرة اللي خلاني زي المجنون عايز اخبيكِ عن عنين الكل. لدرجة اني اتمنيت لو ترجعي ل الزي التنكري بتاعك تاني عشان محدش يشوف الجمال دا كله. حسيت انك ملكي. انا بس من حقه يشوفك كدا.
ابتسامة رائعة أضاءت ملامحها حين قالت
عشان كدا اتعصبت لما قلعته و ادتهولك؟
مرر أنفه على كتفها وهو يغمغم بخشونة.
كنت عايز اكسر دماغك و اشدك من ايدك اقولك محدش يشوفك كده غيري.
ضاقت عينيه قبل أن يُتابِع بخشونة
و للحظة حسيت اني بحسده عشان حضنك قبلي، و سألت نفسي هيكون ايه إحساسي لما تكوني في حضني؟
أخفضت رأسها خجلًا ليتقدم بها إلى تلك الصورة التي جعلتها تشهق قائلة
اتصورنا امتى الصورة دي؟
ابتسم قبل أن يقول بنبرة مازحة بعض الشيء
دي لما كنا في شرم. يوم الحفلة. يوم ما خطبتك غصب عنك.
هتفت باندفاع
اليوم دا كنت هتشل منك.
أجابها بجفاء
تحمدي ربنا اوي انك خرجتي سليمة من تحت ايدي، و إن الفرح متقلبش ميتم اليوم دا.
«فرح» بلهفة
الحمد لله، و الشكر لله.
دغدغتها كلماته حين قال
اليوم دا جتلي فرصة اني املكك و تكوني ليا. مفرقش معايا اي حاجه لا شكلي قدامك ولا قدام الناس كل اللي كنت عايزه اني أعلن للكل انك ملكي. تخصيني انا وبس.
كان يلهو بدقات قلبها الذي تضخم حتى شعرت بأن صدرها لم يعُد يتسع له ليجذبها برفقته إلى صورة زفافهم لتخرج منه تنهيدة حارقة قبل أن يقول
اليوم دا كان أهم و أجمل يوم في عمري. اليوم اللي أخيرًا هتكوني ليا و معايا بعد كل العذاب دا، و بعد ما حاربت الدنيا و الناس، و الظروف عشان ست الحسن و الجمال تكون من نصيبي.
صمت لثوان قبل أن يقول بعتب
بغض النظر عن نهايته بس هيفضل من أجمل أيام حياتي عشان اتكتبتِ على اسمي.
همست بنبرة عاشقة
و أجمل يوم في عمري انا كمان. عشان اتكتبت على أسم أعظم راجل في الدنيا.
لثم خدها برقة قبل أن يتوجه بها إلى عدة صور تليفزيونية لصغيرهم وهو لا يزال في بطنها فهتفت بلهفة
ايه دا جبتهم منين؟
أجابها بحنو.
كل مرة كنتِ بتروحي للدكتورة من غيري كنت بحس بتأنيب ضمير و حزن كبير تجاهك أنتِ و سليم. بس بالرغم من كل اللي كنت فيه كنت بتابع حالتك أنتِ و هو، و بعد كل متابعة كنت بخلي الدكتورة تبعتلي صورة ليه.
فرحة قويه انتابتها حين سمعت مدى اهتمامه بها على الرغم من كل ما كان يحدُث معهم لتجد نفسها تتوقف أمام باب غرفة الملابس فقد كان ذلك الخيط الذي يربط الصور ببعضهم ينتهي بعقدة صغيرة على باب تلك الغرفة التي بداخل غرفتهم فمدت يدها لتفتح باب الغرفة لتبرق عينيها حين وجدت ذلك المنظر الرائع فقد جهزها خصيصًا لإستقبال صغيرهم بكل تلك الديكورات التي اعجبتها ذات يوم و قد شاركت به شقيقتها لتتفاجأ به يقوم بتجهيز الغرفة كما تمنت بل اروع ل تلتفت إليه فتصبح في مواجهة مُباشرة مع عينيه التي احتوتها بنظرات عاشقة يتخللها بعض الندم الذي جاء في نبرته حين قال.
حقك عليا عشان مكنتش معاكِ و أنتِ بتختاري كل حاجه ل ابننا، و حقك عليا عشان كل الضغوطات اللي اتعرضتيلها بسببي، و عشان كل لحظة اتألمتي فيها، و كل دمعة نزلت من دموعك و مكنتش موجود عشان امسحها. كل اللي التعب و الحيرة و الحزن اللي مرينا بيه و أنتِ ملكيش ذنب فيه.
قاطعته بوضع إصبعها فوق شفتيه وهي تقول بلهفة.
مش محتاج تقولي كدا أبدًا. كل حاجه حصلت و بتحصل لينا بتقربنا من بعض اكتر، و بعدين انا و أنت واحد. يعني دي مشاكلنا مش مشاكلك لوحدك، و دا بيتنا مش بيتك لوحدك و دول اهلنا مش اهلك لوحدك، فمش محتاج تقولي كدا أبدًا.
التفت يديها تعانق رقبته قبل أن تقول بحب
يكفيني انك تكون جنبي. ك أني ملكت الدنيا باللي فيها. حضنك دا هو الجنة بالنسبالي.
طافت عينيه بعشق على ملامحها قبل أن يقول بهسيس خطر.
الجنة دي اللي هنعيش فيها سوى لما أخليكِ تشوفي بعنيكِ و تدوقي عشق سالم الوزان بيكون عامل ازاي؟
همست مُتدللة و عينيها تغويانه بعشق ضاري تتقاسم به قلوبهم
بعشقك يا سالم يا وزان.
تلك الجملة تفعل الأفاعيل بقلبه و تُغيب عقله فلا يرى ولا يسمع و لا يشعُر سوى بها ليرتشف نبيذ حروفها الرائعة بين شفاهه يغترف من شهدها المُسكِر و يتمزز بمذاق ريقها العذب حتى ترتوي روحه التي ما سكنت الا بجوارها. فصل اقترابهم ليضُمها بين حنايا صدره في لحظات هادئة كان يحتاجها كلاهما فدام الصمت لثوان قطعته هي قائلة بخفوت
سالم.
غمغم مُجيبًا لتقول باستفهام.
هو اللي بينا دا اسمه ايه؟ استحالة نظلمه بكلمة حب. حساه اكبر من كدا بكتير.
لثم جبينها بقبلة قبل أن يجذبها ليلصق ظهرها بصدره وهو يعانقها بقوة قائلًا بخشونة
تعرفي تكتمي نفسك شويه؟
تفاجئت من طلبه لتُطاوعه فحبست أنفاسها لبعض الوقت قبل أن يقول بخشونة
خدي نفس بقى.
أخذت نفسًا قويًا عبأ صدرها بعد أن كادت تختنق قبل ثوان ليقول بنبرة شغوفة.
اهو اللي بينا شبه كدا بالظبط. نفس قوي مُريح بيملى صدرك بعد ما كنتِ خلاص ه تتخنقي، ف تحسي بطعم الحياة من جديد.
التفتت تُناظره بعشق فاض حدود الوصف لتهمس باسمه بخفوت
سالم.
احساسي بيكِ نفس إحساسك لما خدتي نفسك كدا بالظبط. نفختي الروح في قلبي بعد ما كان خلاص قرب يتخنق. وجودك هو اللي حسسني بطعم الحياة.
تلك المرة عانقته بقوة و بنفس تلك القوة انهمرت عبراتها ولكن هذه المرة من فرط سعادتها فأخذت الحروف تتلعثم على شفتيها حين قالت
انا. بحبك. اوي. كنت. خايفة. لا. كنت مرعوبة لا تاخدني بذنب ياسين. خصوصًا لما. عاملتني وحش. و احنا في العربية.
ربتت يديه فوق ظهرها قبل أن يجذبها ليقوم بمسح عبراتها بيديه و هو يقول بهسيس خطر
و هو ايه بقى ذنب ياسين اللي أنتِ خايفة اخدك بيه؟
برقت عينيها و تحجر الدمع بهم حين استمعت إلى استفهامه و قسوة نظراته التي تُنافي رقة يديه التي تزيل عبراتها ف خرجت الكلمات من فمها مُندفعة حين قالت
ياسين مين؟
ابتسامة خطرة تشكلت على شفتيه قبل أن يقول بخشونة
سامعك يا فرح.
أدركت أنها سقطت في الهاوية ولم يعُد هُناك مجال للإنكار لذا قالت بخفوت
ينفع نطلع البلكونة؟ عايزة اشم شويه هوا.
دون حديث جذبتها يديه ليخرجان إلى الشرفة ليقف أمامها و ذراعيه يتربعان أمام صدره يُناظرها بترقُب لتزفر بحنق قبل أن تقول ساخطة
ياسين خايف على حلا من الظروف اللي احنا فيها، ف مكنش عايزها تيجي هنا اليومين دول. بس دا كل اللي حصل.
زوى ما بين حاجبيه بنفاذ صبر و قال بفظاظة
هاتي كل اللي عندك يا فرح.
علي مضض قامت بسرد ما تعرفه ولكن مع محاولة منها لتحجيم خطأ «ياسين» الكبير فقد قصت لها «حلا» ما حدث بينهم حتى لحظة مجيئها مع «سالم» لتختتم حديثها قائلة بنبرة متوسلة
قبل ما تحكم عليه أعرف أنه اتصرف كدا من حبه فيها. تصرفه اه غلط بس مش كل الناس بتحسن التصرف.
غامت عينيه بالغضب الذي نافى لهجته حين قال ساخرًا
و لما هو بيحبها سابها تيجي معايا ليه؟ بطل يخاف عليها مثلًا؟
لم تستطِع إجابته ليُضيف بفظاظة و نبرة ذات مغزى
انا لو خايف على مراتي انها تروح مكان عمري ما هسبها تروحه لوحدها. حتى لو اتخانقنا و زعلنا خوفي عليها و حبي ليها ه يجبروني اروح معاها حتى لو مكنتش طايقها. صح ولا انا غلطان؟
كان مُحقًا لذا لم تُجادله بل قالت بصدق
ماهو مش كل الناس سالم الوزان.
تجاهل ضجيج قلبه ل جملتها وقال بجفاء.
و سالم الوزان بردو مبيخدش حد بذنب حد. مش معنى أن ابن عمك غبي و لازمله تربيه من اول وجديد عشان يعرف يتعامل مع أختي اني هعاملك وحش بسببه.
أخفضت رأسها بحزن من غباء «ياسين» و غبائها حين ظنت به هذا الظن ليُضيف بغضب
قولتلك ألف مرة أنتِ عندي في مكانه تانيه غير اي حد، و مش هعيدها تاني لو مفهمتيش ف دي مشكلتك.
أوشك على الإلتفات فأمسكت بيديه توقفه وهي تقول بلهفة.
سالم استني ارجوك. طب ممكن اعرف كنت متغير معايا ليه؟ ماهو شكلك وطريقتك مكنوش طبيعيين أبدًا.
التفت يُناظرها بغضب قائلًا بجفاء
فعلًا مكنوش طبيعيين. بس ليه دي بقى إجابتها عندك أنتِ.
صمتت لثوان تسترجع ما حدث اليوم فلم تجد أي شيء قد حدث سوى! توقف عقلها عند تلك المقابلة اللعينة ل يتبلور الخوف في نظراتها و هنا برقت عينيه وكأنه يخبرها أنها قد وصلت إلى مربط الفرس، فقامت بتنظيف حلقها قبل أن تقول بنبرة متحشرجة.
تقصد زيارة حسام ليا.
اجتاحته نوبة غيرة جنونيه ف قاطعها حين زمجر بوحشية صدمتها
مبدأيًا و قبل ما تقولي اي حاجه اياكِ تنطقي اسمه على لسانك عشان متشوفيش مني وش مش هيعجبك. سامعة؟
كانت بالفعل ترى ذلك الوجه الذي يقصده او هكذا خُيل لها ل تحاول منع تدفق العبرات من مقلتيها قبل أن تومئ برأسها ليقول بقسوة.
قعدتي تتكلمي أنتِ و هو زيادة عن ربع ساعه. مش هسألك كنتوا بتقولوا ايه؟ بس أحب افهم ليه مقفلتيش الباب في وشه اول ما شوفتيه؟
صادقته القول حين أجابته بخفوت
اتفاجئت، و اتلجمت لما شفته. معرفتش اعمل ايه.
سخر حانقًا
لا والله! طب ولما اتخطيتي صدمتك مقفلتيش الباب في وشه ليه؟ ايه يخليكِ تقفي تتكلمي مع الحيوان دا؟
قال جملته الأخيرة صارخًا فهتفت بألم تناثر من بين مآقيها.
عملت كدا. قولتله اني مش عايزة اشوف وشه تاني وقفلت الباب، و بعدين لما انت عارف كده من الأول كان ايه لازمتها مفاجأتك دي؟
صاح غاضبًا
عشان بالرغم من غضبي منك مقدرتش مفرحكيش وأنتِ أول مرة تدخلي البيت أنتِ و سليم. بلعت النار اللي جوايا و كنت ناوي أأجل اي كلام دلوقتي.
«فرح» بتهكم
و طبعًا بما اني شخص حظه حلو جدًا مكنش ينفع كل حاجه حلوة تكمل للآخر.
آلمه حديثها ولكنه كان حانقًا للغاية لذا قال بجفاء.
بتتريقي! طب و ياترى انك بقيتي مراتي دا بردو من حظك الحلو؟
ضاقت ذرعًا بما يحدُث فهتفت غاضبة
علي فكرة بقى انا مغلطتش. انا اتفاجئت بشخص بيخبط على اوضتي و بيقولي حمد لله عالسلامة. مكنتش عارفة اتصرف ازاي؟
«سالم» بتهكم
لا طبعًا لحد هنا أنتِ مغلطتيش. بس السؤال بقى هل كل الوقت دا بتقوليله الله يسلمك!
تعاظم الحنق بداخلها لتهتف بقوة
لا كنت بسمع منه جوزي الظالم المُفتري عمل ايه فيه؟
لونت ملامحه الدهشة من كلماتها الغاضبة التي لا تعلم كيف خرجت منها ليقول بجفاء
نعم!
وضعت يدها فوق جبهتها تلعن غبائها و كيف صاغت كلماتها بتلك الطريقة الحمقاء ل يحثها على الحديث قائلًا بقسوة
عايز تفسير لكلامك حالًا يا فرح.
زفرت« فرح» بقوة قبل أن تُعيد عليه كلمات «حُسام» ل تتلون ملامحه بغضب قاتم أفزعها و كذلك نبرته حين قال
بقى البيه كان جاي يشتكيلك مني و حضرتك وقفتي تسمعيله!
هتفت بلوعة
مش كدا بس…
زجرها بجفاء
اوعى من وشي.
تفاجئت به يتوجه إلى داخل الغرفة قاصدًا المُغادرة ليجذبها قلبها جرًا إلى باب الغرفة فتقف سدًا منيعًا بين كليهما فقد شعرت إلى أي مدى قد تأذى من حديثها لذا لم تُبالي بلهجته الجافة حين قال
اوعي يا فرح من قدامي.
عاندته بلهفة
مش هوعى يا سالم و لازم تسمعني للآخر.
كان غضبه الأسود يطمس كل شيء في عينيه لذا زمجر بشراسة
اوعي يا فرح عشان متزعليش مني.
ضاقت ذرعًا بكل شيء و تناثرت العبرات من بين عينيها على هيئة وجع فصارت تبكي كل ما حدث معها في الأيام الماضية وهي تقول بلوعة
مش هسيبك تخرج من هنا وانت زعلان. انا تعبت بقى. تعبت من الزعل، و الخناق، و المشاكل.
تقطعت حروفها بسبب تلك نهنهاتها المُتألمة التي اخترقت قلبه وخاصةً حين تابعت بيأس
حقك عليا. ماشي انا غلطت. كان مفروض اقفل الباب في وشه و مسمعلوش.
رقة نبرتها و تبلور مدى ألمها بصوتها حين تابعت.
اعتبرها لحظة غباء مني. بس انا والله تعبت و مبقاش فيا حيل لاي زعل و حزن تاني. استنى عليا لما آخد نفسي وبعدين عاقبني زي ما انت عايز.
كان حزنها ل أمرًا جلل تجاهل لأجله كل شيء و قام ب جذبها لتستقر بين ضلوعه التي ارتجت ألمًا من فرط نهنهاتها فأخذ يُشدد من احتوائها قبل أن يقول بخشونة
أهدي. خلاص الموضوع انتهى.
هتفت بلوعة
منتهاش يا سالم. مفيش حاجه بتنتهي.
شعر بمدى ألمها و كل تلك الظروف التي عايشتها في الفترة الأخيرة فنحى غضبه و غيرته جانبًا وهو يزرع ورود اعتذاره فوق خصلاتها و جبهتها المُتعرِقة ليقول بنبرة خشنة
خلاص يا حبيبي. صدقيني الموضوع انتهى. انسيه. انا مش زعلان.
رفعت رأسها تُناظره بحزن تجلى في نبرتها حين قالت
قبل ما ننهيه عايزاك تعرف اني مسكتلوش، و دافعت عنك و وقفته عند حده.
قاطعها بجفاء.
انا معنديش شك في كل دا، و مش مستني اسمعه منك. أنتِ عارفه غضبي و زعلي ايه سببه.
اومأت برأسها قبل أن تقول بخفوت
عارفه.
اقترب منها قائلًا بهسيس خطر
طب ايه السبب؟
زمت شفتيها كالأطفال وهي تقول
انك بتغير عليا.
قاطعها مُصححًا بنبرة خطرة
انا مش بس بغير. دانا ممكن أولع في الدنيا دي كلها لو حد قرب منك غيري أو حتى فكر.
أضاءت ملامحها بابتسامة رائعة ليُضيف بنبرة موقدة
أنتِ مش بس ملكي! أنتِ أغلى ما أملُك في الدنيا دي.
اندفعت تعانقه بقوة و هتفت بنبرة عاشقة
وانا بحبك اوي والله. انت اغلى انسان عندي في الدنيا.
بعد مرور بعض الوقت كانت مستندة برأسها فوق ساحة صدره يجلسان براحة فوق تلك الأريكة في الشرفة يتنعمان بوقتًا خاص دافيء يُحيط بهم وسط تلك النسمات العليلة و تلك السماء الصافية لتهمس« فرح» بنبرة مُستكينة
النجوم شكلها جميل اوى في السما النهاردة.
اقترب ناثرًا ورود عشقه فوق جبهتها قبل أن يقول بنبرة خشنة.
القمر اللي جنبي جماله مغطي عليهم كلهم لدرجة اني عيني مش شايفه غيره.
ارتفعت برأسها لتناظره بعينين تعانق بهم العشق و الشغف معًا والذي تجلى في نبرتها حين قالت
انت حلو كدا ليه؟
أجابها بصوتًا أجش
دا جمال عنيكِ اللي مفيش أحلى منهم في الدنيا.
لم توشك أن تُجيبه حتى اختراق أجوائهم الحميمية صوت رسالة على هاتف «سالم» الذي قام بفتحها ليقابله فيديو ليخت مُحترِق تأكله النيران بغيظ حتى لم يتبقى منه أي شيء. ما أن انتهى الفيديو حتى جاء اتصال هاتفي قام «سالم» بالرد عليه ليأتيه ذلك الصوت الغليظ على الطرف الآخر
مبروك يا وزان. النهاردة لعنتكم انتهت.
استفهم «سالم» بترقُب
انت اللي خلصت عليه؟
أجابه الطرف الآخر بجهامة.
الشر اللي جواه، واللي كان محاوط نفسه بيه هو اللي خلص عليه. انا بس صعبت النهاية و حرقته بالنار اللي كان مولعها في قلوب كل اللي حواليه.
زفر «سالم» بقوة قبل أن يقول باستفهام
اتأكدت أنه مات؟
الرجل بتهكم
ما انت شوفت الفيديو تفتكر في حد هيطلع عايش من تحت النار دي؟
«سالم» بخشونة
ياريت يكون كلامك صح، و نكون خلصنا فعلًا.
اغلق «سالم» الهاتف لتندفع «فرح» قائلة بخوف.
في ايه يا سالم؟
«سالم» باختصار
ناجي مات.
شهقت «فرح» بصدمة
بتقول ايه يا سالم؟
اللي سمعتيه يا فرح.
صاحت بلهجة مذعورة
انت اللي قتلته؟
«سالم» بخشونة
وقعته في شر أعماله. بس رجالتي كانوا هناك، و لو مكنش مات كانوا قتلوه.
هتفت بصدمة
سالم.
أجابها بقسوة لم تعدها منه
مكنش ينفع استنى اكتر من كدا، و مكنتش هقدر تحمل خساير اكتر من اللي خسرتها.
يا كريم، اللهم ياذا الرحمة الواسعة يا مطلعا على السراير والضماير والهواجس والخواطر لا يغرب عنك شيء. أسالك فيضا من فيضان فضلك، وقبضة من نور سلطانك وأنسا وفرجا من بحر كرمك.
حمد لله عالسلامة يا أمي.
هكذا تحدث «ياسين» الى «تهاني» التي قد وصلت لتوها برفقة «عبد الحميد» إلى مزرعتهم بالإسماعيلية لتقول بحبور
الله يسلمك يا ضنايا. اتوحشتك جوي انت وحلا الا هي فين اومال؟
تبدلت ملامحه و شعر بغصة قويه في صدره قبل أن يقول بنبرة جافة
عند أهلها.
هوى قلب «تهاني» من جملته وقالت بترقب.
اه طب الحمد لله انك خلتها تشوف أهلها. الست يا ابني متستغناش عن أهلها واصل.
التفت إلى الجهة الأخرى حتى لا يظهر ضعفه الكامن بنظراته وهو يُخبرها بما حدث وبما ينتويه
اهو عشان كدا هخليها عندهم على طول.
هتفت «تهاني» بصدمة
وه. معناته ايه الحديت ده يا ولدي؟
تجاهل توسلات قلبه و انصاع لصوت الكبرياء الجائر وهو يقول بجفاء
انا نويت أطلق حلا.
اللهم اكفنا شر الحوادث وفواجع الأقدار ومر القضاء ولا ترينا في أهلنا وأحبابنا أي مكروه. – اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك.
مر شهران على ذلك القلب الذي كُلما استوحش ما يُحيط له استأنث بنور القرآن و سكينة الصلاة ليشعُر بعدها وكأن تلك الصحراء هي جنته الفسيحة فصار ناسكًا يتعبد ليلًا و نهارًا إلا من بعض ساعات يقضيها في التمرين و صيد الحيوانات لكي يوفر قوت يومه، فبدا و كأنه اعتاد على تلك الحياة بل و مُستمتِع بها، فلأول مرة بحياته يعرف معنى المُتعة الحقيقية، و يستشعر حلاوة القرب من الله فقد حفظ الكثير من آيات الذكر الحكيم. حتى أنه ما أن استشعر بوحشة الوحدة يُناجي ربه و يتوسل إليه بأن يُسامحه و يشكو إليه ظلام ذلك القلب سابقًا ثم يشكره بتمنُن على ذلك النور الذي أضاء حياته حاليًا.
كان ينظُر إلى ذلك الغزال الذي يدور فوق النيران التي تلمع ألسنتها في هذا الظلام الدامس ليتفاجأ بذلك الصوت من خلفه
انت عرفت أن انا جاي ولا ايه؟ عامل وليمة عالعشا؟
التفت «حازم» الى صوت «جرير» الذي كانت الابتسامة تُضيء وجهه لتضيق عينيه بغضب لم يدُم كثيرًا و سُرعان ما تحول لخيبة أمل تجلت في نبرته حين قال
ايه اللي رجعك؟
«جرير» بمُزاح.
هو انت اشتريت الصحرا ولا ايه؟ و بعدين مش كان في بينا رهان و معركة متحدد معادها من شهرين؟
ابتسامة هادئة ارتسمت على ملامحه فقد مر شهران لم يشعُر بهم لذا ارتفعت عينيه تناظر «جرير» ليقول بهدوء
وانت بقى لسه فاكر؟
«جرير» بقوة
طبعًا لسه فاكر، و اعمل حسابك أن اللي هيفوز هيحكم عاللي هيخسر و لازم الحكم يتنفذ.
صمت «حازم» لثوان قبل أن تضيق عينيه بمكر قائلاً بنبرة خطرة.
حلو اوي دا، هنبدأ بعد الفجر.
التمعت عيني «جرير» بالفخر الممزوج بالسعادة منذ أن وقعت عينيه على ذلك الفتى الضال الذي تحول و كأن الروح نُفِخت فيه من جديد ليتبدل من تلك النسخة المشوهة إلى أخرى تدعو إلى الفخر فابتسم بحبور وهو يقول بتحدي
اتفقنا. جهز نفسك للهزيمة، و لحكمي.
قال جملته الأخيرة بتوعد لم يهتز له «حازم» بل على العكس فقد كان يتأهب ويحصي الدقائق حتى يأتي ذلك الوقت و بالفعل مرت الدقائق سريعًا وسط مزاحهم أثناء تنازل تلك الوليمة الشهية و تبارزهم بالكلمات لتأتي اللحظة المُنتظرة
جاهز؟
هكذا استفهام «جرير» ليُجيبه «حازم» المُتأهِب بثقة
جاهز.
لو حابب تنسحب احنا لسه فيها. اعمل حسابك انا مش هسمي عليك.
«حازم» بثقة مُفرطة و حماس كبير
قول الكلام دا لنفسك.
التمعت عيني «جرير» قبل أن يُباغت «حازم» بضربة قوية أصابت عينه اليُمنى ليختل توازنه و يتراجع إلى الخلف و يستغل «جرير» ذلك و يقوم بتوجيه عدة لكمات في أماكن مُتفرقة من جسده إلى أن أسقطه أرضًا وسط لُهاث كبير من جانب «حازم» الذي كان وجعه كبيرًا لتأتيه كلمات «جرير» الساخرة.
بقى هي دي المعركة اللي اني جاي كل المسافة دي عشانها! يا خسارة بنزين العربية اللي ضاع هدر.
استفزته كلمات «جرير» بشدة فتحول وجعه إلى نيران حارقة جعلته يهب من رقدته و يتوجه بكل قوته لاكمًا أياه في أنفه فتراجع الأخير حتى أوشك على السقوط لينال لكمة قوية من قدم «حازم» جعلته ينحني من شدة الوجع فتقدم الأخير ليقوم بتوجيه ضربة موجعة من رسغه فوق ظهر «جرير» ليطلق الأخير تأوه كبير جعل «حازم» يقول بتهكم
معلش دي عشان ميكونش بنزين العربية راح هدر.
تراجع «حازم» إلى الخلف في انتظار «جرير» الذي اعتدل بصعوبة ليتوجه إلى «حازم» يلكمه بأنفه فصد الأخير ضربته ليقابله باليد الأخرى ضربة أقصى نالت من فكه فاطلق صرخة قوية ثم قابل ضربته بأقوى منها و هكذا استمرت المعركة متعادلة بين الجانبين ليقوم «جرير» باستفزاز «حازم» قائلًا
ياخي اللي يشوفك كدا ميشوفش مصايبك. دا انت آخرك قلمين كانوا يعدلوك.
غامت عينيه حين ذكره بأفعاله القذرة و فجأة تلبسه ثوب الغضب ليرى «جرير» شيطانه الذي كان يُزين له تلك الأفعال المُشينة ليتقدم منه و ينهال فوقه بلكمات طاحنة و ضربات قوية إلى أن سقط أرضًا ولم يعُد يستطيع أن يقاوم أكثر ليقول بنبرة مُتألمه متقطعة
فوزت يا ابن الوزان.
جملة انتشى لها قلبه و اتسع لها صدره ليقول بفخر
ولاد الوزان عمرهم ما يخسروا أبدًا.
مرت عدة ساعات وهو يُمرِض «جرير» الذي انتقم منه على طريقته ليجعله يجن من كثيرة الطلبات التي ارهقه بها كونه مُحطم الجسد بسببه فضاق «حازم» ذرعًا بما يفعله وقال ساخطًا
يا اخي قرفتني. ياريتني انا اللي خسرت كان ارحملي.
«جرير» بتهكم
مش مبسوط اوي انك فوزت. قابل بقى.
«حازم» بحماس صدم «جرير»
مش مهم انا راضي. كله يهون علشان اللي بعد كدا.
«جرير» بترقُب
تقصد ايه؟
قولتلي ان اللي هيفوز هيحكم عاللي هيخسر صح؟
صح.
عبأ صدره بالهواء قبل أن يقول بحماس
حلو. يبقى تجهز عشان تنفذ حكمي.
«جرير» باستفهام
اللي هو؟
«حازم» بصرامة
تاخدني اشوف أمي و أخواتي.
التعليقات