التخطي إلى المحتوى

راما

                        ٣٨

منذ البداية، لم تُخفِ راما كرهها لجين،كانت نظراتها باردة، وكلماتها قاسية كلما تحدثت عنها،او كلما التقت بها، لم يكن الأمر مجرد استياء أو نفور، بل شيء أعمق—رفض كامل لوجود جين في حياتها.

لكن الموت يغيّر الأشياء، يزيل بعض الحواجز، حتى لو لم يمحها تمامًا.

بعد وفاة آدم، وجدت جين نفسها تزور منزل راما أكثر من مرة.

 لم تكن تفكر كثيرًا في السبب، لكنها شعرت أن عليها أن تفعل ذلك، ربما لأنها فهمت الفقد جيدًا، وربما لأنها رأت شيئًا في عيني راما يشبه ما رأته في المرآة يوم فقدت يزن.

ورغم إعلان راما الصريح أنها لا ترغب في رؤيتها، لم تمنعها فعليًا من الدخول، لم تطردها، لم تصرخ في وجهها، فقط كانت تجلس بصمت بينما جين تأتي وتذهب، او تنهض لتصنع الشاى او القهوة وتضعها بصمت امام جين.

في إحدى الزيارات، وجدت جين راما تحاول إطعام طفلها لكنها بالكاد تلمس الطعام بنفسها،لم تسألها إذا كانت بخير، لأن الإجابة كانت واضحة، وبدون أي تعليق، أخذت جين الملعقة وبدأت تطعم الصغير، بينما راما راقبتها بصمت.

في زيارة أخرى، كانت راما جالسة على الأرض، تحتضن وسادة آدم، وصوت أنفاسها المرتجفة يملأ الغرفة

 لم تقل جين شيئًا، فقط جلست بجانبها، لأول مرة، لم يكن هناك كلمات لاذعة، لا نظرات حادة، فقط صمت مشترك بين امرأتين جرفتهما العاصفة ذاتها.

كان بينهما شيء لم تعترفا به أبدًا—شيء يشبه الهدنة غير المعلنة.

لم يكن صداقة، لم يكن تقاربًا حقيقيًا، لكنه أيضًا لم يكن عداءً خالصًا. كان شيئًا هشًا، متناقضًا، يشبه الألم حين يخفّ لكنه لا يزول.

ورغم كل شيء، كانت راما لا تزال تكرر كلما سنحت لها الفرصة: “أنا أكرهك.”

وجين، للمرة الأولى، لم تهتم بما تقوله راما،لأنها كانت ترى الحقيقة في عينيها، في ذلك الصمت الطويل الذي حلّ بينهما بدلًا من العداء المعتاد، لأنها لم تكن تعرف الكرهه حتى لو حاولت أن تبدى غير لك، فقد كان قلبها يمتلك من الرقه ما يعتبره البعض ضعف والبعض الآخر قد يحتقرها

*********

وراما كرهت وجود جين ، كرهت ماضيها، كرهت حتى نبرة صوتها حين تتحدث بهدوء كأنها تفهم، كأنها تعرف شيئًا عن الألم الذي تمزق به راما 

لكنها في كل أسبوع، كانت تجد نفسها تنتظر.

لم تعترف بذلك أبدًا، حتى لنفسها، كانت تقنع ذاتها بأن جين لا تعني لها شيئًا، وأنها لا تهتم بزياراتها.

لكنها رغم ذلك، في كل مرة كانت عقارب الساعة تقترب من موعد الزيارة الأسبوعية، كانت تشعر بذلك التوتر الغريب في صدرها، بذلك الخوف الخفيف من أنها ربما لن تأتي هذه المرة.

وحين كانت جين تدخل المنزل، بنفس الخطوات الهادئة والنظرة التي تحمل خليطًا من الحزن والتفهم، كانت راما تشعر بالغضب.

غضب لأنها أتت.

غضب لأنها شعرت بالراحة قليلًا حين رأتها.

غضب لأنها لم تكن تريد أن تعترف بأنها بحاجة لوجودها.

كل شيء كان متناقضًا.

كانت تكره كيف تتحرك جين في منزلها وكأنها تعرفه، كيف تلمس الأشياء برفق وكأنها تخشى أن تكسر شيئًا، كيف تتعامل مع طفل آدم وكأنها جزء من حياته.

لكنها في الوقت ذاته، لم تكن تمانع ذلك.

كان هناك شيء غريب في وجود جين، لم يكن يشبه المواساة، لم يكن يشبه العطف، كان مجرد… وجود. غير ثقيل، غير متطفل، فقط موجود.

وفي بعض الليالي، عندما كانت تجلس وحدها في الظلام، كانت تهمس لنفسها بشيء لن تعترف به أبدًا:

“لماذا لا تأتي في الأيام الأخرى أيضًا؟”

لكن في الصباح، كانت تستيقظ بنفس الجدار العالي، بنفس الحدة، بنفس الكلمات القاسية التي كانت تلقيها في وجه جين كلما شعرت أنها تقترب أكثر مما يجب.

لأنها إن سمحت لها بالاقتراب، فقد يعني ذلك أنها لم تعد تكرهها حقًا.

وراما لم تكن مستعدة بعد للتخلي عن ذلك الكره، لأنه كان الشيء الوحيد الذي يمنعها من الاعتراف بالحقيقة المخيفة—أنها لم تعد وحدها تمامًا كما كانت تعتقد.

لم يكن هناك حديث صريح عن الأمر، لم يجلسا يومًا ليتفقا على موعد محدد، لم تقل راما لجين “تعالي” ولم تسألها جين إن كان مرحبًا بها.

لكن رغم ذلك، كان هناك نمط خفي يتشكل بينهما.

كانت جين تأتي.

وكانت راما تنتظر.

ليس انتظارًا واعيًا، ليس لهفة صريحة، لكنها في الأيام التي اعتادت أن تراها فيها، كانت تجد نفسها تلتفت إلى الباب أكثر من المعتاد، كانت تنظر إلى عقارب الساعة بنظرة محايدة ظاهريًا، لكنها تحمل قلقًا خفيًا لم تكن مستعدة للاعتراف به حتى لنفسها.

وعندما كانت جين تتأخر… كان هناك شعور غريب يزحف إلى صدر راما، شيء يشبه الضيق، أو ربما شيء أسوأ.

كانت تخبر نفسها بأنها لا تهتم، بأنها ستتابع يومها كما هو، لكن عقلها كان يظل معلقًا باحتمالات لا تريد التفكير فيها—ربما قررت جين التوقف عن المجيء، ربما أدركت أن لا فائدة من هذه الزيارات، ربما… لا، لا يهم.

لكن عندما كانت جين تظهر أخيرًا، بعد تأخير غير مقصود، ربما بسبب ازدحام الطريق أو أي ظرف آخر، كانت راما تجد نفسها تتنفس براحة لم تدرك أنها كانت بحاجة إليها.

لم تسألها عن سبب التأخير، لم تقل إنها لاحظت حتى، رغم ذلك تكون واقفه فى الشرفه تراقب الطريق بقلق ولهفه وعندما تظهر جين عندما تتقابل عيونهم ، كانت تستقبلها بنفس الجفاء المعتاد، بنفس النظرات الباردة، بنفس الكلمات التي تبدو أقرب إلى الطعنات منها إلى الحوار العادي.

لكن جين لم تكن تتراجع.

وراما، رغم كل شيء، لم تتوقف عن فتح الباب لها.

**********

“يجب أن تزوريني.”

قالتها جين  فجأة ذات يوم، وهي تمسح يدها بعد أن انتهت من تحضير كوب الشاي لنفسها.

نظرت إليها راما ببرود. “لماذا قد أفعل ذلك؟”

“لأنني أزورك طوال الوقت.”

“لم أطلب منك ذلك.”

رغم ذلك لابد أن تزورينى فى شقتى همست جين بنبره بارده

راما __لن أفعل ورفعت راما كتفها

__ستفعلين أصرت جين وهى تنهض 

لكن الزيارة حدثت على أي حال.

لم تكن راما تعرف كيف وجدت نفسها تقف أمام باب شقة جين بعد بضعة أيام.

 ربما لأنها لم تستطع التعامل مع الإلحاح الهادئ لجين، أو ربما لأنها شعرت—ولو للحظة—أنها مدينة لها بشيء ما.

كان بدر، زوج جين، هو من فتح الباب.

نظر إليها للحظة بدهشة، وكأنه لم يكن يتوقع أن يرى راما هنا، ثم تنحى جانبًا ودعاها للدخول.

“جين في الداخل، سأخبرها أنكِ هنا.”

لم تتحرك راما على الفور، بل نظرت حولها بفضول خفي الشقة كانت مرتبة بدفء، لا فوضى فيها، لا برود،كانت تحمل شيئًا يشبه شخصية جين—هادئًا، بسيطًا، لكنه يحتوي على تفاصيل كثيرة مخفية.

عندما دخلت جين الغرفة، لم تخفِ مفاجأتها.

“لم أتوقع أن تأتي فعلًا.”

“ولا أنا.” ردت راما بجفاء

جلسا معًا، ولم يكن هناك توتر،بدر راقبهما بصمت، يحدق في راما وكأنه يحاول فهم هذه العلاقة الغريبة التي نمت وسط كل ذلك العداء.

كان يعرف أن زوجته ليست امرأة تنكسر بسهولة، لكنها لم تكن أيضًا من النوع الذي يصر على اقتحام حياة من يرفضها. ومع ذلك، كانت هنا، جالسة مع امرأة أعلنت كرهها لها مرارًا.

لقد كان هناك شيء فى تلك الجلسه يقلقه، ذلك التواطيء الغريب المعقد جعل قلبه يضطرب 

كان يعرف ان راما سبب كل المشاكل التى وقعت فيها جين

وكان متأكد ان زوجته لا تغفر بسهوله

ثم إن تلك النظره الحزينه التى كانت تكسو وجه جين منذ أكثر من أسبوع محيرة أكثر من الأزم

 •تابع الفصل التالي “رواية راما” اضغط على اسم الرواية 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *