راما
20
مع شعور آدم بعدم الارتياح تجاه قرار جين، بدأ يدرك أنها لم تعد كما كانت، لم تكن مجرد نزوة أو رغبة في التغيير، بل كانت رسالة واضحة، لكنها ليست تلك التي كان مستعدًا لفهمها
كانت جين قد تحولت من امرأة تحاول إرضاء الجميع إلى امرأة قررت أن تضع نفسها أولًا، حتى لو لم يكن هذا مناسبًا له.
في صباح اليوم التالي، استيقظت جين قبل الجميع. ارتدت ملابسها بعناية، كأنها تتهيأ لحياة جديدة، وربطت شعرها إلى الخلف بحزم، وقفت أمام المرآة للحظة، لم تكن تبتسم، لكنها لم تكن حزينة أيضًا، كانت هادئة… وهادئتها كان يحمل شيئًا مختلفًا، شيئًا أشبه بالتصميم.
عندما خرجت من الغرفة، وجدت آدم يجلس في الصالة، بدا كأنه لم ينم جيدًا، رفع عينيه إليها، تطلع في مظهرها المختلف، في الحقيبة التي تحملها على كتفها.
قال بصوت خافت:
“أنتِ فعلًا رايحة الشغل؟”
أجابت بهدوء، دون أن تنظر إليه:
“أيوه.”
وقف آدم فجأة، كأنه يحاول أن يجد الكلمات، لكنه لم يفعل. مر بجوارها، وكاد يمد يده ليمسك بها، لكنه توقف، لم يكن يعرف ما إذا كان هذا سيجدي نفعًا.
أما جين، فلم تتوقف. لم تستدر لتنظر إليه. فتحت الباب وخرجت.
وربما، للمرة الأولى منذ زمن طويل، لم تشعر أنها مجرد ظل في حياة أحد.
حصلت جين على وظيفة مساعدة إدارية في شركة استيراد وتصدير متوسطة الحجم، لم يكن اختيارها لهذا العمل عشوائيًا، بل كانت تبحث عن شيء يمنحها الاستقرار والاستقلالية بعيدًا عن الدور الذي حُصرت فيه لسنوات.
في اليوم الأول، جلست على مكتبها الصغير، أنيقة بزي عملي بسيط، تراقب حركة الموظفين من حولها وتحاول استيعاب سير العمل،لم تكن لديها خبرة سابقة، لكن الحدس الذي طورته من سنوات التنظيم والتعامل مع التفاصيل جعلها تتكيف بسرعة.
بدأت مهامها بتنظيم المراسلات، تنسيق الجداول الزمنية، وإعداد الملفات، لكنها سرعان ما لاحظت وجود خلل في نظام الأرشفة، وثغرات في تنظيم الاجتماعات،لم تكن جريئة كفاية لطرح آرائها منذ البداية، لكنها كانت تراقب، تسجل الملاحظات، وتتعلم.
مع مرور الأسابيع، بدأت تترك بصمتها، لاحظ مديرها أن الأمور أصبحت أكثر تنظيمًا، أن الاجتماعات تُدار بسلاسة أكبر، أن الملفات التي كانت تضيع باستمرار باتت مرتبة وفق نظام واضح.
في أحد الأيام، أثناء اجتماع فريق الإدارة، لاحظت خطأ في أحد التقارير المالية، كان خطأ صغيرًا لكنه قد يسبب مشكلة في الحسابات،توقفت للحظة، تفكر فيما إذا كان عليها التحدث، ثم قررت أن تخطو تلك الخطوة الأولى.
“عذرًا، لكن هناك خطأ في هذا الجدول، خانة التكاليف غير متطابقة مع البيانات السابقة.”
التفت إليها المدير، ثم راجع الورقة، صمت لثوانٍ قبل أن ينظر إليها باهتمام جديد، اهتمام لم يكن موجودًا عندما كانت مجرد موظفة جديدة صامتة.
“أحسنتِ الملاحظة، جين.”
كان ذلك أول اعتراف ضمني بقدرتها، وأول دليل على أنها لم تعد مجرد موظفة تؤدي أوامر، بل عنصرًا حقيقيًا في العمل.
خارج المكتب، بدأت جين تعيد بناء حياتها وفق شروطها كانت تستيقظ مبكرًا، تتناول فطورها بهدوء، ثم تنطلق إلى عملها دون أن تلقي بالًا لآدم أو راما
لم تعد تنتظر تعليقاتهما، ولم تعد تكترث بما إذا كانت الأمور في المنزل تسير وفق توقعاتهما أم لا.
في المساء، بدأت تأخذ دروسًا في مهارات الحاسوب، تعلمت كيفية إعداد التقارير، كيفية التعامل مع برامج الإدارة الحديثة أدركت أنها لم تعد تريد مجرد وظيفة، بل مستقبلًا مهنيًا، شيئًا تستطيع الاعتماد عليه حتى لو تغيرت الظروف.
أما علاقتها بآدم، فقد أصبحت رسمية وباردة،لم يعد يحاول إقناعها بالتراجع، لكنه كان يراقبها بحذر، كأنه يحاول فهم المرأة التي أصبحت عليها،أما راما، فقد بدت مستاءة من انسحاب جين من دورها التقليدي، لكنها لم تملك حيلة لإيقافها.
في أحد الأيام، وبينما كانت جين تراجع بريدها الإلكتروني، وصلها إشعار من المدير: “نحتاج إلى تنظيم جديد لأرشيف الشركة، وأعتقد أنك الشخص المناسب للإشراف عليه،هل يمكنك إعداد خطة لهذا الأمر؟”
قرأت الرسالة ببطء، ثم أخذت نفسًا عميقًا، لأول مرة، لم يكن يُطلب منها مجرد تنفيذ المهام، بل اقتراح حلول، هذه لم تكن مجرد وظيفة بعد الآن، بل بداية جديدة.
ابتسمت، أغلقت البريد
لكن ادم القريب لاحظ ابتسامتها، قرب منها وبص فى شاشة الاب توب
ممكن اشوف الايميل ده؟
ليه سألته جين ببرأة؟
ضغط ادم على الايميل دون انتظار ردها فتح الرساله وقراء البريد
هو المدير ده عمره كام سنه؟
جين… معرفش يمكن خمسين سنه او اكتر
انتى موظفه جديده فى الشركه ليه يقرر يعتمد عليكى وعنده موظفين كتير غيرك؟
جين… لانى ببذل مجهود فى الشغل ومجتهده
مجتهده؟ صرخ ادم، انتى من شهر واحد كان أكبر إنجازاتك غسل الاطباق وتحضير الأكل
عايزه تقنعينى انك فى المده القصيرة دى عملت الإنجازات إلى تخلى مديرك يقرر كده لله فى لله ان يعتمد عليكى؟
جين بعدائيه … تقصد ايه يا ادم؟
اقصد انك هتردى على مديرك وهتقولى انك متقدريش تعمل كده، تحججى بتعبك او قلة خبرتك لو كنتى عايزه تفضلى فى الشغل
فتحت جين بقها، انت بتتهددنى يا ادم؟
اعتبريه زى ما تعتبريه يا جين
•تابع الفصل التالي “رواية راما” اضغط على اسم الرواية
التعليقات