رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني
السيد ويزلي
(سيف).
قدت سيارتي بسرعة جنونية من امام باب منزلهم الضخم وابتسامة ربما هي اقرب لأبتسامة الشيطان تحتل ثغري، فما بداخلي من ظلام لايجعل ابتسامتي تبدو ملائكية ابداً، ميرنا اليوسفي! بعد سنين من التحضير والتخطيط تمكنت اخيراً من اقتراب خطوة منها، خطوة اضافية وسأجعلها ملكي، ليكون كل شيء اخر ملكي! هل تظنون اني اكرهها؟ لا. انتم مخطئون. فهذه كلمة بسيطة جداً لتصف مااشعر به اتجاهها، صحيح ان الذنب لم ترتكبه هي بحقي بل كان والديها. ولكن ان لم تؤذيني هذا لايعني انها لم تؤذي غيري. فهي ابنة الشياطين. والشياطين لاتنجب ملائكة. لذلك بالتأكيد ستكون مثلهما وستستحق ماافعله بها دون ان احمل ندماً او شفقة بداخلي عليها…
كنت اعلم ان برودي وقسوتي ستجذب انتباهها فوراً. فهي لم تعتد على التجاهل ابداً وسط عالمها المليء بالحب المزيف. لذلك كل ماسأفعله اني سأكون مزيفاً اضافياً، ولكن مزيف من نوع اخر، لن اقوم بأرسال الورود. لن اكتب في حقها الشعر، بل سأؤذيها، ثم سأساعدها. سأتركها. ثم سأعود اليها، سأجعل عالمها متناقضاً واصبح كاللعنة بالنسبة لها، لا، سأجعلها تدمنني كالمخدرات! تكرهها ولكن لاتستطيع الاستغناء عنها، ماان اغيب لحظة عن عينيها سأجعلها تفكر بي من دون ان تشعر. كما تفعل الان بالضبط. فلااحد يعرف ميرنا اكثر مني! هي بالتأكيد تشارك ضيفتهم الحديث. ولكن عقلها ليس معهم على الاطلاق. متأكد انه لايوجد سواي داخل تفكيرها في هذه اللحظة، وهذا مااريده بالضبط، سأجعلها تستمر بالتفكير بي دون ان تنتبه لتجد نفسها في النهاية مدمنة علي. ستشعر ان هناك شيء ما ينقصها ان لم اخطر على بالها يوم، يمكنكم تسميته بالحب الملعون ان شئتم!
رنين هاتفي بنغمة مميزة اخصصها لشخص واحد فقط جعلني اقطع سلسلة تخيلاتي المستقبلية لأجيب فوراً.
اهلاً يااجمل امرأة في الدنيا.
وصلتني ضحكتها الخفيفة قبل ان تجيبني بصوتها الهادئ: كم مرة اخبرتك ان تناديني بالسيدة نرمين يا ولد؟
تنهدت بملل وانا اجيب: عندما اكون في مكان عام او بجوار احدهم او عند وجود ميرنا او ادهم او سلوى. انا اعرف القوانين امي. لكني الان بمفردي.
حسناً حسناً يامجتهد اقدم اعتذاراتي.
ضحكت وانا اجيبها ممازحاً:
حسناً ياابنتي لقد نلتي مسامحتي.
كف عن ذلك ياولد. قل لي. مااخر الاخبار؟
لمعت عيناي بخبث وزفرت براحة قبل ان اجيبها: لن تصدقي!
صمتت لثواني وكأنها تحاول فك شيفرا من خلال نبرة صوتي ثم فجأة انخفض صوتها اكثر وهي تقول بعدم تصديق: ميرنا؟
بالضبط!
استطعت الاقتراب منها؟
بل اكثر، اقتحمت عقلها بقوة. وسيكون لدي لقاء اخر معها في الليل، اي لن تكون هناك فرصة لتنساني.
جيد! بل ممتاز!.
ثم تحولت نبرتها للتحذيرية فوراً وهي تقول بصوت جعلته اعلى قليلاً لتصلني كل كلماتها ولااغفل عن واحدة: سيف! اليوم هو بداية النهاية لذلك استمع لي جيداً مادمنا في بدايتها، ميرنا لن تكون اكثر من دمية نستخدمها لنحقق مانريده. لن تكون اكثر من ذلك ياسيف. لاتغرك عيونها البريئة ولاجمالها الفاتن. فلا تنسى ابداً ابنة من هي وماذا فعلا بنا، لاتدع سنين من التحمل والتخطيط تضيع هباء بسبب مشاعر سخيفة او رأفة. من البداية انا وانت عرفنا ان الضحية وسط هذه اللعبة ستكون ميرنا ووافقنا على ذلك. لذلك لاتجعلها تغير رأيك لاحقاً لتهدم كل مابنيناه.
استمعت لها بتركيز دون ان اقاطعها وماان سكتت حتى قلت لها بثقة لأبعث بداخلها الطمأنينة: لاتقلقي امي، مابداخل قلبي من سواد لايجعلني احمل الحب او الشفقة لأحدهم يوماً، لذلك لن تستطيع ابداً جعله ينبض لها. وبالأخص لها!
تنهدت امي براحة قبل ان تجيب: احسنت.
اكتفت بهذا الكلمة لننهي بعدها المكالمة. فهي تثق بي جداً لاسيما بخصوص هذا الامر لذلك تكتفي بتحذيري مرة واحدة فقط دون ان تقلق بعدها…
عدت نحو شقتي واخذت حماماً ساخناً ليبث في جسدي بعض النشاط، استلقيت فوق سريري وحدقت في السقف اغوص داخل تفكير عميق ومتاهات لايعرف نهايتها احد. ولاحتى انا! ادرت بصري ببطئ نحو الدُرج الذي بجانب سريري، كل يوم انظر اليه. اقرر ان لاافتحه، انها ذكرى على نسيانها. ولكني لااستطيع. كلما زودت نفسي بالقوة اجدها تصبح اضعف فحسب امامها، مددت يدي ببطئ وفتحت الدُرج واخرجت صورة قديمة، طفلة ترتدي ثوباً ابيض بدت فيه كالملائكة وتمسك بين يديها دمية دب بني كانت تدعوه (السيد ويزلي). اتذكر كم كانت تعشقه بجنون ولاتتخلى عنه لحظة واحدة بل وتتحدث اليه كما لوكان انسان سيتمكن من اجابتها.
احسست بدمعة حارقة تنزل من جفني ببطئ لم املك السيطرة عليها وانا احدق بوجه تلك الطفلة، اغمضت عيناي بألم ورفعت الصورة نحو انفي وكأني استنشق عطر شعرها المنعش وهمست لها بندم:
انا اسف، حبيبتي!
ثم احتضنتها بقوة لأغط بنوم عميق وهي بين يدي، فهذه هي طقوس كل يوم!
لم ينتشلني من احلامي الجميلة سوى صوت المنبه. فتحت عيناي بتثاقل لأجد الغرفة غطت بظلام عميق. ادرت بصري نحو الساعة المنضدية فلم اتمكن من رؤية الوقت ألا بعد ان فتحت النور. انها السابعة والنصف، يااللهي، حفلة الشواء! رفعت الغطاء فوراً عن جسدي واخذت حماماً سريعاً لأبعد اثار النوم عني ثم غيرت ملابسي وحرصت على ان لااختارها رسمية جداً، ارتديت قميص ابيض وسترة رمادية وبنطال من الجينز.
وساعتي الفضية واخيراً تناولت مفاتيحي من فوق المنضدة وخرجت لأقود سيارتي قاصداً منزل اليوسفي…
وصلت حدود الثامنة والنصف تقريباً وكانت حفلة الشواء قد بدأت مسبقاً، صحيح انها ليست المرة الاولى التي احضر فيها حفلة لديهم. ولكن شعرت ان هذه المرة مختلفة. فهذة المرة حضرتها من اجل ميرنا، دخلت الى الحديقة حيث الحفلة هناك والطاولات البيضاء تنتشر في المكان ورائحة الشواء ترتفع بالجو تمتزج مع اصوات ضحكاتهم وهمساتهم المزعجة. جعلت الامر يبدو اعتيادياً ككل مرة وقصدت السيد ادهم لألقي عليه التحية. كان يقف وسط مجموعة من رجال الاعمال وتحوطهم هالة من دخان سجائرهم غالي الثمن. كلما نظرت اليه كلما شعرت ان معدتي تتقلص، لااعرف كيف تحملت كل هذه السنين بجانبه. انه حقاً يثير استفزازي!
اول ما رأني اقترب منهم قطع حديثه مع البقية واشار إلى قائلاً: اهلاً سيف. تعال.
اقتربت بأبتسامة متكلفة وانا اقول:
مرحباً سيدي.
فربت على كتفي وهو ينظر لبقية الرجال بجانبه ويقول:
هذا الشاب هو الكنز الوحيد الذي شعرت اني ربحته حقاً خلال سنين عملي، انه فريد من نوعه بالفعل…
مد إلى احد الرجال يده وقال وهو يتفحصني بنظرة ثاقبة:.
اهلاً سيد سيف. لقد حدثنا السيد ادهم كثيراً عما فعلته لشركته، انا حقاً اثني على ذكائك.
تبسمت وقلت:
شكراً لك.
وهذه المرة كانت ابتسامتي حقيقة. فأروع الاشياء هو ان يعترف عدوك بقدراتك. كي لايتفاجئ لاحقاً بمكرك…
خضت معهم الحديث لبعض الوقت ثم استأذنتهم لاحقاً وانسحبت منهم بهدوء. لأني لم اركز بشيء سواها في الوقت الحالي.
حسب خبرتي بها وحسب عدد المرات التي حضرت فيها حفلاتهم فأنا اعلم انها لن تختار مكان يجذب الانظار اليها. بل تجلس وحيدة بعيدة عن كل هذه الضوضاء، كنت اعرف جيداً الطاولة التي ستختارها فقد كنت اراقبها تجلس عليها دائماً في المرات السابقة…
اتجهت اليها فوراً وكانت طاولة بعيدة بعض الشيء عن بقية الطاولات وعن بقية الضيوف وحتى انارتها ليست ساطعة جداً بل هادئة تقع بجوار المسبح، لمحتها من بعيد لتتباطئ خطواتي شيئاً فشيئاً وانا احدق بها، نعم اكرهها. ولكن لايمكنني نكران جمالها! لاسيما عينيها العسليتين القابعتين خلف تلك الرموش الكثيفة والمعقوفة بشكل مذهل!
كانت ترتدي فستان قصير وترفع شعرها نحو الاعلى وتحوط عنقها قلادة ذهبية طويلة ميداليتها على شكل دائرة ومن النوع التي تحوي على صورة بداخلها. ولكنها تغلقها ولاتدع الصورة تظهر. وفضولي يكاد يقتلني لأعرف صورة من تضع فيها؟ لاسيما وهي تتلمسها بحنان بأطراف اصابعها وتحدق بعمق بمياه المسبح. وكأنها في عالم اخر تماماً!
اقتربت منها بهدوء ولم تنتبه لقربي حتى قلت بأبتسامة:
مرحباً.
جفلت والتفت إلى بتفاجئ، يبدو ان صوتي افزعها داخل سكونها وعالمها الهادئ. قطبت حاجبيها فوراً بأستغراب وانا انظر اليها ببرود وتلك الابتسامة لازلت احتفظ بها وقلت:
أيمكنني الجلوس؟
مطت شفتيها بملل وقالت:
ان قلت لا هل سترحل؟
جلست على الكرسي المقابل لها وانا اقول:
لااظن.
أعادت ابصارها نحو المسبح وهي تجيب:
اذاً لاداعي ان تمثل الاحترام.
مرت ثواني من الصمت وانا احدق فيها وبملامحها الهادئة. وبأصابعها التي لاتزال تحوي القلادة بينهم. التفت إلى فجأة بنظرة حادة وهي تقول:
انت لم تأتي لتشاركني الجلوس الصامت فحسب. اليس كذلك؟
كانت عيناي مبتسمة بعض الشيء وانا اجيبها:
لا…
اذاً قل مالديك لننتهي.
تعلمين ماذا اريد.
زفرت بضيق وهي تعيد ظهرها للخلف وتبسط راحة يديها فوق الطاولة وتقول:
لما انت مهتم بها بهذا الشكل؟
كل شيء يخص العمل سيهمني.
احنت جسدها بأتجاهي وارتكزت بمرفقيها فوق الطاولة وهي تقول بأقتضاب:
اخبرتك انها عمل خاص بي ولايخص عمل ابي.
ابعدت ملامح الهدوء عن وجهي وارتكزت بمرفقي على الطاولة ايضاً وحدقت بعينيها القريبتان من عيناي وانا اهمس لها بتهديد:
أذ لم يكن شيئاً خاطئاً فلما تخفيه؟
رفعت كتفيها وانزلتهما بعدم مبالاة وهي تقول:
لست اخفيها، ولكني لست مضطرة ان أريها لأحد.
عدت لأريح ظهري على الكرسي وانا اسحب علبة سجائري بأبتسامة ووضعت احداهن داخل فمي واشعلتها لأسحب نفساً عميقاً ثم طرحته ببطئ وقلت بنبرة ذات معنى:
اذاً ما رأيك ان نخبر السيد ادهم ليقرر ان كانت مهمة او لا؟
حدقت بوجهي بغضب لثواني قبل ان ترفع زاوية فمها بأبتسامة ساخرة وتقول:
أتظن انك بهذا ستهددني؟
سكتت لثواني اخرى تحدق بي بثقة قبل ان تكمل:
بل. وهل تظن ان ابي سيهتم كثيراً بهذا؟
لم افهم مقصدها جيداً فأكتفيت بأزاحة الابتسامة عن وجهي ليغزو الاستغراب مكانها، اعادت ابصارها نحو مياه المسبحة وكأنها تطرد الضعف الذي بدأ يحتل نبرتها وعادت لتنظر لي مرة اخرى وفجأة وجدتها تسحب السيجارة من بين يدي وتمسكها بين اصبعيها وتقول:
انا مستعدة الان ان اشرب هذه السيجارة من دون ان التفت حولي لأتأكد ان ابي وامي لاينظران ألي. أتعرف لماذا؟
بسطت راحة يدها على الطاولة ورفعت الاخرى التي تحمل السيجارة لتسند بها ذقنها وهي تكمل:.
لأني متأكدة انهما لن ينظران الي. ابي مشغول بمناقشة اصدقائه حول كيفية زيادة ثروته. وامي مشغولة بالتبختر بمجوهراتها الثمنية بالارجاء، ولن يتذكرا وجودي ألا ان احتاجاني، لذلك ياسيدي العزيز لاتظن انك ستوقعني بورطة ان اخبرتهما. نعم قد يغضب ابي في لحظتها. وقد تتشاجر امي معي، ولكنهما سينسيان بعد 24ساعة كحد اقصى، ماان يباشر ابي بمشروع يدر عليه الارباح وما ان تعلم امي ان هناك عرض ازياء جديد…
وكادت ان تضع السيجارة بفمها ولكني سحبتها منها فوراً وانا اقول لها بأبتسامة مستفزة:
لااحب الفتيات المدخنات!
ضحكت بخفة ثم قالت:
وهل تفكر بالوقوع بحبي؟
جعدت وجهي بنفي وقلت:
لا، لستِ نوعي المفضل في الحقيقة!
قوست حاجبيها قليلاً بدهشة وهي تطلق ضحكة ساخرة وتقول:
أحقاً؟ وماهو نوعك المفضل ياترى؟
ارتكزت بمرفقي فوق الطاولة مجدداً واقتربت منها كثيراً لأهمس لها قائلاً:
البريئة!
ثم عدت لأريح ظهري على الكرسي لأرى الجمود يحتل وجهها من دون اي تعابير. ثم تبسمت بتألم وهي تعيد ابصارها نحو المسبح لتتمتم بهمس:
انت محق.
لااعلم بالضبط الشعور الذي تولد بداخلي وانا اشاهد تلك النظرات البائسة تحتل عينيها، ربما السعادة والتشفي، وربما. لااعلم بالضبط، ولااريد ان اعلم. لااريد ان افكر بها اكثر مما يجب، انها مجرد بيدق مثل بيدق الشطرنج سأستخدمها لأقول. كش ملك، لاشيء اكثر من ذلك…
مرحباً انسة ميرنا.
التفتنا كلينا نحو ذلك الصوت الرجولي الخشن الذي اخترق هدوئنا، كان رجل طويل القامة ربما يكون في45 من عمره له شاربان كثيفان وعيون ذات نظرة ثاقبة وبشرة قمحية يرتدي معطفاً طويلاً اسود اللون يعكس شخصيته الغامضة والتي توحي بوضوح انه لاينتمي لمجموعة رجال الاعمال التي تحضر الحفلة.
وجدت ابتسامة عريضة تحتل وجه ميرنا وهي تقوم وتقول بنبرة كان الحماس واضح فيها:
اهلاً بك سيد شهاب.
بالكاد رأيت ابتسامة بسيطة تحتل ثغره وهو يجيبها بهدوء:
اهلاً بكِ انستي، أيمكننا التحدث لو سمحتي؟
اشارت له نحو طاولة اخرى فارغة وهي تقول:
بالتاكيد. تفضل.
ورحلا بعيداً عني وعن نظراتي المحدقة بهما باستغراب. ربما حتى انها نست وجودي من الحماس الذي احتلها منذ ان شاهدت هذا الرجل.
اخرجت هاتفي فوراً واتصلت بمساعدي رأفت. ولااعني مساعدي في الشركة. بل انه احد مساعديني في خطتي، اول ماوصلني صوته قلت له فوراً:.
رأفت، اريدك ان تعرف لي احدهم.
قال بأستغراب:
من؟
اجبته وانا اطفئ سيجارتي:
كل مااعرفه عنه ان اسمه شهاب. لقد حضر للتو لمقابلة ميرنا. اريد ان اعرف كل شيء عنه.
امهلني بعض الوقت وسأخبرك بماتحتاجه.
حسناً شكراً لك.
ثم اغلقت الهاتف وانا احدق بوجه ميرنا الذي بدأ الحماس واللهفة يزولان شيئاً فشيئاً منه لتحتل الجدية والتركيز هيئتها وهي تستمع لذلك المدعو شهاب واخيراً تفاجأت بها تفتح له تلك القلادة لتريه شيئاً ما وتعيد اغلاقها بعد ان ركز بالصورة جيداً، هذه الصغيرة تخفي شيئاً ما بالفعل!
(ميرنا)
ماان جلسنا انا والسيد شهاب معاً حتى سألته بأستعجال فلهفتي تمنعني من الانتظار اكثر:
اذاً. هل وجدته؟
لا. ليس بعد.
واول ما رأى الحزن بدأ يكسو وجهي اكمل فوراً:
ولكني توصلت للخيط الاول الذي سيقودني اليه.
توسعت عيناي بدهشة وانا اتمتم بعدم تصديق:
أأنت واثق من هذا؟
تمام الثقة انستي…
وماهو هذا الخيط؟
حسناً، لقد بحثت اولاً في جميع سجلات المطار على مر عشرون عاماً ولكني لم اجد اسمه او اسم والدته، وهذا يعطينا احتمال75% انهما لايزالان داخل الدولة ولم يهاجرا.
هذا اضاف بعض الطمأنينة لقلبي وبدأت اعصابي المشدودة ترتخي قليلاً وانا استمع اليه يكمل بثقة:.
لذلك قمت بالبحث في جميع سجلات دوائر الدولة المستشفيات، الدوائر الحكومية، المدارس والجامعات، ولكني لم اجد اسم اياً منهما. واخر ظهور لديهما في سجلات الدولة قبل 18 عاماً وبعدها اختفيا. ومن المستحيل انستي انه طوال هذه السنين كلها لم يراجع احدهما المستشفى او يراجع طبيباً وليس من المعقول ايضاً ان السيد يوسف لم يكمل دراسته.
اذاً؟
اذاً هذا يعطينا استنتاج واحد غير قابل للشك.
وماهو؟
انهما قاما بتغيير اسمائهما…
هنا انقبض قلبي بقوة وشعرت ان فرصة ايجاده ستبدو شبه مستحيلة وبدأت عيناي تتجولان بحيرة داخل عيون السيد شهاب احاول سؤاله أهذا هو الخيط الذي سانطلق منه؟ ولكني لااجرؤ. اخشى ان تكون اجابته ب نعم. عندها سيتلاشى كل امل بداخلي. ففكرة ايجادهما ستكون شبه مستحيلة. لاالسيد شهاب ولاحتى اذكى محقق في العالم سيتمكن من ايجادهما بسهولة، ولكني تفاجأت به يقول لي:.
ألديك صورة لأبن عمك؟ السيد يوسف؟
فتحت له قلادتي فوراً حيث احتفظ بصورة ليوسف فتطلع بها قليلاً ثم قال:
متى كانت هذه الصورة؟
اغلقت القلادة مرة اخرى وانا اقول:
قبل ان يختفي هو ووالدته بشهر واحد.
وجدت ابتسامة رضا تحتل ثغره ادخلت الطمانينة لقلبي قبل ان اعرف سببها ثم مد يده في جيب معطفه واخرج صورة ووضعها امامي. نظرت فيها ووجدت طالبين يقفان معاً في باحة مدرسة ويضحكان فنظرت لشهاب بعدم فهم فأدرك اني لم اعرفهما فأشار لي بذقنه نحو الصورة مرة اخرى وقال:
انظري جيداً.
عدت لأركز في الصورة مرة اخرى وانا اتمعن بكل تفاصيلها، ثواني حتى شهقت بتفاجئ ونظرت بصدمة نحو شهاب. كان في الصورة يوسف يقف على مسافة بعيدة ينظر نحو شيئاً ما وقبل ان اسأله وجدته يقول:
انظري نحو تاريخ الصورة.
قلبتها في الحال لأجد انها التقطت بعد شهرين من اختفائه. شعرت بضربات قلبي تتضاعف وتضخ الدماء بقوة في جميع انحاء جسدي اكاد انهض كالمجنونة لأقفز بفرح في المكان، انه موجود! هو لم يختفي!
نظرت بلهفة نحو شهاب وانا اقول:
هذه المدرسة. أتعرف مكانها؟ أيمكننا الذهاب اليها؟ بالتاكيد هم يحتفظون بجميع سجلات طلابهم حتى لو مرت سنين كثيرة. أليس كذلك؟ وبالتأكيد سنجد عنواناً ما او اي شيء ليوصلنا له، صحيح؟
ونظرت نحوه بتوجس متمنية ان تكون اجابته نعم. ولكن بعض اليأس كسى وجهه وهو يقول:
وهذا مافعلته بالضبط.
قطبت حاجباي بقلق وانا اقول بخوف:
اذاً؟
سكت لثواني لايعرف كيف يجمع حروفه ثم قال:.
لايوجد لديهم طالب بأسم يوسف عاصم اليوسفي.
فتحت عيناي بصدمة وقلت بعدم فهم وانا اضرب بسبابتي فوق وجه يوسف في الصورة:
ماالذي تقوله؟ أليس هذا هو الذي في الصورة؟
اجل انه هو، ولكن يبدو انه دخل للمدرسة بأسم اخر وليس باسمه الحقيقي.
بهت ملامح وجهي فوراً وشعرت بالكون يدور بي ليلقيني ارضاً بقوة. ادرت ابصاري فوق سطح الطاولة وكأني ابحث عن اجابة ما، املاً ما، او اي شيء بحق السماء ينتشلني من وسط هذه الصدمة. وكان هذا الشيء هو صوت السيد شهاب الواثق وهو يقول لي:
لاتفقدي الامل انسة ميرنا. بل يجب ان تتفائلي اكثر.
نظرت اليه ببعض الراحة. فالسيد شهاب لايقول اي شيء من دون ان يعنيه. فهو لن يعطي المهدئات ليقبض المزيد من المال فحسب. فأن قال ان هناك امل فهناك امل بالفعل، ازدردت ريقي واخذت نفساً عميقاً لأتماسك ثم قلت له:
وكيف هذا؟
نظر إلى بأبتسامة وهو يجيبني:.
انظري للجانب الايجابي انستي. تقلص بحثنا من الدولة بأكملها وخارجها ايضاً اي مايعادل ملايين الناس الى200 شخص فحسب، فحسب تاريخ الصورة نستطيع ان نستنتج في اي مرحلة كان. وقد جلبت اسماء جميع طلاب هذه المرحلة في تلك السنة والتي كان السيد يوسف من ضمنها. وعددهم هو200. من هؤلاء ال200هناك120 فتاة. اذاً يتبقى لدينا ثمانون طالباً فقط. وواحد من هؤلاء الثمانون هو السيد يوسف.
وماذا ستفعل الان؟ كيف ستعرف اين هو؟
صحيح ان المدة ستصبح اطول قليلاً ولكن مع كل يوم يمضي يزداد لدينا الامل في العثور عليه. سأقوم بالتحري عن هؤلاء الثمانون واذهب نحو عناوينهم الى ان اجد الشخص الذي تنطبق عليه مواصفات السيد يوسف.
عند هذه الجملة تصاعدت انفاسي ووجدت بعض دموع الفرح تسقط من بين جفوني وانا اهتف به بلهفة:
اذاً. هناك فرصة ان التقي به قريباً؟
تبسم للهفتي وهو يقول:
كل شيء ممكن.
مسحت دموعي بيداي المتوترتين ثم ادرت كتفي الايسر له فوراً وانا اقول:
هو يملك واحدة مثلي على كتفه الايمن. انها مثلها بالضبط. قد يساعدك هذا.
وهنا كنت اعني الشامات التي كانت تحوي شكلاً مميزاً فوق كتفي الايسر، كن ثلاث شامات. اثنان في الاسفل وواحدة فوقهن. كن وكأنهن مثلث لاتفصلهن عن بعضهم سوى مسافات قليلة. تمعن فيهن السيد شهاب ثم قال:
اجل. هذا سيساعدني ايضاً…
ثم قام وقال:.
مضطر ان اذهب الان انستي، امسية سعيدة.
وقفت من باب الاحترام وانا اقول له:
ولك ايضاً سيد شهاب.
وما ان استدار يريد الرحيل حتى هتفت بأسمه ليلتفت إلى مرة اخرى فقلت بتوسل:
جدهُ لي وسأعطيك اي شيء تطلبه. وسأرسل لك الشيك هذا الشهر مضاعفاً ان سارعت بالعمل.
اومئ برأسه وهو يجيب:
المهم ان نجده الان انستي وكل شيء سهل بعدها.
ثم ودعني ورحل. وانا ودعت الحفلة وودعت الكون كله ونسيت حتى امر سيف وصعدت نحو غرفتي. اريد ان ابتعد عن الجميع. اريد ان اعيش هذه اللحظة، انا اقترب خطوة من يوسف! ابن عمي. وصديق طفولتي. والوحيد من بين الجميع الذي كان يفهمني ويساعدني. الوحيد الذي كان يلاحظني ولايتجاهلني مثل اسرتي، الحقيقة الوحيدة في عالمي المزيف قد كان هو، ولكن بعد وفاة ابيه عمي عاصم اختفى هو ووالدته فجأة، اختفى لأجد بين ليلة وضحاها ان منزلهم اصبح لنا وشركتهم اصبحت لأبي ليبدأ منذ تلك اللحظة ثرائنا الفاحش وتتطور تجارة ابي. كيف؟ لاتسألوني، كنت في الثامنة في وقتها وعندما كنت اسألهم عن يوسف كانو يخبروني انه سافر. وعندما اسألهم كيف اصبح المنزل والشركة لنا كانو يقولون ان عمي كتبها بأسم ابي، وكنت اصدقهم في وقتها بسبب عقلي البسيط وطفولتي، ولكن الان، الامر اختلف. لما عسى عمي ان يكتب كل ثروته بأسم ابي وهو لديه ابن وزوجة؟ وهذه المرة هم لم يجيبوني بشيء جديد وكلما حاولت مناقشتهم كانو يحولون الامر لشجار كي يسكتوني، ولكن بالنسبة لي ليست الثروة من تهمني الان لأتحرى بشأنها، كل مايهمني هو يوسف. اريد عودته، اريد رؤيته بشدة!
تنهدت براحة وانا اغمض عيناي وارمي بنفسي فوق السرير واحاديث السيد شهاب تمر كالشريط السريع في عقلي تجعل قلبي ينبض بجنون من شدة الفرح، طوال سبع سنوات كنت ابحث عنه. والان فقط تمكنت واخيراً من الاقتراب خطوة من غايتي. سأجده وكل شيء سيصبح رائعاً بعدها. انا متأكدة من ذلك!
انقلبت على بطني وسحبت الدب البني المحشو من جانب وسادتي ووضعته امام وجهي وانا اقول بأبتسامة عريضة:.
سأجده قريباً، سيعود يوسف لي مجدداً، انت سعيد مثلي، أليس كذلك سيد ويزلي؟!
التعليقات