التخطي إلى المحتوى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثالث والعشرون

معك أريد حياةً أخرى
‏حياةً لا تشبهني أبدًا
‏وعالمًا آخر،
‏أقل قلقًا
‏عالمًا لا ينتهي بفراقٍ
‏مهما طحنتهُ رحى الخصام.

-بابي دي أول مرة نتجمع كُلنا عشان نأكل.
أردفت تاليا جملتها بالكثير من الفرح وهي تترك ملعقتها بقلب الطبق. فأجابها عاصي قائلًا:
-بس دي مش فكرتي، دي فكرة حياة.
فتدخلت داليا مقترحة: -بابي هناكل كل يوم سوا كده!
فردت حياة وهي تضع في طبق داليا القليل من الخضروات: -أيوه، وهيكون في مواعيد ثابته للكل. جو كل واحد يأكل في أوضته ده مش هينفع.

فقال تميم: -والله براو عليكي يا حياة، عملتي اللي كان نفسي فيه من زمان.
فسألته حياة بغرابة: -أنتوا بقالكم كتير متجمعتوش هنا ولا أيه؟
فرد بخزى: -من يوم وفاة بابا الخلافات كترت، فبقينا نتجنب أي تجمعات، وكل واحد بقا ياكل لوحده.
قالت شمس بحماس: -وليكم عليا كل يوم أجازة هعملكم أكل مصري أصيل.
فأجابتها حياة متحمسة: -وأي مأكولات بحرية دي عليا أنا.

فحدجها عاصي بنظرة جعلتها تبتلع الباقي من كلامها وقال: -الدكتورة قالت راحة تامة، ولا نسيتي!
فتدخلت تاليا بفضول: -ليه يا بابي. هي حياة sick!
فتبادلت النظرات الطريفة بينهم حتى رد بشك مصطنع: -يعني شوية. ولازم ترتاح الفترة دي.
داليا ببراءة: -هي بتشتكي من أيه؟
نظر لحياة كي يستغيث بها لتلحقه من ذلك الاستجواب فقالت بلطف: -بطني ساعات بتوجعني.
فقالت داليا مقترحة: -عشان أكلتي حاجة ملوثة؟

فأسرعت تاليا قائلة ببراءة: -أو عشان فيها بيبي.
انطلقت همهمات من الضحكات المكتومة من الجميع حتى تدخلت نوران قائلة بفرحة: -البنت دي طلعالي. بتلقطها وهي طايرة.
انضم لهم كريم من الوراء وهو يفرك عينيه: -أنا مصدقتش عيني لما شوفت باب أوضة السفرة مفتوح.
ثم اقترب من المائدة التي تضم أشهى المأكولات: -الله! مشاوي وطرب وكفته وريش!
فأشار له تميم: -اسحب الكرسى واقعد قبل ما اقضى على الأخضر واليابس…

شد كريم مقعده واشار لنوران بحماس: -ناوليني طبق فاضي من جمبك، أحسن تميم مابيهزرش في الحاجات دي!
رمقته بلوم ثم مدت له الطبق الأبيض: -اتفضل.
أخذ منها الطبق ثم أشار على طبق الريش القريب منها: -وحتة ضلعة بقا من اللي قُدامك دي.
زفرت نوران بضيق: -أبطل أكل وأخدم على جنابك!
وبختها شمس بنظرة حادة: -نوران!
فتدخل كريم ضاحكًا: -عندها حق يا دكتورة. أنا ال طلباتي كتيرة.
فتفوهت نوران: -أوي.

فحسم عاصي المعركة: -أنتوا هتتخانقوا على الأكل ولا أيه! اتفضلوا كلوا.
ثم وضع لقمة من الكفتة بفمه وقال: -هي عالية فين؟ معقولة لسه ما رجعتش!
فتبدلت معالم وجه نوران التي تعلم أنها ذهبت لإعطاء هدية مراد، رمقت كريم بتسائل حتى قال بتوجس: -اليوم عندها كان طويل عندها في الجامعة. ممكن تكون خرجت تشم هوا ولا حاجة.
تدخلت حياة: -هي مش عيلة صغيرة يا عاصي، سيبها على راحتها. دلوقتِ تيجي.

فاقتراح تميم وهو يخرج هاتفه: -أنا هكلمها…

بسيارة مُراد
-يامراد عشان خاطري نرجع، أنا مش عايزة عداوة بينك وبين عاصي.
توسلته عالية بنبرة خائفة بعد ما قطع مراد الطريق الصحراوي متجهًا إلى الاسكندرية. فأجابها بحسم: -عالية أنتِ ليكي ساعتين بتقولي نفس الكلام، وأنا بقول لك انسي.
عارضته بتوجس: -طيب هات موبايلي اكلمهم ف البيت.
-لا بردو.
تفوهت بنفاذ صبر: -يا مراد بقا.
صمتت للحظات ثم قالت: -طيب أحنا هنروح فين؟
-هنروح اسكندرية.
عالية بدهشة: -ليه!

أمسك بكفها وطبع قبلة بداخله: -حابب أقضي يومين حلوين مع مراتي بعيد عن الدوشة.
دب الخوف بقلبها وهي ترمقه بعينيها المرتعدة: -يعني أيه!
ضحك مراد بصوته المسموع وسألها مغيرًا مجرى الحديث: -عالية، أنا قولت لك قبل كده إني بحبك وبحب براءتك دي!
-لا ماقولتش.
طالعها بنظرة مليئة بالحُب: -بحبك.
تسمرت ملامح وجهها محاولة استيعاب الكلمة حتى غمغمت بشرود: -شُكرًا.

لم يكبح نفسه من أن ينفجر ضاحكًا ثم ختم صوت قهقهته: -العفو.
ثم ألقى نظرة سريعة على ملامحها المتجمدة: -أيه رأيك تنامي شوية لحد ما نوصل، عشان سهرتنا طويلة الليلة دي.
هزت رأسها بعدم فهم وقالت بتشتت: -اه هنام عشان دوخت شويه.
ثم تكورت لتلتصق بالباب بجابنها وأكملت: -تصبح على خير.
مراد باعتراض: -خدي هنا، أنتِ ناوية تغرقي للصبح، كلها ساعة وهنوصل.

ردت بتمرد متعمدة الهرب من سطو نظراته وكلماته وقالت: -صحيني أول ما نوصل. متعملش صوت بقا خليني أنام.
-نامي يا عالية. نامي، عشان أنا جايب معايا بنت أختى.

عودة إلى القصر
جاءت حياة صحبة بصحبة شمس التي تحمل بيدها صنية من المشروبات الدافئة ووضعتها على الطاولة التي تتوسط مجلسهم، جلست حياة بجوار زوجها وقالت بمزاح: -مش كفاية كلام في الشُغل!
تدخل كريم الذي خطف مشروبه الدافئ وقال: -والله بقولهم كده من أول ما قعدنا. ونشوفلنا فيلم رايق كده نشوفه.
وبخه تميم ممازحًا: -يابني أنت حياتك كلها عبث.
كريم ممازحًا: -هو في أحلى من كده؟

ثم غير مجرى الحديث بعد ما يأس من رد مراد وعالية على رسائله وقال بزيف: -زميلة عالية ردت عليا وقالت انهم في كافيه ومفيش شبكة لانهم شغالين على المشروع الجديد، ساعة وعالية هتكون في البيت.
قال تميم بارتياح: -طيب كويس أنها بخير.
أعطت حياة كوب السحلب لعاصي ثم تناولت كوبها. فشكرها قائلًا: -تسلم أيدك.
ارسلت له ضحكة خفيفة: -يارب يعجبك.
كررت شمس نفس الفعل مع تميم ولكن كان رده مختصرًا: -مرسي يا شمس.

تجاهلت شمس شكره وقالت بحدة: -نوران مش كفاية بقا وتاخدي السحلب بتاعك تشربيه فوق وأنتِ بتذاكري.
تمتمت نوران بضيق: -يادي المذاكرة.
ثم جهرت متأففة: -حاضر يا شمس هروح اتنيل اذاكر.
تدخل كريم بنبرته الاستفزازية: -بلاش تكشري ف وش الكتاب عشان ميكشرش هو كمان في وشك.
أخذت نوران مشروبها وقالت باختناق: -ينفع تخليك في حالك!

ضحك الجميع على مناقرات الثنائي المشاكس حتى قال عاصي مناديًا على ابنته: -تاليا، هاتي موبايلي من جوه.
كادت حياه أن تقوم ولكنه أوقفها: -تاليا هتجيبه.
أقبلت تاليا على أبيها بحماس: -اتفضل يا بابي.
مسك عاصي هاتفه ولكن وجده مغلقًا إثر فراغ بطاريته، فتأفف: -مش وقتك خالص.
انصرفت نوران لأعلى ثم لحق بها كريم الذي تحجج بدراسته، ثم تابعه تميم الذي أمسك هاتفه ومفاتيحه قائلًا:
-أنا نازل ساعتين وراجع.

تدخلت شمس بلهفة: -تميم رايح فين؟
رد باختصار: -شغل يا شمس.
مالت حياة على عاصي ووشوشت له: -ممكن تاخد البنات تنيمهم وأنا هروح مع شمس عشان تديني الحقنة.
تمتم هامسًا: -طيب ما اديهالك أنا.
رمقته بعينيها الفيروزيه: -بس بقا عيب.
صعدت الجميع لأعلى، اتجهت شمس مع عالية لغرفتها وما أن انتهت من أداء عملها قالت:
-ارتاحي اليومين دول يا حياة وبلاش حركة كتير.
ابتسمت حياة بطاعة: -هخلي بالي. عقبالك أنتِ وتميم.

انكمش وجه شمس بضيق وغمغمت: -ان شاء الله. اسيبك ترتاحي شوية.
حياة معارضة: -هنزل معاكي عشان عاصي مش هيعرف ينيم البنات لوحده. ده مش بعيد هما اللي ينيموه.
تبادل الاثنان الضحك والحديث الطريف حتى عادت شمس إلى غرفتها واتجهت حياة إلى غرفة البنات. فتحت الباب فوجدته كالغارق في شبر ماء وهو يحاول تمشيط شعره تاليا وقال: -تعالى شوفي، كل ما أجيبهم الناحية دي، يروحوا الناحية التانية.

انفجرت حياة ضاحكة وهي تأخذ منه الفرشاة وتضم تاليا إليها: -والله قلبي كان حاسس. اتفضل نام جمب داليا عشان عندهم مدرسة الصبح ومعاد نومهم فات.
اتجه نحو سرير صغيرته التي تداعب عروستها. شد الغطاء عليهم وأخذها بحضنه فأصرت أن تضع العروسة بينهم: -بابي خليها هنا ما بينا عشان الجو سقعة.
رد ساخرًا: -سقعة على العروسة وأنتِ عادي! طيب نامي.
رمقته بعينيها المتسعة: -احكي لي حدوته.

نادى عاصي على حياته ومنقذته: -حياة، الحواديت دي بتتحكي ازاي!
انتهت حياة من طوي شعر تاليا وقالت ضاحكة وهي تمسك بيده الصغيرة وتتجه نحو مخدعها: -أنا هحكي لهم.
مددت بجوار تاليا ساندة رأسها على كفها فتلاقت أعينيه مع عينيه المتوقة لسماع قصة ما قبل النوم. أخذت تداعب جدائل شعر تاليا بحب وقالت: -كان يا ما كان…

وصل مُراد وعالية إلى أحد الفنادق الفاخرة بالأسكندرية. استلم مراد مفتاح الغرفة ثم عاد إليها:
-يلا!
أخذت المفتاح من يده: -ده مفتاح أوضتي، فين مفتاح أوضتك؟
-والله عيب على قسيمة الجواز اللي الموظف ده لسه شايفها!
قال مراد جملته بحنق من اسئلة عالية المتكررة التي أصيبت فجاة بالحماقة. طافت عينيها بذهول:
-آكيد مش هنقعد في أوضة واحدة؟ مراد أنا…

وقف أمامها ليعيق خُطاها المتجهة نحو موظف الاستقبال، وقال: -يلا نحل الموضوع ده فوق.
-مر اد؟
كانت نبرتها تحمل التوسل أما عنه فكانت طريقة نطقه لاسمها تحمل الكثير من التحذيرات: -عالية. قدامي.
سبقته الخُطى نحو المصعد وهي تتحاشى النظر إليه كطفل مشاكسة أعلنت الحرب على أبيها. اتخذت وجهة خاطئة عن الغرفة الخاصة بيهم فنادى عليها مُشيراً: -من هنا…

ضرب الأرض بساقيها وسارت صوب ما أشار إليها حتى وصل الثنائي إلى غرفتهم. دخلت عالية ثم تابعها مراد فتوقفت في منتصف الغرفة تعلن اعتصامها:
-هااه، الأوضة مش فيها غير سرير واحد. والكنة صغيرة، هننام فين بقا؟
نزع مراد معطفه ثم سترة بدلته ووضعهم على المقعده ثم فك رابطة عنقه واتجه ناحية الثلاجة وسألها: -تحبي تشربي حاجة؟
-لا مش عايزه.
أمسك مراد بزجاجة العصير وقفل الثلاجة مرة أخرى فسالها: -تتعشى؟

-ما أحنا أكلنا في المطعم.
-يعني مش جعانة؟
-لا يا مراد مش جعانة ولو سمحت متغيرش الموضوع.
دنى منها متسائلًا: -عالية أنتِ متعصبه ليه؟
بدأ التوتر يقاسم تفاصيل وجهها: -مراد هنام فين؟ انا بجد تعبانة وعايزة أنا وانت بتشرب مانجا ولا بتفكر في أيه حاجة!
ثم شدت منه زجاجة العصير: -وريني! دي ساقعة عليك، لو سمحت سيبها تسخن شوية، أنت مش شايف الجو بره! دي بتمطر تلج!
ارسل لها ابتسامة خفيفة: -خلاص اتحلت اهي.
-هي أيه؟

-قصدي في التلج ده ينفع انام انا في مكان وأنتِ في مكان!
تراجعت للخلف وهي تتأمل تفاصيل وجهه المُقبلة إليها: -قصدك تقول.
قاطعها مُكملًا: -ااه هننام على سرير واحد.
لُطخ وجهها بحمرة الخجل: -بس بقا يا مراد ما تهزرش. وبعدين انا ماجبتش هدوم معايا، الله يسامحك في اللخبطة دي كلها. وسع كده.

دفعته من أمامها وشرعت ان تفتش في الخزانة عن ملابس يمكن أن تنام بها لكن بدون جدوى. دارت لتجد نفسها تحت مظلته قائلًا: -الصبح ننزل نجيب كل اللي تحتاجيه.
لاحظت اقترابه منها التدريجي حتى ارتطم ظهرها بأحد ضُلف الخزانة. فسألته بتوجس: -مراد أنت بتقرب كده ليه؟
-بطمن على ابني. فيها حاجة دي!
أغرورقت عينيها بدموع الاضطراب: -بطل هزار.

شرع بمداعب خُصلة من شعرها متساقطه على وجهها بلطف وقال: -يبقى ندخل في الجد على طول.
تنهدت بارتياح: -ااه خلينا في الجد، ابعد بقا.
انخفضت نبرة صوته وهو يقول: -عارفة أول مرة شوفتك فيها في الحفلة، جالي أحساس أني عايز أحضنك.
-عيب يا مراد أنت بتقول أيه؟
انكمشت ملامحه: -هو أيه العيب يا عالية عشان شكلك هتغلبيني الليلة دي!
ردت بارتباك: -اللي أنت بتقوله ده…

وضع يده على خصرها فعاشت شعور من يفتح النافذة بليلة قارصة البرودة فيرتعش جسده بأكمله. برزت عروق عنقها وكادت أن توبخه ولكنه أسرع بتقبيل شفتيها المرتعشة، فهُزم قلبها خاضعًا لأفعاله التي بثت مشاعر غريبة بكيانها واعترف في استسلامه: ‏أحسستُ بالحُب تجاهك منذُ اليوم الذي لمحتُ فيه الدفء الذي في وجهك و العناق الذي حدث مابين صوتك ومسمعي، احسستُ بك وشعرتُ أنّ هذا القلب الصّغير الذي أحمله في زوايا صدري يتمدد بحبك يومًا بعد يوم، لايتبدد شعُوري لك ولاينقص، بل إنهُ يحتشد في وسط صدري حتّى إنه يفيض من وسط عيني.

كان لقائهم ناعمًا هادئًا كهدوء طباعهم. هي ما زالت تحت تأثير تلك المشاعر المجهولة التي صوبت إليها دفعة واحدة، وهو كان يتعلم معها معنى أن يمارس الشخص حبه لأول مرة.
ابتعدت عنه بصعوبة وهي تلهث: -مراد، عاصي.
فك أزرار قميصه بلهفة وهو يُقبل على نهرها: -عاصي مين دلوقتِ؟
وضعت يدها على قلبها تترجاه كي يهدأ وهي تستنذ على الخزانة تأخذ أنفاسها بهدوء حتى عاد إليها رافعًا وجهها إليه: -ينفع تسيبي لي نفسك خالص!

-أصل…
سألها بصوت أنفاسه الذي يتسابق مع كلماته: -بتحبيني يا عالية!
ردت بتوجس ونبرة متقطعة: -مش عارفة.
حملها بين يديه معلنا الحب عليها وقال: -دلوقتِ هتعرفي…

نهض عاصي من جوار ابنته برفق كألا يزعجها ثم فتح باب الغرفة بحرص وعاد إلى حياة النائمة بجوار داليا قبل أن تنهي قصتها، حملها بلطفٍ بين يده وغادر الغرفة متجهًا إلى غُرفته. تململت حياة بين يديه قائلة بصوت نائم:
-عاصي. نزلني، أنا صاحية.
مازحها قائلًا: -طيب فتحي عينك عشان اتأكد أنك صاحية.
تنهدت بدلالٍ وهي تعانقه بكسل وطلبت منه: -قول لي بحبك.
وضع قدمه على أول درجات السُلم وهمس لها: -بعشقك.

فرسمت ابتسامة على وجهها النائم وقالت: -وأنا كمان.
ثم استراحت على صدره وسألته: -عندك شغل بكرة!
رد عليها قائلًا: -يومنا طويل بكرة، حفل انطلاق البراند الجديد بالليل. ولازم تكوني موجودة.
-هناخد البنات؟
-مش لازم عشان الحفلات دي بتتأخر.
فتح باب غُرفتهم ثم ركل الباب بقدمه بعد دخوله. وضعها على مخدعه بلطفٍ ما كاد أن يبتعد فتشبثت بيده مع انفراج عينيها وسألته متدللة: -هتروح فين؟
طبع قُبلة على ثغرها: -مش هتأخر.

اتجه إلى الحمام ونهضت هي من فراشها فتحت خزانة ملابسها لتبدل الجينز والصوف الذي ترتديه ب بيجامة حرير باللون الأسود ثم عادت إلى مخدعها بسرعة خاصة عندما وصل إلى أذانها صوت فتح الباب. وقف عاصي أمام المراة ونثر القليل من العطر حول عنقه ثم على صدره العارٍ مكتفيًا بينطال أسود ثم ضبط درجة حرارة المدفأة ووصل هاتفه بالكهرباء ثم عاد إليها.
اقتربت منه متدللة وهي تداعب ملامحه: -اتأخرت على فكرة.

-الخمس دقايق دول.
اتسعت ابتسامتها وهي تخبره: -وحشتني…
أمسك كفها المتراقص فوق ملامحه وقبله بحرارة: -وأنتِ كمان.
-اليوم كان جميل أوي النهاردة. لمة العيلة حلوة أوي، وشمس طيبة أوي، هي اااه تبان شديدة كده بس والله من جواها طيبة.
ضحك عاصي بخفوت وعقب قائلًا: -ده أنا مش قادر أبص في وشها من وقت ما زعقت فيا الصبح.
تبادل الاثنان الضحك حتى قالت: -بصراحة أنت كنت محتاج يتزعق فيك.

داعب وجنتها بلطف: -وأنا كُنت عملت أيه يعني!
-قول ما عملتش أيه؟
قبل أرنبة أنفها وقال بحب: -كانت أحلى ليلة في عمري.
أحمر وجنتها بخجل ثم قالت: -تعرف، من زمان وأنا بتخيل وبكتب سيناريوهات كتيرة لليلة دي مع الشخص اللي بحبه، وأزاي هنقضي أول ليلة لينا مع بعض سوا، بس عمري ما اتخيلت أني أعيش ليلة ولا في الأحلام زي اللي عشته معاك.

انتقلت يدها التي تداعب ملامحه إلى صدره العار وأكملت: -أول جملة كتبتها في أول مرة مسكت فيها القلم الحب بيعري القلوب . معاك أنا عشت الجملة دي بتفاصيلها. ده بيعري القلب والعقل والروح وبيخلينا نقول كلام ونعمل حاجات عمرنا ما نتخيلها.
سألها بحب: -زي أيه؟
اقتربت منه أكثر وقالت بجراءة: -زي ما أنا مستعدة دلوقتِ أحط عيني في عينك وأقول لك إني ملهوفة عليك يا عاصي.

كانت مُفعمة بالحب للحد الذي يجعله أن يشاهد الحياة تركض في وجهها، لم تكن حياةً كانت كارِثةً لا تُغتفر. أمسك بكفها كي يكف عن مغازلته كما فعل حديثها وقال:
-ما بلاش الكلام اللي يخلي الواحد يتهور ده!
قالت بنبرة خفيضة: -بس ده مش كلام، دي دعوة صريحة.
اندست يديه تحت سترتها كعادته في تدليلها: -ده أحنا اتطورنا جامد.
-قولت لك الحُب بيجردنا من كل القيم والمبادىء وبيخليك مش شايف غير حبيبك…

-وأنا مش عارف أشوف غيرك.
طرقت باب الممنوع لتغويه. فلبى دعوتها التي كان ينتظرها على رحب وهو في قمة سعادته. تشابكت الأيدي وتعانقت الأرواح ولحمت نار العشق الأجساد حتى غمغمت بجملتها الأخيرة قبل أن تسبح معه في بحر الحب بنبرة ناعِمة كأنهَأ منسَوجّة مِنْ الحِرير: -عاصي ابننا.
-متقلقيش.

قضت شمس ليلتها على مراجل من نار تتوقد، ساعة وراء الأخرى تنتظر مجيء تميم ولكن بدون جدوى. أخذت تجرب الغرفة ذهابًا وأيابًا. تُطالع رقمه بالهاتف حتى حسمت قرارها أن تُراسله ولكنه مقفولًا. خرجت في الشرفة تراقبه كي تراه عندما يأتي ولكن تاخر الوقت كثير حتى غرقت في سباتها على أحد المقاعد.

بالغرفة الثانية تتهامس نوران بالهاتف: -يا كريم أنا قلقانة على عالية، عاصي لو قام الصبح ومكنتش في البيت حرفيا هيخرب الدنيا.
-طيب أعمل أيه! هي ومراد موبايلاتهم مغلقة!
تسرب وميض الشك إلى نوران: -ده اللي يقلق أكتر. طيب انزل كده اسأل عليهم فالاقسام ولا في المستشفيات اهو نطمن!
انكمشت ملامح كريم: -اقسام ومستشفيات وعايزة تطمني؟ ده انت بومة.
-هتغلط هغلط!
-بس ده مش غلط، ده وصف.
-كريم. أنت مهزأ.

ضحك كريم مستقبلًا أهانتها برحب ثم قال: -المهم هنعمل أيه في عالية ومراد! انا شاكك في حاجة.
-حاجة ايه؟
رمى كريم نفسه على السرير وقال: -مراد خطف عالية.
-نهاره مش فايت. أصلا أخوك سوابق ويعملها. انا من الأول مكنتش مرتاحة له، وكل ماافتكر إني جبت له هدية بزعل من نفسي.
ثم وثبت قائمة وقالت مهددة: -بص يا كريم أخوك لو مظهرش لحد بكرة. أنا هروح احكي لعاصي كل حاجة وهقوله أنت اللي ساعدتهم. وشريك معاهم.

-لا ياشيخة، وأنتِ الملاك اللي بجناحات! ولما يقولك عرفتي منين!
ارتبكت نوران وقالت: -كُنت بلمع اُوكر وسمعتكم. ولا أنت ناوي تفتن عليا!
-لا انتٍ تفتني عليا عادي.
-اه عادي.
كريم بمزاح: -انتِ مش جدعة على فكرة.
ردت بارتباك: -ولا أنت كمان جدع، ويالا اقفل ومتتصلش هنا تاني.

صباحًا
وتبقى الذكريات هي الملاذ الوحيد لكل ملحمة جميلة عالقة في الذاكرة، غلب عليها الزمن والحب.
قضت عالية وقتًا طويلًا تطالع السقف محاولة استيعاب ما كانت عليه وما عاشته للحظات مسروقة من اشجار الزمن. حتى صاحت بصرخة مدوية عندما استوعبت حقيقة انها نائمة بين يديه عارية: -يانهار مش فايت! انا ايه جابني هنا. مراد مراد، اصحى.
رفع جفونه مخضوضًا: -عالية! ايه في ايه؟
-عاصي هيدبحني يا مراد.

ثم طافت عينيها بتيه: -هو أيه حصل!
تفهم حالتها ثم ردد اسمها مرة أخرى بنبرة هادئة: -عالية!
أصدرت صوت إيماءة خافتة وهي تتشبث بالغطاء: -نعم!
-نمتي كويس؟
-أيوة نمت.
كاد أن يُزيح الغطاء من فوقها ولكنها صرخت معترضة وهي تبتعد عنه: -لا لا لا.
-طيب وريني وشك طيب؟
تدلى الغطاء عن وجهها تدريجيا وهي في قمة خجلها منه حتى عادت لتختبئ تحته مرة أخرى ولكنه منعها تلك المرة وهو يسألها:
-ما أحنا كنا حلوين! حصل أيه!

-مراد، عاصي هيقضم رقبتي. انا لازم امشي.
مسك كفها كي يمنع حركتها: -عاصي مين على الصبح!
-انا هنا بعمل أيه؟
تحمحم بخفوت: -اااممم انت شكلك جالك زهايمر، أيه رايك نبتدي من أول وجديد!
صرخت بوجهه بحرجٍ: -بس يا مراد!
-بس أيه يا لولا. خلاص بقا. مش كفاية الاصطباحة اللي تقطع الخلف دي!
تشبثت بالغطاء الذي يستر جسدها العارٍ وبللت حلقها بحياء: -مراد أنت اتعلمت الحاجات دي فين!

انفجر مراد ضاحكًا على براءتها وجمالها المنصب بملامحها المشرقة، فرمقته باستغراب: -بتضحك ليه!
-افهم بس حاجات ايه؟
-خلاص خلاص. أنت عايز أيه دلوقتِ؟
مازحها قائلًا: -عايز اعرف أنتِ ليه متبتة في الغطا أوي كده؟
ثم مال هامسًا في أذانها: -أنا شوفت كل حاجة على فكرة.
صرخت في وجهه بحياء وهي تندس تحت الغطاء: -مراد بس.

نزل معها تحت الغطاء ليلتقى الحبيبان مرة أخرى فوقعت عالية في مصيدته من جديد وشرعت أن تهرب منه ولكنها لم تنجح. فسألته بخجل: -يا مراد بقا عايز!
ضمها إليها من جديد وسألها: -عايز أعرف بتحبيني ولا لا…
تملصت من حضنه متمردة بدلالٍ: -لا. ووسع كده.
-وأن موسعتش.
-مراد بقااا.
ضمها إليه من جديد وقال بخبث: -بس أنا اخدت الجواب منك.
-أمتى ده! أنا ماقولتش حاجة على فكرة.

بدأت يداه تتنقل بحرية على معالمها وقال: -لغة الجسد كفيلة أنها تقول كُل حاجة.
-مراد أنت قليل الأدب.
انقض شبح حبه عليها مراوغًا وملاطفًا بقبلات جريئة ومداعبات جعلتها تتوسل إليها ضاحكة كي يبتعد حتى أصر قائلًا: -هاا اعترفي. عايز اسمعها.
-هي ايه؟
-قولي كده بحبك يا مراد.
حدجته بعيونها اللامعة في الظلام: -طيب غمض عينك الأول.
-ياسلام! مش كفاية ضيق التنفس اللي أحنا فيه ده.
-غمض بس وأنا هقول.

غمز بطرف عينه مستنشقًا رائحة الغدر: -مالكيش أمان. لا
-وانا مش هقول غير لما تغمض.
-طيب ولو غدرتي.
ردت ببراءة: -ثق فيا. يالا غمض عينك.
أغمض مراد عينيه ملبيًا لطلبها: -أما نشوف.
تملصت منه وقالت: -لا حطت أيدك على عينك. كده أمان أكتر.
حدجها بشكٍ: -عالية.
توسلت ببراءة: -يالا…
وضع مراد يديه فوق عينيه وقال منتظرًا كلمتها: -هااا مسمعتش.

في تلك اللحظة ؛ فرت عالية كالأرنب الهارب من جواره وذهبت إلى الحمام كي تحمي نفسها من نظرات مراد الثاقبة. قفلت الباب بعناية حتى أتاها صوته قائلًا: -مش قولتلك شامم ريحة الغدر! بس تخرجي ياعالية عشان مش أنا اللي يتلعب عليا الألاعيب بتاعت اعدادية دي.

تركته يهذي خلف الباب وهي غاصت في بحر تفاصيل ليلتها الماضية معه. منذ اللحظة التي أخبرها فيها بأنها أرق فتاة بالعالم. ومطر قبلاته التي خدرت روح التمرد بجسدها وأحيت روح الحب حتى سبح الاثنين في بحر هواهم.
عصرت ذاكرتها كي تتذكر اللحظة التي تجردت من ملابسها أمامه وتفاصيلها ولكن هناك أشياء تسقط من الذاكرة كصعوبة الرحلة ولم تبقى بها إلا لذة الوصول.

غسلت وجهها عدة مرات حتى اتسعت ابتسامتها عندما غرقت بتفاصيل ليلتهم الأولى معًا.
#فلاش باك
ولت ظهرها مُعلنة حالة النعااس التي أصابتها وقالت بتعب: -مراد أنا هنام مش قادرة.
ولى قبلته إلى تفاصيل ظهرها ناصع البياض وأخذ يُغازل فقرات ظهرها ولم يتوقف عن ذلك بل بادر بنثر العديد من القُبلات على كتفيها ويده التي تُقربها منه شيئا فشيئا. تململت بدلالٍ وهي ثملة من تأثير العشق:
-مراد بس بقى، عشان هنام.

رد عليها وهو في مرحلة السُكر: -الليلة دي مفيش نوم.
سألته بتمرد: -أومال في أيه!
-عالية دي أول ليلة لينا، ولازم تكون ليلة مميزة.
اعتدلت لتطل بعيونها العسلية عليه وقالت بدلعٍ: -مميزة أزاي.
جذبها إليه وقال: -تعالي هقول لك.

عاد تميم إلى غرفته في تمام الساعة السابعة والنصف صباحا فاستيقظت شمس على صوت صرير الباب حتى وجدته أمامها، ألقت نظرة سريعة على الساعة ثم تقدمت نحوه بعواصف غضبها عاقدة ذراعيها أمام صدرها:
-والله! ما لسه بدري. ويا ترى كنت فين ومع مين!
رمقها باستهتار وبداخله سعادة عارمة لأنها نحج في إثارة غضبها وقال:
-كنت في الموقع بتابع كام حاجة كده.

ثم ابتلع بقية كلماته وقال معاتبًا: -وبعدين هو تحقيق ولا ايه يا شمس.
وقفت شمس أمامه: -أيوة تحقيق، من حقي أعرف جوزي راجع 7 الصبح منين وكان مع مين.
أخرج ملابسه من الخزانة قائلًا متحججًا: -معلش يا شمس تعالي شوفي الجرح شادد عليا.
-روح مكان ما كُنت وخليهم يشوفوا لك الجرح.
ألقى ملابسه على السرير بكلل وهو يصدر تأوهات الألم: -كانت ليلة متعبة أوي يا شمس. ليا كتير مش واخد على ضغط الشغل بالشكل ده.

ثم أغمض عينيه متأوهًا حتى رق قلبها وأتت بعلبة الاسعافات الأولية لتغير له على جرحه. ما كادت أن تفك أزرار قميصه فسالته بعتب: -كان عليك أيه بالتعب ده كله!
-كان لازم أعاين الموقع بنفسي عشان الرسم، وسهير مسابتنيش خالص، البنت دي جدعة أوي يا شمس.
رفعت حاجبها بمكر: -اااه سهير! هي كانت معاك!
-طول الليل نشتغل في العربية يا شمس. لحد ما بقيت مش حاسس بكتفي من الألم.

توقفت شمس عن أداء مهمتها وسألته بغضب: -وهي الانسة سهير ما غيرتش ليه على الجرح بالمرة!
اشتعلت نيران الغيرة بوجهها حتى همس لها قائلًا: -لولا أني عارفك كويس كنت قلت أنك غيرانة من سهير. وأنا شايف كده أن اي ست هتغير منها.
ردت بضيق: -سهير دي واحدة فالصو. عمرك شوفت دهب بيغير من فالصو؟
انفجر تميم ضاحكًا ثم قال مكملًا الضغط على وترها الانثوي المتوق بالغيرة: -بس انا مش شايف كده!

ارسلت لها أبتسامة زائفة: -نام يا تميم، عشان شكل قلة النوم أثرت على عينك.
-طيب والجرح!
-كلم سهير تيجي تشوفه.
أمسك تميم يدها بعد ما استوت على لهب الغيرة وشرع أن يكذب كل ما قاله ويسألها ما الذي ستفعله مديرة الشئون القانونية في موقع الإنشاءات؟ ولكن جاءت نوران في تلك اللحظة بعدما سمحت لها شمس بالدخول، فتوقفت مترددة: -عالية مجتش من ليلة امبارح، وأنا قلقانة عليها أوي.

فتحت حياة جفونها فوجدت نفسها بين يدي عاصي الذي يحاوطها بأمانه. رأسها على ذراعه الأيسر وأنامله متغلغلة في شعرها. ويمينه تربت على بطنها وكأنه يريد أن يبث الحب بجوف مضغتها الصغيرة المختبئة بين أحشائها.
مررت أصابعها على وجهه بلطف حتى فتح عيونه وقالت بحب:
-صباح الخير.
نالت جبهتها قُبلة وكان لثغرها النصيب الأكبر من القُبل وسألها بتوجس: -في حاجة بتوجعك.
-أنا والنونو زي الفل ما تقلقش.

داعب أرنبة أنفها بمزاح: -تاني مرة نبطل شقاوة عشان بتجرجريني لطرق أنا بحبها.
التف ذراعها حول عنقه وقالت بنبرة مفعمة بالنوم: -وأنا بحب كل حاجة معاك.
ثم طالعته بنظرة مترددة كمن سيخبره بشيء: -عاصي. عايزة اتكلم معاك في موضوع.
-موضوع أيه؟
-هتفهمني ولا هتقوم تخبط وترزع وتزعق.
عقد حاجبيه مستنكراً: -يا سلام! أنا بعمل الفيلم العربي ده كله!
-أنتَ مش بتشوف نفسك ولا أيه؟ بتكون شخص تاني أنا بترعب منه.

داعب خصلات شعرها بحب: -أنتِ بالذات ماينفعش تخافي مني، لأني بقف قدامك بضعف وبنسى أصلًا مين هو عاصي دويدار.
-تعرف، بفضل أبص لك كتير وافتكر عاصي اللي اتعرفت عليه قبل كده، وأسال نفسي أزاي حبيبتك!
تنهد عاصى قائلًا: -عشان اللي معاكِ ده مش عاصي دويدار. ده واحد تاني خالص بكتشفه من جديد معاكي، أقول لك على حاجة.
-قول…

-منكرش إني حبيت مها، بس عمري ما اتهزيت قُدامها، كنت معاها نفس الشخص اللي مع الناس بره. اقدر أقول أني عشت مع مها الحُب. بس عشت معاكِ الحياة.
ضمته بكل ما تملك من حب وقالت: -وأنا أوعدك هخليك أسعد راجل في الدنيا كلها.
-وجودك جمبي كفاية يا حياة. ها كنتي عايزة تقولي أيه.
كانت ستحدثه عن عالية وعلاقتها بمراد ولكنها تراجعت في أخر لحظة وغيرت مجرى الحديث وأخبرته:
-نفسي في مانجا عويس.
-مانجا في الشتا يا حياة!

-معرفش بقا اتصرف.
أصدر إيماءة خافتة ثم قال: -حاضر هتصرف.
قبلته في وجنته بسرعة واخبرته: -بحبك.
-معنديش أغلى منك. يلا نقوم كفاية كسل.
وثبت قبله بحماس: -أنا مش كسلانة أنت الكسول. يالا قوم.
نهض عاصي وأول شيء فعله فتح هاتفه. أخرجت حياة ملابسه من الخزانة ثم اقتربت نحوه وطوقت ذراعه: -غلط أول ما تصحى من النوم تمسك الموبايل.
-معلش مستني بس رسالة مهمة.

فتح تطبيق الواتساب ثم انعقد حاجبيه متعجبًا: -نشوف عالية باعتة ايه.
فتح رسالة عالية الصوتية فأتاه صوت مراد قائلًا: -أنا رديت مراتي يا عاصي. وهي معايا دلوقت.
اشتعل الغضب بوجهه كاشتعال النيران بالغابة، أخذت حياة الهاتف من يده على صوت صرخته:
-ابن المحلاوي بيلوي دراعي.
سحبت حياة عنوة كي يجلس على أقرب المقاعد: -عاصي قبل ما تتعصب ممكن نتكلم الاول.

-هاتي الموبايل يا حياة، وديني ما هرحمه. مش أنا اللي يتلوي دراعي.
-وأنت ليه واخد الموضوع كأنه لوي دراع. عاصي هسألك سؤال. لو حصلت ظروف بينا اجبرتنا اننا نبعد، هتتصرف أزاي؟
رد غاضبًا: -أحنا ف أيه ولا أيه يا حياة.
-معلش رد. هتسيبني أيعد عنك!
-لا طبعًا…
-هو ده بالظبط اللي عمله مراد، بيدافع عن حبه، كل شيء ف الحب مباح يا عاصي. على فكرة…

أغمض جفونه وولى وجهه الناحية الأخرى، فقفزت حياة لتلك الجهة وأكملت: -ده الموضوع اللي كنت عايزة اكلمك فيه وأجلته ل بالليل. عالية هي كمان بتحبه، يبقى ليه مصمم تفرق ما بينهم!
جهر قائلًا: -هما اللي معرفوش يحافظوا على بعض يا حياة، هو هان أختي، ولما جيه وطلب أيدها أنا رفضت، مش عايز أختى تتعرض للأهانة تاني.

بررت حياة: -يعني الراجل دخل البيت من بابه، وأنت رفضت من قبل ما تاخد رأي صاحبة الشأن، وبصراحة انا مش هلومه على اللي عمله، لان ده كان هيبقى نفس تصرفك لو حد فكر يقف بينا.
ثم وضعت كفها على وجنته وقال برقة: -مش معقولة عاصي اللي شوفت معاه حُب اسطوري وعشت معاه كل المشاعر الجميلة دي، يقف في طريق اتنين بيحبوا بعض.
كبح غضبه: -بس مش بلوي الدراع يا حياة، ده بيتحداني.

-قلت لك الحب مايعرفش قوانين. أهدى يا عاصي مراته وردها، أنت مزعل نفسك ليه! عشان خاطري ولو بتحبني بلاش تبوظ فرحتهم ببعض. عشان خاطري.
ثم نظرت في عينيه بترجي: -أوعدني.
رد بملل: -خلاص يا حياة.
-عاصي اوعدني أنك مش هتقف في طريقهم.
ثم جذبت كفه ووضعته على بطنها وقالت: -أحنا مستنين هدية جميلة من ربنا. خليه يجي في بيئة كلها حب. انسى الكراهية والانتقام. عشان ابننا بلاش تزعل أختك.

جذبها لحضنه وقبل رأسها بحنان ثم قال متعجبًا: -أنتِ ازاي كده!
-كده ازاي؟
-جميلة.
-ده عشان معاك وبس. هتجيب لي مانجا.
استغل عاصي الأمر وقال: -بس ليا شرط.

حل المساء وذهب عاصي بصُحبة حياة لحضور حفل انطلاق العلامة التجارية الخاصة بأحد فروع شركات دويدار المتخصصة بصناعة المجوهرات النفسية.

جلس عاصي وحياة بالصف الأول. وخلفهم هدير التي جاءت من سفرها على موعد حضور الحفل لتشاهد تحطيم ماركة دويدار بنفسها ربما يشفى غليل صدرها. وبالصف الأول من الجهة الأخرى جلس المنافس الاكبر لعاصي وهو هاشم مدكور الذي ينتظر لحظة انتقامه من ذلك العاصي الذي لم يغلبه أحد لهذه اللحظة.

وعلى الجهة الأخرى وصلت عبلة برفقة فريد إلى القصر وأخذ السائق يصدر الكثير من تلكسات السيارة أمام البوابة ليفتح له أحد الحراس. حتى ظهر واحد منهم، فهبطت عبلة من سيارتها ونهرته:
-ايه اطرشت! كل ده؟ يالا افتح البوابة دي وحسابك معايا لما ادخل.
أطرق الحارس باسف: -مش هينفع أفتح يا مدام عبلة!
-يعني ايه؟
ثم صاحت: -انت اتجننت؟ بقولك افتح يا.

ثم جاءه فريد الذي وبخه قائلًا: -انت آخر يوم ليك هنا عشان تعرف تتكلم مع الهانم ازاي.
رد الحارس مبررًا: -دي تعليمات عاصي بيه.
سالته عبلة باندهاش: -يعني أيه تعليمات عاصي بيه؟
رد الحارس: -مأكد علينا ممنوع دخول حضرتك أنت وجوزك. أنا أسف يا عبلة هانم بس دي أوامر البيه…

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *