رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الخمسون
زفرت جينيفر ترفع رأسها بعيداً عنه وحينها انتبهت لوجود رين، ولكنني ذعرت مجفلة لردة فعلها وقد انتفضت تحدق إلى رين وأخذ التوتر مجراه على ملامحها، قلبت عيناي بينهما باستغراب وحيرة وقد سألتها: ما خطبك!
طرفت بعينيها الزرقاء وتجنبت النظر إليه متمتمة بتلعثم: سأصعد إلى جيمي. أحضري شارلي معك، ربما سأصعد الدرج أيضاً ف. إنها حمية أتبعها ونظام صحي. فليكن أنا ذاهبة.
تحركت بخطى سريعة وتعمدت ألا تمر بجانب رين الذي لاحقها بعينيه قبل أن ألمح ابتسامة صغيرة هادئة على ثغره تلاها نظرة عميقة غامضة أجبرتني على الوقوف بعدم فهم!
هاذان الإثنان. ما خطبهما تحديداً؟
لماذا تبدو مضطربة الآن! لا يمكن أن السحر قد انقلب على الساحر؟!
حدقت إلى الفراغ ببلاهة واستغراب قبل أن أنظر إلى رين وقد أراد لساني الفضولي الإستفسار عن الأمر ولكنني توقفت وأنا أرى لحظة مواجهة غريبة بينه وبين شارلي الذي ينظر إليه بشك وحدة.!
تكتف شارلي بحزم واقترب قليلاً يرفع رأسه ليرمقه بهدوء: أنا أعلم أن أختي كانت برفقتك قبل العودة إلى المنزل في الأمس.
تنهد رين بملل واضعا يديه في جيب بنطاله: إذاً؟
لقد بدت غريبة جداً ولم تتوقف عن التلعثم في كلماتها، اعترف بسرعة ما الذي فعلته لها!
لم أفعل شيء.
ارتفع حاجباي بحيرة بينما امتعض شارلي واراح يديه بجانبه: أنت تكذب. جينيفر تتصرف بغرابة!
تحرك رين بتبرم والقى نظرة على الصغير ليضرب رأسه بخفة فدفع شارلي يده بإنزعاج، ابتسم بمشاكسة وقد تجاوزنا قائلا بنبرة حازمة بعض الشيء وعينيه الزرقاء تحذران شارلي: تهذب في كلامك يا ولد.
أشار إليه شارلي بإنزعاج بينما الأخير يبتعد بلا مبالاة: أنا أعلم أنك اقترفت أمراً سيئاً.
ولكن رين لم يعره أدنى إهتمام فتابعته بعيناي وهو يبتعد.
صدقاً ما الذي حدث في الأمس؟!
قالت بأنها ذاهبة للظفر به، ثم تحدثت عن ضرورة تقبيله لتتأكد من مشاعرها نحوه.
ما الذي وقع بينهما؟!
الفضول طرق باب مكتبي ورحبت به بكل سرور وبأفضل ضيافة، سأعرف عاجلاً أم آجلاً. بل أنني سأسألها ما أن أراها فأنا لن أحتمل الصبر أكثر.
لفت انتباهي تحرك شارلي خلف رين وبدى متوعداً فأسرعت أمسك بيده بقوة أمنعه من الذهاب: شارلي كن مؤدباً مع من هم أكبر منك سناً!
حاول إبعادي بإنزعاج: ولكن جينيفر لا تبدو على طبيعتها.
جينيفر على طبيعتها أنت فقط من يحتاج إلى تسوية ضرورية بشأن سنك الذي تهدره في النضوج المبكر.
دعيني!
ولكنني أبيت ذلك وانا أسحب بيده أجبره على التحرك، في النهاية استسلم وسار إلى جانبي بخضوع ووجه عابس.
عندما ولجنا إلى المصعد وخرجنا منه حيث وجهتنا تركت يده وقد سبقني ليركض نحو غرفة جيمي بخطى واسعة.
بل أنه دخل بالفعل مقتحماً الغرفة فابتسمت بلا حيلة.
كنت أمشي وأهز علبة الحليب في يدي عابثة بها عندما مررت إلى جانب باب دورة المياه.
والذي فُتح بشكل مفاجئ وقد أجفلت ليد تمسك بي بقوة وتجرني إلى الداخل بلمح البصر!
لم يسعفني الوقت لأفاجئ أو أستفسر عما حدث لي إذ وجدت نفسي أقف في الداخل أمام المغاسل الراقية ذات الإنارة المريحة، ومقابلي جينيفر التي تركت يدي وتقوست شفتيها تحدق إلى للحظة قبل أن تنفجر باكية أو. غاضبة. أو لا أعلم حقاً!
عانقتني بقوة فطرفت بعيني بعدم استيعاب: ما خطبك!
صرخت في أذني بتذمر وصوت مبحوح: شارلوت. هذا كثير ليحتمله قلبي الصغير، رين قاسي جداً و. لحظة! هل غادر؟
نعم لقد غادر، ما خطبه هو الآخر! تحدثي لأفهم ما تحاولين قوله.
حاولت إبعادها عني فأبت ذلك، ظلت تعانقني قائلة بنبرة مرتجفة وقد تلعثمت قليلاً: رين هذا مجرد عابث وغد. لقد استغل أنوثتي الطاغية وضعفي وجمالي. لا يمكنني مسامحته! أ. أقصد، هو لا يعرف الرحمة ويعاملني بجمود وقسوة ومن الصعب التعامل معه بطريقته تلك!
أمسكت بقميصي تشده بقوة لتصرخ بغيض: أريد أن أرى رين الذي عرفته في الماضي، ذلك اللطيف المرح الواقع في حبي!
قلبت عيناي بإحباط وقد حاولت أن أنتزع نفسي منها، ابتعدت أخيراً فواجهتها لأرى تورد وجنتيها، وارتخاء جفنيها وهي تنظر بزرقتيها إلى الأرض ثم تمتمت على مضض: لم أنم بسببه طوال الليل. هل يحاول إفساد جمالي ونضارة بشرتي التي يحسدنني النساء عليها؟
ألا تنوين إعلامي بالتفاصيل؟ أعلم أنه لم يفعل لكِ أمراً سيئاً يُذكر. لذا وضحي ما حدث، أولا فضولي لن يسمح لكِ بالمغادرة قبل أن أفهم الموضوع. ثانياً لسانك لن يكبح نفسه وستثرثرين يا جينيفر في جميع الأحوال!
تنهدت وبدت منزعجة كثيراً، ثم نظرت من حولها قبل أن تقول: لنغير المكان.
جينيفر:.
نظرت إلى بعينيها الخضراء وقد بدى الرضى على ملامحها وسبقتني لتخرج من دورة المياه. تحركت خلفها أمشي بحذر وأنا أنظر خلفي في الممر متخيلة مجيء رين وعودته فجأة!
اللعنة. كان ذهني مشغولاً بشأن كريس ولكن رين قلب الحال في ليلة واحدة وجعلني عاجزة عن النوم ليلاً، نظرت إلى شارلوت التي دخلت غرفة جيمي لتعطيه الحليب البارد فأكملت طريقي لأنتظرها في نهاية الممر أمام النافذة المطلة على حديقة المشفى.
يمكنني تخيله في كل مكان الآن! في الممر في الغرف وفي الحديقة.
يا الهي.
أشعر بالخجل الحقيقي هذه المرة!
لقد كان يخالجني شعور غريب في الآونة الأخيرة، ما حدث للعائلة وجميع المشاكل التي مر فيها أفرادها جعلت لقاءاتي برين تزداد أكثر، كنت أتصل به في أوقات مختلفة ولكنني لم أستوعب أنني اعتدت عليه إلى درجة من الصعب وصفها!
حتى أنني أصبحت في تسوقي أتذكر أمره وأشتري له أي شيء وإن كان مجرد هراء. لا أدري حقاً ما الذي أفعله!
لقد عدت بناءً على طلب ماكس وقد خضت معه حوارات عميقة من الصعب ذكرها لأي شخص آخر، أنا مُكلفة بإعادة المياه إلى مجاريها بين رين وكريس ولكن.
بصراحة لست مجبرة على هذا وإنما أتمنى عودة علاقتنا إلى سابق عهدها، حيث كنت أمضي وقتي مع رين وكريس لفترات طويلة! حيث كنت أشعر بالسعادة الغريبة لرؤية هذا القاسي رين يتورد خجلاً كلما ابتسمت له.
لماذا لم يعد يتأثر بابتسامتي كالسابق؟
الوغد بات رجلاً يافعاً وجذاباً بحق! بعد أن كنت أشعر بالفخر والنصر لملاحقة الرجال بي في المقابل أشعر بالتعاسة والنقص لصد رين الدائم لي. هذا حقاً يزعجني كثيراَ!
ما حدث في الأمس كان صادماً بحق. كان مفاجئاً ليوضح لي الكثير من الملفات المغلقة التي لم أكن أعي بوجودها أصلاً.
تنهدت بعمق وقد انتبهت لشارلوت التي خرجت من الغرفة وتقدمت نحوي بسرعة والفضول والإهتمام يشع من كلتا عينيها.
وصلت إلى وقالت فوراً: كلي أذان صاغية.
رفعت يدي أمررها في شعري الأسود قبل أن أتكئ على النافذة خلفي بمرفقي وأعود بذاكرتي إلى الأمس. قبل إحدى عشر ساعة تقريباً وربع ساعة.
حيث خرجت من المطعم كالمراهقة الحمقاء خلف رين الذي بحثت عنه بعيناي لأجده يتجه إلى سيارته.
اندفعت نحوه بسرعة وبخبث وما أن وصلت إليه حتى قلت بمكر: تحاول الهرب مني؟
تجاهلني وفتح باب سيارته فوضعت يدي على الباب أمنعه من الدخول ونظرت للسماء بملل: لن ترحل بهذه السهولة.
نظر إلى بحزم: ابتعدي.
لا!
قلت ابتعدي أيتها الخرفة مزاجي لن يحتمل مزاحك أبداً. كيف تتجرئين على خداعي؟
متى فعلت هذا!
قلتِ بأننا سنتحدث بشأن ذلك الجبان الهارب وعندما أصل أجد حفنة الحمقى مجتمعة في مكان واحد.
وكزته بمرفقي بمكر: أنظروا من يعترف باهتمامه بكريس!
فليذهب إلى الجحيم! إياك والاتصال بي مجدداً وتوقفي عن مزاحك السخيف أمام الجميع.
لحظة واحدة من قال أنني هنا للمزاح! لقد كنت جادة أمام الجميع للتو. هل شعوري بالإنجذاب نحوك خطأ؟!
أضفت مبتسمة بتبرم: هل تعد جريمة يخالفني عليها القانون؟ لا تقلق أنت لست قاصر يا رين. أنت رجل بالغ في السابعة والعشرون قادر على إدارة حياتك بنفسك.
أخذ شهيقا عميقاً وقد أبعد يدي بهدوء وبالرغم من ذلك عجزت عن مجاراة قوته واستسلمت مبتعدة بإنزعاج: هذه قسوة! ما أقوله الآن أشبه بالإعتراف أيها الأحمق الشرير!
ما الذي تريدينه تحديداً يا جينيفر؟
لا أريد شيء! أردت أن أخبرك أنني لم أكن أسخر منك قبل قليل. اتصالي بك كثيراً مؤخراً ليس بدافع إزعاجك كما تعتقد! الهدايا التي أشتريها لا أقصد بها أي إساءة! ثم زيارتي لمكان عملك ليس بنية إفساد أي شيء. تفكيرك بات لئيم جداً ومن الصعب استيعابه.
قلتها متذمرة وأنا أتكتف بإنزعاج شديد، أعلم جيداً كيف يفكر وهذا ما يغضبني!
نظر إلى بتمعن للحظة ثم ابتسم ببرود: حسنا أنا أتفهم ما تقولينه الآن. لماذا تصرين على التوغل في حوار كهذا إذاً؟
طرفت بعيني بحيرة قبل أن أتنهد وأتحرك بثقة لأتجه إلى المقعد الموجود بجانب مقعده وأجلس مبتسمة: أعدني إلى سيارتي في المواقف الخلفية، إنها بعيدة قليلاً ولا أستطيع المشي بهذا الحذاء العالي.
قلب عينيه بنفاذ صبر وقد ولج إلى السيارة ليستقر خلف المقود معترضاً: تفعلين هذا عن عمد. أنتِ مزعجة حقاً.!
لويت شفتي بغيض من مواصلته لهذه المعاملة الجافة ولكنني انتظرته حتى بدأ في القيادة ليستدير خلف المطعم فانقضيت عليه لأدغدغه على غفلة منه.
أجفل محاولا إبعاد يدي وقد غضب مزمجراً: هل جننت!
ابعدت يدي باستغراب: غريب. كنت تنفجر ضحكاً عندما أدغدغك! لقد تغيرت كثيرا يا رين!
أضفت أمرر يدي في شعري وأتذمر بصوت عالي بإنزعاج: عد كما كنت! عد إلى ذلك الأحمق المرح الذي كان يخجل مني.
رمقني بنظرة سريعة مغتاظاً حتى وصلنا إلى الموقف الخلفي والذي كان خالياً سوى من سيارتي وسيارة أخرى.
لقد اخترنا المواقف الخلفية عندما وصلنا إلى المطعم حتى لا نضطر للمشي عند الرصيف المجاور للشارع في ذهابنا وعودتنا. ليس وكأنني سأعود الآن فتيا والجميع في انتظاري، ولكنني مضطرة للتظاهر بالعودة أمامه دون سبب محدد. ربما لأصنع مشهداً درامياً أدوس فيه على دواسة البنزين وأغادر غاضبة.
ولكنني لست غاضبة! التظاهر بالغضب ولو لدقيقة واحدة قد يقتلني! أولا سيؤثر على جمالي ثانياً لن أجني منه فائدة ترجى!
فتحت الباب بعد أن أوقف سيارته بجانب سيارتي تماماً لأترجل متمتمه بصوت منخفض وحزن: إلى اللقاء.
تظاهرت بأنني أمشي بخطى بائسة نحو سيارتي، وكما توقعت فما هي إلا ثواني معدودة فقط حتى سمعته يستوقفني: مهلا.
ابتسم الشيطان في داخلي بخبث وقد نجحت الخطة البديلة التي قمت بحياكتها بسرعة، ارتديت قناع الأسى والهدوء وانا التفت نحوه: ما الأمر؟
أغلق باب السيارة متجهاً نحوي وقد وضع يديه في جيب معطفه، ظل ينظر إلى وقد طال تبادلنا للنظرات حتى كسر الصمت أخيراً: أنا لم أعد ذلك الطفل الذي كان يشعر بالخجل كلما ابتسمتِ له.
ارتخت ملامحي بصدق وقد طرفت بعيني ببطء: هاه؟
أنتِ مندفعة مهذارة ومزعجة دائماً، لسانك لا يتعب من التحرك وهذا يغضبني حقاً! أنا لن أحتمل ثرثرتك وحماسك المبالغ به في كل مكان!
م. ما هذا فجأة! هل تحاول الشجار معي؟
قلتها بحزم فجادلني بحزم أكبر: أنتِ فضولية إلى حد غير معقول، تحبين حشر أنفك في كل شيء ولا تتوقفين عن التوغل في كل صغيرة وكبيرة.
أطبقت شفتاي بقوة محاولة منع نفسي من خوض حرب لفظية معه، سحقاً. سأحاول التعقل قبل أن يغادر بقدر الإمكان!
استرسل يلوي شفته بتذمر: توقفي عن زيارتي في العمل الأمر ليس ممتعاً كما تظنين!
اتسعت عيناي بحنق: أ. أيها البغيض!
استدار بإنزعاج: وتوقفي عن محاولة التقرب إلي. الأطفال اللذين كنا عليهم في الأمس قد اختفوا تماماً، الطفل الذي يظن نفسه قوياً قد هرب الآن واختفى تاركاً ابنه خلفه، والطفل الذي كان معجباً بكِ لم يعد قادراً على العودة إلى ما كان عليه، والفتاة المرحة المندفعة التي كنتِ عليها ستظل كما هي. هذا هو الفرق الذي لا يمكنه موازنة الأمور.
طرفت بدهشة وعدم استيعاب وأنا أراه يبتعد! ما الذي يقوله فجأة؟ لماذا كل هذا التشاؤم المرعب؟ لماذا يتشاءم الجميع ويواصلون الغرق في الظلام؟! كيف أكون عكسهم إلى هذه الدرجة؟ لو علم أحدهم بمقدار الأسرار التي كان ماكس يحدثني بشأنها ومقدار ما شهدته بنفسي من أحداث لوصلوا إلى قاع الظلام بلا شك. كيف أكون عكسهم هكذا إذاً! قد أكون فخورة بنفسي لقوتي هذه ولكنني. أستنكر المسافة الهائلة التي أصبحت تحيل بيني وبينهما. بيني وبين كريس الذي تغير كثيراً، بيني وبين رين الذي لم يعد حلقة الوصل اللطيفة في دائرة علاقتنا نحن الثلاثة!
أحكمت قبضة يدي بقوة وقد تحرك لساني من تلقاء نفسه بغضب: إنسى الأمر. لن أزورك في عملك ولن أشتري لك أي شيء، لن أتصل بك بل وسأمسح رقمك حالاً أيها الأشقر المعتوه. كانت سذاجة مني عندما أعلنت أمام الجميع أنني منجذبة إليك. بل كان من الجنون اقتراح تلك الفكرة السخيفة بشأن تقبيلك للتأكد من مشاعري، أنا أتراجع عن كل ما قررته بشأنك.
عندما انهيت كلماتي الغاضبة وقف في مكانه وقد كان على وشك فتح باب سيارته، أشحت بوجهي بإنزعاج شديد متكتفة بحزم، هذا الخطل. لا يجيد وزن كلماته القاسية! شتان بين ذلك الأحمق اللطيف الذي كان معجب بي وبين هذا الرجل الزِّميت الكئيب.
أفقت من حبل أفكاري عندما شعرت به يلتفت نحوي ولا يزال في مكانه، ظل يحدق إلى بهدوء وتمعن حتى تساءل: ما الذي قلته قبل قليل؟
ماذا؟ تبحث عن عذر للشجار؟ قلت بأنني سأمسح رقمك من هاتفي وقد أحظرك حتى، سأتوقف عن زيارتك في.
تقبلينني لتتأكدي من مشاعرك نحوي؟
زفرت بملل وأنا أراه يقترب لأقول بسخرية مقلبة عيناي بلا اكتراث مزيف: آه بشأن هذا، إنسى الأمر لقد غيرت رأيي، لم أكن ألتفت إلى الرجال أصلا ولا أدري ما السخف الذي جذبني إليك، أو ربما لست منجذبة إليك حقاً. ربما كل ما في الأمر أنني غادرت المدينة التي أعمل فيها وأفتقر إلى وجود المتهافتين على من كل مكان. أتوق إلى اللحظات التي كنت أرفضهم واحداً تلو الآخر.
أردفت بثقة: وإلى اللحظة التي كنت أستلم فيها الهدايا والقي بها إلى سلة القمامة من بعيد أمارس عليها مهارة كرة السلة وم. أ.
ولكن ثقتي تبددت قليلاً وتدريجياً عندما وصل إلى ليقف أمامي مباشرة وعيناه لا تزال تحدق إلى بثبات غريب!
عقدت حاجباي بشك: م. ماذا الآن؟! هل ستتصرف مثل شقيقتك؟ لست خائفة منك! قد لا أجيد فنون القتال للدفاع عن نفسي ولكن غرس حذائي العالي في قدمك كفيل بحمايتي!
ظل يحدق إلى دون أن يرد علي، لمحت طيف ابتسامة صغيرة على ثغره وقد قال أخيراً: ما المانع؟ لديكِ فرصة تتأكدين فيها من مشاعركِ نحوي. ولكن عندما تكتشفين أن مشاعرك هذه مجرد دراما سخيفة عليكِ أن تتوقفي فوراً عن إزعاجي في كل مكان. كما أخشى أنكِ ستمسحين رقمي من هاتفك بالفعل.
ه. هاه؟ ما الذي تحاول قوله؟!
ما أحاول قوله واضح. طبقي تلك الفكرة السخيفة لتتوصلي إلى حقيقة إندفاعك المضحك يا جينيفر.
الفكرة السخيفة؟ لا يمكن أنه يقصد. تلك القبلة التي اقترحت ضرورة تطبيقها!
عقدت حاجباي بإستنكار ولكنني تسمرت في مكاني بعدم استيعاب عندما دنى نحو ثغري على حين غرة!
عندما شعرت بشفتيه التي تلامس شفتاي وهو يجبرني على التحرك للوراء حتى لامس ظهري سيارتي وتوقفت مكاني!
اتسعت عيناي عندما أدركت ما يحدث، شعرت بإرتجاف طفيف في قدماي حتى أنني ظننت أنني أسمع صوت طقطقة خافتة لكعب حذائي العالي على الأرض. بل وكنت أشعر بإندفاع الدماء بسرعة جنونية نحو وجهي وسائر جسدي!
ما هذا الشعور؟
من الصعب وصفه.
كيف تبدو وكأنها لحظة تمنيت وقوعها منذ زمن! كيف تبدو وكأنها لحظة كنت في انتظارها؟
غير ممكن.
هل من المعقول أن رين لم يكن مجرد صديق طفولة مسبقاً!
هل شعرت بالغيرة من تلك الفتاة المخادعة آنذاك وسررت بكونها مجرد محتالة لأهرع إلى كريس وأخبره بالأمر لنفسد علاقتها برين؟
كيف يكون هذا ممكناً أصلاً؟!
هل كان إزعاجي له وحومي حوله سابقاً رغبة مني في زيادة تعلقه بي أكثر؟ هل كنت أطمع في محاولة توطيد علاقتنا إلى هذه الدرجة؟
هذا غريب.
هذا حقاً غريب!
كما أنني لا أريد ابعاده عني الآن! حتى أنني رفعت يدي كالمغيبة عن الوعي لأطوق عنقه وأقترب منه اكثر وأغمضت عيناي بوهن كان لطيف بالنسبة لي. إمرأة مثلي في الرابعة والثلاثون كانت في انتظار قبلتها الأولى منه وحسب. تهافت على الكثيرون من مختلف الشخصيات والأعمار. كنت في قرارة نفسي أنفر منهم وفي الوقت آنه أستمتع في رفضهم. كنت أشعر بنقص شديد!
في الحقيقة ظننته سيبتعد. ولكنني تفاجأت به يمرر أنامله في شعري لثواني قبل ان أشعر بيديه تطوقان خصري مقربا إياي منه أكثر.
هذا أغرب إحساس قد خالجني، أغرب لحظة مررت فيها طوال حياتي.
تضارب الحقائق التي استوعبتها تواً مع موقف كهذا، كل هذا يجعلني عاجزة تماماً.
عندما مرت لحظات لا أدري كم دامت ابعدت نفسي عنه ببطء وقد سيطر على الإضطراب والتوتر لأنظر إليه عن قرب أطرف بسرعة، ولكن توتري تحول إلى ذهول حين عاود يقبلني لثواني قبل أن يبتعد محدقاً إلى بعين نطقت بأشياء غامضة.!
ربما كان أحدها هو رغبته في قول أمور كثيرة و فتح مواضيع لا يريد التحدث عنها حتى.! لست أدري حقاً ما تقوله عينيه. ولكنهما لطيفتان!
لطيفتان جداً.!
ارتخت ملامحي وأنا أحدق إليه كالمخدرة الفاقدة لحواسها الخمس، ابتعد ببطء وقد أشاح بنظره بعيداً حتى همس أخيراً: هل أنتِ راضية عن فكرتك السخيفة الآن؟
لم أشعر بنفسي وأنا أميء برأسي إيجاباً بشرود، ليطرف بعينه باستعجاب واستغراب ثم تنهد بعمق: أنصتِ.
استقام في وقفته واتخذت الجدية موقعا على وجهه وهو يسترسل بحزم: لا يجب أن نتمادى في هذا الهراء أكثر، إنسي الأمر وتظاهري بأن شيئاً لم يكن.
ليس وكأنك ستكون قادراً على هذا.
اتسعت عينيه بدهشة في حين استوعبت ما قلته، إلا أنني أكملت بجدية: لماذا تسميه هراء؟ ما الخطأ في أن يتواعد كلانا؟
عقدت حاجباي بعدم فهم: لفارق العمر بيننا مثلاً؟ هل هذه معضلة بالنسبة لك يا رين؟ هل سبعة أعوام فقط ستشكل مشكلة حقيقية؟!
أغمض عينيه بجمود لبرهة، ثم نظر إلى ونفي بإنزعاج: توقفي عن هذه الأفكار الغريبة، السن لا يشكل أي فارق بالنسبة لي، ولكن أنا وأنتِ لا يمكن أن نخوض نوع كهذا من العلاقات كما تعلمين.
أقنعني!
أقنعك؟ تظنينني أحمق غبي؟ تعتقدين أن تسترك على ما حدث ذلك اليوم أنت وذلك الجبان المأفون سيتجاوزني بسهولة؟ ليس وكأنني لا اعلم أن ما حدث لكما كان بسبب شقيقتي! وليس وكأنني لا أفهم أن أمي.
ولكنه قطع كلماته وبدى محاولاً تمالك نفسه بصعوبة لئلا يقول المزيد!
أشار إلى بسبابته بغضب و حدة: أنصتِ أيتها الأرنبة التي لا تتوقف عن القفز هنا وهناك، أنا أعلم جيداً أن أوليفيا من حرضت خالتي باتريشيا على تلك الفعلة لكِ أنتِ وهو. أعلم أن أوليفيا كانت ولطالما كرهتك كثيراً، رحيلكِ من المدينة كان بسببهما وليس لسبب آخر، أنا لست زائر غريب ستنطلي عليه تلك الأعذار المبتذلة، كما أدرك جيداً أن وجودك مع أمي في مكان واحد سيكون مجرد كارثة بعواقب وخيمة. لا يجب أن تحتكي بأي منهما.
ماذا عنك! الست من صبر أيضاً والتزمت الصبر لأنها والدتك فقط؟ الست من يصبح ويمسي على خبل أوليفيا كل يوم؟ أنت لا تختلف عن كريس يا رين! كلاكما عانى ولا زلتما تعانيان شيء قاسي من العزلة والتوتر كل يوم!
لمعت زرقتيه بالهدوء التام وهو يشيح بوجهه بعيداً، لأردف بنبرة مسايرة: أفهم الآن جيداً سبب تغيرك! كانت ظنوني في محلّها، الأمر لا يعود إلى تلك الحادثة بينك وبين كريس. بل إلى رغبتك في حمايتنا وحسب. أدرك الآن أنك قررت البقاء وحيداً عوضا عن رؤية فيكتوريا تعاتب وتلوم كل من حولها على أخطاء ابنتها وشقيقتها.
أنا لن ألجأ إلى تضحيات سخيفة كهذه كما تظنين.
قالها بسخرية يكتم ضحكته المتهكمة فقلت بهدوء: ولكنك فعلت.
انتهيت؟
لم أنتهي. رين أنا حقاً معجبة بك! الآن فقط يمكنني فهم عداوتي الغريبة لتلك الفتاة في الماضي! لقد كنت أشعر بالغيرة منها دون أن أنتبه! لقد كانت تحاول التقرب إلى كريس وكم كنت سعيدة بذلك! قد يكون هذا لؤماً مني ولكنني. أدرك الآن أنني أحبك.
ارتخت ملامحه بشكل مفاجئ وبدى غير مستوعب وهو يطرف بعينيه بدهشة قبل أن يزمجر بإنزعاج: توقفي عن هذا حالاً.
زميت شفتي بعناد وقد اقتربت أمسك بمعطفه وأعبث به بتردد، حتى همست بصوت مرتجف: لقد كانت قبلتي الأولى.
أضفت مشاكسة بأسى: لقد أصبحت رجلاً يافعا بالفعل! لست نادمة على سرقتك لقبلتي، أنا واثقة الآن من مشاعري نحوك!
ما هذه الجرأة بحق الإله!
قالها عاقداً حاجبيه بإستنكار وهو يبعد يدي ولكنني عاودت أتشبث بمعطفه قائلة بجدية: لنتواعد. أنا أعلم أنك قلق بشأن علاقتي السيئة بوالدتك وشقيقتك ولكنني لم أعد فتاة صغيرة! أنا إمرأة ناضجة يا رين. سأتحمل مسؤولية نفسي وقراراتي.
تنهد يغمض عينيه بلا حيلة، ثم قال بهدوء: من فضلك. يكفي، إنسي ما حدث وليذهب كل منا في طريقه، لا مجال لنحظى بعلاقة مماثلة مهما حاولتِ.
لماذا أنت عنيد هكذا!
ظل ينظر إلى بتفكير قبل أن يبعد يدي ويستدير مبتعداً: ربما لأنه يوجد فتاة أواعدها بالفعل.
هاه! يوجد فتاة يواعدها؟
ما هذا السخف!
زمجرت بغيض: هذا ليس مضحكاً، وكأنني سأصدق حيلتك هذه!
لوح بيده وقد ركب السيارة وفتح النافذة ليقول بملل: تصديق هذا أو تكذيبه يرجع لك وحدك.
عقد حاجباي بإستنكار وعدم تصديق! لا بد وأنه يكذب. لا يوجد من يواعدها! إنه يحاول إبعادي عنه وحسب. هو لن يقبلني ببساطة إن كان ذلك حقيقة اليس كذلك؟
أعقب وهو يحرك السيارة للوراء: إن كنتِ لا تصدقين ذلك يمكنك مقابلتها بنفسك. والآن أرجو أن تتعقلي قليلاً.
حدقت إلى سيارته التي تبتعد وقد شعرت بعاطفة جياشة تستولي على وقد اسندت ظهري على سيارتي بيأس وإنزعاج.
من غير المعقول أن يقبلني بل وتكون قبلتي الأولى وفي المقابل يوجد من يواعدها، لا يمكنني تصديق هذا! من الصعب التنبؤ بصدقه وكذبه. بات شخص صعب الفهم إلى حد ما!
شارلوت:
ارتخت ملامحي ببلاهة محدقة إليها بغباوة: أكملي!
أمسكت بقميصي بأسى وإنفعال عاطفي: شارلوت. ماذا لو كان صادقاً.
تنهدت بلا حيلة: أنت ذكية ونبيهة. لماذا من السهل خداعك فجأة! اليس من الواضح أنه يكذب؟! أفيقي يا إمرأة لقد بادر بتقبيلك بنفسه. ذلك المعتوه قد يكون محتفظاً بمشاعره وإعجابه تجاهك حتى الآن.
ولكنها صرخت وهي تنحني قليلاً: لا. أنا بائسة وحزينة، سلب مني قدرتي على النوم طوال الأمس.
هل حزنك دفعك لتجاهلنا ومغادرة المطعم تاركة إيانا؟
لقد كنت أحاول البحث عن سيارة متهور يستطيع التسابق معي وأنهي حياتي التعيسة ولكنني لم أجد. ماذا لو لم يكن يكذب؟ سيكون قد سرق قبلتي الأولى ببساطة!
يدهشني قليلاً أنكِ كنت جادة بشأنه!
حركتني بعنف وهي تشد قميصي وتدفعني والدموع تتطاير من عينيها: لقد رفضت الكثير من الرجال ولم أكن أعلم أنني أشعر بالنقص بسببه، لقد القيت بهدايا باهظة وكثيرة لا تعد ولا تحصى، كيف سيعيد هؤلاء الرجال والهدايا لي!
شعرت بالإختناق والصداع بسبب هز جسدي بعنف وقد حاولت تهدئتها: على رسلك سأموت بين يديك! أنتِ حتى لم تسمحي لي بالإندماج في قصتك بسبب إندفاعك وحماسك! اللعنة يا جينيفر سأموت حقاً. لا يزال على الإطمئنان على كريس وجيمي وحضور زفاف إيثان وتيا و التخرج من الجامعة.
ارتخت يديها وقد نظرت من خلال النافذة لتقول بإستياء وتعاسة: عائلتي وصديقاتي ينادونني بالعازبة. وبسبب من؟ بسبب ذلك الأشقر الشرير الذي أهدرت عليه شبابي. هذا كثير علي، سأتزوج بأي شخص تقع عيناي عليه وأموت بحسرتي.
استقامت فجأة وبدت جادة وهي تفكر: لحظة! بذكر الزواج.
نظرت إلى تعقد حاجبيها بحيرة: ربما على الزواج برين بسرعة بالفعل! إن تأخرت أكثر قد لا أكون قادرة على الإنجاب!
رغبت في الضحك ولكنني لم أكد أفعل حتى عادت لتهزني بقوة وتقول بذعر: شارلوت لقد درستِ أمور الطب المريبة أخبريني بسرعة هل هذا صحيح؟ ألن أكون قادرة على الإنجاب؟ لا بأس طفل واحد سيكفيني ولكنني لا أريد أن أكون مضطرة للتبني!
صرخت بيأس ورجاء: من فضلك ارحميني قليلاً!
أمسكت بيديها بقوة وقلت مهدئة: يمكنني مساعدتك بشأن رين.
تغيرت ملامحها إلى الأمل وقد تركتني بشيء من السعادة والتوتر: حقاً؟
أومأت أتنفس الصعداء وانا أستند على النافذة: نعم. ولكن توقفي عن محاولة قتلي وحسب! اتفقنا؟
تنهدت بدورها وقالت بإستسلام: سأحاول.
رتبت مظهرها وشعرها الأسود ثم أخذت نفساً عميقاً وقالت: سأثق بك، سأثق بأنه لا يواعد أي فتاة، كما سأتأكد من هذا بنفسي وبطريقتي.
ابتسمت بلا حيلة ونظرت للحديقة لبرهة ثم قلت مفكرة: يبدو أن علاقتك بوالدته أسوأ مما تخيلت، تلك المرأة أتذكر أنها تكره كريس كذلك. ما مشكلتها معكما تحديداً؟!
طرفت ببطء وقد تكتفت تسند ظهرها على الحائط تحدق إلى الممر بهدوء وجدية عكس المعتاد: ألم أخبرك مسبقاً أنها مولعة في القاء اللوم على الآخرين لتغطية أخطاء شقيقتها وابنتها المختلتان؟
ولكنني لا أفهم سبب بغضها الشديد لكريس إلى هذه الدرجة، اتهمته بكونه المسؤول عن وفاة باتريشيا وعذلته على أمور كثيرة. كما أنني أتذكر كم كان غريبا وهو يتحدث بشأنها.
لا أخفي عليكِ كون الأمر غريباً بعض الشيء، أنا أيضا أشعر بوجود حلقة مفقودة يخفيها كريس بشأنها، هو أيضا يكن لها كره غريب من الصعب تعليله بالأحداث السابقة فقط.
من الجيد أنكِ تتفقين معي. ظننت أنني أبالغ في التفكير.
نظرت إلى أظافرها المزينة بطلاء الأظافر الأزرق وبعض الفصوص البيضاء الصغيرة وقد تمتمت متذمرة: هذه المرأة. ستعارض علاقتي أنا ورين بلا شك، ربما سأقنعه بالعيش معي في المدينة التي أعمل فيها، سيكون هذا أفضل لنا.
أغمضت عيناي أكتم رغبتي في السخرية: توقفي عن استباق الأحداث. وقوعك في الحب أمر مرعب، أخشى أن أشفق على رين!
استرسلت بإستغراب: ولكن صدقاً. ما السبب برأيك؟ لماذا تكره كريس هكذا؟! لا يمكن أنها الوحيدة التي كانت ترى شقيقتها البريئة والمعصومة عن الخطأ. هذا لا يبدو منطقياً حقاً.
نظرت جينيفر بزرقتيها إلى الأرض لوهلة قبل أن تبتسم بضمور: كريس مليء بالمفاجآت، يعلم كيف يحكم إغلاق صندوق أسراره الخاص الذي لا يملك مفتاحه شخص سواه.
شعرت بانقباض قلبي، مجرد التحدث عنه يشعرني بالحنين والقلق. متى سيظهر! متى سأراه وأقفز بين ذراعيه!
أنا حقاً مشتاقة إليه. لم يعد من السهل الصبر أكثر.
سألتها بحزن فشلت في السيطرة عليه: على بدء البحث عنه اليوم، جينيفر. ما قلته لي بشأن محاولته لبرمجة عقله لا أنكف أفكر بشأنه. ما الذي كنتِ تقصدينه؟ لست مضطرة لمواساتي أو مجاملتي كما تعلمين.
رمقتني بطرف عينها لمهية، ثم عاودت تنظر للأمام وقد ارخت يديها بجانبها.
بدت تفكر قليلاً قبل أن تقول بهدوء: لا أملك إجابة محددة، ولكنني أدرك جيداً أنك لا تحبين ما قد يبدو عليه يا شارلوت. إن كنت لا تريدين أي مراوغة مني أو مجاملة. فقد أكون قاسية عليكِ يا عزيزتي.
قالتها مبتسمة بمسايرة لتردف: لا سيما وأنكِ تحبينه بصدق. رأيتُ جنونه مرة تجاه رين. ولا أريد أن يعود إلى ذلك الشيطان عديم الرحمة و الإنسانية. إنه كساحر ضعيف نُبذ من قريته واضطر إلى استدعاء شيطان قوي من الجحيم يمنحه قوة مزيفة مؤقتة وحسب. قد يتصرف كريس بطريقة غير معقولة. سيحاول الظهور كالقوي الغير مكترث. ولكنني أعلم جيداً أكثر من أي شخص آخر. أنه سينهار في النهاية ولا أستبعد أن ينفجر باكياً كطفل صغير مذعور. حينها سيكون عليكِ الشفقة عليه لا التخلي عنه.
ل. لماذا تقولين هذا!
نفيت برأسها: لا أعلم. يراودني شعور سيء حياله.
ثم تحركت مبتعدة عن الحائط وقالت بضجر: لنعد إلى الغرفة لم ألتقي بجيمي بعد.
أومأت ولكنني سرعان ما توقفت عندما توقفت هي أيضاً. استدارت نحوي نصف استدارة وقد رسمت على ثغرها ابتسامة عميقة: شارلوت. قبل زمن بعيد جداً ثرثر رين بشأن فتاة لفتت أنظار كريس.
اتسعت عيناي بحيرة واهتمام، بل والتفتت جميع الحواس لجينيفر راغبة في التركيز في كل حرف وقد سألتها باكتراث بالغ: أكملي؟
ضاقت عينيها قليلا وهي تتأملني لتردف بلطف: عندما كانت علاقة كريس ورين وطيدة وعميقة جداً كانا يتبادلان أسرارهما، كل صغيرة وكبيرة. ولكن يبدو أن رين كان متعجباً ومستغربا لدرجة أنه سألني عن الأمر بفضول واهتمام منه. أخبرني أن كريس قد وضع في رأسه فتاة يقول بأنها ألطف ما رأت عينيه.
فغرت فاهي بذهول وقد انتابني شعور غريب! بل لم أشعر بقدماي اللتان تقتربان منها وكأنني أرغب في التمسك بكل حرف تتفوه به بكل ما أملك، تابعت كلامها: قال بأنها ظهرت فجأة في لحظة ضعف مرّ بها وبدت كحبل نجاة بالنسبة له. ابنة صديقا ماكس. التي ما أن تسنح الفرصة حتى سيبحث عنها ويتمسك بها ليرضي مسامعه بكلماتها المحفزة ويشبع عينيه بتأملها. اليست كلمات مراهق مولع وشغوف بالحب يا شارلوت؟
ارتجت يداي وشفتاي أحدق إليها بصمت وقد جف حلقي.
بل أن عيناي دمعتا بسعادة يجوبها إستياء شديد مشيحة بوجهي بسرعة وأنا أرفع يدي لأمسح دموعي بعنف مبتسمة بتوتر وحزن: هذا الأحمق.
اقتربت مني متنهدة تربت على كتفي ثم قالت بصوت عميق: يمكنني أن أفهم لماذا وقع في حبك. ما الذي ستشعرين به عندما تكونين على حافة الموت من الضغوطات النفسية وقسوة الحياة وتقابلين من هو قادر على انتزاعك وانتشالك من هالة الضياع ببضع كلمات؟ أنتِ لن تقعي في حبه وحسب. قد تضعين حقيبتك على ظهرك وتستعدين لرحلة البحث عنه متحملة مشقة البحث والعناء. لذا مهما حدث. أريدكِ أن تتذكري أنكِ حب طفولته والفتاة التي هرع خلفها ليتزوج بها ويبقيها إلى جانبه مهما حاول الإنكار، اتفقنا؟
أومأت وقد فشلت في إيقاف دموعي التي كلما مسحتها هربت من وكرها من جديد!
كما أريدك أن تفهمي أن عدم اعترافه لكِ ليس رفضاً متعمداً للتفوه بكلمة بسيطة، كل ما في الأمر أن ذلك الأحمق مُحرج من مصارحتك، إضافة إلى رغبته العارمة في اكتساب شعور الأمان بأنك من تحبه وتشعر بالشغف نحوه ليشبع العجز و النقص الذي يشعر به. كل هذا ليس سوى نتيجة لعدم ثقته بذاته الضعيفة.
كلماتها لم تكن مواسية فقط. بل تشعرني بالأمان والراحة الغريبة!
تشعرني بما هو أقوى من الحنين.
أفتقده.
أشتاق إلى محاولاتي في سماع اعترافه وتحمل عناده الغريب، أشتاق كثيراً إلى ثقته وهو يذكرني بمشاعري نحوه كمن يقوم بتسميع كتاب قرأه لعقود عن ظهر غيب.
همست من بين دموعي بضعف: عليه أن يظهر. أنا متعبة وأكاد أفقد طاقتي، لم أعد أطيق غيابه أكثر. انتظاري قد طال ولا أريد الصبر أكثر، أنا أحمل أخيراً إجابة لسؤالي العقيم ذاك. أعرف الآن لماذا أحببت كريس بالرغم من معاملته لي في البداية.
حاولت التوقف عن البكاء وأنا أقول بصوت مرتجف عقدت جينيفر حاجبيها بأسى على إثره: لقد رأيت ببصيرتي الطفل الذي قابلته ولا أتذكره، لقد شعرت بوجود قدر مُحكم يصر على شبك خيوطنا ببعضها البعض. لقد شعرت بوجود شخص مختلف تماماً في داخله يحاول التحرر من شيء يزعجه. شيء قاسي يكبله بالسلاسل والقيود الضيقة طوال الوقت. شيء في داخلي استوعب الآن أنه كان يستشعر مشاعر كريس الصادقة نحوي وإن حاول إنكارها. الجزء الذي وقع في حبه قد التقى بنفس كريس القديمة. قد يبدو ما أقوله غير منطقي ولكن لساني يتحرك من تلقاء نفسه ويتحدث بما يشعر به قلبي. هذا يكفي أريد رؤيته، لا يمكنني استيعاب فكرة غيابه أكثر. ، لا يمكن أن يكون جاداً في ترك جيمي خلفه. ولا يمكن أنه أوقعني في حبه ثم انسحب بسهولة. هذا لؤم.
شعرت بيديها اللتان تحيطان بي لتعانقني مربتة على رأسي بلطف وحبور فأغمضت عيناي مستمتعة بدفء عناقها ومحاولة التوقف عن البكاء. لقد ذكرني أمام رين قبل زمن بعيد. ظل يفكر بشأني، نعتني بحبل النجاة فما الذي أريده أكثر من ذلك! يمكنني أن أفهم الآن ما أشار إليه رين بكلماته في حوارنا ذاك قبل مدة عندما ذهبت برفقته إلى منزله.
شعرت برين يقترب مجدداً وقد همس في اذني: من تكونين؟
عقدت حاجباي استنكر هذا السؤال كثيراً!
من أكون؟ ما هذه الحماقة الآن يكفي ما أمر به لست متفرغة ل.
من أنتِ تحديداً بالنسبة لكريس.
أجبته بانفعال: شارلوت ماركوس. ارجو ان اجابتي قد نالت إعجابك.
لا داعِ للغضب لمجرد اكتشاف ان كريس اسوأ مما تظنين.
اضاف مبتسماً وقد ابتعد ليقف امامي مباشرة: من أنتِ؟ لماذا تزوجك بكِ؟ ليكن في علمكِ انني اعلم حقيقة انه من بادر بالزواج منكِ. لماذا قد يبادر لأجل مجرد حمقاء مثلك؟
زفرت بعصبية: انا لست في مزاج جيد.
منذ متى تعرفينه؟
رفعت كتفاي باضطراب ثم مررت يدي في شعري محاولة تمالك أعصابي: ليست فترة طويلة. شهران ربما او. انا حقا لا أدري.
ولكنني سرعان ما تداركت الأمر وقلت على مضض: لا. مهلاً. إن فكرت بالأمر بأكثر دقة فكريس يعرفني منذ الطفولة. أمي وأبي كانا أصدقاء لوالديه كما تعلم. لن يُخفى عنك أمراَ كهذا.
أومأ برأسه مفكراً قبل ان ألاحظ الاستغراب يأخذ مجراه على ملامحه: منذ الطفولة؟!
نعم.
قلتها وانا أجلس على الكرسي الصوفي وقد بدأت أشعر بشيء من الإنهيار.
أنا حقاً متعبة جداً، لماذا قد يعد أوليفيا بذلك في سن التاسعة عشر؟ لماذا كلما فكرت بالأمر بتعمق أجده مهتم بأمرها أو قلق بشأنها؟
انا الآن لا أشعر بالغيرة وإنما التشتت. انا مضطربة وأشعر بالضياع!
سمعت رين يتمتم واضعا يديه في جيبه: منذ الطفولة.
رمقته بلا حيلة لأجده يفكر بعمق قبل ان اتفاجأ به يضحك بخفوت.
تسمرت عيناي عليه بعدم استيعاب حتى تعالت ضحكاته أكثر في المكان وقد أشاح بوجهه مستمرا في الضحك!
وقفت بارتياب: ما خطبك بحق الإله! هل جننت؟
كنت أقف مبتعدة بحذر، بل واقتربت من الباب تأهبا لأي حدث طارئ، لم أعد أثق بما قد يبذر من هذه العائلة بعد الآن.
لا سيما بعد فعلة أوليفيا المريبة بقص شعرها بعشوائية وهي تبكي بانتحاب.
ازدردت ريقي بصعوبة حتى قال من بين ضحكاته: يا الهي. هذا يفسر الأمر إذاً. لم أكن لأتخيل أنه كان جاداً بشأنك. غير معقول!
هاه؟!
توقف عن الضحك أخيراً ولكنه ظل مبتسما وحينها لمعت عينيه بشيء من الاستنكار وهو يتمتم: أظنني أدين لكِ فلقد شفيتِ فضولي الذي كاد يلتهمني.
هكذا إذاً.
هذا ما كانت كلمات رين تحمله في طياتها.
في كل مرة أقابل طريقاً يجبرني على التمسك بكريس أكثر. وفي كل مرة أجد ما يثبت لي أنه ليس ذلك القوي الذي ظننت.
اختفاؤه خير دليل على ذلك. وإن كان الأمر محزنا ومخيباً ولكنني لا زلت آمل أنني سأكون قادرة على العودة برفقته إلى جيمي دون تكبد عناء إقناعه. لن يكون بحاجة ليقنعه أياً يكن بأن يقف إلى جانب ابنه.
سأجده. سأتحدث معه. قد أعاتبه قليلاً ولكننا سنعود لأجل جيمي وأوفي بوعد.
سأتوقف عن السماح للتشاؤم بتعقيد الأمور علي.
ستيف:
ارتشفت من شاي الأعشاب وأنا أنظر إلى أمي التي منذ أن جلست على مائدة الفطور وهي شاردة الذهن وتساير سام ببضع كلمات مختصرة.
إلى متى سيستمر هذا الوضع؟! أمي لن تكتفي حتى تفقد وعيها بسبب قلة الطعام! هي بالكاد تناولت بضع ملاعق حتى. جفنا عينيها المرتخيان والهالات السوداء التي تزداد يوماً بعد يوم. كل هذا يجهدني أنا!
لا فكرة لديها عن التأنيب الذي أشعر به، لا تعلم كم أعذل نفسي على حالتها هذه.
تنهدت بعمق وقد مررت يدي على رأسي الذي يؤلمني منذ الأمس بسبب التفكير المتواصل، لازالت كل كلمة تبادلتها أنا وسام مع كريس تجول في عقلي، بل تتجول الكلمات في رأسي كما يحلو لها بلا رحمة.
أنا مُصر على العودة للتفاهم معه، ولكنني لا أعلم حقاً ما على فعله! لا أدري كيف أتصرف وماذا أقول.
نظرت إليها عندما وقفت هامسة: أرجو المعذرة.
أطبقت شفتاي بقوة متمالكاً نفسي بصعوبة بالغة، بل أحكمت قبضتي حتى ابيضت يداي وقد تحرك لساني لأفشل في السيطرة على نفسي قائلاً بصوت منخفض مبحوح: ترفضين تناول الطعام، ترفضين الخروج من غرفتك التي تمضين كل وقتك فيها، تبكين صباحاً ومساءً وتتجاهلين أبي الذي ينهك نفسه في العمل مكان كريس وعندما يعود تديرين ظهرك له، بالكاد تزورين جيمي وبالكاد أطلق على ما تفعلينه اسم حياة.
وقفت بغضب وصرخت بنفاذ صبر: ربما وجهي يذكرك بخالي إلى درجة فقدان شهيتك. هل على المبيت في الخارج لتعودي إلى وعيك يا أمي؟! هل تحاولين قتل نفسك!
تنفست بصعوبة وقد انتابتني غصة شديدة مؤلمة، شعرت بضيق مجرى الهواء وقد وقف سام بهدوء بالغ وقال بحزم: توقف يا ستيف.
ولكنني تجاهلته وأكملت بنبرتي المنفعلة: أنا لم أعد أعلم إلى ماذا على أن أوجه إهتمامي تحديداً! أنا مشتت وأشعر باليأس. توقفي عن تعذيب نفسك وقتلي بتأنيب الضمير!
اتسعت عينيها الذابلتين وقد دمعتا فوراً، تقوست شفتيها وهي تشيح بنظرها بعيداً وحزن!
اهتزت أوصالي جراء نظرتها هذه وقد سيطر على الضيق لأطرق برأسي هامساً بصعوبة: هذا حقاً كثير. الحال الذي وصلنا إليه مثير للشفقة.
رأيتها تتقدم ببطء فرفعت رأسي أنظر إليها بإنهاك، وقفت أمامي ترفع يدها نحو وجنتي وقالت بلطف والدموع تبلل أهدابها: توقف يا بني عن لوم نفسك. لا أحد يعاتبك ولا أحد يعذلك سوى نفسك، لا أحد يوجه إليك أي إتهام، ماكس كان يعني لي كل شيء يا ستيف. شعرت بالتعاسة والندم رغماً عني عندما أخبرتنا أولين بخروجه من المشفى على مسؤوليته الخاصة. هذا يعني أنني لم أكن شقيقة يُفتخر بها. لم أكن أفهمه ولم أكن بجانبه عندما كان بحاجتي. لم أرى يوماً شخص أحن على من أخي، لم أقابل يوماً من يكن لي الإحترام والحب أكثر منه، لطفه وطيبته كانت تحتويني يا ستيف. رحيله فجأة يشعرني بالوحدة الموحشة مهما حاولت أن أكون بخير.
اقترب سام مني ليضرب كتفي بقوة وابتسم بلباقة: سيدة كلوديا. الجميع يفتقده ومن الصعب استيعاب رحيله، لا يجب أن تشعري بالوحدة طالما هذا الخطل الساذج يهتم بك وقلق بشأنك، أنتِ لم تري كيف كان يبكي في الأمس ويهذي كثيراً بشأنك ويلوم نفسه.
عقدت حاجباي بإنزعاج شديد وانا ابعد يده: متى بكيت.!
تجاهلني وتنهد بعمق واضعا يده على جنبه: سيدة كلوديا، ستأتي أمي لاحقاً للخروج معك لا يمكن أنكِ سترفضين ذلك صحيح؟
زمت أمي شفتيها وبدت ستعترض ولكنه أكمل فوراً بخبث: أي إعتراض سيدفعني لإخبار تلك العازبة المجنونة لتتقلص وتدخل إلى عقلك وتواصل رجاءك طوال الوقت لذا من الأفضل ألا تنافسيها.
نظرت أمي إلى بتردد فابتسمت لها أحثها، أخفضت عينيها للحظة قبل أن ترسم ابتسامة لطيفة مضمرة: لا يمكنني رفض الخروج مع ستيفاني ولكنني لا أعدها بنزهة مسلية أبداً.
اقترب من أمي واضعا يده على كتفها برفق وحبور وقد رسم تلك الإبتسامة اللعوبة الجذابة هامساً: لا بأس. أراهن على أنكِ ستنسين كل شيء ما أن تخرجي من المنزل.
بل ورفع يدها اليمنى بلطف وأضاف: أعتذر لقولها بهذه الطريقة ولكن. أنتِ تهدرين جمالك ونضارتك بسبب الإنغلاق على نفسك طوال الوقت.
هذا الأحمق. سيستخدم هذه النبرة وهذه الطريقة مع كل إمرأة يراها، كيف يجرؤ على التحدث إلى أمي هكذا!
اقتربت بحزم وابعدت يده بإمتعاض لأمسك بيد أمي وأحثها على التحرك متذمراً: لا تسمحي لهذا المأفون اللعوب بلمسك ببساطة وإلا أخبرت أبي.
شعرت بها تبتسم رغماً عنها وقد تبعتني عندما خرجنا من الغرفة ولا زلت أمسك بيدها، تفاجأت بها تعانق ذراعي وتريح رأسها على كتفي هامسة ونحن نصعد الدرج: لقد كبرت حقاً يا ستيف. لطالما كنت أراك طفل طائش متهور، إلا أنك الأفضل عندما يتعلق الأمر بانتشالي من تعاستي، رؤيتك تبتسم فقط تشرح صدري أكثر مما تتخيل. إياك والتفكير يوماً أن أحدنا سيعاتبك على وفاة خالك فنحن نعلم جيداً ما كان يعنيه لك. أنا بحاجة إلى رؤية ابتسامتك ورؤيتك سعيداً بصدق.
أضافت تمازحني بصوتها المبحوح: كنت طفلاً مشاغباً تجبرني على الركض خلفك أنا والخادمات من غرفة إلى غرفة، ولكن أنظر إليك الآن تفوقني قامة وحكمة. الأيام والوقت أمران غريبان فعلاً. لا شيء يبقى كما هو!
شعرت بأساريري تنفرج شيئاً فشيئاً، خالجني شعور التحرر من شيء ما كان يعيقني عن التحرك! كان كالثقل على صدري يمنعني من التنفس. كيف بات مجرى التنفس أوسع لبضع كلمات منها! لا شيء يضاهي ثمن سعادة أمي، لا شيء أفضل من رؤيتها تبتسم ولا شيء أرق من حبورها.
ابتسمت رغماً عني أحدق إليها أميء برأسي: لا شيء يبقى كما هو.
نعم. هذا صحيح، لا شيء يبقى كما هو، ولكن هذا ما لن أقبله بشأن كريس وإن حاول بكل جهده.
عندما صعدت أمي إلى غرفتها وولجت إليها عدت لأنزل حيث كنا قبل قليل في غرفة الطعام ولكنني رأيت سام يقف في الردهة بوجه أبله، انتبه لي وأنا أنزل فقلت بإشمئزاز: ما هذا الوجه الذي يثير الغثيان!
أجابني ببلاهة: مع أنني أخبرت والدتك بأن تخرج مع أمي. ولكن أمي لا تعلم بذلك أصلاً!
اتسعت عيناي: هاه؟! هل تمازحني! لقد صعدت لتغير ملابسها أيها الأحمق!
لقد أردت مواساتها ولكنني تماديت قليلاً.
قليلاً؟ يا الهي.
اسمع الأمر بسيط جداً.
أطربني يا فهيم!
سأعود إلى مدينتي برفقة والدتك وسأخبر أمي بالأمر الآن وستتفهم ذلك فوراً لأجل والدتك، ستخرجان معاً ولا داعي لتوصية أمي بشأنها فهي تعلم كيف ترسم البسمة وتعيد لها أجواؤها الحيوية.
قالها بثقة جعلتني أرتاح وأميل برأسي إيجاباً: من الجيد أنك تملك حلاً وإلا حملتك المسؤولية.
عندما أنهيت جملتي فُتح باب المنزل ببطء، نظر كلانا إلى الشخص الذي سيدخل بترقب وحيرة، لتظهر شارلوت محدقة إلى هاتفها وتمشي ببطء وإندماج.
أغلقت الباب خلفها ونظرت إلينا بإستيعاب، هذا سيء! لقد أتت قبل أن أصفي ذهني مما حدث في الأمس مع زوجها البليد.
ما الذي على فعله! كيف أتصرف؟
ازدردت ريقي بصعوبة وحافظت على هدوئي، لن ألمح لها أو حتى أسمح لأي ثغرة أن تكشف لها أي شيء. لا يجب أن تراه في حالته تلك مهما حدث. من السهل أن يكسرها بلسانه الذي لا يحتسب أي كلمة.
كان هذا ما شعرت به أيضا من خلال نظرات سام لي قبل أن يبتسم ويقول مقترباً منها: أخيراً قررتِ الإستماع إلى نصائح السيدة أولين، ليلة واحدة ستكون كفيلة بتغيير مزاجك واستعادة حيويتك.
رفعت حاجبيها: ما الذي تفعله هنا!
أجبتها عوضا عنه وأنا أتجه إليهما: ذهبنا في الأمس لنشتري بعض مستلزمات عدة تصويره السخيفة وتأخرنا لذا أصرت أمي أن يبيت هنا.
أومأتْ بفهم: هكذا إذاً.
أردفت تمرر يدها على رأسها بإرهاق: قررت أن أنام لساعتين على الأقل قبل أن أرى ما يمكنني فعله بشأن موضوع كريس، لا اريد أن أغدو كاذبة لئيمة أمام جيمي وأخيب أمله.
ثم نظرت لهاتفها وهمست متذمرة: جينيفر تعرف جيداً كيف تعطي الترخيص لفضولي بقتلي.
صعدت الدرج فتبادلت النظرات مع سام، وعندما تأكدنا من صعودها تماماً اسرع يقول بجدية وحذر: سأعتمد عليك، إياك وجعلها تشك في أي شيء.
همست أنظر للأعلى بهدوء وحيطة: لست أحمقاً إلى هذه الدرجة، أنا أفكر فقط بما سيجول في عقلها حول موضوعه، لا أدري كيف ستحاول الوصول إليه.
نظر إلى الفراغ متمتماً: عندما تصر شارلوت على إيجاد أمراً فصدقني قد تصبح أذكى من خبير تحقيق جنائي، سأترك الأمر لك لحين عودتها إلى المشفى غداً.
أومأ متحركاً: لا تقلق. لننتظر أمي هناك.
قلتها مشيراً إلى إحدى غرف الجلوس فتبعني، توترت كثيراً لمجيئها فجأة. حسنا لم يكن فجأة ولكنني لست مستعداً ومؤهلاً نفسياً بعد، ليس وكأنني لن أجيد التظاهر أو سأفشل في التمثيل ولكنني أخشى أن أحذر إلى درجة البلاهة وأكشف الأمر بطريقة أو بأخرى. على أن أكون نبيهاً بما يكفي لأتصرف على سجيتي.
بعد لحظات نزلت أمي وغادرت مع سام بالفعل، وقبل ذلك اتصل أمامي بوالدته ليخبرها بمجيء أمي معه ويبدو أنها تفهمت الوضع فوراً.
استلقيت على الأريكة أغمض عيناي محاولاً تهدئة أعصابي، لا أسمع سوى صوت الستائر التي يحركها الهواء وصوت آلة جز العشب في الحديقة وأحاديث بعض الخدم بصوت خافت في الخارج.
علي طرد ما قاله كريس من رأسي. لا يجب أن أسمح لصدى كلماته بالتردد في عقلي في كل حين، يكفي أنني بالكاد نمت في الأمس وعجزت عن التفكير.
هذا الأحمق تحدث عن شارلوت بطريقة مزعجة كما لو كانت لا تعني له أي شيء، بل وكان وقحاً إلى درجة قوله بكل بساطة هذا واقع في حب فتاتي . كان هذا محرجاً ومثيراً للدهشة حقاً.
الأهم من هذا. كريس لا يبدو طبيعياً حقاً، ليس وكأنه قد جن جنونه فقط. أنا أتحدث عن نظراته الغريبة! يوجد أمر مريب بالفعل ولكنني عاجز عن تحديده.! ليته كان يقتصر على عدم الإكتراث أو التبلد. في عينيه بريق غامض لا زال يثير قلقي واستغرابي. ليس من السهل ترجمة ما رأيته. وليس من السهل محاولة التخمين حتى!
ولهذا تحديداً أنا قلق بشأن شارلوت ولا أريدها أن تعلم بأمره، من يدري ما قد يقوله أو يفعله إن قابلها وجهاً لوجه.
لم يمانع القاء سيل من التجريحات والإهانات علي، قد لا تحتمل شارلوت هذا وإن كانت قوية وصبورة!
أرحت مرفقي على عيني أنصت إلى صمت المنزل الموحش، خلوه من ضحكات جيمي، الفراغ الذي تركه خالي، غياب الوغد كريس واختفاء تذمره هنا وهناك في أرجاء المنزل أو حتى جداله واستفزازه لي، انشغال أبي في العمل المتراكم بسبب غياب كريس، وأمي التي غادرت تواً تاركة خلفها شيء من صمتها المميت هذه الفترة. ولكنني بدأت أستبشر خيراً بشأنها، أشعر أن أمي ستكون قادرة على الوقوف على قدميها مجدداً قريباً، على أن أبقى إلى جانبها حتى تعود إلى طبيعتها.
والأهم الآن.
مراقبة نفسي جيداً.
تيا:.
أتيت إلى العمل وكان في نيتي محاولة إخراج نفسي من عتمة التعاسة والكآبة ولكن من أين لي الأجواء الهادئة في ظل تذمر السيد فابيان على كل شيء، نظرت إلى من لا يكف عن الاعتراض والنقم حول كل شيء متعذرا بغياب كريس، صحيح بأن الأعمال متراكمة في معظم الأقسام ولكن هذا لا يعطيه الحق في التحدث عنه في كل صغيرة وكبيرة! وكأن أي كارثة طبيعية ستحدث الآن سيقول فوراً أن كريس المسؤول عنها!
نظرت إليه بغيض محاولة السيطرة على غضبي فرمقني جوش مهدئاً قبل أن يقول وهو يمد نحوي بعض الأوراق: سيكون هذا جدولنا لليومين القادمين، أعلمي أي متصل أننا لن نعقد أي اجتماع قريب وسنكون ملتزمين بشأن حضور بعض الإجتماعات الأخرى غداً.
أومأت فوراً وتحركت لأخرج من مكتب الإدارة التنفيذية الذي كان كريس يعمل فيه، ولكن صوت متململ قد استوقفني: آنسة تيا سأرجو إيقافك للمهزلة في الخارج، يوجد الكثير من الشائعات التي تنتشر بين الموظفين حول اختفاء صديقك اللطيف.
استدرت نحوه ارتدي قناع الهدوء: سيد فابيان. أنا هنا للعمل وحسب، لا اريد إشغال عقلي بالأمور الأخرى.
مرر جوش يده في شعره بإنزعاج وقد أبعد وجهه عنا، أراهن على أنه سئم هذه الحرب الباردة.
شجعني إيثان على الذهاب ولكنني لم أكن لأفعل لو كنت أعلم ان هذا الاستقبال المثير للجنون ينتظرني!
شعرت بنفسي قد أطلت التحديق إليه بعيون منزعجة فتداركت الأمر واستدرت لأخرج في حين تجاهلني ووجه نظره نحو الحاسوب المكتبي.
هذا الكهل المستفز، كيف كان كريس قادراً على تحمله!
أغلقت الباب خلفي واتجهت إلى مكتبي القريب من هنا والبعيد عن المكاتب الأخرى بعض الشيء، جلست على الكرسي واتصلت فوراً بالجهات المعنية والتي أوصاني بشأنها جوش قبل لحظات.
وعندما أخبرتهم بتأجيل بعض الأمور حتى نتفرغ أتت الجملة التي ارخت ملامحي وجعلني أشرد بذهني لا بأس، نحن نثق بضرورة العمل معكم، كما نريدك أن توصلي رسالتنا هذه إلى السيد كريستوبال، الخطة المبدئية للتسويق التي اقترحها كانت ناجحة بالفعل ولا زلنا نجني ثمارها، يوجد الكثير من العروض التي تتوافد علينا من كل صَوب، لا زلنا نطمح في العمل معه والاستماع إلى أفكاره المبتكرة الأخرى. أوصلي سلامي إليه يا آنسة.
عندما أغلقت الهاتف سافرت بذهني رغماً عني بعيداً عن العمل تاركة ما بيدي.
اكتفيت من البكاء. اكتفيت من التشاؤم والنوم والإستيقاظ أتنفس كبشرية لا يرجى منها سوى ترديد الكلمات التعيسة فقط. على أن أتوقف عما أفعله. حتى وإن كان كريس يعني لي كل شيء فعلي أن أؤمن به قليلاً.
علي الأقل أن آمل أن يعود قريباً، أن تفي شارلوت بوعدها وتعيده. لا أقصد وضعها تحت ضغط كبير ولكنني.
أشعر بأنني وجدت عمود أتكئ عليه أخيراً!
كريس لن يتخيل مدى قلقي وخوفي، لن يتخيل اشتياقي إليه مهما حاول. وقد لا يفهم ما يعنيه أن يكون أخي وأبي وكل شيء!
ولكن بالفعل. لا فائدة سأحصدها مما أفعل، على أن أعمل فلطالما كان يعتمد على ويثق بقدراتي، لا يجب أن يعود وأخيب أمله بي.
أريد أن أهرب من الأفكار السوداء بالعمل هنا، أريد أن أرد لإيثان جميله في وقوفه معي طوال الوقت.
لقد كان يعد الفطور والغداء يومياً، كان يحاول تنويع طلب الطعام من مطاعم مختلفة للعشاء ليبهجني، اشترى الكثير من الأفلام، بل ولجأ إلى شراء حقيبة قبل فترة، ثم عدسات طبية ملونة لأجلي تناسب قياس نظري. ليتبع هذا بجملته التي جعلتني أبتسم حينها بلا حيلة لديك لون عيون يُقتبس منه ألوان العدسات الملونة، لستِ بحاجة إلى هذه العدسات ولكن من يدري. ربما كلانا سيشعر بالفضول لرؤيتك بمظهر مختلف مفاجئ من باب التسلية .
هذا الأحمق أعتقد أنه بذّر أمواله على الطعام وأمور حاول اسعادي بها.
تنهدت بيأس مفكرة بما على فعله لأجله. ، لما لا أقتلع نفسي من هذه الهموم وأعد له العشاء ونتناوله في الخارج معاً؟
كان هذا ما تدور حوله أفكاري عندما رأيت فابيان الذي خرج وفي يده ورقة منهمك في قراءتها، كان يمشي بخطى واثقة حتى رمقني بنظرة سريعة وتجاهلني، ولكنه سرعان ما عاد مجدداً واسند يده على مكتبي متمتماً بهدوء: أنا لن أنتظر أكثر. أسبوع كمهلة قصوى، إن لم يظهر نفسه فلن أقف مكتوف الأيدي، لن أسمح بجر هذه المؤسسة الضخمة بكل أفرعها إلى الهاوية بسبب طفل لا يجيد استخدام عقله!
احتدت عيناي أزم شفتاي.
اهدئي يا تيا. اهدئي.
هذا الرجل قد يكون قادراً على اتخاذ قرار تندمين عليه لاحقاً.
لديه صلاحيات كثيرة وللأسف جميعنا نثق بمهاراته.
اللعنة. أنا أشتعل! أنا أكبت رغبتي في غرس كعب حذائي في منتصف هذه البطن الكبيرة المتدلية.
أكمل بحزم متجاهلا مرور بعض الموظفين بجانبنا: إن لم يظهر خلال أسبوع فأنا جاد في اتخاذ خطوتي آنسة تيا، سأستلم الإدارة التنفيذية وأتوقف عن محاولة التستر عليه.
جادلته باعتراض: عذرا سيد فابيان ولكن لا يحق لك فعل هذا! أقصد. كريس هو الوريث لهذه الشركة كما تعلم، وفاة السيد ماكس أعطت ابنه جميع الصلاحيات تقريباً باستثناء بعض النسب الأخرى التي سيتم توزيعها على المساهمين، لا أحد سينكر فضلك على الأعمال هنا ولكنك.
أنتِ تتحدثين عن شاب ميؤوس منه، تتحدثين عن شخص هرب من مسؤولية العمل في وقت يقوم فيه منافسينا باستغلال واقتناص اصغر الثغرات والفرص! لا أحد سينكر ما حققه وما فعله ولكن عندما يصل الأمر إلى هذا الحد فيجب ان يتوقف الجميع وهو على رأسهم! ماكس كان صديق أكن له كل احترام وأرغب كما يرغب الكثيرون في اكتساب الخبرات منه ولكنني أعلم أيضاً أنه لو كان موجوداً اليوم فلن يرضى بهذه المهزلة! الراحل إفليك كان عبقري في هذا المجال وورث ماكس عنه كل ذلك وتدرب جيداً على يده. لن أكذب على نفسي وأنكر أن هذا الطفل الغير مسؤول موهوب أيضاً ولكن ما فائدة الموهبة عندما يملكها الشخص الخطأ؟!
وقفتُ وقد ارتد الكرسي للخلف وزمجرت بإنزعاج: كريس يمر في ظروف صعبة وعلينا مراعاته، إنه فقط بحاجة إلى.
لست بحاجة إلى أي تبرير، حتى وإن كان الوريث فسألجئ إلى المحامي الخاص لنتفاهم بهذا الشأن.
أعقب وقد استقام بحزم: قبل أن تفكري بصديقك فكري في الموظفين اللذين سيدفعون ضريبة غيابه وفكري في أرباحنا وأسهمنا التي لن أسمح أبداً بتراجعها. العمل عمل ولا مكان للمشاعر هنا، الدراما العاطفية التي تؤدينها الآن لن تؤثر بي، نحن هنا في مكان رسمي ولسنا في حانة نقوم فيها بالبكاء أو الفضفضة. عندما تجدين عذرا ملائماً لتغيبه عن ابنه الصغير في المشفى فأعدك بأنني سأنصت بكل حواسي إلى عذرك بشأن تخلفه عن العمل. وكما قلت قبل قليل. أوقفي الشائعات التي تنتشر بخصوص تغيبه متعمداً.
أردف بسخرية: وإن لم تكن إشاعات حقاً.
اتسعت عيناي وقد ألجمتني كلماته فجأة!
يا الهي.
من الصعب انكار هذا! أنا أقر بأنه محق ولكن. ولكن.
ارتجفت يداي وأسرعت أخفض رأسي ولم أجد ما أقوله!
لوى شفته بإزدراء وقد تحرك مكملاً طريقه متذمراً بجفاء: اتصلي بقسم المحاسبة انا بحاجة للحديث معهم. سُحقاً، هذا ما يحدث عندما يجلس الأطفال على كرسي الإدارة.
ابتعد عن عيناي وكذلك صوت خطاه فعدت لأجلس على الكرسي بلا حيلة.
لم أكن قادرة على الرد.
فابيان محق.
لا أحمل عذرا بشأن ابنه حتى احمل ترخيص التحدث عن العمل. يا الهي!
متى ستظهر نفسك يا كريس. متى ستضع حداً لما يحدث! إنها فوضى. زوبعة أفسدت الهدوء والإستقرار الذي كنا نشعر به.!
شارلوت:
تقلبت على جانبي الأيمن بتعب واحتضنت الوسادة بقوة، لا أدري كم مرّ من الوقت عندما غطيت في النوم. ساعة؟ ساعتين؟ لا أدري ربما أكثر.
فتحت عيناي ببطء أدفن نصف وجهي في الوسادة التي تفوح منها رائحة عطر كريس.
ليتها الوسادة وحسب. رائحته الرجولية المميزة في كل أرجاء الغرفة، أشعر بوجود أطياف كنسخ مطابقة له في كل مكان حولي. أحدها يستفزني، الآخر يبتسم بسخرية، الثاني يتسلط على والأخير يبتسم بلطف.
كم أشتاق إلى تلك الإبتسامة اللطيفة، كان يبدو شخص مختلف تماماً في الآونة الأخيرة قبل تلك الحادثة المشؤومة.
كان يصر على انكار مشاعره محافظاً على كبريائه بأي طريقة. كان يبدو أكثر جرأة وأكثر عفوية معي وبطريقة ما بدى يحاول التحرر ببطء من عناده.
دمعت عيناي فأسرعت أغمضهما أمرر يدي على الفراش ببطء شديد.
فليعد.
فليعد ويفرغ غضبه أو ضيقه ويتسلط ويتغطرس ولكن. فليعد وحسب!
تنهدت بعمق ونظرت إلى هاتفي الذي اهتز جراء وضعية الإهتزاز معلناً وصول إشعار ما. تناولته من على المنضدة ولا أزال أستلقي أحتضن وسادة كريس لأنظر إلى الشاشة.
ابتسمت بسرعة غير قادرة على كبح رغبتي في السخرية بل وضحكت بخفوت على رسائل جينيفر.
أرسلت الكثير ولكن يبدو أنني كنت أغط في نوم عميق أبعدني كل البعد عن هذا العالم وما يحتويه، الرسالة الأولى كتبت فيها رأيت آلات تصوير مكان عمله، هو يخرج وحيداً من المؤسسة ولا يرافق أي فتاة .
اعتدلت في الجلوس أسند جسدي على مرفقي أنظر إلى الرسالة الأخرى لقد سألت واستفسرت بشأنه، وجدت أنه لا يتناول الغداء في العمل برفقة أي شخص وإنما يتناوله وحده، كما علمت أن فتاة ما تحاول لفت انتباهه ولكنه لا يلقي لها بالاً
ضحكت بخفوت معلقة: يا الهي يا جينيفر! ماذا تكون هذه المرأة! محققة عُينت في الأبحاث الفيدرالية؟!
أكملت القراءة لأجد في آخر رسالة لها الآتي لا يوجد أي أشياء تخص النساء قد قام بشرائها عن طريق البطاقة الإئتمانية.
لا عجب أنها تعمل في مجال الصحافة! قد يتحابق رين عليها حتماً إن اكتشف ما يحدث خلف ظهره. ولكن هذا الأحمق لا يمكن أنه سيرفض مشاعرها لمجرد قلقه عليها من والدته أو تلك المختلة اوليفيا! إنهما ملائمان لبعضهما كثيراً، رين ليس بذلك السوء كما ظننت في البداية. في الحقيقة لا شيء سيء قد بذر منه ويستحق الذكر سوى بعض التصرفات الطائشة المثيرة للغضب والتي لم تترك أثراً قوياً حتى.
ولكن صدقاً. ذكاء جينيفر وطريقتها في البحث مرعبة بحق!
جلست أرتب شعري المبعثر وقد أنزلت قدماي على الأرض لأرتدي الخفين، لا وقت أهدره أكثر. على أن أفكر بروية بشأن كريس. ينبغي على استغلال كل لحظة اليوم لأعود في الغد إلى جيمي وأحمل معي بشرة سارة صادقة على الأقل.
وهذا ما حدث، فها أنا أجلس أحتسي كوب من القهوة الداكنة، ولكنني لم أجلس في غرفة الجلوس في الأعلى أو الأسفل أو حتى في غرفة النوم.
وإنما في مكتب كريس، أجلس على الكرسي الجلدي العريض والذي أحركه بطريقة دائرية بذهن شارد، أدرت الكرسي للمرة المئة نحو المكتب أحدق إلى الحاسوب المكتبي، إلى الملفات المرتبة في الرفوف، إلى القلم الأسود الفخم والمُثبت على قطعة معدنية مربعة الشكل، إلى شعار الشركة الموجود على أحد الأوراق المُغلفة ببرواز وبدت كشهادة عالمية في مجال إدارة الأعمال.
كنت أنظر إلى أبسط التفاصيل وأدقها أسأل نفسي عن المكان الذي من الممكن أن يتواجد فيه، المكان الذي سيعتقد أنه سيحميه من حقيقة ما حدث ويغلق على نفسه تماماً ليحيل نفسه عن العالم الخارجي.
من الصعب توقع ردود فعله، من الصعب فهم ما يجول في خاطره، مهما حاولت التحديق إلى كريس بتمعن وتفحص لن أتوصل إلى أي شيء. على عكس قدرته الخارقة في قراءتي دائماً.
أنهيت نصف الكوب وقد وضعته على الطاولة وأسندت مرفقاي على مسند الكرسي أغوص فيه وأنظر إلى السقف بمخيلة صاخبة لم تترك شيئاً إلا وفكرت فيه. ومع ذلك لا زلت عاجزة لا أدري ما الخطوة التي على اتخاذها.
ما هي خطوتي الأولى! أنا حقاً لا أعلم.
فكري يا شارلوت. لا تقفي مكتوفة الأيدي وافعلي شيئاً.!
فكري كما لو كنت ذلك المجنون الذي تحبينه، اجعلي عقلك يفكر كشخص مختل وحسب!
تنهدت بعمق وقد رفعت قدماي على الطاولة ووضعت قناع التعجرف على وجهي أحدق إلى خيالاً لمساعدة في الشركة لأقول لها بحزم وتغطرس: ضعي القهوة واخرجي.
رأيت خيالها يخرج في حين احتسيت مما بقي من القهوة هامسة بنبرة حاولت جعلها رجولية وعميقة قدر الإمكان: توفي أبي. فقد ابني بصره، زاد خبل أوليفيا عن الحد المعقول. على أن أهرب من كل هذا. حيث لا شيء سيربطني بأي أحد. حيث لن يعثروا على أبداً.
لن أذهب إلى منزلي على الشاطئ. ولا إلى أحد الفنادق، سيكون من السهل التوصل إلى مكاني.
اعتدلت في جلسي وشبكت يداي أسفل ذقني وقد اسندت مرفقاي على الطاولة متمتمة: ولن أستخدم البطاقة الإئتمانية، لن ألجأ إلى أحد المعارف أو الجيران أو شخص على علاقة بالعائلة. لن أتجه إلى مكان يدركه نفوذي أو أموالي. بل على العكس تماماً. انا بحاجة إلى التفكير في مكان خارج الصندوق حيث لن يخطر على بال أحدهم.
ربما سألجأ إلى شخص يُعتمد عليه.
شخص يكون الأنسب في تدبير مكان ملائم لي.
رجل يكتم الأمر سراً، تربطني به علاقة تحوي شيئاً من تبادل المنفعة.
أسدي له مصلحة وفي المقابل أجني ما أريد.
أنا بحاجة للهرب من هذه الطامة، أحتاج إلى الإختلاء بنفسي واستيعاب ما حدث.
نعم.
ذلك الرجل ساعدني في الإيقاع بتلك الحمقاء شارلوت، قمت بحياكة تلك الخطة السخيفة وجعلها تعتقد أنها مجرد شقة معروضة للإيجار.
عقدت حاجباي أفكر وقد تذمرت بصوتي الطبيعي: ولكننا لم نجده هناك!
زفرت بقوة وانحنيت بقوة لأضرب رأسي مراراً وتكراراً بالطاولة حتى ارخيت رأسي أنظر إلى الفراغ بلا حيلة.
بحثنا بالفعل في شقة السيد إدوارد لعله يكون هناك ولكننا لم نجده، لو كان السيد إدوارد يعلم بمكانه لما تردد في ت.
هاه!
السيد إدوارد!
اعتدلت جالسة كمن تعرضت لمس كهربائي أطرف بعيني بسرعة، نظرت من حولي محاولة ترتيب أفكاري حتى تعمقت في أفكاري أكثر فأكثر!
نحن لم نتحدث مع السيد إدوارد مباشرة! لم نتحدث معه وجهاً لوجه حتى الآن.
لم يخطر على بالنا أن نسأله بشأن كريس حتى!
وإن لم يكن يعلم عنه شيئاً فلا يهم، سأكون على الأقل قد تقدمت خطوة واحدة.
نعم! السيد إدوارد يعرف كريس وقد منحه تلك الشقة، ألا يعني ذلك أنه قد يملك شقق أخرى في مكان ما مثلاً؟ أو حتى يعرف أشخاصاً آخرين يقومون بتأجير المنازل!
لما لا؟! إن كان قد لجأ إليه لخطته تلك قبل لقائي به.
أليس من المرجح أنه لجأ إليه مرة أخرى؟!
رفعت كوب القهوة لأرتشف منه حتى استوعبت أنني انهيته مسبقاً فتأففت بنفاذ صبر وتوتر.
مررت يدي في شعري وقد وقفت مبتعدة عن الكرسي وبدوت كالمخبولة وأنا أعاود استخدام النبرة العميقة التي حاولت جعلها رجولية بكل جهدي: اعطني مفتاح أحد الشقق الأخرى التي تملكها!
أو حتى رقم أحد المؤجرين للشقق اللذين تعرفهم.
بلا شك.
قد أجد ما يشفي قلقي وخوفي لو قابلت السيد إدوارد وجهاً لوجه!
اتجهت فوراً إلى الغرفة لأغير ملابسي، انتقيت الملابس بعشوائية وبلا اكتراث لأرتدي بنطال جينز أسود وقميص أبيض قطني بأزرار سوداء، فوقه ستره خفيفة وأخذت هاتفي لأخرج من الغرفة فوراً.
ولكنني تأوهت متألمة وكذلك الشخص الذي ارتطمت به بقوة عندما فتحت الباب واندفعت للخارج!
تباً يا شارلوت ما الذي تحاولين فعله تحديداً.! أطلتِ في النوم وقد أتيت لأطمئن وهذا ما أجنيه!
لم يكن سوى ستيف الذي تأوه يمرر يده على صدره بألم، رفعت يدي أخفف من حدة الألم على جبيني الذي ارتطم بصدره وقلت مقتربة بجدية وإنفعال: ستيف. يوجد أمر قد غفلنا عنه!
عقد حاجبيه باستغراب وقد ارتخت يده من على صدره متسائلاً: أمر غفلنا عنه؟!
أومأت بحزم: بشأن كريس. نحن لم نسأل السيد إدوارد، لم نلتقي به وجهاً لوجه! ماذا لو كان يعلم أي شيء عن كريس سواء كان ذلك من قريب أو بعيد حتى!؟
اتسعت عينيه للحظة وقد نظر إلى مطولا وفغر فاهه قليلا قبل ان يبتسم بسخرية: م. ما هذا السُخف!
نفيت بإصرار: انصت إلي. الشقة التي كنت أحاول تأجيرها في البداية وقبل لقائي بكريس كانت شقة مستأجرة من السيد إدوارد نفسه، كريس تعامل معه وأجرها منذ فترة طويلة كما تعلم يا ستيف، تلك الحيلة السخيفة كانت بناءً على علاقتهما الجيدة!
أردفت أنظر إلى الفراغ بتفكير: لذا قد يكون قد تواصل معه مرة أخرى. لا أملك دليلاً على ما أقوله ولكنني آمل أنه يعلم بأي شيء ولو كان أمراً يظنه بلا جدوى!
أغمض عينيه بهدوء ثم تنهد بعمق: أنتِ تهدرين وقتك، السيد إدوارد لن يملك أدنى فكرة عن مكانه يا شارلوت.
لماذا تقول هذا!
لا سبب محدد ولكنني واثق مما أقوله، إن أراد كريس أن يتوارى عن الأنظار فسيفعل هذا بنفسه.
سيفعل هذا بنفسه؟! وكيف قد يحقق هذا! ألن يحتاج إلى مكان يستقر فيه؟ هو حتى لم يذهب بإحدى سياراته يا ستيف ألا يعني هذا أنه قد طلب من أحد ما إيصاله مثلاً؟ ألم يستعن بأي طريقة ليذهب فيها! ماذا عن الأسواق في المدينة؟ أنا مستعدة لدخول كل متجر وسؤال من يعمل فيه عن كريس وأعطيهم صورة له حتى! هذا يكفي إلى متى سنقف مكتوفي الأيدي هكذا!
ستيف:
اللعنة كيف توصلتْ إلى فكرة كهذه!
لماذا عمل عقلها جيداً الآن من بين كل الأوقات؟!
تدخل الغرفة لتنام وتخرج متأهبة للخروج، ما هذا المأزق!
لا يجب أن تعرف أي شيء، لن أسمح لها برؤيته في حالته تلك مهما حدث.
وهذا ما جعلني أكمل التظاهر بالملل أخفي كم هائل من التوتر والإضطراب، وقلت أسند ظهري على الحائط بإستخفاف: عذرا أيتها المحققة شارلوت. ولكن ليس وكأن أبي لن يفكر في التحدث إلى السيد إدوارد كما تظنين، أبي لن يغفل عن أي شخص يعرف كريس ولو معرفة شخصية. وإن كان شخص قد القى عليه تحية عابرة فقط.
اتسعت عينيها الخضراوان تنظر إلى وقد بدأ شيء أشبه باليأس يستحوذها وهي تنفي: ولكن. لم يخبرنا أنه تحدث إليه، ربما غفل عن لقاء السيد إدوارد حقاً!
غير معقول، دعيني أذكرك أنكِ التقيت بأمي وأبي للمرة الأولى في تلك الشقة، إنهما على معرفة بذلك الرجل، لذا أخبرك أن أبي لن يؤجل أو يتخطى البحث عن كريس بمجرد سؤال إدوارد سؤال بسيط وجها لوجه أو حتى عن طريق الهاتف.
بدت تعيسة وهي تخفض نظرها للأرض تزم شفتيها بضيق: وأنا التي ظننت أنني أتيت بأمر جديد غفلنا عنه. لا يمكن. شعرت بأنني كدت أقترب كثيراً، كيف أبتعد هكذا وكأنني أهدرت وقتي في التفكير على اللا شيء.
رغبت أن أبدي قليلا من الراحة لنجاتي من هذه الورطة ولكنني تمالكت نفسي وابتعدت عن الحائط لأقول بهدوء: شارلوت، توقفي عن إنهاك نفسك. كان عليكِ أن تستغلي وجودك في المنزل لتحصلي على قسط من الراحة لا ان ترهقي رأسك!
أعقبت أنظر إليها بجدية: حاولي ان ترتاحي اليوم، أعلم أنكِ مستاءة لأجل جيمي وقلقة بشأن الوعد الذي قطعته، ولكن استرخي الآن وحسب وأعدك أننا سنجد كريس قبل انتهاء المهلة!
رفعت عينيها نحوي بتردد وبدت ترسم ابتسامة مسايرة مزيفة: ليس وكأنني سأرتاح حقاً.
تفاجأت ببعض الدموع التي ترقرقت في مقلتيها وهي تشرد بذهنها تنظر إلى الفراغ محتضنة نفسها، شعرت برغبة عارمة في البوح لأخبرها مكانه ولكن.
ليس وكأنها ستكون سعيدة لما ستراه.
لن تكون مسرورة أو فخورة بإيجاده وهو بتلك الحال!
ما الذي على فعله لأجلها؟ أي قرار أتخذ من أجل جيمي؟
أفقت من شرودي التعيس وكذلك شارلوت التي هربت الدموع من عينيها وقد جفت تماماً، نظرنا نحو مصدر صوت الخطوات السريعة وبكاء بصوت مألوف حتى اتسعت عيناي لأرى جينيفر التي تصعد الدرج وتركض نحونا بإندفاع.
اقتربت نحونا تصرخ بإسم شارلوت التي توترت في مكانها وبدت كمن تريد أن تهرب لو لا أن الأخيرة قد عانقتها بقوة وقالت منهارة بصوت عالي: رين الوغد.
ضربت وجهي بإحباط قبل أن أزمجر بغضب: اللعنة يا إمرأة! ظننت أن كارثة قد حلت بنا!
رمقتني بغيض وقد اختفت دموعها فجأة مما جعلني أتساءل عن ماهية الشيء الذي كان يلمع على وجنتيها قبل قليل! ما هذا بحق الإله ماذا تكون هذه المجنونة! ممثلة حائزة على أفضل الجوائز العالمية؟!
ابتعدت عن شارلوت التي تكاد تختنق وقالت بأسى: شارلوت. أنا بحاجة إلى التحدث إليك.
عقدت حاجباي باستغراب وفضول واقتربت متسائلاً: ما خطب رين؟ لماذا تبدين مثيرة للشفقة؟ ثم انتظري لحظة. لقد لحقتِ به في الأمس وواصلت ترديد أموراً مضحكة كتقبيله و.
ولكنها صرخت تقاطعني بإمتعاض: أنا غاضبة حقاً لذا كن متعاطفا معي الآن يا ولد!
و. ولد!
نظرت بعينيها الزرقاوين الداكنتين إلى شارلوت التي تمرر يدها في شعرها بلا حيلة، ثم قالت تجرها خلفها ممسكة بيدها بقوة: اتبعيني.
طرفت بعيني ببلاهة ونزلت خلفهما لأقف في منتصف الدرج وانا أرى شارلوت تبتسم لإحدى الخادمات في الردهة وتقول لها بلا حيلة: أصبحت مستشارة في أمور العاطفة لذا لا تترددي في سؤالي عما يزعجك إن وقعتِ في الحب.
فغرت فاهي بغباوة في حين نظرت الخادمة إليها بعدم استيعاب قبل ان تضحك بخفوت نافية برأسها.
حسناً. على الأقل أنقذتني جينيفر من ظنون وأفكار شارلوت!
أعتقد أنني شاكر لها حقاً، لم أكن لأضمن ما قد يبذر من شارلوت إن استمر حوارنا أكثر. فأنا لن أستبعد ان تتمسك بالفكرة وتذهب إلى السيد إدوارد لتسأله عن كريس.
وحينها قد يحدث ما أحاول جاهداً منعه من الوقوع!
تنفست الصعداء وانهار جسدي لأجلس على الدرج مشتت بين شعور الراحة والإضطراب والخوف من المجهول.
أخرجت هاتفي من جيبي وأرسلت إلى سام رسالة لقد نجونا بأعجوبة، شقيقتك كادت تخرج من المنزل لسؤال إدوارد ولكنني بالكاد تخطيت المأزق .
عاودت أضع الهاتف في جيبي وقد أسندت مرفقاي على الدرجة التي تعلو التي أجلس عليها، ورفعت رأسي أعيدها للوراء حتى رأيت آنا تنزل الدرج وتنظر إلى بشيء من الحزم الممازح: سيد ستيف. من فضلك التفت إلى الأمام.
نظرت للأمام مشيراً بيدي بملل: لا تقلقي يا آنا ولكنه سيكون خطؤك فالسيدة أولين تخبركن دائماً بضرورة التوقف عن إرتداء هذه التنانير القصيرة.
تقدمتني لتنزل وعندما وصلت إلى قالت بهدوء ولطف: تبدو أفضل حالاً وهذا جيد بالفعل، كما أرى انسجامك الجيد مع السيد سام.
ذلك الخطل! لا تسيئي الفهم نحن نتحدث كثيراً في بعض الأمور مؤخراً وحسب.
رسمت ابتسامة حانية قبل ان تتنهد وتضع يدها على جنبها بلا حيلة: كفاك مراوغة، انت سعيد بتواجده في الأرجاء وهذا واضح وإن حاولت إنكاره.
أردفت مشاكسة وهي تنزل: تعلقت بالسيد كريستوبال بأخوية وهذا ما تفعله الآن ولكن بطابع تغطرسي مختلف وحسب، افتقارك للأشقاء يرغمك على التوغل مع المقربين من سنك. كان بإمكانك ان تطلب منا تجهيز غرفة له ولكنك جعلته يبيت في غرفتك على السرير بينما استلقيت على الأرض متعذرا بحسن الضيافة، لا تعتقد أن حيلك ستنطلي علي.
زمجرت مشيراً إليها بغيض: مخصوم منكِ نصف الراتب يا آنا!
ضحكت بخفوت وهي تبتعد وتنعطف يساراً في الردهة فزفرت بإنزعاج وهمست واقفاً: من قال أنني اعتبر الأحمق سام شقيق! لو كان شقيقي لتبرأت منه منذ زمن.
شارلوت:
تبدو محبطة حقاً!
نظرت إليها بحيرة: هل أنتِ بخير؟
ولكنها بدلا من إجابتي حركت السيارة وقد انعطفت بطريقة حادة فارتد جسدي وقلت بإنزعاج: ها قد بدأت نوبة الجنون!
زمت شفتيها بإنزعاج مماثل: أنا حزينة دعيني أنفس عن مشاعري قليلاً.
مع إبقائي على قيد الحياة من فضلك!
أعدك بإعادتك سالمة.
أرجو ان تفي بوعدك.
أضفت بإهتمام: ألن تتحدثي؟ ماذا بشأن رين؟ كنت تخبرينني قبل ساعتين تقريباً أن كل شيء على ما يرام فما الذي تغير؟!
نفيت بهدوء: لنجلس في مكان مناسب أولاً.
اعترضت بصوت عالي: لا! فضولي لن ينتظر حتى نجد المكان المناسب!
ولكنها فغرت فاهها لتصدر صوتا كالبكاء التعيس: ذلك الصعلوك الأشقر. أرجوكِ لنمت معاً يا شارلوت دعيني أصطدم بتلك الشجرة.
كلمة متهورة أخرى وسأبلغ الشرطة عنكِ.
التعليقات