التخطي إلى المحتوى

رواية زواج في الظل الفصل الحادي عشر 11 بقلم ياسمين عطيه

رواية زواج في الظل الجزء الحادي عشر

رواية زواج في الظل البارت الحادي عشر

زواج في الظل

رواية زواج في الظل الحلقة الحادية عشر

أركان وقف قدام ليلى، عيناه مشتعلة بالغضب، إيده متشنجة كأنه بيحاول يمنع نفسه من تكسير أي حاجة حواليه منه. بص لها بحدة، صوته كان هادي، لكنه مليان غضب مكبوت:
“الحيوان اللي اسمه مروان ده… لو ينفع أقت*له وأقطّ*عه، أنا هعمل كده.”
كان بيحاول يتحكم في غضبه، بس نبرته كانت بتنفضحه. أخذ نفس عميق، مسح وشه بكفه، وكمل بصوت أخف لكنه ما زال محمل بالغضب:
“بس عشان المهمة، لازم إحنا الاتنين نتصرف كأننا ما نعرفش أي حاجة خالص… كأن حد غريب هو اللي أنقذكِ، وأنتِ، ما شفتيش مروان أصلًا، ولا هتشوفيه تاني!”
قرب منها خطوة، نظره كان حاد ومباشر، كأنه بيحفر كلماته في عقلها.
“أنا عايزك ما تطلعيش قصاده نهائي، ولا يشوفك بعد كده! وبعد كده، لا تتحركي خطوة، ولا تعملي أي حاجة من غير ما تيجي تقولي لي أنتِ هتعملي إيه!”
وقف لحظة، عيونه كانت بتراقب ملامحها، بتحاول تستوعب اللي بيقوله. شدد على كلامه بصوت أوضح:
“دي تاني مرة تعرضي نفسك للخطر! أول مرة كان موقف الحمام، ودلوقتي؟ كنتِ هتضيعي نفسك!”
عينه كانت مليانة حاجات كتير، خوف، غضب، إحساس بالذنب، ومسؤولية تقيلة على كتافه. قرب منها أكتر، نبرته بقت أخف لكنها محملة بمعنى أعمق:
“أنتِ أمانة… أمك أمنتني عليكِ، وأنا قلت لها ليلى في أمان، ولازم أكون قد كلامي!”
سكت لحظة، عيونها كانت ثابتة في عيونه، كأنها وعد صامت إنه مش هيسمح للي حصل يتكرر… أياً كان الثمن.
أركان وقف تحت الدش، الميا الباردة كانت بتغسل جسده لكن مش قادرة تغسل أفكاره. عينيه كانت مشوشة من كل اللي حصل مع ليلى. اللحظات اللي قضاها معها كانت غريبة عليه، مشاعر مش قادر يشرحها لنفسه. كان يحاول يطرد صورة ليلى من دماغه، لكن مهما حاول، كانت عينيها تظل تلاحقه، والصوت الهادئ اللي كان بيقول له “أنا بحبك” ما زال بيرن في أذنه.
حاول أن يركز في المية الباردة اللي بتنزل عليه، لكن مش قادر. قلبه كان بيخفق مش عارف ليه. أكيد ده مش طبيعي. ليلى، الفتاة اللي كان شايفها مجرد أداة في المهمة، دلوقتي بقت جزء من مشاعره اللي مش قادر يفرزها. ليلى، اللي كانت دايمًا في باله كجزء من اللعبة، دلوقتي قلبه كان بيخفق لما افتكر ابتسامتها، لما بص ليه بعينيها في لحظة ضعف. مش عارف هو حس إيه بالضبط، بس كان أكيد مش زي الأول.
“يا ترى ده حب؟ ولا مجرد تعاطف؟” سأل نفسه وهو يقف تحت الدش، الميا زي ما هي، ما بتغسلش اللي جواه.
وعيناه اتجهت لصور يارا في دماغه، الفتاة اللي طالما كانت في قلبه. يارا بنت عمه، كانت دايمًا هي اللي في باله، هو كان متأكد إن حبه ليها ما انتهيش، لكنها كانت بعيدة، مش قادرة تكون في حياته بالشكل اللي هو عايزه. لكن ليلى، مع كل المواقف اللي مروا بيها، بدأت تخلخل القشرة اللي حوالين قلبه، هو كان بيشوفها بشكل مختلف. بس ازاي ده؟ هو كان بيحب يارا! ليلى كانت مجرد جزء من مهمة، هل دي مشاعر حقيقية؟ ولا ده كان مجرد اندفاع؟
حس بشوية دموع نازلة من عينيه وهو بيشوف صورة يارا قدامه، كأنها كانت تجذب منه كل جزء من قلبه. لكن دلوقتي، ليلى، عيونها كانت بتذكره بحاجة غريبة، حاجة مش قادرة يفسرها. “إيه اللي بيحصل لي؟” فكر بصوت منخفض.
هو كان في حرب مع نفسه. عايز يركز في مهمته، عايز ينسى مشاعر ليلى، عايز يرجع ليارا، بس في نفس الوقت، قلبه مش قادر يبعد عن ليلى. هو ما كانش مستعد لحب زي ده، مش مستعد للارتباك ده في حياته. لكن الموقف ده، اللي اتعرض له مع ليلى، خلاه يفكر في حاجات كتير.
وهو لسه واقف تحت المية، بدأ يحس بحرارة من نوع آخر، حرارة داخلية مش قادر يوقفها، مش قادر يفهمها. “إزاي ده يحصل؟” قالها بصوت مبحوح وهو بيغلق عينيه، معترفًا لأول مرة في حياته إنه مش قادر يهرب من مشاعره.
كانت قاعدة على السرير، ماسكة هدوم بإيدها، عينيها مثبتة في الأرض. أول ما خرج من الحمام، رفعت رأسها بسرعة وبصت له للحظة، بس ملامحها كانت متوترة. هو ما قالش حاجة، مجرد عدى جنبها وراح ناحية الدولاب، وهي بسرعة قامت ودخلت الحمام.
أركان وقف لحظة، سمع صوت المية وهي بتشتغل، سحب نفس عميق ومسح على وشه بإيده. حس بضغط غريب في صدره، اللي حصل كان لسه مأثر عليه، مش بس الموقف نفسه… لأ، إحساسه وهو قريب منها، وهو شايفها بالحالة دي. زفر بصوت واطي وهو بيحاول يشتت دماغه، لكن عقله كان شغال زي الشريط اللي بيرجع الأحداث ويفكر في حاجات ما كانش لازم يفكر فيها.
قعد على طرف السرير، ظهره للحمام، حاسس إنها لما تخرج هتفضل محافظة على المسافة بينهم، زي ما هو كمان مضطر يحافظ عليها. اللي حصل مش ممكن يتكرر، لازم يفضل مركز، دي مجرد مهمة… وهو ماينفعش يتشتت أكتر من كده.
ليلى خرجت من الحمام، وشعرت بشيء غريب في قلبها. عيونها لمحت أركان وهو جالس على السرير، ظهره موجه ليها، كأن الموقف اللي حصل بينهما خلقت حاجزًا نفسيًا بينهم. كانت دايمًا بتروح تنام في حضنه قبل كده، دايمًا كانت تحس بالأمان فيه. لكن دلوقتي، بعد كل اللى حصل، كل شيء اتغير.
حاولت تتحرك وتروح تنام ، لكن دلوقتي حتى الخطوة دي كانت صعبة. مشاعر الخجل كانت بتطغى على قلبها، وما كانتش عارفة تتصرف إزاي.
أما أركان، فكان قاعد على السرير، وراسه منخفضة. رغم إنه كان عايش في صراع داخلي، لكنه شعر بحاجة غريبة. كان خايف من اللحظة دي. كان عارف إن كل شيء تغير، وكان مش قادر يتخيل نفسه بيحاول يتهرب من ليلى بعد ما كانت جزء من حياته اليومية. دلوقتي، هو حس إن مشاعر الخجل بدأت تطغى عليه زي ليلى، لكنه حاول يحافظ على المسافة.
في النهاية، ما حصلش مثل كل الأيام اللي فاتت. كل واحد قاعد في مكانه، مش قادرين يقتربوا زي الأول. كان واضح أن المسافة النفسية بينهم ما بقتش بس مسافة جسدية.
الصبح طلع، بس الليلة دي ما كانتش زي أي ليلة قبلها.
على السرير الضيق، كل واحد كان نايم في جنب، بعيد عن التاني قد ما يقدر. أركان كان ضهره ليها، عينه مفتوحة، بس ملامحه متحجرة، كأنه بيجبر نفسه إنه ما يفكرش. أما ليلى، فكانت حاسة إنها مشلولة، رابطة جسمها بتحكم غريب بتمنع جسدها يتصرف بتلقائيته المعتادة عقلها كان بيشد اللجام، يمنعها إنها تتهور، إنها تدي لنفسها الحق إنها تقرب.
لما فتحت عينيها، مش قادرة تحدد، هي نامت فعلًا ولا كانت طول الليل بتصارع نفسها؟ كانت بتحاول تقنع عقلها إن جسمها مش هيتحرك نحوه، مش هيدور على الدفا اللي متعودة عليه
بس لقت نفسها في نفس الوضع اللي نامت بيه،كانت حاسة بجسمها متشنج، كأنها مربوطة بحبال غير مرئية، مش قادرة تتحرك ولا تفرد عضلاتها حتى. أطرافها باردة، نفسُها محبوس في صدرها، ومعدتها معقودة بخوف مش مفهوم. أطرافها متيبسة، . بصت قدامها، ناحية ضهر أركان، ملامحه ما كانتش باينة.
ليلى قامت من مكانها وهي لسه مش مستوعبة إحساسها الحقيقي، لا عارفة هي نامت فعلاً ولا فضلت تصارع نفسها طول الليل. راحت المطبخ، حضّرت الفطار بسرعة، وحطّته على الترابيزة قبل ما تخرج فورًا من الأوضة متجنبة تمامًا إنها تبص في اتجاه أركان. كانت محتاجة تبعد، تتشغل بأي حاجة تلهي عقلها عن التفكير في اللي حصل.
دخلت الفيلا، وبدأت شغلها كأن الليلة اللي فاتت ما كانتش موجودة أصلاً. وأثناء ما كانت منهمكة في تنظيف السفرة، فجأة سمعت صوت أسماء من وراها:
أسماء بمرح: “ده عفريت اللي واقف قصادي ده ولا إيه؟ يا بنتي مش انتي خبطتك عربية؟ المفروض ما تعرفيش تتحرك!”
ليلى بابتسامة خفيفة: “عُمر الشقي بقى… وبعدين كانت خبطة بسيطة، أنا أصلاً مش فاكرة حاجة. كل اللي فاكراه إني فتحت عيني لقيت سعيد قصادي في المستشفى، وبعدها جيت هنا. والله حتى العربية اللي بيقولوا خبطتني دي ما شُفتها!”
أسماء وهي ترفع حاجبها بتفكير ومرح: ” يمكن فقدتي الذاكرة، بس فاكراه إزاي وفاكراه سعيد إزاي؟ يبقى أكيد فقدتي ثواني بس من الذاكرة!”
ليلى بضحكة خفيفة وهي تكمل شغلها: “حاجة زي كده!”
لكن بعيدًا عن ضحكتهم، كان في حد واقف بيسمع كل كلمة… مروان.
كان واقف على بُعد خطوات، عيونه متضايقة ومليانة غضب. حط إيده على راسه وهو يحاول يفتكر اللي حصل، بس عقله كان فاضي… كأن حد مسح جزء من ذاكرته. حاول يركّب المشهد، رجّع كاميرات المراقبة، بس كل اللي شافه كان اللحظة اللي كان بيهجم فيها على ليلى… وبعدها فجأة كان هو واقع على الأرض! المشهد اللي في النص، اللي فيه حد ضربه، كان مفقود… كأن حد حذفه بمهارة شديدة.
مين ممكن يعمل حاجة زي كده؟ وليه؟
ما كانش فاهم، بس الحاجة الوحيدة اللي كان متأكد منها… إنه مش هيسيب ليلى تهرب منه تاني. المرة دي، هيخد اللي هو عايزه… بأي طريقة.
مروان وهو بيراقب ليلى من بعيد، ابتسامة خبيثة ارتسمت على وشه:
“كويس… كويس إنها مش فاكرة حاجة.”
حط إيده على رأسه وهو يحاول يسترجع اللي حصل، بس عقله كان ضايع… كأنه فيلم ناقص منه أهم مشهد. افتكر نفسه وهو بيقرب منها، ابتسامتها اللي كانت مليانة خوف، إيده وهي بتتحرك ناحيتها… وبعدها؟
فراغ.
كاميرات المراقبة ما جابتش غير اللحظة اللي كان بيهجم عليها، وبعدها فجأة كان مرمي على الأرض. المشهد اللي في النص، اللي فيه حد ضربه، كان ناقص… كأن حد مسحه بعناية.
حلقه ناقصه هو هيكتشفها
لكن الأهم من ده كله… ليلى.
هي ما شافتش حاجة، أو على الأقل مش فاكرة. وده كان أحسن سيناريو ممكن يحصل. لإنه مش هيسيبها تفلت منه المرة دي.
المرة دي، هيكون كل شيء تحت سيطرته.
مروان في نفسه وهو بيضيق عينيه:
“طب نروح نشوف جوزك ده عارف حاجة ولا مغفل زي ما باين عليه؟”
ابتسم ابتسامة جانبية وهو بيتقدم ناحية أركان، أركان كان واقف قدام مروان، جسمه متشنج، كل خلية فيه بتصرخ غضب، بس ملامحه… باردة، متماسكة، ما ينفعش دلوقتي يكشف اللي جواه.كان عايز يفتك بمروان، يدفنه في مكانه، بس لا… مروان مش لازم يعرف إنه عارف، مش لازم يحس إنه مكشوف. المهمة فوق أي حاجة. ما ينفعش تبوظ قبل ما تبتدي
أركان بصله بنفس البرود المعتاد، وصوته كان هادي
مروان وقف قدامه، حاطط إيده في جيبه، وبص له بنظرة مليانة ريبة:
“إزيك يا سعيد؟”
أركان رفع عينه ببرود، بص له نظرة محسوبة، لا ودودة ولا عدوانية، مجرد نظرة فارغة زي أي بواب مالوش في المشاكل:
“الحمد لله، تحت أمرك.”
مروان ابتسم بخبث:
“قول لي بقى… مراتك لقيتها فين؟”
أركان ما تغيرش تعبيره، ولا رمش حتى، صوته كان هادي، ثابت كأنه مش شايف اللي قدامه:
“في الشارع، زي ما قالوا، حد شافها رن عليا من تليفونها وقال لي ان عربيه خبطتها وانا اخذتها ورحت المستشفى واستنيت لحد ما بقيت احسن وجبتها وجيت.”
مروان قرب خطوة، صوته بقى أهدى، بس نظرته بتدور على أي تلميح، أي حاجة تكشفه:
“غريبة، يعني مش مستغرب هي إزاي كانت في الشقة وبعدين ظهرت في الشارع عربيه خبطها؟”
أركان عمل نفسه بيفكر لحظة، وبعدين هز كتفه بلا مبالاة:
“والله معرفش المهم إنها بخير.”
مروان حرك لسانه جوه بقه، عينه لسه بتحلل أركان، لكن مفيش أي خطأ، تصرفاته وتصريحاته طبيعية تمامًا… طبيعية واضح انوا مش عارف حاجه فعلا.
وقف أركان في مكانه، عينيه مسلطة على ظهر مروان وهو بيبعد عنه بخطوات هادية. من بره، شكله كان ثابت، هادي، مجرد بواب عادي بيشوف صاحب الفيلا بيخرج من الجنينة، لكن من جواه… كان الإعصار شغال.
إيده تشدت لا إراديًا، أصابعه تقبضت وكأنها بتلف حوالين رقبة مروان في خياله، أسنانه كانت بتضغط على بعض بقوة لدرجة إنه حس بالألم في فكّه. لو مشدش نفسه، لو سيب لنفسه ثانية واحدة بس… كان هيهجم عليه زي أسد شاف فريسته.
الفكرة إنه مش بس شاف مروان بيحاول يمد إيده على ليلى… دي مراته. حتى لو مشاعره لسه متلخبطة، حتى لو جزء منه لسه مقتنع إنه مجرد دور، في حاجة جواه اتحركت. يمكن فطرة، يمكن إحساس بالمسؤولية، يمكن كرامته كرجل، لكن الأكيد إن الدم اللي فار في عروقه مكانش مجرد غضب، كان حاجة أعمق بكتير.
حبس أنفاسه، لازم يسيطر… المهمة ما زالت شغالة، ولو كشف نفسه دلوقتي، كل حاجة هتنهار. ابتلع غضبه، حرك كتفه كأنه بيتخلص من التوتر، ووقف مكانه… كأنه مجرد بواب بيتابع صاحب الفيلا وهو بيختفي عن نظره.
بس هو عارف… وعارف كويس جدًا إن اللي حصل النهارده، مش هيمر كده.
ـــــــــــــــــ$ـــــــــــــــ
بعد مرور فترة مش صغيرة ولا كبيرة، كل حاجة اتغيرت.
أركان بقى يطلع معاهم المهمات، كل واحدة مختلفة عن التانية، أماكن مختلفة، أشخاص مختلفين، خطط جديدة كل مرة. كان موضوع كبير، لعبة معقدة وهو كان داخلها خطوة خطوة، لحد ما يفهم القواعد، إمتى بياخدوا القرار، إزاي بيخططوا لكل حاجة، وإيه السر ورا النظام الدقيق ده.
بس الحاجة اللي ما كانش متوقعها، إن وجود ليلى هيكون فرق معاه بالشكل ده. البنت اللي ما كانش عايزها معاه أصلاً، اللي حاول يبعدها عن المهمة بكل الطرق، طلعت أكتر حد مناسب للشغل ده. مش بس كده، دي كانت أكتر حد مناسب ليه هو شخصيًا.
أركان افتكر إنه في الأول كان شايف يارا الأنسب، لكن بعد كل اللي شافه، عرف إنها ما كانتش هتستحمل خُمس اللي ليلى استحملته. ليلى كانت مكافحة، صبورة، مش شكّاية، بتعمل أكتر من طاقتها وبتتحمل فوق اللي أي حد ممكن يتحمله. بتعرف تتعامل مع كل الناس، ذكية، مابتتصرفش بتهور، ودايمًا بتركز في الهدف. مش بس كده، دي ما عملتش له مشكلة ولا مرة، بالعكس، كانت دايمًا حل مش عقبة.
وبعيدًا عن الشغل، ليلى بقت جزء من حياته من غير ما ياخد باله. الأكل اللي كانت بتعمله، كان بيحس فيه بكمية حب غريبة، مابقاش قادر ياكل من إيد حد غيرها. وجودها كان بيهون عليه، يخليه يحس إنه مش بعيد عن أهله، وإنه مش لوحده. وعلى قد ما كان متحفظ معاها، وعلى قد ما كانوا عاملين حدود واضحة بعد اللي حصل بينهم آخر مرة، إلا إنه مقدرش ينكر… إن في حاجة جواه اتغيرت ناحيتها.
كان دايمًا بيقنع نفسه إنها مجرد شريكة في المهمة، إنها بس بتسهل عليه الشغل، لكن الحقيقة… إنه مش بس متعود عليها، هو بقى محتاجها.
هي اللي بتشوف التعب في عينيه قبل ما يتكلم.
هي اللي بتعرف هو غضبان من غير ما يبان عليه.
هي اللي بتبقى جنبه حتى من غير ما يطلب.
ومع كل يوم بيعدي، كان عارف إنه مش مجرد “اعتياد” أو “ارتباط بالشغل”. كان فيه حاجة تانية… حاجة مش مستعد يعترف بيها، ولا حتى لنفسه.
ــــــــــــــــــــ
في أوضه اركان وليلي
ليلي واقفة عند الشباك
فوزية (بقلق): “يا ليلى، انتي وحشتيني.. إزاي يا بنتي ما تقدريش تيجي تشوفيني؟ طب قولي لي مكانك وأنا أجيلك.”
ليلى (بتوتر وبحزن، بتحاول تخبي الحقيقة): “ماما، صدقيني والله غصب عني.. شغل أركان صعب، وما فيش وقت.. هو حتى رافض إني أجي لوحدي.”
فوزية (بإصرار): “طب أجي لك أنا!”
ليلى (بسرعة تحاول تقطع عليها الفكرة): “مش هيرضوا يدخلوكي، شروط المكان هنا كده.”
صمت لحظة.. صوت نَفَس أمها واضح من التليفون، كأنها بتحاول تستوعب الكلام.
فوزية (بغضب): “ده شغل إيه ده بقى؟ دا لو بيتاجر في المخ*درات مش هيبقى كده! أنا عايزة أشوفك، !”
ليلى (بابتسامه وهي بتحاول تطمن مامتها): “والله يا ماما ما تقلقيش عليا انا كويسه وبخير وزي الفل ومبسوطه ما تخافيش انت عارفه بنتك انا لو في حاجه هقول لك مش هخبي عليكي..”
فوزية (بحزن): “طب إمتى؟ إمتى أشوفك؟”
ليلى (بهمس وخوف من ردت فعلها): “بعد سنة…”
فوزية (بصدمة): “إنتي بتقولي إيه يا ليلى؟ سنة كاملة؟! لا، مش طبيعي.. في حاجة غلط، احكي لي يا بنتي، لو في أي حاجة مش مرتاحة ليها قوليلي.”
ليلى (بتسرع تحاول تهرب من الكلام): “ماما، لازم أقفل عشان الحق اعمل العشاء لاركان قبل ما يجي من الشغل.. سلميلي على أميرة، وهكلمك بعدين.”
فوزية (بصوت مهزوز، في سرها وهي بتحس إن بنتها مش بخير): “ربنا يسترها عليكي يا بنت بطني…”
تقفل ليلى المكالمة، تحاول تاخد نفس، تمسح دموعها بسرعة
أركان كان شايفها وهي بتكلم مامتها، كان عارف إنها مستحملة كتير، بس هي بجد قوية، وكل يوم بتثبت له ده أكتر.
ليلى كانت بتتكلم بحماس، بتحرك إيديها بطريقة عفوية وهو بيتابعها من غير ما يقاطعها.:”أركان، عايزة أحكيلك عن حاجة سمعتها النهاردة في الفيلا!”
أركان (بهدوء): “قولي يا ليلى، سمعتي إيه؟”
ليلى (بتتكلم بحماس وهي بتقعد جنبه): “النهاردة وأنا بنظف مكتب صلاح، سمعته بيتكلم مع أمريكان! كانوا بيتكلموا إنجليزي كده، طبعًا أنا مش فاهمة الإنجليزي بتاعهم، بس حاولت أتصرف..”
أركان رفع حواجبه باهتمام، وبدأ يركز معاها أكتر.
ليلى (بتفخر وهي بتضحك): “وسجلت الصوت على التليفون اللي أنتم مديهوني.. اللي من أيام الهكسوس ده!”
مدت له التليفون وهي بتتكلم بثقة، تحس إنها بتعمل حاجة عظيمة.. وهو فعلاً بدأ يشوفها بشكل مختلف، بقت ذكية أكتر، أسرع في رد الفعل، بتتعلم.. حتى وهي بتتكلم بتلقائية، هو شايفها بقت مختلفة.
أركان (وهو بياخد التليفون)
قبل ما يفتح التسجيل، سمع خبط على الباب.. ليلى قامت بسرعة وهي بتعدل طرحتها، وكأنها مستعدة من قبل ما الباب يخبط.
ليلى (وهي بتلبس جزمتها بسرعة): “أنا هطلع أقعد مع أسماء شوية.”
أركان بص لها بنظرة عادية، لكنه ما كانش مستغرب القعدة مع أسماء بقت شيء أساسي في اليوم.. فضل ساكت، لكن في باله كان بيقول: “آهي.. قعدتها مع أسماء دي هي اللي هتهبلها أكتر ما هي هبلة.”
وبينما هي خارجة، كان لسه عينه عليها.. مش عارف ليه، بس بقى مهتم بكل تفاصيلها، حتى الحاجات الصغيرة اللي كانت زمان تضايقه، دلوقتي بقت.. مش فارقة، يمكن حتى عاجباه؟!
كانت ليلى قاعدة مع أسماء في الجنينه، مسكين الآيس كريم وبيأكلوا منه بشهية، الجو كان لطيف، بس كلام أسماء قلب الجو فجأة.
أسماء (وهي سرحانة):
“بت يا هنيه.. الشقة اللي كنتِ هتنظفيها.. كانت في المعادي، صح؟”
ليلى رفعت حواجبها باستغراب وهي بتاكل ببطء، صوت أسماء كان غريب، مش مجرد سؤال عابر.
ليلى بسخريه:
“آه.. بتفكريني ليه؟ ده كان يوم أسود من أوله! يوميها كنت صاحية متفائلة وعندي حماس ، ما هو ما كانش ينفع الواحد يبدأ يومه بتفاؤل وضحك.. الضحك مش للي زينا!”
ضحكت ضحكة خفيفة وهي بتحاول تهون، بس أسماء كانت مركزة في حاجة تانية تمامًا.
أسماء (بحذر):
“أصل الموضوع ده.. الفار بيلعب في نافوخي. حاسة إن العقرب.. جوزي ليه علاقة بالموضوع!”
ليلى حسّت قلبها بيرفرف فجأة، ابتسامتها راحت، بس حاولت تبين إنها مش فاهمة حاجة.
ليلى (بتصنع):
“إزاي يعني؟”
أسماء (بصوت منخفض وملامح جدية):
“مش هقول لك كده عشان أخوفك.. بس الصراحة.. هو مش مجرد شكي، أنا ملاحظة من فترة إنه بيبص لك بنظرات مش كويسة. وحاسه.. بيخطط لحاجة.”
ليلى حسّت برجفة باردة في ضهرها، بس حاولت تفضل هادية.
ليلى (بتوتر):
“متخوفنيش بقى.”
أسماء (بحزم):
“مش بخوفك، بس بقول لك خلي بالك. وما تقلقيش، أنا هراقبه، ولو فكر بس يأذيكِ.. أنا اللي هقف له! هو ما يعرفش مين هي أسماء.”
ليلى بصت لها، بحب وفجأة حضنتها بقوة.
ليلى (بابتسامة ):
“أيوه يا أبو الصحاب.. يا جامد إنتِ!”
لكن رغم الحضن والكلام، كانت ليلى حاسة بخوف خفي جوه قلبها.. حاسة إن في حاجة مش مطمئنة، وإن اللي جاي مش سهل.
ـــــــــ&ـــــــــ
كان صباح جديد، بس مش صباح عادي. أركان كان قاعد في مكانه المعتاد عند البوابة، بيشرب القهوة السادة اللي بقت روتينه الصباحي، عينه كانت سارحة في اللا شيء.. بس فجأة، رفع راسه، والمشهد اللي شافه خلاه ينسى كل حاجة.
ليلى.. جاية ناحيته، بس شكلها كان صادم! بطنها كبيرة جدًا، وكأنها حامل في شهورها الأخيرة.. والمصيبة إنها ما كانتش لوحدها، عبد الحق كان ماشي جنبها عادي جدًا، وكأن ده مشهد طبيعي.
أركان حسّ بشيء بارد بيجري في عروقه، وقف بسرعة، نظره متعلق بليلى اللي كانت بتتحرك بخطوات بطيئة، وكأنت مش قادرة تمشي.
ليلى:
“سندني، سعيد.. مش قادرة أمشي.”
أركان لف عينه ناحية عبد الحق، نظرته كانت كلها استفهام واستنكار.. إيه اللي بيحصل؟!
أركان (بحدة):
“إيه ده؟”
عبد الحق ضحك بهدوء مستفز، وكأنه كان مستني رد الفعل ده بالضبط.
عبد الحق:
“المفروض تكون اتعودت وفهمت، إيه ده!”
أركان حسّ بشرارة غضب في جسمه، قرب من عبد الحق، صوته كان مليان تهديد.
أركان:
“الشغل يبقى في كل حاجة، بأي طريقة.. إلا مراتي! انت عارف لو جرالها حاجة إيه اللي ممكن يحصل؟”
عبد الحق ضحك تاني، وكأنه بيحاول يستفزه أكتر.
عبد الحق:
“ومن إمتى في شغلنا حاجة بتحصل؟ انت عارف إن شغلنا عامل..”
أركان (مقاطعًا بسرعه بصوت مشحون بالغضب):
“زي شعرة من العجينة! بس أنا مش هخاطر بيها.”
عبد الحق (بهدوء قاتل):
“لو عندك اعتراض، روح قوله للحاج.. هو اللي طلب كده، أنا عبد المأمور.”
أركان كان بيغلي من جوه، عيناه كانت متعلقة بليلى اللي ملامحها كانت هادية جدًا.. أكتر من اللازم.
عبد الحق مكمل “ونص ساعة.. ونخلص الموضوع!
اركان (بعصبية، وهو بيضغط على أسنانه): “أنتم هتتعودوا على كده؟”
عبد الحق قرب منه خطوة، صوته كان منخفض لكنه مليان تهديد.
عبد الحق:
“سعيد.. لم نفسك، ما تنساش انت بتكلم مين! ما حدش يقدر يرفض أوامر الحاج، ولو مش عاجبك، الباب يفوّت جمل. بس قلت لك ما تخافش، هنعدي بيها بس من حكومة القاهرة على الحدود، رايحة تولد بسلامة. ولو عايز تاخدها تتفسحوا يومين، خدها يا عم، اجازة على حسابي!”
أركان كان بيحاول يسيطر على نفسه، كل خلية في جسمه كانت بتصرخ إنه يمسك عبد الحق ويوريه الفرق بين التهديد الحقيقي والاستفزاز السخيف اللي بيعمله.. بس قبل ما يتحرك، حسّ بإيدين صغيرة بتتمسك بإيده بإحكام.
ليلى.. كانت بتبص له، نظره هو فاهمها كويس كانها بتقول له عشان خاطر المهمه.
ليلى (بصوت هادي لكنه حاسم):
“يا سعيد، ما فيش حاجة.. ما تخافش، هم أكيد لو الموضوع خطر، ما كانوش ودّوني.”
أسماء كانت معدية في الوقت الغلط.. أو يمكن الوقت الصح، لو حسبناها من ناحية التريقة والضحك اللي ماليها من ساعة ما شافت ليلى بالمنظر ده!
أول ما عينيها وقعت على بطن ليلى، وقعت على نفسها من الضحك، بقت تشاور على أركان وليلى وهي مش مصدقة!
أسماء (وهي بتضحك بصوت عالي):
“عملتوها إزاي يا ولاد الذين دي؟! أنا مش سايباكي امبارح فاضية، إزاي أجي ألاقيك الصبح مليانة وهتولدي؟! ده الزمن بقى سريع أوي!”
ليلى كانت متوترة أصلًا، ومش ناقصة أسماء.. مدت إيدها وضربتها على دراعها بخفة، صوتها كان مليان إحراج.
ليلى:
” بس، يا أسماء!”
لكن أسماء كانت مصممة تكمل الهزار، ضحكت أكتر وهي بتبص لأركان اللي كان واقف متشنج، عينيه بتلمع بالغضب المكبوت.
أسماء بضحك:
“إنتوا بتلعبوا ولا إيه؟”
ليلى (بتكشر وبتحاول تهرب من النقاش):
“لأ، رايحة شغل.”
لكن اللحظة دي كانت كفاية تخلي عقل أسماء يشتغل.. عينها راحت على عبد الحق، والقلق بدأ يتسلل لجسمها. عبد الحق.. هنية.. وشغل؟! يبقى مخدرات؟!
نظرت له بعصبية، صوتها كان مليان شك.
ليلى:
“إنتوا من إمتى شغلكم بيدخل في ستات؟! ومش أي ستات.. ستات من البيت كمان!”
عبد الحق لف لها بنظرة زهق، كأنه كان متوقع الأسطوانة دي.
عبد الحق (ببرود):
“يادي أم الأسطوانة اللي مش هتخلص! خشّي جوه، يا أسماء، وما تتدخليش في الشغل.”
أسماء رفعت حواجبها، لكنها استجابت وهي بتبص لليلى نظرة معناها “هنرجع للكلام ده بعدين”. أما ليلى، فكانت واقفة مكانها، حاسة إن كل حاجة حوالينها بقت مربكة أكتر مما توقعت.
ليلى كانت ماشية بصعوبة، التعب ظاهر على ملامحها، همست لأركان بصوت واطي وهي بتحاول تتحرك بالـ”بتاع” اللي مربوط على بطنها:
ليلى (بهمس وتعب):
“أركان.. البتاع اللي على بطني ده تقيل أوي، ضهري هيتكسر..”
بصت له بعيون شبه عيون القطط، فيها لمعة استجداء، لكنها بسرعة غيّرت نبرة صوتها لحاجة شبه الهزار.. بس فيها توتر مخفي.
ليلى:
“هو أنا لو اتقفشت دلوقتي، انت هتطلعني، مش كده؟”
أركان بصّ لها بغيظ، ملامحه مش مبسوطة خالص من الموقف اللي هم فيه.
أركان (بتأفف):
“لأ، هديكي مؤبد.. عشان تبقي تسمعي الكلام وتعملي اللي يتقال لك عليه. مش أنا قلت لك بعد كده ما تعمليش أي حاجة غير لما ترجعي لي الأول؟”
ليلى:
“يوه بقى، يا أركان.. حتى لو كنت رجعت لك، كنا هنعمل اللي هو عايزه برضه عشان المهمة، فما فرقتش كتير، بقى!”
أركان بصّ لها نظرة طويلة، كان فاهم هي بتحاول تخفف التوتر بس هو مش قادر يبلع إنها كل مرة تحط نفسها في مواقف زي دي.. بس كان برضه مش قادر ينكر إنها قوية، ومهما حاول يبعد مشاعره عنها، لسه كل حاجة فيها بتحرك جواه حاجة مش عايز يعترف بيها.

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زواج في الظل)

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *