رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن والسبعون
ها هو يجلس جوارها على المقعد عاجزًا عن فعل أي شيء لها، يتمسك بأمله العظيم بالنجاة، القرآن الكريم، يرتل الآيات بخشوعٍ ودموع تلألأت بعينيه، حتى انتهى من قراءة جزئين من المصحف الشريف دون كلل، حاول بكلماته الطيبة أن يبدد تفكيره السييء الذي أقحمه الشيطان بعقله، فزرع نور الإيمان داخله وكسر عقل الطبيب المهني عنه.
كطبيب يعلم أن نسبة نجاة الجنين لا تتعدى العشرون بالمئة بعد ما تعرضت له من نزيف حاد، وكرجلٍ مؤمنًا يعلم أن لا محال أمام إرداة الله عز وجل.
استند يوسف على ظهر المقعد وهو يضم مصحفه إليه، بينما لسانه يردد بايمانٍ: اللهم إجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء همي، وذهاب حزني، وأرزقني تلاوته بالوجه الذي يرضيك عني، وإجعله نورًا في قبري، ومؤنسًا في وحدتي وإنكساري، ونورًا لي على الصراط، وشفيعًا لي يوم القيامه، لا على يا أرحم الراحمين.
وضعه يوسف جواره على الكومود، ثم أخذ يراقب زوجته الغافلة باستسلام، فانتبه لها وهي ترفرف بأجفانها، تجاهد لفتح عينيها الثقيلة، نهض يسرع لها، يميل فوق رأسها، يبعد خصلاتها عن وجهها الشاحب، يناديها بلهفةٍ: ليلى!
برزت الصورة أمامها وبدت أكثر وضوحًا، تمعنت بعينيه المتورمة من البكاء، فنادته تستجديه بما مرت به: يوسف!
رفع أصابعها المحقونة بالكانيولا، يقبلها بحبٍ وهو يهمس: خلعتي قلب يوسف عليكي يا ليلى، إنتِ كويسة؟ لسه حاسة بأي وجع؟
هزت رأسها بالنفي، وطالعته بريبة وهي تستجمع قوتها لتلقي سؤالها التالي، ابتلعت ريقها الهادر ورددت بخوف: البيبي؟
علم مغزى سؤالها المختصر، فقبض على كفها الرقيق وقال: لو وجوده خير لينا ربنا مش هيأخده مننا، لو آ.
قطعته بدموعها السائلة: عايش ولا ميت يا يوسف؟
قطع حديثه وأجابها حزينًا: معرفش، والمفروض إني أكشف عليكي دلوقتي عشان أحدد هتدخلي عمليات تاني ولا لأ.
تزاحمت الدموع بمقلتيها، وصرخت بقهر: تقصد إن لو مكنش في نبض هتعملي اجهاض!
تساقطت دمعة عن عينه، أزاحها وقال برعشةٍ أصابت قلبها لرؤيته يبكي رغم جموده وصلابته التامة: ده قضاء ربنا ومنقدرش نعترض عليه يا ليلى، أنا محطوط في وضع صعب، ولو لقدر الله طلع كلامي الاخير اللي صح مش هقبل أسييك لحد من المركز يعملك العملية دي وأنا موجود، مش لإني أكفئ واحد هنا لإني هموت بره على الباب لو سبتك تدخلي من غيري.
ومال على كتفها يترك دمعاته تبلل وسادتها، بينما يردد بصوته المحتقن: طول عمرك مؤمنة وراضية بقضاء الله، متفقديش إيمانك في اللحظة دي، عشان خاطري خليكِ صبورة ومؤمنة يا حبيبتي.
احتبست أي قهر داخلها، ورددت بندمٍ: أنا آسفة يا يوسف، مقدرتش أحافظ على الطفل اللي كنت بتتمناه، كنت مهملة وآ.
منعها من استكمال حديثها حينما ضم شفتيها بكفه، وقال يجدد إيمانها: كل شيء مكتوب يا ليلى.
هزت رأسها بإيمان استحضره يوسف في قلبها بنجاحٍ، سحبت ليلى نفسًا طويلًا، وقالت بكل عزم: إنهي التوتر ده وخدني أوضة الكشف.
تصلبت أوردته كأنها تخبره بأن يلقيها من الطابق الاخير، فاذا بيده تضم كتفها بقوةٍ، مستبعدًا أن يخوض تلك اللحظة، التي لطالما كانت جزء من يومه المهني، ولأول مرة يشعر بألم المرأة التي تنتظر اجابته ببقاء جنينها أو بفقدانه نبض الحياة، وليكن صادقًا يخوض الآن شعور المرآة والرجل معًا.
سحبت كفها من يده ورفعته ليده الاخرى المتشبثة بكفها، تربت عليها بقوةٍ لا تعلم من أين استحضرتها: وديني يا يوسف من فضلك.
رد عليها بصوته الشاحب: خلينا لبكره الصبح.
رفضت اقتراحه وسحبت حجابها المنسدل جوارها على زواية الفراش ترتديه: لا دلوقتي.
وتابعت بحزمٍ تذكره بكنايته: من فضلك يا دكتور!
استقام يجلس وهو يطالعها بتوترٍ، فانساق كالتائه يجر مقعد متحرك من الخارج، حملها بكل خفة إليه، ودفعها بخطواتٍ متهدجة لغرفته، كم ود أن تطول به المسافة حتى لا يصل لها، ولكن لكل شيء نهاية وانتهى به بسحبه باب الغرفة.
وضعها على الفراش وجلس أمام الاجهزة التي برع باستخدامها على الدوام، ولكنه اليوم يتطلع لها بريبةٍ كأنه فقد ماهية استخدامها.
نادته ليلى وهي تحبس كل ارتباك داخل جوفها: يلا يا يوسف.
فاق من شروده وأومأ لها، سحب الجل الطبي يضعه عليها وهو يدعو داخله أن يلهمه الله الصبر والقوة، وأن يمر ابتلائهما، وضع الجهاز عليها، ودقق النظر بالشاشة من أمامه، تساقطت دموعه تدريجيًا، مما أكد شكوك ليلى، وكلما حرك الجهاز على بطنها الشبه منتفخ كان يزداد قلقها وتوترها، ومع ذلك لم تجرأ على سؤاله حتى يصب جُم تفكيره على الجهاز.
مرت خمسة عشر دقيقة، كانت الأطول عليها على مر حياتها، انتظرته يتحدث، حتى وإن صدمها بخبر مؤسف، ولكنه كان صامتٍ بشكلٍ أوصل لها الاجابة دون الحاجه لسؤاله، دموعه وبصره الذي لا يحيل عن الشاشة يشتتها.
استجمعت ليلى شجاعتها مرة أخرى وسألته برعبٍ: يوسف؟
صوتها فصله عن التحديق عن شاشته، فنقل بصره لها ثم عاد يتطلع قبالته، يرفع صوت نبض الجنين الذي أحيا نبض قلبها كليًا إليه، وخاصة مع نطقه الحماسي: موجودة وزي الفل، وشكلها هتطلع عنيدة ودماغها ناشف زي أمها!
مالت برأسها للخلف تسترخي بمنامتها كليًا ودموع فرحتها تنهمر دون توقف، تلقت الآن خبر حملها بأنثى، مع فرحة بقائها على قيد الحياة، ولسانها لا يتوقف عن نطقه التلقائي: اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظمة سلطانك!
ابتسم وقال بإيمان: مهما طالت خبرتنا بالمجال بتيجي حالات تفاجئنا وتزيد من إيمانا بربنا عز وجل، وبتفضل مقولة متنقلة على لسان الاطباء عن الحالة المستحيلة اللي ربنا من عليها، فالظاهر، إننا هيكون لينا حديث مشابه عن كرم ربنا ولطفه معانا ومع نجاة بنت دكتور يوسف دكتور النسا والتوليد!
توقفت عن البكاء وسطوع الاسم المختار يبرق أمامها، فاستطعم لسانها مذاق الاسم بفرحة: نجاة!
أومأ برأسه لها، فاستطردت بسعادة: إسم جميل.
وبمزح قالت: وأكيد مش هراجعك فيه يا دكتور.
ضحك وهو ينحني ليحملها: إنتِ لو دماغك العنيد ده يلين وتبطلي تراجعيني في حاجات كتيرة كان زمان عندنا نص دستة عيال يا قلب الدكتور!
وتابع وهو يمضي بها للخارج مستبعدًا المقعد المتحرك، كأنما حصل على طاقة نشاط أهلته لحملها الآن: هرجعك أوضتك الممرضة مستنياكِ بالأكل والهدوم، تأكلي وتأخدي أدويتك وتغيري وترتاحي، أنا قافل موبيلي ومدبس جمال تدبيسة زمانه بيدعي عليا بسببها.
أحاطت رقبته خشية سقوطها، وسألته باسترابة: تدبيسة أيه؟
وضعها على الفراش، وقال وهو ينصب عوده: سيف ودي تدبيسة سودة!
وتابع وهو يشير للممرضة بالاقتراب: أكلك وأدويتك وهرجع أحكيلك كل حاجة، بس أكلمه الأول.
أومأت برأسها بتفهمٍ، فعادر يسحب بابها من خلفه، يعود للمكتب مجددًا، يستخدم هاتفه الملقي باحد أدراجه، فتفاجئ بستون مكالمة من جمال، وخمسة مكالمات من عمران، ينتهي بها تسجيل صوتي خشى فتحه فوضع سماعته وهو يستعد لسماع لسانه السليط، وقد صدق حدسه حينما استمع لعصبيته البالغة.
«أنا عايز أعرف إنت شايل أمه ليه وإنت قافله القافلة السودة دي، ده أنت جوه العمليات وبتخلي الممرضة ترد بدالك، افتح الزفت ده وطمني، جمال قالي على اللي حصل مع سيف ومع دكتورة ليلى، طمني الامور تمام ولا أيه، متقلقش على سيف جمال عينه عليه، أنا حجزت على طيارة لندن، بكره هكون عندك، آيوب هيركب الساعه 11 وأنا طيارتي بعده بساعتين، ومتقولش لجمال حاجه عشان هيركب قبل مني، ولما أوصلك يا يوسف هعرفك إزاي تطنش مكالماتي وإنت بالظروف دي، وإزاي أصلًا تخبي عني اللي مريت بيه ده كله، عمومًا الحساب يجمع، ولكل حساب رصيد، يا ويلك من وقت النفاذ! ».
توقف بالسيارة أسفل المبنى القابع به مسكن الايجار، يجاوره بالمقعد الأمامي جمال، الذي إستعد للهبوط وهو يشير له بحزمٍ: يلا يا بشمهندس إركن وإطلع.
أعرب سيف عن استياءه بكلماتٍ ساخرة: أصريت تيجي توصلني وأنا اللي معايا عربية، طيب قولي إنت هتروح ازاي؟
أخبره بابتسامةٍ صغيرة وهو يستعد للهبوط: متشغلش بالك بيا، هوقف تاكسي أو هأخد أي مواصلة.
رد عليه بدهشةٍ: طيب وليه كل ده، ما أنا معايا عربيتي، هوصلك وأرجع!
شدد على كلماته بحزمٍ غير قابل للنقاش: سيف أنا مسؤول عنك مسؤولية كاملة قدام يوسف، مكنتش أتمنى أسيبه بالظروف دي، بس انجبرت لما طلب مني أكون جنبك ومعاك، يوسف مش مطمن عليك ولولا اللي حصل لمدام ليلى كان هو اللي هيكون بدالي معاك هنا، فأرجوك اتصرف بعقل ومتحطنيش في موقف محرج معاه، من فضلك!
ضم أعلى أنفه بيده، وردد بيأس من محاولة اقناعه: حاضر يا بشمهندس، هركن وأطلع.
منحه جمال ابتسامة صغيرة، وقال قبل أن يتجه للرصيف: لو حبيت تخرج في أي مكان اتصل بيا وعرفني، يلا تصبح على خير يا سي?وو.
ابتسم رغمًا عنه، ورد عليه بلطفٍ: وإنت من أهله إن شاء الله.
صف سيف سيارته وصعد للاعلى، بينما صعد جمال لإحدى سيارات الأجرة، يعبث بهاتفه باحثًا عن رقم رفيقه يحاول الاتصال به لمرته الحادية والستون، وما أن وجده يجيب حتى صاح بلهفةٍ: طمني يا يوسف؟
تغاضى عن سؤاله وقال بقلقٍ: سيف يا جمال!
هدر بعنفٍ: طمني الأول، أنا من ساعة ما وصلت وبرنلك موبيلك مقفول!
أفصح يطمئنه: الحمد لله ربنا غمرنا بكرمه ولطفه، وعدت مرحلة الخطر.
عادت أنفاسه بصورتها الطبيعية، وهمس بصوتٍ خافت: الحمد لله.
ثم رفع صوته إليه: ربنا يكملها بالستر والبرنس اللي حيرنا ده يشرفنا على خير.
ضحك وهو يصحح له: لا برنسيسة وهسميها نجاة!
هتف فرحًا: ما شاء الله تنور على الكامل وعريسها موجود.
ابتسم وقال بسرور: وأنا موافق من دلوقتي، المهم طمني على سيف، وعُمران اتصالحتوا!
أجابه باستفاضة لتفهمه سبب قلقه المرتاب: متقلقش إديته مفتاح شقتك المفروشة، وإنت عارف إن محدش يعرف عنها حاجه فهو بأمان، مفرقتوش من لما نزلنا من الطيارة، حتى أخدته معايا عند عمران وآيوب رغم إنه كان رافض، ولسه طالع الشقة من شوية.
تنهيدة عميقة وصلت إليه، وصدى صوته الهامس: الحمدلله.
واستطرد ينبهه برجاء: أنا أصريت عليك تنزل معاه عشان تخلي عنيك عليه يا جمال، يمان ده مخيف ومش سهل، الله أعلم قصته انتهت ولا لسه! عشان خاطري يا جمال متسبهوش.
أكد له بحب: أمانتك في رقبتي يا صاحبي، متشلش هم حاجة، كفايا التوتر اللي إنت عايش فيه، ربنا يطمن قلبك يارب.
=اللهم آمين، ها بقى طمني اللي بينكم اتحل إنت وعمران ولا مستنين نزولي؟
قال وهو يتحسس آثار اللكمة: هو إتحل الحمدلله بس مقابلته مكنتش ولابد أوي يعني.
تساءل بقلقٍ: ازاي؟
أخبره من بين ضحكاته: قابلني ببوكس معتبر، وكل ده عشان إتاخرت بسفري مع إنه مديني الرخصة وقالي متنزلش من غير مراتك وابنك.
سعل يوسف بشدةٍ، ولفظ برعب: ده لسه مهددني من شوية عشان كنت قافل موبيلي!
=رن عليك كام رنه؟
وخمسة وفنشها بريكورد من ساعة ما سمعته وأنا مرتبك وحالتي مش ولابد!
=رنله بسرعة قبل ما تلاقيه الصبح في وشك!
انفجر يوسف ضاحكًا، وقال: قالي كده فعلًا.
صاح جمال بعصبية بالغة: نعم، هو أنا جايله عشان يسافر! اتصل وراضي غروره باعتذار يلخص الحكاية بدل ما وشك يبقى خريطة ومنبع الحكايات كلها.
سيطر على ضحكاته بصعوبة، وقال متصنعًا الجدية: طيب أنت متعصب ليه يا جمال!
هدر منفعلًا غير مباليًا بالسائق المنزعج من حديثه المستمر منذ صعوده للسيارة: أنا مصدقت دماغه لانت، ورجع يتقبل وجودي، يقوم يسافر لندن تاني! أنا مصدقت اتجمعنا وإنت أول ما تطمن على الدكتورة ليلى حصلنا، لان بصراحه وجودك هناك مبقلوش لازمة.
=إنت شايف كده يعني!
أيوه شايف الصح وببلغك بيه، كفايا غربة بقى يا يوسف، كفايا!
=تمام أنا هعمل كل اللي تقوله الا حاجة واحدة.
اللي هي؟!
=إني أكلمه، ده ما هيصدق أرنله هيهزقني يا جمال وأنا نفسيًا غير قابل للتهزيق!
انخرط بنوبة من الضحك، وفاه بشماتةٍ: تستاهل بصراحه عشان تقفل موبايلك أوي.
اقترح بمكرٍ شيطاني: طيب ما تخليك جدع وتكلمه إنت وتقوله إني كلمتك وطمنتك؟
تلاشت ضحكاته وصاح متقمصًا دور المتذمر: يا أخي خلي عندك دم، بقولك قابلني ببوكس خلع وشي، ومصدقت الدنيا تصفى بينا، عايزه يعمل فيا أيه تاني يا دكتور الحالات المتعسرة!
= خلاص يا عبحليم، اتنيل على جنب وأنا هظرفه ريكورد سريع أطمنه على الدنيا وهقفل التليفون بعدها شهرين تلاته.
أغلق جمال الهاتف ومازالت الفرحة تضييء وجهه المنير، غفران عُمران له كانت من أسمى أمنياته، وها هو ينالها بعد تعبٍ وإرهاق.
استكان آدهم جوار عمران بهدوءٍ، بينما عقله يصارع كلمات يونس الاخيرة إليه، أخر ما يريده أن يخسر آيوب، ولكن ما سيحدث سيرغمه على خوض مرحلة فراق بينهما إن لم يستوعب الأمر سريعًا.
راقبه من أسفل نظارته السوداء بدهشةٍ، هل يعقل أن يلحق به دون أي سؤالًا وتحد شرس بينهما، مال إليه يسأله بريبة: أنت كويس؟!
أفاق على سؤاله المطروح، وقال يجيب: كويس، ممكن تفهمني بقى احنا بنعمل أيه هنا؟!
سحب زهرتين من باقة الورد، وقدمها إليه: عشان تعرف بس إني عامل معاك الواجب.
تطلع اما بيده باستغراب، وتساءل: ده أي؟
وما كاد باجابته حتى هوى صوتها الرقيق، مخترقًا أضلعه كنسمة باردة مرت بيومٍ شديد الحرارة: آدهم!
استدار للخلف وهو يتمنى أن لا يكون يتوهم وجودها، فاذا بها تدنو منه بنظراتها الفاتنة، تطالعه بشوقٍ وخجل، تردد لسانه وابتسامته الساحرة تغزو وجهه: شمس هانم.
زم عُمران شفتيه ساخطًا، ولكز كتفه يخرجه من شروده: بقالك ساعة واقف متنح، وبتفكر تحضنها ازاي، بختصرلك الوقت والمال والتفكير وبقولك مينفعش!
وتخطاه يضمها إليه، قائلًا بابتسامته الهادئة: نورتي مصر والدنيا كلها.
تعلقت به وهتفت بشوق: وحشتني أوي يا عمران، إنت حتى مبقتش ترد على مكالماتي!
مال يهمس لها بخبث: مكالمات الاطمئنان إن الهدية وصلت ولا لا، اتطمني موصلتش ومش هتوصل.
ابتعد تطالعه بغضب، فعاد يضمها وهو يتابع: التقل صنعه، مينفعش تهاديه بشيء بدون مناسبة وعلى الرغم إني أتمناها متجيش بس للاسف جاية، وعيد ميلاد الظابط البلطجي ده قبل فرحكم بيوم.
تعلقت به بشدة وهتفت بحماس بعدما أرضتها كلماته: إنت لست سييء للغاية أخي العزيز.
كبت ضحكته وابتعد يحدجها بنظرة جادة، ثم قال بخشونة متعمدة: فين على وفريدة هانم، فين مايا؟
رددت وعينيها تراقب صمت آدهم الغريب: على وأنكل أحمد بيجيبوا الشنط، ومامي وفاطيما ومايا ورايا.
شعر بحاجتهما للحديث، فانسحب من بينهما بهدوءٍ، دنت شمس إليه تتعمق به كأنها تود أن تكتشف ما به، وحينما وجدته يطالعها بثبات، قالت: مالك يا آدهم؟ مش مبسوط إنك شوفتني؟
رد عليها بابتسامة يجاهد لزرعها: مبسوط طبعًا يا شمس، أنا بس اتفاجئت مش أكتر.
وتابع وهو يبحث عن عمران: أخوكِ فين؟!
أشارت للباب الزجاجي قائلة: دخل يشوف فريدة هانم.
هز رأسه بتفهمٍ، ومال يحمل عنها حقيبتها البينك الصغيرة، ثم وضع بيدها الزهرات مبتسمًا: حمدلله على السلامة شمس هانم.
بالرغم من جمود مقابلته الا أنها منحته ابتسامة رائعة ورددت باستعلاء مصطنع: ميرسي كابتن آدهم.
اتجه آدهم للسيارة بالخارج، يتصنع أنه يضع الحقيبة بصندوقها، بينما عقله يكاد يتجمد من كثرة زحام أفكاره، بمجرد سفر آيوب وعودته سيقام حفل زفافه، وبعدها ستُكشف الحقيقة، كيف سيتقبلها آيوب؟ لا يريد خسارته أبدًا.
رفع يده ليسحب رافعة صندوق السيارة ليغلقه، ولكنه تفاجئ بها تقف من خلفه، وعلى ما يبدو بأنها تناديه منذ فترة، استدار إليها، بينما تقول بدهشة: بنادي عليك مش سامعني؟
رفع بصره التائه إليها، ظهورها الآن بمثابة المنارة التي اهتدى بها، إستغل غطاء صندوق السيارة الخلفي كستارٍ إليهما، جذبها إليه يضمها بقوة، وهو يهمس لها بارهاق: تعبت يا شمس، تعبت وحاسس إني ولأول مرة ضعيف.
لفت يدها من حوله مندهشة من فعلته، ورددت بصدمة: آدهم!
حمل احدى الباقات وبحث بلهفة عنها، يود أن يراها ليضمد شوقه النازف إليها، رآها توليها ظهره وعلى ما يبدو تتحدث مع زوجة أخيه، أسرع إليها يحاوطها من الخلف ويدور بها بسعادة جعلتهما محيط الانظار، تفاجآت مايا بجسدها المرفوع، فانحنت للاسفل فوجدته يحملها، تعلقت به وهي تردد بعدم تصديق: عُمران.
همس لها ومازال يحملها: حبيب قلبه! وحشتيني!
وإنت وحشتنا كلنا يا طاووس، بس أستأذنك تنزل البنت وتلم نفسك إحنا في القاهرة مش لندن يا روميو!
قالها أحمد بسخرية ضاحكة، بينما تتبعه أنظار عمران الذي تفاجئ بجميع من حوله يتطلعون لهما بانبهار حتى أن معظم كاميرات الهاتف سجلت تلك اللحظة!
دث مفتاحه بباب شقته، حاول مرارًا فتحه ولكنه لم يستجيب، اندهش جمال من الأمر الذي اتضح له كليًا حينما تسلل له صوت صبا: انزل نام تحت يا جمال!
التعليقات