رواية بعيدا عن الأرض للكاتبة ديمة الفصل الثاني عشر
المكان: كوكب كيبلر
أسدل الليل ستائره في كوكب كيبلر و قد ظهرت النجوم بأجمل حلاتها و تلألأت في السماء الصافية. تحت ضوء القمر الخافت تحديداً كانت إرورا تنزل السلالم الحجرية بهدوء و قد بدت كلص خائفٍ من أن يشعر أصحاب البيت بوجوده. ما إن وصلت إلى تلك الزلزالة المظلمة حتى وضعت المفتاح الذي حصلت عليه بصعوبة في قفل الباب. حاولت فتحه دون إصدار إي صوت و ما إن فٌتح حتى دلفت إلى الداخل.
كان ضوء القمر قد قلل من تلك الظلمة في هذا المكان الموحش، طالعت الجدران المهترئة و الحديد الصدئ في المكان و قد شعرت بالضيق و هي تسأل نفسها ما هو الشيء الذي يستحق في هذا العالم أن يوضع إنسان في هذا المكان الذي يشبه إلى حد كبير حظيرة الحيوانات؟ . استفاقت من شرودها على صوت تأوهاته التي توحي بألمه الشديد فشابٌ قوي البنية مثله لا يتألم هكذا بسهولة. اقتربت منه و هي تحمل حقيبة الإسعافات الأولية في يدها، لم تكن لديها خبرةٌ كبيرة و لكنها تعلمت ما يكفيها لإسعاف شخصٍ في أيام تدريبها. جلست على ركبتيها لتقترب من مكان استلقائه ثم أشعلت المصباح و فتحت حقيبتها الصغيرة، قربت المصباح من جسده الذي ملأ بالجروح و الخدوج و قد كانت ملابسه متسخة بالدماء. طالعت تلك الكدمات و الجروح التي تركت علاماتها على وجهه. كان يطوي إحدى قدميه، كان جرحٌ عميق في ركبته هو سبب تألمه و حال معرفتها لمصدر الألم الرئيسي أخرجت المعقم و الضمادات. لم يشعر هو بوجودها إلا عندما وضعت القطن المعقم قوق جرحه فاستفاق يتأوه بألم. توترت عندما شعرت باستيقاظه و لكن كان عليها الاستمرار في تعقيم جرح قدمه قبل أن يلتهب. عقمته جيداً ثم همت بوضع الضماد و لف قدمه بالشاش. كان هو لا يعي ما يحصل حوله فقد أفقده الألم وعيه جزئياً و لولا ضعف جسده كان في نيته إبعاد ذلك الشخص عنه فقد كان يعاني من الهلوسات. بعد أن انتهت من الجرح الأهم سارعت بتعقيم الخدوج الصغيرة ودقات قلبها تتسارع بسبب شعورها بالتوتر. همت بالمغادرة بعد أن انهت عملها و تأكدت من تعقيم جروحه، كانت تتمنى مساعدته أكثر و لكن هذا ما استطاعت فعله له حالياً.
همست قبل أن تخرج قاطعةً ذلك الصمت الطويل لقد زال الخطر و لن يلتهب الجرح.
صدم عندما أدرك أنها فتاة، من هي تلك الفتاة التي تجرأت على مساعدته؟ كان صوتها هو الشيء الوحيد الذي عرفه عنها، اختار الصمت في تلك اللحظة دون غيره.
فتحت باب الزلزالة فأصدر صريراً مزعجاً للأذان، أغلقته خلفها ثم أقفلته. رحلت إرورا و قد تركت ورائها مئات الأسئلة في عقل ليوناردو.
تسللت أشعة الشمس من نافذة ذلك المكان الموحش لتمنحه القليل من الروحانية. فتح ليوناردو عينيه على صوت القفل الذي أدير ليفتح باب الزلزالة و يصدر صوت الصرير المزعج نفسه. نهض دون أن يحرك قدمه المصابة لقد خف الألم كثيراً بعد أن قامت تلك الفتاة بتضميدها لينعم بنوم هانئ لساعات قليلة. طالع باب الزلزالة الذي فتح فوجد جوزيف برفقة عدد من الحراس. شعر بالضيق من رأيته في هذا الصباح و قد شعر بانقباض قلبه عندما رأى ابتسامته الساخرة.
ما رأيك بهذا الاستقبال يا فتى؟ كان رائعاً صحيح؟ سأله ساخراً بينما رمقه ليوناردو باحتدام.
طالع جوزيف آثار الضرب الذي تعرض له ليوناردو من الحراس فعقد حاجبيه بانزعاج ثم التفت إلى الحراس خلفه قائلاً:
ألم أقل لكم أن تروه كرم ضيافتنا، أهذا ما فعلتموه؟ كم أنتم حمقى. لقد أسود وجهي أمام ضيفي.
نظر إليه الحراس باستغراب فلقد كادوا أن يصدقوا كلماته تلك حتى انقلبت تعابيره وجهه المنزعجة تلك إلى ابتسامة مستفزة و ما لبثت أن تحولت إلى ضحك هستيري مجنون. كان حراسه دائماً يؤكدون لنفسهم أن ذلك الرجل ليس طبيعياً أبداً بسبب تقلباته الجنونية.
كنت أتوق لرأيت حروق، دماء على الأقل كسور. لقد علمتكم الكرم و لكنكم تبقون بخلاء دوماً قال ثم التفت إلى ليوناردو مردفاً لا تؤاخذ حراسي فهم يتصرفون بحماقة دائماً و لكن صدقني لقد أوصيتهم بك
كان واضحاً لليو بأن جوزيف يحب أن يستفزه فلم يبدي أي تعابير امتعاض أو غيظ.
لم تخبرني، كيف كان النوم على تلك الأرضية المريحة. حقيقةً لقد احترت بالمكان الذي سأستضيفك به و لكن لم أجد أفضل من المكان الذي استقبلت فيه والدك منذ تسعة عشر عاماً تنهد و كأنه يتذكر ذكرى جميلة ثم أضاف مبتسماً لقد تناثرت دمائه هنا أيضاً عندما قتلته هنا في هذا المكان، لم يستنفذ مني سوى طلقة واحدة كم هي روح الإنسان رخيصة!
كان ليوناردو يرغب بأن يسد أذنيه عن سماعه أو حتى أن يصيبه الصمم فلقد استنفذت كل طاقاته للتحمل و لكنه لم يرد أن يظهر ضعفه أمام ذلك الوضيع.
و لكنني ندمت حقاً، كنت مخطئاً في قتله لأكن صريحاً معك لقد كانت أكبر غلطة ارتكبتها في حياتي. كان يجب أن يدفع الثمن غالياً و أن لا يحصل على الموت الرحيم ببساطة، كان يجب أن يبقى كوالدتك في زلزالة مظلمة ليتمنى الموت. والدتك تتمنى الموت كل يوم.
كان جوزيف يضرب على وتر ليوناردو الحساس، أحس بالألم يعتصر قلبه و هو يتحدث عن والدته. إنها تعاني منذ سنوات و هو لا يستطيع أن يفعل شيئاً لها كم هو ضعيف بلا حول و لا قوة. تردد صدى جملته الأخيرة على مسامعه و قد كاد أن يبكي كطفل صغير و لكن لم يكن البكاء أبداً ليهزمه و خاصةً أمام هذا الرجل.
ضحك جوزيف بسخرية ثم قال و ستبقى أنت مثل والدتك هنا، فمكانكم في زلزالة كالحظيرة تناسبكم.
لقد قطع جوزيف آخر حبال صبر ليوناردو فاستقام على قدمه السليمة بكل ما يملكه جسده الهزيل من قوة ثم سدد لكمةً قوية لجوزيف تشبه تلك التي سددها له أمس فأطرحته أرضاً، كان تحت تأثير الصدمة فلم يتوقع ذلك الرد من ليوناردو. اندفع الحراس مبعدين ليوناردو حتى دفعوه نحو الجدار ليثبتوا حركته و يتحكموا بجنونه. كان ليوناردو يلقي الشتائم على جوزيف الذي لم ينهض بعد و لكن بسرعة جنونية نهض و أحاط رقبة ليوناردو ثم همس له قائلاً ستدفع الثمن غالياً يا هذا. كاد ليوناردو أن يختنق بين يدي جوزيف و لكنه أرخى يده و هو ينظر إلى قدمه المضمدة بعناية، اتسعت عيناه بصدمة ثم عاد ينظر إلى عيني ليوناردو البنيتان و هو يقول:.
من قام بتضميد جرحك؟ سأله و عيناه تشتعل بلهيب غضبه الجنوني و لكن ليوناردو تجاهل سؤاله بل بالأحرى لم يكن يعرف الإجابة فحتى هو كان يجهل هوية تلك الفتاة. عاد جوزيف ليشد قبضته و يمنع أنفاس ليوناردو الذي تجاهله كعادته و لكن و تحت غضبه الشديد كاد أن يقتله بين يده دون أن يملك القدرة على التوقف. صوت ايقظه فجأة من وهلة غضبه و ذلك عندما جاءته إجابةٌ من خلفه.
لا داعي لتلك التحقيقات سيد جوزيف، فأنا من فعلت.
لم يكن ليجهل ذلك الصوت أبداً، ذلك الصوت الذي حفر في ذاكرته منذ زمن. حرر يده التي أحاطت عنق ليوناردو و قد سارع بالتقاط أنفاسه حتى أنه لم يسمع ذلك الرد الذي جاء لينقذه. التفت جوزيف و العرق يتصبب من جبينه و لكنه لم يراها، هل كان يتخيل؟ أم أصابه الجنون؟ تجاوز باب الزلزالة متجهاً نحو الدرج االذي كان على الزاوية عساه يجد مصدر الصوت. اقترب نحو الدرج فوجدها تقف هناك، لم ترد كشف هويتها أمام ذلك الشاب فبقائها مجهولة هو الأفضل. طالعها جوزيف بحنق و غضب مكتوم، كان يريد أن يريها ما عقاب من يتعدى على أوامره و يكسر كلمته بهذه السهولة. كانت إرورا تقف بثبات دون أن تهتز أو تخشى من نظرات جوزيف لها و مع أنها المرة الأولى التي تتشاحن فيها معه و لكن كانت واثقة مما فعلته فلم تكن لتتوقف عن معالجة ذلك الشاب أو أي شاب آخر يتعرض إلى ظلمه. صعد الدرجات الفاصلة بينه و بينها و قبل أن يفتح فمه و يتفوه بكلمة كان أحد الحراس واقفاً على الدرج فقال ليوقظ جوزيف من شروده.
سيدي، لقد حضرت الملكة فيكتوريا و هي تنتظرك في جناح الاستقبال.
أبعد عيناه عن خاصتها و هو يطالع الحارس الذي وقف على بعد درجات قليلة ثم قال:
حاكمة كوكب جليزا هنا و ماذا تريد؟
لم تخبرنا سيدي و لكنها أشارت إلى أن الموضوع في غاية الأهمية و أنها تحتاج للحديث معك الآن.
أومأ جوزيف للحارس ببرود ثم قال:
اذهب أنت و أخبرها أنني سآتي حالاً.
بعد أن أختفى الحارس بعيداً عن أنظار جوزيف عاد لينظر إلى إرورا بغضب ثم همس لها بأنفاس مضطربة:
ابتعدي عن ناظري الآن و إلا احرقتك بحمم غضبي.
اخترقت تلك الجملة أذناها، و مع أنها كانت تنتظر ردة فعلٍ أقوى منه كصفعة أو عقابٍ شديد و لكنه أكتفى بتلك الجملة التي جعلتها تتمزق من الداخل، شيءٌ ما كسر بداخلها و مشاعرها نحوه كشخص يحميها دوماً كانت مختلفة.
تراجع إلى الوراء ثم عاد إلى الزلزالة و أشار للحراس بأن يحرروا ليوناردو ثم قال:
سأعود لأريك أسوأ كوابيسك.
خرج الحراس خلفه بينما صعد جوزيف الدرج متجاهلاً إرورا الواقفة كالصنم دون أن تتحرك من مكانها و قلبها يكاد يخرج من قفصها الصدري. كانت مضطربة، حزينة في ذات الوقت، شعرت برغبة بالبكاء فكانت نظرات جوزيف وحدها تكفي لتشعرها بهذا الكم من الحزن و الألم.
دلف جوزيف إلى غرفة الاستقبال الواسعة و طالع تلك الجميلة التي تقف أمام نافذة الجناح الكبيرة. كان جوزيف يكره وجود تلك الإنسانة في نفس المكان الذي يوجد فيه، فهي تخرق كل القوانين التي يضعها للأشخاص الذين يتعاملون معه و لكنه كيف ينسى أن أولئك كلهم مضطرون للخضوع له أما هي فكانت الوحيدة التي لا يستطيع وضع خطوط حمراء أمامها للتعامل معه بل بالأحرى كانت هي الوحيدة التي اضطر الخضوع لها. زفر بضيق عندما تذكر إرورا، كيف نسي أن تلك الفتاة قد ورثت جميع صفات عائلتها؟ كيف أعتقد أن بإمكانه التحكم بها و هي حفيدة الملكة فيكتوريا بنفسها؟ تجاهل أفكاره تلك و سارع بالترحيب بفيكتوريا.
ما هذه المناسبة العظيمة التي تجعل الملكة فيكتوريا بنفسها تشرف بلاطنا الملكي؟
ابتسم و هو يرحب بها بينما استدارت هي عندما أحست بوجوده.
منذ متى و أنت تقف هنا؟ سألته عاقدةً حاجبيها باستنكار فلقد شعرت بوجود أحد و لكنه أعتقدت بأنها تتوهم فقط.
حقيقةً يا عزيزتي لم أسلم من سحر قوامك الممشوق و أنت تقفين أمام النافذة أجابها بدهاء.
جلست فيكتوريا على الأريكة و هي تنظر إلى جوزيف بنظرات استنكار لتقول رافعةً كلا حاجبيها.
لن تتغير أبداً.
ابتسم لها ثم قال و هو يجلس على الأريكة المقابلة لها:
كما تركتني عزيزتي لم أتغير و لكن أنت من ازددت جمالاً، هل تصغيرين مع تقدم السنوات؟
لقد كانت فيكتوريا تحفظ أسلوب جوزيف عن ظهر قلب، طريقته المعتادة لجعلها تخرج عن كبريائها لتعامله كشريك في السلطة. ما كان منها سوى أن ابتسمت بسبب أسلوبه ذاك و طريقة تفكيره.
ابتسم مع ضحكتها ثم قال نعم ابتسمي هكذا، أنظري إلى ابتسامتك الفاتنة. كيف تحرمين من حولك جمال ابتسامتك؟
في الحقيقة لست مثلك يا جوزيف، فأنا لا أستطيع الابتسام و أنا أغلي غضباً من الداخل أو أنك تريد مني أن أوزع ابتسامات بلا معنى تحط من قدري.
نظر نحوها بغيظ فهو يعرف بأنها تقصده بكلماتها و لكنه عاد ليصطنع ابتسامةً بلهاء.
وقتي ضيقٌ جداً، لذلك سأتكلم بما جئت لأجله قالت تنظر نحوه ثم أردفت ما رأيك بأن أزيد عدد النساء اللوات سأرسلهن في الدفعة القادمة؟
اتسعت عيناه ثم رفع حاجبيه و قال بسخرية مكتومة:
ما هذا الكرم عزيزتي؟
ابتسمت له ثم قالت رافعة إحدى حاجبيها بمكر:
لا شيء بلا مقابل عزيزي.
أعرف طبعاً أن لا شيء بلا مقابل خصوصاً عندما يكون الأمر يخصك و لكن ما هو المقابل؟
تعجبني عندما تفهمني و تختصر على البدايات، حسناً أنا بحاجةٍ لأحد رجالك الأقوياء قالت ثم اردفت بعد صمت قصير أحتاج إلى رجل بمهمة خاصة، قويٌّ و يستطيع التصرف بحنكة لينفذ خطةً في منتهى الحساسية و الدقة و لكنني لا أريد أن أضع أي احتمالات للفشل كما أريده أن يسعى لتحقيقها مهما كلف الثمن.
لن تجدي أفضل مني قال مبتسماً.
لا جوزيف لن تناسبك تلك المهمة أبداً، لا تليق بمقامك قالت مبتسمةً لتواكب حاله الجنوني.
ما نوع المهمة؟
ليس من المهم أن تعرف التفاصيل و لكنها مهمة غير المعتاد، مهمة تحتاج إلى شخص مميز. لا أريد رجل من من ترسلهم عادةً لا يعرف سوى فنون القتال و تنفيذ الأوامر كروبوت.
فكر جوزيف بمن يناسب تلك المهمة الحساسة التي تتحدث عنها فيكتوريا ثم قال:
دعيني أفكر.
و بما أن فكره كان مشغولاً بما حدث وجد نفسه يفكر في ليوناردو ربما هو أفضل اختيار فعندها سيستطيع التخلص منه و إبعاده عن أنظار إرورا و بما أنه لا يستطيع العفو عنه أبداً بعد ما أرتكبه فهذا يعني مزيداً من المشاكل المزعجة مع إرورا، بالإضافة إلى أن ذلك الشاب مناسبٌ لتلك الخطة بسبب قوته و اختلافه عن بقية الرجال و في ذات الوقت هو يعرف جيداً نقطة ضعفه.
لدي شابٌ مناسبٌ جداً قال بعد صمت طويل.
أريد أن أتأكد أولاً من إمكانياته قالت و هي تنظر إليه مشككة مقدرته على اختيار شخصٍ مناسب.
لقد كنت أؤدبه لتوي، هو في السجن في قبو القصر.
رفعت فيكتوريا حاجبيها بإعجاب متمردٌ أيضاً هذا جيد جداً قالت ثم نظرت نحو وجه جوزيف الذي تركت لكمة ليوناردو علاماتها على وجهه فابتسمت بسخرية هل أنت من كنت تؤدبه.
نظر جوزيف نحوها بغيظ و حنق فتلعثم و قبل أن يجيبها قاطعته قائلة:
هذا هو الشاب الذي احتاجه، و لكن كيف سيخضع لطلبنا؟
أنت تتعاملين مع جوزيف جميلتي، لا أحد لا يخضع لي قال بثقة مبتسماً.
رمقته فيكتوريا بنظرات استخفاف ثم قالت:
إذاً حدثني عن نقطة ضعفه و يمكنني التعامل معه.
جلست إرورا إلى جانب توماس في الغابة كالعادة، مسحت دموعها بطرف أصابعها فلقد بدأت بالبكاء كالأطفال عندما خرجت من قبو القصر حيث السجن. تنهد توماس بقلة حيلة فهو لا يعرف كيف يمكنه مواساتها.
يكفي إرورا لا أتذكر حتى متى آخر مرة بكيتي فيها قال محاولاً ردعها عن البكاء أكثر فأردف مكملاً لا تخافي سأحميك من جوزيف لن يستطيع إيذائك أبداً.
و من قال أنني أخشى جوزيف؟ قالت بنبرة باكية.
أعرف أنك لا تخشينه إذاً لماذا تبكين الآن؟ قال عاقداً حاجبيه باستنكار.
رفعت وجهها الذي دفنته بين يديها ثم نظرت نحو توماس بعينيها الدامعتين فقالت و قد أصابتها نوبة بكاء جديدة:
لقد كنت محقاً، جوزيف ليس أنساناً جيداً كما ظننت صمتت قليلاً ثم تابعت بكائها قائلة لقد لكمتك من أجله، كان يجب أن تكون غاضباً مني الآن و لكنك عوضاً عن هذا بدأت بمواساتي.
بدى له بأنها تبرر صدمتها بشعورها بالذنب نحوه فضحك ثم قال لها:
يا فتاة أنا قوي لا أتأثر بتلك اللكمة البسيطة.
ضحكت من بين دموعها و بكائها فضربت كتف توماس بخفة ثم قالت:
أنت كاذب لقد قلت لي بأنك تألمت من تلك اللكمة.
قلت هذا لأشعرك بالذنب فقط قال مبتسماً و هو يجلس القرفصاء أمامها.
ابتسمت قليلاً ثم عادت تبكي من جديد بجنون و هي تقول:
لقد جرحت كثيراً، لا وجود للرحمة في هذا العالم. هل سنبقى هكذا إلى الأبد؟
ابتسم توماس بأسى ثم قال مطمئناً:
يوماً ما سنصبح أحراراً و نتحرر من هذه العبودية.
هيا إرورا يكفي بكاءً، يوماً ما عندما أصبح شجاعاً سأسدد لكمة كاللكمة التي سددتها لي إلى جوزيف.
قهقه بمرح فضحكت على جملته الأخيرة ثم قالت ماسحةً دموعها و هي تبتسم:
لقد فعل ليوناردو، سدد لكمة قوية لجوزيف.
اتسعت عينا توماس بصدمة ثم قال بتلعثم غير مصدق:
هل أنت جادة؟
أومأت برأسها مؤكدة فأردف قائلاً:
مع أنني أرغب بتكريمه على هذا الفعل الشجاع و لكن أخشى أن يختفي من على وجه الدنيا قريباً قبل أن أفعل.
هل نستطيع مساعدته؟ سألته إرورا عاقدةً حاجبيها بانزعاج.
لا للأسف، إلا إن حصلت معجزة تنقذه من انتقام جوزيف.
دخل حارسان جناح الاستقبال برفقة ليوناردو الذي كان يجهل ماذا سيحصل معه و ماذا سيفعل جوزيف له. لم يكن خائفاً منه بقدر ما كان خائفاً أن يفقد حريته و يعجز عن الوصول إلى والدته. كانت فيكتوريا الجالسة على الأريكة تتفحص ليوناردو بكل تفاصيله فلاحظت الجروح و الخدوج على جسده فوجهت نظرها نحو جوزيف عاقدةً حاجبيها بانزعاج.
ألا تستطيع أن تمسك أعصابك قليلاً دون أن تؤذي سجنائك يا رجل؟ قالت ثم زفرت بانزعاج بينما كان ليوناردو يجهل ما يحدث حوله.
شعر جوزيف بالغيظ من جملتها تلك و لكنه أجاب ببرود بعد أن رمق ليوناردو بنظرات حادة فلقد أراد أن يقتله بشدة.
هناك أناسٌ يفقدونك السيطرة على أعصابك و يضطرونك إلى إهانتهم عزيزتي فيكتوريا.
نعم، نعم أعرف و لكن ربما لم يكن ليتمرد هكذا إن استعملت معه الأسلوب الصحيح قالت فيكتوريا بهدوء بينما فهم جوزيف ما ترمي إليه فهي تجيد كثيراً التلاعب بمكر.
إذن لأترك لك التعامل معه عسى أن يستجيب لك.
ابتسمت فيكتوريا لجوزيف ثم أردفت:
لا تقلق فذلك الشاب ليس متمرداً كما تعتقد و لكن سأحتاج لأن أكلمه على انفراد قليلاً.
ألقى جوزيف نظرة على فيكتوريا و هو لا يشعر بالراحة لما ستفعله و لكن هذا حقاً لا يهمه فمنذ هذه اللحظة صار ذلك الشاب ملكها و خرج هو من الموضوع. أومأ برأسه مستسلماً ثم هم بالخروج ساحباً حراسه معه. نظرت فيكتوريا نحو ليوناردو بعد أن أُغلق الباب و تأكدت من انسحاب جوزيف، ابتسمت له ثم قالت:.
لماذا تقف؟ اجلس على الأريكة أشارت إلى الأريكة المواجهة لها. نظر ليوناردو نحوها باستغراب و هي تشير له بالجلوس، ماذا تريد منه؟ تقدم يعرج على قدمه المصابة ثم جلس مواجهاً لها. نظرت نحو قدمه المصابة ثم قالت:
أعتذر بالنيابة عن جوزيف بشأن إصابتك و لكنه للأسف لا يكف عن استعمال العنف بهمجية.
وضعت ساقها فوق الأخرى و هي تسأله:
ما اسمك؟
ليوناردو قال باختصار دون أدنى رغبة بالحديث.
حسناً ليوناردو، لقد جئت إلى جوزيف أطلب منه أن ينجدني بشابٍ قوي البنية و الشخصية لمهمة خاصة و عندها أخبرني عنك و سمعت عنك و رأيتك وجدت أنك الشاب الذي أبحث عنه. أعتذر بالنيابة عن جوزيف فهو يتصرف دائماً بتسرع و سمعت منه عن قصة والدتك، حقيقةً تأثرت كثيراً و لمت جوزيف بحدة لقد أخطأ كثيراً بحق والدتك و بحقك قالت بتعابير تأثر مصطنعة ثم تنهدت مكملة لذلك قررت أن أخلص والدتك من بين يديه فإلى متى ستبقى في السجن؟
نظر نحوها ليوناردو غير مصدق لابد أن هذه خدعة أم لعبة تحاك لإيقاعه فهو لم يعهد أن يرى منهم رحمة أو شفقة و قبل أن تطول أفكاره تلك طويلاً قالت فيكتوريا:
و لكن عليك إسداء خدمة صغيرة و بسيطة لي قبل هذا.
عقد حاجبيه باستغراب مع أن توقعاته صدقت إلا أنه لا يدرك ما هذا الشي الذي يجعل تلك المرأة ذات النفوذة و السلطة بحاجة إليه.
نطق على مضد:
ما هي؟
ابتسمت فيكتوريا بعد أن نطق ليوناردو أخيراً ثم قالت:.
أكثر ما يعجبني بك هو أنك تسعى إلى الافعال أكثر من الثرثرة الغير مجدية رمقته بإعجاب ثم أردفت هناك فتاةٌ تخصني على كوكب الأرض، لقد اختطفها أحدهم منذ سنوات طويلة و كنت أبحث عن طريقة لإعادتها منذ زمن و وجدتها و لكنني بحاجة إلى شاب مثلك لاستدراجها فالموضوع ليس بتلك السهولة خصوصاً أن حكومة كوكب الأرض شديدة جداً لذلك كل ما عليك هو استدراجها بطريقة أو بأخرى دون إثارة أي فوضى.
عقد ليوناردو حاجبيه باستنكار و قد رغب بأن يرفض تلك المهمة السخيفة و لكن حال ما تذكر أن لا خيار آخر لديه سوى الموافقة.
إن نجحت في المهمة فسأطلق سراح والدتك و أعدك بحياة هادئة و مستقلة و لكن قالت ثم صمتت قليلاً لتردف بنبرة حدة إن فشلت أخشى أنك ستفقد والدتك.
نظر إلى تلك الجالسة أمامه و هو يوقن تماماً بأنه وقع مع من هي أدهى و أخطر من جوزيف.
التعليقات