رواية حواديت رمضانية الفصل الخامس 5 بقلم مريم عثمان
رواية حواديت رمضانية الجزء الخامس
رواية حواديت رمضانية البارت الخامس
رواية حواديت رمضانية الحلقة الخامسة
حيث تنام القلوب على ضلالها وتصحو على عاداتها، وحيث الأصنام تتكئ على جدران الكعبة، وحيث التجارة والجاه ترفع أقوامًا وتدفع آخرين إلى الهلاك، هناك في غار حراء، في نقطة لا يدركها بشر، يولد النور لأول مرة بين ظلمات الجاهلية.
بعيدًا عن ضوضاء البشر، غارقًا في تأملاته العميقة
كان قلبه يمور بأسئلة كبرى عن الوجود، عن الحق، عن الخالق الذي لا ينبغي أن يكون وثنًا يُصنع بالأيدي ويُباع في الأسواق.
كان يأنس إلى العزلة في هذا الغار، حيث كانت روحه تتوق إلى نور لم يدركه بعد، إلى حقيقة لم يلامسها بعد. وبينما كان في خلوته تلك، متوجّهًا ببصره نحو السماء، كأنّه يبحث عن إجابة مكتوبة في النجوم، حدث ما لم يكن في حسبانه، ما لم يكن يخطر في ذهن بشر.
فجأة، شقّ الصمت صوتٌ ليس كأصوات البشر، صوتٌ يحمل جبروت السماوات وعظمة الأزل، صوتٌ اخترق كيانه، زلزل روحه، وجعل دمه يغلي في عروقه. التفت محمد، وإذا به يرى كيانًا مهيبًا، لم ترَ عيناه مثله من قبل. لم يكن رجلًا من رجال قريش، ولم يكن طيفًا من خيالات الليل. كان ملكًا، نورانيًّا، عظيمًا، يملأ المكان رهبة وجلالًا.
وقف أمام محمد، كأنه يحجب عنه كل شيء في الوجود، وجاءه بالكلمة التي ستغير التاريخ، الكلمة التي ستكسر الأصنام في القلوب والعقول، الكلمة التي ستجعل من هذا الأميّ، خاتم الأنبياء، وقائد البشرية إلى النور.
قال المَلَك بصوتٍ جللٍ يملأ الوجود:
“اقرأ!”
اهتزت أركان محمد، تجمّد دمه في عروقه، لم يفهم.. لم يدرِ ما يفعل، شعر بثقلٍ رهيب، كأنّ الجبل كله قد سقط عليه، كأنّ الأكوان قد التفّت حول عنقه، كأنّ السموات كلها أطبقت على روحه. بصوت مرتجف، وقد ضاقت أنفاسه، خرجت منه الكلمات بالكاد:
“ما أنا بقارئ.”
كان صوته صوت من يدرك ضعفه أمام قوة لم يعهدها، أمام عظمة لم يستوعبها عقله بعد. لكنه لم يكن رفضًا، بل كان دهشةً وخوفًا، كان يقف بين يدي أمر عظيم لم يمر به بشرٌ قبله.
فما كان من جبريل إلا أن احتضنه..
احتضنه بقوةٍ تفوق تصوّر البشر، قوةٌ جعلته يشعر وكأنّ السماء والأرض قد التقتا في صدره، وكأنّ الكون كله قد انضغط في أنفاسه، حتى ظنّ أن روحه ستخرج، أن صدره سينشق من هذا الثقل المهول. ثم أرسله، وقال له مرةً أخرى، بصوتٍ تهتز له الجبال، وترتعد له الأرواح:
“اقرأ!”
ومرة أخرى، بالكاد استطاع محمد أن يجيب، أن يلفظ الكلمات وسط هذا الزلزال الذي يهز كيانه:
“ما أنا بقارئ.”
فعاد جبريل فاحتضنه من جديد، وكأنّه يغرس فيه القوة التي يحتاجها لحمل هذه الأمانة العظمى، وكأنّه يصهر روحه بالنور الإلهي، وكأنّه يضع فيه الأسرار التي ستنطلق مع نبوته، ثم أرسله، وكرر الأمر للمرة الثالثة:
“اقرأ!”
وهنا، وكأنّ الفجر قد انشقّ في روحه، وكأنّ نورًا من السماوات قد اخترق قلبه، تفتّحت بصيرته، فاستمع إلى صوت الوحي يصدح في كيان الوجود:
“اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم.”
كانت الكلمات تتغلغل في كيانه كأنّها ماء الحياة، كأنّها روح جديدة تُنفخ فيه، كأنّها المفتاح الذي انتظره طوال سنوات التأمل والبحث. في تلك اللحظة، لم يعد محمد بن عبد الله الرجل الذي دخل الغار.. بل خرج منه نبيًّا.
الرهبة.. الهروب إلى خديجة
انطلقت خطواته المرتجفة على سفح جبل النور، كان قلبه يخفق كطبول الحرب، كان جسده كله يرتعش، كانت السماء ما تزال تردد في أذنه صوت جبريل، كانت الجبال والصخور تشهد هذه اللحظة العظمى، لكنه لم يكن يفكر في شيء سوى شخصٍ واحد، شخصٍ يعرف أنّه سيمنحه الأمان وسط هذا الزلزال..
كان الليل ما زال حالكًا، لكنه لم يعد كما كان. مكة كما هي، لكن العالم تغيّر. الرجل الذي نزل من غار حراء، لم يكن كما صعد إليه. قد بدأ عهدٌ جديد، عهدٌ لن تعود الأرض بعده كما كانت، لأنّ النور قد أتى، ولأنّها كانت ليلة الوحي.. ليلة بدء الرسالة.
كان الليل ما زال حالكًا، لكنه لم يعد كما كان. مكة كما هي، لكن العالم تغيّر. الرجل الذي نزل من غار حراء، لم يكن كما صعد إليه. قد بدأ عهدٌ جديد، عهدٌ لن تعود الأرض بعده كما كانت، لأنّ النور قد أتى، ولأنّها كانت ليلة الوحي.. ليلة بدء الرسالة.
أخذت خديجة بيد النبي ﷺ، وكان لا يزال يتهدّج أنفاسًا، حتى وصلت به إلى ابن عمّها، ورقة بن نوفل، الشيخ الضرير الذي كان يجلس بين أكوام الكتب، يقرأ ويبحث، رجلٌ درس التوراة والإنجيل، وكان يدرك أسرار النبوّات وأخبار السابقين.
رفعت خديجة صوتها بحنان، قائلة: “يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك.”
رفع ورقة رأسه، وكأنّه استشعر أن لحظةً عظيمة قد حلّت عليه، أن هذا اللقاء لن يكون كغيره، وأنه أمام رجل لن يكون كغيره من الرجال.
تقدّم النبي ﷺ، ولا تزال الرهبة تملأ قلبه، ثم روى له ما حدث في الغار، لحظة اللقاء، صوت جبريل، الكلمات التي قيلت له، والرعشة التي لم تهدأ في قلبه منذ تلك اللحظة.
أغمض ورقة عينيه، واستعاد في ذهنه كل ما قرأه من الكتب القديمة، كأنّه كان ينتظر هذا اليوم، كأنّ الأقدار كلها تقاطعت عند هذه اللحظة، ثم فتح عينيه، وقال بصوتٍ فيه يقين العالم، وحنين المُنتظر:
“هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى!”
سادت لحظة صمت رهيبة، كأنّ الدنيا توقفت لتدرك معنى هذه الكلمات، كأنّ الأرض حبست أنفاسها وهي ترى هذا السر يُكشف لأول مرة منذ قرون.
ثم عاد ورقة يتنهد ببطء، كأنه يشعر بثقل ما سيأتي بعد هذا، فنظر إلى محمد ﷺ بحزن وقال:
“يا ليتني أكون فيها جذعًا، ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك!”
تغيّرت ملامح النبي ﷺ، وكأنّه لم يكن قد أدرك بعد حجم ما سيحدث، فقال متعجبًا:
“أَوَ مُخرجيَّ هم؟”
لم يكن قد استوعب أن قريش، قبيلته، قومه الذين يعرفونه ويثقون به، الذين كانوا يلقبونه بالصادق الأمين، يمكن أن يرفضوه، أن يخرجوه، أن يحاربوه.
لكن ورقة، الذي قرأ تاريخ النبوّات، والذي رأى كيف استقبلت الأقوام أنبياءهم من قبل، كان يعرف الجواب، فقال بأسى:
“نعم، لم يأتِ رجل بمثل ما جئت به إلا عُودِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا.”
الرسالة قد بدأت.. والطريق قد كُتب عليه الألم.
لم يكن محمد ﷺ يدرك بعد حجم هذه الكلمات، لكنه شعر أن ما سيأتي لن يكون سهلًا، أن هذا الحدث الذي وقع في غار حراء ليس مجرد لحظة مرت في حياته، بل هو بداية رحلة، رحلة لا رجوع فيها، طريقٌ طويلٌ من النور، لكنه سيكون محفوفًا بالمحن.
خرج النبي ﷺ من بيت ورقة، وكانت السماء قد بدأت تتلوّن بلون الفجر، وكأنّ العالم كلّه كان ينتظر هذا الضوء الجديد. كانت مكة كما هي، ولكن في قلبها وُلدت أعظم رسالة، وبين جبالها بدأ عهدٌ لن يكون له مثيل.
لم يكن الوحي مجرد لحظة عابرة، بل كان بداية لعهدٍ جديدٍ، عهدٍ ستُهدم فيه الأصنام، وستُبعث القلوب من سباتها. بعد اللقاء العظيم في غار حراء، وبعد أن هدأت الرهبة الأولى، بدأ النبي ﷺ ينظر إلى مهمته بعين أخرى. إنه الآن رسول الله، وحامل الرسالة الأخيرة إلى الأرض، وعليه أن يبدأ، لكن كيف؟
الحكمة كانت تقتضي السرية، فمكة ليست أرضًا ترحب بالتغيير، بل مدينةٌ متعصبة لأصنامها، لحجارتها التي لا تضر ولا تنفع، لكنها تسيطر على قلوب أهلها. كان لابد من الحذر، لابد من بناء الإيمان في القلوب قبل أن تواجه العقول المتحجرة.
لم يكن النبي ﷺ يخرج إلى الأسواق ليعلن الدعوة، ولم يكن يصعد إلى جبل الصفا ليهتف باسم الله في العلن، بل بدأ بهدوء، بدأ من الأقرب، من أولئك الذين يعرفهم ويثق بهم، الذين يدرك أن في قلوبهم استعدادًا للحقيقة.
بعد نزول الوحي على النبي ﷺ، أخبر السيدة خديجة رضي الله عنها، ثم بدأ يبحث عن الأشخاص الذين يمكن أن يثق بهم.
وكان علي بن أبي طالب أقرب الناس إليه في المنزل
يُروى أن النبي ﷺ دعاه إلى الإسلام، وحدث بينهما الحوار التالي:
قال النبي ﷺ: “يا علي، إن الله قد بعثني رسولًا إلى الناس، وأنت أول من دعوتك إلى الإسلام، فهل تقبل دعوتي؟”
فسأله علي وهو صغير: “يا محمد، هذا أمر لم أسمع به من قبل، فهل أستشير والدي؟”
لكن النبي ﷺ قال له: “يا علي، إن لم تسلم الآن، فاكتم هذا الأمر”.
قضى علي ليلته يفكر، وفي الصباح عاد إلى النبي ﷺ وقال: “أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله”. فأسلم وهو لم يزل غلامًا صغيرًا، لكنه كان أول من دخل الإسلام من الصبيان.
ظل علي رضي الله عنه يُخفي إسلامه، لكنه كان أحد أبرز الذين يصلّون سرًا مع النبي ﷺ.
كان يُساعد النبي ﷺ في نشر الدعوة بطريقة غير مباشرة، مستفيدًا من قربه له وعدم إثارة الشبهات حوله.
كان من أوائل من تعرّض للاضطهاد لاحقًا بسبب إسلامه، لكنه بقي ثابتًا.
أما أبو بكر الصديق فقد كان تاجرًا مرموقًا، معروفًا بين قريش بحكمته، وأمانته، وكرمه. وكان صديقًا مقربًا للنبي ﷺ حتى قبل البعثة، وكان يثق به ويعرف صدقه، رجلٌ باع الدنيا من أجل كلمة الحق.
حين جاءه النبي ﷺ وأخبره بالدعوة، فلم يسأل، ولم يتردد، بل قالها بكل يقين:
“صدقت”
عندما عرض النبي ﷺ الإسلام على أبي بكر، لم يتردد لحظة، بل أسلم فورًا، وكان من أوائل من صدّقه دون سؤال.
قال له النبي ﷺ: “يا أبا بكر، إني رسول الله إليك وإلى الناس كافة، فهل تؤمن بالله وحده لا شريك له، وتقبل رسالتي؟”
فقال أبو بكر دون تردد: “أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله”.
كان إسلام أبي بكر حدثًا مهمًا، لأن مكانته في قريش جعلت الناس يأخذون الدعوة بجدية أكبر.
لم يكتفِ بإسلامه، بل بدأ على الفور بدعوة الآخرين، فكان له دورٌ كبير في دخول العديد من الصحابة في الإسلام.
يُقال إنه أسلم على يديه كل من عثمان بن عفان، عبد الرحمن بن عوف، الزبير بن العوام، طلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وهم من العشرة المبشرين بالجنة.
كانوا نخبة مكة، شبابها الأذكياء، تجارها الشرفاء، وأصحاب القلوب التي لم يعمها الصنم، وكل واحد منهم عندما سمع الدعوة، شعر وكأنّه كان ينتظرها طوال حياته.
أما زيد بن حارثة، ذلك الشاب الذي عاش في بيت النبي ﷺ وكان أقرب إليه من الولد، فلم يكن بحاجة إلى دعوة، لم يكن بحاجة إلى دليل، فقد عرف محمدًا قبل أن يُبعث، وعرف أمانته قبل أن يُكلَّف، فكانت شهادته سريعة، لم يكن هناك خيار آخر:
“أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله.”
كان أبوبكر ينفق أمواله لتحرير العبيد الذين كانوا يُعذبون بسبب إسلامهم، مثل بلال بن رباح.
لم يكن بلال من أصحاب النفوذ أو العائلات الكبيرة، لكنه كان يبحث عن الحقيقة.
عندما بدأ النبي ﷺ الدعوة، سمع بلال عن الإسلام من أبي بكر الصديق، وتأثر بمبادئ الدين الجديد، خاصة مبدأ التوحيد والمساواة بين البشر وأعلن إسلامه سرًا.
لقد كان بلال بن رباح عبدًا حبشيًا، مملوكًا لأمية بن خلف، أحد زعماء قريش وأشد أعداء الإسلام. كان بلال يتمتع بقوة شخصية وصوت شجي، لكنه كان مستضعفًا في مكة بسبب وضعه الاجتماعي.
كان أمية بن خلف شديد القسوة، وكان يرى في إسلام بلال تمردًا على نظام العبودية، فأخذ يعذبه بأساليب وحشية.
كانوا يخرجونه في أشد أوقات النهار حرارة، ويضعون الصخور الثقيلة على صدره، ويأمرونه بالكفر بمحمد ﷺ وعبادة اللات والعزى.
لكن بلال كان يردد بصوت ثابت: “أحدٌ، أحدٌ”، تعبيرًا عن إيمانه بالله الواحد.
إستمر التعذيب أيامًا طويلة، لكنه لم يستسلم، مما زاد من غيظ أمية.
عندما علم أبو بكر الصديق بما يحدث، ذهب إلى أمية بن خلف وعرض عليه شراء بلال وعتقه.
وافق أمية على بيعه بمبلغ كبير ظنًا منه أنه ربح، لكنه لم يعلم أن بلال سيصبح مؤذن الإسلام الأول.
أعتقه أبو بكر فورًا، فأصبح بلال من أوائل المسلمين الأحرار،وإستمر في خدمة الإسلام حتى أصبح مؤذن النبي ﷺ.
عندما بدأ النبي ﷺ بالدعوة السرية، كان عمار من أوائل من سمع بها وتأثر بتعاليمها، فعرضها على والديه فأسلما معه.
كانوا يلتقون سرًا بالنبي ﷺ في دار الأرقم، حيث تعلّموا القرآن والإيمان.
ومن أوائل السابقون ياسر بن عامر كان رجلاً من اليمن، جاء إلى مكة وإستقر بها وتزوج سمية بنت خياط، وهي جارية لكنها كانت امرأة قوية وذكية.
عمار بن ياسر ابنهما الوحيد، نشأ في مكة وكان من أوائل من أسلم.
كانت الأسرة فقيرة ومستضعفة، فلم يكن لديهم حماية من بطش قريش.
عندما علمت قريش بإسلامهم، قررت معاقبتهم بشدة.
قام زعماء مكة، وعلى رأسهم أبو جهل، بربطهم في الشمس الحارقة، وجلدوهم بلا رحمة، كانوا يأمرونهم بالكفر بمحمد ﷺ وعبادة الأصنام، لكنهم رفضوا بشدة.
كان أبو جهل أشد الناس حقدًا على المسلمين، وكان يرى في إسلام سمية تحديًا له.
في لحظة غضب، طعنها برمح في بطنها، فاستشهدت وهي تردد الشهادة، فأصبحت أول شهيدة في الإسلام.
لم يتحمل جسد ياسر التعذيب القاسي، فمات تحت وطأة الألم، ليكون أحد أوائل الشهداء في الإسلام.
بعد استشهاد والديه، استمروا في تعذيب عمار، وفي لحظة ضعف، قال لهم ما أرادوا سماعه، لكنه كان يبكي بحرقة.
عندما ذهب إلى النبي ﷺ، كان يشعر بالذنب، لكنه طمأنه وقال: “إن عادوا فعد”، أي أن الإسلام يُجيز التلفظ بالكفر تحت الإكراه إذا كان القلب مطمئنًا بالإيمان.
لم يكن النبي ﷺ يلتقي بأصحابه في الأسواق، ولم يكن لديهم مكان آمن، فبدأت اللقاءات في الظل، يجتمعون في زوايا مكة، في بيوت صغيرة، يتلون القرآن خفيةً، ويصلون بعيدًا عن أعين قريش.
ثم كان القرار العظيم: اتخاذ دار الأرقم مقرًا للدعوة.
بيت صغير، لكنّه كان يحتوي على أكبر نور في التاريخ، كان حصنًا للمؤمنين، مدرسةً للرسالة، ومكانًا يتعلمون فيه الإيمان قبل أن يُختبروا في صراع مكة القاسي إنها قلعة الإيمان الخفية.
كان لابد للإسلام أن يكون له مكانٌ يجتمع فيه أهله، بعيدًا عن أعين قريش، فاختار النبي ﷺ بيت الأرقم بن أبي الأرقم، شابٌ لم يكن في نظر قريش ممن يُتوقع منه أن يكون مع محمد، لكنه كان يحمل قلبًا أشدّ من الجبال.
في ذلك البيت، كانت القلوب تتعلّم التوحيد، والألسن تلهج بالقرآن، والعيون تدمع من نور الحق، وكان النبي ﷺ يجلس بينهم، يحدّثهم، يبثّ فيهم القوة، يعدهم بأن هذا الدين سيصل إلى أبعد مما يتخيلون.
كانوا قلة، وكانوا ضعفاء، لكن الإيمان كان يغمرهم، وكان الله يهيئ لهم من رحم الظلم فجرًا سيضيء مكة والعالم بأسره.
كانت الدعوة السرية تسير في دربٍ وعر، مليءٍ بالألم، لكنّ الإيمان كان هو النور الذي يضيء الطريق، وكان كل اسمٍ من هذه الأسماء نجمًا في سماء مكة، يسطع رغم ظلام الجاهلية، ومع مرور الأيام، كان صوت الحق يعلو، وقوة الإيمان تشتدّ، حتى جاء اليوم الذي زلزل مكة بأسرها: إعلان الدعوة الجهرية.
يتبع…….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حواديت رمضانية)
التعليقات