التخطي إلى المحتوى

رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل الرابع والثلاثون

انتهى كل شيء كما خططت زهرة، وراحت عايدة بخطيئتها، لم تتح لها فرصة التوبة، لم يعلم عبد الرحمن بسرها، ربما كان هذا لحكمة لا يعلمها إلا الله، ربما لو علم لسامحها، خصوصا بعد وفاتها، ربما أراد الله أن تحاسب على ذنبها كاملا بلا عفو أو غفران من صاحب الحق في ذلك.

عاد دكتور خالد إلى زهرة بعد انتهاء عزاء عايدة، وفور دخوله الشقة هبت واقفة، قالت لدكتور خالد دون أن تنظر إليه: بعد ما الموضوع ده يعدى بهدوء كدة ومن غير فضايح طلقنى.
د. خالد: في إيه يا زهرة؟
دخلت زهرة حجرة أخرى غير حجرتهما وأغلقت الباب.
زهرة: أنا قولت اللى عندى، ولولا خايفة عمى ياخد باله كنت مشيت حالا دلوقتي.
د. خالد: افتحي يا زهرة واسمعينى.

زهرة: هتقول إيه بعد اللى شوفته؟ على فكرة دى مش أول مرة، أنا جيت البيت قبل كدة وكان معاك واحدة في سريرى، وما كانتش عايدة، يومها خرجت وسيبتك وأتصلت بيك أقول لك إنى جاية عشان تمشيها.
د. خالد: أنا بأعترف إن كان ليا نزوات، غلطة وأوعدك مش هتتكرر، وحياة زهرة ما هتتكرر.

زهرة: ما تحلفش بحياتى، حياتي أنت دمرتها، عملت لك إيه عشان توجعني كل الوجع ده؟ ده أنا حبيتك وأتحديت عمى عشانك، من يوم ما أتجوزتك ما شوفتش رجل غيرك، أستحملت نظرات الناس اللى فاكرانى طمعانة فيك، كنت بأشوف الرغبة في عيون معظم الرجالة اللى حواليا، كل اللى يشوفنى ويعرف إنى جوزى أكبر منى باتنين وعشرين سنة يطمع فيا، كنت بأصدهم رغم إن الخيانة محوطانى من كل إتجاه، حتى أخوك الرجل المحترم اللى دقنه طول كدة، وكل كلامه قال الله وقال الرسول، واللى كان معارض جوازك منى وما حضرش جوازنا، ولما زارنا سمعته بودنى وهو بيتكلم في حق ماما، لكن بعد ما شافنى وهو خارج حليت في عينه، جانى تانى يوم وأنت مش موجود وحاول يتحرش بيا وهو عامل إنه بيطبطب عليا، يظهر إن كلكوا عجينة واحدة، أنت داير على حل شعرك مع الستات، حتى الست اللى في مقام والدتى ما استحرمتش علاقتك بيها، وأخوك أكيد زيك، وأختك تخصص شات، والناس مخدوعة فيكوا، فاكرين إنكوا أشراف، طبعا لإنكم أغنيا، مع أنهم بيقتلوا غيركم بالكلام من غير ما يغلطوا.

د. خالد: افتحي يا زهرة وتعالى نتكلم بهدوء.
زهرة: مش فاتحة، ولحد ما يحصل الطلاق مافيش بينا كلام ولا تعامل خالص.
د. خالد: من حقك تشكى فيا، بس أنا لو على علاقة بعايدة هأسيب الدنيا كلها وأجيبها هنا؟ واحدة بتقول لى تعبانة وعايزة أكشف أقول لها لأ، أنتى عارفة إنى ما بأرتحش لها وسبق وقولت لك الكلام ده، أنا وافقت بس عشان خاطرك، لإنى لو كنت رفضت كنتي هتزعلى.
زهرة: كان في آثار جماع على عايدة.

د. خالد: وأنا مالى؟ حد قال لك إن أنا اللى كنت معاها؟ ما يمكن اتجوزت، هي مش عدتها خلصت؟
زهرة: عايدة ما كانتش لابسة ملابسها الداخلية.
د. خالد: أنا دكتور إيه يا زهرة؟ واحدة جاية تكشف نسا عشان عندها التهابات، هتكشف بلبسها الداخلى؟
زهرة: يعنى مش أنت اللي كنت معاها؟
د. خالد: لأ طبعا، أنا أصلا ما بأطيقهاش، حكمى عقلك يا زهرة، معقولة أبص لها؟ طب لو مش عشانك عشان عمك صديق العمر.

تذكّرت زهرة عندما رأت عايدة مع شاب في سيارته، ربما تزوجته فور انتهاء عدتها.
لانت زهرة قليلا وقالت: طب سيبنى دلوقتي أنا متلغبطة ومش قادرة أصدقك، عايزة اتأكد بنفسى إنها ما كانتش معاك، لكن والله لو كانت معاك وبكيت بدل الدموع دم ما هأفضل على ذمتك لحظة.

أكدت نرمين أن عايدة في الفترة الأخيرة كانت تصرفاتها مريبة، حتى أنها كانت تبيت خارج المنزل، تسببت هذه التصرفات في خلاف شديد بينها وبين شقيقها عمر، تذكرت زهرة أن دكتور خالد لم يبت أبداً خارج البيت مما جعلها تهدأ قليلا.
وكالعادة نسيت زهرة سريعا، لكنها أصبحت لا تثق في دكتور خالد أبداً، تفاجئه بالزيارة في أى مكان وأى وقت، العيادة، المستشفى، وهذا جعله يتوقف مؤقتا عن أفعاله.

عملت ملك بنصيحة زهرة التي تقوم بحل مشاكل كل من حولها وتعجز عن حل مشكلتها، وبدأت خطتها في البعد عن فادى، غابت يوما، قررت التحمل مهما حدث، تذكرت أنها تحرم أيضاً من رؤيته يوم الجمع والاجازات وتتحمل فراقه، لن تموت كما قالت زهرة، كان يوما صعبا، مر كئيبا مملا، لم تهنأ فيه بشئ، ظلت معكرة المزاج طول اليوم، لكنه مر على أية حال، وفي صباح اليوم التالي ارتدت ملابسها مبكرا وذهبت إلى العمل مبكرا وكأنها تتعجل لقائه.

لم تستطع تكرار التجربة إلا بعد مرور ما يقرب من شهر، لم تعتاد البعد عن فادى أبدا منذ أن عملا معا، حتى أنها كانت تفقد إجازاتها كل عام حتى لا تغيب و تحرم منه.

فى هذه المرة قررت الغياب يومين، مر اليوم الأول صعبا ككل أيام بعدهما، وفي اليوم التانى كانت ستجن، حتى أنها كانت ستذهب إلى العمل بعد مرور ساعتين على موعد الحضور، لكنها تماسكت، هذا أول اختبار حقيقى لإرادتها وعليها النجاح فيه، إذا كانت لا تراه في الاجازات والأعياد رغما عنهما فهى الآن لا تراه برغبتها، كان عذابها مضاعفا حتى أنها أقسمت ألا تعيد التجربة أبداً، لكن إرادة الله كان لها رأى آخر، مرض ابنها الصغير بشدة، واحتاج إلى عملية صعبة، ظل على أثرها في المستشفى ما يقرب من شهر، وهي معه تبكى وتتوسل إلى الله أن يشفيه لها، كانت لا تفكر إلا فيه، لا تتمنى من الله غيره، نسيت فادى وحبها له، لم تستوحشه، وحين عادت للعمل شعرت أنه غريب عنها، وأنه لا يساوى شيئا أمام ظافر ابنها.

عاد عادل من عمله الإضافي، وجد هند نائمة وهاتفها مفتوح، نامت وهي تلمس شاشته بيدها مما جعله لا يغلق، أخذ عادل الهاتف وهم بغلقه، نظر فيه قبل أن يفعل هذا، فوجد محادثة مفتوحة بينها وبين شخص ما، قرأ المحادثة بالكامل، وأسقط في يده، لم يصدق ما رأى وما قرأ، أيعقل أن تكون هند خائنة، دارت الدنيا به، جلس على أقرب كرسى، نظر إلى وجهها وهي نائمة كالأطفال، وضع الهاتف على المائدة وخرج، لم يهتم بالدخول في تفاصيل الحساب ولا قراءة التنبيهات، ما قرأه كان كافيا لكسر وتدمير أقوى الرجال، أخذ لقطات شاشة من المحادثة وأرسلها لنفسه ثم أغلق الهاتف وخرج.

ظل هائما في الشوارع حتى الصباح، لم تنتبه هند لعدم وجوده إلا في الصباح، اتصلت به فوجدت هاتفه مغلقا، فشعرت بالقلق، ذهبت لأسرته تسأل عنه فأكدوا زيارته لهم بالأمس في موعده المعتاد، وانصرافه بعد قليل.
جن جنون هند وظلت هي وكل أفراد أسرته يتصلون به دون جدوى.

وفور دخول زهرة لمكتبها
دخل عادل خلفها ومعه السكرتيرة الخاصة بتنظيم لقاءات القراء بالجريدة.
تفاجئت زهرة به وبحالته، وقبل أن تعلق قالت السكرتيرة: الأستاذ مش واخد ميعاد و مصر يقابلك وبيقول إنه يعرفك.
زهرة: فعلا أستاذ عادل معرفة، من فضلك خلى عم حمزة يعمل له، تشرب إيه يا عادل؟
عادل: قهوة، يا ريت شقهوة سادة.
زهرة: مالك يا عادل؟
عادل وهو يبكى: هند بتخونى يا مدام زهرة.
زهرة: إيه؟
عادل: زى ما سمعتى.

زهرة: أنت واعى لكلامك؟
عادل: للأسف أيوه.
زهرة: بتحب واحد غيرك؟ وإلا خيانة…
عادل: لا دي ولا دي.
زهرة: أمال بتخونك إزاى؟
عادل: بتعرف واحد وبتكلمه على الفيس، واضح إنهم ما اتقابلوش، وإن الكلام عادى مافيش فيه كلام حب، بيسألوا على بعض ويطمنوا على بعض، بس برضو خيانة، مش ده كلامك؟ أنتى مش على طول تقولى إن الشرف مش في غشاء البكارة؟ الشرف في الفضيلة والأخلاق، أنا للأسف مش هينفع أكمل معاها.

زهرة: اهدى بس يا عادل، هي أكيد غلطانة، بس أنت نفسك بتقول إنهم ما أتقابلوش، وما فيش بينهم علاقة حب، ممكن تكون صداقة.
عادل: مافيش صداقة بين رجل وست.
زهرة: طبعا، وأنا قولت إنها غلطانة، عاقبها أى عقاب، بس بلاش الطلاق.

عادل: للأسف مش هأقدر أتخطى ده ولا هأقدر أكمل معاها، أنا مش قادر أتخيل إن في الوقت اللى أنا مقتول في الشغل عشان أوفر لها مصاريفها ومصاريف حملها هي بتبعت لواحد تانى تقول له عامل إيه طمنى عليك.
زهرة: أنت واجهتها؟ قالت لك إيه مبررها؟
عادل: مش عايز أسمع منها، أيا كان مبررها أنا مش هأقبله، ومش هأقدر أثق فيها تانى.
قال عادل هذا وانصرف.
وفور انصرافه ذهبت زهرة لهند.
زهرة: ليه ياهند بعد كل اللى عمله عادل عشانك؟

هند: حد سمعنى، حد اهتم بيا، حد بيسال عني، الصبح يقول صباح الخير، عاملة إيه، ولما أخرج يقول لى خلي بالك من نفسك، وأما ترجعى طمنيني عليكي، لما أتعب يبقى قلقان عليا ويفضل كل شوية يتصل يسأل عني.
زهرة: واللى مطحون عشانك؟
هند: أنا طول عمري محرومة من الاهتمام، ما ليش حد يسأل عنى مهما غبت.

زهرة: هو الاهتمام كلام وإلا فعل؟ أنا مش قادرة أصدق إنك عملتى كدة، كنتى بتحافظى على نفسك لحد ما تتجوزى وبعد كدة تعملى زيهم.
هند: أنا ما عملتش حاجة غلط، ده عالم افتراضي ما حدش عارف حد.
زهرة بانفعال: لا غلط، النهاردة بتتكلموا كلام عادي بكرة تعملى زى سناء وتعملوا علاقة بالشات.
هند: لأ طبعا، أنتى عارفانى.

زهرة: أنا مش عارفة حد، أنا لا بقيت عارفة حاجة ولا فاهمة حاجة، أنا بقيت عايشة في صفيحة زبالة، في مستنقع رذيلة.
وقبل أن تنصرف من عندها اتصلت بها نرمين.
نرمين: الحقينى يا زهرة أنا في مصيبة.
زهرة: في إيه يا نرمين أنتى كمان؟
نرمين: لما تيجى هأقول لك.
زهرة: نص ساعة وأكون عندك.
حضرت زهرة وفور دخولها قالت بلهفة: خير يا نرمين قلقتينى؟
نرمين: من غير ما ألف وأدور عليكى أنا خونت جوزى.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *