رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل الثالث والأربعون
انصرف عبد الرحمن بعد الاطمئنان عليها وتوصيلها لشقتها، حيث أصرت على المبيت بها، رفضت عرضه بأن تبيت عنده، في حين أصرت نرمين على عدم تركها.
وفور دخول زهرة حجرتها انهارت في بكاء حار، بكاء وصل حد الصراخ، احتضنتها نرمين وبكت لبكائها.
نرمين: عيطى يا زهرة لحد ما ترتاحى، اللى حصل مش شوية، ومش هنضغط عليكي ونقول لك تعملي إيه، أنتى أكيد عارفة إيه اللى يتعمل دلوقتي.
زهرة: أنا عايزة أنام، من فضلك يا نرمين اخرجى وسيبينى أنام.
نرمين: مش هأسيبك تنامي كدة، أنتى كمان ما كلتيش حاجة.
زهرة: أكل إيه يا نرمين؟ أنا مدبوحة.
نرمين: يا حبيبتي، منه لله، ربنا…
زهرة: ما تدعيش عليه يا نرمين، كفاية اللى حصل له.
نرمين: لسة قلبك عليه؟ لسة بتحبيه؟
زهرة: مش قادرة أكرهه، حتى بعد اللى حصل مش قادرة أكرهه.
نرمين: مش لازم تكرهيه، ابعدى وكفاية كدة.
زهرة: ولا قادرة أبعد، وبعدين هو ده بس وقته؟
نرمين: طب كفاية عياط وحاولى تنامى.
زهرة: طب اخرجى وسيبينى وأنا هأنام.
نرمين: مش هينفع أسيبك.
زهرة: طب من فضلك مش عايزة كلام، كفاية اللى أنا فيه.
نرمين: حاضر مش هأتكلم خالص.
ظلت زهرة تبكي طوال الليل، حتى خافت عليها نرمين أن يصيبها مكروه، كما رفضت تناول أى طعام.
نرمين: أنا لما قولت لك عيطى قولت هتعيط شوية وتهدى، أنتى بقالك أكتر من تلات ساعات بتعيطى يا زهرة، الفجر قرب يدن، قومى استهدى بالله واتوضى وصلى وادعيه يلهمك الصواب.
زهرة: مش قادرة يا نرمين.
نرمين: يا حبيبتي أنتى من الساعة اتنين الضهر وأنتي في توتر، وما فيش لقمة دخلت بطنك، هيجرالك حاجة.
زهرة: أنا وحشة يا نرمين؟ ليه خانى؟ أنا عملت كل حاجة ممكن الرجل يدور عليها مع ست تانية، حتى طلباته الغريبة نفذتها، حاولت أكون زوجة، وعشيقة وفتاة ليل، وكل حاجة، كل حاجة عملتها، ليه عمل فيا كدة؟ عشان عارف إنى بأحبه؟ طب الحب ده ما شفعليش عنده؟ عشان عارف إنى مش هأقدر أشتكى منه لعمى؟ عشان عارف إنى يتيمة وماليش حد، حتى عايدة يا نرمين كان على علاقة بيها.
نرمين: يا نهار أسود، أنتى متأكدة؟
زهرة: مرات البواب أكدت لى إنها مش أول مرة تيجى له وأنا مش موجودة.
نرمين: عايدة كانت بتخرج كتير بعد طلاقها من عمى، كانت بتبقى معاه؟
زهرة: آه.
نرمين: طب ليه؟ وإزاى سامحتى في حاجة زى دى؟
زهرة بانكسار: مش عارفة، أنا مريضة يا نرمين، حاسة إنى مريضة بالدونية، دايما شايفة نفسي معاه قليلة وما أستاهلوش، وكويس إنه بيتكرم عليا ومكمل معايا، بأخاف أواجهه لأخسره وأنحرم منه، دايما عندى إحساس إنه لو بعد عنى هأتوه، هأموت، أنا ما عرفتش رجل غيره، أول حب في حياتى، وهو كان أستاذ، علقنى بيه قوى، رفعنى فوق في السما، خلانى مش شايفة غيره ولا متخيلة حياتى من غيره، خالد فيه كل المزايا اللى أى ست تتمناها، كريم وحنين ورمانسى، وعمره ما جرحنى بكلمة ولا رفض لى طلب، حتى بعد ما عرف إنى مش هأخلف، ده عيبه الوحيد.
نرمين: ده عيب مش قليل يا زهرة.
زهرة: أقنعت نفسي إنه قليل، وإنى أقدر أخليه يبطل يعمل كدة.
نرمين: وأدى النتيجة.
زهرة: آااااه يا نرمين، نار قايدة فيا.
نرمين: طب بالله عليكي نامى شوية، عشان تقدري تقومى الصبح تشوفي هتعملى إيه.
زهرة: مش عارفة أنام من غير خالد، أول مرة من يوم ما أتجوزنا ما يكونش معايا.
نرمين: كدة أطمنت إنك مكملة.
زهرة: لا يا نرمين، خالد خلاص انتهى، حتى لو موتت في بعده، حتى لو مش هأنام تانى خالص، أنا بأسامح مرة واتنين وعشرة، وبأسيب للى قدامى الحبل على الآخر لإما يكون ليه طوق نجاة ؛ لإما يعمل منه مشنقة، وخالد عمل منه مشنقة لعلاقتنا سوى، مشنقة لحبى له.
نرمين: الحمد لله.
زهرة: بس لازم أقف جنبه لحد ما يخرج من المستشفى، وبعدها أسيبه بدون رجوع.
وفى اليوم التالى ذهبت زهرة ونرمين لدكتور خالد، ظلت تتابعه من خلف زجاج حجرة الرعاية التي ظل بها أسبوعا حتى تحسنت حالته وتم نقله لحجرة عادية.
الطبيب المتابع لحالته: حمد لله على السلامة يا دكتور.
د. خالد: الله يسلمك يا دكتور، طمنى أنا شايف أربطة وجبس على جسمى كله، أنا إيه اللى حصل لى؟
الطبيب: أنت دكتور وعارف، أنا مش هأجاملك، الحادثة كانت شديدة، يؤسفنى إنى أقول لك إنك هتقضى بقية عمرك على كرسى متحرك، الحادثة أثرت على العمود الفقرى وسببت شلل كامل ليك.
د. خالد: إيه؟
الطبيب: في حالات كتير كانت زيك لكن مع الوقت والعلاج الجراحى والعلاج الطبيعي حصل تحسن كبير، هتحتاج عملية تانى في العمود الفقرى بعد ست شهور بعد العملية دى.
د. خالد: لله الأمر من قبل ومن بعد.
ظلت زهرة بجوار دكتور خالد، تذهب لزيارته كل يوم، تطعمه بنفسها، لا تتركه إلا عند النوم، وكلما حاول التحدث فيما حدث تمنعه، حتى سمح له الأطباء بالخروج من المستشفى، خرج على كرسي متحرك كما قال الطبيب.
وفور دخوله الشقة، تسلمت زهرة الكرسى المتحرك من العاملين اللذين جاءا معه من المستشفى.
أمسك دكتور خالد يد زهرة وقبلها وبكى.
زهرة: حمد لله على سلامتك، نورت بيتك.
خالد: الله يسلمك، أنا مش عارف أقول لك إيه يا زهرة.
تقاطعه زهرة
زهرة: ما تقولش حاجة، ياللا عشان حضرت لك الحمام.
خالد: اتكلمى يا زهرة ساكتة ليه؟ قولى إنى خاين، قولى أى حاجة، سكوتك ده بيقتلنى، اطلبى الطلاق، هأطلقك فورا وأهديكى كل حقوقك وأكتر، اللى حصل ده كتير وفوق احتمالك، انا أستاهل اللى حصل لى وموافق على أى حكم تحكمى عليه بيه.
زهرة: ما حصلش حاجة، أنت راجل زى أى راجل شرقى من حقك تعمل أى حاجة ومش مهم كرامة ولا مشاعر مراتك، أنت عشت حياتك زى ما أنت عايز ودلوقتى من حقى إنى أعيش حياتى زى ما أنا عايزة، هأعمل زى ما عملت.
التعليقات