التخطي إلى المحتوى

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل السادس والثلاثون

شارلوت:
ارتفعت يداه ببطء ليحيطني بقوة ثم همس بتلك النبرة الخافتة: أحتاجكِ كثيراً. شارلوت أنا حقاً. لم أعد قادر على فعل أي شيء!
قالها وهو يدفن وجهه في شعري فوقفت أنظر للفراغ بدهشة وعدم فهم!
ما هذا التناقض بحق الإله لم أعد أفهم ما يريده مني!
إنها تحاول إعادة الأحداث السابقة مجدداً. لا طاقة لي في إحتمال ما سيحدث!
قال جملته تلك ثم شعرت بثقل جسده.
قطبت حاجباي وحاولت إسناده: م. مهلا! قف جيداً ما خطبك!

ولكنني شهقت بريبة حين زاد الثقل ولم يعد بوسعي إسناده فوقع فوقي!
طرفت بعيني بقلق وحاولت إبعاده عنى منادية بإسمه مراراً وتكراراً!
رفعت رأسه قليلاً فوجدته يغمض عينيه!
كان يتنفس كما لو كان يلهث بصعوبة، وجنتيه متوردتان وبدأت الاحظ جبينه وجسده الذي يتعرق!
رفعت يدي بصعوبة نحو جبينه لأفاجئ هامسة بارتياب: أ. انت محموم!
منذ متى وهو متعب هكذا؟! يا الهي جسده ساخن جداً على التصرف بسرعة.

حاولت التملص بصعوبة حتى استطعت التحرر ثم دفعته ليستلقي على ظهره برفق لأجده يغمض عينيه و يقطب حاجبيه متنفساً بصعوبة بالغة بوجه متورد.
هذه ليست حساسية البرد وإنما حُمى!
أيعقل أنه أصيب بها نتيجة الإجهاد؟!
خرجت من الغرفة بخطى غير متزنة متوترة بشدة، هل أنادي ستيف؟ هذا ما فكرت به قبل أن المح رين الذي أتى من الجناح الآخر يتجه نحو الدرج بملامح متململة ممسكاً بهاتفه واضعا السماعات في أذنه.

غيرت وجهتي مسرعة نحوه دون تفكير، فاجأته وقد أمسكت بيده بارتياب: اتبعني بسرعة.
هاه!
قالها بإستغراب ثم سرعان ما اخذ التهكم مجراه على ملامحه وانتزع يده بقوة متمتماً بسخرية: ماذا؟ تريدين أن نتفاهم بشأن ما حدث؟ لا تعتقدي أنني سأتجاوز الأمر بسهولة، أنتِ وذلك الطفل الطائش عليكما أن ت.
ولكنني قاطعته بغضب ورجاء: اتبعني من فضلك وتوقف عن الثرثرة.

سحبته خلفي بصعوبة وهو يتذمر ويواصل الإستفسار، حتى دخلت الغرفة قائلة بخوف مشيرة نحو كريس: ل. لقد وقع فجأة! إنه محموم وعلينا ان نرفعه فوراً.
مذهل.
قالها ببساطة وقد تسمرت عيناه على كريس.!
بل بدى وكأنه يرى مشهداً مسليا أمامه وهو يتقدم بخطى قليلة واضعا يديه في جيبه مبتسماً بسعادة!
اتسعت عيناي ثم همست برجاء وحذر: أرجوك! ارفعه على السرير. لو كنت قادرة على تحريكه وحدي لما طلبت مساعدتك!

ظهرت متعة غريبة في عينيه الزرقاوين ثم ابتسم بلا اكتراث: اليس منظرا مثيراً؟ أنا ممتن لك على إحضاري هنا!
قالها بنبرة تميل للإستمتاع. وظل يقترب حتى وقف أمام كريس مباشرة، رفع الأخير رأسه قليلاً ينظر إلى قدما رين ثم انتفضت وانا اسمعه يهمس بغيض خافت وصوت ضعيف متلعثم: لماذا جلبته من بين الجميع بحق الإله!
جثيت على ركبتي بجانبه بقلق ووضعت يداي على كتفيه: هل أنت بخير؟ ظننتك فقدت وعيك! هل تستطيع الوقوف؟

رمقني بغضب مخيف وبدى بالكاد قادر على فتح عيناه!
ازدردت ريقي بصعوبة وسرت رعشة في جسدي، همس رين بمكر وبرود ينظر لكريس من الأعلى بطرف عينه: أنظري إليه! لقد جرحت كبريائه، يؤلمه أن أراه مستلقيا على الأرض بلا حول أو قوة! لا تقلق يا ابن خالتي لم أظهر الكثير من الشفقة حتى الآن.

وجدت كريس يحاول الإعتدال بصعوبة وهو ما يزال يلهث مزمجراً: لست بحاجة لشفقتك. وفرها لنفسك لاحقاً. اخرج إن كنت لا تريد ان تسمع صوت فتيل شرارة الحرب حالاً.
ثم اعتدل عندما ساعدته بقلق وتوتر، وكم تفاجأت بسخونة جسده التي استشعرتها من لمس كتفيه فقط! بل ويمكنني الشعور بإرتجاف جسده دون توقف.

ظل جالسا على الأرض وابتسم بشحوب شديد مغمضاً عينيه مضيفاً: لستُ غبياً يا رين. أعلم بما فعلته مسبقا، أعلم بأنك اخذت الملف لتعرقل أمور عملي.
ارتكزت عيناه على رين بصعوبة واضحة بينما شهقت وهمستُ بدهشة: لقد كان أنت إذاً! حاولت ألا أشك بأمرك ولكن. يا الهي لماذا فعلت هذا!

عقد رين ساعديه على صدره وتلاشت الإبتسامة إلا أن السخرية المعتادة اجتاحت نبرته وهو يتساءل: حقا؟ دعني أخمن. هل فشلت الصفقة التي أعددت الموضوع لأجلها منذ شهور؟
احتدت عينا كريس إلا أنه ظل مبتسما بوجهه الشاحب المتورد: خسرت؟ ذلك لا يهمني. ولكنك نذل لاستخدام هذه الحيلة وربط مشاكلنا الخاصة في عملي، لا تعتقد بأن ما فعلته قد يحطمني أو يجبرني على البكاء كطفل صغير.
الصفقة فشلت!
بعد كل هذا؟
لقد سهر الليل بأكمله!

انقبض قلبي بإستياء شديد ليتمتم رين بملل: لا. لم أكن لأتخيل ذلك حتى! أعلم بأن أمر كهذا لن يحطمك كما أردت. ولكنه من المؤسف حقا ان تخسر شركة الجد إفليك صفقة بسيطة كهذه، اليس هذا مُحرجا أمام الجميع؟ تلك الشركة الأخرى مجرد إحدى صعاليك السوق المحلية فقط ولكنهم رفضوا التعاون معكم. ياللعار! بالمناسبة. أخبرني يا كريستوبال. هل أعجبك العمل الفني هذا الصباح؟

لم يأخذه وحسب. بل تعمد تمزيقه بتلك الطريقة المهينة أمام المدخل.
سحقاً!
همس كريس متهكماً بوجه متعرق: كان عملاً ينقصه بعض الدقة. نثرت الأوراق بطريقة عادية مبتذلة! بصراحة توقعت أن تنثر رمادها على مكتبي بدلاً من ذلك.
ضحك رين بخفوت: يا لتفكيرك الإجرامي! حسنا لم أفكر بهذا.

ثم هدأ ووضع يديه في جيبه ببرود: إنها البداية فقط. أمور كثيرة قادمة في الطريق، لا تعتقد بأنني سأتهاون معك! علاقتنا كعائلة واحدة لا تعنيني. وبصراحة من آخر إهتماماتي. كما لا بد ان يأتي يوم تدفع فيه ثمن أخطائك مهما حاولت ان تبدو شخصا جيداً. اليس هذا عادلاً؟

لقد حاولت جاهداً ولازلت أحاول ان اتجاهلك بقدر الإمكان، كلانا مُدرك إلى أي مدى قد صبر كلٌ منا على الآخر، لا شيء سيتغير بعد كل هذه السنوات لذا اغرب عن وجهي وحسب!
تنهد رين: لا شيء سيتغير بالفعل، ليس وكأنني أريد تغيير مجرى هذه العلاقة للأفضل، ولكنني بصراحة مللت محاولتك لتفادي أي لقاء بيننا لذا أقدمت على خطوة بنفسي أتقدم بها وأنبهك إلى ضرورة عدم الإستخفاف بي.

ثم لمعت عينيه بخبث: الا تعتقد أنك بدأت ترخي دفاعك بطريقة ما! من الأفضل أن تظل يقظاً.
أمسك كريس برأسه بألم لبرهة فوضعت يدي على كتفه واعترضت بغضب: كف عن هذا! ليس الوقت المناسب لقول أمور مشابهة! أردتك أن تساعدني فقط في رفعه على السرير ولكنك.
أنتِ أيضا قد تلاقين مصيراً مثير للشفقة لاحقاً! لا سيما وأنك تغضين بصرك عن أخطاءه كلها. أكره أمثالك كثيراً. أكره المبدأ الذي تتبعينه!

ارتفع حاجباي بإستغراب منه ولكنني سرعان ما قلت بحزم: أنت محق. أنا بالفعل أغض بصري عن اخطاءه كلها. ربما أشعر بتأنيب الضمير ولكنني سأكون تافهة لمبالاتي بأمور حدثت في الماضي!
أتقولين أن أخطاءه وكل تصرفاته الحالية تتجاهلنها بناءً على قولك هذا؟ هل تأخذين من الماضي حجة لأفعاله؟

قالها بجفاء وحزم فهمست بإذعان: إنه يعلم بذلك مسبقاً، يعلم بأنني أتجاهل تصرفاته عمداً، ويعلم بأنني لا أبالي بما فعله في ماضيه. انا كذلك بالفعل! لست بحاجة لسماع رأيك على أي حال.
أنت مجرد مغفلة ساذجة تلهث خلف مشاعرها المراهقة. إلى أي مدى أنتِ مثيرة للشفقة؟، فلتختفي وحسب!
اتسعت عيناي: أ. أختفي!

رمقني بغيض ثم بدى يحاول تمالك نفسه، أغمض عينيه لمهية قبل ان يبتسم بهدوء غريب، رمق كريس بنظرة سريعة ونفي بلا حيلة: أهدرت وقتي في حديث فارغ.

ثم زفر بضجر موجها اهتمامه لي: لا تعتقدي أن مشاعرك هذه سوف تقودك إلى النور الأبيض، هل تعلمين بانه لن يبالي بك؟ ربما يلقي بك لاحقا، أو ربما سيمل منك حتماً ويخرجك من حياته بطرقه الخاصة. انه على كل حال اناني جدا ولن يكون خروجك من حياته امر صعب عندما تتنافسين مع أولوياته الخاصة.
حدقت إليه بضيق شديد ونظرت إلى كريس الذي ينهج بتعب، زميت شفتي وهمست أخفي استيائي متظاهرة باللامبالاة: فكرت بكل هذا مسبقاً.

ضحك بسخرية واتجه للباب بخطوات قليلة إلا أنه وقف واستدار ليعود فجأة إلى كريس بخطوات واثقة وانحنى قليلاً هامساً ببرود: شفتيها كانتا ناعمتان ولطيفتان جداً. أردت إبداء رأيي فقط.
اتسعت عيناي بذهول وتوترت بشدة، حتى أنني رفعت يدي بتلقائية نحو ثغري في حين رفع كريس رأسه ببطء يحدق إليه بعدم استيعاب.
أما رين فابتسم وخرج من الغرفة مغلقا الباب بقوة!

تاركا إياي مع كريس وحدنا بعد أن فجر تلك الكلمات وتفوه بأمر ما كان عليه ذكره إطلاقا!
ما الذي قاله للتو.
تساءل بنبرة حادة بصعوبة وارتكزت عينيه العسليتان على وجهي بترقب وحدة!
أسرعت أقول بتدارك وحزم: أ. الأمر ليس كذلك. أقصد حدث هذا بالفعل ولكنه من حاول أن. باختصار رين هو المخطئ! لقد كان.
كنت أتلعثم بسبب التوتر الذي شعرت به تحت تأثير ضغط نظراته لي بل وطغى على رغبتي في التحدث بنبرة تعبر عن غضبي قليلاً!

ارى تشبعا مريبا في عينيه بالغضب والسخط وكنت محقة عندما علا صوته وهو يعتدل بصعوبة: هل ما قاله صحيح بحق السماء؟ هل. قبلك حقاً؟! فلتنفي ذلك الهراء فوراً يا شارلوت!
أخفضت نظري قليلاً أشبك كلتا يداي بقوة: حدث كل شيء فجأة! كان من أجبرني على ذلك! هو حتى لم يمهلني فرصة ل.
بترت كلماتي عندما أمسك برأسه بحاجبين معقودان يمرر يده في شعره بعصبية!

أحكمت قبضة يدي بإضطراب وازدرد ريقي مرتان متتاليتان ورطبت شفتاي بإرتباك.
هل. سينظر إلى موجها لي اتهام الخيانة الآن؟ هل يعقل بأنه سيفعل ذلك!
ولكن. ذلك حدث رغما عني. حاولت منعه ولكنني لم أستطع. يا الهي.
تمتمت بقلق: كريس؟ لقد كنت مرغمة حقاً! لم يكن في يدي أي شيء لأقوم به! لقد حدث كل شيء دون سابق إنذار فما عساي أفعل!

اتسعت عيناي بدهشة حين أمسك بياقتي يجذبني نحوه مزمجرا بخشونة وغضب: ألم أحذرك بحق السماء ان تبتعدي عنه! كم مرة شددت على حروف كلماتي وانا أطلب منكِ الحذر منه! ومتى حدث هذا؟ هل كنتِ ستواصلين إخفاء الأمر عني؟ لماذا يا شارلوت تتجاهلين ما أقوله دائماً!

كلماته هذه فجّرت رغبتي المكبوحة في تفريغ الطاقة ولم أشعر بنفسي وانا انتزع نفسي منه لأصرخ بإنفعال: ماذا عنك أنت؟ خائن مثلك لا ينبغي ان يتحدث بهذه الطريقة! لا زلت لم أسامحك على ما حدث بينك أنت وأوليفيا! لا تستمر في إستغفالي كما لو كنت حمقاء! لا حق لك في ال.
ولكنني شهقت مجفلة عندما دفعني على الأرض وانحنى فوقي محدقاً إلى مباشرة.
م. ما خطبه فجأة!

ظل يحدق بي مطولاً بنظرات غاضبة متعبة ويطرف بعينيه ببطء وكأنه أمر مجهد في حالته هذه!
يديه التي يستند عليها كانتا ترتجفان بشدة جراء الحمى!
ووجهه قد تورد أكثر والشحوب تربع على بشرته! ظل ينفي برأسه ورفع إحدى يديه يمررها على رأسه مجدداً بإنهاك.
زميت شفتاي بقوة ورصيت على أسناني حائرة ما إن كان على الإستمرار في تفجير الغضب الذي أكبته أو في القلق عليه!

اللعنة على هذا الحب الرقيع واللئيم، كل ما يفعله هو التسبب بالمتاعب لي فقط!
هذا لا يُغتفر.
همس بتلك الجملة بحقد ثم استرسل: لماذا! لماذا حدث هذا؟! كان من المفترض أن أكون الشخص الوحيد في هذا العالم القادر على الإقتراب منكِ. الوحيد الذي سيلمسك! الوحيد الذي يجرؤ على أمر كهذا لأنك كنت ولا زلت تخصينني أنا!
نظرت إليه بعين متسعة وكتمت أنفاسي للحظة وقد انتابني شعور الدهشة والتعجب!

الإحساس الذي سيطر على الآن لم يكن إرتباكا او خوف. وإنما تسارعت خفقات قلبي لشعوري بالغضب أكثر!
لقد ضقت ذرعا من أنانية كريس.
لماذا هو الوحيد القادر على ارتكاب الأخطاء في حين أُعاتب انا وأٌلام على أمر حدث رغماً عني؟! لماذا يتحدث بهذه الصيغة المتملكة دون أن يبدي نحوي مشاعر يمكنني التماس الصدق فيها على الأقل!

ساد صمت كسره هامساً بنبرة غير متزنة مرهقة: أربع سنوات. أردتك منذ أربع سنوات كاملة. ليس بعد أن حظيت بكِ أخيراً ووقعتِ في حبي. تغاضيت عن دفاعك المستمر عن جارك وعن لطفك المبالغ فيه معه. ولكن هذا لا يُغتفر. ربما أكون شخص سيء بالفعل. قد أكون خالِ من المحاسن ولكن لا حق لك في إبعاد عينيك عني أو حتى العودة في مشاعرك هذه. لا مجال للتراجع لقد عانيت كثيراً حتى نجح هذا الزواج اللعين بعد اختلاق تسويغات لا تعد ولا تحظى!

اتسعت عيناي بذهول وفغرت فاهي بعدم تصديق.
ما هذا؟
هل. يدرك ما يقوله الآن؟!
حسنا انا مشتتة كثيراً! بدأت أشك أنه تحت تأثير الثمالة كتلك المرة وإلا لن يتفوه بأمور كهذه!
ليس من عادته استخدام مصطلحات تشير إلى ضعفه أو عجزه! اعتدت على تلك الكلمات والتعابير الغنية بإظهار ذاته القوية وحسب! هل قال بأنه عانى لأجل زواجنا!؟
هل هو في كامل قواه العقلية الآن؟! لقد تعبت. أنا حقا متعبة من مجاراة كل هذا!

إلى متى على أن أجتهد لفهم هذا الكائن؟!

أضاف بنبرته السابقة: لماذا تسمحين له بذلك! لقد شعرت ولأول مرة منذ صغري بأنني ملكت العالم كلما تذكرت أنك الوحيدة التي تغاضت عن كل أفعالي الماضية والحاضرة. أنتِ فقط من تقومين بلومي واستنكار أفعالي ثم تتغاضين عنها تماماً لأنك تعلمين بأنها طبيعتي، وتعلمين بأنني تعمدت القيام بأمور كثيرة سيئة، وتدركين بأنني أناني نال أسوأ قدرة في التعبير عن مشاعره، أنتِ من وقع في حبي بالرغم من كل ما فعلته! لماذا إذاً سمحت له بلمسك؟! لماذا تركته يقبلك بعد كل هذا؟!

ارتجفت يداه وبدى من الواضح صعوبة ان تحتمل ثقل جسده أكثر، ولكنه أضاف مغمضاً عينيه هامسا بصعوبة واضحة: أنتِ خاصتي. كنتِ السبب في دفعي لأكمل هذه الحياة التعيسة! بحثتُ عنك كثيرا واللعنة عليكِ يا شارلوت لا يمكنني مسامحتك الآن!
فغرت فاهيي بعدم تصديق، شعرت بحرقة في عيناي التي جحظت بل وبألم في معدتي جراء كل هذه الصدمات المتتالية!
ستدفعين الثمن، هل تفهمين هذا!

قال جملته الأخيرة بغضب أفزعني ولكنني لم أكد أستوعب ذلك أو أبحث عن كلمات مناسبة في عقلي حتى اتسعت عيناي عندما أطبق بشفتيه على شفتاي دون سابق إنذار!
إ. إنها الحمى!
نعم. إنه يهلوس ويقول أمور لا يعنيها!
ليس في وعيه. إما أنه يهلوس ويهذي بالهراء أو ترك نصف عقله في مكان ما! هل أشعر بالسعادة أم ماذا؟ هل أشعر بها ثم تخذلني كما يحدث دائماً!
حاولت ابعاده ولكنه أبى ذلك!

أشعر بجسده يرتجف، بل وتزعجني سخونته هذه. شعرت لوهلة أنني أنظر إليه من أسفل بركة أفكاري، وكأنني غطست فيها بعمق ووصلت إلى أقصى عتمتها! ولكن تلك لم تكن سوى دموعي.!
أغمضت عيناي بقوة أذرف الدموع بصمت.
كيف لا أبكي وقد اكتفيت!
اكتفيت من كل هذه التناقضات المرعبة التي يريني إياها في كل مرة. تارة يكون حازما ومصرا على بقائي إلى جانبه وتارة أخرى لا أبدو شيء قيم بالنسبة له!

أشعر بضغط نفسي مريع، بدأت أرغب في زيارة عيادة للطب النفسي!
أنا متعبة إلى أقصى درجة وأرغب في البكاء وضربه بشدة!
رفعت يدي المرتجفة بغية تنفيذ هذه الفكرة ولكنني توقفت فوراً بتردد.
أنا حتى لا أقوى على ضربه بينما هو محموم، كل شيء ضدي. وأول عدو حقيقي لي في هذه الحبكة كلها هي مشاعري اللعينة.
هل كُتب على أن أسير نحو الجنون كلما توغلت في حبي معه؟ مشاعري هذه ستلتهمني يوماً. أشعر بأنها ستقضي علي!

أن تعانقه أوليفيا وتقبله بكل بساطة. ثم يقبلني هكذا. أمر لا يمكنني تجاوزه! على ان أخذ حقي من خيانته هذه!
تبخرت الأفكار والخطط من رأسي عندما وقع فوقي دون حراك فجأة.
لم يقتصر الأمر على عدم قدرتي على ضربه أو أخذ حقي والصراخ عليه بأقصى طاقتي. بل أنه استعان بمرضه ليفقد وعيه ويسلب مني كل فرصة!
تيا:.

قلقت كثيرا بسبب عدم اجابة كريس على الهاتف وعندما اتصلت بالمنزل أخبرني ستيف بأنه مريض طريح على الفراش منذ عدة ساعات!
أهذا يفسر تصرفاته الهادئة جدا اليوم؟ بدى بالفعل غريباً بشحوب وجهه وتورده.
الأهم من هذا منذ متى وهو مريض؟ لماذا لم يخبرنا!
نظرت إلى الساعة على رسغي، إنها تشير إلى السابعة مساءً أي أنني سأصل عند موعد العشاء.

عندما وصلتُ أخيراً ترجلت من السيارة ودخلت المنزل لتستقبلني إحدى الخادمات فسألتها بهدوء عن مكان كريس لتقول بلطف: السيد كريستوبال في غرفته بالأعلى.
أومأت برأسي بصمت وأسرعت لغرفته، وعندما صعدت للطابق الثاني وجدت كلوديا تستند على السياج الفاصل بين الجناح والآخر، إنها تتحدث بالهاتف.
انتبهت لي وحينها قالت: انتظري من فضلك يا ستيفاني.
س. ستيفاني! والدة إيثان!

ارتفع حاجباي بحيرة في حين نظرت إلى مبتسمة بهدوء: مرحبا تيا.
مرحبا عمة كلوديا.
لا بد وأنك أتيت للإطمئنان على كريس.
صحيح.
تنهدت بعمق وابعدت الهاتف قليلا لتضعه على جانبها: إنه يستلقي في الغرفة. رفض الذهاب للمشفى فاضطررنا لجلب الطبيب إلى هنا.
وما الذي قاله؟
ارتفعت درجة حرارته بسبب التعرض للإجهاد.
إجهاد!

نعم. يبدو أنه يضغط على نفسه متظاهرا أنه الخارق القادر على إنهاء العمل وحده، لقد مللت من تصرفات ابن اخي وبدأت جدياً أفكر في إقصائه من العائلة!
ضحكت بخفوت فأردفت بلا حيلة: هيا أسرعي. ماكس والجميع في الغرفة.
علقتُ ضاحكة بعدم تصديق: الجميع؟!
أومأت برأسها بسخرية: تعلمين ما يحدث عندما يقع أحدنا طريحا في الفراش.
نعم. تحدث زوبعة ويفقد المريض حقه في الحصول على الراحة ويشعر بأنه مرغم على كتابة وصيته.

انفجرت ضاحكة وضربت كتفي بخفة: لستِ أفضل حالاً منا يا تيا، فلولا انكِ تدركين أنه أمر بسيط لما تصرفت بهذه الطريقة الآن.
ابتسمت لها فقالت: حسنا لدي مكالمة.

قالتها وهي تشير للهاتف وتبتعد لتنزل الدرج وحينها سمعتها تقول: نعم يا ستيفاني ماذا كنا نقول؟ نعم. أرأيتِ؟ أخبرتكِ أنها العلامة التجارية الأفضل للأحذية، عليكِ ان ترافقينني إلى التسوق قريباً. آه صحيح يوجد أيضا ذلك القناع المذهل للوجه! لا فكرة لديك كم هو رائع في إزالة الهالات السوداء.
اختفى صوتها تدريجيا وأنا في مكاني أنظر للفراغ ببلاهة وفغرت فاهي قليلاً.
كلوديا وستيفاني.

يبدو أن كلاهما على وفاق! متى توطدت علاقتهما أصلاً!
سيكون هذا رائع ولصالح الجميع على أي حال.
ابتسمت للحظة ثم استدرت لأكمل طريقي نحو غرفة كريس.
وقبل أن أفتح الباب كان بوسعي سماع الضجة في الداخل!
طرقت الباب ودخلت.
الجميع هنا بلا استثناء. حسنا يوجد. رين ليس هنا وهو أمر بديهي.
تنهد ستيف بملل: هل كان عليكِ المجيء إلى هنا؟ الا يكفي إجراء اتصال هاتفي وحسب؟
رفعت حاجبي الأيسر بحزم فعلق جوش بغيض: تأدب يا فتى!

تكتف ستيف بلا اكتراث فنظر إليه ماكس الجالس بجانبه بلا حيلة.
ستيف ووالده والسيد ماكس وحتى جوزيف يجلسون على الأرائك القريبة من الشرفة بينما أوليفيا وبريتني تجلسان على طرف سرير كريس!
جيمي يجلس على حجر كريس الذي يجلس بوجهه الشاحب.
نظرت من حولي باستغراب وتساءلت: أين شارلوت؟!
أجابني ستيف واضعا قدما على الأخرى: لا بد وأنها تشعر بضيق في التنفس لسبب ما.
قالها يلقي نظرة على أوليفيا التي أطرقت برأسها بإستياء.!

عقدت حاجباي ونظرت إلى ستيف مجدداً بحيرة فشعرت بعيناه تخبرانني بأن الكثير قد حدث!
هل يعقل ان شكوكي انا وهو لم تكن مجرد تكهنات؟!
لا يمكن! إن كان الأمر كذلك فأوليفيا ليست تلك الفتاة اللطيفة بالفعل!
عدلت من وضعية حقيبتي على كتفي ونظرت لكريس، كان جيمي يمسك بهاتف والده الغير عملي والذي لا يحوي امور مهمة تخص العمل ويبدو منهمكاً فيه، بينما كريس يرفع يده نحو رأسه الصغيرة يداعب شعره.
اعتقد أنها.

المرة الأولى التي أرى فيها مشهداً كهذا!
ابتسمت رغما عني ثم قلت واضعة يدي على خصري: يوجد كثافة سكانية هنا!
علق ستيف بتهكم: نعم لسنا بحاجة لفرد إضافي.
رمقته بإنزعاج يجوبه تململ: كف عن وقاحتك.
استرسلت بحيرة: غريب. السيدة أولين ليست هنا ايضاً! توقعت أن أراها تبيت هنا الليلة.
أجابني جوش متكتفاً: لقد كانت هنا بالفعل ولكن يوجد اثنان من الخدم قد تشاجرا قبل لحظات وذهبت لحل المشكلة قبل ان تتفاقم.

ارتفع حاجبا ستيف مفكراً: شارلوت ليست هنا. اتكون سبب الشجار بينهما.
نظر إليه ماكس نافيا بإحباط: أفكارك غريبة جداً.
اقتربت نحو كريس، نظرت إلى أوليفيا بنظرة خاطفة، كانت تشبك يديها وعلى وجهها تعبير هادئ يميل إلى الضيق!
لماذا لا أشعر بأنني قادرة على التأثر بتعابيرها هذه؟!
كما غريب ألا تكون شارلوت هنا! بلا شك يوجد ما حدث ونظرات ستيف هي دليل مؤكد على ما أفكر به.
سألت كريس بهدوء: هل تشعر بتحسن؟

أجابني بهدوء مماثل: أنا بخير.
أضاف متنهداً: تجمهر الجميع في الغرفة يشير إلى انني أكاد أموت بعد قليل.
اقتربت نحوه بإهتمام ورفعت يدي اتحسس حرارة جبينه، إنه دافئ. هذا جيد ومع ذلك من الواضح انه لا يزال مُنهك.
قلت مبتعدة بملل: هذا كل شيء؟ إنها مجرد حُمى. يبدو أنني أهدرت وقتي في المجيء إلى هنا.
أومأ بلا اكتراث: كان عليكِ الإكتفاء بإتصال واحد وحسب.

تدخل السيد ماكس بلطف: بما أنك أتيت يا تيا فعليك تناول العشاء معنا.
ارتفع حاجباي ثم أومأت استحساناً: أعتقد بأنه لا مانع لدي.
أردت أن أقول ذلك مسبقاً ولكن. كنا نخطط للذهاب إلى التخييم في الغد ولكن نظراً لحالة كريس فسنؤجل الموضوع قليلاً.
لا داعي للتأجيل.
قالها كريس بهدوء فتساءل جيمي باستغراب: أبي هل ستكون قادرا على التزلج؟
نظر كريس لجيمي وأجابه: لا يشترط أن ينحصر الأمر على التزلج فقط.

نفي ماكس معترضاً: ما الذي تقوله؟ كيف سنذهب وأنت.
قاطعه ببرود: لست متعبا إلى هذه الدرجة! لقد اتفقنا بشأن هذا الأمر مسبقاً وسنذهب غداً. سأكون أفضل بحلول الغد.
نظر ماكس نحوي بلا حيلة فرمقته بنظرة مماثلة وقلت: أنت حُر. ولكن لا تفقد وعيك هناك ثم تستلقي هكذا وتفسد الأجواء على الجميع.
لن يحدث هذا.

قالها ببرود فأسرعت أقول متذكرة: صحيح! ماذا عن عائلة شارلوت؟ لقد وافق سام على ذلك ولكننا لم نسمع إجابة صريحة بعد.!
وقف جوش: اتصلت كلوديا بستيفاني قبل لحظات واخبرتنا أنها ستتحدث معها بهذا الشأن، وبذكرها الآن أعتقد بأنها تأخرت!
آه فهمت.
أضفت بسخرية: وأنا التي تساءلتُ كيف اصبحت العمة كلوديا على وفاق شديد مع السيدة ستيفاني.

نظر الجميع نحوي وعلامات الإستفهام فوق رؤوسهم فأوضحت مبتسمة: كانتا تتحدثان حول أمور التجميل والعلامات التجارية وما شابه.
وقف ستيف نافيا متظاهراً بالأسى: سأصلي لأجل السيدة ستيفاني إذاً. أو ربما لأجل زوجها السيد مارك الذي سيعلن إفلاسه عندما تحرض أمي السيدة ستيفاني على شراء مختلف الملابس والأحذية وتأخذها للتسوق في أي متجر يصادفها.

أردف متجها نحو الباب: أما أنا؟ فمُسائل في أي غرض قد أقوم بشرائه حتى لو كانت مجرد جوارب أدفئ بها قدمي.
اعترض جوش: لا أتذكر انك اشتريت لنفسك يوماً أمراً مفيداً.
ضحك جوزيف بخفوت ووقف يتبعهما: أنتَ في سِن خطرة بالنسبة للأباء يا ستيف وعندما تتزوج وتنجب ستدرك لماذا تتذمر والدتك كثيرا بشأنك.
عذرا سيد جوزيف ولكني دعني أذكرك انني في العشرون من عمري وتخطيت السن القانوني بعامين.

خرج الثلاثة من الغرفة فوقف ماكس كذلك ينظر لجيمي وبريتني: هيا لنتناول العشاء.
ثم قال موجها حديثه إلى كريس بحيرة: الن تنزل لنتناوله جميعاً معاً؟
نفي كريس ببرود فزم ماكس شفتيه قليلا قبل ان يقترح بإهتمام: هل أطلب منهم ارسال الطعام إلى هنا؟
رمقه كريس بنظرة خاطفة هادئة: لستُ جائعاً. أريدُ أن أرتاح.

ولكن ماكس ظل واقفا بتردد، ومع ذلك فهو يعلم أن الجدال مع كريس عقيم وهذا ما دفعه ليومئ برأسه بصمت ثم اخذ بيد جيمي وبريتني وخرج معهما.
بقيت واقفة في حين أوليفيا لا تزال تجلس على السرير.
نظرت إليها بهدوء شديد فقابلتني بعين محتارة.
سألتها: الن تتناولي العشاء؟
ابتسمت بلطف: بلى. ولكنني بحاجة إلى الحديث مع كريس أولاً، يمكنكِ أن تسبقيني.
لستُ مرتاحة لتركها هنا!
اشعر بأنه من الأفضل ان تخرج هي الأخرى.

أنا بحاجة للنوم.
قالها كريس بجفاء شديد وأردف ينظر لهاتفه: اغلقا الإنارة فور خروجكما.
لقد تعمد تثنية كلماته، عليها ان تفهم ما يحاول قوله!
ومع ذلك فابتسمت بهدوء وقالت تعيد الخصلات الشقراء خلف اذنها: يمكنكِ الذهاب يا تيا، سأناقش كريس في موضوع مهم ولن أتأخر امنحيني دقائق فقط.
يا الهي. إنها مصرة!
نظر كريس نحوها بنفاذ صبر ولكنه لم يعلق.
حينها وجدت نفسي اتحرك نحو الباب دون كلمة وخرجت في حيرة من امري.

يا لها من عنيدة!
ما الذي تريد التحدث بشأنه على أي حال.
تنهدت بعمق وتحركت لأتجه نحو الدرج ولكنني أجفلت بذعر عندما ظهر ستيف من نهاية الممر فجأة!
اتسعت عيناي: ما الذي تفعله هنا؟
تجاهل سؤالي وهمس مقتربا بحذر: تلك المشعوذة لا زالت في غرفته! لماذا لم تخرجيها؟
المشعوذة!؟
ظنوننا كانت في محلها، إنها تحاول جاهدة لفت انتباهه.

ثم نظر من حوله بحرص قبل ان يمسك يدي ويجبرني على ان نتحرك للجناح الآخر ونقف في الممر ليهمس: لقد قبلّت كريس بكل وقاحة وعلمت شارلوت بالأمر.
شهقت بدهشة فأسرع يضع يده على فمي بحزم: إياك واخبار اي احد بهذا!
احتدت عيناي وابعدت يده لأزمجر بغضب: تلك اللعينة ما الذي تظن نفسها فاعلة! كان على جرها من شعرها وأخرجها بالقوة، ما الذي تعتقدها تحاول فعله الآن؟!
نفي مفكرا: لا فكرة لدي.

أضاف بإنزعاج شديد: الا ترين الأمر غريباً! كريس صريح ووقح بطبعه ومع ذلك يبدو وكأنه يجاملها بكل جهده. وحتى السيد ماكس يتصرف بغرابة! بل أنه تجاهل فعلة رين هذا الصباح عندما تعمد ان يجبرني على صدم سيارة أبي بسيارته.
هاه!
هذا ما حدث بالفعل.
نظرت إلى الكدمة الموجودة بجانب عينه بحيرة: هل تشاجرتما؟
ابتسم بسخرية: أبشرك بأن شارلوت حصلت واحدة أيضاً!
فغرت فاهي: يا الهي.

زم شفتيه بتوتر: لقد كنت السبب، لم أقصد لكمها ومع ذلك حدث ما حدث، أردت تلقين ذلك المغرور مثير المتاعب درساً وهذا ما وقع.
استندت على الجدار متكتفة: حسنا بدأت أقلق بحق. ماذا عن الإنتظار قليلاً على المائدة؟ وعندما نرى أنها تأخرت في غرفته سيذهب أحدنا ويتصرف.
أومأ بجدية: اتفقنا.
شارلوت:
لا أزال أجلس على هذه الوضعية مستاءة منذ وقت طويل.

ربما الضجة من حولي تساعدني على الخروج من هالة الحزن التي كنت أمر فيها طوال اليوم.
أتى صوت قلق: شارلوت. هل ستظلين جالسة هكذا! ماذا عن تناول العشاء؟
نفيت أسند ذقني على مرفقاي وانحني نحو الطاولة: لا أريد.
أضفت أغمض عيناي: لو صعدت إلى الأعلى فربما أطعن كريس، أنا جادة سيدة أولين.
وقفت خلفي وربتت على كتفي بغيض: وهل ما تفعلينه بجلوسك هنا هو الحل برأيك؟

أجبتها على مضض: أرجوكِ سيدة أولين. تفهمي وضعي! ألم أخبركِ بما فعلته تلك المخادعة؟
وهل ستخلين الساحة لها ببساطة؟
لم أعد أهتم.
ما الذي تقولينه!
ثم زفرتْ ونظرتْ من حولها للخدم المشغولين بتجهيز أطباق العشاء وجلست بجانبي، لم أجد سوى اللجوء للسيدة أولين لأفرغ القليل مما أشعر به.
أنا أجلس في المطبخ منذ ان فقد كريس وعيه ولا رغبة لدي في الخروج من هنا ولو اضطررت للمبيت في المطبخ فسأفعل بلا أدنى اعتراض.

شعرت بيدها على رأسي وقد همست: انصتِ إلي.
قاطعتها بضيق: لم أعد قادرة على الإنصات سيدة أولين. لقد تعبت! حاولت جاهدة تقبل تصرفات كريس اللئيمة وعندما نجحت في ذلك بدأ يتغير بطريقة غريبة ويتصرف بعشوائية! تارة يشعرني بأنه يهتم بي وتارة أخرى أكاد أصفع نفسي عندما أفكر بأنه قد يكون هناك أمل لنتفاهم.
أردفت بحزن: هذا كثير جداً. سأنفصل عنه.

اتسعت عينيها وفاجأتني بإمساك وجهي لتجبرني على الجلوس باعتدال! ظلت ممسكة بوجهي وكلتا يديها على وجنتاي بقوة لتقول بحزم: أعيدي هذه الكلمة مجدداً وسأصفق رأسك الصغير بهذا بالطبق.!
طرفت بعيني بدهشة فأكملت وقد ارخت يديها: تنفصلين عنه وأنتِ تحبينه؟ أتُراك لم تستوعبي حتى الآن أنه يبادلك مشاعرك؟
قلبت عيناي بإستخفاف: أرجوكِ إلا هذا. كريس لا يعرف معنى ان يقع في الحب صدقيني.

هذا يثبت انكِ تحكمين على الأمور بسطحية.
ابتعدت عني واعتدلت تأخذ شهيقا عميقا ونظرت للساعة على الحائط ثم للخدم المنهمكين من حولنا وقالت: إن كنتِ على وشك الإستسلام لأوليفيا بهذه السرعة فتأهبي لرؤية ابتسامة النصر على ثغرها وإياك وأن تندمي بعدها.
وقعت كلماتها على بثقل غريب، شعرت بمدى جدية الوضع وخطورته للحظة!

وضعت مرفقاي على الطاولة أمامي بتوتر ونظرت إليها بقلق، حتى لو كنت سأنفصل عن كريس كما أريد. ولكنني لا أرغب ان تحظى أوليفيا بفرصة لا تستحقها وقد زيفت وجهها الحقيقي واستغفلتني!
شارلوت. ربما لا يكون الأمر ملحوظاً بالنسبة لكِ أنتِ، ولكن كريس بالنسبة لنا تغير كثيراً. أمور عديدة تغيرت بشأنه وهذا واقع لا مهرب منه.
استرسلت بجدية: ثقي بي عندما أقول بانكِ سبب هذا التغير!
ارتفع حاجباي: أ. أنا؟

أومأت فوراً: ومن غيرك! الستِ من تجادله طوال الوقت وتكسر كلماته؟ الستِ من تزوجها وتمسك بزواجه منها! أنتِ من أصرّ على البقاء إلى جانبها قبل ان يكتشف حقيقة ما حدث بين والديك ووالديه حتى.! وحتى مع مشكلته تلك مع شقيقك الأكبر إيثان. شارلوت من فضلكِ افتحي عينيك جيداً!
امتعضت بشدة ورفعت يداي افتح بهما جفنا عيناي بقوة: انظري سيدة أولين أنا أبصر جيداً فما عساي أفعل أكثر؟

ضربت يدي بخفة لتجبرني على انزالها وقالت بحدة: إنه واقع في حبك ويمكنني اعداد استفتاء للرأي لأثبت لكِ ذلك!
هو ليس كذلك! إنه مجرد خائن متغطرس! يريد مني البقاء إلى جانبه ليرضي غروره! كل هذا كان بدافع التملك فقط أنا واثقة مما اقوله.

كريس مجنون؟ نعم هو كذلك. متهور؟ للأسف إنه الأكثر تهوراً. عنيد ومتملك؟ صحيح. إنها صفاته المستفزة بالفعل ولكن دعيني أخبركِ أنه لن يكذب عليك أبدا في أي لحظة شعرتِ فيها أنه مهتم تجاهك أو قلق بشأنك!
عقدت حاجباي بإستنكار وحينها استوعبت ان الخدم قد خرجوا من المطبخ وخلى المكان لنا نحن الاثنتان فقط.
طرفت بعيني ببطء قبل ان أهمس: لن أنكر أنني شعرت بهذا في مرات معدودة. ولكن.

اسمعي. الشخص الذي نتحدث عنه نشأ بأسوأ طريقة ممكنة، المرأة التي انجبته لم تكن ذات نفسية طبيعية يا شارلوت! باتريشيا لم تكن يوماً أماً مناسبة ستدل ابنها على الطريق الصحيح أو تمنحه الحب الدافئ الذي يحتاجه. باتريشيا لم تحطم كريس فقط وإنما علاقاته مع من حوله أيضاً.

لويت شفتي بإستياء فتنهدتْ وشبكت يديها أسفل ذقنها متمتمة: إحدى هذه العلاقات هي الرابطة المتزعزعة بينه وبين أبيه الذي لطالما حاول جاهداً تحسين هذه العلاقة، وكذلك مع خالته فيكتوريا، وحتى مع ابناء جوزيف.
تمتمت باستخفاف: سأنتقم من كريس سيدة أولين، سأقف في صف رين وأجعل كريس يدفع ثمن فعلته التي لا تُغتفر. لا تبدو فكرة سيئة بالنسبة لي.
ألم تتساءلي عن سبب سوء علاقتهما؟

أنا أعلم أنهما كانا مقربان يوماً ما، لا أستبعد ان كريس قام بفعلة ما هدمت تلك العلاقة كما حدث مع إيثان.
أعترف أن كريس المخطئ في حق رين. لذا لا أحد منا قادر على لومه، ماكس لا يستطيع الوقوف في صف كريس عندما يتعلق الأمر برين. ولا حتى أنا.
أردفت بشرود: كريس نفسه يعلم أنه مخطئ ولا يوجد ما يبرر به ما حدث.
ارتفع حاجباي باستغراب شديد! كلماتها هذه. تقلقني كثيراً!

ما الذي فعله كريس لرين تحديداً؟! هل هذا يندرج تحت الأفعال المجنونة التي ارتكبها عندما لمح لها في منزلي؟
ألم يسألني إن كنت سأستمر في حبه مهما كان ما فعله في الماضي!

وجهت جُل اهتمامي نحو أولين وقلته بفضول واستنكار: انتِ تقولين بكل صراحة ووضوح ان كريس مخطئ في حق رين. وأنا التي تساءلت في مرات معدودة لماذا لا يحتك كريس به او يلقي له بالاً. إنه في غنى عما قد يحدث لو تفاقمت هذه الخلافات إذاً. ما الذي فعله وترك أثراً طوال هذه السنوات؟!

رمقتني بهدوء للحظة قبل ان تنظر من حولها بحيطة وحذر وعاودت تشبك يديها أسفل ذقنها هامسة: لا يمكنني البوح بأمور أغلق كريس صفحاتها بنفسه. لن أتفوه بالتفاصيل ولكن. كل ما يمكنني قوله لكِ هو أن كريس استخدم رين كأداة لتفريغ ضغوطاته النفسية ومعاناته التي تلقاها من باتريشيا.
ابتعدت عن الطاولة قليلا اسألها باستغراب: أتقصدين. بأنه كان ضحية كريس متعرضاً لمختلف الإساءات!

أومأت ببطء: كانت تجمعهما علاقة أخوية قوية، رين وكريس لم يكونا يتشاركان بالدماء فقط بل وربطتهما صداقة عميقة. ولكن كل شيء توقف عندما بلغ الإثنان سن الثالثة عشر تقريبا، أو لنكن أكثر دقة. لقد كانا في نهاية سن الرابعة عشر.
لماذا رين! لماذا ليس شخص آخر؟

رفعت كتفيها بلا حيلة: تغير كريس بطريقة مفاجئة تجاه رين والجميع، بدأ يعاملنا بعدائية مريبة. وكان أول من تلقى هذا هو رين الذي يقضي معظم أوقاته معه. حتى أنهما اعتادا تشارك الغرفة العلوية، السهر معاً لوقت متأخر، التنزه معاً والذهاب إلى المدرسة نفسها قبل أن ينتقل رين ويسحب أوراقه من مدرسة كريس.

ولكن. هذا لا يرضي فضولي سيدة أولين! لا زلت لم أفهم. حسناً إن كان رين ولسوء حظه قد أخذ موقعاً في الواجهة امام كريس لتنفيس غضبه والضغوطات التي سببتها له باتريشيا فما الذي اقترفه وجعل رين يكن له هذا الحقد؟ ولماذا كريس المتغطرس بطبعه يعترف ويقر بخطئه بل ويحرص على عدم الإحتكاك به.

نفيت برأسها متنهدة بعمق: لا يمكنني قول المزيد. لا أستطيع فتح صفحات قديمة يرفض الخوض فيها، ولكن. حاولي التقرب إليه ومعرفة هذه الأمور طالما رين يبذل جهده في استفزاز كريس طوال الوقت.
زميت شفتاي بتردد انظر إليها بتمعن، وكأن كريس سيخبرني بشيء! لن يفعل ولو اجبرته تحت هديد السلاح.

أكملتْ تضع يدها على رأسي بأسى: شارلوت. دعينا نتفق على تصرفات كريس غير معقولة وجنونية، ولكن. ماذا عن محاولته البائسة والفاشلة للتعبير عن مشاعره؟ الن تساعديه على إيضاح ما يكنه لكِ على الأقل.
نفيت بإنزعاج وضيق: إنه خائن سيدة أولين! لا يمكنني مسامحته. لا أستطيع ت.
ما الذي قاله لكِ؟
لقد حاول تبرير الأمر، أخبرني ألا أسيئ الفهم.

لديه لسان حاد وشخصية متعجرفة، هل تعتقدين أن شخص مثله سيواجه صعوبة في ان يقول بنبرة واثقة نعم فعلت هذا؟ ، ما الذي سيخافه بشخصيته تلك إن كان كما تزعمين مجرد متملك إذاً؟
عقدت حاجباي: هذا منطقي ولكن. ولكنه يتصرف وكأن شيئاً لم يكن!
لأنه لم يعد يريد ان يعكر صفو علاقتكما أي شيء يا ابنتي!

أضافت بنبرة عالية وقد نفذ صبرها: لقد امضيت سبعة وعشرون عاما في تربية ذلك المخلوق المعقد يا شارلوت وأنا أكثر من تدرك أنه لن يواجه أي مشكلة او يشعر بالحرج ليقول بأنه قد فعل أمراً ما. صدقيني!
زفرت بقوة وضربت الطاولة بيدي بغيض وإستياء: يا الهي اشعر أنني على وشك البكاء الآن!

أومأت مشجعة: لا تكوني سهلة يا شارلوت! لا تخلي الساحة لأوليفيا ببساطة هكذا، انتِ لست ضعيفة بطبيعة شخصيتك لذا لا تعقدي الأمر وتصرفي معها بكل حكمتك وقوتك!
ثم فاجأتني بوقوفها وهي تمسك بكتفاي تجبرني على الوقوف ودفعتني نحو باب المطبخ: والآن أخرجي. اذهبي وانهي هذه المسألة مع كريس حالاً واطردي أوليفيا من ساحتك الخاصة. تحركي!
قالتها وقد ابعدتني عن المطبخ وظلت تقف هي بالداخل فنظرت إليها: م. مهلاً!

قلت لكِ هيا! ما الذي تنتظرينه؟ لقد انجزتِ الكثير وصبرت على الكثير حتى الآن فلماذا ستعودين مئة خطوة للوراء؟
اعقبت جملتها بإغلاق باب المطبخ بحزم فبقيت واقفة في الممر أمام غرف الخدم بإنزعاج وضيق.
هل على المحاولة حقاً!
ما الذي سأجنيه من كل هذا؟!
كنت عازمة قبل فترة ان أوقعه في حبي ثم تقول لي السيدة أولين أنه يبادلني مشاعري بكل بساطة!

يا الهي. لم أعد أعلم ما على فعله، كل ما اعرفه انني اريد تمزيق أوليفيا الى قطع صغيرة وحسب.
تنهدت بعمق وضربت وجنتاي مشجعة: هيا يا شارلوت، خذي بحقك منها وتصرفي على سجيتك.
قلتها بصوت عالي أدفع نفسي واحاول البدء من نقطة تحفيزية.
هو ينظر إلى كما لو كنت خائنة، وأنا أنظر إليه مشيرة إليه بالأدلة وبأصابع الإتهام الصريحة.
نحن متعادلان!
ومع ذلك فما حدث لي قد وقع دون إرادة مني، بل وعلى غفلة وبسرعة!

تحركت لأخرج من الممر وعبرت الردهة، سمعت أصوات الأطباق والملاعق فعلمت ان الجميع قد اجتمعوا في غرفة الطعام.
هل نزل كريس أم لا يزال في غرفته!
مرت أمامي إحدى الخادمات التي خرجت من غرفة الطعام فسألتها: عذرا، هل كريس هنا؟
سألتها مشيرة للغرفة فنفيت فوراً: لا آنسة شارلوت، لا يزال في غرفته.

أومأت لها مبتسمة بهدوء واسرعت لأصعد. وقفت أمام الغرفة ورفعت يدي لأطرق الباب ولكنها تعلقت في الهواء عندما التقطت اذني صوتا خافتا أنثوياً.
لا داعي للتفكير.
إنها هي.
وضعت رأسي على الباب واستندت عليه محاولة الإنصات لما تقوله ولكن.
صوتها خافت جداً ومن الصعب فهم ما تقوله!
لا وقت لأضيعه، سأرى ما تتحدث بشأنه.

طرقت الباب ودخلت فوراً بوجه هادئ وجاد، رأيتها تجلس على طرف السرير بينما يجلس هو يسند ظهره على الوسادات خلفه، نظر الإثنان نحوي وحينها لمحت توردا طفيفا على أطراف عينيها وأنفها.
إما انها كانت تبكي أو أنها تحاول ألا تشرع بذلك.
استندت على الباب وقلت بحدة واضعة يدي اليمنى على خصري: أريد بعض الخصوصية مع زوجي. الآن.

تعمدت استخدام تلك الكلمة محاولة استفزازها ولكنني تفاجأت بها تقف تومئ برأسها استحساناً بلطف: لا بأس، ارجو المعذرة إذاً.
القتْ نظرة على كريس ثم همست: فكّر بالأمر رجاءً.
ارتفع حاجباي لبرهة قبل ان اقول مقتربة نحوه متظاهرة بالإستياء: لا ترهق نفسك بالتفكير بأي شيء، عليك ان تنال قسطا من الراحة!
قلتها وانا اعدل الوسادة خلف ظهره فنظر إلى باستنكار وتمعن.

سمعتها تصفق الباب خلفها وحينها فاجأته بسحب الوسادة التي كنت أعدلها وضربت صدره بها بقوة وقلت بحدة وإنزعاج: لا تعتقد بأنني نسيت الأمر أو تجاهلته!
أضفت أضربه بها بقوة أكبر: خائن مثلك لا يستحق أن أريه وجهي ولا يستحق أن أهدر وقتي عليه. ما فعلته كثير جداً ولن أجعل الأمر يسير دون ت.
ولكنني أجفلت حين أمسك بيدي بقوة وأجبرني على الاستلقاء وانحنى فوقي بحزم وحدة: ها قد أظهرتِ نفسكِ أخيراً، أين كنت مختبئة؟!

نظرت إليه بحدة مماثلة: في مكان لا تفوح فيه رائحة الخيانة.
أغمض عينيه العسليتان وهمس بغيض: خيانة؟ بذكر هذا الأمر. أخبريني من فضلكِ تعليلا مناسبا يقنع المرء على فهم كيف قد يقبل الطرف الآخر الضحية دون إرادة منها وعلى غفلة!
هل تشك بي بحق الإله!؟
قلتها بدهشة ففتح عينيه بغضب: أنا لم أقل هذا وإنما أريد فهم ما حدث! كيف يقبلك فجأة؟!
ابتسمت بسخرية: ربما كما قبلّتك أوليفيا وانت منهمك في العمل.
لا تحاول استفزازي.

إذا لا تحاول انتزاع نفسك من تلك الفعلة الشنيعة وكأنه لا ذنب لك!
أنا بالفعل لا ذنب لي!
أوه. حسنا اعتذر على توجيه الإتهام لك. كريس هل تعتقدني حمقاء؟ أرجوك أخبر العالم كيف تقبل فتاة شاب في السابعة والعشرون من عمره بلا ذنب قد اقترفه!
امسك بذقني وزمجر بغضب: حسناً اعترف. اعترف انها فعلت ذلك ولكنني لم أفعل!
هاه! ما الذي تقصده بهذه الأحجية الآن؟
لقد كانت من قبلتني فجأة ولكنني لم أبادلها تلك القبلة!

تبادلنا النظرات لثوان قبل أن أنفجر منفعلة بسخط: هذا لا يغير الواقع!
ولا يغير أن ذلك الوغد قبلكِ أيضا.
قالها بإنفعال ثم تبادلنا النظرات بذلك الغضب المتماثل.
حتى بادرت قائلة بحزم: لقد حاولت بكل قوتي منعه وابعاده عني في حين كنت أنت تجلس كضيف شرف على كرسي المكتب وتستقبل تلك القبلة التي تدعي انها مفاجئة! يوجد فرق بيننا يا كريس! لا تقارني بك. هل تفهم!

دفعته عني بغيض وحينها فجرت غلي وغضبي وانا التقط الوسادة مجددا واضربه بها: خائن. حتى تسويغاتك غير مقنعة، هذا لا يغير حقيقة خيانتك أيها الكاذب المنافق!
اخذ الوسادة مني بقوة وتفاجأت به يضربني بها على كتفي بخفة: اللعنة لا زلت أتألم من تلك الإصابة! ثم حرارتي لم تنخفض بعد هل تحاولين قتلي! ألا يوجد القليل من الرحمة تجاه الشخص المريض!

استعدت منه الوسادة بحنق ورغبت في ضربه مجدداً ولكنه اخذها يلقيها بعيدا عن السرير بحزم: يكفي! توقفي عن التصرف بصبيانية.
سأتوقف. لأنه لا يوجد ما أناقشه معك أيها الخائن الغادر.
وقفت مبتعدة عن السرير ولم أكد أفعل حتى امسك بمعصمي وأجبرني على الجلوس مجدداً.
صرخت بحزم: دعني! يوجد هواء ملوث هنا لا أستطيع تنفسه!
أغمض عينيه متمالكاً نفسه: اهدئي ولنتفاهم.

نتفاهم بشأن ماذا تحديداً؟ خيانتك. أم خيانتك؟ أو ربما خيانتك!
نفي برأسه ببطء ممررا يده في شعره: هل تحاولين ان تبدين ظريفة في وقت كهذا؟
آه فهمت. إذاً خيانتك!
شارلوت.
همس بإسمي بهدوء وتحذير، نظر إلى بجدية: لنوقف هذه المهزلة. كل شيء كان على ما يرام في اليومان الماضيان لذا لنعيد المياه إلى مجراها الطبيعي.
انتزعت يدي وتكتفت بحزم: اختصر.

نبرتك هذه تزعجني. ستفقدينني أعصابي يا شارلوت وسأتهور معك! ستتلقين لكمة أخرى على عينك وستكونين السبب في ذلك! ثم لماذا تتدخلين في شجارهما بربك!
فليكن. حتى لو تعرضت لطلقة نارية فهذا أمر يخصني.
زم شفتيه بقوة محاولا ان يهدئ من نفسه قبل ان يأخذ شهيقا ويقول: حسنا يا شارلوت، لا زلت أحاول تمالك نفسي والتعلق ولكنني لا أضمن الحفاظ على رباطة جأشي طويلاً.

أشحت بوجهي بغيض فأضاف: لنعد إلى موضوعنا، دخلتْ بالفعل بينما كنت أعمل، بادرت بتقبيلي بحركة مفاجأة وذلك لم يطل لأنني لم أجلس كتحفة أثرية كما تظنين! ظلت واقفة وعندما دخلتِ للمكتب كانت في هذه اللحظة تنوي إعادة الكرَّة. هل هذا يرضيكِ الآن؟
عقدت حاجباي: تنوي. إعادة الكرة!
يا الهي. كانت تنوي تقبيله مرتان متتاليتان! اليس هذا فوق الحدود بحق الإله؟
احتدت عيناي الخضراوان بحذر: هل هذا كل شيء؟

أومأ بإنزعاج فنظرت للأرض بتردد.
لماذا أشعر بأنه صادق ومن الصعب تكذيبه؟! تلك الأوليفيا. يا الهي أريد الشجار معها بأي طريقة ممكنة عندما تسنح لي الفرصة!
سألته بعدم فهم: لماذا؟ لماذا تفعل هذا؟!
اشاح بوجهه ببطء نحو الجهة الأخرى متمتماً: وضحت لكِ ما حدث بالفعل ولكنني لا أريد الخوض في هذا الحديث أكثر. لن أفعل.

ولكنك. قلت أمورا غريبة قبل ان تفقد وعيك! قلت بأنها تحاول إعادة الأحداث مجدداً وبأنه لا طاقة لك. ما الذي كنت تشير إليه؟!
نفي ببرود: كان مجرد هراء تفوهتُ به.
لم يكن هراء، لن أصدق انه كان مجرد هراء! ما الذي يخفيه؟
اطبقت فمي أفكر بروية، لقد علل لي ما حدث ولكنه لا يريد التوغل في دافع اوليفيا وما يقودها للتصرف بتلك الطريقة.
حان دورك.

رمقته بحيرة قبل ان استوعب ما يشير إليه فقلت مشيرة بيدي بلا اكتراث: لقد قلت كل ما لدي، هو من فعل ذلك وحاولت منعه ولكنني لم أكن أفوقه قوة.
هل هذا كل شيء؟
نعم.
حقاً؟
تنهدت بلا حيلة: بعدها قام بإختطافي إلى مكان معزول وتركني بلا طعام أو شراب لعدة أيام، ثم نجحت في الهرب منه عن طريق غابة عانيت فيها من كثافة أشجارها ال.
اللعنة!
زمجر بتلك الكلمة بغضب فلويت شفتي بملل ولم أعلق.

اغمض عينيه بغضب وقد نجحت في حرق أعصابه!
بصراحة لا أدري لماذا أوصل استفزازه، سوى أنني أرغب في الحقيقة في جعله يغضب ويشعر بما شعرت به وإن كان ما أفعله الآن لا يُقارن بما مررت به في الأمس.
أشاح بوجهه بإمتعاض شديد فزميت شفتاي بلا حيلة.
ساد الصمت بيننا، أعاد جسده للخلف ليسند ظهره على الوسائد خلفه.
كان من المتوقع أن يقوم بأمر كهذا.
قالها بنبرة غريبة بعد صمت طويل فنظرت إليه بإستغراب وعدم فهم.

تغيرت نظراته قليلاً وبدى شارد الذهن فهمست بإسمه بحيرة!
تمتم بشرود هادئ: إنه ينتقم بطريقته. رين يعلم كيف يأخذ بحقه.
ينتقم مما!
فعلتُ أمراً مماثلاً ذات يوم.
مماثل!
قطبت حاجباي بعدم فهم: ما الذي تقصده؟
نظر إلى ببرود ليفجر الكلمات بكل بساطة: قبلت الفتاة التي كان يواعدها في إحدى المراحل الدراسية.
اتسعت عيناي بدهشة ورفعت يدي نحو ثغري بذهول!
أكمل بجمود: يبدو أنه لم ينسى الأمر وأراد أن يعيده بطريقته.

بربك! هل أنت جاد فيما تقوله! ل. لماذا فعلت ذلك؟! ك. كيف تجرأت على هذا! ما الذي دفعك لتقبيلها أصلاً!
أشاح بوجهه ببطء: هذا يخصني.
هل. كنت تحبها!؟
اشمأزت ملامحه فجأة: إطلاقاً، إنها مجرد حثالة أرادت ان تبرز نفسها بطريقة ما.
أردف وهو يستلقي على جانبه: كانت خائنة على أي حال، أرادت التقرب مني بشتى الطرق متناسية أمر مواعدتها له.
هل فعلت ذلك أمامه عمداً! لا زلت لم أستوعب الأمر حتى الآن. هذا حقاً صعب جداً!

صمت ولم يعلق فخمنت بأنه فعل ذلك عمداً!
ل. لماذا يا كريس! هذا لؤم، إنها قسوة!
قلتها بقلب مقبوض بشدة! هذا أسوأ مما تخيلت، لماذا يقبل فتاة يواعدها ابن خالته بحق السماء؟ هذا كثيرا جداً.
حدق إلى بصمت ولم يعلق كذلك!
أخفضت نظراتي قليلاً ولم أعلم ما على قوله!
إن كان كريس فعل أمراً كهذا.
فما هي الأمور الأخرى؟
لا بد وأنها أسوأ بكثير! لا عجب في أن رين يحقد عليه كثيراً.
قبلها. وهو يعلم بأن رين يواعدها!

هي أرادت التقرب من كريس بشدة وكانت تخدع رين.
فلماذا فعل ذلك بابن خالته؟
اتسعت عيناي فجأة مفكرة بالأمر بتمعن.
وأسرعت أهمس بدهشة: م. مهلاً! هل تعمدت فعل ذلك أمامه حقا؟
تمتم ببرود: وماذا إذاً!
أقصد. هل قمت بهذا في لحظة أردت ان توضح له تلك الفعلة بشكل صريح!
ارتفع حاجبه الأيسر: ماذا لو قلت نعم؟
فهمت.
ربما ما خطر لي صحيح!
حدقت إليه بهدوء شديد فاستنكر نظراتي نحوه، ما فعله لا يُغتفر بالفعل.

لا ألوم رين على كَن شعور الحقد نحوه، ومع ذلك فأنا واثقة جداً. وأدرك ان امراً كهذا لم يكن ما جعل رين ينقلب عليه!
فكرت قليلاً حتى قلت بهدوء: هل فعلت ذلك لتبعدها عنه؟ لأنك رأيتها تخدعه وتستغله؟ لأنك أردت أن تريه حقيقتها بطريقتك؟!
نظر إلى بعين متسعة لبرهة ثم سرعان ما رسم ابتسامة ساخرة ومضمرة: هل أنت حمقاء؟
ماذا؟ اليس هذا صحيحاً؟

رمقني بإمتعاض لمهية حتى استدار للجانب الآخر لأواجه ظهره وهو يتمتم: إن كنت قد انتهيت من التوصل لاستنتاجاتك أيتها المحققة فربما من الأفضل ان تخرجي وتذهبي لتناول العشاء.
أعتقد بأنني محقة! ردة فعله تدل على ذلك!
قلتُ بإصرار: أنا واثقة مما أقوله! كريس. أخبرني بأنني محقة!
انت تزعجينني بثرثرتك.
أنت بنفسك من قال ذلك دون قصد! الم تقل أنها كانت تخون رين؟ بأنها مجرد مخادعة تريد إبراز نفسها؟

لم يعلق فهمست بإسمه بإنزعاج وإصرار فتجاهلني تماماً.
التفت حول السرير لأقف مقابله في الجهة الأخرى فرمقني بإنزعاج واستدار ليستلقي على جانبه الآخر!
زفرت بغيض: توقف عن تجاهلي! لنكمل ما كنا نتحدث بشأنه!
لقد انتهى الحديث.
لم ينتهي بعد!
لا يوجد ما نتحدث بشأنه لذا كفي عن إزعاجي.
أنت تهرب.
قلتها بحزم ثم ساد الصمت المكان.
حتى ضجرت متنهدة بعمق.

لن يصرح بأي شيء، لا يجب ان انتظر منه أي توضيح فهو لن يفعل، ولكن ردة فعله العفوية وهو يلقي على نظرة متفاجئة قبل قليل تشير إلى صحة ما أفكر به وإن لم يؤيد ذلك!
ربما ما فعله كان غير معقولاً، وربما كانت طريقته خاطئة او قاسية ولكن.
هذا لا يطمس حقيقة نواياه في انتزاع رين من تلك العلاقة الهشة القائمة على مواعدة فتاة عابثة!

ربما لا يريدني ان أصفق له وأشير له بيدي بتحفيز وإستحسان مشيرة إلى دوره في ابعاد تلك الفتاة عن رين ولا يمانع ان أفكر به بطريقة سيئة! كيف يعمل عقله تحديداً؟!
اتجهت إلى الباب بلا حيلة.
حسنا إنه في النهاية عنيد وسيرفض التحدث.
أوصدت الباب واخفضت الإنارة فأسرع ينظر إلى متمتماً بإستغراب: الن تخرجي؟
زميت شفتي بثبات: لا. ليس بعد!
قطب حاجبيه ورمقني بإستنكار حتى زفر بملل: أنت بالفعل مثابرة.

ابتسمت بهدوء واقتربت لأفاجئه باستلقائي بجانبه.
نظر إلى بصمت يطرف بعينه ببطء فنظرت إليه كذلك دون أن أقول شيء.
ثم نظر كلينا للسقف والصمت سيد الموقف.
استمر الحال هكذا وبسبب الانارة الخافتة، شعرت بالسكينة والراحة في صدري الذي انهكته خفقات قلبي في الأمس وحتى قبل لحظات.

إن كان كلٌ منا قد تفهم الآخر فلا يوجد ما أستاء لأجله، ومع ذلك فلا زلت قلقة بشأن أوليفيا التي يرفض ان يخبرني بما تهدف إليه وسبب التصاقها به بهذه الطريقة المزعجة!
أما عن فعلته تلك مع الفتاة التي واعدها رين. فبدأت أدرك جيداً ما يقصده بشأن أمور مجنونة قد ارتكبها في الماضي!
بدأ النعاس يتسلل ألي أثناء تحديقي إلى السقف الدائري الزجاجي.
نظرت لكريس بطرف عيني فوجدته مغمض العينين.

كان يستلقي على جانبه وانفاسه منتظمة.
رفعت يدي نحو جبينه فشعرت بأن الحرارة انخفضت قليلا عما سبق.
هذا جيد انه يتحسن، حينها تسمرت عيناي عليه ووجدت نفسي أحدق اليه بشرود.
فاجأني اليوم كثيراً بما قاله أثناء هلوسته الغريبة تلك.
ولا أنكر بأنني سعيدة نوعاً ما بالرغم من شعوري بالغضب حينها من مصطلحاته وكلماته المتملكة!
ابتسمت دون شعور واقتربت منه أكثر حتى دفنت رأسي في صدره.

اغمضت عيناي ملقية بكل شيء خلف ظهري، ولكنني مدركة لضرورة إيقاف أوليفيا عند حدها والأخذ بنصيحة السيدة أولين.
كما أعلم أنني في يوم ما. قريبا جداً.
سأفهم ما يحدث. أو ما حدث في السابق بين كريس وتلك المنافقة! وحتى عن السبب الحقيقي وراء سوء علاقته برين بعد ان جمعتهما علاقة أخوية يوماً ما.
كما أنتظر اليوم الذي يخبرني فيه كريس بأنه واقع في حبي تماماً. يخبرني أنه لا مجال للإستغناء عني كما أشعر نحوه!

سأنتظره بصبر.
أو ربما سوف أحاول وحسب.
فأنا أفقد صبري بوضوح مؤخراً.
لا سيما وأنني اعترفت له.
حسنا أرى بعض التغيرات في كريس.
في تصرفاته وفي شخصيته!، لقد فاجأنا بالأمس ولا سيما السيد ماكس حين نعته كريس بأبي دون شعور.
كنت سعيدة جداً.
أتساءل إن كان قد انتبه لما قاله دون قصد.
سواء قاله بقصد أو لا.
لقد اسعد ماكس كثيراً وقد هرعت دموعه من عينيه دون إرادة منه.
تنهدت براحة وعمق.
وحاولت ألا أفكر بأي أمر آخر.

حين بدأت أخيرا اغط في النوم العميق.
شعرت بيده التي احاطني بها.
مجرد حركة بسيطة كهذه ملكتُ بها العالم وشعرت بأن كل شيء في هذه اللحظة لا قيمة له مقارنة بشعوري العميق بالراحة.
تيا:
خرجت من منزل السيد ماكس بعد ان تناولت العشاء معهم.
لقد شعرت بالقلق طوال الوقت من جلوس أوليفيا في غرفة كريس وكدت أتصرف أنا أو ستيف لولا أنها قد دخلت وبدت طبيعية تماماً.!
ومع ذلك.
فأنا لا أشعر بالراحة لسبب ما.

أشعر ان تصرفاتها الهادئة اليوم. مريبة إلى حد ما!
كما تكفيني ردة فعل السيد ماكس المتفاجئة عندما علم بخسارة كريس لتلك الصفقة. بدى مستاءً جداً لجهوده التي ذهبت سُدى.
إلا انه في النهاية ابتسم برضى وقال متفهماً: يكفي أنني أستشعر حس كريس بالمسؤولية تجاه العمل.
إنه محق.

أنا أيضا أشعر به يبذل جهداً كبيراً ليثبت ذاته ويشير إلى قدرته الحقيقية على الإدارة موضحا للكثيرين من حوله أنه لم يأخذ ذلك المنصب لمجرد انه الوريث وحسب.
وبالطبع أخصص كلماتي لذلك الوغد فابيان.
كنت أقود سيارتي حتى رن هاتفي فأسرعت انظر للشاشة مجيبة: مرحبا يا إيثان.
أتى صوته مهتماً: ما الأمر؟ ارسلتِ لي ضرورة أن أتصل بكِ عندما أتفرغ، هل كل شيء على ما يرام!

آه نعم. لا تقلق أردت فقط التحدث معك في أمر ما. هل أنت في منزلك؟
نعم. ، هيا تحدثي أنا أنصت.
وقفت في الإشارة الحمراء وحينها تنهدت بعمق وقلت بتردد: لدي ما أريد قوله لك ولكن. أرجوك أنصت إلى حتى النهاية!
بدأت أقلق.
ليس بالأمر الكبير! حسناً. إنه بشأن التخييم.
ماذا بشأنه؟!

إيثان. أرجوك رافقنا إلى المخيم! لا يزال لديك الكثير من الوقت لحزم أمتعتك لأننا سنذهب جميعنا بعد غد، كان من المفترض أن نذهب في الغد ولكن السيد ماكس قام بتأجيل الأمر بعدم معرفة كريس، هو لا يعلم بأنه قد تم تأجيله وكذلك اشار السيد ماكس إلى انه من الضروري ان تتواجد معنا.
انسي الأمر.
م. مهلاً! أعلم جيداً أنك لا تريد الذهاب بسبب كريس ولكن صدقني لن يكون هناك أي م.
لا أريد.
لا تتسرع من فضلك!

أضفت برجاء: سيكون الأمر مختلفا عن كل عام. هذه المرة عائلتك ستكون برفقتنا! سنقضي وقتاً ممتعا و.
لا.
قالها ببساطة فاعترضت: هيا يا إيثان. أرجوك!
إن كان والداي وشارلوت وسام سيرافقونكم فلماذا من الضروري ان اتواجد أنا أيضاً.!
ما الذي تقوله! بالطبع سيشكل فارق كبير بالنسبة لي وكذلك للجميع، أريد أن تكون معنا ونقضي أوقاتنا قبل ان تعودَ إلى العمل! ا. السيد ماكس يريدك أن ترافقنا كذلك!
لن أذهب.
لماذا أنت عنيد هكذا؟

أردفت بإستياء وقد تحركت بعد ان اشار ضوء الاشارة للأخضر: إن كنت قلقا بشأن كريس فلا تقلق لأن لا أحد منكما سيحتك بالآخر ثق بي!
تيا. أنا لن أذهب وضعي نقطة بعدها.
عقدت حاجباي بغيض واحكمت قبضتي على المقود مزمجرة بإنزعاج: إذاً لن أذهب أنا أيضا.
أتى صوته مستنكراً: هاه!
إن كنت ترفض الذهاب فأنا أيضا لن أفعل.
تمتم ببرود: لا تكوني حمقاء! اعتقد بأنك اعتدت الذهاب معهم فلا تختلقي حجة كهذه حتى ل.
لا معنى لذهابي بدونك.

قلتها بهدوء فسمعته يزفر قبل ان يقول بنفاذ صبر: انصتِ إلى يا تيا، ذهابي لا معنى له بعد كل ما حدث! لا تقولي لي أن الأمور قد حُلت لأن هذا لم يحدث! لا أريد ان تجمعني بصديقك المتغطرس او بالباقين علاقة وطيدة لأنني بالكاد تجاوزت رابط الزواج بينه وبين شقيقتي.
حسنا حسنا قل ما تريد ولكنني لن أذهب في جميع الأحوال.

أكملت متظاهرة بالحزن الشديد: أردت ان نستمتع جميعنا ونصنع ذكريات سعيدة قبل ان تتجه إلى عملك، يكفي أنني لن أكون قادرة على رؤيتك لفترة قد تطول يا إيثان، يبدو انني لن اذهب إلى المخيم كما كنت أرغب. سأجلس في شقتي بدلاً من ذلك وأحاول إيجاد أمر مسلي.
تنهد بعمق: حيلتك لا تجدي نفعاً. أعلم جيداً أي نبرة تستخدمين عندما تكونين حزينة بصدق.
هذا لا يغير انني لن أذهب.

دعي هذا الموضوع جانباً الآن، أريد لقائك غداً في مطعم ما وعليكِ أن تأتي في الوقت المحدد. إياكِ والتخلف عن موعدك يا تيا لأنه يوجد ما أريد قوله.
ارتفع حاجباي بفضول وحيرة: بشأن ماذا!
ستعلمين غداً.
عن ماذا تحديداً؟
لا تستعجلي واتركي الموضوع للوقت المناسب، عديني ألا تتأخري وحسب.
زميت شفتاي مفكرة باستغراب بنبرته الجدية ثم تنهدت بلا حيلة: سأحاول ألا أفكر بالأمر قبل النوم. حسنا إذاً لنلتقي غداً.

لا يمكنني إجباره أو الضغط عليه ولكنني سأبحث عن طريقة أقنعه فيها بالذهاب مع الجميع.
لا يمكنني الاستمتاع بوقتي بينما هو يرفض مرافقتنا!
كنت أتمنى لو تعود علاقته مع كريس كما كانت ولكن. أشعر بأن هذا بات بالفعل صعب. لا أحد منهما سيتنازل، كلاهما يرى ان الأخر مخطئ في حقه!
والكارثة أن احدهما صديق طفولتي والآخر أحبه!
هذا سيفقدني صوابي يوماً ما.
شارلوت:.

أدرك ان الصباح قد حل وأشعر بأشعة الشمس القوية فوقي مباشرة بسبب هذا السقف المزعج.
إنه ممتع ليلاً فقط ولكنه يعكر صفو مزاجي في الصباح!
تحركت قليلاً ولكنني عجزت عن ذلك عندما شعرت بثقل يحيط بي!
فتحت عيناي بتثاقل شديد وكأن جفناي قد التصقا ببعضهما البعض بمادة لاصقة، وما رأيته أمامي فوراً كان السقف الزجاجي فأسرعت أغمض عيناي بقوة وإنزعاج.
ومع ذلك.
شعرت بشيء ناعم لطيف قد استقر أسفل ذقني!

رفعت مرفقي أضعه على عيني احجب الأشعة وحاولت ان انظر إلى ذلك الشيء والذي لم يكن. سوى كريس!
ظننت أنني تخيلته يعانقني قبل أن أنام ولكنه واقع. رأسه قد استقرت على صدري وانفاسه منتظمة!
تورد وجهي وادركت ذلك بسبب الحرارة التي شعرت بها في وجنتاي.
سُحقاً، إنه حقا. لطيف هكذا! الا يمكنه ان يظل نائما دائماً؟!

ابتسمت دون شعور ولكنني سرعان ما تجهمت عندما تذكرت كل ما حدث في الأمس. ولكنني عدت لأرسم الإبتسامة عندما تذكرت ان المشكلة قد تم حلها! ومع ذلك فلا تزال أوليفيا قد رفعت راية الحرب ولن أتجاوز هذا أبداً.
رفعت يدي لتتخلخل أناملي بين شعره و نظرت بطرف عيني للساعة على الحائط فوجدتها تشير للتاسعة.

لقد مر وقت الإفطار مسبقاً. إما أنهم حاولوا إيقاظنا وكنت أغط في نوم عميق ولم أسمع، أو أنهم تركونا وحسب وقد شعروا بحساسية الوضع بيني وبينه في الأمس.
نظرت لكريس وأسرعت أمد يدي نحو جبينه.
تحسست حرارته وسرعان ما اطلقت تنهيدة راحة عميقة.
جيد. انخفضت كثيراً. جسده متعرق كذلك وهذا يعني ان الحُمى قد زالت.
عليه أن يستحم بماء دافئ ويأخذ الدواء حتى لا يسقط مجدداً.
همست بإسمه بهدوء محدقة إليه بترقب.

عاودت أناديه عندما لم يستجب! مرتين وثلاثة أخرى. بلا جدوى.
تحررت مبتعدة عنه وجلست على السرير امدد جسدي بتعب.
سأغسل وجهي وانشط نفسي واعود لأصرخ بأعلى صوتي، فالنبرة المنخفضة قد تبدو بالنسبة له مجرد تأثيرات صوتية في أحلامه.
هذا ما فعلته وقد عدت مجدداً وناديت بإسمه مرارا وتكرارا بصوت عالي، ابعدت الوسادة والغطاء عنه وازعجته بضرب كتفه ورأسه وبعثرت شعره حتى بدأت أخيراً يحرك جفنه بكسل.

المشكلة انه لم يستيقظ بعد!
زفرت بغيض: استيقظ! هل تحتاج ربع ساعة كاملة للإستيقاظ من نومك! ماذا لو حدث مكروه او وحلّت كارثة؟ لا أكاد أصدق!
واصلت مناداته حتى بدى منزعجا وفتح عينيه ببطء يرمقني قليلا ثم يغمض عينيه.
اقتربت متمتمة بضجر: هيا! عليك أن تستحم حالاً ليرتاح جسدك أكثر، لقد تعرقت كثيرا وهذا جيد لذا عليك التحرك قليلا وتنشيط نفسك!
تجاهلني وهو ينام على جانبه هامسا بنعاس: اغربي عن وجهي.

اغربي عن وجهي؟! جملة كهذه في الصباح الباكر؟!
ابتعدت متكتفة بنفاذ صبر: لا تجبرني على اللجوء إلى حيل تغضبك لذا أسرع وتحرك!
لحظات حتى اعتدل قليلا وجلس على السرير يبعثر شعره، تركته قليلا وقد اتجهت للمنضدة لأخذ هاتفي وتفقد الرسائل، لحظات حتى نظرت إليه فوجدته يحدق إلى بصمت! تمتمت بإستغراب: ماذا؟
لا شيء.
قالها ببساطة وهو ينزل قدميه على الأرض ثم قال: أحتاج بعض الملابس.
كنت سأنزعج لو كانت نبرته آمره!

ولكنها لم تكن كذلك.
لقد طلب مني ذلك بلطف أو. بهدوء وحسب!
وجدت نفسي اتجه للخزانة الضخمة وتساءلت بحيرة: ما الذي على أن أخرجه؟
أي شيء. لا يهم.
أومأت برأسي بصمت وأخرجت له قميص أسود وبنطال جينز داكن ووضعته على السرير.
وقف متململا ومتمايلاً قليلاً فأسرعت نحوه لأسنده ولم يعترض!
أوصلته للحمام وأدخلته فتمتم متنهداً بعمق: ساعديني على خلع قميصي. أشعر أن يداي بالكاد تتحركان.

من الطبيعي أن تشعر بهذا. سوف تسترد نشاطك بعد ان تستحم.
أردفت مستوعبة بتوتر: ق. قميصك؟!
رمقني بهدوء مميلاً برأسه فازدردت ريقي بإرتباك حتى قال بنبرة استخفاف: لقد ساعدتني على ارتداء قميصي في منزلك، ثم أنتِ زوجتي كم مرة على تذكيرك بهذا! أتُراك لا زلت تعتقدين أننا نتظاهر حتى الآن؟
ارتداؤه يختلف عن خلعه، ع. على كل حال أسرع!
أساعده على خلع قميصه؟ هذا. مُربك!

حسناً إنه مريض. لا بد لي أن أساعده قليلاً. لا حرج في ذلك، تذكري يا شارلوت انه زوجك. انتِ تريدين التمسك به وكما ذكرت السيدة أولين فهو أيضا متمسك بهذا الزواج لذا على ان اتصرف بصورة طبيعية.
حزمت أمري مخفية توتري وخجلي واقتربت لأساعده على نزع القميص بيد مرتجفة نوعاً ما.
رفع يديه بتكاسل حتى نزعه أخيراً فاستدار بعض الشيء فقط لأطرف بعيني واعقد حاجباي بتمعن!
إنها تلك الندبات التي رأيتها في تلك الليلة.

ندبات كبيرة قديمة.
ولكنني.
كما قلت سابقا. واثقة أنها كانت مؤلمة جداً. السؤال الذي ينتابني هو نوع الأداة المُستخدمة! هل كانت حادة؟ لو كانت كذلك لما تركت أثرا كبيراً كهذا بل على العكس تماما. ستترك أثرا رفيعا.
يمكنك الخروج.
قالها متثاءبا بنعاس فأسرعت اتساءل بجدية واهتمام: كريس. ما سبب هذه الندبات على ظهرك؟
قلتها وأنا امرر اناملي على إحدى الندبات بدون شعور مني فتفاجأت به قد انتفض مجفلاً!

وما فاجأني أكثر هو نظراته المتفاجئة و المنزعجة!
م. ما خطبه!
ازدردت ريقي بصعوبة بينما قال بتلعثم يجوبه حزم: ما خطبك بحق الإله؟
هاه! ماذا؟ كنت فقط أسأل ع.
مضى عليها سنوات عديدة ونسيت أمرها تماما.
قالها مختصراً الأمر برمته.
هل. باتريشيا السبب؟ إنها هي بلا شك!
لكن. لماذا؟ ما دافعها من ضربه بهذه الطريقة؟
ثم لماذا قد أجفل هكذا وكأنني ارتكبت خطأً فادحاً؟ من الواضح انه انزعج كثيراً.

زميت شفتاي أقمع رغبتي في سؤاله او التوغل في الأمر، ولكنني لم أكد أفتح فاهي حتى دفع كتفاي يجبرني على التحرك لأخرج من الحمام وسط استغرابي ثم أغلق الباب فوراً!
م. ما هذا؟
وقفت أمام باب الحمام بحيرة قبل أن أتنهد بلا حيلة وأخرج من الغرفة.
مشيت في الممر وقبل ان أصل إلى الدرج وقفت مفكرة باستغراب.

في أي عمر قد تعرض لهذه الضربات؟ هي ليست من ذلك الرجل الذي اعتدى على والدته اليس كذلك؟ أشعر بأن باتريشيا من تسببت بها دون سبب محدد.
أريد سؤاله عن الموضوع ولكنه أبدى لي ردة فعل عدائية وتهجمية فجأة!
تنهدت بعمق وأكملت طريقي ولكنني سرعان ما لفت انتباهي صوت باب غرفة خلفي لم يكن سوى مكتب العمل، التفتُ لأرى السيد ماكس وأولين يخرجان من الغرفة و يتحدثان بهدوء.
نظرا نحوي فابتسمت: صباح الخير.

ابتسم السيد ماكس بلطف: صباح الخير يا شارلوت.
أردف متسائلاً بإهتمام: هل مازال كريس نائما؟ الا يازال متعبا؟ كيف حرارته؟!
إنه بخير لقد انخفضت حرارته، إنه يستحم بعد ان أفقدني كامل قواي في إيقاظه!
ابتسمت السيدة أولين براحة: هكذا إذاً. أنا لن أقلق بوجودك بجانبه على أي حال، وبالنسبة لنومه فهذا لا شيء. نوم كريس الحقيقي يحتاج إلى دراسة من الخبراء.

ضحك ماكس بخفوت: لطالما كان هكذا. أتذكر جيداً أنني في إحدى المرات وقبل ان يبلغ الخامسة ظننته فاقداً للوعي ولم استوعب أنه كان نائما بعمق، حتى عندما حملته وهرعت به راغبا في أخذه إلى السيارة اخبرتني أولين أنه النوم الطبيعي بالنسبة له.
نفيت ضاحكاً بعدم تصديق: يا الهي هذا كثير جداً!
أضفت متذكرة بإهتمام: أين جيمي؟
أجابتني أولين: إنه مع بريتني وشارلي في غرفة الألعاب.
أملت برأسي: شارلي هنا إذاً، سأذهب إليهم.

الن تتناولي طعامك؟
لويت شفتي مفكرة: أعتقد بأنني سأتناوله مع كريس حين يخرج.
أومأت بإستحسان فقال السيد ماكس بهدوء: بالمناسبة يا شارلوت. كنت أتحدث إلى والدتك للتو.
ارتفع حاجباي فأكمل: بما أننا قمنا بتأجيل المخيم حتى الغد فأخبرت والدتك بذلك، لقد رحبت بالفكرة وأبدت موافقتها. يمكنكِ الإستعداد أنتِ أيضا في حالة احتجت إلى أي أمر ضروري ترغبين في أخذه معك.

همست بتردد: سيد ماكس. ماذا عن إيثان، لا أظن سيوافق على مرافقتنا.
ابتسم بثقة: في الأمس أخبرتني تيا أنها حاولت اقناعه ولكنه رفض رفضا تاماً، هو لم يوافق بعد ولكنه سيفعل لذا لا تقلقي.
حقا؟ الديك طريقة لإقناعه.
نعم!
قالها مشجعا وعلى ثغره ابتسامة مرحة ثم قال محدقا إلى ساعة كفه: حسنا سأخرج الآن.

اتسعت عيناي قليلا وقبل ان أسمح لأفكاري بالهيمنة على عقلي ضحك بخفوت: ماذا؟ أتعتقدين بأنني غير قادر على الخروج منذ مجيئي للمنزل؟ لابد وأنك تفكرين بهذا!
انتفضت مجفلة بإحراج فابتسمت أولين بهدوء: يبدو أنك قد أصبت.
توترت ضاحكة: حسنا بصراحة فكرت في هذا فأنا لم أرك تخرج منذ ان عدت! يسعدني أنك أصبحت قادرا على الخروج والذهاب والمجيء كما يحلو لك سيد ماكس!
رمقني بإمتنان ووضع يده على رأسي بلطف: يسرني سماع هذا.

أضاف مبتعداً: إلى اللقاء. اعتني بنفسك جيداً وبحفيدي اللطيف.
خرج من الجناح متجها للدرج فربتت أولين على كتفي بجدية: هيا يا شارلوت اذهبي لجيمي ريثما أطلب من الخدم وضع طعام الفطور لك انت وكريس وأوليفيا.
أملت برأسي ولكنني سرعان ما همست بإستيعاب: أ. أوليفيا؟!
قالت وهي تذهب على عجل: نعم. لقد استيقظت للتو فقط هي الأخرى. دعيني أذكرك بدورك كزوجته وأنك تواجهين الآن بعض العقبات التي عليكِ التخلص منها بنفسك.

انتابني ضيق مُفاجئ وزميت شفتاي بإنزعاج شديد.
بدأت أكره سماع إسمها فقط!
لا رغبة لي في رؤيتها!
ولكنني.
لن أترك كريس يتناول الطعام معها وحدهما! ثم لما لم تتناول طعامها في الوقت المحدد؟ هل خططت لتناوله معه على إنفراد؟
هذا لن يحدث.
زفرت بإقتضاب شديد وذهبت لغرفة الألعاب حيث جيمي.
دخلت مبتسمة بمرح: صباح الخير جميعاً.

ولكن ابتسامتي تلك تلاشت حين رأيت رين يجلس على الأريكة محدقا إلى هاتفه ويثبت قدميه على الطاولة بتململ.
ما الذي يفعله هنا مبكراً!
رفع عينيه عن هاتفه لينظر إلى ثم ابتسم بهدوء وثقة فقلت متجاهلة إياه: صباح الخير جيمي. صباح الخير بريتني، كيف حالك يا شارلي!
ترك شارلي الكراس من يده وقال بضجر: أهلا آنسة شارلوت.
ما بك!

اليس هذا واضحا آنسة شارلوت؟ انهما يتصرفان كالأطفال ولا يمضيان وقتيهما سوى في الرسم او امور أخرى سخيفة! الا يمكننا أن نمضي وقتنا مع ستيف؟ إنه يلعب العاباَ مسلية وتبدو ممتعة.
نفيت بهدوء: دعك من ستيف إنه يسهر حتى الصباح ليفوز بمراكز عالمية ولكنه لن يحصد أي فائدة من كل هذا.

تكتف شارلي متنهدا بلا حيلة وتحدث بنبرة تكبره سناً: لن تفهمي، يوجد متعة حقيقية عندما تمارسين ما تحبين فعله! إن كان جيمي موهوب في الرسم فهذا امر راجع له ولكنني ضجرت رسم منزل مائل يعلوه سحابة وطيور معدودة! هل هذا ما يجب ان أمضي وقتي فيه حقاً؟
ذكرني من فضلك. كم عمرك؟!
وضع يده على خصره: في الخامسة!
حسنا شكرا لك. كدت أنسى هذا! هل تتحدث بهذه الطريقة غالباً؟

ابتسم بثقة: آنسة شارلوت، شقيقتي جينيفر لديها أعمالها المستقلة، وأبي يدرك أنني سأدير سلسلة مصانعه مستقبلاً، على أن أخوض في مرحلة تثقيف نفسي واكتساب المعرفة بدلا من اهدار وقتي في أمور كالرسم أو اللعب التقليدي!
اتسعت عيناي بذهول وكذلك رين الذي رفع عينه عن الشاشة ينظر إليه بعدم استيعاب!
هذا الطفل. ليس بطفل!

زميت شفتاي قبل ان اقول بعدم تصديق: انت. آه! يا الهي. عليك ان تستوعب انك لا زلت في الخامسة فقط يا شارلي، لا تحاول ان تنضج قبل أوانك سيكون هذا مملاً لاحقا صدقني! بريتني. جيمي. إياكما والتأثر بأفكاره الغريبة هذه واستمتعا بطفولتكما.
أومأ الإثنان بسرور في حين مرر يده خلف عنقه: ستفهمان ما أقوله عندما تدركان أهمية ان يكون المرء ناضجاً.
زمجرت بغيض: أنت حقاً تخيفني!

أردفت ضاحكة رغما عني: من فضلك أخبرني أنك لست رجلاً في هيئة طفل! ياللهول.
بعدها خاض الثلاثة جدالاً بينهم فوقفت أفكر في تواجد رين هنا!
هذا غريب. إما انه وصل إلى أعلى مراحل الملل ليجلس مع ثلاث أطفال أو أن بريتني قد أجبرته على ذلك. أشعر بأنه لن يرفض لها طلباً.
كنت أضحك بخفوت واستمتاع منصتة إلى جدالهم عندما طُرق الباب ودخلت إحدى الخادمات قائلة بأن الفطور جاهز.

وقفت مميلة برأسي وتركتهم متجاهلة نظرات رين المتمعنة!
لا يجب أن أحتك به.
علي ان أترك مسافة كافية بيني وبينه، يجدر بي الحذر منه والبقاء يقظة. حتى النظرات الخاطفة لا يجب ان افتح لها أي مجال!
اتجهت إلى غرفة الطعام ودخلت لأجد أوليفيا جالسة على الكرسي في يمين الطاولة فجمدت ملامحي وتجهمت متجهة للكرسي المقابل لها.
ابتسمت لي بلطف فتظاهرت بأنني مندمجة في التحديق إلى الأطباق.

ياللوقاحة! تبتسم لي وكأن شيئا لم يكن!
أكرهها.
أكرهها بالفعل!
زميت شفتاي بينما همست بلطفها المعتاد: صباح الخير شارلوت.
رمقتها بصمت وبعينان باردة فارتفع حاجبيها قليلاً ثم ارجعت خصلات شعرها خلف اذنها متمتمة بهدوء يجوبه استنكار: يبدو أنك منزعجة!
آه. أنت محقة. منزعجة كثيرا لسبب ما!
ما السبب يا ترى؟
أتجدين الأمر يستحق كل هذا التفكير؟
رفعت كتفيها بلامبالاة ففاجأني ذلك قليلا!

ثم أشاحت بوجهها هامسة: أريد أن أسألك عن أمرا ما قبل مجيء كريس.
ظل تنظر للجهة الأخرى فيما أخذت منديل المائدة ووضعته على حجري حتى اجفلت عندما احتدت عيناها الزرقاوان وقالت بحزم: كيف اقتحمت حياة كريس هكذا؟
اقتحمت حياة كريس؟
هي لا تملك أدنى فكرة أنه من اقتحم حياتي فجأة في الواقع!
ولكنني. لن أخبرها بهذا! على أن أحرق أعصابها كما فعلت بي.
نظرت إليها بثبات وتمتمت ببرود: اقتحمت حياته؟ لا تضحكيني!

أردفت بثقة: غريب! الم تعلمي بأن كريس أصر على الزواج بي؟
لمعت عينيها وقد تسمرتا على وجهي بلا تعبير!
هذا ما أخافني حينها وسبب لي التوتر الشديد!
ليست غاضبة. ولا منزعجة أو مستنكرة أو أي شيء آخر!
هي حتى لم تسخر. بحق الإله ألا يوجد تعبير يجعلني أدرك موقفي على الأقل؟
اتسعت عيناي بدهشة حين ترقرقت عيناها بالدموع دون سابق إنذار!
طرفت بعيني أنظر إليها بعدم استيعاب وقد ارتفعت يدي في الهواء بتردد!

سالت تلك الدموع على وجنتيها بغزارة وكأنها نهر متفجر أو سد قد هُدم!
ارتبكت قليلا وزميت شفتاي وقد بدأ ينتابني شعور بالتأنيب!
هل. قلت أمراً يستحق كل هذا؟ ما خطب ردة فعلها؟
لا أريد أن أقسو عليها ولكنني. رغبت فقط في استرداد حقي!
أخفضت رأسها تهمس من بين دموعها: هل تقولين الحقيقة؟
ازدردت ريقي ولكنني قلت بنبرة حاولت جعلها هادئة: نعم.

حركت أناملها على وجنتيها تمسح دموعها وقد توردت أطراف عينيها وأنفها، انزلت يدي بإرتباك أشبكها بالأخرى حتى سمعت ضحكاتها الخافتة!
عقدت حاجباي بإستنكار في حين ظلت تضحك بصوت خافت وقد قالت من بين ضحكاتها: أرى في عينيك تردداً واضح. هل تشعرين في قرارة نفسك أنكِ مذنبة بطريقة أو بأخرى؟
امتعضت معترضة: هاه؟ مذنبة في حقك أنتِ؟ وما الذي أخطأت به يا ترى!

ابتسمتْ بهدوء ونظرت إلى الطبق أمامها، ثوان حتى رفعت يدها تمررها على الملعقة، ثم بخفة لتستقر على الشوكة وقد أمسكتها تحركها في الهواء بملل قبل ان تلقيها على الطبق وتلتقط السكين الفضية وامسكتها!

بصراحة توترت وشعرت بالقلق فتصلب جسدي أحدق إليها بتمعن وتركيز وهي تضرب رأس السكين على الطاولة بخفة قبل ان تضربها بلحظة خاطفة وتغرسها في الطاولة هامسة بلطف: يمكنني حشرك في زاوية الشعور بالذنب بسهولة، ليس لأنني اريد ذلك يا شارلوت. ولكنك مذنبة بالفعل!
نظرت إلى حجري أتمالك نفسي.
تحركات عينيها ويديها قد طردت شعور الراحة تماماً من نفسي! بدأت أشعر بقلق وارتياب!

هل حقاً تتظاهرين بكونك زوجة مخلصة لكريس؟ هل تحاولين القول أنكِ الزوجة المحبة التي اختارته كشخص رأيتِ فيه نصفك الآخر؟
أضافت تتساءل بنبرة محتارة لطيفة: أم تُراك تلهثين خلف أمواله؟ نسبه؟ مظهره؟
ابتسمت بملل: سمعت هذه الجملة من امرأة جشعة قبل فترة وجيزة وانتهى الأمر بها تُجر من يدها منزوعة الكرامة.
أضفت بلا اكتراث: من فضلك لا تتحدثي معي بنبرتك اللطيفة هذه، لأنني أرى لونك الحقيقي يا أوليفيا.

ابتسمتْ بهدوء وشبكت يديها أسفل ذقنها هامسة: أنتِ ابنة ستيفاني، سأحاول ان اتظاهر بالغباء وانني على غفلة بما ارتكبته والدتك.
احتدت عيناي بشك: يبدو أنكِ ملمة بالكثير!
نفيت برأسها متنهدة: كيف لا أكون ملمة بالأمر الذي وضع كريس تحت ضغط نفسي لفترة طويلة؟ ما لا أستطيع فهمه هو سبب زواجكما بالرغم مما حدث بين والدتك ستيفاني وخالتي باتريشيا. هل خدعته ببضع جمل؟
ثم أضافت فوراً: شارلوت كوني صريحة معي رجاءً!

ثم رسمت ملامح مستاءة وقد تمتمت: أخبريني أنكِ لم تخططي لإكمال نهج والدتك والسير على خطاها! سيكون هذا قاسيا ومؤلماً حقاً.
هذه الفتاة. سأهشم الأطباق فوق رأسها!
لم أعد استطيع احتمالها أكثر سأنفجر حتماً وسأجعلها تندم على التفوه بهذه الأمور المهينة! ومع ذلك. على تمالك أعصابي حتى لا أصنع لها ثغرة تشعر فيها بالنصر نحوي.

وهذا ما جعلني اتكتف بسخرية: لا أكاد أصدق أنكِ تلك الفتاة اللطيفة! أحسنتِ صنيعا في إخفاء وجهك الحقيقي. ربما أدركت الآن السبب وراء تجاهل كريس لكِ طوال الوقت ونزع أي اعتبار لكِ! أنا مستاءة لفهمي المتأخر للأمر.
طرفت بعينها للحظة قبل ان تحتدا وترص على أسنانها بصمت.
تبدو غاضبة.
حسنا. هذا يعني ان كريس هو الوتر الحساس بالنسبة لها!
هذه المنافقة. هل تحبه حقاً أم ماذا!؟

أكملت ببرود: أنصتِ يا أوليفيا، انا أرفض تدخلك في علاقتي مع كريس وأمورنا الشخصية، علاقتنا يوجد حولها حدود حمراء من الأفضل الا تتخطيها، هذا أولاً.
ثم امسكت بالملعقة مستعدة لتناول الإفطار مردفة: ثانياً. أتمنى الا تستخدمي تلك الملامح البريئة او النبرة اللطيفة، على الأقل ليس معي أنا. لأنني مستاءة جداً لثقتي بكِ وتصديقي لكِ قبل ان يظهر معدنك الحقيقي الصدئ.
ضاقت عينيها كثيرا لتزمجر: م. ما الذي ت.

قاطعتها بجفاء: أن يسقط قناعك أمامي فهو أمر لا بد ان تخجلي منه، ولكن أن تعيدي ارتداؤه مجدداً فهذا يجعلك مثيرة للشفقة وحسب!
اتسعت عينيها ولمعتا ببريق أزرق غاضب، تناولت لقمة صغيرة ومضغتها ببرود اوجه إهتمامي للطعام قبل ان تهمس بحدة: لقد وعدني بالزواج.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *