التخطي إلى المحتوى

رواية زواج في الظل الفصل السابع 7 بقلم ياسمين عطيه

رواية زواج في الظل الجزء السابع

رواية زواج في الظل البارت السابع

زواج في الظل

رواية زواج في الظل الحلقة السابعة

بعد انتهاء الفرح، وأركان يدخل الغرفة، متعبًا لكنه بالكاد أغلق الباب حتى رن هاتفه… ينظر للشاشة، تتبدل ملامحه للحظة قبل أن يرد بصوت هادئ
يارا بصوت متردد ومكسور: “وحشتني، ليه عملت كده؟ ليه سبتني كل المدة دي؟”
أركان بهدوء، لكنه واضح إنه متأثر: “كان لازم.. بس انتي عارفة كويس إني ما حبيتش ولا هحب غيرك.”
يارا: “كنت محتاجة أسمعها منك، كنت خايفة يكون اللي بينا خلص.”
أركان: “مستحيل.. حتى لو الظروف فرضت علينا حاجات، أنا ما تغيرتش.”
ليلى، اللي كانت واقفة عند الباب، حسّت بجسمها بيتجمد، كأن الكلام كان سكاكين نازلة على قلبها واحدة ورا التانية. جملة ..ما “حبيتش ولا هحب غيرك.” “أنا ما تغيرتش.”
الكلمات دي خبطت في قلبها بقوة، كأنها صفعة صحّتها من وهم ما كانتش حتى معترفة بيه. هي ما كانتش ناوية تحس، ما كانتش ناوية تتعلق، لكن من غير ما تحس… حبت أركان.
مش عارفه حبيته ليه وازاي وامتى يمكن حبت طريقته لما بينادي عليها ببرود بس فيه حاجة بتحسسها بالأمان. حبت نبرته الحازمة . حبت حتى الطريقة اللي بيتجاهلها بيها ساعات… كل تفصيلة صغيرة كانت بتدخل جواها من غير ما تلاحظ، لحد ما بقت حقيقة.
بس الحقيقة الأهم؟ إنه مش ليها. مشاعرها راحت لشخص قلبه لسه متعلق بحد تاني.
بلعت غصتها وحست إن دموعها بتلسع عينيها، بس مسحتها بسرعة قبل ما تضعف أكتر. بعدها أخدت نفس عميق، وفتحت باب الأوضة، وكأنها ما سمعتش حاجة. قفلت وراها بهدوء، ما بصتش له، ما قالتش حاجة. راحت ناحية السرير ونامت على طرفه، بعيد عنه لأول مرة من يوم ما بدأت المهمة.
كل يوم كانت بتنام في حضنه، كل يوم كانت بتلاقي في حضنه راحة غريبة، حتى لو بينهم كان مجرد تمثيل.. حتى لو عارفة إنه ما بيفكرش فيها زي ما هي بقت تفكر فيه.
بس الليلة دي.. لا.
الليلة دي كانت عينيها مفتوحة، سقف الأوضة كان قدامها، بس عقلها كان في مكان تاني، مع جملته، مع إحساسها اللي اتكسر.
أركان كان حاسس إنها مش نايمة، مش مرتاحة، بس ما قالش حاجة. فضل ساكت، بس عنيه كل شوية تروح ناحيتها. هو مش فاهم مالها، بس كان حاسس إن فيه حاجة مش مظبوطة.
ليلى فضلت سهرانة.. وأركان فضل مش فاهم.
أركان فتح عينيه على ضوء الشمس اللي كان داخل من شباك الأوضة، لف راسه ناحية ليلى، لقاها على جنبها، كانت وشها للناحية التانية، مش في حضنه زي كل يوم.
قعد في سريره، مسح على وشه بإيده وهو حاسس بحاجة غريبة، حاجة مش مريحة. هي كانت صاحية طول الليل؟! كان حاسس بحركتها، بتقلبها، بس تجاهل، افتكرها هتنام في الآخر، بس دلوقتي وهو شايفها كده، متأكد إنها ما نامتش.
قرر يقوم من غير ما يصحيها، بس قبل ما يتحرك، سمع صوت نفس تقيل خارج منها، زي حد بيحاول يخبي حاجة
قامت بهدوء، دخلت الحمام، وهو قعد في مكانه لكن عقله مشغول بحاجة تانية.
لما خرجت، لقاها رايحة ناحية الدولاب تاخد هدومها. ساعتها سألها، بصوت هادي لكن نبرته كان فيها حاجة مش مفهومة:
أركان: إنتي كويسة؟
اتجمدت لحظة، كأنها ما كانتش متوقعة يسألها، وبعدها هزت راسها بسرعة.
ليلى: آه، تمام.
كان رد مختصر، بارد، بعيد عن طبيعتها اللي كان متعود عليها كان دايمًا فيها حاجة بتكسر الحدة، لكن دلوقتي؟ كأنها بقت شخص تاني.
هو ما علّقش، وما حاولش يسأل أكتر. فضل ساكت وهو بيتابعها وهي بتخرج من الأوضة.
في غرفة مروان
أسماء فتحت عينيها ببطء، حسّت بجسمها متجرد من أي حاجة، ضربات قلبها زادت وهي بتبص جنبها، لقت مروان نايم بوش هادي كأن الدنيا ما حصلش فيها حاجة. فجأة، افتكرت اللي حصل امبارح، وشها احمر، وبدأت تزق فيه وهي متعصبة:
أسماء، وهي بتزعق: “قوم يا متحرش! انت ليك نفس تنام؟! فين الاحترام؟ فين الأدب؟ فين التربية؟!”
مروان فتح عين واحدة بنعاس، بص لها بطرف عينه، وغمغم بصوت مبحوح:
مروان: “عارفة لو قمت؟ هوريكي كل اللي انتي بتسألي عليه ده، زي امبارح بالظبط… فـ نامي بدل ما أقوم لك.”
أسماء شهقت، وسحبت اللحاف عليها بسرعة، وعيونها كانت بتلمع بالغيظ.
أسماء، بصوت متوتر وغضبان: “أنا مش هعيش معاك هنا، أنا رايحة عند أمي!”
مروان رفع حاجبه بس، واتكعبل في نعاسه وهو بيرد ببرود:
مروان: “الباب قدامك، هتلاقيه في نفس المكان اللي كان فيه امبارح.”
أسماء رمشت بسرعة، حسّت إنها اتصدمت من طريقته المستفزة، وبعدين قامت بسرعة وهي بتزعق:
أسماء: “طب تعالى وديني!”
مروان، وهو بيشد الغطاء عليه أكتر وبنفس النبرة الباردة:
مروان: “بقولك إيه، حلي عن نفوخي بقى، نامي وخليني أنام، بلاش أفكّرك الليلة كانت عاملة ازاي.”
أسماء حطت إيديها على خدها بانفعال، وبعدها رمته بمخدة على وشه.
أسماء: “قليل الادب ! ”
مروان وهو بيضحك، وساحب المخدة يحضنها:
مروان: “عارفه لو قمت لك هوريكي قله الادب الحقيقيه”
أسماء زمّت بُقها، واستسلمت، بس وهي مقررة إنها مش هتسيبه ينام بهدوء أبدًا!
بعد دقايق
أسماء خرجت من الحمام بعد ما اتشطفت ولبست هدومها بسرعة، بس الغيظ كان ماليها من مروان. بصت على الكوباية اللي على الكومودينو، ولمعت في دماغها فكرة شيطانية. مسكتها ورشتها على وشه وهي بتضحك بجنون.
أسماء بصوت مستفز: “صح النوم يا متحرش!”
مروان فتح عيونه بصدمة، حس بالبرودة تضرب وشه، وبعد ثانيتين استوعب اللي حصل.
مروان بصوت مبحوح من النوم: “أسماء… انتي عايزة تموتي؟!”
أسماء ما استنتش تسمع بقيّة الجملة، طلعت تجري برا الأوضة وهي بتضحك، مروان نط من السرير بس ما كانش ينفع يجري وراها لانه مش لابس، هي جريت و هي بتنهج من الضحك والخوف في نفس الوقت.
دخلت المطبخ اللي فيها ليلى شايلة كيس طلبات للمطبخ بتحطه على الترابيزه.
أسماء، وهي تلهث بخوف: “خبيني! بسرعة قبل ما يقفشني، هيقتلني!”
ليلى بصتلها باستغراب، وبعدها بصت وراها بحذر.
ليلى بقلق: “مين اللي هيقتلك؟!”
أسماء، وهي تحاول تلتقط أنفاسها: “جوزي! رشيت عليه كوباية ميه!”
ليلى استوعبت الكلام في لحظة، عيونها توسعت، وبعدها انفجرت ضحك بدون ما تحس.
ليلى وهي تضحك: “إنتي مجنونة رسمي!”
لكن لما سمعت صوت خطوات تقيلة جاية ناحية الباب، لمحت بسرعة ترابيزة المطبخ الكبيرة، ومسكت أسماء من إيدها وسحبتها بسرعة تخبيها تحتها.
ليلى وهي تهمس: “اقعدي هنا واسكتي!”
أسماء وهي تحت الترابيزة، بصتلها بفضول وهمست:
أسماء: “إنتي اسمك إيه؟”
ليلى وهي تراقب الباب بحذر: “هنيه.”
أسماء بابتسامة: “وأنا أسماء، إن شاء الله هنبقى أصحاب، جميلك ده مش هنساه أبداً!”
أسماء، وهي تهمس بحماس: “إنتي ساكنة فين؟”
ليلى أومت برأسها: “أنا في البيت الجانبي هنا في الفيلا،اصل جوزي البواب هنا .”
أسماء بحماس: “خلاص، هاجي لك دايمًا، ونقعد نحكي سوا!”
ليلى حاولت تسكتها بإشارة من إيدها، لأن صوت خطوات مروان كان بقى قريب جدًا، وهي عارفة إن الليلة مش هتعدي بسهولة!
في غرفة مروان
مروان خرج من الحمام بسرعة، وبعد ما لبس هدومه، طلع من غرفة النوم ولقى أمه، صباح، واقفة قدامه بتستغرب من ملامحه. كان واضح عليه إنه متعصب جدًا.
صباح، وهي بتبصله بقلق: “مالك يا حبيبي؟ فيك إيه؟”
مروان، بصوت غاضب: “بنت أخوكي اللي انتِ مجوزاني ، المجنونة! دي مش طبيعيه ان كان اخوك ذات نفسه مش طايع هي هتبقى طبيعيه!”
صباح، بتدهش من كلامه: “بس يا ولد، عيب! ما تقولش كده على خالك!”
مروان، شاح بيده بيحاول يكتم غضبه: ” طب اوعي من وشي كده عشان انا هقتلها لك النهارده!”
صباح، وطلعت تجري وراه و بصوت عالي وتلح عليه: “مروان يا حبيبي، اهدا! طب احكي لي، هي عملت لك إيه؟”
مروان كان خلاص هيدخل المطبخ، لكن في اللحظة الأخيرة دخل خاله ومرات خاله من الباب، شايلين قفص فاكهة. بص علي صباح وقال لها:”شوفي النسب الغالية والجنان اللي انتِ خليتيني فيه!”
ناديه بابتسامه واسعه: مروان يا حبيبي عامل ايه ،هي اسماء فين
مروان بعصبية: ” بدور عليها اهو دوري معايا
علي، مش فاهم اللي بيحصل، بص صباح وقال لها:
علي، وهو متفاجئ: “بنتي فين يا صباح؟ يعني أنا مديكم البنت عشان تضيعوها؟”
صباح، بتوتر وحيرة، حاولت تلم الموضوع بشكل هادي، فقالت:
صباح، وهي بتحاول تهدأ الوضع وهي بتضحك: “دي بتلعب مع مروان، واستخبت. هو أنت مش عارف بنتك يا علي؟”
علي، ضحك وقال:
علي، ضاحك وهو بيهزر: “إذا كانوا بيلعبوا، ماشي. أنا افتكرتها ضاعت. استنى، هدور معاك. أنا عارف بنتي ممكن تستخبى فين.”
مروان، وهو شافهم وسمع كلامهم، اتصدم بشكل ما حصلش. فكر في نفسه:
مروان، بصدمه: “الناس دي ما طبيعيين!”
علي دخل المطبخ وهو بيغني ويعمل طرقعة بصباعه، بيهزر ويغني:
*علي، وهو بيغني: “اطلعي يا بطه، أنا عارف انتِ فين، اطلعي يا وزه، عارف انتِ مين؟”
اسماء، لما سمعت صوته، طلعت تجري عليه، ورمت نفسها في حضنه:
*اسماء، وهي بتضحك: “بابا حبيبي! وحشتني يا علولي! أنت جاي عشان تاخدني؟”
*علي، وهو بيضحك: “لو عايزة تيجي معايا تعالي يا حبيبتي”
اسماء وهي بتضرب بوز: ما انا قلت لك ان انا مش عايزه اتجوز وانت ضربتني
علي :هو انا ضربتك عشان كده انا ضربتك عشان قعده تلعبي كوره مع الصبيان وانا قلت لك ما تلعبيش مع العيال وبعدين هو الواد مروان ده زعلك؟”
اسماء، بتدافع عن نفسها بتنكّر وتحاول تلمع صورتها قدام أبوها:
*اسماء، وهي بتمثل على باباها: “ده مجنون يا بابا، مش طبيعي! وبعدين أنا عشان كده قلت لك مش عايزه اتجوزه. ده بتاع بنات!”
مروان وقف مكانه، مش قادر يستوعب اللي بيحصل حواليه. مابين الضحك والهزار والمشاكل، بدأ يكتشف إن اللي حواليه عايشين في عالم تاني، بعيد عن المنطق!
مروان كان خلاص مش قادر يتحمل الوضع. مرارته كادت تنفجر من كمية الغضب والضغوط اللي حواليه. لما شاف اللي بيحصل، عارف إن الجدال مع الناس دي مش هيجيب نتيجة. الموقف ده كان بيخرج عن حدود السيطرة، وده خلاه يقرر ينسحب من المشهد.
الكل قاعدين على السفرة، لكن الجو مش مريح زي ما الناس متخيلة. السفرة مليانة أطباق وأكواب ملونة، وكل واحد فيهم قاعد في مكانه، لكن مش كلهم على وفاق.
مروان بيبص ل اسماء بنظرات حادة، زي ما لو كان عايز يولع فيها. عينيه مش بتفارقها، لكن اسماء بتبصوا لو تضحك زي ما يكون قصده تستفزه
أما نسرين، فهي مش مبسوطة ولا مبتسمة، وقلبها مش في المكان ده. كل شوية، طاهر بيبص لها بنظرة مليانة حب، نسرين بتتجاهله تمامًا، مش بتلتفت ليه حتى بنظرة.
خليل، : “الحمد لله، أمبارح الصفقة نجحت ومشت زي ما مخطط له”. لكن في عينه شوية توتر، مش قادر يخفى إنه مش مرتاح للجو اللي حواليه.
الجد صلاح، بيبص على الجميع بنظرة غامضة، أول ما خلص الأكل، وبطرف عينه بيبص لنسرين، وقال بصوت : “لما تخلصوا الأكل،عايزكم كلكم قدامي “. كانت الجملة دي واضحة وصريحة، نسرين حسّت بالقشعريرة في قلبها. الجد كان بيقصد العقاب، وكان عارف إن اللحظة دي جت علشان يعاقبها عشان هربت قبل الفرح. في عينيه كان فيه حكم ومكر، زي ما لو كان ينتظر اللحظة دي من زمان.
في الصالون كان وكأنه محكمة قاسية
كان كل الخدم متجمعين صفًا طويلًا قدام الجد صلاح، ومعهم أفراد العائلة الكل واقف في صمت تام، عيونهم مركزة على الجد، وفي الجو كان فيه توتر غير عادي.
في لحظة صمت قاتلة، كان الجو في الغرفة ثقيل كأن الزمن وقف. نسرين كانت واقفة قدام الجد صلاح، عيونها مليانة خوف، لكن كانت بتتحدى الدموع اللي على وشها. جدها كان واقف قدامها، ملامحه قاسية، عيناه مليانة غضب وكأنها نار بتشتعل في صدره.
فجأة، في لحظة واحدة، رفع يده بسرعة البرق وضربها بالقلم على خديها. الصوت كان مدوي في المكان، وارتجاجه كان يمر في جسدها بالكامل سقطت على الأرض من قوة الضربة. القلم كان قوي لدرجة إنها حسّت بحرارة الجرح اللي تركه على وجهها، والدم اللي بدأ يظهر على طرف شفتيها من أثر الضربة. كانت الضربة مش بس جسدية، ولكنها دخلت جوّها وأثّرت في روحها، لأنها لم تكن مجرد عقاب، كانت إهانة كاملة قدام الجميع.
نسرين، رغم الألم الشديد، حاولت تمنع دموعها، لكنها فشلت. دموعها كانت بتسقط على خدها زي المطر، وصوتها كان مكتوم، مش قادرة تتكلم، ولا حتى تدافع عن نفسها. هي عرفت في اللحظة دي إن اللي قدامها مش هيراعيها، وما فيش حد هيوقف ده.
صلاح بصوت هز المكان”قلت لك قومي، قلت لك مش هينفع تتهربي من العقاب ده… قومي!”
نسرين كانت على ركبتيها، راسها مطاطية، كأنها مش قادرة ترفع عيونها. الدم كان بيسيل من فمها، وهي بتقع قدام الجد، والدموع في عينيها، بس ما قدرتش تتكلم. الجد كرر الكلمة مرة تانية، وتالتة، صوته يرتفع في الغرفة المظلمة:
“قلت لك قومي… عشان تبقي تعملي اللي انت عايزاه بعد كده؟”
ما حدش من أفراد العائلة أو الخدم كان يقدر يتدخل. كان الكل واقف في صمت مطبق، مش قادرين يتكلموا أو يتصرفوا.سليم، وصفيه كانوا واقفين بلا حراك، ومروان وعادل كانوا عينهم على الأرض كأنهم خايفين يلتفتوا ويواجهوا الواقع. أما طاهر، كان واقف زي الطفل الصغير، أيديه مطبقة قدامه، راسه مطاطية. مش قادر يرفع نظره أو يتدخل بس كان حاسس بالوجع بتاعها كان هو اللي بيضرب
ليلى، اللي كانت واقفة مع الوقفين، كانت مستغربة. مش قادره تصدق إنها بتشوف المنظر ده. الناس دي مش طبيعيين، ازاي ممكن يكونوا بيعيشوا كده؟ ليه ما فيش حد من أفراد العائلة يوقف ده ؟ابوها!؟ امها؟! واخوها!؟ جوزها؟!
نسرين كانت بتبص لجوزها بعينين مليانة باليأس، ومش لاقية منه أي رد فعل. كان واقف ساكن زي التمثال، ما فيش في عينيه غير الضعف. هي عاشت في جو من القسوة والتجاهل، والعائلة دي مش هتقدر تحميها.
في اللحظة دي، كان الجد صلاح واقف قدام الجميع، وعينيه مليانة غضب وتسلط. صوته كان عالي وحاد، كأن كلماته صواعق. “دي أقل حاجة هعملها ليكي، وانتِ عبرة لكل واحد هيفكر يعترض على قراراتي!” قالها بصوت متهدج، وهو يركز نظره على نسرين بعينين مشبعتين بالقسوة.
استمر في حديثه، والجو كان مشحونًا بالرهبة: “العقاب مش بس الضرب اللي أخدتيه، لا، ده كمان هتتحبسي يومين في أوضه لوحدك، مش هتلاقي حد يهون عليك، مش هتسمعي صوت حد غير صوت نفسك! حتى لو حد فكر ييجي يقف جنبك أو يعترض على اللي أنا قررته، هحبسه معاكِ!” كانت الكلمات ثقيلة، ومع كل كلمة كان يزيد الضغط على نسرين.
بص لها بنظرة حادة وقال: “يلا امشي قصاد عبد الحق.” ووجه نظره لعبد الحق، وعينيه كانت مليانة تهديد. “إحبسها في البدروم، وماحدش يقرب منها ولا يكلمها. لو حد فكر يقترب، هشوفه معاكِ في البدروم.”
الجو في الغرفة كان متوتر لدرجة كبيرة، والكل كانوا واقفين وكأنهم خائفين على حياتهم، يشهدون لحظة مرعبة تبرز فيها قسوة الجد وتسلطه.
في غرفة مروان واسماء
كانت أسماء جالسة على طرف السرير، وهي تكلم والدتها بصوت منخفض لكنها كانت متوترة جدًا، تحاول السيطرة على أعصابها بعد كل اللي شافته النهاردة.
أسماء بضيق: بصي يا ماما، اللي انتي خليتيني أتجوزه ده، والبيت اللي انتي دخلتيني فيه… الناس دول لو جاعوا ممكن ياكلوني!
نادية : يا بنتي، ولا هيكلوكي ولا حاجة، طالما بتقولي حاضر ونعم، ما حدش هيقربلك! اسمعي الكلام وعيشي من غير مشاكل.
علي وهو بيتدخل بصوته التقيل: أمك عندها حق يا أسماء، ما تغلبيش، أنتِ جوزك بس، واسمعي الكلام.
أسماء بانفعال: أوف بقى يا بابا، أنا ما كنتش عايزة الجوازة دي من الأساس!
علي وهو بيضحك بسخرية: وهو أنتِ كنتِ عايزة تتجوزي أصلاً؟ إحنا هنكذب على بعض؟ كم عريس جه لكِ، وأنتِ كل مرة تطفشي واحد ورا التاني؟
سكتت أسماء لحظة، ما عندهاش رد على كلام أبوها، لأن الحقيقة إنها عمرها ما كانت مستعدة للجواز… بس مش بالشكل ده، مش بالشخص ده، ومش في البيت ده!
ــــــــــــــــــ
[في البدروم – غرفة مظلمة وضيقة]
كانت نسرين قاعدة على الأرض، ضامة رجليها لصدرها، ضوء خافت داخل من فتحة صغيرة في الباب الحديدي. عينها كانت متورمة من الضرب، وشفايفها مشققة، بس أكتر حاجة كانت وجعاها… الإهانة، والخذلان اللي شافته قدام الكل.
وفجأة سمعت صوت خطوات حد جاي… الباب اتفتح، وطاهر دخل. واقف عند الباب، ملامحه متوترة، عارف إنها مش طايقاه، وعارف إنه لازم يتكلم.
طاهر بصوت هادي: نسرين…
نسرين ببرود وهي مش بتبص له: امشي من هنا.
طاهر بيقرب شوية: كنت عايز أطمن عليكي…
نسرين بضحكة سخرية وهي ترفع وشها لأول مرة: تطمن عليا؟ بجد؟ كنت فين وأنت شايفني باتمرمط قصاد كل الناس؟ كنت فين لما جدك كان بيهيني ويذلني وأنا مراتك؟
طاهر بتنهد: نسرين، انتي عارفة إن…
نسرين وهي بتقطعه بعصبية: لا، ما أعرفش! ما أعرفش إزاي واحد يقول إنه راجل ويسكت وهو شايف مراته بتنهان بالشكل ده! لو كان عندك ذرة كرامة، كنت وقفت في وشهم! كنت دافعت عني!
طاهر حس بالذنب، لكنه فضل ساكت لحظة، وبعدين قال بصوت واطي:
طاهر: كنت هعمل إيه؟ كنت هقدر أوقف في وش جدي؟ أنتِ عارفة إن أي حد بيقف ضده بيدفع التمن غالي.
نسرين باستهزاء:طب يلا امشي من هنا بدل متدفع التمن مش جدك مانع إن حد يجي لي؟ انت جيت ليه؟ امشي بقى، لحد يشوفك هنا ويحبسك معايا، وده أنا مش عايزاه!
طاهر وقف مكانه، ملامحه متوترة، واضح إنه كان عارف إنها مش هتستقبله غير بالطريقة دي، بس كان لازم يجي، لازم يتكلم.
نسرين بضحكة ساخرة وهي تهز راسها: مش خايف منه؟ المفروض تخاف… كنت خايف منه وهو بيضربني، مش خايف منه وهو حابسني؟!
طاهر بصوت هادي لكنه مليان إحساس بالذنب: نسرين…
نسرين قاطعته بحدة: ما تنطقش اسمي، صوتك لوحده بيقرفني! ما تعملش نفسك إنك جاي تهوّن عليّ، أنت كنت واقف زيك زيهم، كنت واحد منهم، كنت ساكت بتتفرج وهو بيهينني!
طاهر نزل عينه للأرض، ما عرفش يرد، لأنها كانت صح.
نسرين بصوت مرتجف لكنه حاد: مش المفروض إنك بتحبني؟! ماشي… بتقول إنك بتحبني، طيب فين الحب ده؟! أنا ما شفتوش! النهاردة بالذات كنت محتاجة أشوفه… كنت محتاجة أحس إنك جنبي، إنك راجل فعلاً، مش مجرد اسم…
طاهر فضل ساكت، ملامحه جامدة، لكنه كان عارف إنها عندها حق، كل كلمة قالتها كانت زي طعنة في صدره، بس ما قدرش يرد.
نسرين ضحكت ضحكة قصيرة وساخرة وهي تهز رأسها: عارف… أنا حتى اديتك فرصة، قلت يمكن أبتدي معاك حاجة جديدة، يمكن تخليني أحس إن جواك راجل يقدر يحميني… بس أنت ما تستاهلهاش، ما تستاهلنيش، ما تستاهل حتى إني أكمل الكلام معاك!
نسرين رجعت لورا، وقعدت على الأرض وهي تبعد وشها عنه، كأنها ما بقتش شايفاه حتى، كأن وجوده في المكان معدوم.
نسرين بحزم وهي تشير للباب: امشي، امشي قبل ما يجي ويحبسك هنا… بس بقولك؟ لو حصل… أنا مش هزعل، بالعكس، يمكن أول مرة أحس إنك حاسس ولو بجزء من اللي أنا حسيته النهاردة!
طاهر فضل واقف لحظة، كأنه بيحاول يقول حاجة، لكنه استدار وخرج، وقبل ما الباب يتقفل، سمع صوت نسرين المنكسر وهي تهمس لنفسها: ولا يوم حبيت إن اسمي يبقى جنب اسمك…
طاهر خرج من الأوضة وهو حاسس بكتمة في صدره، كأن نسرين سحبت آخر نقطة هواء منه بكلامها. رفع عينه لقى أمه، نوال، واقفة قدامه، ملامحها متشنجة، كانت سامعة كل كلمة.
نوال بحدة وهي تقفل الباب وراه: اوعى تصدق الشيطانه العقربه دي! انت مالكش ذنب في حاجة، يعني هي غلطت وبترمي اللوم كله عليك؟
طاهر بعصبية وهو يمرر إيده في شعره: ماما، أنا ما دافعتش عنها! كنت واقف زي العاجز وهي بتتاخد على وشها! أنا جوزها، كان لازم…
نوال قاطعته بصرامة: كان لازم تعمل إيه يعني؟ تموت نفسك قصاد جدك؟ تبقى قليل الأدب عشان واحدة ما بتحترمش حد؟ ولا تفكر في أي كلمة قالتها، ما تشيلش نفسك فوق طاقتها!
طاهر بصوت متحشرج: بس يا أمي…
نوال بصوت هادي لكنه قاطع: ما فيش بس، هي اللي هربت، وهي اللي تستحمل النتيجة، وانت ما لكش دعوة. واللي أنا عارفاه ومتأكدة منه هو دا الصح كان لازم يتقرص ودناه عشان ما تعملش كده تاني فما تسندلهاش
طاهر وقف للحظة، حاسس إن كلام أمه منطقي، بس قلبه كان مقبوض… نسرين بتكرهه، ومش عارف لو ده هيتغير في يوم من الأيام ولا لأ.
في أوضة من اوض الفيلا
ليلى كانت ماسكة المكنسة، بتمسح الأرضية بسرعة عشان تخلص شغلها، بس حركتها كانت أبطأ من العادي، عينيها شبه مقفولة من التعب، وكل شوية تمسح وشها بطرف طرحتها. أم سعاد، الست الكبيرة اللي شغالة معاها، لحد ما لاحظت إنها مش على بعضِها.
أم سعاد: مالك يا بنتي؟ هو انتي ما نمتيش كويس ولا إيه؟
ليلى وقفت لحظة، سحبت نفس عميق، وبصت لها وهي بتحاول تبان عادية.
ليلى: لا، مفيش حاجة، بس كنت نايمه متأخر امبارح.
أم سعاد رفعت حاجبها بشك، قربت منها شوية.
أم سعاد: اوعي بس تكوني حامل؟!
الكلمة وقعت زي الصاعقة على ليلى، فجأة حست بوشها بيولع، الدم اتجمع في خدودها، وإيديها وقفت في الهوا كأنها متجمدة.
ليلى (بتتوتر وتحاول تهرب بعينيها): إيه! حامل إيه بس يا أم سعاد؟ لا طبعًا، لا حامل ولا حاجة، ده بس عشان أنا فعلاً ما نمتش.
أم سعاد ضحكت، هزت راسها
أم سعاد: طيب يا ستي، ماشي، بس وشك بيقول حاجة تانية!
ليلى بسرعة شالت المكنسة وكملت شغلها : لا والله مافيش حاجه انا لو في حاجه زي كده كنت قلت لك
أوضة الخدمة – بعد العصر
ليلى كانت لسه بتكمل شغلها، بس حركتها بقت أبطأ، وعيونها غلبها النعاس وتحس بجسمها تقيل كأنها شايلة جبل. أم سعاد كانت قاعدة بتراقبها، ولما شافت إنها خلاص هتقع من التعب، زفرت بحنق وقامت ناحيتها.
أم سعاد (بصوت حنون بس حاسم): بس بقى يا بنتي، سيبي اللي في إيدك وروحي نامي شوية.
ليلى رفعت راسها بالعافية، وحاولت تتماسك.
ليلى (بإصرار ضعيف): لا لا، مفيش حاجة، أنا هخلص وأرتاح بعدين.
أم سعاد (بعين ضيقة وشها حازم): بعدين إيه! وشك أصفر والتعب ناوي عليكي، روحي دلوقتي قبل ما تتسندي على الحيطة وتقعيلي في نص الأوضة.
ليلى بصتلها للحظة، بعدين استسلمت ومسحت وشها بإيدها.
ليلى (بصوت واطي): طيب هروح انام شويه ولو عزتي حاجه تبقي ابعتي لي
أم سعاد (بابتسامة رضا): أهو كده، روحي يا حبيبتي نامي براحتك احنا يعتبر خلصنا الشغل كله.
ليلى ابتسمت بخفة واتحركت ببطء ناحية أوضتها، وهي تحس إنها مش قادرة تاخد خطوة تانية من التعب.
ـــــــــــــــ
في المساء أركان دخل الأوضة بخطوات هادية، لكن وقف مكانه أول ما شاف ليلى نايمة على السرير. كانت ملفوفة في ملاية خفيفة، ووشها باين عليه الإرهاق كأنها بقالها أيام من غير نوم. حاجبها معقود حتى وهي نايمة، كأنها شايلة هموم الدنيا جوه أحلامها.
وقف يراقبها لحظة، ملامحه متجهمة بس في حاجة جوه عينه هو مش فاهم هي مالها، ولا ليه شكله تعبان كده. هو عارف إنها شغالة طول اليوم، بس مش لدرجة إنها تقع كده من الإجهاد.
قرب خطوة، بص للون الباهت اللي على خدها، والهالات اللي تحت عينيها، وبعدها زفر بضيق.
اتجه ناحيتها بهدوء ورفع طرف الملاية قبل ما يتمدد جنبها على السرير.
أول ما حست بيه اتحركت بسرعة وقامت قعدة، كأنها كانت مستنية اللحظة دي.
بصلها بنظرة سريعة
أركان (بهدوء): هو أنا صحيتك؟
ليلى (هزت راسها بسرعة): لا، أنا نايمة من بدري أصلاً… خلاص شبعت نوم.
قالتها بسرعة وهي بتعدل الملاية، لكن حركة إيديها كانت متوترة، وعنيها ما ثبتتش عليه غير لحظة صغيرة قبل ما تبعدها. أركان لمّح كل ده، حس إنها متعمدة، كأنها بتبدل ورديات… أول ما دخل هو، هي قامت.
رفع حاجبه وهو بيبصلها باستغراب، ملامحه كانت شبه بترسم علامة استفهام كبيرة.
أركان (بتركيز): هو إنتِ مالِك؟ فيكِ إيه؟
ليلى (بسرعة وهي بتحاول تبان عادية): مافيش!
ما علقش، فضل ساكت وهو بيشوفها خارجة بسرعة، وكأنها مش قادرة تقعد في الأوضة لحظة زيادة. شد الغطا على نفسه، لكنه ماغمضش عينه، كان حاسس بحاجة غريبة في تصرفاتها، بس قرر يسكت… دلوقتي.

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زواج في الظل)

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *