رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل السادس والستون
مزيكا هادية الكون فيها انغمر
وصيف و ليل وعقد فل و سمر
ياهل ترى الناس كلهم مبسوطين
وياهل ترى شايفين جمال القمر؟
[صلاح جاهين].
إنها السكينة، لم يشعر بها إلا مرات قليلة، تجافيه حتى ينسى ما هي، والآن ها هو يتعرف عليها من جديد، ويخشى أن تعود للجفاء بعد ثانية، صرحت له ملك بالاقتراب، سلبها منها، فقالت: متبعدش.
ظن أنه ربحها أخيرا، استسلمت له، وترقد الآن بسكينة على ذراعه، شعر بانتظام أنفاسها فتوقع نومها، ولكن أدرك خطأه حين ناداته: عيسى.
طالعها، وحاوطته هي أكثر، كالقطط تماما حين تلتصق بصاحبها، معلنة اشتياقها، ابتسم وهو يمسح على خصلاتها، وفي لحظة واحدة غابت ابتسامته حين سألته برجاء: قولي بقى كنت فين، وليه هدومك كانت متبهدلة كده.
هو مدرك تمامًا أنه إن صارحها في هذه اللحظة بالتحديد، سيكون نصيبه الهجر، كانت مخاوفها كبيرة، تخشى وبشدة أن تكون الدماء هذه نتيجة لقاء له مع شاكر، علمت منذ أيام من نصران أن ابنه علم بأن غريمه يتجول، ناشرًا الفساد، علم بالخدعة حين طلبتها علا وذهبت لها لتجده أمامها، ولكن الغريب أن عيسى لم ينطق بحرف حتى الآن بخصوص هذا، وأمام طول صمته، أتى قولها المتأهب: أنت قابلت شاكر؟
كنت مستنيكي تتكلمي.
كان هذا رده، ولم تفهم هي، فأكمل يسألها بهدوء: ليه يا ملك مقولتليش على اللي حصل يوم ما علا طلبتك وروحتي بيت عمك لقيتيه هناك؟
والعتاب للمرة المائة بعد الألف بدر منها: أقولك علشان تروح تعمل مصيبة، وتسيب حياتك وتتقطعله
نظر لها، وأكملت هي: علشان تقلب العربية بيكم تاني يا عيسى؟
هز رأسه نافيًا، وهو يجاوب على سؤالها بسؤال: ملك، ما تجربي تسأليني كده إيه حصل الليلة دي خلاني عملت كده، مش يمكن ده يطلع أحسن من اللوم، أنتِ لومتي كتير، جربي بقى تسمعيني.
لا، لا متقلبش الترابيزة، وتقول إني محاولتش أسمعك، أنا يومها في المستشفى سألتك، طلبت منك تتكلم، كان ردك إيه؟
كانت نبرتها حادة، وانتفضت تاركة النوم على ذراعه، وهي تكمل بفعلته ليلتها: طلعتني برا يا عيسى، فاكر؟
تنفس بعمق، تذكر كل شيء أملاه طبيبه طارق عليه، ينفذ الآن تعليماته بالحرف، حتى لا يغضب، واستقبل ثورة ملك بتعقل هاتفًا: وكنت غلطان عارف، ومعترف بغلطي، بس أنتِ مكنتيش عايزة تسمعي يا ملك إيه اللي حصل، كل اللي كنتي عايزة تسمعيه، إن كلامهم عن إن عملت الحادثة قصد كدب، وده حقك على فكرة مش بعاتبك، ومقدر إحساسك وقتها، لما أكون قبلها بشوية بطمنك إن حياتنا هتستقر، وبعدها تعرفي إني عملت اللي عملته، فاهم إنك مكنتيش محتاجة تسمعي غير إني مخلفتش وعدي معاكي.
ولم يترك لها فرصتها في الرد، بل أكمل: ده عدى وفات خلاص يا ملك، ولو هنفتحه دلوقتي، بلاش نكرر نفس الغلط، علشان كده قولتلك جربي تسمعي مني إيه حصل ليلتها، وعاتبي بعد كده زي ما أنتِ عايزة هسمعك.
وقررت أن تنتهج منهجه، وبان هذا في قولها: خلاص يا عيسى سيبك من ليلتها، ورد عليا في الليلة دي، إيه اللي حصل يرجعك قميصك عليه دم؟
مسح على وجهه بتعب، قبل أن يطالبها برجاء: ممكن لما اصحى؟ أنا فعلا محتاج أنام.
وأنا محتاجة أسمع.
كان قولها حاسمًا، وأرضى هو رغبتها، في البداية تم قطع الطريق عليه، ثم وجد نفسه مكبل في مكان واحد بجوار شاكر.
بانت اللهفة في عينيها، وهي تسأله: مين عمل كده؟
وجاوبها يخبرها بكل ما لديه: جابر، كان عايز يعرف حاجة شاكر مخبيها، واهو بالمرة يضرب عصفورين بحجر واحد، لما يجيبنا قصاد بعض، ويسيب واحد فينا يخلص على التاني.
تخشى وبشدة ما يقوله الآن، ظهر هذا جليًا في نبرتها وهي تقول: وأنت ليك مشاكل مع جابر ليه؟
ولم يكن في حالة حقًا تسمح له بأن يقص أي شيء، رأت هذا على وجهه، وأتى صوتها حزين هذه المرة: خلاص لما تصحى نتكلم، بس الدم ده خناقة مع شاكر صح؟
تنهد بهدوء قبل أن يغمض عينيه، يسعى وبشدة لإبعاد تفكيره عن كل ما سينغص عليه ليلته، بدأ في الحديث يخبرها بما لم تطلب سماعه: الدكتور بتاعي قالي شاكر بيحفز أسوء نقطة عندي، أنا ببقى عايزه طول الوقت مضايق، وطول الوقت متكدر، طول الوقت يحس إنه عايش في كابوس، وكل ما يحسها بتتعدل خلاص يلاقيها بتتهد على دماغه، أنا حتى استخسرت فيه الموت، لمجرد رفض فكرة إنه لما هيموت هيرتاح، وحتى المرة اللي حاولت اخلص منه فيها واقلب العربية، مفكرتش في نفسي لحظة، كان كل همي إني أفضل شايف الخوف في عينه لآخر لحظة في حياتي، طالما حياتنا احنا الاتنين هتنتهي سوا، أنا مش هعيش وأفضل عايش بإحساس إنه راح وخلصت كده.
يتمدد هكذا باسترخاء، ويفصح عن كل ما في جعبته، وتسمعه هي، لا تقاطع، فقط تطالع وجهه، تقاسيمه، انفعالاته، كل شيء، واسترسل هو بحزن يطارده بلا هوادة: أنا فريد كان روحي يا ملك، أخر حاجة باقيالي من أمي، سيبته يتربى في حضن سهام علشان ميحسش باللي حسيت بيه، ومتسألينيش إيه اللي حسيت بيه، ولا تسأليني ليه علاقتي بسهام كده.
أخذ نفس عميق قبل أن يلقي على مسامعها: أنا معرفتش أفضل في حضن أبويا، معرفتش أقول لفريد إني بحبه، ومعرفتش أحس إني استاهل إن ميرفت تختارني مرة واحدة بس بدل كارم جوزها، وكنت بصبر نفسي بإنه كفاية إنهم عايشين، كفاية إني بقدر أشوفهم، بس لما فريد راح، أنا روحت، شاكر خد روحي وسابني حي، سابني بتوجع كل يوم، وكل لحظة، لما اتجوزنا افتكرت إني خدت روحه، بس لا، فجأة طلعتي برا الحسابات كلها.
عند هذه النقطة بالتحديد فتح عينيه، وجدها تطالعه وكأنها تدرس تفاصيله، وصرح هو بنبرة أسرتها: طلعتي برا الحسابات كلها، علشان أنا لقيتني فيكي يا ملك، أنا متأكد إن فريد هيسامحني علشان كملنا سوا، هو يقدر يسامح أخوه اللي مبيعرفش يسامح نفسه.
دموع صامتة، ترى معاناته بعينيها، ويستشعر فؤاده معاناتها، تحبه، ويهيم بها، ولكنها استنزفت، كل شيء يُفنيها، وصرحت بهذا قائلة: أنا تعبت، وخايفة اخد قرار أرجع أندم عليه، خايفة توعدني وتعشمني بحياة هادية، وتفوقني بعدها على كابوس، قولي أنت أعمل إيه؟ لو فعلا بتحبني قولي أعمل إيه.
تنهد وهو يمسح على خصلاتها، وبابتسامة هادئة قال: اللي يريحك يا ملك، وأنا هتقبله.
حتى لو كان اللي هيريحني البعد؟
وكان سؤالها يؤلمها قبله، وكان جوابه حزينًا بقدره: هحاول لو ده اللي هيريحك، مع إنك شوفتي بعينك إني حاولت مع البعد، ومعرفتش، كنت كل ليلة بتمنى لو أشوفك بس، ومبشوفكيش، بقت أكبر أمنية البصة في عينك يا ملك، ومبتتحققش، أنا مش هقدر أطلب من أي حد تاني أي حاجة، أنا بحاول أكون كويس، علشان كده اعملي اللي يريحك.
وجاوبته مستخدمة نفس طريقته المراوغة: اللي يريحني اني أنام دلوقتي.
ابتسم على الجواب وعلق: مش سهلة أنتِ.
اتعلمت منك.
جاوبته وهي تغمض عينيها، لتتيح لنفسها وله فرصة للاسترخاء، لمحاولة الهرب إلى النوم حيث لا تفكير ولكنه وبكل أسف أشق الأمور.
يسعى صديقه وبشدة ألا يتأثر العمل بغيابه، ولكنه حقا يحتاجه، طالع بشير من أمام النافذة الزجاجية اسم عيسى المدون على الحائط في الأسفل، ولم ينتبه إلا على دخول باسم إلى المعرض فنطق بسخط: هو الواحد ناقص على الصبح.
لم ينتظر باسم، توجه إليه حيث مكتبه، وما إن دخل حتى جلس بأريحية على الأريكة قائلا: أخبارك إيه يا بشير
رد باختصار يوحي بعدم ترحيبه: كويس.
صاحبك فين كده؟ هو زهد الشغلانة خلاص ولا إيه، وأنت كمان بقالي شوية أجي وألاقيك روحت بدري، لو مستغنيين أنا ممكن اشتري.
ضحك بشير ساخرًا قبل أن يعلق: احنا حتى لو استغنينا يا باسم مش هنبيعلك برضو.
وأمام تعليقه هذا ألقى باسم على مسامعه قول: ليه بس، هو انتوا تلاقوا أحسن مني، وبعدين دي فرصة، أنت مش شايف سوقكم نايم اليومين دول ازاي.
صحح له بشير وقد تضاعف ضجره: ده علشان مش فايقين بس، يعني بمزاجنا، الدور والباقي بقى على اللي سوقه بينام لما احنا بنفوق، دي مشكلة كبيرة على فكرة لازم تشوفلك حل فيها.
هز باسم رأسه بابتسامة ثم رد: وماله، هنشوف حل.
استقام واقفًا، وقد قرر الرحيل، ولكن ليس قبل أن يبلغ بما لديه، وبان غرضه في قول: ابقى بلغ صاحبك بما إنه مبيردش، إنه يقطع علاقته بقسمت خالص، لا سلام ولا كلام، ولو حاولت تقابله أو تكلمه ميردش.
وبتهكم وصله رد الواقف أمامه: وده من امتى ده؟
من دلوقتي.
هكذا قال باسم قبل أن يتابع: الحاجة التانية اللي عايزكم فيها بقى هبقى أقولها لما أشوف جمعكم الحلو.
ورغم فضول بشير، بدا على وجهه راحته برحيله وقال: تشوفه على خير ان شاء الله، نورت.
وبمجرد خروجه من أمامه، لم ينتظر ثانية واحدة، هاتف صديقه، وحين أتاه الرد، نطق: أنا عايز أشوفك يا عيسى
هنزل القاهرة الأسبوع الجاي.
ولم يتقبل بشير الرد هذا بل هتف بإصرار: لا معلش مش هينفع الأسبوع الجاي، تعالى لو تعرف النهاردة بالكتير بكرا.
فسأله بقلق: هي ميرت كويسة؟
وطمأنه بجواب: اه كويسة، أنا اللي مش كويس، ومحتاج أشوفك، ومحتاج كمان افصل من الشغل شوية.
وافق عيسى وخاصة حين وصله أن صديقه ليس بخير، شاب صداقتهما جفاء نتج عن شجارهما الأخير يوم عرف بزواجه من علا، ولكنه في النهاية يبقى صديقه الوحيد، وشريك عمله الذي بدأ خطواته معه.
قرر بشير الذهاب إلى المنزل، يحتاج إلى الراحة حقا، وأدرك أن الحل ليس في هربه، ولكنه لا يدري أين الحل، كلمات صديقه لا تتركه، بأنها مثل عائلتها، لا تختلف عنهم شيء، يذكر له كم مرة خانت وغدرت، ويدافع هو بأنها كانت تحت سيطرة أخيها، ورغم دفاعه يريدها بين ليلة وضحاها تسب وتلعن في شقيقها، ذلك الذي لا طالما تمسكت به، تتحرك مشاعره نحوها، وتفر منها حين تعلن صراحة أن شاكر شقيقها وسيظل، لا تستطيع الوقوف صامتة أمام من يقرر المساس به، ولا تستطيع بغضه.
حين وصل كانت في غرفتها، خرجت على صوت الباب، ولاحظت صمته، فبدأت علا الحديث سائلة: جاي بدري يعني
فرك عنقه بتعب وهو يجاوبها أثناء جلوسه على الأريكة: خلصت عادي، وكمان عايز أنام أوي.
تنفست بعمق، وهي تستشعر الجفاء في نبرته، وحاولت ألا تنجرف وراء هذا، وهي تقول بود: أنا لسه متغدتش، تحب تتغدى معايا قبل ما تنام؟
طالعها بصمت، أدرك أن رفضه سيصيبها بخيبة أمل كبيرة، لذلك قرر ألا يفعلها، هز رأسه موافقًا بابتسامة، فابتسمت هي الاخرى وتحمست كثيرا، وبان هذا في قولها: هروح أحضر الأكل.
سعدت بموافقته أكثر من أي شيء اخر، ابتسامته التي أبدت قبوله لمشاركتها الطعام، وقفت داخل المطبخ تضع ما أعدت في الأطباق وانتبهت لدخوله المطبخ، وعرضه المهذب: تحبي أساعدك؟
فرفضت وهي تخبره: لا أنا مخلصة أصلا، يادوب هحط الأكل بس.
هز رأسه موافقًا، وقبل أن يتحرك من مكانه استوقفته بسؤال: بشير أنت قولتلي الصبح قبل ما تخرج إن ماما كويسة، هو أنت لقيتها طيب، أنت مشيت علطول ومردتش حتى على اسئلتي، أنا عايزة اطمن عليها
وانا طمنتك يا علا، هحاول اخليكي تكلميها، مش أنا اللي لقيتها، ومعنديش حاجة حقيقي أقولها غير إنها كويسة
ثم ختم بجملته الساخرة: وجدا كمان.
أزعجتها نبرته في جملته الأخيرة، مما جعلها تسأله: هو أنت متضايق إنها كويسة ولا إيه يا بشير؟ مالك بتقولها كده
وبانزعاج مماثل رد: أنا لا قولت ولا عيدت، أنا قولتلك انها كويسة وخلصنا.
بدا ضيقها وهي تُحدِث الضوضاء بالأطباق، فقرر الخروج من هنا وهو يقول: أنا خارج طالما مليش لزمة هنا.
بالفعل خرج وتركها، بقت بمفردها تحضر باقي الطعام، وقد فسد مزاجها، لم يمض الكثير حتى أخرجت الأطباق، وضعتها على الطاولة، ولم تجده فنادته، حضر من غرفته بعد أن بدل ملابسه، وانضم لها، يتناولا الطعام في صمت تام، قرر أن يقطعه متناسيا ما حدث قبل قليل: أكلك حلو على فكرة.
انتبهت له، وبانت الابتسامة على وجهها وهي تسأله: بجد؟
هز رأسه مؤكدًا فشكرته بحرارة، ثم قررت أن تشترك في الحوار هي الاخرى بسؤال: هو أنت مبتاخدش أجازة خالص من الشغل؟
ساعات بفصل عادي، الفترة دي الشغل أكتر بس ومضغوطة، فمبعرفش اخد وقت ليا.
فهمت جوابه، وترددت كثيرًا قبل هذا السؤال، ولكنه مازال يؤرقها رغم إنكاره لذلك في وقت سابق، رأى ترددها فحثها: قولي اللي عايزاه.
صارحته بما لديها، تسأله بحذر: هو أنت متضايق مني؟ اقصد وجودي تقيل يعني؟
طالعها بهدوء، ثم ربت على كفها يطمأنها: أنا مبسوط بوجودك واني مطمن عليكي هنا.
واطمأنت حقا بهذا الجواب، ولكنها تركت الطاولة، توجهت تحت نظراته المتحيرة إلى غرفتها، أحضرت شيء منها، وعادت له، توترت كثيرا ثم في الأخير نطقت: أنا جبت دي علشانك.
زجاجة عطره التي انتهت منذ يومين، ابتسم حين فتح الحقيبة ووجد بها قنينة جديدة تحمل عطره المفضل، وأكملت هي توضح بتوتر: أنا عارفة إنك بتحب النوع ده، وكنت برتب أوضتك وشوفت إنها خلصت، فطلبت واحدة تانية علشانك.
وقبل أن يعترض، هتفت: أنا مكنتش محتاجة الفلوس اللي أنت سيبتهالي، أنت جايب كل حاجة، مفيش حاجة ناقصة، علشان كده حبيت اجيبهالك يعني، حسيت اني عايزة اعمل ده.
ضحك ثم طالعها وقال بامتنان: شكرا يا علا، أنا فعلا كنت عايز اجيب واحدة، بس مكنتش فاضي، وعموما أنا اتبسطت يعني، مش علشان ال perfume، علشان هي منك بس.
لم تعلم ماذا تقول، كل ما تعلمه أن فؤادها يرقص طربًا لكلماته، لم تأكل بعد هذا، لم تستطع من فرط سعادتها، وانتهى هو وعاد يثني على صنيعها للمرة العاشرة تقريبًا، أعادت الأطباق إلى المطبخ، وخرجت لتجده لم يدخل لغرفته كعادته، جلست على الأريكة، وسألته: مش هتدخل ترتاح؟ أنت قولت إنك راجع علشان عايز تنام.
أخبرها بما جعل ابتسامتها تزين ثغرها: لا خلاص، النوم طار، وكمان حابب اقعد معاكي شوية.
اعملك شاي؟
سألته بارتباك، فحثها على البقاء بقوله: هو أنتِ مبتقعديش يا بنتي، اقعدي مش عايز حاجة.
بقت مكانها، كانت صامتة، لا تدري ماذا تقول، وبادر هو هذه المرة، ونبهها: على فكرة يا علا
طالعته باهتمام، تنتظر أن يكمل ما بدأه وفعل هو حين استرسل: أنا مشاعري من ناحيتك متغيرتش زي ما أنتِ قولتي، أنا لسه زي ما أنا، وكان نفسي نتقابل في ظروف ووقت أحسن من كده علشان أقدر أعبرلك عن ده بشكل أوضح.
يعني أنت بتحبني؟
هكذا سألته صراحة، لا تريد خطابة، تريد كلمة واحدة فقط، رأتها في عينه كثيرا، ولكن منذ أن خطت بيته، لم تشعر بها، خشت أن تكون تبخرت، ولكن الذي تبخر في هذه الدقيقة هي مخاوفها، حين طالعها بنظرة أسرتها وصرح: بحبك، ومستعد أكمل معاكي بعيد عن كل حاجة.
ابتسمت بتأثر ولم تشعر بنفسها إلا وهي تحتضنه، تستطيع سماع دقات فؤاده الآن، تحتاجه وبشدة، وكذلك هو، رأى عبراتها، فمسح على خصلاتها القصيرة، وطلبت منه برجاء أن يطمئنها: اوعى تسيبني، مهما حصل اوعى تسيبني.
تناول كفها يقبل باطنه، وهو يعدها بما أرادت: مش هسيبك
حتى لو عيسى قالك تسيبني؟
كان هذا أكبر مخاوفها، أزعجه سؤالها وبشدة، ولكن الجواب كان فيه راحتها حين قال: أنا لما اختارت نكون سوا، عيسى مكانش موافق، فأظن ده كفاية إنك تعرفي إن قراري بتاعي أنا.
هزت رأسها مؤكدة أنها تعلم هذا ثم صححت ما وصله: عارفة ده، بس عارفة برضو إنك مش هتخسر عيسى مهما حصل، لو خيرك هتسيبني؟
مسح على عنقه بتعب، ونفى عن صديقه التهمة هذه برده: عيسى مش هيخيرني يا علا، اللي بيني وبين عيسى أكبر كتير من إنه يخيرني، هيفضل صاحبي حتى لو هو مش راضي عن إنك بقيتي مراتي.
اطمأنت بعد وعده، وزادت الطمأنينة بعدما صرحت بما لديها، ورد هو، ونجح بالفعل في احتواء خوفها، لم تعرف كيف تشكره، لا تجد الطريقة المناسبة لتمتن له بها على أن وجودها جانبه يمحي شعورها بالضياع، وبتلقائية شديدة تحدثت: أنت عارف، كل ما كنت اتخيل إني في الأخر هتجوز محسن كنت اتقفل من الجواز والحياة كلها، وأحس إنهم هيعدموني، وحتى لما كنت أحاول أقنع نفسي إنه كويس، كنت أقول يبقى كويس بس بعيد عني، أنا مكنتش بقبله خالص، فجأة كده بين يوم وليلة عايزني اتجوزه، خلوني كرهت الصنف كله.
ثم طالعته لتجده مهتم بما تتحدث فاسترسلت: على عكس لما شوفتك وعرفتك، حسيت إني مبسوطة ومتطمنة، وكنت طايرة وأنا حاسة إنك مهتم بيا، فرحتي مكانتش سايعاني يوم ما قولتلي اختاريني وكملي معايا وابعدي الكل، حتى لو رفضت يومها بس كنت مبسوطة أوي، أنت ظهرت في حياتي في وقت كانت متلغبطة فيه، وعدلت حاجات كتير بايظة، وكنت جدع معايا، أنا حتى مش عارفة أشكرك ازاي، مفيش كلمة واحدة توفيك أقسم بالله، أنا كان أقصى طموح أمي إنها تجوزني لمحسن، متأكدة إنها لو اتعاملت معاك هيحصلها صدمة حضارية من الفرق.
سعد كثيرا بكل ما قالت، أسرته بكلماتها، و ضحك بشدة على جملتها الأخيرة، ضحك حتى سعل، فقالت: أنت بتضحك، طب والله ده بجد، بس مش مهم اضحك، ضحكتك حلوه.
وأنتِ متبطليش كلام، علشان كلامك حلو.
هكذا قال لها، وعيناه لا تفارقها، يراقب بحماس كل ما تفعل، وتقول، بعد طلبه هذا أخذت تثرثر بكل ما هو هام وغير هام عنها، حتى غلبها التعب، لينتهى الأمر بنومه، ورأسها على كتفه تنام أيضا، ولا يعم الأجواء في هذه اللحظة سوى شعور واحد فقط، ألا وهو السكينة.
في غرفته، يجني ثمار زرعته، جلس منصور شاردًا، يطالع كل ما حوله بنظرة خاوية، وأخيرًا دخل عليه ابنه محبسه هذا، لم يره منذ فترة ليست بالقصيرة أو هكذا ظن، وبان هذا في سؤاله: بقالك كتير غايب ليه يا جابر؟
ثم سريعا ما وجه شكواه وكأنه تذكر للتو: البت مراتك حبساني هنا، بس أنا مش هسكت، طلقها، أنا عايز مصلحتك وبقولك طلقها.
كان في حالة من التيه التام، يأتي بكلمة من هنا، واخرى من هناك، لوهلة أشفق عليه المتسبب في حالته، أشفق وتمنى لو يشفق هو أيضًا، وبان هذا في سؤاله: أبويا مين؟
انكمش حاجبي منصور باستغراب وبان هذا في قوله: أنت اتجننت ولا إيه، ما أنا أبوك أهو.
لا أنت مش أبويا، أنت اللي عامل فيها أبويا، وأنا مش فارق معايا على فكرة أعرف مين أبويا الحقيقي، أنا كل اللي يهمني اني اخد اللي وراك واللي قدامك، وده هيحصل، لكن أنا بسأل فضول مش أكتر.
طالعه منصور بإنكار لكل حرف يقوله، لا يصدق أن من يجلس أمامه الآن ابنه جابر، ظن أن سلطته مازالت حاضرة، فهتف: أنا لو قومت مش هخلي فيك حتة سليمة.
وعلق جابر ساخرا: أنت أصلا اللي مبقاش فيك حاجة سليمة، أنت خرفت خلاص، وأنا اللي هجيب أجلك، أصل أنا شايل ومعبي منك كتير أوي.
لماذا، كان هذا السؤال المسيطر على منصور، بان ضعفه وبشدة في قوله: ليه يا بني عملتلك إيه؟
وبانفعال تام، أتاه الرد، وابنه ينظر في عينيه: عملتلي إيه؟ قول معملتليش إيه، أنت عمرك ما عاملتني على إني أنا، استحملت وشيلت كتير علشان أنت أبويا، بس لما تطلع مش هو يبقى أحاسبك بقى، تتحاسب على كل مرة قليت مني فيها، كل مرة حسستني فيها إني مش كفاية، كل مرة أعمل وابقى تحت رجليك وميعجبكش، أنا ليا عندك حاجات كتير أوي.
دافع منصور عن نفسه ضد ما يقال، تبرأ من الذنب بقول: وأنا مليش حاجة عندك؟ أنت بتحاسبني على تربيتي ليك؟ مليش عندك إني عملتك ابني وخليتك في خيري وقت ما اللي أنت من صلبه رماك!
وأكمل يريه سيناريو حياته القاتم إن لم يكن به: أنا لولايا كان زمانك بتتربى في الشارع، وبدل العيشة اللي مش عاجباك دي وبتحاسبني عليها كان الرايح والجاي هيدوس عليك.
صرح بوجع حقيقي، ونبرة حملت من الألم الكثير: الرايح والجاي يدوس عليا أحسن ما أنت تدوس عليا، أحسن ما ابقى مفكر إن أبويا هو اللي بيدوس عليا.
شرد منصور ولم يعد يعي ما يقال، وحاول تنبيهه قائلا بإصرار: انا عرفت إن أبويا واحد من قرايبك، عرفني هو مين، ومسألش فيا ليه؟
ما من جواب، فقط الجالس أمامه ينظر إلى نقطة في الفراغ بلا تعليق، انتفض ليبقى أمام عينيه وهو يلح: رد عليا.
وأتاه الرد مفاجأة حين قال منصور بتيه: أنت جيت امتى يا جابر؟ كده كل ده غايب عن أبوك؟
أشفق عليه، رغم كل شيء يشفق عليه الآن، حتى مع عدم حصوله على الجواب منه تحديدا، كان يريد سماع الجواب نفسه الذي سمعه من كوثر حتى يطمئن، ولكن من أمامه الآن أضعف من أن يطمئن أحد، حالته مزرية والسبب هو، ابتلع غصة مريرة في حلقه قبل أن يرد: مش هغيب عنك تاني.
قالها وغادر الغرفة، ولم يستطع البقاء أكثر حتى وهو يستمع للنداء الذي بان لهفة قائله فيه، ما إن خرج وجد رزان في وجهه فقال: وقفي أي حاجة كنت قايلك تديهاله.
رأته وهو يهاتف الطبيب الخاص به وبستدعيه إلى هنا، فسألته بريبة: أنت بتعمل إيه؟ منصور لو فاق أنت مش هتطول حاجة بعد اللي عملته فيه، هيرفع عليك قضايا وهيهد الدنيا، و.
قاطعها ولم تجسر على الاعتراض: ملكيش دعوة بحاجة، أنا حر اتصرف على كيفي، ومش هسألك أنتِ معايا علشاني ولا علشان اللي هطوله علشان الاجابة واضحة.
بدليل إني قولتلك تعالى نبعد وسيب كل حاجة، أنا خايفة عليك افهم، خايفة عليك منه.
وأمام هذا سمعته يقول: وأنا مش خايف على نفسي منه يا رزان.
فصمتت ولا يسيطر عليها سوى شعور واحد، يلتهمها الخوف، الخوف من نهاية ما تعيشه، وخاصة إن تحقق ما سعت لمنعه وكانت نهاية تعيسة وبشدة.
الشكوى والتدابير الغير متوقعة مرافق دائم لكوثر، هذا ما حدث هذه المرة أيضا، تجلس الآن برفقة بيريهان التي استضافتها في منزل عمها، ورحبت بها بحرارة قائلة: أنا مصدقتش إن حضرتك كلمتيني يا طنط، متعرفيش أنا كنت قلقانة علشانك ازاي، من ساعة ما علا قالت إنها مش لقياكي، هو حضرتك كنتي فين؟
برعت كوثر في رسم الأسى على وجهها، وهي تقول: مش مهم أي حاجة دلوقتي، المهم شاكر.
إذا ظهر لوالدته، هذا ما خمنته بيريهان قبل أت تكمل كوثر: شاكر بيحبك يا بنتي، وأنا عايزاكي تقفي جنبه، ولاد الحرام مش سايبينه في حاله، وبالذات ابن نصران.
وتبدل حالها لحال يرثى له، تبكي بانهيار وهي تسرد على الجالسة أمامها بقهر: اللي منه لله عيسى راح عمل مشاكل مع جابر طليق بنت عمك، معرفش بينهم مشاكل ولا متفقين، وجر رجل ابني، إذا كان جر رجلي أنا الست الكبيرة اللي قد أمه، وبقيت مانعة شاكر عنه بالعافية، ويومها كان هيموت.
الحديث مبهم، به نقص كبير، ولكن الأهم أن ما تريد إيصاله وصل، ابنها في خطر والتهديد يأتي من عيسى، المطلوب إيصال صورة المسالم لزوجة ابنها، وأن لعبة القط والفأر يبدأها عيسى، وأكملت نسج خيوطها بحنكة: أنا مش طالبة منك أكتر من إنك تبعديهم عن ابني، لحد ما يظبط أموره ويشوف هيعمل إيه، علشان خاطري يا بنتي، أنا جيالك من وراه، علشان عارفة محدش هيساعدني غيرك.
قومي يا طنط معايا.
هكذا طالبتها بيريهان، وتابعت: وفي الطريق بقى تحكيلي إيه حصل بالظبط.
واختارت أن يكون طريقها في الوصول إليه باسم، ذلك الذي لا تستبعد كونه زوج ابنة عمها المستقبلي، هاتفته ورد باستغراب لهذه المكالمة فاعتذرت: معلش يا باسم لو أزعجتك، بس متعرفش عيسى فين؟
هو في القاهرة ولا في اسكندرية؟
لا على اخر حاجة اعرفها إنه في اسكندرية، خير في حاجة؟
أرادت اليقين، فطلبت منه التأكد من المعلومة، وهي تقول: طب معلش ممكن تتأكدلي بس، علشان في حاجة تبعه.
انتظرته دقائق، حتى وصلها معلومة أكيد بتواجده في الاسكندرية، وفر هذا عليها الكثير من الوقت، وعناء الذهاب للقاهرة من جديد، تحركت إلى حيث منزله، وعند المدخل استوقفها رجال نصران، هاتفوه، وأتى الرد منه أولا: عايزة إيه يا بنتي؟
عايزة عيسى يا عمو، وأنا عارفة إنه عندك، قوله ميبقاش جبان ويجيلي.
ورد عليها بحدة مماثلة لخاصتها: لا هو مش عندي، ابني مع مراته، وهو مش جبان، الجبان هو اللي عامل فيها ميت، وباعت أمه معاكي، خلينا على المكشوف أحسن يا بنت على الناس.
لم ترد الانخراط في أي جدال مع غير الذي أتت من أجله، لذلك قررت طلبها: سيبهم يدخلوني، وأنا مش عايزاه في أكتر من كلمتين وهمشي، ولو مش عايز تدخلني، أنا في بيت عمو مهدي والد شاكر يجيلي على هناك.
قصدك بيت ابني.
هكذا صحح لها، ونفت هي ضاحكة: وبيت شاكر برضو يا عمو، حتى لو حضرتك وعيسى والبرنسيس ملك مش عايزين.
لم تطل المكالمة أكثر، قرر نصران أن ينهيها بقول: تعالي على عندي علشان الكلمتين اللي جاية تقوليهم، مع إني عارف إن أي كلام من ناحية اللي أنتِ جاية علشانه كلام فاضي.
نالت ما رغبت، سمح لها بالدخول، تخطت المدخل، وأكملت الطريق نحو منزل نصران وخطر على ذهنها قوله: عيسى مع مراته مش عندي.
ألقت نظرة على محل والدة ملك فوجدته مغلق، قررت التيقن من عدم وجوده هنا قبل أن تكمل طريقها، اصطحبت كوثر وصعدت إلى حيث منزل هادية، دقت الباب، في نفس التوقيت الذي كان يستعد هو فيه للنزول، ويحاول للمرة التي سأم من عدها مع هذه النائمة: يا ملك فوقي بقى.
لم تكن تسمع أي صوت، غطت في سبات عميق، وسمع هو صوت الباب، فمسح على عنقه بقلق، وهو يتوجه إلى الخارج، كانت قد أعد ما سيقوله لوالدتها، ولكنه قبل أن يفتح الباب أدرك أنها ليست هي، سمع صوت يعرفه جيدا، وفتح الباب، ليجد أمامه بيريهان جوار كوثر، انتظرت بيريهان ما سينطق به، وكان ترحيبه عبارة عن أن مط شفتيه وهو يقول بضجر: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
فعلقت بيريهان بسخرية: لا والله!، وأنت بتستعيذ من الشيطان زينا بقى كده عادي.
ولم يرد على هذا بل أشار لها ينبهها ببرود وهو يلقي بنظراته المستخفة على كل منهما: الصوت علشان ملك نايمة.
حين قال اسمها، اتسعت ضحكة بيريهان الساخرة، قبل أن تواجهه بغضب: هو أنت مالك ومال شاكر يا عيسى، راجع تلف وتدور تاني ليه؟ مش كنا فضيناها خلاص، ولا هو أنت وهي رجعتوا لبعض بقى، ورجعت تاني لجو يلا بسرعة خلص على شاكر الشرير اللي هيعمل وي…
قاطعها سائلا بانبهار مصطنع: المرحوم!، قولي كلام غير ده يا شيخة، وأنا مالي وماله ده أنا حتى بقالي فترة مبروحش الترب.
متستعبطش، أنت عارف كويس إن شاكر موجود، أنت نفسك كنت لسه معاه، وضاربه بالسكينة، انكر كده إن ده حصل.
مسح على وجهه أثناء ضحكه، قبل أن يلقي على مسامعها: نفسي تبطلي تتعاملي مع شاكر على إنه الشجرة المثمرة اللي الناس كلها كرهاها يا عيني، وبيحدفوها بالطوب، ما تجربي تتعاملي معاه على إنه أي حاجة تانية عادي، والناس بتحدفه بالطوب كنوع من أنواع الملل مثلا، ده لو في حد أصلا مهتم يحدفه، ومش هو اللي عيل وحدفهم الأول، حاولي تقللي توقعاتك شوية، أو حتى تفكري فيه زي ما بيفكر فيكي، أنتِ بالنسبة ليه مش أكتر من كوبري.
ابني شبهك على فكرة، زيك بالظبط، لو هو كده يبقى أنت كمان كده.
وجهت كوثر حديثها له ردا على ما نعت ابنها به، ولم تكتف، أرادت أن تبثه كامل ما يحرقها كل ليلة، رغبت في الدفاع باستماتة للدقيقة الأخيرة.
وأمام دفاعها عن ولدها، كان صامت، فقط يراقب، وعينه على الطاولة، والمقعد المجاور لها خلف المتحدثة، تناوشه أفكار عدة، أهمها أن يخرب كل شيء، أن تعم الفوضى.
ودعمت بيريهان قول والدة طليقها، تخبر عيسى بمقت طغى على نبرتها فأجبره على النظر لها: لو هنمشي بمنطقك، وهنقول إنه هو اتجوزني علشان أكون كوبري لمصلحته، فأنت برضو اتجوزتها لنفس السبب، اتجوزتها علشان مصلحتك، تقدر تنكر ده يا عيسى.
انتفضت، تصيح بانفعال وهي تواجهه بكل ذرة قوة تمتلكها في هذه اللحظة: تنكر إنه شبهك، بس عارف هو أحسن منك، هو كان بيحاول علشاني، وأنت اللي مش سايبه في حاله يا عيسى، هتقول إني مغفلة وهو بيكذب، هقولك ماشي، كذب في كل حاجة، إلا حاجة واحدة بس، إنه هو بيحبني.
اقتربت منه، تشير عليه بسبابتها وهي تؤكد: لكن أنت عمرك ما حبيت، أنت بس عايز تفضل جوا السباق، لو السباق ده خلص أنت هتموت، فأنت مش عايزه يخلص، تفضل تدخل وتسابق شاكر وتطلع كسبان، وتعيد الكرة، المهم تطلع كسبان، وتبوظ حياتنا احنا
ابتسمت ساخرة وهي تلقي على مسامعه: وحياتك أنت كمان على فكرة، لو كنت حبيتها، كنت هتشوف أي طريقة علشان تستقر معاها، بس أنت بتحب نفسك، بتحب الإحساس بالنصر لما تغامر وتكسب.
وقولها الأخير أرادت أن تنتصر به لطليقها فنطقت: فحتى لو أنتوا شبه بعض زي ما طنط قالت، شاكر برضو أحسن منك، هو أحسن منك مية مره يا عيسى علشان كده أنت كارهه بعيد بقى عن أي أسباب تانية عندك، تقدر تنكر إنه بيحاول علشاني، وأنت بتحاول علشان نفسك وبس؟ رد عليا ده لو عندك رد أصلا.
انتظرت جوابه على أحر من الجمر، تأهبت للمواجهة، تمنت لو تصادما، واشتعل شجارهما، لتفرغ كل ما لديها، ونجحت بالفعل في إخراجه عن طور تعقله، نجحت في استفزازه، ولكنه اختص جملة واحدة فقط من مرافعتها العريضة بالتعليق، أراد أن يعلق على هذه الجزئية وبشدة، وكان تعليقه جملة حملت كل ما هو نابي، نطقها غير مباليًا بأي شيء، حتى بابنة الطبقة الأرستقراطية الواقفة أمامه والتي بالتأكيد لم تسمع مثل هذا من قبل، وكانت جملته: ××× انتوا هتكدبوا الكدبة وتصدقوها، شبهي مين ده ×××××.
كانت ذاهلة من أثر ما تلفظ به، تطالعه بغير تصديق، وتنطق: أنت ازاي قولت كده!
لو مش عايزة تسمعي أكتر من كده، خديها وعلى برا يلا.
وقبل أن تنتطق كوثر استوقفتها بيريهان: استني يا طنط متطلبيش منه حاجة، هو هيسمع اللي أنا هقوله ده ويفكر فيه كويس أوي، المرة دي يا عيسى أنا شاهدة إن أنت اللي ابتديت بالشر، وسكينتك تشهد و.
ثانية واحدة.
هكذا قاطعها قبل أن تكمل ما تريد، ظنت أن لديه ما يقال، وفجأها وهو ينطق بابتسامة صفراء: اسمها مطوة.
لديه خطة بالتأكيد لينهي على المتبقي من عقلها، هذا ما توصلت له، وبان في انفعالها وهي تحذره: اسمع، لو خايف على نفسك، فضها سيرة، لو عرفت إنك حاولت مجرد محاولة تقرب من شاكر تاني، أنا اللي هقفلك، أقسم بالله أخليك تكمل اللي فاضلك في السجن، و محدش يعرف عنك حاجة تاني.
أيدت كوثر هذا ودعمته، واستهزء هو كعادته في مثل هذه الجلسات: السجن ده هيشرف فيه المرحوم، لما يتعرف إنه حي يرزق.
لو تعرف تثبت اثبت.
هكذا تحدته بيريهان وتأفف هو بملل، قبل أن يشير بعينيه على البوابة من جديد، ويقول: روحوا.
قررت بالفعل المغادرة، تحركت هي وكوثر، وعند البوابة نطقت بقولها الأخير: اقصر الشر يا عيسى، ودي اخر مرة هتكلم معاك فيها، يإما ارجع مكان ما كنت، الكل كان مستريح، علشان المشكلة عندك أنت مش عند أي حد تاني.
انتهت وساعدت كوثر على السير وهي تقول: يلا يا طنط.
وكان بارعًا هو في تقليد نبرتها وهو يكرر: سلام يا طنط.
ألقت عليه نظرة غاضبة قبل أن ترحل تماما من أمامه وفي رأسها شيء واحد فقط تتمناه، وهو ألا يعاقب القانون ولو مرة واحدة على قتل أمثاله.
برفقة طاهر في سيارته كانت شهد تتابع الطريق بصمت، و مريم في الخلف تلعب مع الصغير، تتجنبه شهد من بعد شجارهما الأخير، ولكن نجح في استخدام ابنه ووالدتها التي استقبلها نصران في منزله ليلة أمس لترضى بالخروج معه، وأحضرت هي شقيقتها، لتفسد نجاحه، ولكنها رغم كل شيء مشفقة عليه، تلاحظ أنه مهموم، خاصة منذ تحدث مع والده قبل خروجهم فسألته محاولة ادعاء الجفاء في نبرتها: أنت كويس؟
ابتسم، حانية رغم كل شيء، استدار يطالعها وهو يهز رأسه نافيا، فأصابها الضيق لأجله، بادرت وربتت على كتفه هامسة: تحب نبقى لوحدنا؟
تناست غضبها منه، رغبت وبشدة في معرفة ما أصابه، ظنت أنه يرفض الحديث لتواجد شقيقتها، فغمزت لها، فهمت مريم الاشارة وهمست لنفسها بغيظ: الله يسامحك يا شهد، قولت مجيش، هتقعد بقى تغمزلي وتشاورلي، وأنا مبفهمش أصلا الكلام الواضح علشان أفهم الإشارات دي.
وتذكرت ثم تابعت محدثة نفسها: أيوه افتكرت، قالتلي لما اغمزلك يبقى معناها تقولي إن طاهر غلطان، وتدخلي، ولما تشاور بإيديها يبقى اسيبهم شوية.
وفجأة وبلا أي سبب نطقت مريم: على فكرة بقى يا طاهر أنت غلطان، و شهد بقالها فترة حالتها…
أوقفتها شهد بنظرة تحذيرية، خاصة حين تطلع طاهر لهما باستغراب، وهمست شهد: العكس يا غبية.
أدركت مريم فداحة الخطأ، وتحدثت بانزعاج: أنا اتلغبطت، نسيت إن الغمزة يعني اسيبكم، وبعدين كان لازم اتلغبط احنا في العربية هسيبكم ازاي يعني!
رغبت شهد لو تخلصت منها الآن، وخاصة وهي تسمع طاهر يقول: ربنا يهديكم أنتوا الاتنين، وتعقلوا إن شاء الله.
طلبت مريم منه التوقف، وقد وصلت لحل على الرغم من اكتشاف أمرهما: استنى يا طاهر، هجيب أنا و يزيد أيس كريم من هنا.
نزلا بالفعل تحت نظرات شهد المتوعدة لشقيقتها، وبمحرد نزولهما أخذت فرصتها في سؤاله، وكان الجواب: قبل أي حاجة تقولي إنك مش زعلانة مني.
زعلانة منك، بس عايزة أعرف مالك، علشان أول مرة أشوفك مهموم كده.
كان جوابها صادقًا، وابتسم على صراحتها، اعتذر لها مرات عديدة، وقرر أن يزيدهم مرة بقول: أنا أسف.
وردت هي بالربت على كفه، طالبة: قولي متضايق ليه.
عبر عما يشغله بتعب، وقد أنهكه تفكيره: بابا شايل هم عيسى أوي، وأنا كمان، حاسس إن المفروض أساعده أكتر من كده، أنا بعمل اللي اقدر عليه، بس مش يبقى ضامن يطلع أي تصرف يبوظ كل حاجة.
متقلقش، أنت بتعمل اللي تقدر عليه، متشيلش نفسك فوق طاقتها، علشان تقدر تتحمل اللي أنت شايله.
قالت هذا، وأشارت على وجهه مكملة: ومتكشرش كده، لو مش طاهر اللي هيضحك مين اللي هيضحك يعني.
ابتسم ومسحت هي على وجهه تخبره بما دعمه حقا: أنت أكتر واحد في الدنيا شوفته واقف في ضهر أبوه وأخواته، أنا متطمنة على إن كل حاجة هتكون كويسة علشان أنت موجود، ولو محتاج أي حاجة أنا جنبك ومعاك، احكيلي اللي تاعبك دايما، وأنا هسمعك.
ضحكته تقلب داخلها رأسها على عقب، يحدث هذا الآن حين ضحك، تنجح في أن تجعل أسوء أموره تهون، تعطيه الأمل، سألها وهو يطالعها: يعني اتصالحنا خلاص كده؟
فتحت هاتفها، تعرض عليه صورة لرداء اختارته للزفاف وقالت: ممكن نتصالح لو قولتلي إن ده حلو جدا لفرحنا، إيه رأيك بقى في الفستان ده؟ حاجة simple خالص اهو.
طالع الرداء الذي تدعي أنه بسيط، ليجد أقل ما يصفه أنه فج، فخاطبها بانزعاج: يعني أنا بقولك نتصالح، بتضايقيني أكتر؟
ماله الفستان يا طاهر، متبقاش كده بقى.
وكان رده على السؤال قول: وحش، وحش أوي كمان، ومتبتديش وصلة أنت متحكم وأنت بتاع، علشان أنا مش هقتنع بالعبث اللي في الصورة ده.
كانت سترد ولكن أتاه اتصال، طالبها بالهدوء وهو يرد، بدا اهتمامه ثم قال: يعني أنت متأكد يا عز.
وجاوبه: عيب، أنا عيني مفارقتهمش من ليلة امبارح.
طب حلو أوي كده، أنا مش عايزك تظهر في الصورة خالص، بس أمن كل حاجة، مش عايزه يخلع زي المرة اللي فاتت يا عز.
طمأنه عز بقول: أنا هحاول وأنت برضو انجز.
في إيه يا طاهر؟
هكذا سألته شهد وكان هو في دنيا اخرى، وكأنه يبحث عن شيء ضائع منه داخل شاشة الهاتف، كررت السؤال بإلحاح وعلق هو بغير انتباه: اهدي بقى يا فريدة.
شهقت بغير تصديق وكررت خلفه: فريدة!، ده أنت يومك مش معدي النهاردة.
أدرك جرمه الفادح، وطالبها بالتريث بقول: شهد حبيبتي، اهدي بس أشوف بعمل إيه، وبعدين هقولك إن ناسي أسامي ستات الدنيا كلها ماعدا اسمك.
طالعته بضجر، ترغب في قتله الآن، وترك هو السيارة، نزل وعاد بعد بضع دقائق، لم يستغرق الأمر أكثر، ولكنه أجرى أكثر من مكالمة يطلب فيها من أحدهم شيء، ولكنه شيء هام وبشدة، شيء يتضمن مكالمة هاتفية وصلت للشرطة من مجهول، تنذر بأن شاكر مهدي الذي من المفترض أن يكون في قبره الآن، متواجد في منطقة بعينها، ذلك الذي توفى وخلف قضية لم ينته التحقيق فيها، وصل الآن للجهات المعنية أنه حي يرزق، والدليل موقعه.
هل رأى الحب سكارى، سكارى مثلنا.
كان شاكر يتغنى بهذه الكلمات، ولأول مرة تراه بيريهان في هذه الحالة، أتت لهنا حتى تطمئن عليه، بعد أن هاتفها وطلب منها الحضور بدون علم والدها ليبلغها بقراره الأخير، ولكن لم تصادقها أي طمأنينة، يجلس هكذا أمامها، وقد بان أثر المشروب عليه، ثمل وبشدة وكأنه تجرع كل مُسكر في هذه الدنيا
حاولت الحديث معه فنطقت بلوم وهي تمسح على وجهه: إيه يا شاكر اللي أنت عامله ده؟
ابتسم حين سمع اسمه، طالعها بوله، ومسحت هي على خصلاته تطالبه برجاء: قوم معايا.
مش عايز يا بيري.
رفض هكذا، جرحها غائر وزاد ألمه حين رأت حالته هكذا: أتا كده همشي يا شاكر.
حاول أن يقوم ولكنه ترنح وسقط، ولم يجد من يستند عليه سواها، لم يكن في وعيه، وبان هذا في قوله: متزعليش يا بيري، أنا بحبك أوي.
تسارعت دقات فؤادها، ابتسمت وهي تطالعه بحزن، ولكن تصريحه التالي وأد ابتسامتها، وكذلك دقاتها: أنتِ لازم تنسي أي كلام قولتيه عن إننا هنسيب بعض لو منفذتش طلبك وسلمت نفسي.
طالعته بذهول وأكمل يقتلها بلا هوادة وهو يصرح دون النظر لأي عواقب: هتفضلي جنبي ومعايا مهما كان اللي هعمله.
قول تبعه صمت تام، وجدال مشتعل، لتصل والدة شاكر بعد أقل من ساعة، وتسمع صرخات مكتومة تعلم صاحبتها، والكارثة أن مصدرها يأتي حيث غرفة ابنها!
في منتصف الليل، وفي غرفته في منزل والده، يحاول عيسى جاهدًا ألا يتذكر ما حدث في الساعات السابقة، يحاول تجاهل مخاوفه، قرر اللجوء لطارق، يجاهد لتناسي كل شيء، يجاهد ليُشفى، يجلس على فراشه، يحادث طبيبه في جلسة عبر إحدى تطبيقات الفيديو، سأله طارق: حاسس لما رجعت إنك بقيت أحسن يا عيسى؟
مش عارف، حاسس إني في الحالتين مش مرتاح، لو ملك قررت مترجعش هعمل إيه؟ أنا كنت فاكر إن خلاص كل حاجة اتحلت وهي رجعت، بس كل الخطوات أنا اللي عملتها، هي لحد اخر لحظة بتأكد إنها مخدتش قرار، هي بتقول إنها خايفة، ومش عايز أقولها اتطمني واطلع مش قد اللي بقوله تاني معاها.
وعرض عليه طارق مخاوفه في سؤال: لو في أسوء الظروف قررت إنها مترجعش، هتهرب تاني، وترجع شرم الشيخ.
صمت برهة، وصرح بما ينتويه حقًا: مش هقدر أكسر أبويا تاني، هو عايزني جنبه، وأنا مش عايزه يفضل قلقان وخايف، ومتحسر يبعدي عنه.
حسيت كام مرة من ساعة ما رجعت بأعراض النوبة؟
ورد على السؤال بشعوره اليوم: حسيت النهاردة إنها هتجيلي، وحاولت أهدى زي ما قولتلي بس النهاردة كان الموضوع ممكن يفلت مني.
وبرر له طارق قائلا: ما هو ده اللي قولناه يا عيسى أنت رجعت تاني لأجواء توتر، وقلق، ومشاكل هنا، وهناك، وبالتالي اللي بنحاول نعمله بيتأثر، محاولتش تفصل؟
بحاول بس كل حاجة بتجري ورايا.
وسأله طارق بابتسامة: وأنت لما كل حاجة بتجري وراك بتعمل إيه؟
ضحك وهو يجاوبه: بجري وراها.
هز طارق رأسه بمعنى ألا فائدة وسأله: أنت عايز إيه دلوقتي يا عيسى؟
سؤال جوابه يحمل أحلامه، يريد السلام، الطمأنينة، راحة والده، وسعادة اخوته، ويريد أن يعود لحيويته في عمله وأحلامه، ويريدها هي، ملك أمنيته الأكبر.
رد على السؤال بأمنية واحدة من بين كل هذا، أغمض عينيه، واسترخى كما اعتاد مؤخرا، ونطق: عايز ملك تيجي دلوقتي، تخبط عليا باب أوضتي ده، وتقولي إنها معايا، وإنها عايزة تكون جنبي، وإن ده قرارها، خبطة واحدة على الباب ده منها هي بالذات هتحقق أهم أحلامي.
أخذ نفس عميق، وابتسم، وهو يقول: أنا حتى سامع صوت الباب بيخبط دلوقتي أهو.
لا فوق علشان هو الباب بيخبط فعلا.
انتبه عيسى على قول طارق وتأفف بانزعاج، لا يدق عليه أحد الباب سوى سهام و تيسير، يقتحما دائما خلوته، لذلك علا صوته: هو أنا مش قولت محدش يخبط عليا الساعة دي.
توجه ناحية الباب وفتحه، وكانت أخر توقعاته أمامه، حلمه الذي تمناه قبل ثوان، يقف على بوابة غرفته، تقف ملك، كانت تطالعه بصمت، قبل أن تقول وهي تتحاشى النظر له: أسفة لو خبطت عليك.
ابتلعت ريقها وأكملت: بس كنت عايزة أبلغك قراري.
كانت صامتا، مشدوهًا، هو متقن البلاغة، لا تسعفه الحروف ليعرض عليها الدخول لغرفته، أشار لها بعينيه، ودخلت هي، أغلق الباب، وحاسوبه في وجه طارق وانتظر على أحر من الجمر ما ستقول، ابتسمت، فأنعشت روحه ابتسامتها، وقالت: أنا عايزة ابقى معاك يا عيسى، عايزة نكمل سوا.
الصدق في عينيها أبلغ من العبارات، ما أحلى أن يستدعي المرأ أمنيته، فتحضر له في التو، تقف على أعتابه، وكأنها تغويه، لم يشعر بهذا من قبل قط، وحتى مع قولها: بس أنا عندي شروط.
لم يبد ولو ذرة اعتراض، يكفي أنه نال ما أراد، وهي لها كل شيء الآن، كانت تنتظر أن تسمع منه ما شروطك ولكن وجدته يقول وهو يقابلها: وكإني شايف قدامي هيلين طروادة، الست اللي جمالها قوم حرب طروادة، ورغم إن الملاحم اللي من النوع ده كتير أنكروا إنها حصلت على أرض الواقع وحتى اللي اعترف بحدوثها، قال إنها مش هتتكرر دلوقتي، علشان إن حرب تقوم لجمال ست وتفضل 10 سنين فعل العالم اللي بيقول عن نفسه إنه بقى متحضر مش بيديله فرصة يحصل.
ثم غمز لها مصححًا: مع إن أنا وأنتِ عارفين إنه مش عالم متحضر ولا حاجة، هو متحضر لما يبقى التحضر موجة هتنفعه، وبدائي وهمجي لما المصلحة تحكم.
كعادته يسلبها، ويكمل سرقتها بقول: وعلشان كده أنا هغير القاعدة، أنا مش بس ممكن أوافق على الشروط، أنا ممكن أقوم الحرب في العالم المتحضر دلوقتي واقعدها اكتر من 10 سنين بكتير علشان الست اللي واقفة قدامي.
اتسعت ضحكتها، وأكمل هو: علشانك يا ملك، علشان بخبطتك على الباب دلوقتي حققتيلي أهم أحلامي.
وضاعف تأثرها بقول: أنتِ أهم أحلامي.
بادرت باحتضانه، وتمسك هو بها وبشدة، تمسك بأمنيته، التي سقطت بين يديه للتو كنجمة من السماء، ولن يفلتها أبدا، لن يفلت هيلين خاصته التي حين اختارت أن تشعل الحرب بالبلدة كلها، اختارت أن تنقذه هو، وتبقى معه هو، وتحبه هو، ليغرق فيها هي، هي ودنها تنتهي كل الأشياء، تنتهي الحياة.
التعليقات