التخطي إلى المحتوى

 

قصة كان ليا واحدة زميلتي أيام ثانوي هادية جدًا، وطيبة طيبة بهبل كامله 



قصة كان ليا واحدة زميلتي أيام ثانوي هادية جدًا، وطيبة طيبة بهبل كامله 

كان ليا واحدة زميلتي أيام ثانوي هادية جدًا، وطيبة طيبة بهبل، اللي هي القطة تاكل أكلها وهي قاعدة تتفرج عليها، زميلتي دي ما شوفتهاش من سنين طويلة، وأصلًا ما كانتش بتيجي في بالي كتير لأنها مش من الشخصيات اللي بتسيب أثر جوا اللي تقابله، لدرجة إن واحدة زميلتنا قالتلها مرة وإحنا في ثانوي:

  -إنتي يا “غادة” عاملة زي بوابة المدرسة الجانبية دي، لا حد بيقرب منها، ولا حتى بياخد باله إنها موجودة.

ودي كانت بوابة جانبية كده على الأراضي الزراعية، عم “فوزي” الفراش بيخرج من الزبالة ويحـ..ـرقها قدامها مرة كده كل يوم، لكننا عمرنا ما خرجنا منها، ولا استخدمناها أصلًا.

يومها “غادة” ما اتأثرتش بالكلام ده، أو يمكن ما فهمتش قصد زميلتنا منه، وسابتنا ومشيت.

المهم من كام يوم وأنا راجعة من شغلي، وراكبة المترو، لفت نظري ست شايلة شنطة علي ضهرها اللي انحني من تقلها، وساندنه راسها على عمود الكرسي جنبي، رفعت عيني ليها لقيتها مغمضة عينها ووشها باين عليه إرهاق قوي، قومت من مكاني وأنا بطبطب على كتفها وبقولها :

  – تعالي اقعدي مكاني، أنا شوية ونازلة.

بصتلي وهي ساكتة للحظات، لكنها في الآخر نزلت الشنطة عن ضهرها وقعدت، ومشى المترو وهي بتبص لانعكاس صورتي في إزاز الشباك قصادها بطريقة خليتني أتوتر شوية، خاصة كل ما عيني تيجي في عينها وألاقيها بتبصلي بتركيز شديد.

هربت من نظاراتها دي، وبصيت لباب المترو اللي وقف في المحطة بتاعتي، وما صدقت الباب اتفتح، ونزلت أجري، ماعداش كام ثانية ولقيت صوت بينادي عليا:

  -فاطمة.. فاطمة.

 

وقفت مكاني، والتفتت أبص على اللي بتنادي عليا، لقيتها الست اللي قعدت مكاني، ولقيتها جاية ناحيتي بسرعة وهي مبتسمة وبتقولي:

  – أنا “غادة سعيد” اللي كانت معاكي في “عمر بن الخطاب”. 

  

وقفت للحظات أرجع بذاكرتي لأيام ثانوي وأحاول افتكر الاسم ده لكنه ماكانش معلق في ذاكرتي تمامًا، لكنها كانت مُصممة تفكرني بنفسها، وبمواقف كتير هي فاكراها وحكتها، لكني مش فاكرة منهم أي حاجة، لحد ما ذكرت حوار زميلتنا وتشبيها ليها بالبوابة الجانبية، هنا افتكرتها، وافتكرت معاها كل الحاجات اللي قالت عليها، حضننا بعض وأنا جوايا مشاعر مختلطة، مابين إني مبسوطة إن قابلت زميلة ليا من أيام ثانوي، وبين زعلي على هيئتها والإرهاق اللي باين عليها. 

أخدت إيديها وقعدنا على ريست من مقاعد الانتظار، وأنا ببصلها بوحشة عجيبة، يمكن ليها ويمكن للأيام اللي عدت بسرعة البرق، لكن هي نظراتها ليا كان كلها فرحة، كأنها لقت لقية، حطت شنطتها وقعدت تسألني:

  – عاملة إيه؟.. وأخبارك إيه؟.. والدنيا معاكي عاملة إيه؟ 

  

هزيت راسي وأنا مبتسمة وبقولها:

  -الحمد لله على كل حال، أنا كويسة وكله تمام، المهم إنتي عاملة إيه طمنيني عنك، وفين أراضيكي دلوقتي؟ 

  

ابتسمت ابتسامة مكسورة وهي بتقولي:

  – أنا الحمد لله بخير، اتطلقت ورجعت قعدت في أوضة في شقة أبويا. 

  

اتصدمت، ماكنتش لاقية كلام أرد عليها بيه، وهي فهمت ده، أو يمكن كانت محتاجة تحكي وتفضفض لحد يعرفها وتعرفه، لأنها حكت كل حاجة ومن غير ما أسأل أي سؤال:

  -بعد ما اتخرجت من معهد خدمة اجتماعية أبويا اتوفى، وأمي تعبت، وتعبها ده زاد لما أعمامي جم يطالبوا بورثهم في أبويا، الشقة الأوضتين اللي أبويا كان وارثها عن أبوه، بس أبويا كان راجل وأخد شقة، إنما أنا بنت، وما ليش أخوات ولاد عشان يحافظوا على الشقة اللي حامياني أنا وأمي، بين يوم وليلة لقينا نفسنا في أوضة وحمام مفصولين بجدار طوب عن باقي الشقة، ماهو ماكانش معانا فلوس تخلينا نديهم ورثهم نقدي، ولا نصيبنا هيجيب لنا شقة بره، عشان كده سكتنا ورضينا، وعمي بقا كان معاه يخلص أخواته وياخد الأوضة التانية والصالة يدخلهم في شقته. 

قلبي وجعني عليها، أنا عارفة إن ده شرع ربنا، بس كان ممكن يكون عندهم رأفة بحال بنت أخوهم الوحيدة، اللي كملت كلامها:

  -ومن يومها قطعوا علاقتهم بينا، ولا حتى دخلوا علينا في عيد ولا مناسبة لا حلوة ولا وحشة، فنزلت اشتغلت في محل ملابس، تسع شهور و”محمد” الحلاق اللي جنبنا قالي عايز اتجوزك، يومها حسيت إنه جالي نجدة من السما، راجل يقف جنبي أنا وأمي في الدنيا دي، وفعلًا كان راجل محترم، ولأول مرة أعمامي يدخلوا أوضتنا اللي كان فيها الأنترية، وسرير، ودولاب صغير، والبلكونة عملناها مطبخ، يومها عمي سألها :

– ظروفك إيه يا أم “غادة” هتقدري تجهزي البنت؟  

من قبل ما أمي تنطق “محمد” نطق وقاله :

  – التقيل علينا والخفيف عليكم يا عمي، وأنا شاري “غادة” حتى لو بشنطة هدومها. 

  

لأول من يوم ما أبويا مات أحس إني ليا ضهر وسند يا “فاطمة”، كنت فرحانة قوي، وحاسة إن عوض ربنا جميل قوي، وفعلًا اتخطبنا وعدت سنة الخطوبة اللي كانت أجمل سنة في عمري كله، “محمد” كان طيب قوي معايا، وحنين عليا، حتى لو زعلني كان بيصالحني في نفس اليوم، اتجوزنا، ودخلت العيلة اللي كنت بشوفها من برة بس، فجأة لقيت أمه بتتحكم في كل حاجة، أكل ولبس وشرب وكله، ومن تاني أسبوع للجواز، قولت يا بت اتحملي، “محمد” حنين في حقك، لكن فجأة لقيت شقتي مفتوحة ليها ولبناتها طول الوقت، وأنا أخدم الكبير والصغير، ومفيش كلمة حلوة، ولا حتى كتر خيرك. 

ربنا كرمني وحملت، والدكتور قالي ارتاحي أول ٣ شهور، “محمد” كان طاير بيا، وكان بيعمل كل حاجة عشاني، وبيجيب الأكل لحد عندي في السرير، لكن مجرد ما يشوف أمه يتبدل حاله، ويفضل يقولي:

  – إنتي هتفضلي مقضياها نوم؟!.. ما كل الستات بتحمل وتخلف اشمعنا إنتي؟!

  

في الأول كنت بزعل منه قوي، لكن لما لاحظت إن مابيعملش كده غير قدامها بلعت وسكتت، وبطلت أزعل. 

كنت بسمعها بحزن وأنا بقول في نفسي :

  – الغلبان مابيشبعش غلب في الدنيا دي. 

  

اتنهدت “غادة” بقوة وهي بتقولي:

  – عديت شهور الحمل بمرارة وخناق، لحد ما ولدت وربنا كرمني بـ “ياسين”، وكأنهم ما صدقوا أولد، ودخلوني ساقية ماقدرتش أخرج منها، طلبات أخواته زادت، ومجيهم بقا بشكل يومي، وطول النهار أكل وشرب هما وولادهم، وكله من جيب “محمد”، اللي لما جيت أتكلم معاه قالي:

  -أمي واخواتي ومش هرميهم، إنسي إنك تقسيني عليهم. 

اتصدمت من كلمته وقولتله:

– أنا هقسيك على أخواتك؟!.. أنا بس بقولك يتجمعوا مرة واحدة في الأسبوع، وأنا والله هعمل لهم كل اللي بيحبوه، مامتك أنا أخدمها بعيوني، بس كل ده كتير عليا، دا العيال الصغيرة بقت بيزعق لي وبتشتمني، ومفيش واحدة فيهم بتقولهم عيب، بالعكس دول بيقولولي دي عيال ومش فاهمة، مع إنهم في إعدادي وثانوي يعني فاهمين كويس، أنا عمري ما هقسيك على أهلك يا “محمد” بس بلاش تقسى إنت عليا. 

وسيبته وروحت أوضة “ياسين” وأخدته في حضني ونمت وأنا مستنية إنه يجي يصالحني زي كل مرة، لكنه مجاش، ونام، وقام من نومه الصبح نزل لأمه تفطره وراح شغله، ومافكرش يتصل مرة واحدة يطمن عليا. 

أنا بقا اتصلت بأمي أشتكي لها قالت لي:   

– معلش يا بنتي، استحملي وعيشي عشان خاطر ابنك، وأديكي عايشة في شقتك بدل ما تيجي تقعدي في أوضة زي دي. 

  

مسحت دموعي وأنا بقولها:

  -أنا بفضفض بس يا ماما من اللي أنا فيه، هروح أشوف “ياسين”، عايزة حاجة قبل ما أقفل؟

ومن يومها قررت أعيش واتحمل زي ما أمي قالتلي، وأهو ابني يعيش مع أبوه وجدته اللي ماكانتش شايفة غير بناتها، وإن كان عاجبني. 

شوية وربنا كرمني بحمل تاني، وكلام أخواته ابتدى يترمى:

  – ده الواد الصغير ما كملش سنة!..انتي مستعجلة على ايه؟!.. عايزة تربطيه بالعيال وكلام من ده كتير، بس أنا طنشت رغم إن الكلام ده زعلني ووجعني. 

  

وده طبعا الحمل التاني، يعني ما ترتحيش، بقيتي خبرة في الحمل وتعبه وعارفة إنه كده كده بيتعب، وفعلا.. كنت ما بين ابني وبينهم وبين جوزي مفرومة، لحد اليوم المشؤوم. 

انتبهت ليها بزيادة، وركزت معاها بكل حواسي، وهي بتقول:

  -كنت مشغلة البوتجاز على الأكل زي كل يوم، بس اليوم ده حماتي كانت مع واحدة من بناتها عند الدكتور، وأنا دخلت أنيم “ياسين”، ماأعرفش إزاي عيني راحت في النوم، والله العظيم ما حسيت بأي حاجة، ولا بخبط الجيران عليا، كل اللي حسيته فجأة حماتي داخلة عليا تصحيني والشقة كلها دخان، والمطبخ محـ.. ـروق، والجيران بتطفي فيه. 

كنت حاسة إني في كابوس وهصحى منه، كنت بهزر راسي وأقرص نفسي ايدي، وأنا ببص لحماتي اللي بتزعقلي وبتشتمني وأنا مش فاهمة ليه. 

الناس طفت النـ..ـار وكلهم حطوا اللوم عليا،  مفيش غير جارتنا اللي فوق هي اللي اطمنت عليا أنا و”ياسين” اللي صحي من النوم مفزوع، وفضل يصرخ، وخدته معاها لحد ما يهدى. 

 بعدها الكل مشي وحماتي فضلت تضرب كف بكف وهي بتشتم فيا، واتصلت ببناتها جم، في الوقت اللي رجع فيه جوزي من الشغل، لقيته داخل عليا ونازل فيا ضرب بكل قوته وهو بيشتم فيا، وقعت من طولي، لكنه مارحمنيش، فضل يضرب ويلطش فيا، وأنا بصرخ من الوجع وبقوله :

  – همـ.. وت. 

  

وهو مش راحم، نازل ضرب، لحد ما لاقيت الدـ.م مغرق الأرضية جنبي، وابني اللي عنده خمس شهور ما..ت في بطني. 

شهقت بقوة وأنا بعيط على عياطها وانفعالها وهي بتحكي كأنها لسه عايشة المشهد، عشان تعيط بحُر..قة وهي بتكمل كلامها:

  -على ما وصلت المستشفى كان ما..ت ،الدكاترة ماقدروش يلحقوه، ويومها أنا كمان كنت همو..ت في أوضة العمليات لكن كرم ربنا بس هو اللي خرجني منها، يومها باس رجلي واترمى تحتيها يعيط ويقولي سامحيني، وكل ده عشان المحضر اللي المستشفى كانت هتعمله، وقالي :

  – مايرضكيش أبو ابنك يدخل السجن يا  “غادة”،  يرضيكي “محمد” اللي بيحبك يتسجن؟.. أبوس ايديكي ماتقوليش إني ضربتك، قولي إنك وقعتي من على السلم وانتي نازلة. 

  

وفعلًا قالوا إن وقعت من علي السلم ، وأنا أكدت كلامهم، عشان خاطر “ياسين”، بس اتطلقت منه ورجعت أوضة أبويا أنا وابني، وبقالي سنتين أهو، هو حاول يرجعني كتير، بس دـ.م ابني دايما قصادي، ومش قادرة أسامحه.. اخترت أتبهدل في الشارع كمندوبة مبيعات على إني اتبهدل في بيت اللي قتـ..ل ابني

تمت 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *