كان الصبح لسه بيشق طريقه من ورا الشبابيك وخيوط الشمس الذهبية بتملى شقة رحمة بهدوء، لكن السكون اللي مالي البيت كان تقيل، كأنه متربص بأي لحظة علشان ينفجر.
أروى كانت قاعدة على الكرسي ملفوفة في صمتها، ماسكة كوباية شاي بردت تقريبًا في إيديها وصوابعها بترتعش خفيف وهي عينيها مثبتة في حتة عشوائية على الحيطة، كأنها بتصارع أفكارها. كل حاجة فيها بتقول إنها مش هنا… دماغها كانت في مكان تاني تمامًا.
على بعد خطوتين منها رحمة كانت واقفة في المطبخ الصغير، بتراقبها من بعيد، مش عارفة تبدأ كلام ولا حتى تواسيها، لأنها عارفة إن أي كلمة هتقولها ممكن تولع شرارة الانفجار اللي مستنية اللحظة المناسبة.
عصام كان قاعد في الصالة، ماسك الموبايل، وبيقلب فيه بملل ،لكن ملامحه متـ.ـو.ترة كان باين عليه إنه مشغول البال، وفي نفس الوقت بيحاول يبقى بعيد عن العاصفة اللي على وشك هتحصل.
وفجأة… رن جرس الباب.
الصوت قطع الصمت اللي كان مالي المكان، وأروى رفعت عينيها بحدة، ملامحها اتبدلت في ثانية، حست بقلق مفاجئ، ورحمة اتجهت ناحية الباب بخطوات مترددة لانها عارفة إن اللي ورا الباب مش أي حد… وإن اللحظة دي هتقلب الدنيا فوق و تحت.
بصوت مهزوز، نادت رحمة وقالت: مين؟”
جالها الرد في كلمة واحدة، كانت كفيلة تخلي قلبها ينزل في رجليها: ماجد العربي.”
الإسم وقع كالرعد، خلى إيدها بترتجف وهي بتفتح الباب ببطء، وعنيها اتسعت وهي شايفة ماجد واقف قدامها.
كان شكله مبهدل، لابس قميص مكرمش، وشعره منكوش، وعيونه حمرا كأنه ما شافش النوم من أيام، وشه مرهق، ومليان بقايا غضب مكتوم، لكن الأوضح من ده كله… كان قلقان.
همست رحمة، وهي مش قادرة تخبي ارتباكها:
ماجد بيه… اتفضل.”
دخل ماجد بخطوات تقيلة وكانت عنيه بتلف في المكان بسرعة، بتدور على هدف واحد… أروى.
وفي اللحظة اللي عينه وقعت عليها، حس إنه أخيرًا لقى اللي كان بيدور عليه… لكن الصدمة اللي شافها في وشها كانت زي السكينة اللي لفت حوالين قلبه.
أروى، اللي كانت لسه قاعدة على الكرسي، اتجمدت في مكانها، والكوباية تقريبًا وقعت من إيدها بصدمه و كامت عنيها واسعه ووشها اتلون بكل مشاعر الغضب والخذلان والارتباك.
بصوت مبحوح سألته:عرفت مكاني إزاي؟!”
ماجد ما ردش و فضل واقف وعنيه متعلقة بعنيها، كأنه خايف يتكلم فتبعد أكتر.
وهنا… نظرة واحدة من أروى لرحمة… كانت كفيلة تكشف السر.
بصت لرحمة بحدة، وقالت بنبرة مليانة قهر:
إنتي اللي بلغتيه؟”
رحمة اتلخبطت ووشها بق باللون الاحمر، والتفتت بسرعة ناحية عصام اللي كان واقف في الصالة عامل نفسه مش موجود.
فهمت أروى… وهمست:عصام هو اللي اتصل بماجد.
بصوت عالي، مليان وجع، قالت:
إنتوا إزاي تعملوا كده فيا؟!”
عصام فتح بُقه عشان يبرر، بس أروى قاطعته بعصبية:
أنا جيت هنا عشان أرتاح، عشان أختفي، مش عشان توصلوهولي! هو ده الأمان اللي كنت بدور عليه؟!”
رحمة حاولت تهديها: أروى… إحنا بس…”
صرخت أروى: بس إيه؟! أنتو غدرتوا بيا!”
ماجد كان واقف ساكت، بس كل عضلة في وشه مشـ.ـدودة، عنيه بتراقب انهيار أروى، وصدره بيطلع وينزل بسرعة كأنه بيحارب إنه ما يقاطعهاش.
وأخيرًا، لما شاف إن الموقف خرج عن السيطرة، قال بصوت هادي لكنه حاسم: رحمة… عصام… سيبونا لوحدنا لو سمحتوا.”
رحمة بصت له وبعدين بصت لأروى اللي كانت عيونها مليانة دمـ.ـو.ع، بس عرفت إن مفيش فايدة من الكلام دلوقتي، فهزت راسها وخرجت، ووراها عصام اللي سابهم وسحب الباب وراه.
دلوقتي… فضلوا لوحدهم.
الغرفة كانت ضيقة بالمسافة اللي بينهم… بس في نفس الوقت واسعة أوي باللي حاسين بيه.
أروى مسحت دمـ.ـو.عها بسرعة، ورفعت راسها بشموخ مزيف، وقالت بحدة: جاى ليه يا ماجد؟ مش كفاية اللي عملته فيا وقولتهولي؟”
ماجد قرب منها خطوة وصوته كان مليان وجع مكبوت: جايلك عشان مقدرتش أبعد عنك… عشان مهما حاولت قلبي بيرجعلك.”
عينها لمعت لكنها لفت وشها الناحية التانية، وقالت بجمود: القلب اللي بيحب مش بيخـ.ـنـ.ـق… ومش بيكسر… ومش بيوجـ.ـع.”
كلامها دخل في صدره زي السهم، لكنه أخد نفس عميق، وقال بهدوء: عارف… وأنا هنا عشان أقولك إني آسف… على كل لحظة وجعتك فيها.”
أروى كانت بتترعش… مش بس من كلامه… لكن من الحقيقة اللي بتحاول تهرب منها… إنها بتحبه.
بصت له، وقالت بصوت مرتعش: كفاية… بلاش كلام حلو عشان أنا خلاص… تعبت.
ماجد مد إيده بخفة كأنه بيطلب منها فرصة أخيرة، وقال بصوت مبحوح: أنا مش جاي أضغط عليكي… أنا جاي أطلب منك تسامحيني… وتديني فرصة أثبتلك إن اللي بينا يستاهل.
أروى فضلت ساكتة… عينها مليانة دمـ.ـو.ع… بس مش قادرة ترد.
ماجد قرب أكتر وصوته كان أهدى:
تعالي معايا… مش هفرض نفسي عليكي… بس عاوز أحكيلك كل حاجة… وأجاوب على كل سؤال في قلبك.
ارتجفت شفايف أروى… والدمـ.ـو.ع فاضت أخيرًا، بس كل اللي قدرت تعمله… إنها ارتمت في حـ.ـضـ.ـنه.
ماجد حـ.ـضـ.ـنها بشـ.ـدة… كأنه أخيرًا لقى الروح اللي كان بيدور عليها… واللي مستعد يحارب الدنيا علشان ما يخسرهاش تاني.
همس وقال :هحكي لك كل حاجة… عن الماضي بتاعي … وعن ابني… وعن كل اللي مخبيه عنك.”
كانت الدمـ.ـو.ع لسه بتبلل خدود أروى وماجد حاضنها كأنه بيحاول يلملم كل الكسور اللي سبّبها في قلبها. كانت لحظة صامتة، لكن كل حاجة فيها كانت بتصرخ… من الخوف، من الحب، ومن الألم.
بعد ما فضلت في حـ.ـضـ.ـنه للحظات أروى هي اللي سحبت نفسها أولًا. مسحت وشها بسرعة، وعيونها بتتهرب من عنيه، وقالت بصوت مخـ.ـنـ.ـوق: عاوز تحكيلي؟ طيب… إحكي.”
ماجد قرب منها، لكن بهدوء زي اللي خايف يلمس حاجة مكسورة فتتكسر أكتر.
هحكيلك بس مش هنا…”
رفعت أروى عينها له بحذر وقالت: فين يعني؟”
ابتسم ابتسامة صغيرة، لكنها كانت حزينة، وقال بصوت منخفض: بيتي… هنا في أسيوط.”
سكتت للحظة… قلبها بيقولها ترفض بس عقلها عارف إنها مش هتهرب المرة دي. لازم تسمع، لازم تفهم، لازم تعرف الحقيقة اللي هـ.ـر.بت منها كتير.
طيب.”
الكلمة خرجت بصعوبة، وكأنها حمل تقيل قررت تشيله بإرادتها.
ماجد ارتاح… لكنه ما قالش حاجة. كل اللي عمله إنه فتح الباب ونادى رحمة وعصام، اللي كانوا واقفين في الصالة بيسمعوا كل كلمة، رغم إنهم عاملين نفسهم مش هنا.
رحمة دخلت وعنيها مليانة قلق، سألت بسرعة:
أروى…حصل ايه انتي كويسه!
اروى حركت راسها بالموافقه وقالت:انا همشي؟
رحمة سالتها بقلق : إنتي متأكدة من قرارك؟
أروى بصتلها… وكانت متضايقة، لكنها فهمت إن رحمة ما عملتش كده علشان تأذيها… يمكن خايفة عليها، ويمكن شايفة إن ده الحل.
هزت راسها وقالت: آه يا رحمة أنا هروح معاه.”
ماجد ما استناش إجاابة رحمة و قرب من اروى وقال بهدوء: يلا بينا يا اروى.”
اروى حركت راسها ووقتها ماجد بص لعصام بنظرة ضيق ومن غير ما يخلي أروى تنتبه له حط شيك فيه مبلغ علي الطربيزه اللي وراها.وبعدها بص لعصام ورحمة بضيق وخرجوا سوا…من البيت!
_____________________
بعد ما خرجت أروى وماجد من البيت، وقفت رحمة في الصالة و عينيها متعلقة بالباب اللي اتقفل وراهم، وقلبها مولع بالغضب. صوت أنفاسها كان عالي، وما قدرتش تسكت أكتر.
إنت ازاي تعمل كده يا عصام؟!”
عصام كان واقف جنب الكنبة، مكشر، بس محرج، وعنيه بتتجنب نظراتها.
رحمة، أنا… أنا كنت عاوز أصلح بينهم…”
قاطعت كلامه بحدة: تصلح بينهم؟! ده اسمه إصلاح ده؟! ولا اسمه خيانة؟! هي أروى مش أمانة في بيتنا؟ مش إحنا اللي امنالها انها تهدي اعصابها وترتاح هنا ..إزاي تخونها بالشكل ده وتروح تكلم ماجد من وراها؟”
حاول يهديها، لكن صوته كان متردد:
أنا بس خفت… خفت تتهور أكتر، والراجـ.ـل كان لازم يعرف مكانها…”
رحمة رفعت حاجبها بسخرية:
آه؟ وخفت على أروى، ولا خفت على نفسك من ماجد؟! لأن بصراحة، واضح إن الفلوس اللي ادهالك كانت أهم عندك من أروى ومن مشاعرها!”
عصام اتنفض، واتكلم بسرعة:
أنا ما طلبتش فلوس! هو اللي أصر…”
ضحكت رحمة بسخرية، وقالت بصوت منخفض بس مليان وجع:
انت هتكدب عليا انا ياعصام مانا سمعاك بعيني وانت بتقوله علي الفلوس في مقابل تقوله علي مكانها.
عصام رد بسخريه وقال :بس مقولتلوش عاوز كام هو اللي دفع كتير الظاهر أنه بيحب اروي بجد؟
اتكلمت رحمة بعنف وقالت:
أنا مكسوفة منك يا عصام … ومكسوفة أكتر من أروى، اللي لما تعرف إنك بعتها لماجد عشان قرشين، مش هتعرف تبصلك تاني.”
عصام فضل ساكت… عارف إنها صح وعارف إنه أخطأ… بس كان متأكد إن الجرح اللي سببه لأروى مش هيخف بسهولة.
أما رحمة… فوقفت في نص الصالة، متألمة، وهي بتفكر إزاي تصلح الغلط اللي جوزها عمله…
______________________
وفي الأسفل .
ماجد فتح باب العربية ليها وأروى ركبت وهي ساكتة، حاسة كأنها داخلة على معركة… مش معركة جسدية، لا… معركة بين قلبها وعقلها، بين حبها لماجد وخوفها منه.
**
الطريق كان طويل، لكنه كان أهدى بكتير من الأفكار اللي كانت بتدور في عقل أروى. كل شجرة عدت عليهم، وكل عمود نور مروا جنبه، كان شاهد على المسافة اللي بينهم… قريبة جسديًا، لكن بعيدة روحيًا.
وأخيرًا… وصلوا.
البيت كان صغير مش كبير زي ما توقعت ولكنه كان هادي، وفيه ريحة دفى غريب..فتح ماجد الباب، وقال بهمس:اتفضلي يا أروى.”
دخلت أروى بخطوات بطيئة، عنيها بتلف في المكان، وفجأة لمحت صورة صغيرة على الطاولة… صورة لطفل صغير… طفل بريء عنيه شبه عنين ماجد.
قلبها اتقبض…هو ده رحيم قبل ما يمرض.
ماجد لاحظ نظرتها، وقرب منها، وقال بصوت هادي:
ايوا ده رحيم.”
سكت لحظة… وبعدين أخد نفس عميق وقال:
تعالي ارتاحي هنا وانا هقولك كل حاجة.”
حركت أروي راسها بالموافقه وبتقعد برغم التـ.ـو.تر الشـ.ـديد اللي كانت حاسه بيه..بصت في عينيه لاقته تايه وواضح عليه انه مرهق !
ماجد بيهمس وكأنه بيكافح في نفسه وهو بيبدأ اعترافه: الكلام اللي هقوله ده مش سهل عليا أبدا ، لكن ماقدرش أكمل وانا مخبيه عنك.”
اروى بصتله باهتمام وحركت راسها ببطئ وهو اخد نفس بهدوء وبدأ يحكي لها كل حاجة:
“من حوالي 11 سنة لما كان عمري سنه 24، كنت عايش مع عيلتي في القاهرة. إحنا كنا عيلة غنية جدا ومعروفين في عالم البيزنس والأسامي الضخمة اللي في البلد.
بابا كان راجـ.ـل ناجح وعنده شركات كتير ناجحه. بس للأسف كان عنده عيب كبير… كان نسوانجي ولعوب.
اروي فنحت عينيها من الصدمة وهو كمل وقال:
والدتي كانت سيدة راقية، عايشة حياتها بكرامة، لكن بابا كان دايمًا كان متجاهلها و بيجري ورا أي ست بتفتح له بابها.
أروى حركت راسها باستماع وهو كمل.
ومن ضمن الستات اللي كان بيتسلى بيهم، كانت واحدة من الخدم اللي كانت شغالة عندنا في الفيلا. بابا بضحكته اللي كان دايمًا بيخدع بيها الناس، كان بياخد منها اللي هو عايزه لحد ما الخدامة حملت منه .
اروي برقت بعينها بدليل علي صدمتها وهو بلع ريقه وكمل.
لما اكتشف إن هي حامل اتجنن. وطلب منها تنزل الطفل دا في أسرع وقت،ولاكن الخدامه رفضت تنفذ كلامه لأنها كانت في الشهر الرابع وكانت العملية ممكن تضرها جـ.ـا.مد وتتسبب في موتها .
كان بابا خايف إن اسمه يتلط بسببها ويخسر اسمه.. فقرر إنه يخلص من الخدامة علشان ميظهرش اللي حصل ويتفضح.
طبعًا، لما الخدامة بلغت أمي وانا باللي حصل الدنيا اتقلبت. وأمي واجهته، وأنا كنت هناك مش مصدق اللي بسمعه. حاولنا نطلب منه يصلح غلطته، لكن هو أنكر كل حاجة وفهمنا ان الخدامة هيا اللي اغرته .
وبعد شهور، الدنيا زادت سوء… بابا مر بمرض غريب خلاه مش قادر يتكلم كتير ولا يتحرك، ووقتها الخدامة اتصلت بوالدي وطلبت منه إنه يعترف بالطفل ويسجله بإسمه للنها كانت ولدت . لكنه رفض وبقى يهددها بانها لو مبعدتش عنه هيقـ.ـتـ.ـلها.
ومع مرور شهرين، بابا مـ.ـا.ت بسبب المرض.
بان علي ملامح أروى الحزين الشـ.ـديد وهو كمل وهو حرين!
وسط كل ده، أمي كانت مكسورة، وطلبت مني أساعد الخدامة إننا ناخد الطفل منها ونتبناه علشان ما يبقاش سبب في تعذيبها وبرضوا علشان احترام العيلة واسمنا .
وأنا… حسيت إن لازم أصحح غلطة بابا. روحت للخدامة، وطلبت منها إن أنا آخد الطفل منها وأكتبه باسمي بدل والدي وأربيه لان دا طفل مالوش ذنب.
لما سمعت اللي بقوله كانت حزينة جدًا لأنها كانت بتحبه وبالرغم من كل اللي حصل وافقت، وبعد سنة من اللي حصل، الخدامة مـ.ـا.تت.
وبعد كده، أنا حاولت أخبي الموضوع عن الناس. وأعلنت إني اتجوزت أجنبية وإن الطفل ده هو ابني، وكان الكلام ده معروف بس للقريبين. ومع مرور السنين، ماقدرتش أتجوز تاني، لأني كنت دايمًا حاسس بثقل إنه أخويا ابني اللي عايش معايا لكن مخفي عن الناس.
وبعد وفاة أمي، حسيت إن لازم أغير حياتي. سبت القاهرة ورحت أعيش في المنيا. هناك أسست أكبر مزرعة مواشي في الشرق الأوسط، وأنا ومعايا ابني اللي بقي رفيق وحده في السكة، حتى لو العالم كله مش عارف الحقيقة وانه اخويا.
______________________
أروى لما سمعت الحقيقه اللي محدش يعرفه غيرها بس بدأت تبكي بقوة.
ماجد قال:أنا بقولك الكلام ده يا أروى مش علشان أتقل عليكي، ولا علشان أخبي ورا ضهري أي حاجة. أنا بحبك، وكل حاجة حصلت في الماضي كانت غلطة كبيرة وأنا نـ.ـد.مان عليها.
كنت عايز أحمي سمعة العيلة، لكن في الآخر، أنا خسرت كتير… وخسرتك كمان. أتمنى إنك تلاقي في قلبك مكان للمسامحة، وتديني فرصة أصلح بيها اللي فات وأكون الرجل اللي تستحقيه.”
ماجد بينهي كلامه وبيبص لعين أروى بصدق، ومستني رد فعلها، وكل كلمة في اعترافه معمولة من جرح عمره ما خف.
أروى وقفت قدام ماجد وعنيها مليانة صدمة وغضب، بس المرة دي كان فيه حاجة تانية… حاجة أشبه بالوجع:
إزاي يا ماجد؟ إزاي انت عشت كل ده لوحدك؟!”
صوته كان مبحوح وهو بيرد عليها كأن نفسه مقطوع:
مكانش ينفع أقول لحد اول اقولك… كنت خايف عليكي مني يا أروى.”
ضحكت أروى ضحكة قصيرة مفيهاش روح، وقالت: خايف عليا؟ ولا خايف أكون جزء من وجعك؟!”
اتقدم ناحيتها خطوة، بس هي رجعت لورا، كأن أي قرب منه هيكسر اللي باقي من قوتها:
إزاي قدرت تخبي كل ده؟ إزاي كنت بتتكلم معايا عادي، وبتبعدني كل ما أحاول أقرب؟ إنت كنت شايل كل ده لوحدك؟!”
ماجد حاول يمد إيده، بس وقف نص الطريق، وعنيه متعلقة بيها:
مكنتش عايزك تشيلي همي… أنا حتى مش عارف إزاي كنت قادر أتنفس وأنا حاسس إني ممكن أخسرك في أي لحظة.”
أروى صوتها اتكسر وهي بتقول: بس انت خسرتني فعلاً…!
الصمت ساد بينهما، وماجد واقف قدامها، عاجز عن إنه يرد وهي بتبصله وكأنها مستنية إجابة .
سكت ماجد لحظة وكانت عنيه متعلقة بأروى اللي واقفة قدامه زي العاصفة، بتترجمه بنظراتها قبل كلامها. قلبه كان بيدق بسرعة، وكل كلمة خارجة منها بتحفر جوه صدره.
قرب منها تاني والمرة دي بهدوء، كأنه خايف تهرب، وقال بصوت وا.طـ.ـي:
أنا مش عايز أخسرك يا أروى…انا مش هقدر ابعد عنك مهما حاولت اضغط علي نفسي!
ردت وهي بتكتم رعشة صوتها:
وإنت فاكر إن الكلام ده هيمسح اللي حصل؟ أنا اتكسرت يا ماجد… كسرتني كل مرة بعدت فيها عني، وكل مرة كنت بسيبك وأنا قلبي بيتقطع!”
بص لها بحسرة، وقال بنبرة كلها نـ.ـد.م:
حقك… بس أنا لسه واقف قدامك، ولسه قلبي متعلق بيكي .. عشان عرفت إن البعد عنك موت بالبطيء.”
عنيها دمعت غصب عنها و مسحتها بسرعة، ولفت وشها، بس هو مد إيده بلطف ومسك إيدها، وصوته كان فيه رجاء ليها وقال:
تعالي معايا يا أروى… خلينا نرجع إسكندرية.”
اتسعت عينيها بصدمة وقالت: إيه؟!”
قال ماجد:آه… هنرجع لإسكندرية، ومش عايز أرجع لوحدي. تعالي معايا، هنبدأ من الأول… بعيد عن كل اللي وجعنا؟
مقدرتش أروي تشوفه واقف قدامها بالشكل دا ومتسامحوش.
جريت في حـ.ـضـ.ـنه بقوه وهيا بتبكي وبتهتف باسمه..ماجد..انا مش هقدر اعيش من غيرك.
ماجد شـ.ـد أروى أكتر لحـ.ـضـ.ـنه، كأنه بيحاول يطمنها ويطمن نفسه في نفس الوقت، صوته كان هادي لكنه مليان شوق:
وأنا كمان يا أروى… أنا مش هقدر أعيش من غيرك، خلاص.
أروى دمـ.ـو.عها كانت بتنزل وهي سايبة نفسها بين دراعاته، ولأول مرة من وقت طويل، حست إنها في المكان الصح.
رفعت راسها بعد لحظات، عنيها محمرة وصوتها متكسر:
طب هنقول إيه لأهلي؟ هنقولهم إيه لما يعرفوا إني هـ.ـر.بت ودلوقت هرجع معاك؟”
ماجد قرب منها أكتر، صوته كان مليان جدية:
هنقولهم الحقيقة… إنك اخترتيني، وإنك مش هتسيبيني زي ما أنا عمري ما هسيبك.”
أروى بصت له بقلق: ماجد، أنت مش فاهم… بابا مش هيعديها بالساهل، وأنا مش عايزة مشاكل تاني.”
ابتسم ابتسامة خفيفة، وضم إيدها بين إيديه:
لو ده تمن إني أكون معاكي، يبقى مستعد أواجه الدنيا كلها عشانك .”
اتسعت عينيها، والخوف كان ظاهر في ملامحها:
طب ولو رفض؟ ولو قالي إني بنت بتجري ورا راجـ.ـل اكبر منها ”
هز ماجد راسه وهو بيبص جوا عنيها:مش هسمح لحد يهينك… إنتي معايا دلوقتي، وأي حاجة هنتخطاها سوا.”
ابتسمت اروي ومسحت دمـ.ـو.عها ووقتها ماجد كان مركز مع عيونها اللي بتلمع وكان بيقرب منها وكانه مش قادر يقاوم’
أروى أخدت نفس طويل وبدأت تغمض عينها لحدما خست بانفاسها قريبه جدا من أنفاسه.
مال ماجد براسه وطبع قبله رقيقه علي شفايفها ووقتها جـ.ـسم اروي ارتعش.
ضمها ماجد ليه أكتر وقال:أروى تتجوزيني؟
اتصـ.ـد.مت أروي وفتحت عيونها بصن في عينيه وهيا بتقول بصدمة: ماجد هو أنت قولت ايه؟
ابتسم ماجد وقرب أكتر منها وعاد كلامه ليها:بقولك تتجوزيني..؟
أروى فضلت واقفة مكانها، عنيها متعلقة بعين ماجد، وكأنها مش مستوعبة اللي قاله… قلبها كان بيدق بسرعة، وكأن الدنيا اتوقفت للحظة.
قالت بتـ.ـو.تر:ماجد… أنت بتهزر؟
ابتسامته زادت وهو ماسك إيدها بحنان و صوته كان ثابت ومليان يقين: لا يا أروى، أنا عمري ما ههزر في حاجة زي دي… أنا بحبك، وعايزك مراتي.”
عنيها دمعت تاني، بس المرة دي مش من وجع، من صدمة الفرحة اللي ملخبطة قلبها وعقلها في نفس الوقت.
بس… إنت متأكد؟ بعد كل اللي حصل بينا؟ بعد كل مرة بعدت فيها عني؟”
هز راسه، ومسح دمـ.ـو.عها بإبهامه:
أنا متأكد… كل مرة كنت ببعد، كنت بحبك أكتر… يا أروى أنا مش عايزنا نهرب، أنا عايزنا نواجه كل حاجة واحنا مع بعض.”
صوتها كان متقطع وهي بتقول:
طب… طب أهلي؟ بابا؟ هيوافق إزاي؟”
ماجد قرب منها أكتر، همس بهدوء:
هنروح لهم سوا… وهطلبك منه بنفسي. مش هسمح لحد يستهين بيكي، ولا هيكون في حاجة تتقال عليكي لأنك هتبقي مراتي… لو وافقتي.”
سكتت لحظة، عنيها معلقة بيه، وكل الذكريات اللي بينهم بتمر في عقلها بسرعة… كل وجع، وكل لحظة حب، وكل مرة كانت بتمشي وتستناه يرجع… والنهاردة، هو طلبها تكون معاه للأبد.
ردت عليه بفرحة:موافقة يا ماجد.
ضحك ماجد من قلبه، ضحكة فيها راحة، وحـ.ـضـ.ـنها تاني، وهمس في ودنها:
مش هسيبك يا أروى… أبدًا.”
ابتسمت اروي بحب وماجد بص عليها وعنيه كانت بتلمع بمزيج غريب بين الشوق والراحة… كأنه لأول مرة بقى حر، حر من الخوف ومن البعد، ومن كل المسافات اللي كانت بينهم.
قرب منها ببطء، صوته كان هادي، لكنه مليان عاطفة: أروى…”
رفعت وشها ليه، قلبها بيدق بسرعة مش قادرة تسيطر عليها، همست: نعم؟”
مد إيده ولمس وشها برقة، صوابعه كانت بتمشي على خدها كأنه بيحاول يحفظ ملامحها في عقله… قرب أكتر، لحد ما بقى بينهم أنفاسهم وبس، وبهمس مبحوح قال: بحبك.”
قبل ما تلحق ترد، ماجد مال عليها وطبع قبلة ناعمة على شفايفها، قبلة مفيهاش عجلة… كانت هادية، رقيقة، وكأنها وعد صامت إنه مش هيسيبها أبدًا.
أروى ارتعش جـ.ـسمها، مش بس من المفاجأة، لكن من الإحساس اللي غمرها… لفت إيديها حوالين رقبته، وهي بتبادله المشاعر دي لأول مرة من غير خوف ومن غير تفكير.
بعد لحظات، فاصلوا بصعوبة، ماجد فضل باصص لعنيها، نفس الابتسامة الهادية على وشه، وقال بهمس: هنمشي بقى؟”
أروى كان نفسها اللحظة دي تطول أكتر، بس هزت راسها ببطء، لسه ضايعة في إحساسها، وهمست: آه، يلا.”
مسك إيدها، ضمها في إيده كأنها أثمن حاجة في الدنيا، وفتح باب البيت…
هنرجع لإسكندرية، هنرجع سوا… ومش هنتخبى تاني يا أروى.”
مشيت جنبه، وإيدها في إيده، قلبها كان بيدق، مش عارفة إذا كان ده من الخوف من المواجهة، ولا من الحلم اللي أخيرًا بدأ يبقى حقيقة.
___________________
بعد مرور كام ساعه في بيت أروى في إسكندرية.
الجو كان مشحون… صوت المعلم رزق كان مالي المكان، والغضب ظاهر في كل حركة منه.
إزاي يا هدى؟! إزاي البنت تمشي من ورانا كده؟! هو أنا بقت كلمتي ملهاش لازمة؟!”
هدى كانت واقفة متـ.ـو.ترة، بتحاول تهدي الموقف:
هدي نفسك يا رزق، أكيد في حاجة إحنا مش عارفينها…”
قبل ما يكمل رزق صياحه،جرس الباب رن ..فقربت هدى بسرعه تفتح الباب وكان رامي..واللي دخل وعنيه كانت جدية وصوته ثابت وهو بيوجه كلامه لرزق:
حقك تزعل يا معلم رزق… بس اسمحلي أقولك إن الموضوع مش زي ما انت فاكر.”
المعلم رزق بص لرامي بحدة:
مش زي ما أنا فاكر إزاي؟ بنتي سابت البيت ومشيت من غير ماحد يعرف ! عايزني أفتكر إيه غير الفضايح؟!”
رامي قرب منه، ونبرة صوته كانت هادية لكنها قوية:
مع احترامي ليك… بس أروى ما هـ.ـر.بتش دي راحت عند بنت خالتها ترتاح بسبب الضغط من اللي كانت فيه ..هيا صح غلطت بس هيا برضوا معذوره ..ماجد بيه راح لها علشان يصالحها بعدما زعلها منه ويطلبها من حضرتك رسمي.”
اتسعت عيون المعلم رزق، كأنه مش مصدق:
يصالحها؟! ويطلبها رسمي؟”
هز رامي راسه:
آه… ماجد بيحب أروى بجد، ومستعد يعمل أي حاجة علشانها. هو مش واخدها علشان يتسلي هو واخدها علشان يرجع بيها ليك…علشان يطلبها بالحلال.”
هدى بصت لرامي باستغراب… في حاجة في طريقته كانت غريبة، كأنها شايفة نظرة مختفية ورا الكلام… نظرة وجع!
بس… بس هو مش… مش كان عنده ابن؟ ومـ.ـر.اته؟”
رامي تنهد وقال: ابنه رحيم، ده جزء من حياته… لكن مـ.ـر.اته؟ هي مجرد أم لابنه، مفيش بينهم أي حاجة، ولو كان في، كان ماجد عمره ما فكر يقرب من أروى.”
هدى كانت بتبص لرامي بتمعن… إحساس غريب شـ.ـدها، كأنها لاحظت حاجة تحت كلامه، حاجة مش قادر يخبيها… كأنه بيتكلم عن حد بيحبه بس مش من حقه!
المعلم رزق ما كانش قادر يستوعب، صوته كان عالي:
وأنا المفروض أصدق الكلام ده؟! أروى بنتي… مش لعبة في إيد حد!”
رامي وقف ثابت، عنيه بتلمع بإصرار:
أروى مش لعبة… وماجد مش بني آدم بيلعب… دا جاي يطلبها بالحلال، وأنت ليك الحق توافق أو ترفض… بس مش من حقك تظلمه.”
قبل ما المعلم رزق يرد، جرس الباب اتفتح مرة ودخلت أروى و إيدها في إيد ماجد، ووشها محمر من التـ.ـو.تر والخوف، بس واقفة جنبه.
الغرفة سكتت تمامًا… حتى نفس المعلم رزق وقف في صدره.
هدى همست بذهول:
أروى…!”
ماجد شـ.ـد نفس عميق، وطلع خطوة لقدام، وقال بصوت واضح وقوي:
جيت أطلب بنتك يا معلم رزق… بالحلال.”
المعلم رزق وقف ثابت عنيه كانت زي النار،
مستغرب انه شايف بنته مع الراجـ.ـل اللي بيحترمه وبيقدره وبيشتغل معاه من سنين.. كان حاسس بهيبه وفي نفس الوقت بخوف..
مش عارف يقول ايه..بس كان لازم يعمل الصح ويقدر بنته قدامه ويثبت قيمتها عنده حتي لو مش طايقها. وانه متضايق من اللي عملته.. وفي اللحظة دي رزق مهموش الشغل قد ما همه بنته .. بصلهم هما الاتنين، وأروى كانت حاسة إنها خلاص هتقع من كتر التـ.ـو.تر… ماجد شـ.ـد إيدها بهدوء، كأنه بيحاول يطمنها، بس ده ما خففش من غضب والدها.
أروى… أنتي جيتي معاه كده؟ من غير ما ترجعيلنا؟ من غير ما حتى تفكري تقوليلنا إبنك رايحه لأسيوط؟!”
أروى صوتها كان مرتعش، حاولت تتكلم، بس ولا حرف طلع منها…
أنا أبوكي! أبوكي اللي عمره ما فكر يوجـ.ـعك ولا يكسرك… تقومي تعملي كده؟ تهربي علشان راجـ.ـل؟!”
هدى قالت بسرعة، بتحاول تلحق الموقف:
رزق… استهدى بالله، البنات بتغلط…”
تغلط؟! أروى عمرها ما رفعت عليا صوتها، ولا خالفتلي كلمة… تيجي النهارده وتعمل كده؟ عشان خاطر مين؟!”
سكت لحظة، وبصل ماجد بحدة:
عشان خطر الراجـ.ـل ده؟!”
ماجد كان هادي، رغم أن صوته كان متزن جدًا:
معلم رزق… أنا مقدر غضبك، وأي أب مكانك كان هيكون دا نفس رد فعله… بس اسمحلي أوضح حاجة، أروى ملهاش ذنب في اي حاجه كله كان بسببي”
رزق ضيق عنيه، وقال بتهكم:
بسببك وإيه بقى اللي كان ممكن يخلي بنتي تمشي من غير ما نعرف بسببك”
أروى قطعت الصمت، صوتها كان مهزوز بس واضح:بابا…!!
رزق اتنفس بعمق، صوته كان مزيج من الغضب والخذلان:
أنا مش فاهم… مش فاهم إزاي بنتي اللي ربيتها على الصح، تعمل كده… دا حتى الناس هتتكلم! وتقول أروى سابت بيت ابوها علشان بتحب راجـ.ـل ابرها حتي ميعرفش بالموضوع!”
ماجد قرب خطوة، وهو بيحاول يفضل هادي:
معلم رزق… أنا مش هسيب الناس يتكلموا عنها… أنا جاي أطلبها بالحلال، أروى هتبقى مراتي.”
هدى عنيها لفت على رامي، اللي كان واقف ساكت، وسألته بصوت وا.طـ.ـي:
أنت كنت عارف بكل ده؟”
رامي بلع ريقه، وبص بعيد وهو بيقول:
كنت عارف… وكان لازم أقولكم، بس كنت عايز أديهم فرصة ييجوا بنفسهم.”
أروى عنيها دمعت، وبصت لوالدها برجاء:
بابا… أنا آسفة… علشان حطيتك في الموقف دا
رزق لف ضهره، وأخذ نفس طويل… سكوت قـ.ـا.تل سيطر على الاوضة.
المعلم رزق وقف لثواني، عنيه سابت الأرض واتعلقت بماجد… كان واضح إنه بيحاول يمسك غضبه، أو على الأقل يفهم اللي قدامه عايز إيه بالظبط.
بصله بحدة، وقال بصوت تقيل:
طب قولي يا ماجد… عايز مني إيه؟”
ماجد شـ.ـد نفسه، وكأنه كان مستني اللحظة دي، ورد بثبات:
عايز رضاك، وعايز أروى… بالحلال.
رزق قاطع كلامه بسرعة:
وأنت فاكر إن الموضوع كده؟ إنك تيجي تقول بحبها، وعايزها، فأجوزها لك؟”
ماجد قرب خطوة، وملامحه كانت كلها صدق:
لا… فاكر إنه لازم أوضحلك أنا مين، وعايز أروى ليه.”
رزق حرك راسه بإشارة انعع يكمل وهو بيحاول يخبي غضبه المتزايد.
ماجد اتكلم و صوته كان مليان عاطفة، لكن قوي:
أنا راجـ.ـل عندي شغل، وعندي ابن… ورغم كده، لما حبيت أروى، كان حب صادق… مش مجرد نزوة.”
هدى كانت بتبص بينه وبين بنتها، وقلبها بيطرق، أما رامي فكان متجمد في مكانه، عنيه كانت بعيدة، وكأنه بيصارع حاجة جواه.
ماجد كمل:
أنا مدخلتش أروى في حياتي عشان أضايقك، أو أخليها تعاندك… أنا كنت موجود عشان أحبها بجد، وأحافظ عليها.”
رزق ضيق عنيه:
وحافظت عليها إزاي لما خليتها تمشي بسببك من غير علمي؟”
ماجد حس إن السؤال ده زي السكينة، لكنه رد بسرعة: انا مكنتش اعرف اني لما ابعدها عني هتعمل كده بس هيا عملت كده بسبب حبها ليا وانا مقدر دا لاني فعلا بحبها!
أروى دمـ.ـو.عها وقفت على حرف عنيها، وهي بصوت مبحوح:
بابا…ماجد كويس وصدقني هو ملوش ذنب في اللي حصل انا اللي غِلط وبطلب من حضرتك تسامحني!
رزق بصلها، وصوته كان أخف شوية، لكن لسه فيه غضب مكبوت:
أنتي بجد بتحبيه يا أروى”
اللحظة دي، كانت زي السهم اللي اخترق قلب ماجد… ردت أروى، بصوت واضح، ثابت رغم الخوف:
آه… بحبه يا بابا.”
رزق بص لماجد بتركيز، وبعد لحظة صمت، سأل:
ولو رفضت؟”
ماجد شـ.ـد إيد أروى أكتر، وعنيه كانت صادقة وهو بيقول:
ساعتها، مش هسيبها… بس عمري ما هعمل حاجة ضدك، يا معلم رزق.”
الهدوء رجع يسود الأوضة… اللحظة دي كانت فاصلة… المعلم رزق بيبص في عيون ماجد وأروى، وهو مش عارف إذا كان هيقبل ولا هيصر على رفضه.
_________________
المعلم رزق خد نفس عميق… كانت نظراته بين أروى وماجد مليانة صراع، كأنه بيحارب جواه بين خوفه على بنته وبين إحساسه بصدق ماجد. أخيرًا، بص لأروى، وصوته كان أهدى بكتير:
وأنتي بق متأكدة… إن ماجد هو اللي انتي عايزاه؟”
أروى عيونها دمعت، وهزت راسها بحزم:
آه يا بابا… عايزة ماجد.”
رزق حول بصره لماجد، ووقف قدامه، وقال بصوت تقيل لكنه أهدى من الأول:
أنا مش سهل عليا أوافق… مش عشانك… عشان انتي بنتي… يا أروى نور عيني.”
ماجد رد بسرعة، وعنيه بتلمع:
وأنا هخليها نور عيني أنا كمان، يا معلم رزق… وهصونها طول عمري.”
لحظة صمت طويلة… وبعدين رزق قال، وهو بيشـ.ـد نفس عميق:
لو أنت راجـ.ـل جدع… وهتخليها مرتاحة… يبقى مفيش مانع.”
هدى فتحت عيونها باندهاش، وأروى حست إن قلبها هيوقف، أما ماجد، فابتسم لأول مرة من قلبه، وعنيه اتملت امتنان.
شكرا، يا معلم رزق… والله ما هتنـ.ـد.م.”
رزق بص له بحدة خفيفة، وقال بصرامة:
أنا مش عايز شكرا… أنا عايز أروى مرتاحة.”
هدى قاطعته، بصوت دافئ:
خلاص… يبقى نحدد معاد كتب الكتاب.”
أروى شهقت بصدمة وفرحة، وقالت بصوت متقطع:معاد كتب الكتاب؟”
رزق هز راسه، وقال بحسم:
أيوة… علشان الناس ما تتكلمش… وعلشان لما تاخد بنتي، يبقى بالحلال.”
ماجد قرب من أروى، وابتسم لها بخفة، وهمس:
إحنا هنتجوز بجد، يا أروى.”
هدى سألت بعملية: والمعاد؟ عايزينه امتى؟”
ماجد بص لأروى، وقال بهدوء:
أقرب وقت… عايزها تكون مراتي النهارده قبل بكره.”
أروى قلبها كان بيدق بجنون، ورامي كان واقف ساكت، عنيه مشاعره مش مفهومة، لكنه فضل ساكت.
المعلم رزق قال بحزم:
خلاص… يوم الخميس الجاي… قدام الناس كلها.”
الجو كان متـ.ـو.تر… لكن فيه لمحة أمل بدأت تنور في عنين أروى وماجد.
______________
المعلم رزق بعد ما قال كلمته وحدد كتب الكتاب يوم الخميس، ماجد فضل قاعد مكانه، مظهرش على وشه غير الاحترام والخضوع لهيبة الراجـ.ـل ده… مش علشان خايف منه، لكن علشان عارف إنه أبو أروى، وإنه لازم يحس إنه بيحط بنته في إيد أمينة.
هدى كانت قاعدة ساكتة، لكن عيونها مترقبة لأي حركة أو كلمة. وأروى كانت هادية، قلبها بيدق بسرعة، وكل ما تبص لماجد تحس إنها بتحلم، بس قعدة أبوها رجعتها للواقع.
المعلم رزق بعد ما أخد نفس طويل قال:
طيب، يا ماجد… طالما خلاص اتفقنا… عاوز أعرف الشبكة هتكون إيه؟ والبنت لازم يكون ليها بيتها.”
ماجد نظر له بثقة وقال:
أنا ناوي أجيب لها شبكة زي ما تستحق… خاتم ألماس وكل اللي هيا هايزاه انا تحت أمرها وهنروح نختارهم سوا… وبيتنا هيكون في المنيا، أنا عايزها معايا هناك، ده مكاني وشغلي وبيتي.”
المعلم رفع حاجبه:
ومين قالك إن أروى هتسيب بيت أهلها وتروح تعيش في مكان غريب من غير ما نتفق؟”
أروى اتكلمت بسرعة:
يا بابا، ماجد عنده حق… هو شغله هناك، وأنا مش هبقى بعيدة، المنيا مش آخر الدنيا يعني.”
ماجد بص لها بابتسامة صغيرة، وكمّل:
أنا مش هاخدها غصب، يا معلم… هنعمل الفرح هنا، وكل اللي أنت عاوزه هيحصل… بس بعد الجواز، بيتنا هيبقى هناك.”
المعلم فكر شوية، وبعدين قال ببطء:
أنا مش عاوز حد يقول إني رميت بنتي… يبقى لازم الفرح يكون على قد المقام… الناس تتكلم بالخير.”
ماجد بحزم: الفرح هيكون على مزاجك، وأنا اللي هتكلف بكل حاجة… أروى أمانة في رقبتي، ومش هسمح لحد يتكلم عنها بحاجة وحشة.”
هدى قالت أخيرًا: المهم البنت تبقى مرتاحة… وحقها يبقى محفوظ.”
ماجد ابتسم لها باحترام:
حقها فوق راسي، يا أمي.”
المعلم رزق وقف، فوقف ماجد على طول، ومد المعلم إيده ليه، ماجد مسكها بقوة.
الخميس… بعد العشا، نكتب الكتاب.”
ماجد: بإذن الله.”
أروى قلبها كان طاير من الفرحة… الليلة دي هتنام لأول مرة وهي حاسة إنها بتتخطى حدود المستحيل… وأخيرًا، هتكون مع ماجد للأبد.
بعد ما المعلم رزق حدد المعاد، وماجد اتفق معاه على كل حاجة، استأذن هو ورامي، وخرجوا من البيت… وأروى فضلت واقفة مكانها، عينيها بتلمع بدمـ.ـو.ع الفرحة، وابتسامة مش قادرة تخبيها، وهدى شايفاها بس ساكتة، مش عايزة تعكر عليها اللحظة.
لما ماجد وقف جنب عربيته، لف لرامي ومد إيده ليه:
مقدرش أنكر اللي عملته معايا، يا رامي… ولازم أشكرك.”
رامي مد إيده وبابتسامة هادية على وشه، ابتسامة حد بيحاول يخفي وجعه:
المهم أروى تكون مبسوطة… أنا عملت اللي عليا.”
ماجد شاف في عيون رامي اللي مفيش كلمة تقدر توصفه… لكن قرر يحترم صمته، فهز راسه وقال:
خلي بالك من نفسك.”
رامي سحب إيده وقال بهدوء:
أنا مش هبقى موجود الفترة الجاية… مش هقدر أكون حواليكم.”
ماجد فهم قصده، وما ضغطش عليه، بالعكس، احترم قراره، وسلم عليه للمرة الأخيرة، وكل واحد ركب عربيته…
و ماجد خد طريقه على المستشفى علشان يطمن على ابنه.
لما وصل المستشفى، كانت السكينة في الممرات تخلي أي صوت مهما كان وا.طـ.ـي واضح ومسموع. دخل ماجد بخطوات تقيلة، لسه الحاجات اللي حصلت النهارده بتلف في دماغه… لحظة إنه خلاص هيكتب كتابه على أروى… فرحة، لكن كان فيه غصة صغيرة، يمكن علشان مش كل الناس سعيدة بالخبر ده.
ولسه واقف عند باب غرفة رحيم، سمع صوتها… نتاشا.
ماجد… كنت فين كل ده؟!”
لف ناحيتها، كانت واقفة، وملامحها مزيج بين القلق والغضب، بس في حاجة تانية… حاجة كان متوقعها.
كنت عند أروى… و… حددنا معاد كتب الكتاب.”
اتسعت عيني نتاشا بصدمة… كأنها سمعت حكم بالإعدام:
إيه؟! كتب الكتاب؟!”
ماجد ثبت نظره فيها، مش عايز يجرحها أكتر، بس لازم يكون واضح:
آه… الخميس الجاي.”
صمتت لثواني، وبعدها بدأت عيونها تلمع بدمـ.ـو.ع حبستها كتير: بس أنا… أنا كنت فاكراك…”
ماجد قطع كلامها بهدوء، بس بحزم:
نتاشا، إنتي عزيزة عليا… وصديقة غالية… بس مش أكتر من كده.”
دمـ.ـو.عها وقعت، لكنها مسحتها بسرعة وقالت بانهيار مكتوم:
أنا كنت بحبك، يا ماجد… كنت فاكراك هتشوفني في يوم زي ما أنا بشوفك.”
ماجد قرب منها شوية وقال بصوت هادي:
مش هقدر أجبر قلبي على حاجة مش فيه، يا نتاشا… وأتمنى إنك تحترمي قراري.”
مسحت دمـ.ـو.عها مرة تانية، ونظرت له نظرة مليانة وجع:
مش هقدر أكون حواليك يا ماجد… مش هقدر أشوفك مع غيري.”
سكت ماجد… مقدرش يلومها… فقال بهدوء:
أنا مش عايز أخسرك، بس مش هضغط عليكي… لو ده قرارك، أنا هحترمه.”
نتاشا لفت بظهرها وخرجت بسرعة، وماجد بص لوراها بوجع خفي… مكنش عايز يخسرها، لكنها اختارت اللي ريحها.
نتاشا خرجت من المستشفى وهي مش شايفة قدامها… الدمـ.ـو.ع مع الغضب عملوا ضباب في عينيها، ودماغها بتلف في دوامة واحدة: ماجد اختار أروى… ماجد عمره ما حبني.”
ركبت عربيتها، وبدون تركيز، ضغطت على دواسة البنزين، والشارع كان هادي… لكن فجأة!
صوت فرامل عالي وهزة قوية… العربية وقفت مرة واحدة بعدما خبطت في عربية تانية عند التقاطع.
نتاشا شهقت، قلبها كان هيقف، ومسحت دمـ.ـو.عها بسرعة لما شافت الشخص اللي نزل من العربية التانية… رامي.
إنتي كويسة؟!”
سألها بصوت قلق وهو بيبص جوه العربية عليها، لكنها كانت متـ.ـو.ترة لدرجة إنها مقدرتش ترد.
فتح الباب وقال بهدوء:
نتاشا… ردي عليا، إنتي تمام؟”
هزت راسها بنعم، بس عينيها فضلت عالقة على الفراغ قدامها. رامي لاحظ ارتجاف إيديها، وعرف إنها مش بخير، مش من الخبطة… لأ، من حاجة أعمق.
تعالي… مش هينفع تفضلي هنا .”
بعد تردد، نزلت من العربية، ومشيت جنبه بخطوات متـ.ـو.ترة، وهو خدها لبيته القريب علشان تهدى شوية، لأنه حس إنها في حالة نفسية صعبة.
لما دخلوا، قعدت نتاشا على الكنبة، وفضلت صامتة، لحد ما رامي قدم لها كباية مية، وقعد قدامها.
عايزة تحكي؟”
رفعت راسها له، وانهارت فجأة:
ماجد… هيكتب كتابه… على أروى.”
رامي حرك عضلات فكه، وكأن الكلام جرحه هو كمان، لكنه أخفى إحساسه… لسه بيحاول يتقبل الحقيقة دي.
وأنا كنت فاكراه بيحبني… كنت مستنية اليوم اللي يشوفني فيه زي ما أنا بشوفه.”
رامي بص لها بنظرة عميقة، وقال بصوت متماسك رغم الألم:
نتاشا… محدش بيقدر يغصب حد على الحب… ماجد قلبه كان دايمًا متعلق بأروى، مهما حصل.”
نتاشا رفعت عيونها المليانة دمـ.ـو.ع له:
طيب وأنا؟ أنا ماليش حق في الحب؟”
رامي ابتسم ابتسامة حزينة، وقال وهو مركز في عيونها:
يمكن الحب اللي بنستناه مبيجيش… بس أوقات الحياة بتخبيلنا حاجة أحسن، حتى لو إحنا مش شايفينها دلوقتي.”
نتاشا كانت مستغربة كلمـ.ـا.ته… وحست بنظرة رامي، وكأنها أول مرة تشوفه بعين تانية.
لحظة سكون غريبة وقعت بينهم… كأن الحزن اللي جوه كل واحد فيهم بدأ يلاقي صداه عند التاني.
رامي بص بعيد، وهو بيقول بهدوء:
يمكن الأيام تداوينا… أنا وانتي.”
نتاشا فضلت تبص له… وهي مش عارفة إذا كانت الأيام فعلًا ممكن تجمعهم، ولا ده مجرد وجع بيحاولوا يهربوا منه.
__________________
بعد يومين في المستشفى
الجو كان هادي في أوضة العناية المركزة، ماجد واقف جنب سرير رحيم، عيونه متعلقة بوش ابنه الصغير اللي بدأ يستعيد وعيه ببطء.
فتح رحيم عيونه بضعف، وبص لوالده، صوته كان واهي لكنه مليان شوق:
بابا…”
ماجد، الراجـ.ـل الصلب اللي عمره ما كان بيظهر مشاعره بسهولة، لقى نفسه بينحني بسرعة، ويمسك إيد ابنه ويقبلها بحنان نادر:
أنا هنا يا رحيم… أنا جمبك، وهفضل جمبك طول العمر.”
دمـ.ـو.عه كانت متعلقة في طرف عيونه، لكنه مسحها بسرعة قبل ما رحيم يلاحظ.
دخل الطبيب بعدها، وبشر ماجد إن العملية نجحت، وإن رحيم محتاج فترة نقاهة ومتابعة دقيقة، لكن حالته مستقرة.
ماجد هز راسه بامتنان، وقبل ما يمشي، وقف مع مدير المستشفى:
عايز فريق طبي متكامل لرحيم… أحسن دكاترة، ومهما كانت التكلفة، أنا المسؤول.”
المدير طمنه، وماجد طلع من المستشفى، قلبه أخف بكتير… لأول مرة من شهور طويلة، حس بنقطة نور.
_______________
بعد ما اتطمن ماجد على ابنه رحيم، اتصل بأروى… نبرته كانت هادية بس فيها حاجة جديدة، دفء غريب رغم جديته المعتادة.
جهزي نفسك… عازمك على العشا.”
أروى رفت رموشها، مستغربة وقالت:
عشا؟ فين؟”
ماجد: هت عـ.ـر.في لما نوصل… بس حابب أشوفك شيك، حطي في بالك إن الليلة دي مهمة.”
اتلخبطت أروى أكتر… بس ابتسامة خفيفة فلتت من شفايفها، وهي بتتخيل إن العشا دا ممكن يكون احتفال مبكر بكتب الكتاب. لبست فستان بسيط، لونه نبيتي، مش مُبالغ فيه، وشعزها فردته علي ظهرها كان مرتب، مكياجها خفيف، لكن شكلها كان فعلاً يخـ.ـطـ.ـف الأنظار.
وصل ماجد تحت بيتها، ولما شافها نازلة، عينيه اتحركت عليها بسرعة، قبل ما يحاول يخفي الانبهار اللي فلت منه للحظة.
تمام كده… يلا.”
ركبوا العربية، والطريق كان ساكت إلا من أصوات البحر البعيد، لحد ما وصلوا قدام مطعم راقي على البحر… المكان كان فخم، لدرجة إن أروى نفسها مبهورة من الديكور، الإضاءة الهادية، والأجواء الراقية.
قعدوا على ترابيزة بعيدة، فيها شموع وورد، وأروى كانت خلاص بدأت تتكلم، تسأله عن سبب العشا… بس قبل ما تفتح بُقها، فجأة ظهر راجـ.ـل ببدلة شيك جدًا، وراه اتنين مساعدين، وكل واحد فيهم شايل علب قطيفة سودة.
أروى اتسمرت مكانها، وعينيها اتسعت بصدمة:
ماجد… هما مين دول؟!”
ابتسم ماجد ابتسامته الغامضة، وقال بهدوء:
دول جايين مخصوص… علشانك.”
فتح الراجـ.ـل العلب، واللي كانت مليانة خواتم ألماس..كانت الأشكال مبهرة، كل واحد فيهم بيلمع زي النجوم. كانت أحدث مجموعة من المجوهرات لواحد من أشهر المصممين.
أروى همست وهي بتحاول تستوعب:
ماجد… إيه دا؟!”
ماجد:إحنا قولنا نختار الخاتم اللي يليق بمراتي… أو ما تبقاش مراتي، لو مفيش خاتم يعجبك.”
قال جملته الأخيرة بنبرة ما بين الجدية والمزاح، بس نظرته كانت ثاقبة، بتراقب كل حركة لملامحها.
أروى عنيها لفت على كل الخواتم، ولما وقعت على خاتم بسيط — حجر ألماسي مستطيل، محاط بحبات ألماظ صغيرة، رقيق لكنه ملوكي وقفت قدامه…
بصت لماجد، وقالت بحذر:
دا… عاجبني.”
ماجد أشار بيده للراجـ.ـل:
الخاتم دا.”
الراجـ.ـل طلعه من العلبة، وقدمه لماجد، اللي مد إيده لأروى، وقال بهدوء:
هاتي إيدك.”
أروى ارتبكت، بس مدت صوابعها المرتعشة… وماجد بنفس الرصانة المعتادة، لبسها الخاتم، وبعدين مسك إيدها للحظة أطول شوية من المعتاد.
كده… رسميًا، بقينا في انتظار يوم الخميس.
أروى كانت بتبص للخاتم في صباعها وقلبها بيدق بعنف… ووشها احمر، لكن الفرحة اللي جواها كانت أكبر من أي كلام.
أروى:حلو أوي…”
ماجد وهو بيراقب رد فعلها: حلاوته في اللي لابساه.”
رفعت عينيها له، واتلخبطت أكتر، بس ماجد مسك كوباية العصير، وقال بثقة:
نخب كتب الكتاب… مسبقًا.
ودا كان أول عشا بينهم… مش مجرد وجبة، كان خطوة رسمية لحياة جديدة.
____________________
يوم الخميس… اليوم المنتظر.
الشمس كانت لسه بتشرق على الإسكندرية، لكن جو البيت عند أروى كان مشحون… مزيج بين التـ.ـو.تر والفرحة. أمها، هدى، بتجهز كل حاجة، والمعلم رزق قاعد في الصالون، بيحاول يبان متماسك، لكنه كل شوية يعدل في ساعته ويزفر، كأنه مستني اللحظة تعدي.
أما أروى، فكانت واقفة قدام المراية في أوضتها… لابسة فستان أبيض بسيط، مش فخم، بس ناعم ورقيق… شعرها ملفوف بطريقه شيك ورائعىة .وعنيها كانت مليانة لمعة… الخاتم اللي اختارته مع ماجد كان في صباعها، وكل ما تبص عليه، قلبها يدق أكتر.
دخلت أمها… بصت لها من فوق لتحت، ودمـ.ـو.عها كانت على وشك النزول، لكنها شـ.ـدت نفسها:
ربنا يتمملك على خير يا بنتي…”
أروى بابتسامة مرتعشة: إن شاء الله يا ماما…”
صوت زغاريد برا البيت قطع اللحظة… المعلم رزق قام بسرعة، وقال:
ماجد ورجالته وصلوا!”
…
في نفس اللحظة، كان ماجد واقف قدام البيت، لابس بدلة سودا كلاسيكية، ربطة عنق أنيقة، وشعره مصفف بدقة… ملامحه زي ما هي، هدوءه المعتاد، بس عينيه كان فيهم شرارة غريبة… زي ما يكون مستني اللحظة دي بقاله عُمر.
كان جنب ماجد رامي اللي رغم قراره بالبعد أصر يكون موجود في اليوم ده… واقف بجانبه، هادي، لكن عنيه فيها حزن دفين، بيحاول يخفيه بابتسامة مجاملة.
أروى خرجت من أوضتها، قلبها بيخبط بعنف، وكل ما تقرب من باب الشقة، رجليها تتقل… ولما باب البيت اتفتح، وشافت ماجد لأول مرة في اليوم ده، عينها نزلت على بدلته وبعدها وجهه… ونسيت للحظة كل الناس اللي حواليها.
ماجد لما شافها، عينه ثبتت عليها… اتأملها ببطء، ابتسامة رفيعة جداً سابت زاوية شفايفه، وقال بصوت هادي: إنتي أجمل مما تخيلت يا أروى.”
اتكسفت، وبصت للأرض… بس ضحكة المعلم رزق قطعت اللحظة:
كفاية كده، هنكتب الكتاب ولا نقعد نتغزل في بعض؟”
ضحكوا كلهم، وبدأ المأذون يجهز الأوراق…
…
وسط دعوات الأهل، وصوت الزغاريد، وتوقيع المعلم رزق كشاهد، ماجد مسك إيد أروى، وبهدوء قال بصوت رخيم:
وأنا قبلت الجواز من أروى رزق الجندي.”
اللحظة دي… كانت أروى بتحس إن قلبها هيقف، ولما المأذون أعلن إنهم بقوا زوج وزوجة رسميًا… الدمـ.ـو.ع غرقت عنيها، بس دي دمـ.ـو.ع فرحة.
ماجد قرب منها وسط تصفيق الحاضرين، وهمس ليها:
من النهاردة… رسميًا، بقيتي مراتي. يا حرمي المصون
ردت أروى بابتسامة كلها سعادة:
وأنت رسميًا… بقيت جوزي.وكل حياتي
…
بس الفرحة دي متكملش على خير… جعفر كان واقف في آخر الصفوف، عينه مليانة غضب، ووشه مكشر… كل ما يشوف ماجد ماسك إيد أروى، ضراوة الحقد تزيد جواه.
وفجأة، صوته طلع:
مش هتفرح يا ماجد… أنا موجود!”
الناس سكتت، وماجد رفع عينه ببطء ناحية جعفر… ملامحه مجمدتش، بالعكس، كان هادي زي العادة، وابتسامة بـ.ـاردة ظهرت على وشه.
المعلم رزق اتنرفز، قرب منه، وقال بصوت مهدد:
اخرج يا جعفر… فرح بنتي مش مكان للمشاكل.”
رجـ.ـا.لة ماجد اتحركوا، وقربوا من جعفر… وماجد قال بهدوء شـ.ـديد:
—لو مشيت برجلك، هتخرج بكرامتك… ولو فضلت واقف، هتخرج مكسور… اختار.”
جعفر زم شفايفه، وعينه كانت عايزة تولع، لكنه اضطر ينسحب، مرغم… والفرح كمل.
…
بعد ما الناس بدأت تسيب المكان، ماجد خد أروى على جنب، قرب منها، وعينه على الخاتم اللي في صباعها… قال بهمس:إيه رأيك… تسيبي الدنيا كلها النهاردة ونروح نزور رحيم في المستشفى؟”
أروى ابتسمت بحب: طبعًا… ابنك ابني.”
ابتسم ماجد بحب ومسك ايديها وقبلها بحُب وبعدها استأذن من الكل واخدها ومشي..
……………………
بعد وقت كانوت وصلوا المستشفى… وقربوا من ارفة رحيم..
الغرفة كانت هادية، والدكاترة بلغوا ماجد إن رحيم بدأ يتحسن بشكل كبير.
أروى قربت من سريره، وهي بتمسك إيد ماجد، بصت على الولد الصغير اللي ملامحه بريئة رغم التعب…
وفجأة، رحيم فتح عينه ببطء… وبص لماجد، وهمس:
بابا…”
دمـ.ـو.ع ماجد نزلت غصب عنه… وأروى سابت إيد ماجد، ومدت صباعها الصغير ناحية رحيم، وقالت بابتسامة كلها حنان:
أنا أروى… مرات بابا.”
رحيم ببساطة، ابتسم… وغمض عينه تاني.
ماجد بص لأروى، وعنيه بتلمع… وقال بهدوء:
النهاردة، كسبت مراتي… وابني فاق… ولسه حكايتنا مكملتش.”
أروى بابتسامة كلها أمل:
الحكاية لسه في أولها يا ماجد.”
ماجد إبتيم بحب وبص علي رحيم وقال:شوفت اختيار ابوك ..
ابتسم رحيم برغم انه لسا مش مستوعب ولاكن اكتفي بانه يبص عليهم بنظرات كلها حُب.
__________________
بعد ما رحيم غمض عينه تاني وهدأ، الجو في الغرفة كان ساكن… بس بين ماجد وأروى، كان فيه ضجيج مشاعر مالهوش صوت.
ماجد قرب منها أكتر وعينه مثبتة على رحيم… وعمي بهدوء وقال : عارفة يا أروى… دي أول مرة من سنين أحس إن حياتي بتبتدي من جديد.”
أروى بصت له، وعنّيها فيها خليط من الحنية والفرحة وقالت : وأنا حسيت النهاردة إن حياتي ليها معنى… معاك.”
ماجد لف وشه ليها، وببطء، مد إيده، وشال خصلة صغيرة من شعرها رجعها ورا ودنها و صوته كان هادي، بس تقيل بالمشاعر:
ماجد:هفضل دايمًا اني أكون معاكي… في فرحتك، في حزنك، وأنا وعدتك النهاردة قدام الناس كلها… إنك مراتي، واللي بينّا مش هيقف عند ورقة كتبناها.”
أروى ابتسمت، قلبها بيدق، وقالت بصوت منخفض:
وأنا كمان يا ماجد… مش عاوزة أكون مجرد اسم جنب اسمك في ورقة… أنا عاوزة أكون شريكة حياتك بجد.”
سكت لحظة، وبعدين مسك إيدها بين كفوفه، ورفعها لبُقه… وطبع قبلة خفيفة على صوابعها، حسستها إنها في أمان، وإنها خلاص… بقت مع الراجـ.ـل اللي بتحبه.
رحيم اتحرك فجأة في السرير، وصوته الصغير خرج بخفوت:
بابا… هي هتفضل معانا؟”
ماجد اتفاجئ، وبص لأروى، وبعدين نزل لمستوى رحيم، وسأل برقة:
تقصد أروى؟”
رحيم هز رأسه بإيجاب، عينيه متعلقة بيها… فابتسم ماجد وقال:
أروى مش بس هتفضل معانا… دي بقت جزء من العيلة بتاعنا.”
أروى قربت أكتر ومسحت على شعر رحيم، وهمست بحنية:
أنا هنا علشانكم…يا رحيم وهفضل هنا دايمًا.”
رحيم ابتسم، وبص لوالده، وقال:
بابا… أنا عاوز آيس كريم لما أخرج من المستشفى.”
ضحك ماجد بخفة وقال: أنت تؤمر يا بطل… هنجيب لك اللي أنت عاوزه.”
أروى ضحكت هي كمان، وبصت لماجد بنظرة كلها حُب… ولأول مرة، وهي واقفة جنب رحيم، حست إنهم بقوا أسرة صغيرة… أسرة لسه بتكتب أول فصل في حكايتها.
ماجد قفل على اللحظة بنظرة طويلة ليها… وقال بصوت عميق:
من هنا… هنبدأ.”
وأروى، بابتسامة كلها يقين قال: ومن هنا… مش هننتهي.”
…
النهاية… والبداية معًا.
لو خلصتي الرواية دي وعايزة تقرأيي رواية تانية بنرشحلك الرواية دي جدا ومتأكدين انها هتعجبك
التعليقات