رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثاني والعشرون
-خُلق القلب عصيًا: مَتى تجمعنا الطُرقات معاً، في ليلة شتوية ممطرة
والقمر مكتمل كاكتمال أيدينا المتشابكة ويراقبنا من بعيد
ونستمع لأغنية أم لثوم
أنت عمري
حتى نصل لنهاية الطريق. و نُعانق بعضنا عند مقطع
اللي شفته قبل ما تشوفك عنيّا
عُمر ضايع يحسبوه إزاي عليّا.
خلف بوابة الحُلم حُب عظيم ينتظرك، أرجوك. لا تجعل انتظاره يطول
رسيل المصري.
يُقال: .
عندما تعطي فائض؛ احتمال فائض تفكير، فائض حب، فائض اهتمام، فائض ثقة، فائض عمل، فائض جهد.
سيتدخل التوازن الكوني. ليعطيك درساً على هيئة صدمة
وألم ثم ستدرك إدراك تام، أن الاعتدال والتوازن هو سبب من أسباب السلام الروحي والنفسي ستدرك أن التوازن هو جوهر الكون.
انصرفت شمس بعد ما فجرت قنبلتها الموقوتة برأس الجميع. صمت تام يعقبه نظرات حائرة تحمل العديد من الأسئلة، برودة الجو حولهم لا تعني شيء مقارنة ببرودة أجسادهم إثر لتلقيهم الخبر الصادم حتى ختمته حياة ذاهلة: -أزاي! آكيد في حاجة غلط، عاصي أنت سمعت اللي قالته شمس؟
هول الصدمة والخوف من شبح الفقد خيم على رأسه، فسالها: -أنتِ كُنتِ عارفة؟
أمسكت برأسها التي كادت أن تنفجر خاصة مع حلول عُذرها الشهري مرتين من آخر لقاء روحي بينهم. طالعته بعينيها المندهشة: -معرفش، والله ما أعرف. بس أزاي! ممكن تكون شمس اتلخبطت أو، بص هو في حاجة غلط.
وثب قائمًا بملامحه العابثة التي حاول اخفائها قدر الإمكان وقال: -قومي يالا.
حياة بتوجس: -هنروح لأي دكتور نشوف.
-دلوقتِ؟ أنت عارف الساعة كام!
رد بحدة: -هستناكي ف العربية.
امتلأت عينيها بدموع القهر إثر معاملته الجافة، فارقت مخدعها متكئة على عكاز حُزنها وارتدت أول شيء قابلها وتابعت خُطاه تحت مظلة الهواجس التي تأكل رأسها.
انتهى تميم من أخذ حمامه الدافئ وخرج وهو يجفف رأسه بالمنشفة الصغيرة فوجدها تجلس على طرف الأريكة، لم يطل النظر إليها بل اكتفى قائلًا: -مراة عاصي مالها!
ردت باختصار: -أبدًا، تعب الحمل الطبيعي.
هز رأسه مصدرًا إيماءة خافتة: -ربنا معاها.
كان عكس عادته التي اعتاد عليها في خلق الأحاديث معها، أخذت تلوم نفسها عن معاملتها معه فجر اليوم حتى فكرت في الإعتذار عما فعلته ولكنها أبت وتمردت على حنين قلبها وركضت لتختبئ بالمرحاض. تنهد تميم بهدوء ثم طالع صورته بالمرآة قائلًا:
-أما نشوف أخرتها معاكي أيه يا شمس.
انتهت الطبيبة بأحد المستشفيات الخاصة بفحص حياة ثم عادت إلى مكتبها الجالس أمامه عاصي الذي ينتظرها على مراجل من قلق. لحقت بها حياة وهي ترتدي معطفها وجلست مقابلهُ ؛ فسبقها بسؤاله:
-خير يا دكتورة، أي سبب المغص اللي عندها.
ابتسمت الطبيبة بهدوء: -مبروك يا مدام حياة، أنتِ حامل.
تمتمت بهمس: -حامل!
أكملت الطبيبة: -كلها أيام وهتدخلي في الشهر التالت، أزاي متعرفيش كُل ده!
خرج صوتها مرتعشًا من بين شفتيها: -حامل أزاي بس يا دكتور. ممكن تتأكدي تاني، أصل.
أجابتها الطبيبة: -مالك مصدومة ليه؟
ردت متحتجة: -أصل يعني، جوزي كان مسافر له شهرين ولسه راجع، وو
-كملي يا مادام، سكتي ليه.
-قصدي أقول يعني أن البريود كانت منتظمة، عشان كدة مشكتش! أنا. أنا مش فاهمة أي حاجة.
اتسعت ابتسامة الطبيبة ووضحت: -ده اسمه حمل غزلاني. طبيعي يكون في طمث أثناء الحمل، بس بيكون قليل. يوم ولا يومين وله أسبابه، وعشان كده استبعدتي فكرة الحمل. وده نفس اللي حصل معاكي النهاردة، بسبب الإجهاد اللي حصل وتغيرات هرمونية.
بدأ عاصي أن يهدأ قليلا رابطًا معياد الحفل المطابق للميعاد الذي حددته الطبيبة، فتدخل متسائلًا بقلق: -طيب هي كويسة وصحتها. قصدي أقول في أي خطر عليها؟
الطبيبة: -صحة البيبي ومامته زي الفل، ومفيش داعي للقلق ده كُله. هناخد بس الحقن والفيتامينات دي وراحة كاملة لمدة أسبوع، وأشوفك بعد اسبوع.
وثبت حياة التي مازالت الصدمة مسيطرة عليها، أخذ عاصي الروشتة من الطبيبة بعد ما شكرها، سبقته حياة بخطوتين فتوقف إثر نداء الطبيبة: -عاصي بيه. دقيقة بعد إذنك.
-لو نازلة أخدك في سكتي.
قال تميم جُملته وهو يرتدي سترته الرمادية على أذان شمس الحائرة والمضطربة والمغمسة في شِتات أفكارها. أجابته بتوجس:
-تمام، هجهز.
أخذت ملابسها من الخزانة واتجهت ناحية المرحاض استعدادًا لنزول معه. استكمل تميم لبسه حتى فرغ منه فجلس على أحد المقاعد ينتظرها. دقائق قليلة وخرجت شمس في كامل أناقتها مرتدية بدلة حريمي فضفاضة باللون السماوي، تحته قميصًا باللون الأبيض يتطابق مع لون حجابها، للحظة انجذب لجمال طلتها ولكنه تعمد تجاهل النظر إليها، حتى أنها بحثت في عينيه عن تلك النظرة ولكنه كان بارعًا في إخفائها.
أخذ مفاتيحه وهاتفه وسبق خُطاها، فتناولت حقيبتها البالطو الأبيض ويبدو على وجهها العبوث. لحقت خُطاه وهي تقرأ أحد الرسائل النصية على هاتفها بدهشه وهي تسب حماقتها سرًا ثم قالت:
-تميم، عندي مرور النهاردة ولسه شايفة الميعاد. ممكن نستعجل بس عشان مفيش وقت.
أومأ بطاعة ولم يظهر أي اهتمام سوى اتساع خطواته. تقدم لفتح الباب الخشبي الفخم، فطلت منه فتاة بأواخر العشرينات من العمر، ترتدي تنورة قصيرة لا تصل لرُكبتها، يعلوها سترة ذات أكمام بنفس اللون القاتم. تحتها قميصًا باللون الأسود. تبدو الفتاة في كامل زينتها وجاذبيتها. حيث استقبلت تميم متبسمة وهي تمد يدها لتُصافحه:
-حمد لله على سلامتك يا بيشمهندس.
رد على جملتها برتابة: -الله يسلمك يا سُهير. أيه جاية لعاصي؟
اتسعت ابتسامتها: -بصراحة عاصي بيه هو اللي باعتني لحضرتك؟ بس واضح جيت في ميعاد مش مناسب!
-لا أبدًا. تعالى اتفضلي.
بدت ملامح الغيرة تُقاسم ملامحها، خاصة عندما اتجه تميم إليها فألتقم ضجرها الواضح. فتعمد إثارة غيرتها أكثر وقال:
-شمس. هخلي عم سعيد يوصلك عشان ما تتأخريش.
لم تلتفت إليه شمس التي لم تحرك عينيها عن سُهير حتى كرر ندائه عليها فعادت لرُشدها:
-أيه يا تميم.
-هخلي عم سعيد يوصلك ويستناكي.
-هااه! لا ملوش داعي.
تميم باستغراب: -هو أيه اللي ملوش داعي.
-عادي بقا يا تميم.
-مش كُنتي مستعجلة!
تحججت شمس وهي تمسك برأسها: -فجأة حسيت بدوخة وصداع، أنا مش هقدر أروح في الحالة دي.
ابتلعي تميم ضحكته على تصرفاتها الطفولية التي لم يراها من قبل، وتحمحم مسترجعًا ثباته:
-طيب خدي أي مسكن واطلعي ارتاحي. وأنا هخلص مع الاستاذة سهير ولو لسه تعبانة نشوف دكتور.
ثم نظر لسهير: -اتفضلي يا سهير.
أوقفته شمس بغضبٍ هامسة: -هتفضل فين!
-في المكتب يا شمس. مالك!
-هاه. مالي، أنا كويسة أهو، تشرب معايا قهوة!
ضاقت عينيه بتخابث: -مش كنتي تعبانة!
-ااه، قلت اشرب قهوة يمكن الصُداع يروح.
-ماشي يا شمس، خلي سيدة تعمل 2 قهوة، وأكدي عليها قهوة سهير سادة عشان هي مانعة السكريات!
رفعت حاجبها بدهشة: – يا راجل!
-نعم!
-وأنت عرفت منين أنها مانعة السكريات!
تميم بمكر: -آكيد منها. أسيبك عشان متأخرش عليها أكتر من كده!
انصرف تميم بعد ما فجر الغيرة بصدرها وتركها تعض اغتياظًا على أناملها حتى ذهبت إلى سيدة لتُقررها عن هوية تلك الفتاة التي يهتم لأجلها لهذا الحد.
بالسيارة
-مش هتنزل؟
كان السؤال الأول الذي تفوهت به حياة بعد صمت طويل قضاه الاثنان طوال المسافة المقطوعة. فأجابها بنبرة جافة: -عندي شُغل، انزلي أنتِ.
رمقته طويلًا بأعين مترقرقة بالدموع حتى أغمضت عينيها كي لا يتعرى حزنها أمامه وولت عائدة إلى غُرفتها. أما عنه انتظر ذهابها وهو يقاوم عقدة الفقد واللحظات العصيبة التي مرت عليه أثناء حمل مها.
صُرخه بوجهها إثر حملها الذي حذرها منه الأطباء. وأصرارها على تجسيد ثمرة حبهم حتى ولو سيكون المقابل حياتها، أشهر الحمل الأخيرة التي وضعت تحت الرعاية الطبية المتكاملة. أيام عناءه معه بالمشفى. أخر ضمة يد كانت تحمل رسالة الوداع. جملة الطبيب الأخيرة وهو يزف له الخبر اللي حصل لمدام مها ده معجزة، حمد لله على سلامتها . ما اطمئن للقدر فخانه!
خشي أن يعاني من الفقد مرة آخرى، أن تأتي الأيام التالية خالية منها، هبط من سيارته واتبع خُطاها بخطوات أشبه بالركض حتى وصل إلى غرفته…
كانت تتوسط المكان الشاهد على جني ثمار حبهم وتجهش بالبكاء وجسدها الذي ينتفض على ضفة الحسرة، والهواجس التي تسربت إلى رأسها وأنها مُجرد لحظات عابرة في حياته سيتخلص منها في أول محطة.
اندفع إليها بلهفة جالسًا على طرف السرير الذي ابتل من ماء حزنها وجذبها عنوة إلى حضنه. فحاولت الابتعاد والتملص من قبضه عليها فلم تجد حلًا سوى البُكاء بين يديه حتى استجمعت قوتها وقالت بصوت باكٍ:
-ابعد يا عاصي.
لم يلبي طلبها بل ازداد من احتواءها وضمها حتى دفعته بكل قوتها صارخة: -أنت كُنت بتتسلى بيا؟ مش كده!
رد بصدمة: -أنتِ أيه اللي بتقوليه ده؟
جففت دموعها بحُرقة: -أنا مش هنزل البيبي، ومتقلقش مش هعملك أي شوشرة. بس سيبني في حالي. متحاولش تقرب مننا.
مازال عاصي تحت تأثير صدمته من اتهامها الشنيع: -بيبي أيه اللي ينزل، أنت جبتي التخاريف دي منين.
-مش تخاريف يا عاصي، بص على شكلك في المراية وأنت هتعرف أنها مش تخاريف.
شرع أن يمسح على شعرها كي تهدأ ولكنها انتفضت مبتعدة عنه كالملدوغة: -متقربش مني. كفاية أوي لحد كدة!
-حياة افهمي. مفيش الكلام ده! أنا لو زعلان فأنا زعلان لاخسرك مش عشان التخاريف دي! أنا مش عارف أنتِ جبتي الكلام ده منين!
توقف عقلها عن استيعاب المزيد، بل علق عند فكرة تخليه عنها وأنا مجرد نذوة بحياته، خرجت عن وعيها صارخة بوجهه بقهرة: -أنا عملت لك أيه عشان تستغلني! مادام مش عايز تخلف مني قربت لي ليه! أنا انا قولتلك متخلنيش اسلم قلبي وتوجعني! عملت فيا كده ليه! قولي؟
سيل من الدموع المنهمرة من بحيرة عينيها المحمرة تحت تأثير غيبوبتها القهرية منه. لم يتحمل المزيد من الاتهامات ولم يستطع إسكاتها ولن تستمع إليه. ف حان الآن لتدخل لغة الحب لتنفض المعركة الناشئة بينهم.
اطفئ بركان حزنها بقُبلة جروحه التي انفتحت فجأة حتى تشاركا الدموع التي امتزجت. والتنهيدات المتبخرة من أرواحهم الثائرة. استسلم صخبها وهي ترتشف من ماء قربه لتنطفئ نارها، لتهدأ. كانت ترد له القُبلة قُبلتين كأنها تود الانتقام منه بلغة قلبها، ضمها إلى صدره ولم يكف عن توزيع قبلاته العشوائية عليها حتى تمدد الاثنان وهما يرتويان من أرواح بعضهم المضطربة ليغرقا في سُبات عميق معًا…
أخذت شمس القهوة من سيدة وأصرت أن تدخلها بنفسها لتميم وسهير الجالسين بغرفة المكتب خلف الباب المقفول. طرقت الباب بخفوت وهي تبلع جمر الغيرة العالق بحلقها ثم فتحت الباب مصدرة ابتسامة مزيفة:
-القهوة؟
رفع تميم رأسه عن الملفات المنغمس في قراءتها: -فين سيدة؟
توقفت شمس على ساقي سهير المتعرية وقالت بضيق: -مشغولة بقا.
قالت سهير وهي تأخذ قهوتها: -مرسي. مراتك جميلة يا تميم.
استقبلتها شمس بابتسامة مصطنعة: -كلك ذوق.
أكملت سهير: -تميم من زمان كان بيحلم يتجوز واحدة محجبة، وأهو حقق حلمه.
-كمان! دا انتو مع بعض من زمان!
ارتشفت رشفة خفيفة من القهوة: -أحنا صحاب من أيام ثانوي. بابي كان المستشار القانوني لشركات دويدار.
-امممممم…
ثم طالعت تميم: -قهوتك هتبرد!
رد باختصار: -تسلمي يا شمس.
أنغمس الاثنان في شُرب قهوتهم وظلت شمس واقفة في مكانها لن تزيح عينيها عن سهير. طالعها تميم: -في حاجة يا شمس؟
-هاااه! لا ابدا، مستنية لتكونوا عايزين حاجة.
-بقيتي أحسن؟
انكمشت ملامحها بضجر: -منا زي الفل أهو، أنت هتتعبني بالعافية ولا أيه؟
رفع حاجبه مستغربا متعمدًا ترويض غيرتها: -الصداع! مش كُنتي مصدعة!
-ااه اه الصداع، لسه شوية. بس احسن.
ثم علقت قائلة وهي تأخذ الوسادة الخاصة بالانترية وأعطتها لسهير: -ممكن تحطيها على رجلك. لو مش مرتاحة، حاساكي مش مرتاحة.
سهير براحة: -ازاي أنا مرتاحة جدًا.
طافت عيني شمس بحيرة وغضب: -عشان تسندي القهوة والملفات. جربي.
ابتسمت سهير بهدوء بعد أدراكها بغيرة شمس على زوجها وقالت: -أنا مرتاحة كده.
غلت مراجل النار برأس شمس التي تشبثت برأسها مفتعلة الدوخة والدوران وهي تتمايل: -تميم، ااه. ممكن تسندي.
ترك تميم ما بيده وركض إليها ممسكًا بمعصمها: -مالك، تعالى اقعدي. تعالى.
وصلت شمس لما تريده وهو الجلوس معهم وعدم تركهم بمفردهم في هذه الغرفة وتترك عقلها يشع نارًا بالخارج. جلست على المقعد متحججة بالألم: -كملوا شغلكم أنتو مش هعطلكم. تروح الدوخة وأقوم أمشي.
-يا ابن اللعيبة يا مُراد! روحت طلبت أيد عالية من عاصي؟ دا أنت جاحد.
بعفوية أردف كريم جملته وهو يقفز من فوق السرير بفرح. ثم تابع قائلًا: -سرك في بير، بس هو عاصي قالك أيه؟
لم يروي مراد تفاصيل كثيرة لأخيه ولكنه اكتفى بسؤاله: -متعرفش عاصي اتكلم مع عالية ولا لسه؟
فكر كريم بصوت عالٍ: -لو كان اتكلم مع عالية كانت هتحكي لنوران ونوران كان هتقول لي! يبقى لسه ماقالش حاجة.
رد مراد بتخابث: -نوران؟ قولت لي مين نوران!
-أنت بتنسى بسرعة كده ليه؟
هنا فتحت جيهان الباب و التي كانت مقدمة لإيقاظ ابنها الذي أكد عليها أن توقظه للذهاب للجامعة قبل الظهر. فابتلعت ما استمعت إليه وقالت: -ده انت صحيت!
توتر كريم الذي احتج قائلًا: -باي باي يا نيللي. هكلمك وقت تاني.
هزت جيهان رأسها بتخابث وقالت: -طيب يلا عشان تروح جامعتك، وماتنساش تسلم على نيللي!
ثم خرجت وقفلت الباب ورائها وهي تنتوي لمراد: -بتثبتي ياابن المحلاوي؟ طيب أما وريتك.
عادت إلى غُرفتها وهاتفت عبلة التي سافرت لأحد الدول الأجنبية لقضاء شهر العسل مع فريد الذي رسم عليها خريطة الحب. ردت على هاتف اختها بتأفف: -خير يا جيهان!
-أيه ده انتِ لسه نايمة! معلش صحيتك.
-ايه مخليكي تكلميني الساعة دي!
-ابارك لك، أنت متعرفيش أن عاصي وافق عالية ومراد ابني يرجعوا لبعض!
فزعت عبلة من مرقدها: -ايه الجنان ده؟ مين قال كده؟
نهضت عبلة من مخدعها وحاولت الاتصال بعاصٍ مرارًا وتكرارًا ولكنه بدون جدوى حتى أدى بها عضبها لمهاتفة مراد الذي انفجرت بوجهه قائلة:
-اسمعنى يا مراد، حوار رجوعك لعالية ده على جثتي، انسى.
مراد بهدوء: -مبروك يا خالتي سمعت انك اتجوزتي، بالرفاء والبنين.
اشتعل الغضب براسها: -متغيرش الموضوع انت فاهم، ولو عاصي وافق على الجنان ده، انا مش هوافق. وعالية مش هترجع لك لو انطبقت السماء على الأرض.
جلس مراد على مقعد مكتبه قائلًا: -ما تخليكي ف الهاني مون وسيبك مني انا وعالية!
فاض صبرها من برود مراد وتلاعبه معه حتى قفلت المكالمة بوجهه وأخذت تسبه علنًا، نهض فريد من نومه وأخذ يقبل كتفها: -مالك بس يا روح قلبي.
-مراد عايز يرجع لعالية.
-طيب وانت مضايقة ليه!
-فريد، انا مش هخلي جيهان وابنها ينتصروا عليا تاني! جيهان راسمة على تقيل وطمعانه في ورث بنتي.
اشعل مراد سيجارته: -سهله، اخلصك من مراد. ويبقى كده طيرنا احلام جيهان.
رمقته باستهزاء: -سبق ووثقت فيك في موضوع البنت شمس وكانت ايه النتيجة! سيبني أنا هتصرف. الدور جاي عليهم واحد واحد.
أخذ مُراد يُقلب الفكرة في رأسه حتى أتاه مكالمة من رقم مجهول، فرد:
-ألو؟
أتاه صوت انثوي: -أنا سوزان يا مُراد.
-ااه أزي حضرتك؟
خاضت في الموضوع بدون مقدمات: -أنت نويت على أيه في موضوع عالية؟
ظل يضرب في سطح المكتب بمؤخرة قلمه برفق ثم قال: -هتجوزها؟
-أمتى؟
-لما عاصي يوافق، عشان أقدر اكتب كتابنا من أول وجديد.
ردت سوزان بضيق: -وعبلة مش هتخلي عاصي يوافق. لأنها بتخطط تضربك في شُغلك عشان تبعدك عن بنتها، خالتك لسه قافلة معايا وأنت لازم تتصرف، عايز عالية حارب عشانها، مش عايز يبقى انسحب من دلوقت.
وثب مراد قائمًا وقال بحسم: -أنا هتصرف.
انتهت مكالمته مع سوزان بعد ما اتفقا الاثنان عما سيفعله مراد للفوز بحبيبته. ف غادر مكتبه وشركته على الفور مستقلًا سيارته حتى وصل أمام الأزهر وطلب مُقابل أحد المشايخ. جلس مراد أمام الشيخ وروي له مسألته حتى ختم كلامه:
-ينفع أردها ولا لازم اكتب كتابي من جديد؟
أفتى فضيلة الشيخ قائلًا:.
-اسمع يا بني. يجوز رد الزوجة في حالتين إذا تم الدخول بها، أو الخلوة بها خلوة صحيحة. ومصطلح الخلوة الصحيحة هي الخلوة التي يمكن فيها حصول الجماع.
بمعنى أنت ومراتك اتقفل عليكم باب واحد، خلوة يمكن فيها الوطء عادة. سواء حصل بينكم أو محصلش فهي قُدام الناس مراتك وفي بيتك، يعني ذلك ان لها عدة فبالتالي يجوز ردها بدون كتابة عقد جديد ما دامت أثناء فترة العدة.
فزع مراد من مكانه مشدوهًا وهلل: -ينصر دينك يا عم الشيخ. كُنت فين من زمان.
ثم عاد وجلس على مقعده متلهفًا: -يعني كده أنا اردها وقلبي مطمن.
-اطمن يا بني، وربنا يجمعك على مراتك في خير.
بعد مرور ثلاثة ساعات على وجود سهير مع تميم ومناقشة تفاصيل الفروع والاطلاع على المعلومات الخاص بكل فرع فختمت اجتماعهم:
-هستنى ردك في أقرب وقت.
زفرت شمس بارتياح لانتهاء اجتماعهم الممل الذي اجبرت على حضوره فقالت بضيقٍ:
-ما أنتِ قاعدة ياسهير، سيدة تجيب غدا!
صافحتها سهير بامتنان: -مرة تانية، وفرصة سعيدة إني اتعرف عليكي بجد.
بادلتها بابتسامة زائفة: -أنا أسعد…
نهض تميم متأوهًا إثر وجع الجرح بكتفه وقال: -اوصل لك يا سهير
تدخلت شمس بحدة: -خليك أنت، هي عارفة الطريق.
تبادلت كل من سهير وتميم النظرات حتى انسحبت بهدوء، وجه تميم حديثه إلى شمس بعتب:
-ممكن افهم أيه المعاملة دي؟
انفجرت بوجهه: -والله! عايزني اتعامل ازاي وهي بمنظرها ده وقافلين على نفسكم أوضة واحدة؟
دنى منها يرمقها بنظراته الخبيثة: -ده أحنا بنغير بقا!
رُد سهم الجملة بصدرها وهي تتراجع للخلف بملامحها الشاحبة من حقيقة اتهامه الصريح، أجاب بتردد: -انت دماغك راحت فين! انا عملت كده عشان بس ارفع عنك الذنب.
لكت الكلمات في فمها وأكملت: -ما اجتمع رجل وإمرأة إلا وثالثهم الشيطان. وهي لوحدها فتنة بلبسها ده.
اكتفى بنظرة من عينيها اربكتها يوحي بعدم تصديقه لحجتها فتابعت لتفر من تلك النظرات الفاضحة: -انا مصدعة اوي، هروح انام.
الفكرة التي تستحق أن تؤمن بها قطعًا دون
تشكيك، هي فكرة أنك من سلالة بني آدم
الخطّاءة وأنك على قيد التعلُّم، مادمتَ حيًا.
فتحت حياة جفونها إثر حرارة أنفاسه المشتعلة على بطنها بقبلات هادئة. امتد كفها لتتغلل أناملها بين جدائل شعره متأوهة باسمه: -عاصي.
عاد إليها بعيون اللهفة والاعتذار: -اسف صحيتك.
ثم تفقد عينيها المحمرة من كثرة البكاء فطبع فوقهم قُبلات اسفه وقال: -أنا أسعد رجل في الدنيا عشان هخلف طفل أنتِ هتبقي أمه.
رفعت جفونها الذابلة إليه: -يعني أنت مش زعلان أني حامل!
كان الأمر الذي مر به أكثر من أن يخرج منه انسانًا قويًا، رفع كفها لمستوى ثغره وقبله: -أنا مش هسمح لحاجة تاخدك مني. أنا ما صدقت لقيتك.
-هي مش الدكتورة طمنتك على البيبي وقالت لك كله تمام، زعلان ليه بقا.
مسح على شعرها وقال بهدوء: -من يوم ولادة تاليا وداليا وأنا عندي رعب من أوضة العمليات والولادة. تقدري تقولي صدمة على فرحة على خوف.
اعتدلت حياة من نومتها ووضعت كفها على وجنته بلطف: -كله هيبقى تمام. متقلقش.
رد عاصي باضطراب: -هشوف لك أكبر دكتور برة. تتابعي معاه وتكوني تحت الملاحظة 24 ساعه، وعايزك متتحركيش من السرير وكل حاجة هتكون عندك. اتفقنا.
ابتسمت بفرحة والكثير من الدهشة وعدم الاستيعاب وهي تضع يدها على بطنها: -عاصي، جوايا هنا ابنك. مش قادرة استوعب ازاي. يعني بعد 6 شهور هحضنه واشم ريحته. حاسة إني في حلم. انا هبقى أم ياعاصي. انا متوترة وحاسة بحاجات كده عكس بعضها.
ضمها بكل قوته وقبل شعرها وهو يقول: -هتكوني أحلى أم.
-وأنت كمان هتكون أعظم أب.
حين ترتعشُ الروح إثر دفقةٍ عاتية من العواطف لا بدّ لها أن تنفتح لتسكبُها في صدرِ روحٍ أخرى. وهذا ما فعلته وهي تعانقه باكية وتهمس: -شكرًا لأنك عيشتني أحلى أحساس ممكن أي ست تعيشه.
ثم ابتعدت عنه ونظرت بعينيه: -أنتَ مبسوط صح، يعني مش زعلان.
-مبروك يا روح قلبي. ربنا يتم فرحتنا على خير.
-عاصي، أنا عايزة أرجع شقتنا.
ضم كفيها بحب: -هنرجع، وهنعيش لوحدنا بعيد عن عالمهم. أنا وأنتِ والبنات والباشا اللي جاي في السكة. بس خلى موضوع الحمل ده سر مابينا.
-حاضر
ثم سندت رأسها على كتفه وسألته: -بتحبني!
تسللت يده من تحت ملابسها إلى بطنها: -لحقتي تنسي اللي حصل ليلة امبارح.
فانتفضت ضاحكة: -عاصي. أيدك ساقعة. وبس بقا عشان بغير.
تذوق شهد ضحكتها ملتهمًا انفاسها بقبلاته الحنونة وهو يقول: -منا عارف.
تملصت ضاحكة من مداعبته لها وصقيع يده: -عاصي بطل بقا.
-بحبك.
طالعت بريق عينيه اللامع بحبها وتفوهت: -بحبك.
مساءً
تركت شمس دفترها وجلبت صندوق الإسعافات الأولية لتخلق مع تميم لغة حوار بدل صمته ومحادثاته الكثيرة التي بدأت تثير شكوكها. اقتربت منه بوجهها القاطب:
-ممكن تسيب اللاب توب شوية عشان أغير لك على الجرح.
ترك اللاب توب من يده ووضعه بعشوائية بمنتصف السرير. جلست أمامه وشرعت بفك أزرار قميصه ببطء، فسألته: -غريبة ما جبتليش سيرة سهير دي قبل كده!
-عادي، مجتش مناسبة.
لاحظ عبوس وجهها وقال: -بس لذيذه، بنت جدعة.
-أمم مرتبطة، قصدي يعني مخطوبة متجوزة!
-لا. مركزة في شغلها وبس.
نزعت قميصه برفق: -لا واضح، أنها تجي لك لحد هنا وتقعد الوقت ده كله!
جلست ورائه وشرعت في نزع الشريط اللاصق للجرح وسألته: -واضح أنكم صحاب أوي!
-اااه من أيام ثانوي، وبصراحة كانت في مشاعر من ناحيتها بس.
توقف عن سرد قصته مع سهير إثر تأوهه بوجع بسبب ضغط شمس على جرحه فأردف:
-خففي أيدك شوية مش كده!
جزت على فكيها: -وهتشتغلوا مع بعض كتير!
رد تميم وهو كاظم لضحكه: -أيوة، عاصي هو اللي قالها.
فرغت شمس طاقتها بجرحه، كل ما يردف بجملة لم ترق لها تنتقم منه بطريقتها حتى فرغت من عملها قائلة: -بس أنا مش موافقة.
-على أي!
شرعت بلملمة الأدوات الطبية بوجه مكفر وقالت: -أنكم تشتغلوا سوا، هي الشركة دي مفيهاش رجاله يعني..
اتسعت ابتسامة تميم: -فيها، بس الشغل مع الستات أسهل كتير.
رمت بوجهه قميصه بغل وقالت: -البس…
فتلقى قميصه ضاحكًا: -ما براحة يا شمس. أنتِ مالك النهاردة.
في تلك اللحظة جاء صوت طرق الباب وهلت منه سيدة التي قالت: -تميم بيه، عاصي باشا بيقول لك تعالى تحت أنت وست الدكتورة عشان عازمكم على العشا.
ف رد تميم: -نازلين وراكي على طول يا سيدة.
بالأسفل.
تلهو حياة مع البنات في ساحة القصر الواسعة وتركض معهن محدثين ضحكات مرتفعة، فخرج عاصي من مكتبه على صوتهم المتعالي فوجدها تركض هنا وهناك. فاقترب منها بنارٍ متوهجة من شدة الغضب:
-أنت بتعملي أيه! لو سمحتي اقعدي وبلاش حركة كتير.
تدخلت تاليا معارضة: -يا بابي بنلعب.
رد بحسم: -العبوا وأنتوا قاعدين. أيه لازمته الجري والتنطيط ده.
حياة بطاعة: -خلاص خلاص، متزعلش نفسك هنقعد ونلعب.
دنى منها هامسًا في آذانها بحدة: -حياة. بلاش جنان متنسيش أنك حامل.
ابتسمت بحب: -مقدرش انسى. خلاص فك التكشيرة دي بقا.
تدخلت داليا: -يلا نلعب Snakes and ladders
عاصي بتحدٍ: -ااه حلوة دي مفيهاش تنطيط. وأنا هجيب اللاب توب وأقعد هنا.
ثم دنى من حياة متوعدًا: -أما اشوف أخرتها معاكي.
قبلت وجنته بحب كطفلة متعلقة بأبيها وهمست له: -بحبك.
ثم هربت منه محتمية بالبنات وجلسن جميعًا بالأرض ليلعبن السلم والثعبان. جاء تميم برفقة شمس من أعلى وجلسا بقربهم. استغلت شمس لهو تميم في مكالمة ف سألتها عن حالتها، ردت حياة قائلة: -أحسن الحمد لله يا شمس. الدكتور كتبت لي حقن وفيتامينات.
ردت شمس: -قوليلي مواعيد الحقن عشان أجي اديهالك.
جاء عاصي وجلس بقُربهم ليُتابع تحركات حوريته، انضمت شمس للعب معهن. وذهب تميم لأخيه ليناقشه في أمور العمل. مرت قرابة النصف ساعة من الضحك والمزاح واللعب. فاستغلت حياة انشغال عاصي في مهامه خاصة بارتدائه لنظارته الطبية فأمسكت بهاتفها وأرسلت له رسالة نصيه:
-شكلك قمر أوي وأنت بتشتغل، عايزة احضنك.
انفصل عن تركيزه في عمله والتفت للرسالة النصية التي جاءته، فتح هاتفه ف وجد اسم Hayaty . قرأ الرسالة تمددت معالم وجهه. اكتفى بارسال نظرة تحذيرة لها ثم عاد لإكمال شغله وحواره الهام مع تميم.
جاء الدور عليها في اللعب. فأدت دورها وغازلته برسالة جديدة: -وحشتني أوي.
ألقى نظرة على هاتفه ثم قرأ رسالتها فتنهد بضيق فسأله تميم: -في حاجة؟
رد باختصار: -مشكلة بس وهتتحل.
كبحت حياة ضحكاتها وانغمست في اللعب قليلا حتى قفزت فكرة رسالة جديدة برأسها وكتبت له: -حاسة إني بتوحم على بوسه بطعم القهوة، زي الصبح.
أخذ يضرب الأرض بمشط قدمه بغل وهي مازالت مستمرة في اشعال نيران الشوق بقلبه. فهتف بضجر: -سيدة كلمي المطعم شوفي الأكل اتأخر ليه.
وضعت كفها على ثغرها لتكتم الضحك الذي لطخ وجهها بحمرة الانتصار عليه فلاحظتها شمس: -في حاجة؟
-لالا معاكم. العبي.
فتحت هاتفها وبحثت في الصور لتجد صورة لها التقطتها في الغردقة عند قياسها لأحد الفساتين. كان الفستان قصيرًا للغاية بارزًا لتفاصيل حوريته وهي تغازل شعرها الذي يغطي ذراعها بأكمله. فضغطت على ارسال وسألته:
-أيه رأيك في الفستان ده؟ كنت مشترياه من سنتين ومقررة إني هلبسه للشخص اللي بحبه. عجبك!
دق هاتفه بإعلان وصول رسالة جديدة. ف زفر بنفاذ صبر وفتحها. كبر الصورة وهو يتأمل ابداع الخالق في حسنها. قفل الهاتف واستأذن من تميم:
-هروح المكتب بس نسيت حاجة.
ذهب إلى المكتب ثم نادى على سيدة التي جاءت ركضًا وقال: -نادي على حياة.
هرولت سيدة إليها وقالت: -ست حياة، كلمي عاصي بيه. وبسرعة عشان شكله على أخره.
بللت حلقها الذي جف وحان وقت جني ثمار تمردها وتدللها. نهضت بخوف وهي تسألها: -متعصب أوي يا سيدة!
ردت بذعر: -ربنا يستر! أنت زعلتيه ولا أيه يا ست حياة! ده بيطلع نار.
-طيب هروح اشوفه.
تقدمت حياة بتردد وخوف إلى مكتبه، تحركت شمس إلى تميم الجالس أمام الحاسوب، فسألته بتوجس: -هو في مشكلة مع عاصي وحياة!
رد بجفاء: -معرفش.
فأضاءت شاشته باسم سهير. فنظرت شمس إلى الاسم بعبس وقالت بحنق: -هي بتكلمك ليه دلوقت؟
وصلت حياة إلى الغرفة فتسمرت أمام الباب، فأتاها صوت الأشبه بالرعد: -اقفلي الباب وتعالى.
نفذت ما طلبه منها واقتربت منه كطالبة مقدمة على العقاب من استاذها. وقفت أمام المكتب: -مالك يا عاصي حصل أيه!
رد بنفس الحدة وأشار إلى جوار مقعده: -تعالى هنا وأنا هعرفك حصل أيه!
بللت حلقها برعب واقتربت منه وهي تطالع جهار الحاسوب باحثة عن المصيبة التي ارتكبتها بدون قصد. فوقفت بجواره بجزع: -في أيه يا عاصي؟
شدها من ذراعها ليُجلسها على ساقيه عنوة وهو يمرر كفه على جدار عنقها ويدفن أنفاسه بالجهة الأخرى ويقول: -حركات العيال دي بلاش منها.
تنهدت بارتياح: -وقعت قلبي. حرام عليك.
فابتسم ضاحكًا: -كده نبقى خالصين.
أعلنت تمردها عليه: -طيب وسع كده.
-وسع أيه! كُنت بتقولي أيه! وحشتك وعايزة قهوة!
-كنت بنكشك بس على فكرة.
فتسللت يده الباردة تحت سترتها الصوف فتململت صارخة وهي تسند جبهتها فوق جبهته: -شوفت مين اللي بيعمل حركات العيال. عاصي بس بغير والله.
جذبها إليه أكثر حتى ذابت بين يديه وبسُكر لمساته وقالت قبل أن تُبادر بتقبيله: -بجد بتوحشني وأنت معايا.
كلما أردت أن أعثر على نفسها تذهب إليه. هكذا تُلبي نداء قلبها في الحصول على راحته وسُكرها المباح. لينرنم قلبها في حضرت العشق الملتهب بينهم معترفًا: لقد كان يُعيدني إلى الحياة مرَّة أخرى، بشكل أو بآخر يعرف كيف ينتشلني من أكثر المزاجات ضيقًا إلى تلك التي تكُون دائمًا مليئة بالدَّهشة والعشق.
وضعت كلتا كفيها على وجنتيه لتستريح من الركض في حرم هواه. تنهدت بأنفاس محترقة حتى قالت ضاحكة: -دلوقتِ عرفت سر انجذابي ليك طول الوقت. هرمونات الحمل دي طلعت مشكلة بجد!
-يعني لما تولدي. هبطل أوحشك.
حياة بهيام: -مفتكرش. لأنك سكنت جوه روحي واتربعت.
بادر تلك المرة بتوزيع عطر قبلاته الخفيفة عليها ومازالت يده تراوغ خصرها: -لسه أيدي ساقعة؟
-حلاوة الشتا في المطر.
ثم تنهدت وشرعت في مسح آثار الحُمره من وجهه: -هي الدكتورة لما نادت عليك، قالت لك أيه؟
-قالت لي أحطك جوه عينيا. بس.
-بس أيه؟ كمل.
-كلام عبيط كده. قالت ممنوع أقربلك الفترة. دي بتتلكك، وبعدين هي مالها!
ضحكت حياة على طريقته وقالت: -كله يهون عشان ابننا.
داعب وجنتها برفق: -طيب ومامته اللي مطيرة النوم من عيني أعمل فيها أيه!
كادت أن تُجيبه فأتاهم صوت سيدة من الخارج: -الأكل جاهز يا عاصي بيه…
عندما يشعر الإنسان بالمحبّة تتغير جودة الأيام في عينيه للأفضل، تزهو اللحظات، وتتمدد الراحة في كل لحظة، لا يطلبُ المرء أكثر من هذا. محبّة صادقة دون حاجة أو دافع.
-اتفضل هديتك؟
قالت عالية جملتها بعد ما أنهت يومًا طويلا بالجامعة ثم اتفقت أن تلقاه مساءً بأحد المقاهي. فتح مراد العلبة فوجد بها ساعة من ماركة نيوترا بمينا بلون أسود كرونوغراف ستانلس ستيل من فوسيل. ومعها زجاجة عطر فاخرة من ماركة شانيل بلو دي.
انبهر مراد بهديتها وقال: -ليه ده كله يا عالية! حقيقي ذوقك تحفه.
احمر وجهها: -بصراحة ده ذوق نوران.
ضرب مراد كف على كف: -يادي نوران! أنا عايز اتعرف عليها نوران اللي طلعت لي في البخت دي.
ضحكت عالية بصوت خافت: -حاضر هابقى أعرفك عليها.
نظر إلى قهوتها فوجدتها انتهت فقال بحماس: -يلا قومي.
-هنروح فين!
-مفاجأة.
ردت بهلع: -مراد انا اتأخرت أوي، لازم اروح.
أخرج بعض النقود الورقية من جيبه ووضعهم على الطاولة: -من غير اسئلة كتير. قُدامي.
نفذت عالية أوامره على مضض واتجهت نحو سيارته، فأشار إليها: -اركبي…
عارضته: -مراد!
فتح لها باب السيارة وأجبرها أن تصعد. ثم دار وصعد هو الأخر بجوارها. قفل أبواب السيارة الكترونيًا ثم قال: -عالية انا رديتك. يعني أنتِ دلوقتِ بقيتي مراتي شرعًا وقانونًا. تسمح لي اخطفك عشان نقضي شهر عسل محصلش.
زام فاهها بذهول: -يانهار اسود! مراد متهرجش. عاصي وماما.
ثم حاولت أن تفتح باب السيارة لتهرب منه: -مراد افتح بقا.
جذبها من ذراعها عنوة: -عالية بطلي انت جنان. انت مراتي ومحدش هيقدر يبعدك عني.
مسكت هاتفها برعب: -مراد، عاصي. والله ماينفع.
جذب الهاتف منها وأرسل رسالة صوتية لعاصي قائلًا بها: -عالية معايا يا عاصي، لأني رديتها النهاردة الصبح.
ثم قفل هاتفها ووضعه في جيبه بحسم: -ممكن تهدي بقا! تنامي وهصحكي لما نوصل
-اهدى أيه! مراد أنت ولعت الدنيا باللي عملته ده!
-تولع. المهم أنك من النهاردة بتاعتي وبس.
أتمنى أن تأخُذنا الدنيا جميعًا إلى الأماكن التي نُحب بطريقة تليق بهذا العُمر من الانتظار.
التعليقات