رواية راما الفصل الثالث والعشرون 23 – بقلم اسماعيل موسى
راما
.
٢٣
جلست جين على الأريكة، جسدها مستنزف، وعقلها ممتلئ بأفكار متشابكة لا تستطيع فك خيوطها
كانت يداها فوق ركبتيها، أصابعها مشدودة قليلًا، وكأنها تحاول التمسك بشيء غير مرئي، شيء يمنعها من الانزلاق أكثر في الفراغ الذي بدأ يبتلعها منذ تركت عملها.
لكنها لم تكن بحاجة إلى النظر لترى المشهد خلفها،لم تكن بحاجة إلى الالتفات لترى آدم يربت على معدة راما، ابتسامتهما المريحة لبعضهما، وكأنها لم تكن هنا،وكأنها مجرد ظل، جزء من الديكور.
أخذت نفسًا عميقًا، ثم نهضت ببطء، خطت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها دون أن تصدر أي صوت.
الهدوء كان خانقًا.
ألقت بجسدها على السرير، حدقت في السقف، وعرفت شيئًا واحدًا.
لا أحد سينقذها.
لا أحد سيتدخل ليعيد لها حياتها. لا أحد سيأخذ بيدها ويخبرها أن كل شيء سيكون على ما يرام.
لأنها ببساطة لم تكن جزءًا من شيء بعد الآن.
في اليوم التالي، استيقظت بنفس البطء الذي أصبح عادة لها، نهضت من الفراش، غسلت وجهها، جلست للحظات في سريرها، ثم ارتدت ملابسها كما تفعل كل يوم، لكن الفرق هذه المرة أنها لم تفكر في الأعمال المنزلية، لم تفكر في الصحون التي تحتاج إلى تنظيف، أو الطاولات التي يغطيها الغبار.
خرجت من الغرفة، تجاهلت المطبخ، تجاهلت الصالة، وتوجهت مباشرة إلى الباب.
لم يكن هناك سبب للبقاء هنا أكثر.
لكن قبل أن تصل إلى المقبض، سمعت صوتًا هادئًا خلفها
“خارجه ؟”
استدارت، لتجد راما تقف هناك، ترتشف قهوتها الصباحية، وعيناها السوداوان ترصدانها
“اه خارجه .” ردت جين ببرود، لم تحاول حتى إخفاء ذلك النفور الذي بدأ يتشكل بداخلها تجاه راما
ابتسمت الأخيرة، وضعت فنجانها على الطاولة، وأردفت بلهجة ناعمة “طيب حاولي ما تتأخريش انتى عارفه ادم؟
وكانت نبرتها كما أرادت نبرة تحمل مجرد نصح
تصلبت جين للحظة أرادت ان تنفجر لكنها أومأت مرة رأسها واحدة، وخرجت دون أن ترد.
في الخارج، كان الهواء باردًا، منعشًا بطريقة أذهلتها قليلًا كم من الوقت مر منذ أن شعرت بشيء حقيقي؟
بدأت تمشي بلا هدف، خطواتها تائهة، لكنها لم تتوقف لم يكن لديها وجهة، لم يكن لديها خطة، لكنها كانت تعلم شيئًا واحدًا—كان عليها أن تفعل شيئًا.
المقاهي كانت تمتلئ بالعاملين الذين يأخذون استراحاتهم، الشوارع مليئة بالحركة، السيارات تسرع، البشر يركضون لإنهاء يومهم، كل شيء كان يتحرك.
وجين؟
وقفت عند مفترق الطرق، شعرت أن العالم أمامها مفتوح بطريقة لم تكن تتوقعها.
ربما، فقط ربما، لم يكن كل شيء قد انتهى بعد.
ربما لا يزال هناك طريق للخروج من هذا السجن غير المرئي الذي وجدت نفسها فيه.
أخذت نفسًا عميقًا، أخرجت هاتفها، وبدأت تبحث. عن عمل. عن بداية. عن أي شيء يمكن أن يعيدها إلى الحياة قبل أن تصبح مجرد ظل آخر في شقة لم تعد تشعر فيها بأنها تنتمي إليها.
جلست جين في أحد المقاهي القريبة، هاتفها بين يديها، وعيناها تتنقلان بين الإعلانات الوظيفية
كانت الكلمات تتكرر أمامها: “مطلوب موظف إداري”، “فرصة في مجال التسويق”، “خبرة لا تقل عن سنتين”…
لكن عقلها لم يكن يركز حقًا على التفاصيل.
كانت هناك فكرة واحدة تضربها باستمرار، تنبض تحت جمجمتها كإيقاع متواصل—
لقد أصبحت بلا قيمة.
قبل أسابيع فقط، كانت تقضي يومها بين الاجتماعات، كان اسمها موجودًا في تقارير العمل، في البريد الإلكتروني.
والآن؟
كانت تجلس هنا، تحاول فقط العثور على وظيفة تُشعرها بأنها لا تزال حية.
أبعدت الهاتف جانبًا، رفعت يدها إلى شعرها وسحبت نفسًا عميقًا.
لا !! لن تسمح لهذا الشعور بأن يلتهمها مجددًا.
أمسكت هاتفها مجددًا، هذه المرة بعزيمة أكبر بدأت في إرسال طلبات التوظيف، رسالة بعد الأخرى، وكأنها ترمي طوق نجاة لنفسها قبل أن تغرق تمامًا.
لكن كل ذلك لم يغير الحقيقة—
كانت البداية بطيئة، والفراغ في داخلها لم يتراجع بسهولة.
عادت إلى الشقة في المساء، متأخرة قليلًا عن المعتاد.
كانت الإضاءة في الداخل خافتة، والجو هادئًا بطريقة جعلت كل شيء يبدو غير حقيقي.
لكن آدم كان هناك، جالسًا على الأريكة، عينيه موجهتين نحوها وهي تدخل.
توقف الزمن للحظة.
لم يقل شيئًا في البداية، فقط نظر إليها، نظر طويلًا جدًا حتى كادت تشعر أن الكلمات التي لم ينطق بها كانت تتسلل إليها رغمًا عنها.
ثم أخيرًا، بصوت هادئ للغاية، قال:
جين؟
تصلبت يداها حول حزام حقيبتها
عيناها تحركتا إلى راما، التي كانت مستلقية على الأريكة الأخرى، ساقاها متشابكتان، وفنجان قهوتها في يدها.
لم تتحدث، فقط رفعت حاجبًا، وابتسمت ابتسامة صغيرة، وكأنها تعرف شيئًا لا تعرفه جين.
أدركت جين فجأة أنها لا تريد أن تكون هنا.
لا تريد أن تكون محاصرة بين هدوء آدم المريب، وبين نظرات راما التي تتسلل إلى جلدها مثل إبر باردة
خير يا ادم؟
كنت بره فيه مشكله انى اخرج؟
ثم سارت بصمت نحو غرفتها، وأغلقت الباب خلفها.
•تابع الفصل التالي “رواية راما” اضغط على اسم الرواية
التعليقات