رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل الثالث والثلاثون
علي الرغم من وضوح الحالة، قام دكتور خالد بالكشف عليها، فحصها أكثر من مرة وكأنه غير مصدق، وبالفعل وجدها فارقت الحياة، اتصل دكتور خالد بزهرة: تعالي حالا يا زهرة.
زهرة: في إيه؟
د. خالد: لما تيجي هتعرفى.
زهرة: قول يا خالد في إيه؟
د. خالد: عايدة هنا وتعبانة ومغمى عليها.
زهرة: إيه اللى جاب عايدة عندك؟
د. خالد: تعالي بس يا زهرة وأنتي تعرفي.
تركت زهرة كوب الشاى وهبت واقفة.
نرمين: في إيه يا زهرة؟
زهرة: مش عارفة، خالد بيقول إن عايدة عندى في الشقة ومغمى عليها.
نرمين: إيه اللى ودى عايدة عندك؟
زهرة: مش عارفة، وإيه اللى جاب خالد البيت دلوقتى أصلا؟
نرمين: طب ياللا بسرعة نشوف في إيه.
قام خالد بإلباس عايدة ملابسها بسرعة، حملها ووضعها على الكنبة الموجودة بالحجرة وغطاها بملاية، ثم قام بتسوية السرير.
توجد قطعة ملابس داخلية تخص عايدة ملقاة على الارض لم يرها خالد.
حضرت زهرة ونرمين ملهوفتين.
زهرة: في إيه يا خالد خضيتنى؟
د. خالد: عايدة مرات عمك قصدي طليقة عمك رنت عليا من شوية وقالت تعبانة قوى، قولت لها أنا في البيت روحي على العيادة وأنا جاى لك، قالت لى مش هأقدر، أنا جاية لك البيت أنا قريبة منك، وفعلا جات، كان شكلها تعبان قوى ومرهقة، وطلبت منى…
صمت دكتور خالد.
زهرة: طلبت إيه يا خالد؟
د. خالد: أكشف عليها نسا، الحمد لله شنطتى كانت معايا، كشفت عليها، وقبل ما أخلص كشف عليها لقيتها بتطلع في الروح.
زهرة: وهي فين؟
د. خالد: جوة، وأشار إلى حجرة نومهما.
دخلت زهرة حجرتها يتبعها دكتور خالد ونرمين.
نرمين: لا حول ولا قوة إلا بالله، شوفها تانى كدة يا دكتور يمكن في غيبوبة.
د. خالد: أنا دكتور يا نرمين، عايدة ماتت بالسكتة القلبية.
نرمين: إزاى ده حصل؟ دى عمرها ما اشتكت من قلبها.
د. خالد: هو الموت عايز شكوى؟
كان دكتور خالد ونرمين يتحدثان، في حين كانت زهرة في حالة ذهول، صامتة، عيناها على جسد عايدة المسجى على الكنبة، لاحظ دكتور خالد ذلك فاقترب منها وقال: أنا آسف يا حبيبتى خضيتك.
لم ترد زهرة، دار ببالها ألف خاطر وخاطر وهي تجد امرأة في حجرة نومها، وضعها وهيئتها توحيان بالريبة رغم محاولات دكتور خالد في إخفاء معالم جريمته على جسدها.
نرمين: هنعمل إيه دلوقتي؟ هنعرف عمى؟
د. خالد: هتعرفى عمك ليه؟ أنا هأروح أتصل بأخوها وهو يتصرف.
خرج دكتور خالد، ألقت زهرة بنفسها على فراشها بملابسها، جلست نرمين بجوارها.
نرمين: مالك يا زهرة؟
صمتت زهرة.
نرمين: ما بترديش ليه؟ دماغك راحت فين؟ لا يا زهرة ما أظنش إنهم وسخين للدرجة دى، خالد وعايدة؟
زهرة وهي منكفأة على وجهها: أنا ما بقتش عارفة حاجة.
نرمين: طب قومى اخرجى، أنتى هتقعدى جنب الجثة كدة؟
وعلى الفور حضر عمر ووالد عايز، كان الوضع مقلق وغير مريح، لكن زهرة تماسكت وأدعت أنها كانت موجودة في الشقة، وأن عايدة اتصلت بها وأخبرتها بتعبها، وأنها من طلبت منها الحضور، وأنها اتصلت بدكتور خالد لتوقيع الكشف عليها.
كما حضر عبد الرحمن، وما أن رآها حتى انهار في البكاء.
عبد الرحمن: لا حول ولا قوة إلا بالله، ياريتنى ما طلقتها، كانت ماتت في بيتها.
حضرت المغسلة، وبدأت في مهمتها بحضور نرمين وزهرة، وفجأة أصبحت رائحة الحجرة لا تطاق، وأصبح وجه عايدة عابس أسود، بخبرتها أدركت أن هذه علامات سوء الخاتمة والعياذ بالله، وكثيرا ما رأت مثلها، لكن علامات عايدة كانت أكثر وضوحا، كانت المظاهر المرئية للجثة تدل عن مدى فجر وقذارة صاحبتها في حياتها، كما تشير إلى نهايتها البشعة، علامات عنف بجسدها في أماكن خاصة، اعتادت ألا تبوح بما رأت لأحد، لكن في حالة عايدة كانت زهرة معها، قريبة منها، في حين وقفت نرمين بعيدا قليلا حتى تناولها ما تحتاجه، أصرت زهرة على الوقوف بجوار عايدة وكأنها تبحث عن دليل ما.
وضعت المغسلة جثة عايدة على طاولة الغسل مستلقية على ظهرها، قامت بتغطيتها بالكامل بغطاء خفيف، ثم أجلستها مائلة بمساعدة زهرة، مسحت على بطنها بضغطة خفيفة حتى إذا كان بها شيئا خرج، ثم قامت بتنجيتها بخرقة.
زهرة بخبث: هتغسليها على طول وإلا لازم تتطهر من الجنابة؟
المغسلة: لأ هأغسلها عادى، لأنها ما بقاش عليها تكليف ولا عبادة، وضوء واحد وغسل واحد.
تأكدت ظنون زهرة، فشعرت بسكين حاد يغرس في قلبها، دارت الدنيا بها، أسندتها نرمين واوصلتها لفراشها، انشغلت بها عن عايدة، ظنت المغسلة أنها أغشى عليها من الحزن وهول الموقف.
قامت المغسلة بإعادة جثة عايدة إلى وضعية الاستلقاء، وبدأت تغسيلها وحدها، أزالت الأوساخ من العينين والأنف والفم والأظافر، وقبل بدء الوضوء وجدت سائل أخضر مزرق ذى رائحة كريهة يخرج من فمها ودبرها، وعلى الفور مسحته وغيرت الجونتى وأعادت الاستنجاء، وقبل الوضوء وجدت السائل يخرج من جديد، وهذه المرة كان أسود، وكأن جثة عايدة تلفظ كل ما التقفته في الحرام في الدنيا، وعندما تكرر خروج السائل، أضطرت المغسلة إلى إكمال الوضوء مع وجود هذا السائل، اعتادت أن تتلو بعض آيات القرآن وبعض الأدعية وهي تقوم بالغسل، لكنها في حالة عايدة وجدت لسانها معقودا، وزاكرتها خالية، أكملت باقى عملية الغسل وهي مكرهة، ورغم أنها غسلت رأسها بالماء والصابون ثلاث مرات وباقى جسدها إلا أن رائحتها ظلت منفرة، كريهة وكأنها متوفاة من شهر وأكثر، أعادت عملية غسل جسدها أكثر من مرة، وفي كل مرة تنزل المياه متسخة بشدة، أخذت كمية كبيرة من المياه وهي على حالها، فاكتفت بما فعلت.
انتهت المغسلة من أسوأ حالة غسل قامت بها، وبدأت في تكفين الجثة، وكلما وضعتها في الكفن وسترتها فيه وجدت جزءا منها مكشوفا، وعندما جذبت عليه الكفن انكشف جزء آخر، رغم أن الكفن عادة ما يكون واسعا وفضفاضا، في إشارة إلهية جديدة بكشف ستر ما كشفته من عوراتها بغير حق في الدنيا، ولإزالة الحرج عنها طلبت من نرمين مساعدتها في وضع الجثة في طاولة النعش، ثم قامت بوضع بطانية ثقيلة عليها، وأخيرا طلبت حضور من سيحمل النعش.
وقفت نرمين على باب الحجرة ونادت لعمر شقيق عايدة دخل ومعه دكتور خالد وعبد الرحمن وعادل وشاب آخر، حملوا النعش جميعا وخرجوا.
فاقت زهرة.
نرمين: في إيه يا زهرة؟
زهرة: أتأكدت من اللى كنت شاكة فيه.
نرمين: قصدك إيه؟
زهرة: كان في آثار جماع على عايدة، ده غير إنها ما كانتش بلبسها الداخلى.
نرمين: أنتى متأكدة؟
زهرة: شوفت بنفسى وأتأكدت من المغسلة.
نرمين: معقولة عايدة وخالد؟
زهرة: عمرى ما كنت أتخيل إنه بالقذارة دى.
نرمين: ياما قلت لك يا زهرة، وأنتى رفضتى تاخدى وأدى النتيجة.
زهرة: ما كانش أعرف إنه بيخونى مع مرات عمى.
نرمين: الخاين ما بيفرقش، الحرام كله زى بعضه سواء مع غريب وإلا قريب، كله غلط واسمه حرام.
زهرة: أنا اللى مجننى إزاى عايدة قدرت تخدعنا كل ده؟ خالد وكلنا عارفين إنه لعبى، لكن عايدة؟! حتى زمان لما شوفتها مع واحد في عربيته دماغى ما راحتش في الحتة الوحشة وقلت ما أظلمهاش.
نرمين: فاكرة يا زهرة لما كانت تجى سيرة ماما كانت بتعمل ايه؟
زهرة: كانت بتقول استغفر الله العظيم وكأنها جابت سيرة شيطان.
نرمين: كانت كل مرة تتعمد تقولها بصوت عالي وتسمع عمك.
زهرة: ربنا انتقم منها راحت وهي بتعصاه، مالحقتش حتى تتوب.
نرمين: ده ذنب ماما، عمك ياما اتجنى عليها وياما ظلمها.
زهرة: كلهم ظلموها، حتى بابا الله يسامحه سمع لكلام الناس.
نرمين: تفتكرى نقول لعمك؟
زهرة: بلاش ربنا سترها ما نفضحهاش، أهى راحت بسرها للى هيحاسبها، وكمان عشان أهلها، أبوها الرجل الكبير ده ذنبه إيه، ده ممكن يروح فيها.
نرمين: طب وخالد؟ هتعملى إيه معاه؟
زهرة: هأتطلق بس لما الأمور تهدى، عشان عمك ما يخدش باله، لما عايدة تطلب الطلاق وتصمم عليه، وبعد عدتها بأسبوعين تموت في شقتى وأنا أطلب الطلاق، ده يبقي إيه؟ أكيد هياخد باله.
نرمين: قلت لك يا زهرة اللى فيه الداء ده عمره ما بينضف ما صدقتنيش ودافعتى عنه.
زهرة بانفعال: كنت غلطانة، يا ستى كفاية ارحمينى بقى، وكفاية اللى أنا فيه.
التعليقات